المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لكل معلم .. لكل طالب "متجدد"


فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 08:26 PM
المعلم أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية
المعلم أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية
يعتبر المعلم " القاسم المشترك الأعظم في جميع الأنظمة التربوية , ويتفق قادة الفكر والمربون على أن المعلم هو العنصر الفعال في تحقيق الأهداف التربوية , والركيزة الرئيسية في العملية التعليمية التي لا تعلوها أداة , ولا تعوضها وسيلة " , فمهما اُستحدث في التعليم من طرق ووسائل , أو أضيف إليه من موضوعات جديدة , أو تطوير في مناهجه , ومهما رصد له من أموال , أو أقيمت له أفخم المباني , وزود بأحدث الأجهزة والأثاث , فإن ذلك كله لا يمكن أن يترجم إلى مواقف موضوعية , وتفاعلات اجتماعية , وخصائص سلوكية , إلا عن طريق المعلم , فهو " المحرك القوي لكل تلك الجوانب , والقائد الفكري والعملي لعملية التعليم " , وهو الذي يبعث فيها النشاط ويكمل ما فيها من نقص , ويستطيع الرقي بها إلى المستوى المأمول .
والمعلم وارثا من ورثة الأنبياء , ففي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله تعالى يقول (........ وإن العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر ).
وكفى بهذا شرفاً وفخراً للمعلم , فإن الأنبياء عليهم السلام قد وصلوا إلى أعلى درجات الكمال البشري , وهم قادة الأمة , و معلموا الأجيال , ودعاة العدل والإصلاح .
ولمعلمي هذه الأمة من هذا الشرف أعظمه وأوفره ؛ لأنهم ورثة أفضل الأنبياء والمرسلين عليهم السلام , وهو خاتمهم , و أكملهم نشأة وتربية , ولم يزل معروفاً بكل خصال الخير حتى توفاه الله تعالى, فقد بين أن التعليم مهنته ووظيفته , بقوله عليه الصلاة السلام : ( إن الله لم يبعثني معنتاً و لا متعنتاً, و لكن بعثني معلماً ميسراً) , كما شهد له بذلك صحابته الكرام رضي الله عنهم , فهذا معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول :" ........... فبأبي هو و أمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ".
فكان من آثار حسن تعليمه وتربيته, أن تخرج على يديه ثلة من العلماء الجهابذة في شتى الميادين, حتى قال بعضهم:" لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه لإثبات نبوته ".
وبالتالي يوجب هذا على المعلمين العناية الخاصة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم , لأنها " مصدر هداية , وسبيل رشاد للمعلمين في أداء مهامهم التعليمية , و فيها فيض من المعرفة والهداية , والخلق الإسلامي الذي ينبغي أن يتزود به المعلمون , ويساعدوا تلاميذهم على اكتسابه ".


د. حسين نفاع الجابري

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 08:32 PM
التربية على الإعتدال


فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة العقبة، وهو على ناقته: (( القط لي حصى )) . قال ابن عباس : (( فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول : أمثال هؤلاء فارموا ثم قال : يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه ابن ماجه برقم (3029) .

في هذا الموقف التربوي العظيم ظهر جلياً تربية الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتدال في العبادات، والنهي عن الغلو في الدين.

والقصد في العبادات معناه: أن لا يقصّر المسلم في عبادته مع مراعاة تجنب حمل النفس ما لا تطيقه .

وَلْيُعلم أن التربية على الاعتدال سبب قوي على الاستمرار والدوام على الأعمال والطاعات؛ لأن النفس مجبولة على الراحة ومطبوعة على الدعة؛ فإذا أرهقت نفسها بالأعمال الكثيرة والشاقة فإنها سرعان ما تتخلى عنها؛ بخلاف الأعمال المبنية على الاعتدال فإنها ميسرة على النفس، ومقبولة لديها.





الباحث: أبو الحسن الفطاني علي مهاما (تايلند)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 09:16 PM
وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم

لقد أمر الله جل وعلا المؤمنين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب مانهى عنه وزجـر وألا يُعبد الله إلا بما شرع , قال الله تعالى (واتبعوه لعلكم تهتدون ). (الأعراف, آيه 158 ) . وقــال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذرو فإن توليتم فاعلمو أنما على رسولنا البلاغ المبين ) . (المائدة , 92 ) وقال سبحانه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) . (الأحزاب , 36 ) .

وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي أحــد شرطــي قبول العمل . قال الفضل بن عياض ـ رحمــه الله ـ في قــوله تعــالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . (الملك , آية رقم 2)قال :أخلصه وأصوبه . قالوا : ياأبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباًولم يكن خالص لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً, والخالص أن يكون لله,والصواب أن يكون على سنة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ على وجوب اتباعه وطاعته . عن جـابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول :( أما بعد , فإن خير حديث كتاب الله , وخير الهدى هـدى محمد وشر الأمور محدثاتها , وكــل بدعة ضلالة ) . (أخرجه الإمام مسلم )

وعن ابي هريرة ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلى من أبى . فقالو يارسـول الله ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) . ( أخرجه البخاري ) .

امتثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر نبيهم فكانو الأسوة الحسنة والقدوة المثلى وضربو أروع الامثلة لشدة إتباعهم لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم فها هو عمـر بن الخطــاب ـ رضي الله عنه ـ يقول عندما أستلم الحجر في بداية الطواف: والله إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك .

وعن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فلما كنت عند الركن الذي يلي البــاب مـن ما يلي الحجر أخذت بيــده ليستلم فقال: أما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت , بلى . قال: فهـل رأيته يستلمه . قلت. لا قال : فابعد عنه فإن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . ( رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح) .

عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا ً بعيداً فـإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضللاً بعيداً .

وقالت : أم المؤمنين عائشة , ـ رضـي الله عنـها ـ يـرحـم الله نساء المهـاجرات الأول , لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . ( النور، آية31 ) . شققن مروطهن فاختمرن بها . ( أخرجه البخاري ) .

وعلى ضوء ما تقدم فما هو واجب المسلم تجاه إتباع النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره ؟

أن يحرص حرصاً شديداً على إتباعه و إمتثال أمره فإنها هي السعادة الحقيقية الـتي تسير بالنفس إلى جنة عرضها السماوات والأرض . وماهو واجب طلاب العلم والدعاة والمربين نحو إتباعه صلي الله عليه وسلم ؟

أن يتقوا الله جل وعلا في أنفسهم ويكونوا القدوة الحسنة والمثال الحي الواقعي لمدى التزامهم بإتباع النبي صلـى الله عليه وسلم ثم نقل سنته وطريقته صلى الله عليه وسلم للنــاس بالحكمة والموعضة الحسنة .

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يحرص على إتباعه صلى الله عليه وسلم والإقتداء به . إنه سميع مجيب وأخر دعـوانا أن الحمد لله رب العالمين .

إعداد : حامد بن معاوض الحجيلي

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 09:33 PM
نموذج فريد في حسن الخلق
لقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الخلق الرفيع وهو يعلم صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين ، وإليك هذا الحديث ليكون لك أسوة وقدوة عند ممارستك لمهنة التربية والتعليم .

فمن النماذج الرائعة التي تأثرت بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وحَفَزَهُم حسن معاملته، معاوية ابن الحكم السلمي رضي الله عنه حيث قال: ((بينما أن أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلتُ: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلتُ: واثكل أُميِّاه،! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني))، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم .

إن المسلم بحاجة ماسة إلى التمثل بهذه الأخلاق النبيلة المؤثرة في النفوس في تعامله مع أبنائه وتلاميذه ومن حوله، فالرفق وبشاشة الوجه وحسن الخلق، واحتمال الأذى، ومعاملة كل شخص بما يناسبه وغيرها من ضروب المعاملة الحسنة مما يدعوا إلى قبول ما يأمر به ويدعوا إليه بل محبته والإحسان إليه .

وهنا يحسن التنبيه على ضرورة التحلي بالأخلاق الحسنة والتأكيد على فضلها، وبيان أثرها في النفوس.

وقال صلى الله عليه وسلم في الترغيب بحسن الخلق في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «إن من أحبكم إلي أحسنكم أخلاقاً» رواه البخاري .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه» رواه مسلم .

فبالخلق الحسن يستطيع المسلم أن يكسب احترام الآخرين ومحبتهم وبالتالي يسهل عليه تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم .



الباحث:عبدالرحمن بن علي الجهني (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:05 PM
نعمة الأمن
إن الأمن والاستقرار نعمة عظيمة، ومِنَّةٌ كريمة، يستطل بها الجميع من حَرِّ الفتن المظلمة، نعمة يتمتع بها الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والرجال والنساء، وتستقر بها النفوس ويهنأ العيش، بل البهائم تطمئن مع الأمن، وتذعر مع الخوف واضطراب الأوضاع.

و (نعمة الأمن) امتَنَّ الله بها على قريش وما كان الله لِيَمْتَنَّ ـ وهو الجواد الكريم ـ بما ليس منة ولا نعمة، فقد قال سبحانه (لإيلاف قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف).

و (نعمة الأمن) أشد حاجة من الطعام والشراب، ولذا قدمها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه على الرزق قال تعالى (وإذ قال إبراهيم ربي اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات مَن آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومَن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) سورة البقرة، آية رقم (126).

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على عظم منزلة (نعمة الأمن) وأن من حصل عليها فكأنما حيزت له الدنيا بكاملها كما جاء عند الترمذي من حديث عبدالله بن محصن ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

ولك ـ أخي الكريم ـ أن تتصور أنك أعطيت الدنيا بحذافيرها فما هي الحال التي تكون عليها؟

ولك ـ أخي الكريم ـ أن تتصور ما الذي يترتب على فقدان الأمن؟

أنها تحل البدعة بدل السنة!

ولا تعمر المساجد ويُصْدَع فيها بالأذان!

ولا يُحَج للبيت العتيق ولا يطاف!

ولا يأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم!

ولا يهنئون على طعام ولا شراب! ولا تأمن السبل والطرقات!

ولا تُرَدْ المظالم إلى أهلها فينتصر للمظلوم ويُرْدَع الظالم!

ولا تقام الشعائر ويرتفع التوحيد من فوق المنابر!

ولا يجلس العلماء للإفادة ولا يرحل الطلاب للاستفادة!

ولا يُزار المرضى، ويُحترم الموتى!

ولا توصل الأرحام وتُعْرَف الأحكام!

وفي هذه المنزلة العظيمة للأمن ما يؤكد عناية المنهج الإسلامي بالأمن من خلال توضيح كنهه، ومن خلال توضيح المسالك التي تحققه، والأساليب التربوية التي تغرس احترام الآخرين في أموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم وعقولهم وقبل ذلك في دينهم الذي ارتضاه رب العالمين، فجاءت السنة زاخرة بكل ما يربي النفوس على تحقيق الأمن الاجتماعي. ولم يبقَ إلا أن نغرسه في نفوسنا وفي عقول مَن لنا حق الولاية التربوية عليهم.

أسأل الله عَزَّ وجَلّ أن يدي علينا وعلى المسلمين نعمة الأمن والأمان إنه سميع مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



الباحث: حامد بن معاوض الحجيلي (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:16 PM
الحث على كفالة اليتيم والإحسان إليه
لقد أمرنا الله جلّ وعلا في محكم كتابه بالإحسان والعطف على اليتامى في كل زمان ومكان بل إنه سبحانه قد أخذ العهد والميثاق على الأمم قبلنا أن يحسنوا إلى اليتامى قال تعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا). (سورة البقرة، آية رقم (83).

ولقد جعل سبحانه قهر اليتيم وزجره بأي صورة من صور الإيذاء من صفات مَن يكذب بالدين، قال تعالى(أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يَدُعُّ اليتيم ولا يَحُضُّ على طعام المسكين) سورة الماعون.

وإطعام اليتامى من أعظم صفات أهل الجنة، قال تعالى( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)سورة الإنسان، آية رقم(8).

وقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الإحسان إلى اليتامى بأفصح عبارة، وابلغ أسلوب، فقال صلى الله عليه وسلم(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بالسبابة والوسطى، قال ابن بطال "حق على مَن سمع هذا أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة أفضل من ذلك في الآخرة".

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل)أخرجه البخاري.

أخي الكريم: إن كان لديك شوق أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، وقائد الغُرِّ المُحَجَّلين، فأدخل السرور على قلب يتيم..جفف دمعه..امسح رأسه..أكس بدنه..تبسَّم إليه أطعمه.

وإن أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، فاكفل اليتيم، واعطف عليه، واجبر كسره فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه، فقال له صلى الله عليه وسلم:(أتحب أن يلين وتدرك حاجتك، ارحم اليتيم ، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك).وفي رواية (أدن اليتيم منك، وألطفه، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، وتدرك حاجتك) صحيح الجامع.

وإن تنشئة اليتيم التنشئة الصالحة من خلال المجتمع يغرس فيه حب المجتمع، والتفاني له، ويتعلم أفراده من بعضهم البعض كيف يتم التعامل مع اليتيم وكيف تكون رعايته وتوجيهه واحترامه وتقديره والأخذ بيده نحو الخير والفلاح.





الباحث: حامد بن معاوض الحجيلي (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:21 PM
الأخلاق في نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فإن معرفة ما كـان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلق جم ، وأدب رفيع ، من أهم ما تنبغي العناية به ، إذ وصفه ربه جل وعلا بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) ، فهو القدوة الأولى للمسلمين ، كما قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، ولذا كانت وصاية سلفنا الصالح للجميع الالتزام بالآداب التي وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال إبراهيم الحربي ( ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به) ، وقد كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالآداب الفاضلة تظهر في صور مختلفة منها :

1 ـ. بيانه صلى الله عليه وسلم للأمة أن من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها هو إتمام مكارم الأخلاق ، حيث قال r ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

2 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم عد حسن الخلق من أعظم مواهب الله تعالى للإنسان ، حيث قال r لما سئل عن خير ما أعطي الناس ؟ ( خلقٌ حسن ).

3 ـ دعوته صلى الله عليه وسلم الناس إلى تحسين أخلاقهم ، وبيانه للأجر العظيم الذي يترتب على ذلك ، بقوله صلى الله عليه وسلم (اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ).

4 ـ كثرة دعائه صلى الله عليه وسلم ربه أن يهبه محاسن الأخلاق ، وأن يصرف عنه سيئها ، هذا مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الفاضلة ، والشيم الرفيعة ، التي لا يدانيه فيها أحد ، ولا يلحقه فيها بشر ، فقد ورد عنـه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ربه فيقول : ( . . . واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت . . . ) ، كما كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أسألك صحـة في إيمـان ، وإيمانًا في خلق حسن . . . ) .

5 ـ تطبيقه صلى الله عليه وسلم للأخلاق الفاضلة ، والتزامه بها عمليًا مع سائر أفراد المجتمع من حوله ، مما كان له أكبر الأثر في نفوسهم ، فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : (كان رسول الله r أحسن الناس خلقًا ) ، ويقول : ( خدمت رسـول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي : أفاً قط ، ولا قال لي لشيء : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟ ) فإذا كان هذا حاله مع الخادم فكيف بغيره !! ، وهذا جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه يقول : (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم ).

الباحث : حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:28 PM
العدل في التربية والتعليم (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

أقام الإسلام المجتمع على دعائم قوية ثابتة، ومنها: العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم.

وقد تعددت مفاهيم العدل بتعدد صوره وأنواعه، ولكن ما يهم الباحث هو مفهوم العدل الاجتماعي الذي عرفه بعضهم بأنّه: "أن يصرف الإنسان أمور نفسه وأمور النّاس على قانون لا عوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة، وأن يسيّر أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل".

ويقوم العدل الاجتماعي على أساس تعاون أفراد المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص أمام الجميع، بغض النظر عما بينهم من فروق في الجنس، أو العرق، أو المستوى الاقتصادي، أو المستوى الاجتماعي...بحيث يتاح لكل عضو الفرص المناسبة تبعا لاستعداداته وقدراته، ثم عطائه بعد ذلك.

ومن أهم مجالات العدل الاجتماعي العدل في التربية والتعليم، والتربية الإسلامية تتميز باهتمامها المتفرد بالعلم والمتعلمين، ومن خلال اهتمامها بالعلم والتعليم أكدت على أهمية الوسائل المعينة على إيجاد بيئة تربوية مناسبة لتحصيل العلم، والمبادئ التي تنظم العمليات التربوية، ومن أهم تلك المبادئ مبدأ العدل، فالتربية الإسلامية تستمدّ جذورها من تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو إلى نبذ النظم الطبقية التي تفرق بين البشر دون مسوغ شرعي، والتربية الإسلامية منذ بزوغ فجر الإسلام لم تعرف نظام الطبقات في التعليم، "ولقد ساوى الإسلام بين أبناء الأغنياء والفقراء في التعليم، ومنحهم جميعا الفرص في أن يتعلموا من غير تفرقة بينهم".

ولقد دعا الإسلام إلى تحقيق هذا المبدأ في التربية والتعليم؛ لما يترتب على تطبيقه من آثار تربوية إيجابية كثيرة، تعود بالنفع للفرد والمجتمع بأكمله، وتتنوع ملامح وصور هذا المبدأ في التربية الإسلامية، ومن أبرز هذه الملامح والصور ما يلي:

أولا - العدل بين المتعلمين في المعاملة:

ويقصد بالعدل في المعاملة: أن تعامل المؤسسة التربوية جميع المتعلمين معاملة قائمة على الحق والعدل لا على المكانة الاجتماعية أو الحالة المادية، بمعنى أن يعامل الأغنياء والفقراء وذوو النفوذ والمكانة معاملة أفراد المجتمع من حيث إتاحة الفرص للتعلم، وتوزيع النظر والاهتمام بهم، والشفقة عليهم والجلوس في مكان بارز ليروا المعلم جميعا، وأن يكون التفاضل بينهم قائما على أساس مستوى المتعلم وما يحققه من تقدم في تحصيله دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

فالتربية الإسلامية تنظر إلى البشر كلهم على اختلاف شعوبهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وعلى اختلاف منازلهم الاجتماعية، والأعمال التي يقومون بها، والمال الذي يملكونه، على أنّهم كلهم عباد لله، أصلهم واحد، وخالقهم واحد، فلا تفاوت بينهم في الكرامة الإنسانية، وفيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

وبناء على هذه النظرة سوَّت التربية الإسلامية في الحقوق بين الناس جميعا، بين الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، وأصحاب المراتب وعامة الناس، فكلهم أمام الحق والحقوق والكرامة الإنسانية سواء، أما التفاضل بينهم عند الله فهو بالتقوى والعمل الصالح: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وأما تفاضلهم في الحياة الاجتماعية فيكون بقدر تفاوتهم في العمل والجهد والخبرة والمواهب والعلم والإنتاج النافع، وغير ذلك مما يتفاوت فيه الناس، ويكون سببا في التفاضل وتقدير الجهد المبذول لمنفعة الناس.

عن رفاعة بن رافع t؛ أن النبي r قال لعمر رضي الله عنه: ((اجمع لي قومك))، فجمعهم، فلما حضروا باب النبي r دخل عليه عمر فقال: قد جمعتُ لك قومي، فسمع ذلك الأنصار، فقالوا: قد نزل في قريش الوحي، فجاء المستمع والناظر ما يقال لهم، فخرج النبي r، فقام بين أظهرهم. فقال: ((هل فيكم من غيركم؟)) قالوا: نعم؛ فينا حليفنا وابن اختنا وموالينا. قال النبي r: (((حليفنا منا، وابن اختنا منا، وموالينا منا، وأنتم تسمعون: إن أوليائي منكم المتقون؛ فإن كنتم أولئك فذاك، وإلا فانظروا، لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال فيعرض عنكم))...الحديث.

وعن ابن عباس قال: ((لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} حتى بلغ: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك! فليس أحدٌ أكرمَ من أحد إلا بتقوى الله)).

وعن يزيد بن الأصم t قال: قال ابن عباس: ((ما تعدُّون الكَرَم؟ وقد بَيَّن الله الكَرَم، فأكرمُكم عند الله أتقاكم، ما تعدون الحَسَب؟ أفضلكم حَسَباً أحسنكم خُلُقا)).

وبناء على هذه النصوص وغيرها التي تدعو إلى المساواة الإنسانية وعدم التفاضل بين البشر إلا بالتقوى، نادى عدد من المربين المسلمين بإنصاف المتعلمين والعدل بينهم في المعاملة كحق من حقوقهم في التعلم، فهذا الآجري يقول: "ويعتقد الإنصاف إن كان يريد الله بتلقينه القرآن، فلا ينبغي أن يقرب الغني ويبعد الفقير، ولا ينبغي له أن يرفق بالغني، ويخرق بالفقير، فإن فعل هذا فقد جار في فعله فحكمه أن يعدل بينهما".

كما نادى ابن جماعة بهذا المبدأ مطالبا المعلم "ألا يظهر للطلبة تفضيلَ بعضهم على بعض عنده في مودّة أو اعتناء، مع تساويهم في الصفات من سن أو فضيلة أو تحصيل أو ديانة، فإنّ ذلك ربما يوحش منه الصدر وينفر منه القلب". وهذا إشارة منه إلى الآثار التربوية والنفسية السلبية المترتبة على عدم المساواة بين المتعلمين، وتفضيل بعضهم على بعض دون مبرر مقبول.

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:36 PM
العدل في التربية والتعليم (2)
ثانيا - العدل في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص:

ومن مجالات العدل في التربية والتعليم تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، وهو"يعني: حق كل فرد في النمو في مجالاته المتعددة الأوجه، وحسب ما تسمح به قدراته وإمكاناته واستعداداته، مع توفير مستقبل آمن له". ويعني في مجال التربية والتعليم: "توفر جميع الأطفال المتعلمين والتلاميذ على نفس الإمكانيات والمؤهلات المادية والاجتماعية والثقافية وغيرها بدون تفاوت بينهم، ولا تمييز لا في اللون، ولا في الجنس، ولا في الدين".

وأشار بعض الباحثين إلى أن مصطلح تكافؤ الفرص يعني: أن "يتاح لكل فرد فرصة التعليم على أساس متكافئ، دون قيد أو تمييز بسبب الوضع الاجتماعي أو الغنى والفقر أو الدين أو العرق والسلالة، وهذا يعني أن يكون التعليم متاحا للجميع".

وفي منهج التربية الإسلامية نجد أن تكافؤ الفرص ركيزة من ركائز الفكر التربوي الإسلامي، وهو نتيجة حتمية لمبدأ العدل والمساواة في الإسلام وثمرة من ثمراته، فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض ولا أسود، بل كل بمقدار عمله، وما يميز المسلم عن غيره هو ما يتحلى به من تقوى الله جل وجلاله، وما يبذله من جهد، وما ينتجه من أعمال.

فتهيئة الفرص التعليمية في الإسلام تتناول كل الطبقات والأفراد حتى ذوي العاهات، فالكل له الحق في التعلم على الدولة وعلى المجتمع.

ومن حق كل طفل في المجتمع المسلم الراشد العادل أن يجد العلم والصحة ويجد بعد ذلك الفرصة للعمل، بحسب طاقته وموهبته وإمكاناته، ولا ضير بعد ذلك إن حصل التفاوت؛ لأنه تفاوت طبيعي لا بد منه؛ لأن الله تعالى لم يخلق الناس نسخا مكررة. وهذا يعني أن تكافؤ الفرص في منهج التربية الإسلامية لا يعني التساوي في كل الأمور؛ فالإسلام يقر التفاوت والاختلاف في المواهب والاستعدادات، فلا بد من التنوع والاختلاف الذي يسمح بالتكامل والتعاون.

عن أبى هريرة قال : سئل رسول الله r أيّ النّاس أكرم؟ قال: ((أكرمُهم عند الله أتقاهم)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فأكرم الناس يوسف نبيّ الله بن نبيّ الله ابنُ خليلِ الله)). قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: ((فعَنْ معادن العَرَب تسألوني؟)). قالوا: نعم. قال: ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهوا)).

وكان مبدأ تكافؤ الفرص أمراً مقرّراً في المجتمع الإسلامي، وقد اتسعت دائرته "في حياة الأمة الإسلامية، فشملت كل مواطن يعيش في الدولة الإسلامية، ومن هنا تضافر على إنشاء الحضارة الإسلامية كنوز الفكر الإنساني من جميع الأجناس والألوان واللغات وانصبت في حياضها ثمرات قرائحه على مدى العصور والأزمان، فكانت حضارة إنسانية عامة، لا تختصّ بجنس دون جنس، ولا بلغة دون لغة، ولولا هذه النظرة الإنسانية الشاملة للمواهب البشرية لما وصلت الحضارة الإسلامية إلى الشأو الرفيع الذي وصلت إليه".

العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل في التربية والتعليم:

من العوامل التربوية الميسرة لتحقيق العدل ما يلي:

1. الإيمان بالله تعالى وتقواه، ومراقبته في السر والعلن في كل قول أو عمل، وهذا ما يدفع المرء إلى مقابلة السيئة بالحسنة، والعدل مع القريب والبعيد، والصديق والعدو في حالتي الرضا والغضب.

2. تحكيم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة من أمور الحياة.

3. ترغيب النفس بما أعدّ الله لعباده العادلين من خير عظيم في الدنيا والآخرة.

4. التأمّل في عواقب الظلم وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع، واستشعار أحوال الظلمة يوم القيامة، وندمهم على ظلمهم الخلائق.

5. مجاهدة النفس لتطهيرها وتزكيتها من الرذائل والتخلص من الحسد الذي يعدّ من أعظم أسباب الظلم والعدوان.

6. التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تعين على معاملة الناس بالعدل.

7. الابتعاد عن العصبية والهوى وعدم التحيز.

ويجب أن يعلم أنّ في توطيد العدل ومحاربة الظلم والحيلولة دون وقوعه إقراراً للأمن وتحقيقاً للمساواة بين أفراد المجتمع، الأمر الذي يُمَكِّن كُلَّ فردٍ من الوصول إلى حقه دون مشقة وعناء، وإذا فقد العدل أكل الناس بعضهم حق بعض، وسادت الفتن، وكثرت الجرائم والمنكرات، وأصبح كل فرد من أفراد المجتمع عرضة لاعتداء الأشرار، وضعاف النفوس، فتفقد الحياة بهجتها وجمالها.







الباحث: علي غي (السنغال)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:38 PM
كيف أتعامل مع جاري
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد

فقد لقيت الروابط الاجتماعية في الإسلام عنايةً كبرى ، وحظيت ببيان واف من النبي صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن المجتمع إذا تلاحم وتكاتف ، كان مجتمعاً راقياً ، يعيش بفكر الجماعة ، ويبتعد عن الأثرة والأنانية ، ومن أعظم تلك الروابط التي عني بها الإسلام رابطة الجوار ، فالجار هو من سكن بجوارك مسلماً كان أوكافراً ، وقد يكون الجار في المسكن أو في العمل أو في السوق أوعلى مقاعد الدراسة أوغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) متفق عليه ، ويقول ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ) وفي رواية ( فلا يؤذ جاره ) متفق عليه . ومن حقوق الجار على جاره ما يلي :

1ـ الإحسان إليه : ويشمل أموراً كثيرة كالإهداء إليه ، وذكره بالجميل ، وزيارته وإجابة دعوته ، وغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( خير الجيران عند الله خيرهم لجاره ) رواه أحمد والترمذي ، وقد كانت الهدية تأتي إلى أحد الصحابة فيبعث بها إلى جاره ، ويبعث بها هذا الجار إلى جار آخر ، وهكذا حتى تدور على نحو من عشرة بيوت ، ثم ترجع إلى صاحبها الأول .

2ـ تفقده وقضاء حوائجه : وذلك بالسؤال عنه ، وافتقاده إذا غاب عن المسجد أو عن مناسبة ، وتقديم يد العون والمساعدة له ، سواء كان ذلك بالشفاعة له ، أو التعاون معه على قضاء دينه ، والتخفيف من معاناته ، وغير ذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ما آمن بي من بات شبعاناً و جاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) رواه الطبراني .

3ـ ستره وصيانة عرضه : فإن الجار بحكم مجاورته لجاره وقربه منه قد يطلع على بعض أموره الخاصة التي لا يعلم بها أحد ، فالمنبغي على الجار أن يستر جاره ، وأن يجتهد في ذلك ، إذ اعتبر الإسلام خيانة الجار أعظم من خيانة غيره ، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الذنب أعظم ؟ فقال :( أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قيل : ثم أي ؟ قال : وأن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك ، قيل : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك ) متفق عليه .

4ـ كف الأذى عنه : فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذى الجار غاية التحذير فقال :( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) رواه مسلم . والبوائق هي الشر والمصائب .

5ـ تحمل أذى الجار : قد يحصل من بعض الجيران هداهم الله أذيةً لجيرانهم ، سواء كان عن طريقهم مباشرةً أو عن طريق أبنائهم ، أو غير ذلك ، فهنا ينبغي للجار تحمل جاره والصبر على أذاه ، ومناصحته بالتي هي أحسن ، وعدم مقابلة أذاه بالمثل ، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له ( اذهب فاصبر ... ) رواه أبو داود .





الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:42 PM
آداب المشاورة في السنة النبوية
من الأمور المهمة التي لا غنى للناس عنها في حياتهم الاجتماعية التشاور بينهم فيما يمس حياتهم الخاصة والعامة، فالإنسان - مهما كان مركزه الاجتماعي - بحاجة إلى المشاورة، فالحاكم الذي يدير شؤون الدولة بحاجة إليها، وكذلك مدير المدرسة، وربّ الأسرة ونحوهم من الأفراد والجماعات.

والشورى مما جبل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة، أي فطره على محبة الصلاح وتطلب النجاح في المساعي؛ ولذلك قرن الله تعالى خلق أصل البشر بالتشاور في شأنه إذ قال للملائكة {إني جاعل في الأرض خليفة}، إذ إن الله غني عن معونة المخلوقات في الرأي، ولكنه عرض على الملائكة مراده؛ ليكون التشاور سنة في البشر وضرورة، وأنه مقترن بتكوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التكوين يوجب إلفه وتعارفه.

ولما كانت الشورى معنى من المعاني لا ذات لها جعل الله إلفها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التكوين.

ولم تزل الشورى في أطوار التاريخ رائجة بين البشر فقد استشار فرعون في شأن موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه بقوله: {فماذا تأمرون}. واستشارت بلقيس في شأن سليمان عليه السلام فيما حكى الله عنها بقوله: {قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون}، وإنما يلهي الناسَ عنها حبُّ الاستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، ولذلك يهرع المستبد إلى الشورى عند المضائق.

وللمشاورة فوائد عدّة منها: أن المشاوِر إذا لم ينجح أمره علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه. ومنها أنه قد يعزم على أمر فيتبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي بن أبي طالب y (الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه). والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة؛ ولا حصنت النعم بمثل المواساة’ ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر.

ومن الأدلة الدالة على أهمية المشاورة ما رواه المصنف عن عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: (وشاورهم في بعض الأمر) فقوله تعالى لنبيه r (وشاورهم في الأمر) تُغني عن كلّ شيء، فإنه إذا أمرَ اللّه سبحانه وتعالى في كتابه نصّاً جليّاً نبيّه r بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق فما الظن بغيره؟ وعن الحسن y قال: (والله! ما استشار قومٌ قطّ إلاّ هُدُوا لأفضل ما بحضرَتهم، ثم تلا: (وأمرهم شورى بينهم).

ويتأكّدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما والآثار الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أصحابَه ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة.

قال ابن خوير منداد:(واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا، ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها).

ومن آداب المشاورة في السنة النبوية ما يلي:

1 ــ التحري والدقة في اختيار المستشار:

على طالب المشورة أن يبذل ما بوسعه لاختيار المستشار المناسب الذي يثق بدينه وخبرته وحذقه في المجال الذي يريد أن يشاوره فيه، قال النووي:(واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمر أن يُشاور فيه مَن يَثقُ بدينه، وخبرته، وحذقه، ونصيحته، ووَرَعه، وشفقته).

ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفة المذكورة، ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك.

ويجب التحري والدقة في اختيار المستشار؛ لأنّه مؤتمن (أي أمين على ما استشير فيه)، فمن أفضى إلى أخيه بسره، وأمَّنَه على نفسه، فقد جعله بمحلها، فيجب عليه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صوابا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا ثقة، والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس أولى بأن لا يجعل إلا عند موثوق به.

عن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r لأبي الهيثم: (هل لك خادِمٌ؟). قال: لا. قال: (فإذا أتانا سَبْيٌ، فَأْتِنا). فأُتِيَ النَّبيُّ برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم. قال النَّبِيُّ r (اخْتَر مِنْهما). قال: يا رسول الله! اخْتَرْ لي. فقال النَّبيُّ r (إنَّ المستشارَ مُؤتَمَن، خُذ هذا؛ فإنِّي رأيتُه يُصلِّي، واستَوْص به خيراً). فقالتِ امرأتُه: ما أنتَ ببالغ ما قال فيه النَّبيُّ r إلا أن تُعْتِقَه. قال: فهُو عتيق. فقال النَّبيُّ r (إنّ لله لم يبعث نَبِيّاً ولا خليفة، إلا وله بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتَنْهاه عن المُنْكر، وبطانةٌ لا تَألُوه خَبَالاً، ومَنْ يوقَ بطانة السُّوء فقَدْ وُقِيَ).

وقولهr (إنّ المستشار مؤتمن) معناه: أن المستشار أمين فيما يسأل من الأمور، فلا ينبغي أن يخون المستشير بكتمان مصلحته وذكر بعض العلماء أنه يحتاج الناصح والمشير إلى علوم كثيرة؛ فإنه يحتاج أولا إلى علم الشريعة، وهو العلم العام المتضمن لأحوال الناس، وعلم الزمان، وعلم المكان، وعلم الترجيح، إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وهكذا فينظر في الترجيح فيفعل بحسب الأرجح عنده، مثاله: أن يضيق الزمن عن فعل أمرين اقتضاهما الحال فيشير بأهمهما، وإذا عرف من حال إنسان بالمخالفة، وأنه إذا أرشده لشيء فعل ضده، يشير عليه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، وهذا يسمى علم السياسة، فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، فلذلك قالوا يحتاج المشير والناصح إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وتأن، فإن لم تجمع هذه الخصال فخطأه أسرع من إصابته فلا يشير ولا ينصح، قالوا : وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة.

2 ــ قبول المشورة:

ومن آداب المشاورة؛ إذا بذل المستشير الوسع في اختيار المستشار المناسب عليه أن يتقبل منه المشورة؛ لأن فائدة المشاورة القَبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك وإذا لم يؤدّ المستشار الأمانة الملقاة على عاتقه من إعمال الفكر وإسداء النصح للمستشير، فقد خانه، وارتكب إثما، فعن أبي هريرة قال: قال النَّبيُّ r (مَنْ تقوّل عليَّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعَدَه مِنَ النَّار. ومَن استشارَه أخوه المسلمُ، فأشارَ عليه بغير رُشد فقد خانه. ومَن أُفتي فُتيا بغير ثَبْت، فإثمه على مَنْ أفتاه).

3 ــ تقديم المشورة من غير طلب:

إذا رأى المسلم أن أخاه بحاجة إلى منَ يشيره برأي سديد في أمر فيه مصلحته، فعليه أن يبادر بتقديم المشورة وإن لم تبدر من أخيه الاستشارة؛ لما رواه المصنِّف، عن وهب بن كَيسان أن عبد الله بن عمر رأى راعياً وغَنَماً في مكانٍ قبيح، ورأى مكاناً أمثل منه فقال له: ويحك! يا راعي! حَوِّلْها، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله r يقول: (كُلُّ رَاعٍ مسؤولٌ عن رعيَّتِه).

هذه طائفة من آداب المشاورة في السنة النبوية، فعلى الآباء والتربويين، تنمية روح التشاور والمناصحة في نفوس الأولاد والمتربِّين، وأن يربّوهم على كره نزعة الاستبداد والقهر والاستئثار بالرأي.









الباحث: علي غي (السنغال)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 10:52 PM
مسئولية المعلم في التربية الاجتماعية


التربية الاجتماعية للمعلم يراد بها باختصار : قدرة المعلم على أن يألف ويؤلف ، بمعنى قدرته على تقبل الناس والانسجام معهم ، وقدرته على كسب احترام الناس له ، وتقبلهم لما يطرحه ، بناءً على ما يقدمه لهم من نفع وخدمة .

ومن خلال هذا الانسجام والتواصل المتبادل ، يستطيع المعلم التأثير على طلابه ، في إكسابهم كثيراً من العادات والسلوكيات ، لاسيما الآداب الاجتماعية ، التي تحدد علاقاتهم بالآخرين من أبناء مجتمعهم ، بل وأمتهم الإسلامية جمعاء ، فيؤثر ذلك في تماسك المجتمع ، وخلوه من القطيعة والفرقة والنزاعات ، كما أشار إلى ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس) رواه الطبراني وصححه السيوطي ، ويمكن بيان مسئولية المعلم في تنمية التربية الاجتماعية في نفوس طلابه من خلال ما يلي :

1ـ التوجيه التربوي المبني على القدوة الحسنة ، فتجد المعلم المسلم يسعى جاداً إلى غرس الاتجاهات والقيم الإسلامية النبيلة في نفوس طلابه ، وإكسابهم العادات الاجتماعية السامية ، التي تحدد علاقة كل واحد منهم بربه ، وبوالديه وببقية أفراد أسرته ، وبرفاقه وجيرانه ، وبمدرسته ، وسائر أفراد مجتمعه وأمته ، ويستشعر المعلم في جميع تصرفاته أن طلابه ينظرون إليه نظرة احترام وتقدير واقتداء ، فيلتزم تقوى الله ـ عز وجل ـ توجهاً وسلوكاً ، ويحرص في جميع تعاملاته أن يظهر أمام طلابه على أكمل الأحوال في أقواله وأفعاله وتصرفاته ، فلا يأمر بشيء ويأتي بسلوك يخالفه ، حتى لا يتعرض لمقت الله القائل (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كَـبُـرَ مقتاً عند الله أن تقولون ما لا تفعلون) وهذا ما بينه الأنبياء عليهم السلام ، الذين هم قدوة المعلمين ، يقول الله تعالى حكايةً عن شعيب عليه السلام (قال يا قومِ أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

2ـ إدراك المعلم التام للأسس الاجتماعية التي ترتكز عليها العملية التربوية، وهذا يعني معرفته الواسعة بثقافة مجتمعه ، والآداب المتبعة فيه، والعمل على نشر الفاضل منها، وتعزيزه في نفوس أبنائه الطلاب، ومحاولة إصلاح ما كان منها مخالفاً للقيم الإسلامية، والآداب الرفيعة .

3ـ أن يعمل المعلم على تقوية الصلات الاجتماعية بين المدرسة والمنـزل، وسائر مؤسسات المجتمع الأخرى ، فالمجتمع بكامله إنما هو وحدة كلية متضامنة ، لا يمكن فصل بعضها عن بعض ، فلو حدث خلل في إحدى المؤسسات فإن آثاره تمتد إلى المؤسسات الأخرى ، وبالتالي يتضرر بها سائر أفراد المجتمع، وذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم ، فالتواد والتعاطف والتواصل بين مؤسسات المجتمع الواحد ، يسهم بفاعلية كبيرة في تحقيق التربية الاجتماعية السليمة لأبناء المجتمع ، وبالمقابل فإن التنافر والتعارض في المواقف التربوية والاجتماعية بين هذه المؤسسات قد يعرض الطلاب لصور شتى من سوء التكيف الاجتماعي ، مما يعوق قدرتهم على النمو الاجتماعي السليم .

4ـ مساعدة المتعلم على تقوية علاقاته الاجتماعية بالآخرين ، من خلال تشجيعه على الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المختلفة ـ داخل المدرسة وخارجها ـ كالاشتراك في جماعة الكشافة ، والرحلات والمعسكرات التدريبية ، لأنها تسهم في توسيع خبراته الاجتماعية ، وتساعده في اختيار أصدقاء يشاطرونه ميوله واهتماماته ، وقد شبه المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم الأثر الاجتماعي والأخلاقي للصديق بقوله (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ، كحامل المسك ، ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) رواه مسلم، ومن هذا المنطلق يلزم المعلم أن يساعد طلابه على اختيار أصدقائهم ، وذلك ببيان أوصاف الصديق الصالح ، وأثر ذلك على المرء في الدنيا والآخرة .

5ـ التعاون المشترك بينه وبين طلابه ، والمبني على قيم البر والتقوى ، والمحبة والإخاء ، امتثالاً لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم العلاقات الاجتماعية الناجحة القائمة على التعاون المشترك بالبنيان الواحد ، حيث قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) رواه مسلم .

هذا ومن أبرز المظاهر الإيجابية الدالة على علاقة المحبة بين المعلم وطلابه المحافظة على آداب التحية، والسلام عليهم أثناء دخول قاعـة الدرس، ولقد ربطت التربية الإسلامية بين هذا السلوك الاجتماعي المهم وبين دخول الجنة، وهو ما يستنبط من حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، ومن مظاهره كذلك مقابلة الطلاب بالبشر والابتسامة، حيث تعمل الابتسامة على التقريب بين المسافات، وتزيل الحواجز النفسية التي قد تقع بين الأفراد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه مسلم .

6ـ المشاركة الفاعلة في اللقاءات الدورية لمجالس الآباء ، حيث يتم فيها الترابط الوثيق بين المعلمين والآباء ، مما يجعل كلاً منهم يشد أزر الآخر ، في الرقي بمستوى المتعلمين إلى المستوى المأمول ، هذا وقد ثبت تربوياً فوائد هذه اللقاءات ، وأثرها الملموس على المتعلمين ، فهي تساعد على تبادل الأفكار حول تقدم المتعلم في سيره الدراسي ، وتعين على اكتشاف قدراتهم ومواهبهم بشكل أكبر .

7ـ العمل على تنقية الثقافة من الشوائب التي قد تعيق النمو الاجتماعي السليم لأفراد المجتمع ، فمهمة المعلم لا تقتصر على مجرد نقل الثقافة ، بل هي قائمة على مهمة أخرى وهي تنقية هذه الثقافة من كل الشوائب والترسبات الجاهلية الضارة ، كالسحر والبدع والخرافات والأفكار الإلحادية الهدامة ، وكل ما يتعارض مع التصور الإسلامي الصحيح ، أو يؤدي إلى تشويه الحقائق ، وهذا بطبيعة الحال لا يعني الانغلاق على الذات ، والاستنكاف عن الاستفادة من الآخرين ، لاسيما ما هو نافع ومفيد ، بل المطلوب هو المحافظة على هوية المسلم من الذوبان ، ولا مانع من إضافة ما هو مفيد ، بعد تمحيصه وتنقيحه .

8ـ تدريب المتعلم على الإيثار ، والبعد عن الأنانية ، التي تركز على تحقيق القيمة الذاتية للفرد ، وتجعله يتمحور حول ذاته ، دون النظر إلى بقية أفراد المجتمع ، ولذا حرصت التربية الإسلامية على تحقيق التوازن بين حقوق الفرد وواجباته ، بحيث لا يطغى جانب على جانب ، مع مراعاة استخدام الأساليب التربوية المناسبة في ذلك ، والبعد عن الأساليب الخاطئة ، كالمبالغة في النقد ، وتصيد الأخطاء ، أو تهديده الشديد لمجرد خطأ بسيط ، أو الإسراف في تحذيره من مواقف الحياة الجديدة ، أو التلفظ عليه بألفاظ لا تليق ، كإشعاره بأنه غير مرغوب فيه ، أو نداؤه بأسماء الحيوانات ، أو غير ذلك ، مما يولد في نفس الطالب إحباطاً كبيراً ربما استمر أثره معه فترةً طويلة، وقد ثبت أن لهذه الممارسات الخاطئة نتائج سلبية على الطالب ، تجعله هياباً يخاف من كل شيء، وقد تنتابه حالات نفسية اجتماعية غير سوية ، مثل الخجل والتردد والارتباك والانطوائية والحرص الشديد والذعر من شبح الفشل .

9ـ تنمية روح الولاء للأمة الإسلامية في نفوس الطلاب ، والبراءة من أمم الشرك والإلحاد ، وذلك من خلال تبصير المتعلم بالمحنة الحقيقية التي تمر بها الأمة الإسلامية اليوم ، وهي تكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب ، بغية نهب خيراتها واستغلال ثرواتها ، وإضعافها من كل وجه ، واستثارة مشاعرهم حيال ذلك للدفاع عن أمتهم وحمايتها من كل من يريدها بسوء ، والعمل على إزالة أسباب الضعف التي لحقت بالأمة الإسلامية ، وحثهم على الالتحاق بالجمعيات الخيرية ، والهيئات الإغاثية ، لمساعدة المحتاجين والمتضررين ، لتكون الأمة الإسلامية كما وصفها الله عز وجل بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون).

وأخيراً ينبغي على المعلم تبصير المتعلم بحقيقة العالم الإنساني المعاصر ، وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي تربط بين شعوبه ، وتزويده بالحصانة الإيمانية المناسبة ، والتي تعمل على وقايته ـ بإذن الله ـ من الوقوع في التبعية الفكرية المقيتة ، أو الانجراف وراء الاتجاهات العالمية الهدامة ، بالإضافة إلى تزويده بالوسائل المناسبة التي تساعده على نشر رسالة الإسلام والسلام في ربوع العالم بأسره .

فإذا راعى المعلم هذه الأمور ، وعمل بموجبها ، يكون قد حقق جزءاً كبيراً من الأمانة الملقاة على عاتقه ، وكان له أكبر الأثر في النهوض بمستوى الطلاب ، والرقي بهم إلى مصاف الكمال ، فينشئون ـ بإذن الله ـ أسوياء قادرين على تحمل المسئولية ، والقيام بدورهم في الحياة، على أكمل الوجوه .

والله تعالى المسئول أن يصلح شبابنا وفتياتنا ، وأن يهديهم سبل السلام ، وأن يجنبهم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين ، ومكر الماكرين ، وأن يقيهم شر أنفسهم ، وشر الشيطان ، وشر كل من فيه شر ، والله أعلم وأحكم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .



الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 11:37 PM
الأخلاق في التربية النبوية
إن التربية النبوية عنيت بالأخلاق الإنسانية على نحو يختلف عن عناية الفلاسفة الغربيين في العصور القديمة والحديثة ، وعن الفلاسفة والحكماء الشرقيين على السواء ، فقد تحدث كل من سقراط وأفلاطون وأرسطو عن الأخلاق ، كل من منظوره الفلسفي والاجتماعي والسياسي ، ولكنهم لم يقدموا معايير أو مَحَكّات عملية للعمل الأخلاقي . وخلّفوا (علم الأخلاق) ، ولكن لم يقدموا معايير العمل الأخلاقي أو منظومة عملية للقيم ، تطبق في المجتمع والواقع العملي ، ولم تساعد الفلسفة الأخلاقية في حل مشكلات الإنسانية في مسارها التاريخي نحو المستقبل . وبقيت الإنسانية تعاني أزمة أخلاق ، في حين أن الإسلام قّدم إطاراً فكرياً وعملياً للأخلاق هدى ورحمة ، لكي تسعد الإنسانية وتحقق الغاية من وجودها - طاعة الله ، وإعمار الأرض - وبهذا ارتقت التربية الإسلامية إلى تربية عالمية ترتبط بحقـيقة الإنسان أينما كان وفي أي عصر ، فالإسلام دين خير وسلام . فالإنسان المسلم لديه رادع يردعه عن الإساءة للآخرين ، أو ارتكاب ما حرم الله ، والوقوع فيما نهى عنه ؛ لأنه يؤمن باليوم الآخر والثواب والعقاب الذي سيناله في الآخرة جزاءً لأفعاله. من هذه التربية يأتي الإعداد الصحيح للإنسان الصالح الذي يتبع هدى الله ، فهدى الله لا يترك الناس حيارى يتخبطون في التيه ، كل منهم يرسم الصورة على هواه ، وإنما يحدد لهم مواصفات هذا الإنسان في دقة ووضوح ، ويرسم لهم المنهج الذي يصلون به إلى تحقيق تلك الغاية.

وقال ابن الرومي :

كن مثل نفسك في السمو إلى العُلى لا مثل طينة جسمك الغدار

فالنفس تسمو نحـو عُـلو مَلِيكها والجسم نحو السِفل هاوٍ هار

وقال الشاعر :

والنفس راغبة إذا رغبتهـا وإذا تـردُ إلى قليـلٍ تقـنعُ

بهذه الأخلاق يسمو المؤمن ويرتقي بتربيته النبوية التي سبقه أجداده عليها ، فطريقه واضح ومنهجه مشرق ، يختلف عن منهج أولئك الضالِّين الذين يريدون أن يتبعوا آباءهم على الضلالة ، كما قال تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير)، (لقمان آيه 21) ، فأولى بالمسلم أن يتبع منهج سيد البشرية ، في تعامله وسائر أمور حياته حتى يُطهر نفسه ، ويزكيها من أدران الواقع الذي أصبح يغشى المؤمن ليخرجه إلى حياة اللهو والضلال . وبالتالي يخرج عن نطاق التربية النبوية ، التي تربي المؤمن تربية شاملة متوازنة ومتميزة كونها ربانية " تقرر وجود حقيقة مادية وأخرى روحية في كيان الوجود ، وفي كيان الإنسان ، ومن ثم تنظم حياة الإنسان على أساس واقعه المادي وواقعه الروحي ؛ لأنها لا تريد أن يعيش في السماء وهو في الأرض ، ولا أن يعيش منغمساً في الحياة الأرضية المادية وحدها ، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية- لأن في كيانه وجوداً روحياً- لهذا فهي تريد أن تجمع له حياة العالمين معا : عالم المادة ، وعالم الروح "، قال تعالى : (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) ، (السجدة آية 7-9) ، الآية الكريمة فيها استدلال على أن الله U أحسن خلق الإنسان في جملة إحسان خلق كل شيء وبتخصيص خلقه بالذكر لما فيه من أطوار عجيبة تتكرر كل يوم أمامه ، بعد أن لم يكن شيئاً مذكوراً ، فأصله من تراب ، ثم كُوَّن فيه نظام النسل من ماء ، وفي خلقه دقائق ظاهرة و باطنة وأعظمها العقل ، فهو معجزة عظيمة في الإنسان . وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة للتنويه بذلك السر العجيب الذي لا يعلم أدق تكوينه إلا هو U ، فالإضافة تفيد أنه من أشد المخلوقات اختصاصاً بالله تعالى ، والنفخ يبين الروحانية في الكثيفة الجسدية مع الإبداع في خلقه ، وجعل I الخطاب موجهاً للناس بأن خصهم بسمع وبصر ، وكلمة أفئدة أجمع من كلمة عاقلين ؛ لأن الفؤاد يشمل الحواس الباطنة كلها والعقل بعض منها ، وآثر بالامتنان الإنسان لأنه قليل ما يشكر نعم الحواس وقوى العقل ، التي هي أقوى من الامتنان بالخلق وتسويته ؛ لأن الانتفاع بالحواس والإدراك متكرر متجدد ، فهو محسوس بخلاف التكوين والتقويم فهو محتاج إلى النظر في الكون الذي سخره الله له ، وجعله يتناسب معه ، فصلابة الأرض مثلاً للسير عليها ، ورِقّة الهواء ليسهل استنشاقه للتنفس . والحيوانات لينتفع بها . وكل ما حوله مسخر له . وسوف يتم تناول الأحاديث النبوية التي توضح حدود وكيفية العلاقة بين الإنسان والحيوان ، كما تبين صلة الإنسان بما حوله - من أرض وجبال ورياح ومطر - والمنافع التي يحصل عليها وتعينه على مطالب الحياة الضرورية .







د. فاطة باجابر (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 11:54 PM
مشكلة الأمية
لم يأت في شريعة من الشرائع، ولا في ملة من الملل العناية بالعلم، والإشادة بأهله وذويه، كما جاء في الإسلام ، والنصوص في هذا لا تحصى كثرةً، وكل ذلك يعد تحذيراً في نفس الوقت من الأمية التي بمعنى الجهل، والذي يعد أكبر مشكلة تواجه التنمية، ولذا ينظر العالم بصفة عامة إلى هذه المشكلة من جميع جوانبها، ويبذل الأموال الطائلة في سبيل علاجها، بل كونت بعض البلدان وزارةً كاملةً لدراسة هذه المشكلة والخروج بحلول مناسبة لها، ومما يبين عناية التربية الإسلامية بأمر العلم والتعليم ما يلي :

1 ـ قوله تعالى (( اقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم )) وهذه أول الآيات نزولاً على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها الأمر بالقراءة، والإشادة بالقلم ، وهما من أعظم وسائل التعلم .

2 ـ قوله تعالى (( وقل رب زدني علما )) فلم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلبه الزيادة من شيء إلا من العلم .

3 ـ قوله تعالى (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون )) قال الألوسي ( فيها دلالة على فضل العلم ، ورفعة قدره ، وكون الجهل بالعكس، واستدل به بعضهم على أن الجاهل لا يكافئ بنت العالم ) .

4 ـ وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ... ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقد أفرد ابن رجب لشرح هذا الحديث العظيم كتاباً سماه ورثة الأنبياء .

5 ـ الأمر لأهل العلم بأن يقوموا بنشر العلم بين أفراد المجتمع ، والوعيد الشديد لمن كتمه ، حيث يقول تعالى (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )) وبهذه الآية استدل أهل العلم على وجوب تبليغ الحق ، وتبيان العلم على الجملة ، ولذا قال علي رضي الله عنه ( ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ).

6 ـ الأمر بسؤال أهل العلم ، كما قال تعالى (( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ففيه الأمر بالتعلم وسؤال أهل العلم ، ونهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم ، وفي هذا حماية لمصدر التعلم ، وبيان لأهميته الكبرى ، حيث يعد المعلم العالم أهم ركائز العملية التعليمية ، ومن تحت يده يتخرج القضاة والمصلحون والأطباء والمهندسون ، وسائر المبدعين في جميع التخصصات العلمية والمهنية التي يحتاجها المجتمع ، ويتطلب إيجاد الأكفاء من أبناء البلد للعمل على توفيرها ، ومن المؤسف له أن العالم الإسلامي يعاني من ارتفاع نسبة الأمية ، حيث تبلغ نسبتها في النساء 80% ، بينما تبلغ نسبتها في الرجال 35% ، وهي بهذا حقيقة بإيجاد التخلف ، والاحتفاظ بالمستوى المتدني للعالم الإسلامي ، كما أنها تمثل عائقاً كبيراً للتنمية البشرية .



الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
27-08-2010, 11:59 PM
أهمية التآلف الاجتماعي


للتآلف الاجتماعي أهمية بالغة وعظيمة في حياة البشرية عموما, والمؤمنين علىِ الوجه الخصوص، حيث إن الوحدة الإسلامية لا تتحقق بين أبناء المجتمع إلاّ بتمام الألفة والتضامن بينهم.

ويُعتبر الاهتمام بأمر الوحدة والتآلف بين المسلمين من أعظم الجهاد في سبيل الله, قال السعدي: "فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية في جميع أفرادهم وشعوبهم, وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم بكل وسيلة, ومن أنفع الأمور أن يتصدى لهذا الأمر جميع طبقات المسلمين من العلماء والأمراء والخبراء وسائر الأفراد منهم؛كل أحد يُجدّ بحسب إمكانه ,فمتى كانت غاية المسلمين واحدة ـ وهي الوحدة الإسلامية ـ وسلكوا السبل الموصلة إليها, ودافعوا جميع الموانع المعوقة والحائلة دونها, فلا بدّ أن يصلوا إلى النجاح والفلاح"



فالتربية الاجتماعية تهدف إلى ربط الفرد بالمجتمع, وأن يغرس فيه الشعور بالولاء والانتماء إليه وأن يكون الفرد مشاركا في شؤون المجتمع, ومسئولا فيه في ذات الوقت, وتتجلى مسؤولية المجتمع عن الفرد في مبدأ التكافل والتآلف الاجتماعي, وحفظ الحقوق والأموال والأنفس بالعدل.



فمتى تربى أفراد المجتمع وتآلفوا صلحت عقولهم وصفت نفوسهم, وتهذبت أرواحهم, وقويت أجسادهم فيكون المجتمع بذلك صالحا وقويا ومهذبا.



والألفة والتضامن ينبغي أن تقوم على شروط,من أهمها ما يلي:



أ ـ كمال الإيمان بالله تعالى رباً, وبالإسلام دينا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياًّ.

ب ـ النهي والتحذير من البغض وأسبابه المثيرة له.

ج ـ البعد عن الحسد ومقتضياته.

د ـ التحذير الشديد من التقاطع بين الناس المؤدي للتدابر والتنافر بينهم.

هـ ـ استشعار الفرد المسلم بواجب الوحدة الإسلامية مع إخوانه المسلمين.

و ـ بذل الجهد على المستويين الفردي والجماعي لتحقيق هذه الوحدة.



الباحث : أبوبكر أمادو علي (النيجر)

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:02 AM
أسس الاستماع التربوي


الاستماع للآخرين له أصول وآداب، وكذلك الاستماع للقرآن له آداب ينبغي أن يتحلى بها المربون، فإذا أحسن المتربي الاستماع، وتحلى بهذه الآداب أعانه ذلك على التدبر، يقول أبو بكر الآجري: "فكان حسن استماعهم يبعثهم على التذكر فيما لهم وعليهم".



وللتربية على الاستماع، على المربي أن يطلب منهم صراحةً، وليس بالإشارة والتلميح، أن يستمعوا وينصتوا للآيات التي سوف تُقرأ عليهم، وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أصحابه أن يستنصت الصحابة ليستمعوا إلى توجيهاته صلى الله عليه وسلم، فعن جرير رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (استنصت الناس) ثم قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).





ومن أهم ما ينبغي أن يتربى عليه المستمع لكتاب الله ما يلي:

1ـ التهيؤ الذهني والنفسي قبل الاستماع: ويتطلب التهيؤ تجاوباً جسدياً من المستمع، وذلك بأن يثبت أعضاءه ولا يحركها، والتجاوب الجسدي نتيجة نتيجة حتمية لتوجيهات القلب الذي يأمر الأعضاء فتطيع، قال وهب بن منبه: "من أدب الاستماع سكون الجوارح، والعزم على العمل...يعزم على أن يفهم، فيعمل بما فهم". وهذا هو الاستماع التربوي المحمود، وذلك بأن يروض المتربي أعضاءه وجوارحه، فلا يشتغل قلبه عما يسمع من آيات، ويغض طرفه فلا ينصرف فؤاده بما يرى، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه، والأهم من ذلك أن ينوي بقلبه على أن يبذل جهده لكي يفهم ما يستمع إليه، ثم يبادر مباشرةً للعمل بما فهم.



2ـ عدم الانشغال عن الاستماع أثناء القراءة، كأن ينظر إلى ما حوله من موجودات، أو يمسك بكتاب أو مسبحة أو غيرها من المباحات، فضلاً عن التلهي بالمحرمات، ومن صفات أعداء الله أنهم يبذلون جهدهم بشتى الوسائل لصرف أبناء الأمة عن استماع القرآن، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).



3ـ التفكير أثناء الاستماع في الآيات المتلوة، حيث يتدبر ما يسمع، ويستعرض أحوال النفس معها، وهذه صفة ممدوحةٌ من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً). يقول القرطبي: "فكان حالهم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ـ عند المواعظ ـ الفهم عن الله، والبكاء خوفاً من الله، ولذلك وصف الله أحوال المعرفة عند سماع ذكر الله وتلاوة كتابه، فقال: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحِقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ). فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، فمن كان مستناً فليستن".



4ـ الخشوع والبكاء أثناء الاستماع، وبذلك يحدث حسن التفاعل القلبي والجسمي مع الآيات المسموعة، فلا يكون التفاعل بالآهات المنكرة أو الأصوات المزعجة، ولا يكون البكاء بالصراخ والعويل، كما يفعله بعض المستمعين للقرآن، وإنما يكون الخشوع والبكاء منضبطاً ومتأسياً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يصفه ابن القيم رحمه الله بالأوصاف التالية: "لم يكن بكاؤه صلى الله عليه وسلم بشهيق ورفع صوت، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويُسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه عند سماعه القرآن بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحب للخوف والخشية".

وبهذا التفاعل يكون للاستماع أثره التربوي، وفعله التدبري، وقد وصف القرآن أهل العلم الذين يسمعون كلام الله بأنهم يبادرون إلى الطاعات، ويتأثرون، ويبكون ويخشعون، قال تعالى: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلَى عَلَيهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأذْقَانِ سُجَّداً، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا، وَ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً). يقول الشوكاني: "يبكون بتأثير القرآن في قلوبهم، ومزيد خشوعهم حيث (يزيدهم) سماع القرآن (خشوعاً) أي لين قلوب، ورطوبة عين".

كما أن صفة البكاء عند سماع القرآن من صفات المصطفين الأخيار من عباد الله الصالحين، الذين قال الله عنهم: (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِم آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيَّأً).



وذكر أبو نعيم في الحلية أنه: "لما قدم أهل اليمن زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وسمعوا القرآن، جعلوا يبكون، قال أبو بكر: (هكذا كنا)".



5ـ التفاعل الحسي والمادي: أي الاستجابة المطلقة بعمل الجوارح، وبذل غاية الجهد لتنفيذ ما تدعو إليه تلك الآيات أو تحذر منه، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ واسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ)، وقال أيضاً: (فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَأَنْفَقُوا خَيْراً لأنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولائِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).

وقد أخبر الله عن أمة اليهود أنهم يسمعون ولا يستجيبون، قال تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلاً).

بينما من صفات المؤمنين أنهم يبادرون للاستجابة، فعلاً وتركاً، إذا سمعوا أوامر ربهم ونواهيه، قال تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ).



د. هاشم بن علي الأهدل (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:05 AM
التعاون على البر والمواساة


إنّ من أبرز مظاهر التّآلف الاجتماعيّ في العهد النبوي,التّعاون على البرِّ والمواساة بين المؤمنين, وقد كان بين الصحابة رضي الله عنهم نوع من التكافل والتناصر والمواساة ما يُضرب به المثل امتثالا لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، واتقوى الله إن الله شديد العقاب)

وقد مدح الله عزّ وجلّ الأنصار رضي الله عنهم بقوله( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع, فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله, فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك.

وعن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه قال: لمّا قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع, فقال سعد بن الربيع, لعبد الرحمن بن عوف: إنّي أكثر الأنصار مالاً, فأقسم مالي نصفين, ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي فأطلقها, فإذا انقضت عدّتها فتزوجها, قال بارك الله لك في أهلك ومالك, أين سوقكم؟ فدلّوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلاّ ومعه فضل من أقط وسمن, ثمّ تابع الغدو يوما وبه أثر الصفرة فقال النبّيّ صلى الله عليه وسلم : (مَهْيَمْ) قال تزوجت. قال كم سقت إليها. قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب.. شكّ إبراهيم.

فهذا الحديث يدلّ على قدر وعظم البرّ والمواساة والإيثار بين المهاجرين والأنصار.

ومن مظاهر البرّ والمواساة بينهم كذلك, موقف الصحابي الجليل الذي آثر ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعامه وطعام أولاده؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من يضم أو يضيف هذا), فقال رجل من الأنصار: أنا, فانطلق به إلى امرأته, فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيّئي طعامك, وأصبحي سراجك ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيّأت طعامها, وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثمّ قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته, فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين, فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما) فأنزل الله تعالى: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) يستفاد من هذا الحديث, بيان أهمية تربية النشء على الزهد في الدنيا, وأن الغاية والهدف هو الآخرة؛ وبيان ما هو عليه صلى الله عليه وسلم من شظف العيش, وقلّة ذات اليد, مع أنّه عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق على الله, فلو كانت الدنيا تساوي عند الله شيئا؛ لكان أبرّ الناس بها وأحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويستفاد من الحديث كذلك حث المُرَبُّين والأئمة والدعاة على تربية الأجيال على الإقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرّ والمواساة لإخوانهم المسلمين.

الباحث: أبو بكر علي أمادو (النيجر)

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:09 AM
حقوق الوالدين (الجزء الأول)
لا تنتهي مهمَّة الوالدين بالإنجاب ، بل يتبع ذلك مشاقّ عديدة، ومسؤوليَّات متلاحقة ؛
فالأولاد في المهد محتاجون إلى عنايةٍ خاصَّةٍ وملاحظةٍ دائمةٍ .
ثمّ إذا ما تُرِكُوا إلى عرصة الدار احتاجوا إلى رعايةٍ من نوعٍ جديدٍ، ومتابعة دؤوب؛ لكونهم يُقابلون الحياة –لأول مرة-دون درعٍ أو سلاح.
ثمّ تأتي مرحلة التعليم والتربية وما أشقّها من مرحلة ، وما أكثر مسؤوليَّة الآباء فيها .
وهكذا يمضي الأبناء في طريقهم حتى يصلوا إلى مرحلة تحمُّل المسؤوليَّة .
ولكن ! مخطئٌ من ظنّ أنّ اهتمام الآباء يقف عند هذا الحدّ ؛ إنَّهم يُلاحقون أبناءهم حيث كانوا ؛ في سفرهم وإقامتهم ؛ في قربهم وبُعدهم ؛ في غناهم وفقرهم ، ولا يتردّدون في مشاركة أبنائهم ولو بشيءٍ يسير دون أن ينتظروا جزاءً أو شكوراً .
فكان من الطبيعي أن يُوصي الإسلام بالآباء، ويُحذِّر من عقوقهم؛ حتى إنَّ الله عز وجل قرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته فقال: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) [الإسراء: 23]، وقال : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) [النساء: 36] ، ووصّى بهما فقال : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير [لقمان: 14] .
وكذا وصَّى بهما رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وجعل عقوقهما من أكبر الكبائر، فقد روى البخاري في صحيحه ، وغيرُه ، من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ » . ثَلاَثًا . قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ». وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: « أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ » . قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ . الحديث.
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم برَّ الوالدين من أحبِّ الأعمال إلى الله . روى البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه ، قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا » . قلت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قلت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : « الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » .
ولِعِظَمِ المهمَّة الملقاة على عاتق الأمّ ، كرَّر الإسلام الوصيةَ بالإحسان إليها ؛ فهي التي حملت ولدَها وهناً على وهن، وغذّته بلبانها، وتعهّدته برعايتها حتى بلغ أشدّه ؛ سهرت لينام، وتعبت ليستريح، وتحمّلت من ألوان الشقاء الكثير كي يحيا ويسـعد .
من أجل هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببرِّها، حين أوصى بها أحدَ أصحابه قائلاً: "اِلْزَمْهَا، فإنَّ الجنَّةَ تَحْتَ أَقْدَامِهَا"، "اِلْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الجنَّة" .
فلزومُ طاعة الأمَّهات–في غير معصية الله- سببٌ لدخول الجنَّة، ونيلِ المغفرة والثواب من الله عز وجل .
وقد جعل الإسلام حقَّ الأم على الأبناء ثلاثة أضعاف حقِّ أبيهم ؛ لأنّ الأمّ تُعاني بحمل الولد وولادته وإرضاعه، والقيام على أمره وتربيته أكثر ممَّا يُعانيه الأب.
روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : « أُمُّكَ ». قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ: « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : « ثُمَّ أَبُوكَ » .
وتكرار هذه الوصية بالأم لعظم مسؤوليتها –كما أسلفت-، ولكونها ضعيفة ؛ قد يتجرّأ عليها أبناؤها لما يرون من ظواهر عطفها ورحمتها وحنانها، أو يتهاونون في أداء حقِّهـا الذي أوجبه الله عليهم . من أجل ذا خصَّها الإسلام بمزيدٍ من التذكير والتحذير .
ومهما قدَّم الإنسان لوالديه –ولا ســيّما أمّه- ، فإنَّه لا يُوَفِّيهم إلا شيئاً يسيراً ممَّا قدَّما .
رُويَ أنَّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنِّي حملتُ أمي على عنقي فرسخين في رَمْضاء شديدة ، لو أُلقيَت فيها بضعة لحمٍ لنضَجَت . فهل أدَّيتُ شُكرَها ؟ فقال : "لعلّه أن يكون لطلقةٍ واحدةٍ".
ورُوي –أيضاً- أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله : إنَّ أمي كَبُرَت حتى صِرْتُ أغسِلُ ذلك منها ، فهل جَزَيْتُهَا ؟ قال : "لا ، ولا بزَفْرَةٍ واحدةٍ" .
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان أنّ عليًّا وعمر رضي الله عنهما خرجا من الطواف ، فإذا هما بأعرابيّ معه أمّ له يحملها على ظهره ، وهو يرتجز ويقول :
أنا مطيتهـا لا أنفر وإذا الركــاب ذعرت لا أذعــر
لبيك اللهم لبيـك بما حملتني ورضّعـتني أكـثــــر
فقال علي رضي الله عنه : مُرَّ يا أبا حفص ، ادخل بنا الطواف ، لعلَّ الرحمة تنزل فتعمَّنا . قال : فدخل يطوف بها وهو يقول :
أنا مطيتهـا لا أنفر وإذا الركاب ذعرت لا أذعـــر
لبيـك اللهم لبيـك وما حملتني وأرضعتني أكـثـــر
وعليّ رضي الله عنه يجيبه :
إن تبرها فالله أشــكر يجزيك بالقليل الأكـثـــر
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان –أيضًا- عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه أنَّ رجلا من أهل اليمن حمل أمه على عنقه فجعل يطوف بها حول البيت وهو يقول :

إني لها بعيرها المدلل :::: إذا ذعرت ركابها لم أذعر

وما حملتني أكثر
ثم قال : أتراني جزيتها ؟ قال ابن عمر : لا ، ولا بزفرة .
انتهى الجزء الأول

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:17 AM
أثر البيئة في الحياة الاجتماعية و التربوية


استوقفني نص تراثي كنت استشهدت به أثناء إعدادي لرسالة الماجستير عن الوصايا التربوية في الأندلس و المغرب ، جاء فيه أن ابن أبي أصيبعة روى عن القاضي أبي مروان الباجي ،قال: سألت القاضي أبا بكر بن أبي الحسن الزهري عن سبب تعلمه صناعة الطب فقال لي : إني كنت كثير اللعب بالشطرنج، ولم يوجد من يلعب مثلي به في إشبيلية إلا القليل، فكانوا يقولون: أبوبكر الزهري الشطرنجي، فكان إذا بلغني ذلك أغتاظ منه، فقلت في نفسي لابد أن أشتغل عن هذا بشيءٍ غيرِه من العلم لأُنْعت به، ويزول عني وصف الشطرنج ... فعدلت إلى أبي مروان عبد الملك بن زهر، و اشتغلت بصناعة الطب، وكنت أجلس عنده وأكتب لمن جاء مستوصفا من المرض الرقاعَ، واشتهرت بعد ذلك بالطب، وزال عني ما كنت أكره الوصف به.

و الذي يثير في هذا النص هو مدى تأثير البيئة الاجتماعية على شخصية الرجل ، و كذلك إرادته في الانسجام معها و التكيف وفقها ، فالأندلس في ذلك الوقت كانت أرض عِلم و جِدّ حتى قال المقري عنها و عن أهلها : (( وأما حال أهل الأندلس في فنون العلم، فتحقيق الإنصاف في شأنهم في هذا الباب أنهم أحرص الناس على التمييز، فالجاهل الذي لم يوفقه الله للعلم يجتهد في أن يتميز بصنعة ويربأ بنفسه أن يرى فارغا عالة على الناس لأن هذا عندهم في نهاية القبح، والعالم عندهم معظّم من الخاصة و العامة يشار إليه، ويحال عليه، وينبه إلى قدره وذكره عند الناس ، ويكرم في جوار أو ابتياع، أو ما أشبه ذلك )).



وهذا يؤكد حقيقة اجتماعية و تربوية : أن للبيئة تأثيرا كبيرا على اتجاهات الأفراد و ميولهم ، وبقدر ما يتوفر لدى الأمة من بيئة ثقافية و اجتماعية وعلمية فإنه يتحقق لها مجتمع راق يسمو بأفراده عن السفاسف و الكسل والدعة و الخمول ، وهذا ما نشاهده - مع الأسف -في بلد صناعي متقدم كاليابان حيث يعظم فيه العلم و يعطى للتعليم الأولوية في سلّم الاهتمام ، بل يُعد مقياسا و معيارا للفرد الناجح و الأسرة الناجحة ، ولقد ساعد على ذلك تضافر الجهود التربوية و الثقافية و الإعلامية و السياسية و الاقتصادية مما أنتج جيلا يتحدى دولا سبقته في مجال الصناعة و التقنية. و كان الأولى أن يحدث هذا في البلدان الإسلامية التي يعظم فيها دينها العلم و يرفع من شأن صاحبه فهو عامل قوي في إيجاد البيئة العلمية و التربوية السليمة . لكن تباين الاتجاهات الإعلامية و التربوية و الاجتماعية و تناقضها أضعف البيئة السليمة التي ترفع من فاعلية الفرد و جديته .



ولذلك هَوتْ بيئة الأندلس حين أصبحت تهتم بغير العلم من اللهو و غيره فسقطت ضعيفة في يد العدو ، و أصبحت لقمة سائغة له ، فهل يا ترى نعي الدرس؟







( نشر في مجلة الشمال التربوي منطقة عرعر - العدد الثالث )





فريد بن عمر عزوق ( باحث جزائري )

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:25 AM
حقوق الوالدين (الجزء الثاني)
والإسلام قد أمر بمصاحبة الوالدين بالمعروف ؛ إذ الاختلاف في وجهات النظر أمرٌ قد يحدث بين الآباء والأبناء. والآباء عندما يأمرون، وينهون، ويُعاتبون ، فإنَّما يدفعهم إلى ذلك رغبتهم في الوصول بأبنائهم إلى أعلى مراتب الحياة .

فعلى الأبناء أن يُحسنوا مصاحبة آبائهم، ولتكن مجالستهم إيَّاهم بأدبٍ وتوقير، وعليهم أن لا يرفعوا أصواتهم في وجوههم، وأن لا تكون مناقشتهم بعنف وشدّة ، بل بتلطُّفٍ واسترضاء . وعلى الآباء أن يسمحوا لأبنائهم بالكلام في حدود الأخلاق والوقار ، على أن لا يتجاوزوا هذه الحدود .

وما الذي يُضير الأبناء لو نزلوا عند رغبة آبائهم، وحسموا الخلاف لصالحهم؛ لكثرة خبرتهم، وعِظم حكمتهم، وشدّة فهمهم للحياة ؟

هذا إذا لم يكن الخلافُ في العقيدة . أمَّا إن كان فيها فلا يُطاع الآباء في معصية الخالق سبحانه وتعالى ؛ فلو أُمر الولد بالسرقة ، أو حُرِّضت الفتاة على سلوك سبيلٍ مخالفٍ لسبيل الحشمة والعفاف ، أو نُهِيَ الابن عن أداء فرضٍ ، وَجَبَ على الأبناء أن يقفوا في وجه المعصية، مع الدفع بالحسنى ، والمصاحبة بالمعروف ، امتثالاً لقول ربِّنا عزوجل (وان جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان : 15] .

سُئل الإمام الأوزاعيّ رحمه الله عن الرجل تمنعه أمُّه عن الخروج إلى الجماعة والجمعة ، فقال : "ليطعْ ربَّه ، وليَعْصِ أُمَّه في ذلك".

وروى الإمام البخاري عن الحسن البصري رحمه الله أنَّه قال : "إن مَنَعَتْهُ أمُّه عن العِشاء في الجماعة شفقةً عليه ، فلا يُطعْهَا".

ولا يمنع كفر الآباء من حُسن مصاحبتهم ؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أنَّ أسماء بنت أبي بكر أتَتْها أُمُّها المشركة ، فسألت النبيَّ r : أَصِلُهَا ؟ فقال: "نعم"، فأنزل الله تعالى فيها:( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله لايحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهرو على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظلمون) [الممتحنة: 8-9] .

فالله تعالى أوصى الإنسان بوالديه ، وأمره بالعطف عليهما ، والإحسان إليهما وألزمه طاعتهما لما تحمَّلا في سبيله من المتاعب والمصاعب . ومع كلّ هذا حذَّره من طاعتهما في الشرك والعصيان ؛ لأنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

وليس الأمر قاصراً على الإحسان ، والمصاحبة بالمعروف ، وعدم العقوق،بل يجب على الأبناء أن يكونوا على مستوى لائق من الأدب مع النَّاس؛ فالمجتمع يرى فيهم امتدادًا لوالديهم، ونبتة تولّوْا غرسها، وفسيلةً زرعوها وتعاهدوها. فكان من الواجب أن يُعطوا صورة كريمةً عن أولئك الغارسين ؛ فلا يتطاولوا على الغير ؛ إذ التطاول يجرّ إلى الانتقام، ويُسبِّب العدوان الذي قد يطال نفوسهم ووالديهم بالشتم والسبّ .

وهذا ما حذَّر منه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ » . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : « يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ » .

وعلى الأبناء أن يتعهَّدوا آباءهم بالرعاية عند الكبر ؛ لأنّ ذلك من أسباب دخول الجنَّة ؛ كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقــولـه : « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ » .

وبرُّهما عند الكبر، أو أحدِهما سببٌ لنيل الثواب والأجر الكثير؛ فقد أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أشتهي الجهاد، ولا أقـدِر عليه ؟ قال : "هل بقيَ من والدَيك أحدٌ ؟ " . قال : أمِّي. قال : "قابل اللهَ في برِّها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ، ومعتمرٌ، ومجاهدٌ".

ولا يتوقَّف البرّ برحيل الأبوين ، بل يُطالَب الأبناء عندها بمسؤوليَّة جديدة، تتضمَّن الدعاء لهما، وطلب الرحمة والمغفرة لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وأداء ديونهما ، وإكرام صديقهما ، وقضاء كافَّة الحقوق التي عليهما للنَّاس ، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلاَّ بهما .

روى مسلم في صحيحه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنَّ أبرّ البِرِّ صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه".

وروى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ف ، إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : « نَعَمِ الصَّـلاَةُ عَلَيْهِمَا ، وَالاِسْـتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْـدِهِـمَـــا مِـنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِـلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَـلُ إِلاَّ بِهِمَا ، وَإِكْــرَامُ صَـدِيقِهِمَا ».

وهذا الصنيع يُعدّ صلةً للوالد في قبره. فعن بُردة قال : قدمتُ المدينةَ، فأتاني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: أتدري لم أتيتُك ؟ قلت : لا . قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"من أحبَّ أن يصلَ أباه في قبره، فليصِلْ إخوانَ أبيهِ مِنْ بَعْدِهِ"، وإنَّه كان بين عمرَ أبي، وبين أبيك إخاءٌ وودٌّ، فأحببتُ أن أصلَ ذلك".

وليس هذا فحسب ، فهناك الكثير من الحقوق التي لم أُوردها .

وما أوردته قليلٌ من كثيرٍ منها .



الدكتور/ عبدالقادر بن محمد عطا صوفي

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 12:47 AM
الإيثار على النفس
يُعتبر الإيثار -الذي هو أن يقدم الإنسان غيره على نفسه- من أعلى مراتب الكرم, "ولا يقوى عليه إلاّ أهل العزائم من الناس الذين صقلتهم العقيدة, وربّتهم تعاليم الإسلام، وقد ظهرت هذه الخلال الكريمة, والصفات النّجيبة في أقوى صورها وأعمق معانيها في جيل الصحابة الكرام".

رُوي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها كانت صائمة, ولم يكن عندها سوى قرص من شعير, فجاءها سائل, فقالت لبريرة: ادفعي إليه ما عندك. فقالت: ليس إلاّ ما ستفطرين عليه, فقالت لها ادفعيه إليه ولعله أحوج إليه الآن, ولمّا جاء المغرب, أهدى إليهم رجل شاة بقرامها, وهو ما كانت العرب تفعله إذا أرادوا شواء شاة طولها من الخارج بالعجين حفظا لها من رماد الجمر. فقالت لبريرة كلي هذا خير من قرصك.

وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر أنصار المدينة نخلا, وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب, فلما نزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنّ الله يقول(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وأحبّ أموالي إليّ بيرحاء, وإنّها صدقة لله أرجوا برّها وذخرها عند الله, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت, وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين, قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله, فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه).

وقد آثر الأنصار المهاجرين بأموالهم حتى أرادوا أن يقسموا بساتينهم معهم لولا أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يقاسموهم الثمر فقط, لأنّ المهاجرين يعملون في التجارة ولا يعرفون الزراعة واستصلاح الأرض.

فالأنصار عُرفوا بهذه الخصلة الجليلة, فهم قدوة لكلّ من يؤثر الآخرين على نفسه.

هذه القصص وغيرها من النصوص تدل على ما تركتها التربية النبوية من أثر محمود في نفوس المؤمنين من الإيثار على النفس وتحمل مسؤولية الحياة الاجتماعية بصدق وتضحية.

الباحث: علي ابو بكر أمادو (النيجر)

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 10:33 PM
العلم عز لا ذُلَّ فيه، ولا يُدرَكُ إلا بِذُلٍ لا عِزَّ فيهتبين هذه القاعدة حقيقة العلم أنه عِِزٌ، يرفع من مكانة صاحبه بين العالمين، كما قال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).
ومن شروط حصول هذا العز العلمي، التذلل للعلماء، وَخَفْضِ الجناح لهم، حتى يُدْرِكَ المُتَعَلِّمُ ما لديهم من علم.
وأما التَّعَزُّز والكِبْر في طلب العلم فإنه يمنع صاحبه من الحصول عليه.
إذِ العلـمُ أعلى رتبة في المراتب...ومن دونه عـز العلا في الكواكب
فذو العلم يبقى عزه متضاعفا...وذو الجهل بعد الموت تحت التَّيَارِب
فمَـنْ رَامـَهُ رَامَ المراتب كلها...ومَـنْ حازَهُ قد حازَ كُلَّ المـطالب
أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
28-08-2010, 10:51 PM
من استطال الطريق ضعف مشيهتفيد هذه القاعدة أنه يلزم الراغب في تحقيق الأهداف النبيلة أن لا يستبعد نهاية الطريق وبُعْد المسافة وطول الزمن فإن ذلك أول معوقات تحقيق الأهداف.
فمن أسباب استطالة الطريق التعجل في تحقيق الهدف، ومحبة الاستحواذ على الثمرة. ولذلك عندما نشرع في الهدف علينا أن نترك مجالا واسعاُ لمن سيقطف الثمرة أنا أو غيري.
فالعظماء الذين حققوا الأهداف العظيمة كانت من سماتهم المجال الواسع لقاطفي ثمارهم. وللإسلام وقفات عظيمة ومنهجا سامقا في ذلك.
وبالتالي يلزم المرء أن يربي نفسه على ذلك
أ.د. خالد بن حامد الحازمي

أميـرة
28-08-2010, 11:08 PM
الله يعافيك

بنت خالتها
28-08-2010, 11:09 PM
مشكككوره

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 12:18 AM
الإبداع العلمي
لقد جاء الإسلام والناس في جاهلية جهلاء، في عباداتهم واعتقاداتهم وأخلاقهم، وفي علومهم ومعارفهم، حتى أن عدد الذين يقرؤون ويكتبون في قريش هم سبعة عشر رجلا، منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ .

وجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدد يكتبون، منهم: سعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، فكان يكتب العربـية والعبريـة ـ رضي الله عنهم ـ.

وقد وجه الإسلام إلى الإبداع العلمي عن طريق مفاتحه، التي منها:

1ـ الدعوة إلى التعلم ، قال تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)

2ـ رفع مكانة العلم والعلماء، قال تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير)

ونتج عن هذا التشجيع وهذه العناية الإسلامية بالعلم أن اشتغل كثير من المسلمين بالعلم والتصنيف في سائر العلوم النافعة، وقاموا بتشييد المكتبات العلمية والمدارس، وإنشاء الوقف لها بما يمكنها من الاستمرارية دون تأثر بالتقلبات الاقتصادية أو التغيرات السياسية.

وبعد ما جاء الإسلام تفتقت تلك العقول وأبدعت في تفوقها، وتواصل هذا الإبداع في الأمة، فتولدت علوم ومعارف، ما كان لأحد قبلهم بها معرفة، ومن ذلك: علم أصول الفقه، الذي أول من صنف فيه الإمام الشافعي، وأول من صنف في الفقه الإمام مالك بن أنس، وأول من صنف في غريب القرآن الكريم أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأول من عمل العَرُض هو الخليل بن أحمد، وأول من وضع الإعراب أبو الأسود الدؤلي، وأول من صنف في صنعة الشعر عبد الله بن المعتز .

ولقد برع المسلمون في العلوم التجريبية، وأسسوا قواعدها ونواتها، ففي مجال الصيدلة: هم أول من اخترع الكحول، والمستحلبات، والخلاصات العطرية، واستخدم الرازي لأول مرة الزئبق في تركيب المراهم، وهم أول من غلف حبات الأدوية المرة بغلاف من السكر، ليتمكن المريض من استساغة الدواء، وهم أول من غلف الأدوية المعمولة على شكل حبوب، كما برعوا وابتكروا تحضير وضع وتركيب الضمادات والمساحيق واللزوق، وقد وقفوا على صنع مراهم تجف مع الوقت، كشماعات أو غطاء للجروح الحديثة، ومن أشهر من برع في علم الأدوية عبدالرحمن بن محمد بن عبد الكريم بن واقد، المتوفى سنة 467هـ 1074م.

وفي علم التشريح تم اكتشاف الدورة الدموية الصغرى (الدورة الدموية الرئوية) وكذلك الدورة الشريانية من قبل ابن النفيس، واكتشفوا عدد الأغشية القلبية، ووضيفتها، واتجاه فتحاتها لمرور الدم، وبرعوا في تشريح العيون وجراحتها، واكتشفوا أن العضلات المحركة للمقل ست عضلات، وبينوا أن العين آلة للبصر وليست باصرة .

وفي علم الرياضيات هم أول من أسس (اللوغارتمات) فلقد ولد ونشأ وترعرع علم اللوغارتمات في البلاد الإسلامية، الذي يرجع في تكوينه لجهود سلسلة من الابتكارات على يد عدد من علماء الرياضيات، مثل: سنان بن الفتح الحراني، وابن يونس الصدفي المصري، وأبو الحسن على النسوي، وابن حمزة المغربي.

فهذه الشواهد تعطي دلالات عميقة بأن الإسلام فتق عن تلك العقول الصامته لتبدع في جميع المجالات العلمية، بعد أن كانت لا تحسن القراءة والكتابة، مما يؤكد عمق التربية الإسلامية واستيعابها لكل ما يخدم الإنسان والبشرية جمعا، وأنها نور يحرك الأفئدة نحو العطاء، مما يؤكد أن الدور التربوي يقع اليوم على المؤسسات التربوية لتغرس ذلك في الأجيال، بما يشعرها بماضيها المضيء، وعلى أكتافهم يرتقي البحث العلمي في ميادينه المختلفة.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 01:36 AM
التشجيع والإبداعللتشجيع دور كبير وفاعل في إبراز أصحاب المواهب، كما أن في عدم التشجيع تثبيط للهمم، خاصة إذا صاحب ذلك التهوين من قدر الإنسان "والإسلام شجع الأفراد للاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم العملية في بناء الحضارة وعمارة الأرض على أساس من التعاون على البر والتقوى، ونبذ الحسد والتباغض" الذي قد يكون أحد أسباب عدم التشجيع .
وقد يرجع أسباب عدم التشجيع إلى يأس المعلم والأسرة من أن يلحقوا بركاب التقدم التقني أو الزراعي أو التجاري أو الصحي أو التعليمي أو غير ذلك من الجوانب التي تأخرت فيها الأمة، وقد يكون سبب عدم التشجيع الجهل بأهميته في كشف المواهب .
والدراسات التربوية تثبت أهمية التشجيع في صقل المواهب، وخطورة قهر الأفراد على اختيارات لا يرضونها "لأن الإنسان لا يركز انتباهه أو يعمل فكره، ويضاعف جهده إلا فيما يميل إليه، ويشعر بانجذاب شديد إلى ممارسته.
ومنهج التربية الإسلامية يقوم على التشجيع للخير، والتحذير من الشر والباطل، وآيات الترغيب والترهيب كثيرة في القرآن الكريم، وفي نصوص السنة النبوية، التي ترغب في الخير وتحذر من الشر والفساد وإضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه، قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه).
ولما أن الإنسان مفطور على حب الخير لنفسه، وكره الشر والشقاء، فإنه يندفع في استجابة للمؤثرات الترغيبية والترهيبية؛ بشكل قوي، حيث أن الترغيب والترهيب أمران يقومان على الخوف والرجاء .
وقد كان عليه الصلاة والسلام يشجع أصحابه على الخير والاستزادة منه بكلمات الإشادة التي تشحذ الهمم، وتحمس على الخير، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً ثم أجاب عليه صحابي جليل، فيقول عليه الصلاة والسلام مشجعاً له : (ليهنك العلم أبا المنذر) فعن أُبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله (أيُّ آية في كتاب الله أعظم ؟ قال: الله ورسوله أعلم، فردَّدها مِرارا، ثم قال أُبيُّ: آية الكرسي، قال: لِيَهْنَكَ العلمُ أبا المنذر)
وفي هذا الحديث العظيم من الفوائد التربوية: طرحه صلى الله عليه وسلم السؤال العلمي على أصحابه ليزدادوا علماً وفهماً، ثم تشجيعه صلى الله عليه وسلم لأصحابه، بالكلمة الطيبة المشجعة التي تشحذ الهمة نحو المزيد من الخير في العلم والفهم والتأمل قبل الإجابة. وفيه تأدب الصحابي الجليل مع نبي الرحمة والهدى؛ إذ لم يبادر بالإجابة فوراً تقديراً وإجلالاً لعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخشية أن يقول شيئاً على غير مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله ورسوله أعلم. ومن الفوائد التربوية: ترديد الرسول عليه الصلاة وأفضل التسليم السؤال، ليؤكد رغبته في الإجابة، حتى يؤكد الصحيح، ويصحح الخطأ. ثم يقول صلى الله عليه وسلم جملة تشجيعية في غاية الروعة والجمال : (لِيَهْنَكَ العلمُ أبا المنذر) ، فلو أنها خرجت من أحد المعلمين لكانت جميلة، فكيف وقد خرجت من لسان نبي الهدى والرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وفي صحيح البخاري (مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا.)
وكم في هذا الحديث من فوائد يجهل تطبيقها كثير من المدرسين، فالتشجيع أولها، ونوعية عبارة التشجيع ثانيها، وربط جملة التشجيع بنوع الفعل والممارسة ثالثها، وتذكيرهم بأمجاد أسلافهم رابعها. ولو ازددنا تأملاً فيها لازددنا علماً وفقهاً تربوياً.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 02:14 AM
الإبداع المهنيالإبداع المهني :
إن الإبداع المهني لا يعتمد على الخبرة والمهارة اليدوية فقط، بل لا بد من وجود عامل الذكاء، والتفكير والتطلع إلى التحسين والإصلاح والتطوير.
والتربية الإسلامية لا تعارض ذلك بل تحفز العقول على الابتكار والإبداع في المجال العملي والمهني، ومن الشواهد على ذلك :
قول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره؛ فيتصدق به ويستغني به من الناس، خير له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه ذلك، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول) وفي هذا الحديث بيان لأهمية المهنة التي تكف الإنسان عن المسألة، كما أن في الحث على التكسب والنهي عن المسألة أول مفاتح الإبداع المهني، لأن المرء لا يبدع مهنياً ما لم تكن له صنعة يتخذها.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع في المسجد قائما، فقال: إنَّ القيام قـد شـق عليّ، فقال لـه تميم الداري: ألا أعمل لك منـبرا، كـما رأيت يُصنع بالشام؟ فشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إنَّ لي غلاما يقال له كلاب، أعملُ الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره أن يعمله، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها، ثم عمل منها درجتين ومقعد . فظهر الإبداع المشوري من تميم الداري بصنع منبرا، ثم ظهر الإبداع المهني من غلام العباس بن عبد المطلب، حيث كان أعملُ الناس، فأخذ صلى الله عليه وسلم من كل شخص ما يُحسن ويُجيد فيه: من مشورة وصنعة، وفي هذا تشجيع منه صلى الله عليه وسلم، وتأييد للأعمال الإبداعية المفيدة .
وهذا يرسم للمؤسسات التعليمية قواعد تربوية في المجال المهني، ويؤكد لها أهمية العناية بالدروس المهنية النافعة التي تستثمر العقول ، وتزيل حواجز الخجل من الأعمال والصنائع التي يعرض ويعزف عنها كثير ممن لم يرتق في السلم التعليمي .
فبعض ممن لم يستطع مواصلة دراسته يأنف من العمل في الصنائع المهنية التي ربما لو عمل فيها لكان مبدعاً ، يشار إليه بالتفوق الذي ربما لا يحققه في السلم التعليمي . وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى أهمية مراعاة استعدادات الصبي لما هو مهيأ له، فيذكر أنه مما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعياً، فهذه من علامات قبول العلم، وإن رآه بخلاف ذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناس، فليمكنه منها، وهذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه.
ومن هنا لابد للمنهج التعليمي أن يراعي ويحقق الميول لدى الدارسين بأهمية الأعمال المهنية، من خلال دراسة السيرة النبوية، وسير الأنبياء عليهم السلام، وكذلك الصحابة، وعلماء الأمة، فقد "كان داود زرادا، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعيا" . وكان الإمام أبي حنيفة يتجر في الخز، وكان ماهراً فيه. وكان الإمام أحمد بن حنبل يعمل التكك ويبيعها، ويتقوت بها .
فمهمة المؤسسات التعليمية أن تغرس ذلك في أفراد الأمة ليبدع الإنسان فيما هيأ له.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 02:32 AM
الإبداع في التخطيط الحربيإن الإبداع التخطيطي الحربي لا يقل أهمية عن قوة العتاد، بل ربما يفوق قوة الترسانة الحربية من حيث التأثير في مسار المعركة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يهمل هذا الجانب، بل كان يأخذ بما تتفتق عنه عقول المبدعين من الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك أنه في معركة بدر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى ماء من بدر، فقال الحُبَاب بن المنذر بن الجموح: يارسول الله، أرأيت هذا المنـزل؟ أمنـزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يارسول الله، فإن هذا ليس بمنـزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فنـزله، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَغُوِّرت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه، فملىء ماء ثم قذفوا فيه الآنية.
ويلاحظ في هذه المشورة الإبداعية، عناية الصحابة بالحكم الشرعي وتقديمه على العقل، حيث قال الحُباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنـزل أمنـزلا أنزلكه الله تعالى، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فَيُفْهَم من ذلك، إن كان الأمر وحياً فالعقل تابع له، وليس للرأي مكان ، وأما إن كان الأمر جهداً عقلياً تخطيطياً فعندي في الأمر رأي.
ومن اللطائف التي يمكن استنتاجها، أنه لم يبين رأيه إلا بعد أن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم القول الفصل، بأن الأمر ليس وحياً، بل رأياً، وهكذا نريد أن تكون التربية العقلية الإبداعية تهتم بالجانب التفكيري العقلي، ولكن تجعله يستظل ويسير تحت مظلة الشرع الحنيف، لا في مقدمته.
وأيضاً يتجلى الإبداع التخطيطي الحربي في مشورة سلمان الفارسي بحفر الخندف في غزوة الأحزاب (الخندق) فكان حفر الخندق عملاً إبداعياً لم تعرفه العرب من قبل، فكان ذلك أحد الأسباب في صد عساكر المشركين، بتوفيق الله تعالى ونصره.
فهذه الشواهد تؤكد حقيقة مؤداها أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطي لذوي العقول المبدعه حقها من النظر والتشجيع البناء، ومن ثم الاستفادة مما يتولد عن أولئك من أفكار تخطيطية تسهم في أسباب النصر، بما يؤكد أن التربية الإسلامية تعطي في مضامينها التربوية معطيات تحقق للبيئات التربوية قواعد وأسس منهجية عملية للمناهج الدراسية.

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 10:46 PM
الوفاء والتفاني
في هذه الإطلالة المفعمة بالمواقف التربوية، يتبين نهج النبي العملي التربوي العظيم، وعمق التربية التي بلغت ذروتها في قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعندما عرف النبي صلى الله عليه وسلم قدوم عير قريش من الشام إلى مكة، والتي انطلقت منها معركة بدر العظيمة، حصل هذا الموقف. فعن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة؛ فقال: إيانا تُريد ؟ يا رسول الله ! والذي نفسي بيده ! لو أمرتنا أن نُخِيضها البحرَ لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَادِ لفعلنا. قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فانطلقوا حتى نزلوا بدراً. ووردت عليهم روايا قريش.)

قال العلماء: إنما قصد صلى الله عليه وسلم بذلك أخذ موافقة الأنصار لأنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال؛ وطَلَب العدو، وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده، فلما عَرَضَ الخروج لعِير أبي سفيان أراد أن يعلم أنهم موافقون على ذلك، فأجابوه أحسن جواب؛ بالموافقة التامة.

و يتبين في هذا الحديث احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم للمواثيق وعنايته بها، بالرغم من تَعَمُّق العلاقة مع الأنصار، وكذا بينهم وبين المهاجرين، ولم يدفعه ذلك عليه الصلاة والسلام إلى تجاهل بنود المعاهدة، وبالتالي يعطي هذا الحدث للأمة درساً في أهمية حفظ ما يتفقون عليه، وأن لا يجعلوا لقوة العلاقة وتَوَطّدِهَا مجالاً ومسلكاً لإذابة ما يتفقون عليه. وهذا يكون في دائرة الأسرة، ودائرة الصداقات، وفي محيط العمل والمهنة. كمن يستسهل الشروط المبرمة في عقد الزواج نتيجة ما حصل من قوة في العلاقة بين الأصهار، فيدفع ذلك أحدهم أو بعضهم على التفريط باعتبار ما حصل من تطور ونمو في العلاقة، وكذلك ما قد يحصل بين شركاء العمل والمهنة من تساهل البعض في الاتفاقيات المبرمة بينهم، نتيجة تطور ونمو تلك العلاقة؛ مما قد يترتب على ذلك من الضرر أو الشعور بأن لا قيمة لتلك المواثيق والعهود، ثم ما يعقب ذلك من مشاعر قد تضر بالأطراف.

ألا يربي هذا النهج العملي الأخلاقي في الأمة احترام المواثيق، وعدم إذابتها وإضاعتها أو إضعاف قوتها بما يحصل من التواد الذي ربما كان نتيجة تلك المواثيق وثمرتها.

إن الكريم من يحفظ العهود، ولا يستغل الظروف لإضاعتها أو إذابتها أو وأدها. بل يحفظها كاملة، ليكون وفيا كريما مخلصا. إلا إذا كان تنازلا من أهل الحق فيها.

وأما في إعراضه صلى الله عليه وسلم عندما أعرض عن الصحابيين الجليلين، ففيه إيماء لمقصده صلى الله عليه وسلم. وهذا الإيماء دون تحديد يدلل على كريم خُلُقه صلى الله عليه وسلم، مما يشير إلى أهمية هذا الأسلوب التربوي الراقي جداً، ولا سيما مع النبهاء وأولي الألباب، لما فيه من الآداب والتقدير،حيث فَطِن الأنصار إلى مقصده صلى الله عليه وسلم، وإلى ما يرمي إليه، فقام سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه؛ الفهيم اللبيب، مبيناً أن الذي فَهِمَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم بيت القصيد، ثم باشر بالجواب، ولم يترك مجالاً لأن يَرُد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعم، أو نحو ذلك. وهذا من غاية الكرم والحب لمن يخاطبه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فتُعطي هذه المحادثة الحوارية التي تمتلئ بآداب الحوار والمناقشة، الأسلوب الرائع الذي ينبغي أن يُؤخذ به في مثل ذلك. وما يجب أن يتعلمه المسلم من منهجه صلى الله عليه وسلم، الذي تربى عليه أصحابه فكانوا خير مجتمع بشري وقف على هذه الأرض.

وفي متابعة حديثه رضي الله تعالى عنه؛ يبين مقدار تفانيهم لرسولهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم، بعبارة راقية في مبناها ومعناها، فيقول: والذي نفسي بيده ! لو أمرتنا أن نُخِيضها البحرَ لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَادِ لفعلنا.

قسمٌ بالله، ثم يتلوه بيان لغاية ما يمكن أن يخوضوه معه صلى الله عليه وسلم، وهي عبارات يدل مبناها على معناها الذي لا يمكن أن تُوصف بأكثر من وصف سعد رضي الله تعالى عنه؛ وإن هذا التفاني بالنفس لَيُعَلِّمَ الأمة ما يجب أن يكونوا عليه مع منهج ودين الله تعالى حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، بأن يبذل المسلم غاية وسعه، في نشره والذب عنه والعمل به، ولكن كم من يُفرّط في التطبيق لما هو مطلوب منه، فضلاً عن النشر والذب، ولكنك أنت يا الله أرحم الراحمين يا رب العالمين.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
29-08-2010, 10:56 PM
رحمة للعالمين
قال الله تبارك وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

فتؤكد هذه الآية الكريمة أن هذا الدين رحمة من الله تعالى، وأن مضامينه رحمة، وأن العقوبات التي جاء بها رحمة، وأن العبادات والعقيدة الإسلامية رحمة، وأن أساليبه رحمة، وأن هذا النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين؛ للإنس والجن، وللحيوان والنبات.

حتى سلَّمَ عليه الحجر، وحنًّ إليه الجذع، ونبع الماء بين أصابعه، صلى الله عليه وسلم، وبكاه أصحابه عند موته، وبكاه المسلمون على مَرِّ التاريخ، وسيبكونه كلما تذكروه.

وهذه بعض مسالكه صلى الله عليه وسلم التي تتضح رحمته فيها، بالرغم من أنها في أشد المواقف ومع تمام القدرة على تنفيذ أشد العقوبة وأقساها. ومع ذلك كان العفو رحمة منه صلى الله عليه وسلم.

فلقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الأذى من قومه في مكة، باللفظ والنعوت المشينة، فقالوا: ساحر ومجنون، وكاهن وكذاب، ووضعوا بين كتفيه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي لله تعالى فرثا ودما وسلا جزور، وضحكوا حتى مال بعضهم من الضحك.

ويوم فتح مكة المكرمة لم يقتص منهم ولم يثأر لنفسه، بل قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، فكان حقا كما قال تعالى(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

ولما ذهب إلى الطائف راجياً أن يجد من يتجاوب معه ويقبل دعوته، أجابوه بأقبح الأجوبة وكذبوه، وسَلَّطُوا عليه صبيانهم يرمونه بالحجارة صلى الله عليه وسلم، حتى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم(هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لَقِت: وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عَرَضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم؛ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك؛ وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَكُ الجبال، فَسَلَّمَ عليَّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجوا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً).

فأي رحمة بشرية أبلغ من هذه الرحمة، وهو في لحظة توجعه صلى الله عليه وسلم مما أصابه منهم فيقول: (أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً.)

إن رحمته صلى الله عليه وسلم ومحبته لربه تبارك وتعالى بأن يُعْبَد في الأرض جعلته يتنازل عند فرصة الإتنقام.

مما يؤكد ويوضح للأمة أن الرحمة عندما تخالط المشاعر ويتفاعل معها التفكير تحدث الوضوح في الرؤية للهدف وللوسيلة التي تحقق الهدف. فهل الجبروت وحب الانتصار للذات من خلال التربية والدعوة في ميدان المنزل والمدرسة ومع الأصدقاء والأعداء يحقق الأهداف التي نرجوها في أهلينا وأصدقائنا.

فكيف لو تأملنا رحمته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومع زوجاته لرأينا أمراً عجباً.

ولكن كيف أكون رحمة في منزلي ومع أبنائي وفي مهنتي وفي دعوتي ومع أعدائي، ففي الجواب عليها طريق الرحمة التربوية.

أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
30-08-2010, 12:54 AM
صورة للتعليم والتعلم في العهد النبوي:
يوضح هذا الأنموذج من جيل الصحابة صورة من المناخ العلمي الذي تزخر به المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه ( كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً؛ يُسَمَّون القراء، قال: كانوا يكونون في المسجد، فإذا أمْسُوُا انتحوا ناحية من المدينة، فيتدارسون ويُصَلّون، يحسبُ أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسبُ أهل المسجد أنهم عند أهليهم، حتى إذا كانوا في وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا من الحطب، فجاؤا به، فأسندوه إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً فأُصيبوا يوم بئر معونة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة)

ويوضح هذا النموذج حرص الشباب من الصحابة على تطويع وإعمال عقولهم في كسب العلم النافع. كما يوضح هذا الحديث حرص شباب الصحابة على التعلم، وعلى حفظ هذا الدين، وبذل الجهد في ذلك، واستغلال مرحلة القوة والجلادة، والإخلاص لله تعالى بذهابهم إلى طرف المدينة للمدارسة، بحيث يعتقد أهل المسجد أنهم في بيوتهم، ويحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ومن الفوائد التربوية استخدام ذلك الجيل أسلوب المدارسة التي تُرسخ العلم، مما يؤكد سبقهم إلى هذا المفهوم وتطبيقهم له، وكذلك يوضح هذا السلوك التربوي التعاون والتآلف بين طلاب العلم في المذاكرة والمدارسة. كما يؤكد أهمية صنيعهم العلمي أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قَتَلَتِهِم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة؛ وهذا دليل على مكانتهم ومنـزلة العلم الذي كانوا يحملونه رضي الله تعالى عنهم. كما أن في هذا الحديث خدمتهم لنبيهم ومعلمهم، وحرصهم وتفانيهم في ذلك، بجلب الماء والحطب إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإنها حياة علمية نشطة؛ قد ازدهرت في المدينة، وبزغ فجرها ببعثته صلى الله عليه وسلم وسطع نورها في أرجاء المعمورة. فها هو المناخ العلمي الجاد والنشط الذي كان سائداً في المدينة النبوية بعد أن هاجر إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانت الحركة العلمية في ازدهار منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا وستظل بإذن الله تعالى في كل أنحاء المعمورة، تزدهر بعلم الشريعة الغراء التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

فلقد كان عهده صلى الله عليه وسلم علم وتعليم وتعلُّم وإقامة شعائر وعبادات، وفتوحات، قد ازدانت بها الدنيا.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 04:43 AM
من صور الإعجاز التربوي النبوي 1/2
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛

فمما لا شك فيه أن الإسلام دينٌ معجزٌ كله ، فكتاب الله العظيم معجزٌ في سوره وآياته ، و رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم معجزٌ في قوله وعمله ، و سُنته الطاهرة معجزةٌ في لفظها ومعناها . وفي هذه العُجالة طوافٌ سريعٌ ببعض الجوانب الإعجازية - التي أشار إليها الهدي النبوي المبارك - ذات العلاقة بموضوع الغضب كخُلقٍ سلوكي مذموم جاء النهي عنه في أكثر من موضع من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ؛ نظراً لما يترتب عليه من عظيم الخطر ، وكبير الضرر . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : " لا تغضب " ، فردَّد مراراً ، قال : " لا تغضب " ( البخاري ، الحديث رقم 6116 ، ص 1066 ) . وهنا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول والمربي العظيم للأمة قد أوصى من طلب منه الوصية بعدم الغضب ، ثم كرر النهي مراراً .

فما هو الغضب ؟ وما هي مضاره ؟ وما علاجه وفق منهج التربية النبوية التي جاء بها معلم الناس الخير ليكون لنا في ذلك منهج نهتدي به ، وسبيل نتبعه ؟

تعريف الغضب :

يُعرَّف الغضب بأنه " ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش و الانتقام " ( 1 ) .

وقد يُعرَّف بأنه " حالةٌ نفسيةٌ انفعالية تُصيب الإنسان " ( 2 ) .

وقيل فيه : " إن الغضب غريزي في الإنسان فلا يُذم و لا يمدح إلا من جهة آثاره ؛ فمن غضب وكظم غضبه وغيظه مُدح ، ومن غضب فثار وتصرف تصرفاً شائناً نتيجة الغضب كان مذموماً بقدر ما وقع منه من تصرف " ( 3 ) .

والمعنى أن الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ يؤدي بصاحبه إلى الثوران والانفعال ، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله غالباً .

مضار الغضب :

للغضب كثيرٌ من المضار العظيمة التي تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الفردية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفكرية والتي تؤكد جميعها أن الغضب مفتاح الشرور لأنه يجمع الشر كله كما أشار إلى ذلك أحد عُلماء السلف بقوله : " إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز ( التوقي ) منه جماع الخير " ( 4 ) .

فمن مضاره الفردية أنه يُفقد الإنسان صوابه ، ويسلبه عقله ، ويدفعه إلى السب ، والشتم ، والسخرية ، والتلفظ بالألفاظ البذيئة وغير المؤدبة التي قد تُسبب له الحسرة والندامة فيما بعد ، وقد تُسقطه من أعين الناس ؛ إضافةً إلى ما قد يقوم به الإنسان حين غضبه من التصرفات الطائشة البعيدة عن الحكمة ، والمُجانبة للصواب . وهو ما يُشير إليه أحد كبار الكُتاب بقوله :

" الإنسان مخلوقٌ متميز ، فيه شيء من الملائكة ، و شيءٌ من الشياطين ، و شيءٌ من البهائم والوحوش ؛ فإذا عصف به الغضب ، أوتر أعصابه ، وألهب دمه ، وشد عضلاته ، فلم يعد له أُمنيةً إلا أن يتمكن من خصمه فيعضه بأسنانه ، و يُنشب فيه أظفاره ، ويُطبق على عنقه بأصابعه ، فيخنقه خنقاً ، ثم يدعسه دعساً ، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية ، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق " ( 5 ) .

ومن مضاره الاجتماعية أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " ( 6 ) .

أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " ( 7 ) .

كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه " ( 8 ) .

وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلـب "(9) .

وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ أن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي " ( 10 ) .

وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال

علاج الغضب :

انطلاقاً من كون الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ لا يُمكن دفعه ، فإن من عظمة الإسلام وكماله أن اعترفت التربية الإسلامية بذلك وبيَّنت طرق الوقاية منه ، وكيفية علاجه ، بطرقٍ مختلفة ، ووسائل متنوعة نُجملها في ما يلي :

أولاً / محاولة البُعد عن دواعي الغضب وتجنب أسبابه ، وعدم التعرض لما يؤدي إليه من الأقوال والأفعال التي منها : " الكِبـْرُ و التعالي والتفاخر على الناس ، والهزء و السُخرية بالآخرين ، وكثرة المزاح ولا سيما في غير حق ، والجدل و التدخل فيما لا يعني ، والحرص على فضول المال أو الجاه"(11).

ثانياً / الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم عملاً بقوله تعالى :

} وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ( الأعراف :200 ) . فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من الشيطان إنما يعتصم بعظمة الله تعالى ويلوذ بها ، ويستحضرها في نفسه لما في ذلك من طردٍ للشيطان ودحره وإبطال مكره ، ومن ثم يسكن الغضب وتهدأ ثورته – بإذن الله تعالى - . فعن سليمان بن صُرَد أنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمَّر عيناه ، وتنتفخ أوداجه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إني لأعرف كلمةً لو قالها هذا لذهب عنه الذي يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4781 ، ص 249 ) .

ثالثاً / التزام الصمت وعدم الكلام لما في ذلك من الحيلولة – بإذن الله – دون وقوع الغاضب في ما لا تُحمد عُقباه من بذيء اللفظ وسيئ الكلام ( سباً ، أو شتماً ، أو سخريةً ، أو نحو ذلك ) . ولأن " من الناس من لا يسكت عند الغضب ، فهو ثورةٌ دائمة ، وتغيظٌ يطبع على وجهه العُبوس . إذا مسَّه أحدٌ ارتعش كالمحموم ، وأنشأ يُرغي و يُزبد ، و يلعن ويطعن "(12). ولهذا كان سكوت الغاضب و تركه للكلام علاجاً مناسباً للغضب لما روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً . ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 2136 ، ص 239 ) .

وهنا يلاحظ الإعجاز التربوي النبوي المتمثل في توجيهه صلى الله عليه وسلم للغاضب بالتزام الصمت وعدم الكلام " وهذا دواءٌ عظيمٌ للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره ، مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه " ( 13 ) .

رابعاً / التصاق الإنسان الغاضب بالأرض لما روي عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن أحس بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض " ( الترمذي ، ج4 ، الحديث رقم 2191 ، ص 483 ) .

ولعل المقصود بالالتصاق هنا بقاء الغاضب في مكانه وعدم الحركة كما يُشير إلى ذلك أحد الباحثين بقوله : " نُلاحظ في هذا الحديث لوناً من ألوان العلاج لثورة الغضب ، وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو اللصوق بالأرض ، والغرض منه تجميد كُلَّ حركةٍ يمكن أن ينجم عنها آثارٌ غضبية مادية " ( 14 ).

خامساً / الانشغال بذكر الله تعالى لما في ذلك من حصول الطمأنينة والسكينة مصداقاً لقوله تعالى : } أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : من الآية 28 ) . كما أن في ذلك تذكيرٌ للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في عُلاه وقدرته ، وحثٌ على الخوف منه سبحانه لا سيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادرٌ على عقابه والانتقام منه . وقد ورد أنه " وجد في التوراة مكتوباً : ي ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكُرك حين أغضب فلا أمحقك فيمن أمحق " ( 15 ) .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 04:51 AM
الأطفال في بيت النبوة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .

وبعد : فإن تربية الطفل على الاستقامة ، وتعليمه طرق الفلاح والصلاح ، وفتح باب الخير له ، والاكتشاف والمعرفة مهمّةٌ أوكلها الله تعالى إلى الآباء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (

ولما كان التعاون على الخير أصلا معتبرا في شرعنا ، فقد أجاز الشرع الحنيف أن يوكل الآباء غيرهم ليقوموا بجزء من وظيفتهم في التربية و التعليم ، فكان المعلمون بهذا الأصل وكلاء شرعيين لأداء مهمتهم مع الأبناء ، ومن هنا جاءت القاعدة التربوية لتنصّ على أن المعلم ينزّل منزلة الأب في التأديب و التعليم .

وعليه فإن مسؤولية المعلم في منهج التربية الإسلامية لا تقتصر على مجرد التلقين ونقل المعلومة ، بل تتعدى ذلك إلى الرعاية والاهتمام والتهذيب .

ولن يكون ذلك كذلك إلا إذا نزّل المعلم نفسه منزلة الأب في الحرص على خير الأبناء ، فغمرهم بالرحمة وشملهم بعطفه وحبه وعنايته.

ولقد منّ الله تعالى على هذه الأمة بأن بعث فيهم رسولا منهم ، وكان بهم رؤوفا رحيما ، فدلّهم على الخير و النجاة ، وحذرهم من كل الشرور و المهلكات ، فكان صلى الله عليه وسلم بأمته أحرص من الأب على ابنه ، والأم على ولدها ، ولذا وجب على المعلمين أن ينهلوا من هديه صلى الله عيه وسلم في التربية و التعليم ليسلكوا بتلامذتهم المسلك الصحيح ، ويقوموا بمسؤولياتهم أحسن قيام

وفي هذه الصفحة نحاول أن نستعرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع الأطفال سواء أكانوا من البنات أم الأحفاد أو ربائب أو غيرهم ، لنرتشف من عبيق سيرته ما يضفي على العملية التربوية الفعالية و النجاح .



الحلقة الأولى : مع ربيبه عمر بن أبي سلمة

روى البخاري في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة قال : ((كنت غلاما في حجر[1] رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش[2] في الصحفة[3] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) . فما زالت تلك طعمتي بعد))[4] وفي رواية أبي داود[5] : (( ادن بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )) وفي رواية الترمذي[6] : (( ادن يا بني : و سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك )).

ففي هذا الحديث مواقف تربوية عظيمة منها :

أولا : فيه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بسلوك ربيبه عمر بن أبي سلمة أثناء الأكل ، والحرص على معالجة خطئه ، حتى لا يصير ذلك عادة سلوكية يصعب مع مرور الأيام تركها ، وهذا يدل على أن العملية التعليمية لا تقتصر على تزويد الطالب بالمعارف والعلوم بل تقتضي كذلك حل المشكلات ومعالجة الأخطاء السلوكية.

ثانيا : طريقة معالجة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لخطأ عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه بأسلوب الأب المشفق والمعلّم الرحيم ، حيث ناداه بعبارة فيها تحننّ وتلطّف وعطف ، فقال له : " ياغلام " وفي رواية أبي داود " ادن بنيّ" وفي رواية الترمذي : " ادن يا بنيّ" ، ولاشك أن هذا النداء يشيع في النفس الطمأنينة ، ويثير فيها حب الاستجابة وحب التطلع إلى ما يقوله المربّي ، وفيه دعوة للمعلمين إلى ضرورة الاعتناء بمخاطبة تلامذتهم بما لا يدعوهم إلى النفور والقلق والخوف أو التذمّر ، فليس من اللائق مناداة التلميذ –إذا ما أخطأ- بأسماء الحيوان ، أو بألفاظ نابية تجعله محلّ هزء بين أصحابه ، وربما أدّى ذلك إلى ردّ فعل سلبي تحوّل مع مرور الزمن إلى كره المدرسة أصلا ، فإقرار مبدأ الرفق و الملاطفة في التعامل مع الأطفال مسلك نبوي مرعي قال صلى الله عليه وسلم : "((إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا))[7].

الثالث : أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بادر الطفل بالحلّ مباشرة قائلا له : " سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك " ليفهمه بطريق غير مباشرة أنّ ما كان يفعله خطأ يجب تركه ، وفي هذا تنبيه للمعلمين إلى ضرورة مراعاة نفوس التلاميذ ، فلا يُعيٍّرونهم بأخطائهم ، أو يتوسعون في ذكرها أمام التلاميذ ، بل يجعلون همّهم إصلاح الخطأ بأيسر طريق وأنجح سبيل ، وإذا رأى الأستاذ أن هذا الخطأ قد يتكرر عند التلاميذ ، فلا بأس من استعمال أسلوب التعريض ليعمّ التعرّف على المشكلة وأسبابها وسبل علاجها .

الرابع : أن تعليمه صلى الله عليه وسلم الطفل آداب الأكل والاهتمام به [8] يدلّ من باب أولى على ضرورة الاعتناء ببعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يحتاج إليها الصبي كالوضوء وأحكام الصلاة .

الخامس : أن تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم الصغير البداءة ببسم الله في الأكل فيه ربط للصبي بالله تعالى ، وأن يعتقد الفضل من الله تعالى لا شريك له ، لذلك يستحق أن يطاع ويشكر ، وفي ذلك تنبيه للمعلمين على ضرورة الاعتناء بالأصل العقدي والبداءة به ، ليشبّ الأطفال وقد تعلقت نفوسهم بالله تعالى.

السادس : أن هذا المسلك التعليمي دلّ على فعاليته ونجاحه وأثره الطيّب على الأطفال ، بدليل أن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال بعدها : " فمازالت تلك طعمتي بعد ."

الباحث : فريد بن عمر عزوق







--------------------------------------------------------------------------------

[1] - في حجر رسول الله : أي في رعايته وتربيته .

[2] - تطيش : تتحرك في كل النواحي و لا تلزم موضعا واحدا .

[3] - الصحفة : القصعة التي يوضع فيها الأكل .

[4] - أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5/2056) حديث رقم 5061 ، ومسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ( 3/1599) حديث رقم 2022

[5] - أبو داود : السنن ، كتاب الأطعمة ، باب الأكل باليمين ، (2/376) حديث رقم 3777

[6] - الترمذي : الجامع ، كتاب الأطعمة باب التسمية على الطعام (4/288) حديث رقم 1857

[7] - مسلم في صحيحه برقم 1478

[8] - ويدخل في ذلك آداب النوم والشرب وقضاء الحاجة وغيرها .



الباحث فريد عزوق

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 04:54 AM
نموذج حضاري (1)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الأول)

يعتبر الرسل والأنبياء بحق هم رواد الحضارات وصفوة الخلق لأنهم جاءوا بالمنهج الذي يكفل السعادة في الحياة الأولى والآخرة ، وكانوا تطبيقاً عملياً وقدوةً فذةً لذلك المنهج . ومن المقتضيات العقدية والتربوية للإيمان بالله ، الإيمان برسله جميعهم بدون استثناء . قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} النساء (150-151) .

فالجماعة صغيرةً كانت أو كبيرةً إذا لم تهتد بمنهج الهداية المنزل من الله على رسوله فقد كفرت، والكفر يعني الجحود ويأتي بمعنى الإخفاء والتغطية وهؤلاء الكافرون غطوا منهج الهداية والسعادة عن أنفسهم وعن غيرهم ، وجعلوا بينهم وبينه حاجزاً وحجراً محجوراً ، واستحقوا بالتالي حجب السعادة الأخروية عنهم ولم يحصلوا السعادة الدنيوية أيضاً.

ومن تتبع التاريخ وسبر أحوال الأمم والحضارات يرى أن إمكانية التقدم بمفهومه الشامل وليس الجزئي هو الذي يتحقق ، ويستمر إذا كان موجوداً من قبل عند توفر شرط واحد و هذا الشرط هو الالتزام بالمبادىء الروحية و الأخلاقية التي جاء بها أولئك الأنبياء .وهذه الحضارات وتلك الأمم سيبقى كيانها الحضاري ثابتاً ما دامت ملتزمةً بمنهج الأنبياء والرسل ، وإذا انحرفت وحادت فقد حكمت على نفسها بالفناء والدمار.قال تعالى : {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (الكهف:59) .

وعن طريق هؤلاء الأنبياء يستمر الوحي الإلهي يمد تلك البشرية الضعيفة بما يرفعها إلى مستويات سامقة ويجلب لها النماء والخير والفلاح والتفوق الحضاري . يقول توفيق الواعي (1408) :

" لقد كان الوحي الإلهي في كل حضارة نورها الهادي الذي تنبعث منه ملامح المجتمع الجديد بعد صراع مرير مع قوى الطغيان حتى إذا اكتملت مقومات هذا المجتمع الوليد بتمام الرسالة واكتمال البلاغة ، جد هذا المجتمع في البناء والتقدم ثم لا يلبث أن يكون بعد ذلك ازدهاراً ليغري الإنسانية بالجنوح إلى نسيان ذاتها والنكوص عن حمل أمانة الخلافة المنوطة بها ، ثم يتطور النسيان إلى جحود ونكران ثم إلى انحراف يؤدي إلى انحلال حضاري لا مفر منه . ومن هنا تنشأ حاجة المجتمع إلى رسالة جديدة و مبلغ آخر يحمل وحي السماء ليحي بها الأرض بعد موتها " (ص334) .

لا يوجد ثمة انفصال في حياة البشر الأسوياء بين الواقع المادي والوقع الروحي ، فكلاهما متحدان. وباستقراء سيرة أنبياء الله ورسله،وهم المبلغون عن الله والأكثر اتصالاً به ،لا نجد ما يوحي بالسلبية و الغياب عن الواقع المعيشي أو انعزالهم في أبراج عاجية . وكانوا من أول المبادرين إلى العمل بالقيم والمبادىء الحضارية التي ينادون بها وتدعو إليها الفطر السليمة . ومما يدل على تفاعلهم مع بيئاتهم أنهم ساهموا في المجالات المدنية القائمة آنذاك. يقول أكرم العُمري (1407) : " وأصدق الشهود هم أنبياء الله لاتصالهم بالوحي وتلقيهم عنه ، وهم المثل العليا في نظر الإسلام ، وهم قادة روحيون ودنيويون ، لم تؤد يقظة أرواحهم إلى غيابهم عن العالم المادي" ، (ص100) .

والقرآن الكريم والسنة النبوية يحويان العديد من المواقف والقصص التي تكشف عن الشهود المدني والحضاري للأنبياء والمرسلين . وقد مارسوا عليهم السلام بأنفسهم وبمن معهم ألواناً من النشاط الاقتصادي والاجتماعي إضافةً إلى جهودهم الدعوية والتربوية ، ولابد إذن للتربية أن تُدرس المتعلمين سيرتهم لاستخلاص سنن التغيير ، ومنها يستنبط المنظرون معالم.

د. هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 04:57 AM
نموذج حضاري(2)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

(الجزء الثاني)

ومنها يستنبط المنظرون معالم التربية الحضارية وأساليبها.

أهم أساليب التربية على تحقيق هذا الهدف:

1 – فهم سنن التغيير اللازمة لبناء الحضارة واستمرارها :

ففي قصة آدم عليه السلام وصراع ابنيه قابيل وهابيل ما يبين سنة الصراع الحضاري بين الخير والشر الذي لم تسلم منه المجتمعات الغابرة والمعاصرة . قال تعالى :{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:30) .وقال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الأنفال:53).

2 – تكوين روح مقاومة اغراءات الحياة الدنيا والزخارف المادية التي تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة :

وذلك لأن هذه المغريات بزخرفها ومباهجها تصرف المتربين عن الجدية في بناء الحضارة . وقد ذكر لنا القرآن سورة كاملة تحكي قصة نموذج حضاري فريد عاشه نبي من الأنبياء هو يوسف عليه السلام . حيث أُخذ قسراً من بين أحضان والديه وبيع كالرقيق ثم عاش فترةً من عمره في قصر أحد الفراعنة ، فانتقل من دياره إلى بلاد ذات حضارة مغايرة وجاور قوماً ذوي قيم مختلفة لم يعرفها في منشئه ولم يترب عليها في بيت النبوة الذي خرج منه . وتعرض لإغراءت مادية وجنسية، ومع ذلك حافظ على دينه وعقيدته وأخلاقه وقيمه ولم يتخل لحظةً واحدةً عن سلوكه الديني . وحين تعرضت له امرأة ذلك الملك وقف أمام هذه المحنة كالطود الأشم .قال تعالى : {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف:23-24) . يقول ابن القيم رحمه الله (ت751) مصوراً الحالة النفسية التي عاشها يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز : " ولهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجب وبيعه بيع العبيد والتفريق بينه وبين أبيه ، وابتلائه بمراودة المرأة وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهي الداعية إلى ذلك ، فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء فإن الشباب داع إلى الشهوة . والشاب قد يستحي من أهله ومعارفه من قضاء وطره فإذا صار في دار الغربة زال ذلك الاستحياء والاحتشام . وإذا كان عزباً كان أشد لشهوته ، وإذا كانت المرأة هي الطالبة كان أشد،وإذا كانت جميلة كان أعظم،فإن كانت ذات منصب كان أقوى في الشهوة ، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة كان أبلغ ، فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل كان أقوى أيضاً للطلب ، فإن كان الرجل كمملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية كان أبلغ في الداعي ، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل قد امتلأ قلبها من حبه فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات الله عليهم أجمعين " ، (ص227) .



3 – الاستفادة من سير الأنبياء في تكوين البصيرة الإدارية:

وقد تجلت أهمية البصيرة الإدارية الواعية والسياسة الحكيمة المحنكة لقيام الحضارة وتسيير أمورها ودفعها للتفوق بين الأمم في موقف حضاري آخر ليوسف عليه السلام .وبرزت مواهبه الإدارية وقدراته التخطيطية والتي تؤسس الكيان الحضاري حين أشار بمشورة ثمينة وقدم نصيحة غالية أنقذت بلاد مصر من كارثة اقتصادية فادحة . قال تعالى :{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ .ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ}(يوسف:47-48) .

4 – تبصير المتربين بهدي الأنبياء في تسخير المعطيات الطبيعية والموارد المتاحة :

ويعتبر كل من داود وسليمان عليهما السلام من أنبياء الله الذين أتقنوا فنون الصناعات والابتكارات وسخروا القدرات المادية والعينية كالريح والجن من أجل عمارة الأرض واختراق المسافات ونقل الأغراض بسرعة فائقة تزيد عن قدرة الإنسان الحديث.قال تعالى:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (الانبياء:78) ، وقال تعالى :{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل:16) .

فكان داود عليه السلام قاضياً بين الخلائق ، قال تعالى :{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (صّ:26) . وسخر له الله عز وجل الجبال والطير تتجاوب مع تسبيحه وعبادته ، قال تعالى:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}(الأنبياء: من الآية79) .

واستفاد داود عليه السلام من المعادن المتوفرة في بيئته فاستخدمها لصنع الدروع ، وقيل أنه أول من صنعها وسردها وحلقها وكانت من قبل صفائح ، قال تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الانبياء:80) .وقال أيضاً :{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}( سبأ 10-11) .

ولا شك أن ممارسة الوظائف الدنيوية والصنائع المهنية هي من صميم العبادة التي يؤجر عليها المؤمن إذا قام بها لوجه الله ، ولذا امتدح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أخاه داود عليه السلام فقال عنه : (كان داود أعبد البشر ) ، صححه الألباني في الصحيحة برقم 707 .

5 – تكوين الرغبة في الاقتداء بالأنبياء في الوظائف المهنية :

فلا بد من الاهتمام بالوظائف المهنية وتشجيع الأجيال للانخراط فيها وذلك لأهميتها في صنع الحضارة . وقد ضرب الأنبياء عليهم السلام أروع الأمثال في ذلك . فكان نبي الله نوح عليه السلام رائداً في صناعة السفن وبنائها وله خبرة في تقطيع الخشب والضرب بالحديد واستخدام القار وغيره لإحكام صنعته . قال تعالى :{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ . وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} (هود: 37-38) . وقال تعالى:{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (القمر:13).

وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا ماهرين في فن التشييد والعمران عندما استجابا لأمر الله عز وجل ببناء البيت الحرام ، فوضعا أسسه وقواعده وبنيا جدرانه . قال تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127)



د. هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 04:59 AM
من صور الإعجاز التربوي النبوي 2/2
الوصية النبويّة (لا تغضب)

سادساً / تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب إلى حالةٍ أُخرى لأن في ذلك شغلٌ له وانصرافٌ – ولو يسير – عن ما هو فيه من غضب ؛ فعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " ( أبو داود ، ج4 ، الحديث رقم 4782 ، ص 249 ) .

وهنا نلاحظ إعجازاً نبوياً تربوياً آخر فالغاضب القائم يكون في حالة تهيئٍ واستعدادٍ لسرعة الانتقام أكثر مما لو كان جالساً أو مُضطجعاً ؛ فجاء التوجيه النبوي الكريم داعياً إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب منعاً لما قد يتوقع من ردة الفعل المباشرة ، وعلاجاً لها حيث " إن الجلوس أو الاضطجاع في حالة الغضب يؤديان إلى استرخاء البدن ، مما يُساعد على مقاومة التوتر الذي أحدثه الغضب ؛ ويؤدي ذلك في النهاية إلى تخفيف حدة انفعال الغاضب تدريجياً ، ثم التخلص منه نهائياً . كما أن الجلوس و الاضطجاع يقاومان ميل الإنسان إلى العدوان " ( 16 ) .

سابعاً / المسارعة إلى الوضوء الذي له أثرٌ فاعلٌ في تهدئة ثورة الغضب التي تتسبب في فوران دم الإنسان الغاضب وارتفاع حرارة جسمه ، وبذلك يعود الإنسان إلى وضعه الطبيعي – بإذن الله - . فعن عطية بن عروة السعدي أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تُطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4784 ، ص 249 ) .

وقد عَلَّق أحد المختصين على هذا الحديث بقوله : " ويُشير هذا الحديث إلى حقيقةٍ طبيةٍ معروفة ؛ فالماء البارد يُهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يُساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي و العصبي " ( 17 ) .

ثامناً / كظم الغيظ بعدم إنفاذ الغضب ، ومحاولة إخماد جذوته لما في ذلك من الفضل العظيم الذي قال فيه سبحانه وتعالى : } وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ { ( آل عمران : من الآية 134 ) . وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " .. وما من جرعةٍ أحبُ إليَّ من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ ؛ ما كظمها عبدٌ لله إلاَّ ملأَ جوفه إيماناً " ( أحمد ، ج1 ، الحديث رقم 3017 ، ص 327 ) .

وعن معاذ بن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يُنفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيَّره في أي الحور شاء " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2493 ، ص 656 ) . وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالات النفس ، وعدم الاستجابة لها ، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب ، والعمل على عدم إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب .

تاسعاً / العمل على ترويض النفس وتربيتها بين الحين والآخر على التحلي بفضائل الأخلاق وكريم السجايا وحميد الصفات حتى تعتاد الحلم والصفح ، وتألف الصبر والتروي ، وتتربى على عدم الاندفاع والتسرع في الرد والانتقام عند الغضب سواءً بالقول أو الفعل .

وهكذا مرةً بعد مرة يُصبح ذلك طبعاً عند الإنسان المسلم مقتدياً فيه برسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسبق حلمه غضبه ، وعفوه عقوبته " فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله ، ويُلاحظ الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للحُلماء ، لا بُد أن يجد في نفسه اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم ، ولو على سبيل التكلف ومُغالبة النفس ، وبعد التدرب خلال مدةٍ من الزمن قد تطول أو لا تطول فقد يُصبح الحلم سجيةً خُلقية مكتسبة ، ولو لم يكن في الأصل طبعاً فطرياً " ( 18 ) .

عاشراً / العمل على التحكم في الانفعالات وامتلاك النفس عند الغضب كنوعٍ من قوة الشخصية التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم في ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الشديدُ بالصُّرَعَة ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغَضَب " ( البخاري ، ص 1066 ، الحديث رقم 6114 ) . والمعنى المُراد يتمثل في كون " القوة الحقيقية تكمن في امتلاك النفس والسيطرة عليها عند فوران الغضب " ( 19 ) .

وهذا فيه تربيةٌ للإنسان المسلم على مُجاهدة النفس ومُغالبتها على عدم الغضب " لأن تعلم التحكم في انفعال الغضب إنما يُقوي إرادة الإنسان على التحكم في جميع أهواء النفس وشهواتها ، ويُمكِّن الإنسان في النهاية من أن يكون مالك نفسه وسيدها وليس عبداً لانفعالاته ، وأهوائه وشهواته " ( 20 ) .

حادي عشر / صرف انتباه الإنسان الغاضب إلى ما يُبعده عن الغضب بوسيلةٍ أو بأخرى حتى يحول ذلك دون استمرار ثورة الغضب . يقول أحد الباحثين : " ومما يُساعد على التخلص من انفعال الغضب أيضاً تغيير حالة الإنسان النفسية ، وتوجيه الانتباه إلى أمور أُخرى بعيداً عن الأمر الذي أثار الغضب ، فيشتغل الإنسان بالتفكير فيه ، وينصرف عن التفكير في الأمر الذي أثار الغضب . وكذلك فإن مما يُساعد على التخلص من الانفعال القيام بمجهودٍ بدنيٍ عنيف لتبديد الطاقة البدنية والتوتر العضلي اللذين أثارهما الانفعال " ( 21 ) .

ثاني عشر / التفكر في ما ينتج عن الغضب من النتائج المؤسفة والعواقب الوخيمة التي تؤدي في الغالب إلى الندم والحسرة على ما كان من قولٍ جارحٍ ، أو عملٍ أهوجٍ ، لا يتفق مع ما تمتاز به شخصية الإنسان المسلم من جميل الصفات وكريم الخصال . يقول أحد العلماء : " والغضبان أول ما يجني على نفسه فتقبُح صورته ، و تتشنج أعصابه ، و يفحُش كلامه ، ويزيد على من ظلمه انتقامه ، و قل أن تراه إلا وهو شعلةٌ من نارٍ يأكل بعضها بعضاً " ( 22 ) .

وبعد ؛ فهذا هو الغضب ، وتلك بعض آثاره ومضاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ، وهذه طرق علاجه ووسائل الوقاية منه وفق ما بيَّنه معلم البشرية وأُستاذ الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في تربيته النبوية التي اختصرت ذلك كله في وصيةٍ تربويةٍ واحدةٍ معجزةٍ ، نطق بها الفم الشريف قائلاً لمن طلبها : " لا تغضب " ؛ فكانت بحق وصيةً تربويةً موجزةً في مبناها ، معجزةً في معناها لأنها جمعت في كلمةٍ واحدةٍ بين خيري الدنيا والآخرة .

بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد

أُستاذ التربية الإسلامية المساعد ومدير مركز البحوث التربوية

بكلية المعلمين في أبها

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:02 AM
نموذج حضاري (3)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r

(الجزء الثالث)

أما موسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل فقد احترف رعي الغنم لمدة عشر سنوات وكان ذلك صداقاً لزواجه من إحدى بنات الأنبياء وهو شعيب عليه السلام ، قال تعالى :{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}(القصص: 27-28) . ورعي الغنم يعتبر اليوم عند البعض من الوظائف المهنية الوضيعة التي يترفع عنها الكثير من المتربين ، ولكن الحضارة لا تستغني عن أي وظيفة مهنية صغيرةً كانت أو كبيرة . وفي هذه القصة يظهر معرفة شعيب عليه السلام بالقدرات وحسن اختياره وتوظيفه للطاقات مما يبين أهمية اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب في مشروع البناء الحضاري.ومن مواصفات الرجل المهني كما تبين من القصة أن يكون قوياً أميناً لمواصلة العمل والحفاظ على الأمانة .

ومن الجوانب المهمة في الاقتداء بالأنبياء في ما يلي :

أ – الاقتداء بالأنبياء في التركيز على الصناعات الخفيفة والثقيلة .

وذلك لحاجة الأمة إليها في عملية النهوض الحضاري . فنبي الله سليمان عليه السلام أُوتي قدرة التحكم في الهواء ، وكان سباقاً في اكتشاف واستغلال نعمة الريح لخدمة أغراضه واستفاد منها هو ومجتمعه .قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}(الانبياء:81) . وكان للشياطين دور بارز في تنشيط الحركة الاقتصادية و زيادة الموارد المالية لدولة سليمان عليه السلام ، فكانوا نعم الموظفين الجادين في أعمالهم والمطيعين لرئيسهم . قال تعالى:{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (الأنبياء:82) . وقال تعالى : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ.يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ 12-13) .

وقد فسر ابن الجوزي رحمه الله(ت597، 1404) الآيات السابقة ، وفيما يلي بعض الشواهد الحضارية منها :

- أجرى الله لسليمان عليه السلام عين القِطر وهو النحاس المذاب حتى صنع منها ما أراد من غير نار كما ألين لداود عليه السلام الحديد بغير نار . فبقيت تجري ثلاثة أيام و لياليهن كجري الماء ، وإن ما يعمل الناس اليوم مما أُعطي سليمان .

- أن الجن كانت تبني له المساجد والقصور ، وقيل كانت تصنع له صور الطواويس والعقبان والنسور وتضعها على كرسيه ودرجات سريره مبالغةً في الأُبهة والعظمة ، وهذا التصوير لم يكن محرماً يومئذ .

- كانت الجن تصنع له قدوراً ضخمةً لا يُستطاع تحريكها لثباتها حتى إنه ليأكل من القدر الواحد ألف رجل ( ج6 ص438).

ومن استقرأ التاريخ القديم والحديث يتيقن أن مظاهر الأبهة والعظمة والتحكم في الجن وركوب البساط الرياحي لم تتيسر لأي من الملوك والعظماء في الحضارات المختلفة ولم تتهيأ لأرباب الحضارة المعاصرة الممتلئة غروراً وعنجهيةً . قال تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (ص:35) . قال البخاري عند تفسير هذه الآية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال r : ( إن عفريتاً من الجن تفلت علي البارحة –أو كلمة نحوها – ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله تبارك وتعالى منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان عليه الصلاة والسلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (صّ: من الآية35) رواه البخاري في كتاب الصلاة (ج1 ص82) .

ب – الاقتداء بالأنبياء في ممارسة المهن التي تحتاج إلى مهارات عقلية عالية

فهناك من المهن التي تحتاج إعداداً خاصاً ونبوغاً متميزاً كالطب والهندسة وهي من أعمال الأنبياء التي قاموا بها .وقد علم الله نوحاً عليه السلام صناعة السفن ، وكان عيسى عليه السلام طبيباً بشرياً يشفي المرضى ذوي العاهات بإذن الله تعالى ، وبلغ من معجزاته التي آتاه الله إياها أن أحيا الأموات من قبورهم . قال تعالى :{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} (المائدة:110) .

أما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فقد عمل فترة طفولته في رعي الغنم ، ولما شب عن الطوق وأصبح رجلاً توظف في عمل تجاري في مؤسسة خديحة رضي الله عنها . ولما آتاه الله النبوة كان مصدره المعيشي من الجهاد في سبيل الله



د.هاشم الأهدل

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:12 AM
الصلاة وتربية الأمة على الوحدة



الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ) إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ( ( سورة النساء : من الآية 103 ) .

والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي صحَّ عنه أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ؛ فمن تركها فقد كفر " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 1079 ) . وبعد :

فما من إنسانٍ مُسلمٍ بالغٍ راشدٍ عاقلٍ ؛ إلا و يعلم ما للصلاة من أهمية عظمى ، ومنزلة كبرى في حياة الإنسان المسلم ، فهي عمود الإسلام ، وأحد أركانه العظمى ، وهي الفريضة التي متى صلُحت صلُح سائر عمل العبد وقُبل - بإذن الله تعالى - ، وإن فسدت فسد سائر العمل والعياذ بالله .

وقد جاءت التربية النبوية العظيمة لتؤكد أهمية وعظم شأن هذه العبادة التي توصف بأنها صلةٌ بين العبد وربه سبحانه . ومع أن مساجدنا ولله الحمد والمنة ، تزدحم بالمصلين الذين يسعون إلى المساجد طامعين في الأجر والثواب من الكريم الوهاب ؛ إلا أن هناك بعضاً من الناس الذين لا يحرصون على ذلك ، فنراهم يتخلفون عن حضور بعض الصلوات في المساجد ، دونما عذرٍ يُبيح لهم هذا التخلف عن صلاة الجماعة ، وإنما هو التساهل والتهاون في شأن هذه العبادة العظيمة ، والخمول والكسل ، والانشغال بالشهوات والملذات التي ينسى أو يتناسى أصحابها أن في ذلك تركاً لسنة المصطفى r ، ومدعاةً للضياع والضلال والعياذ بالله .

كما أنهم بذلك يحرمون أنفسهم من عظيم الأجر وجزيل الثواب الذي جاءت به التربية النبوية ؛ فعن عبد الله بن مسعود t أنه قال : " من سرَّه أن يلقى الله غداً – أي يوم القيامة – مسلماً ؛ فليُحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادى بهنَّ ، فإنهن من سُنن الهدى ، وإن الله شرع لنبيكم r سُنن الهدى ، ولعمري ، لو أن كلَّكم صلى في بيته ، لتركتم سُنَّة نبيكم ، ولو تركتم سُنَّة نبيكم لضللتم ، ولقد رأيتُنا وما يتخلفُ عنها – أي صلاة الجماعة – إلاَّ منافقٌ معلومُ النفاق ، ولقد رأيتُ الرجل يُهادى بين الرجلين حتى يدخل في الصف ، وما من رجلٍ يتطهَّرُ فيُحسنُ الطهور ، فيعمد إلى المسجدٍ فيُصلي فيه ، فما يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة ، وحطَّ عنه بها خطيئة " ( رواه ابن ماجه ، الحديث رقم 777 ، ص 147 ) .

فيا من غركم حلم الله تعالى عليكم ، ويا من تخلفتم عن صلاة الجماعة ، الله الله في صلاة الجماعة ، وإياكم والتخلف عن أدائها في المساجد ، وعليكم بالحرص على أن تكونوا ممن قال فيهم الشاعر :

يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا

" الله أكبر" في شـوق و في جـــذل

أرواحهم خشعت لله فـي دأبٍ

قلوبهم من جـلال الـله في وجـل

هـم الرجال فلا يُلهـيهمُ لعبٌ

عن الصلاة، ولا أكذوبة الكسل

وفقنا الله وإياكم للمحافظة على الصلوات في الجُمع والجماعات ، ورزقنا بفضله وكرمه أجزل الأجر والثواب ، وجعلنا جميعاً من أهل الصفوف الأولى في بيوت الله في الأرض ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً.





د . صالح بن علي أبو عرَّاد

أستاذ التربية الإسلامية المساعد بكلية المعلمين في أب

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:20 AM
نموذج حضاري (4)
النموذج الحضاري الإسلامي في الاقتداء بالنبي محمد r (الجزء الرابع)

المعالم التربوية في رسالة خاتم الأنبياء محمد r :

ولنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام مزية خاصة فهو أفضل الرسل وخاتم النبيين ، ونستنبط من رسالته الحضارية بعض المعالم التربوية وهي :



1 – اتصافه بالأخلاق اللازمة لأجيال الحضارة

فمحمد r رسول الحضارة وحضارة الإسلام من أهم مميزاتها أنها حضارة أخلاقية ،وهذا خلاف ما اكتنف الحضارات الغابرة والمعاصرة من سلوكيات لا أخلاقية . وخير شاهد على ذلك رسول الحضارة نفسه r ، فالمنهج الأخلاقي في حياته r لم يبلغه بشر ولم يحصل عليه مخلوق ، ويكفي شهادة خير الشاهدين سبحانه وتعالى حين يقول : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4). فقد كان منهجه r المنهج الأسنى الذي بنى خير حضارة وأخرج أفضل أمة، فلا بد من دراسته وتأمله وفهم دقائقه.يقول برغوث مبارك(1415) : " وذلك لما للوعي بهذا المنهج من فقه بصير وإدراك عميق وفهم سديد لسنن الدعوات وقوانين النهضات ومناهج البلاغات ومقاصد الديانات وأخلاق السياسات وحاجات النفسيات ومتطلبات العقليات واستعدادات الشخصيات وثقافات الجماعات وسلوكات الأمم الناجيات وشرائع الرحمة الميسرات . ففي المنهج النبوي سبيل لهداية الناس إلى الأعمال الصالحات والأقوال الصائبات والعبادات الصحيحات والمعاملات النافقات والمواقف المرضيات ...والمنهج النبوي له قدرته على تركيب حضارة عالمية نموذجية تستجيب لقانون الفطرة العالمي" (ص38) . فكان الرسول r هو رائد الأخلاق في هذه الحضارة ، وعلى نهجه وأسلوبه تربى أصحابه رضوان الله عليهم ، وبهذه الأخلاق أثروا في الأمم والشعوب التي التقوا بها في السلم والحرب ، في السلم من خلال التبادل التجاري والاقتصادي والمناكحة ، وفي الحرب أثناء المعارك والحروب .

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:24 AM
نموذج حضاري ( 5 )
وكان رسول الله r بتأييد من الوحي حارساً للتطبيق الكامل للمشروع الإسلامي فكان يوجه وينصح و يرشد ويقوم ويسدد بأقواله وأفعاله وتقريراته . يقول برغوث مبارك (1415) :

" إن دراسة سيرة الرسول r وحركته في 23 عاماً هي في جوهرها دراسة في تشكيل حضارة وبناء نموذج حياتي جديد بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فأقواله وأفعاله وتقريراته وشمائله وفضائله وأخلاقه r هي القواعد التي عليها بنى المجتمع الإسلامي وعقد لبناته ، فلم يكتف عليه الصلاة والسلام بوضع مخططات التغيير وبرامجه ومناهجه وكيفياته وموجباته ، بل ساهم في البناء حتى وصل به إلى المرحلة التي أكمل فيها مهمة البلاغ المبين التي أمره بها الخالق عز وجل .. فكانت الحضارة الإسلامية هي حضارة المصلحة بخلاف الحضارات التي عاصرتها والتي نعاصرها نحن اليوم بعد أربعة عشر قرناً من الزمان " (ص43) .

6 - تبصير الأجيال بخصائص نبي الحضارة ورسالته الخالدة :

لم يسجل التاريخ لأي من المربين أو العظماء تفصيلات حياته و دقائقها كما سجل لمحمد بن عبدالله r ، ولم يكن لأي مشهور ، قبل أن يبرز على مسرح التاريخ مواقف كبيرة ، تدل على أن هذا الإنسان سيكون من الصفوة ذوي التأثير الحضاري . ولم يكن يُعلم أن هذا الإنسان سوف يأتيه يوم يستحق فيه الاهتمام ويستحق أن تُتابع تحركاته وأن تنال تصرفاته الإشادة والتقدير. وحتى الأنبياء عليهم السلام لم ترصد لنا المصادر الوثيقة تفاصيل السنوات التي عاشوها قبل مبعثهم ، ولم تتوفر معلومات أكيدة تساعد على عرض سيرتهم منذ الولادة إلى الوفاة .

أما نبينا محمد r فلم تكن شاردةٌ ولا واردةٌ إلا وصلتنا عنه ، وسجلتها كتب التاريخ والسير سواءً منها ما كان قبل البعثة أو بعدها . وتبوأ r بفعله الحضاري في البشرية أن يكون أعظم عظماء التاريخ ، ولا عجب في ذلك فقد اختاره الله واصطفاه وفضله على العالمين. وأخرج r بعبادته وأخلاقه وسموه البشري نموذج الفرد الحضاري الذي أسس الحضارة الكاملة الراقية .

إن نبينا محمد r هو رائد الحضارة ومربي رجالها في القديم والحديث ،فلابد من ذكر صفاته وشمائله، ولا بد من ترداد أقواله وأفعاله وسيرته كي تتعلق به قلوب الأجيال وتمتلىء حباً بذكر محاسنه r. ومن السبل للوصول إلى هذا الهدف هو أن يتعرف المربي والمتربي على ما تحلى به r من المآثر والمكارم التي أكرمه الله بها ، وأن يتذكر الفضائل التي فضله بها على العالمين من الجن والإنس . ومنها قوله r : (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) رواه مسلم في كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا r. ومنها قوله r : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ) رواه البخاري في كتاب الأنبياء . يقول ابن القيم رحمه الله (1405) : " فلا يجوز لأحد قط أن يقول عن غيره أنه سيد الناس وسيد الكل أو سيد ولد آدم " (ج2ص341) . وأما ماورد من النهي عن التفضيل بينه وبين الأنبياء من أحاديث من نحو قوله r : (لا تفضلوا بين الأنبياء) متفق عليه ، فقد قال ابن حجر (1404) : " قال العلماء في نهيه عن التفضيل بين الأنبياء : إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يُترك للمفضول فضيبلة " (ج6ص446) . والله تعالى يقول : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَات}(البقرة: من الآية253) .

ولا شك أن إدراج هذه المحتويات المعرفية تزيد المعلم والمتعلم إيماناً وتصديقاً وحباً واتباعاً لنبينا محمد r ، ولا يزال المتربي يستزيد معرفةً فيزيد اتباعاً إلى أن يرتقي في المحبة و يصير خليل الرحمن r أحب إليه من كل عزيز وحبيب . وإذا سيطر الحب الوجداني قدم أقوال المصطفى وأفعاله وآراءه على كل مرغوب مشتهى ومحبوب . قال r : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري (ج1ص54) كتاب الإيمان .

وقد خص الله سبحانه و تعالى نبيه الكريم بخصائص لم يكرم بها أحداً لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. قال تعالى :{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: من الآية113).

ذكر العز بن عبدالسلام (ت660) أن هذه الآية صريحة في المفاضلة ، وأن الله فضل نبينا r من وجوه كثيرة (ص33) . ثم ذكر العديد من الخصائص التي تدل على علو مرتبته r وشرف مكانته وتميزه على جميع الخلق ، ومنها :

- أنه سيد ولد آدم ، وأفضل الخلق ، وبيده لواء الحمد يوم القيامة .

- إخباره أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولم يُخبر أحد من الأنبياء بمثل ذلك.

- إيثاره r أمته على نفسه إذ جُعل لكل نبي دعوة مستجابة فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا واختبأ r دعوته شفاعةً لأمته يوم القيامة .

- معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت،ومعجزة سيد الأولين والآخرين r - وهي القرآن العظيم - باقية إلى يوم القيامة .

- تسليم الحجر عليه r ، وحنين الجذع إليه ونبع الماء من بين يديه ، ولم يثبت لأحد من الأنبياء مثل ذلك .

- الأموات الذين أحياهم من الكفر بالإيمان أكثر عدداً ممن أحياهم عيسى حياة الأبدان .

- أن الله تعالى أرسل كل نبي إلى قومه خاصةً وأرسل نبينا محمداً r إلى الناس كافة .

- أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام بالطور وبالوادي المقدس ( وهي في الأرض) وكلم نبينا محمداً r عند سدرة المنتهى ( وهي في السماء) .

- أن الله تعالى أرسله رحمةً للعالمين فأمهل عصاة أمته ولم يعاجلهم إبقاءً عليهم بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم لما كُذبوا عوجل مكذبهم .( ص33-65) .



وبعد هذا العرض الموجز للرسالة الحضارية التي قام بها المصطفى r لنا أن نتساءل ما نصيب السيرة النبوية في المناهج التربوية اليوم ؟ وما المقدار الكمي والكيفي الذي تتناوله الكتب الدراسية في فصول ومدارس العالم الإسلامي ؟ ثم ما أثر معرفتها في سلوك المربين والمتربين على السواء ؟ وما أثرها في حياة المعلمين والمرشدين العاملين في ميادين الدعوة والتربية والتعليم ؟

إن من واجب المسئولين والمربين خاصةً أن يحسنوا التعامل مع السيرة النبوية وخصوصاً في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة ، وإن من المهمات الواجبة ما يلي :

- معرفة حق النبي r وما يجب له من الإجلال والتوقير والتعظيم بدون غلو أو مبالغة.

- بذل الجهود لتحليل المواقف والأحداث التي مرت على النبي r وصحت من سيرته لأخذ الدروس والعبر منها .

- تبيين منهج المصطفى r وهديه في مختلف جوانب الحياة .

- التركيز على الاقتداء العملي من جميع فئات المجتمع وخاصةً المعنيين بالعملية التربوية .

-ربط السيرة النبوية جملةً وتفصيلاً بالسنن الربانية للاستفادة منها في حركة الإصلاح والتغيير الحضاري.

- إبراز كيفية ممارسة الرسول r تدريب أصحابه على البناء والتعمير ، وكيف دربهم على الجهاد والكفاح ، ومن الأمثلة على ذلك عند بناء المسجد وأثناء حفر الخندق ، ومواقفه الشجاعة والنبيلة أثناء الغزوات كما حصل في غزوة حنين وأحد وفتح مكة .



د. هاشم الأهد

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:29 AM
التربية النبوية واحترام النظام
الحمد لله الذي خلق كل شيءٍ فقدره تقديراً ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي بُعث إلى أمةٍ جاهلةٍ فربّاها وعلّمها ، ونظم شأنها كله حتى جعلها خير أُمةٍ أُخرجت للناس ، وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد ؛

فيُعد احترام النظام إحدى القيم السلوكيةٌ الاجتماعية التي تُعنى بها المجتمعات وتحرص عليها ، وتعمل جاهدةً على تربية الأفراد على احترامها والتمسك بها حتى تكون سلوكاً يُعمل به وتتم ممارسته من قبل الجميع .

وإذا أمعنا النظر في تعاليم وتوجيهات وإرشادات ديننا الإسلامي الحنيف ؛ فإننا سنجدها قد حثت ودعت إلى احترام النظام والمُحافظة عليه ، وعملت من خلال التربية الإسلامية بعامةٍ والتربية النبوية بخاصةٍ على تفعيل هذه القيمة السلوكية التي تُعد في المجتمع المُسلم مبدأً وشعاراً ينادي به الجميع ، ثم يتم تحويله إلى سلوكٍ يمارسه الأفراد في حياتهم اليومية ، ويتخلقون به في كل شأنٍ من شؤون الحياة .

وانطلاقاً من هذا المضمون التربوي النبوي العظيم ؛ فإن على كل فردٍ في المجتمع المُسلم أن يُعنى عنايةً خاصةً بمسؤولياته المختلفة تجاه مجتمعه الذي ينتمي إليه ، وأن يستشعر أهمية الواجب الملقى عليه في هذا الشأن تحقيقاً لما صحَّ في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" كلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته ، والأمير راعٍ ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعيةٌ على بيت زوجها وولده ، فكلكم راعٍ ، وكلكم مسؤول عن رعيته " ( البخاري ، الحديث رقم 5200 ، ص 930 ) .

وحتى يكون هناك شيئاً من البسط والتوضيح فإن من أبرز معاني هذا الواجب أن يُسهم المُسلم بإخلاصٍ وفعالية في حل مُشكلات مُجتمعه ، وأن يعمل على نشر الوعي في أوساطه المختلفة ، وأن يحرص على تفعيل مبدأ احترام النظام بين أفراده وجماعاته ؛ سواءً كان كبيراً أم صغيراً ، ذكراً أم أُنثى ، مُتعلماً أم غير مُتعلم ، مسؤولاً أم غير مسؤول ، وهو ما يؤكده ما جاء في الحديث الشريف عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، ومن لم يُصبح و يُمس ناصحًا لله ، ولرسوله ، ولكتابه ، ولإمامه ، ولعامة المسلمين ؛ فليس منهم " ( المستدرك ، 7473 ) .

أما كيفية حفظ النظام فتكون بأن يُدرك الإنسان أن النظام سلوكٌ دينيٌ ووعيٌ حضاريٌ ، وواجبٌ إنسانيٌ ، وأن أكبر شواهده في واقعنا احترامنا لذواتنا ، والتزامنا الصواب في القول والعمل والنية ، والبعد عن الخطأ والأذى مهما كان صغيراً ، والحذر من العشوائية ، والعبث ، والفوضى ، والظلم ، والاعتداء على حقوق الآخرين في أي شأنٍ ، ومهما كان ذلك يسيراً في تقديرنا لأن ذلك السلوك لا يُمكن أن يتفق وشخصية الإنسان المسلم الذي لا يُمكن أن يعتدي على حقوق الآخرين ، وهو ما أكده وصف النبي صلى الله عليه وسلم للمُسلم فيما صحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :

" المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا " ويُشير إلى صدره ثلاث مرارٍ : " بحسب امرىءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرامٌ ، دمه وماله وعِرضه " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6541 ، ص 1124 ) .

كما أن من أهم أساليب احترام النظام أن يكون الإنسان ( في أي زمانٍ أو مكان أو ظرف ) قدوةً حسنةً ، وأسوةً طيبةً لمن حوله في القول والعمل والمظهر ، وأن يكون مُلتزماً في واقعه بالسلوك الاجتماعي المقبول في المجتمع ، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بالتحلي بالأخلاق الفاضلة ، والتمسك بالقيم الخُلقية والمبادئ والمُثل العُليا التي عليه أن يدعو إليها ، وأن يبُثها بين الآخرين من خلال تعامله الحسن وسلوكه المنظم وتصرفاته المُنضبطة التي تُعد خير ما أُعطي العبد المُسلم فقد جاء عن أسامة بن شريك أنه قال شهدتُ الأعراب يسألون النبي صلى الله عليه وسلم : قالوا : يا رسول الله ! ما خير ما أُعطي العبد ؟ قال : " خُلُقٌ حسنٌ " ( رواه ابن ماجة ، الحديث رقم 3436 ، ص 575 ) .

ويأتي من أبرز الأساليب وأنفعها لحفظ النظام أن يحرص الإنسان على تقويم وتصحيح ما قد يصدر عنه من سلوكياتٍ خاطئةٍ غير مقصودة ، وأن يرجع إلى جادة الصواب إذا ما وقع في الخطأ فعن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له :

" يا معاذ ، اتبع السيئة بالحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " ( رواه أحمد ، الحديث رقم 22039 ) .

كما أن من الأساليب الفاعلة في حفظ النظام أن يعمل المسلم على مُساعدة الآخرين من حوله على اكتشاف أدوارهم الاجتماعية الحاضرة والمُستقبلية التي يمكنهم من خلالها المُشاركة الجماعية في تنمية مظاهر الانضباط الذاتي للمجتمع ، والطاعة الواعية عند أفراد المجتمع . وهو ما يشهد له الحديث النبوي الشريف ؛ فقد صحّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" من دعا إلى هُدًى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقُصُ ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئًا " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6804 ، ص 1165 ) .

يُضاف إلى تلك الأساليب أن يحرص الإنسان المسلم على إتقان عمله المُسند إليه ، وبذل أقصى جهدٍ في أدائه على الوجه المطلوب الذي يُرضي الله تعالى أولاً ، ثم يُرضي من استأمنه عليه وأسنده إليه ، فعن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" إن الله عز وجل يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ( المعجم الأوسط ، الحديث رقم 897 ) .

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:50 AM
أختاه لا تحزني
يا فتاة الإسلام .

أيتها المؤمنة القانتة .

أيتها الدرة المصونة ، والجوهرة المكنونة .

السلام عليكِ ورحمة الله تعالى وبركاته ، أما بعد :

فلا تحزني لأن الله تعالى شرَّفكِ بالإسلام ، ورفعكِ بالإيمان ، وجعلكِِ شقيقةً للرجل ومثيلةً له .قال تعالى : } إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً { ( سورة الأحزاب : 35 ) .

وليس هذا فحسب بل قد أنزلك منزلةً رفيعةً عندما كرَّمكِ بالانتساب إلى أُمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – ، ومن سار على نهجهن من النساء الصالحات ، والعابدات القانتات ، والمؤمنات الصادقات . اللواتي قال فيهن الشاعر :

فتشبَّهُوا إن لم تكونوا مِثلهم

إن التّــَشبه بالكِرام فــلاحُ

لا تحزني وقد أنصفك الإسلام يوم أن جعل منك البنت المصونة ، والأُخت الغالية ، والزوجة المكفولة ، والأم الحنون ، والجدة الموقرة .

واعلمي أن هذه المنزلة العالية ، والمكانة المتميزة لم تكن لتُمنح لك لولا أنك أمينةٌ على أبنائه ، وحافظةٌ لكيانه ؛ فلا تُفرطي في أداء هذه الأمانة العظيمة ، واحتسبي ما تبذلينه من جهدٍ ووقتٍ في ذلك عند الله جل جلاله ، فهو الذي لا يُضيع عمل عاملٍ من ذكر أو أُنثى .

لا تحزني وأنتِ متمسكةٌ بحجابك الشرعي الساتر لكل ما أمر الله بستره لأن في هذا الحجاب عزةً وكرامةً لا يذوق حلاوتها إلا من آمنت بالله رباً ، ورضيت بالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، فعن العباس بن عبد المطلب t أنه سمع رسول الله e يقول :

" ذاقَ طعمَ الإيمانِ ، من رضي بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ نبيّاً " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 2623 ، ص 591 ) .

وإياك ثم إياك أن تنـزعي هذا الحجاب ، أو تتهاوني في الحفاظ عليه ؛ فهو أمرٌ من الله تعالى ليُجنبك الأذى ، قال سبحانه : } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً { ( سورة الأحزاب : 59 ) . وهو هدي المصطفى e الذي جاء به ليُميز المرأة المسلمة عن غيرها من النساء وليُربيها على خُلق الحياء منذ نعومة أظفارها ، فتعيش – بإذن الله – في سعادةٍ وسرور ، وتسلم من الوقوع في الرجس والفجور ، ويرضى عنها العزيز الغفور . ولله در من قال :

لا تُعرضي عن هدي ربك ساعةً

عضي عليه مدى الحياةِ لتغنمي

ما كان ربُكِ جـائراً في شرعه

فاستمسكي بعُراه حتى تسّلمي

ودعي هراء القائلـيـن سفاهةً

إن التقدم فـي السفـور الأعـجمي

لا تحزني وأنت ممن شرفها الله تعالى بحمل رسالة الإسلام في البيت ، وفي المدرسة ، وفي مكان العمل ، وفي كل زمانٍ ومكان ؛ وكوني قدوةً صالحة في دينك ودنياك ، وعلمك وعملك ، ومأكلك ومشربك ، وملبسك وزينتك ، وكلامك وصمتك ، و في كل شأنك . وأعلمي أن لكل عملٍ غاية ، ولكل مشوارٍ نهاية .

لا تحزني وأنت تعلمين أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة ، وأن السيئة بمثلها ، ولا تنسي – بارك الله فيك – أن الله تعالى يعفو ويتجاوز عن عباده بفضله ورحمته وكرمه .

لا تحزني وأنت ملازمةً لبيتك ، محافظة على أداء واجباتك ، قائمة بما افترضه الله تعالى عليك من العبادات والطاعات ؛ واعلمي أن في عدم الاختلاط بالفارغات واللاَّهيات نعمةً كبيرةً لا تُقدَّر بثمن ؛ إذ أن في البعد عن هؤلاء راحةً للبال ، وهدوءا للخاطر ، وسلامة للنفس ، وبعداً عن الخطأ .

لا تحزني وأنتِ محافظة على ذكر الله تعالى ملازمة للاستغفار ، فإن في كثرة الاستغفار وملازمة الإنسان له ارتياحاً من الهموم ، وسلامةً من الغموم ، ووسيلة لطلب السعادة وراحة البال .

جاء في الحديث عن ابن عباس عن معلم الناس الخير e أنه قال : " من لزم الاستغفارَ جعل الله له من كل ضيقٍّ مخرجاً ، ومن كل همٍّ فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب " ( رواه أبو داود ، الحديث رقم 1518 ، ص 234 ) . وعليكِ – بارك الله فيك – بالإكثار من التسبيح والحمد والتكبير والتهليل والاستغفار ، وترطيب اللسان بكثرة ذكر الله تعالى لتحصل لك الطمأنينة ، قال سبحانه : } الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : 28 ) .

لا تحزني وأنتِ تتمتعين بصحة الجسم ، وعافية البدن ، وسلامة الحواس . وتذكري أن هناك الكثير ممن يبحثون عن الصحة فلا يجدونها ، ويتمنون العافية فلا تحصل لهم ، وأنتِ - بفضلٍ من الله تعالى - تنعُمين بذلك كله ؛ فلا شكوى من مرضٍ ، ولا بكاء من ألمٍ ، ولا معاناة من إعاقةٍ ، وصدق الله حيث يقول : } وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ { ( إبراهيم : 34 ) .

لا تحزني إذا لم يتحقق مرادك ، أو حال حائلٌ دون بلوغ آمالك فإن كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر ، وتأكدي أنه لا يُمكن أن يحصل أو يقع أمر صغيراً كان أو كبيراً ، إلا بعلم الله تعالى وتقديره . قال جل في عُلاه : } إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ { ( القمر : 49 ) . ولأنك لا تعلمين أين يكون الخير والصلاح ! فقد يحرص الإنسان على أمر ما ويجتهد في تحقيقه ؛ فإذا ما تحقق كرهه وتمنى غيره ، والعكس صحيح . قال جل من قائل : } وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ { ( البقرة : من الآية 216) .

لا تحزني فإن باب علام الغيوب ، وغفار الذنوب ، مفتوح وغير محجوب . قال سبحانه : } قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { ( الزمر :53 ) . وعليكِ إذا ما زلَّت بكِ القدم ، أو أحاطت بكِ الخطيئة ، أن تحسني الظن بالله تعالى ، وأن تسارعي بالعودة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب ، والالتجاء إليه سبحانه فقد قال جل شأنه : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً { ( الطلاق : من الآية 5 ) . وعن أبي موسى t عن النبي e قال : " إن الله عزَّ وجلَّ يبسُط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار ، ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " ( رواه مسلم ، الحديث رقم 6989 ، ص 1196 ) .

وما أجمل قول القائل :

وإن هـوى بكِ إبلـيس لمعصيـةٍ

فأهلكـيـه بالاستغـفار ينتـحـبِ

بسجدةٍ لكِ في الأسحار خاشعةً

سجـود معـترفٍ لله مـقتـربِ

وخيرُ ما يغسل العاصي مدامعه

والـدمع مـن تـائبٍ أنـقى مـن السُحبِ

لا تحزني وأنتِ قادرة على دعاء الله وسؤاله ، والوقوف بين يديه ، والانطراح على عتبات ربوبيته ، فإن من يسأل الله تعالى يُعطه ، ومن يطلبه يمنحه ، ومن يرجوه يُحقق رجاءه ، ومن يستعيذه يُعذه ، ومن يستغفره يغفر له ، ومن يُقبل عليه يقبله . فقد صحّ عن أنس بن مالكٍ t أنه قال : سمعت رسول الله e يقول : " قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرةً " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3540 ، ص 804 ) .

لا تحزني إذا كنتِ قد سَخرّتِ قلبك وجوارحك لطاعة الله تعالى ورضاه ؛ فلا تنطق شفتيك إلا بقول الحق ، ولا يلهج لسانك إلا بالذكر ، ولا يُصغي سمعك إلا للمعروف ، ولا تُبصر عينيك إلا ما أحل الله لها ، ولا تبذل يديك إلا الصدقة والإحسان ، ولا تسر قدميك إلا إلى الطاعات والواجبات ، ولا تُشغلك مباهج الدنيا الفانية عن العمل والاستعداد للدار الآخرة .

لا تحزني يا من أطعت زوجك في الحق ، وأديت فرضك طاعةً وامتثالاً ، وصمتِ شهرك اتباعاً واقتداءً ، فقد ضمن لك الصادق المصدوق e الدخول من أي أبواب الجنة شئتِ ؛ لما روي عنه e أنه قال : " إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وأطاعت زوجها ، دخلت جنة ربها " ( رواه ابن حبان ، الحديث رقم 4163 ، ص 471 ) .

لا تحزني وأنتِ من يصلح الله تعالى بصلاحها المجتمع ، فيرتقي ويرتفع ، ويهتدي وينتفع ، ويرعوي ويرتدع . وليس هذا فحسب فأنتِ من تُنشئ الأطفال ، وتخرَّج الأبطال ، وتصنع الرجال . قال الشاعر :

الأم مدرســـةٌ إذا أعددتـها

أعددت شعباً طيب الأعـراقِ

الأم أستاذ الأساتذة الأُولى

شغلت مآثـرهـم مدى الآفـاق

وفي الختام ، أسأل الله العظيم ، رب العرش الكريم ، أن يُصلح بنات المسلمين ، وأن يكفيهن كل شرٍ يُرادُ بهن ، وأن يُذهب عنهن الهم والغم والحزن ، وأن يُريهن الحق حقاً ويرزقهن اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقهن اجتنابه ، وأن يوفق الجميع لما فيه الخير والسَّداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد ...



د. صالح بن علي أبو عرّاد

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 05:54 AM
الخصائص الاجتماعية لمرحلة المراهقة وأساليب رعايتها: (1)

تمثل مرحلة المراهقة نقطة انطلاق الفرد اجتماعيا من النطاق الأسري الضيق إلى نطاق المجتمع حيث تتميز العلاقات الاجتماعية بأنها أكثر اتساعاً وشمولاً عنها في مرحلة الطفولة ، فيبدأ المراهق بالشعور بالارتياح مع أشخاص خارج نطاق الأسرة -الأصدقاء - أكثر مما يجده مع والديه وإخوته ، ومن مظاهر ذلك : زيادة الوقت الذي (يمضيه المراهق مع رفاقه وزملائه ، وقلة الوقت الذي يمضيه مع أفراد الأسرة).



هذا وأبرز خصائص النمو الاجتماعي في مرحلة المراهقة ما يلي:

1 ـ الانتماء:

يظهر في مرحلة المراهقة الشعور بالانتماء إلى بعض الجماعات القائمة في المجتمع ، وهذا الانتماء يعتمد على ما يسود في المجتمع . ففي بعض المجتمعات يكون الانتماء مبنياً على الرابطة الدموية كالقبيلة أو المكان أو المنطقة ، أو النشاطات كالأندية

ومن مظاهر سلوك المراهق حيال هذه الانتماءات المسايرة والتي تعنى إتباع معايير الجماعة بحذافيرها ، ومحاولة الظهور بمظهرها والتصرف كما يتصرف أفرادها.

وتعود مسايرة المراهق للجماعة التي ينتمي إليها إلى:

أ ـ أنه دخل إلى عالم جديد ، فهو ينظر إلى ما يفعله الآخرون فيتبعه :

ب‌ ـ محاولة تجنب كل ما يؤدي إلى إثارة النـزاع بينه وبين أفراد هذه الجماعة . بغية تحقيق التوافق الاجتماعي. .

وهذه المسايرة ليست صفة ملازمة للمراهق ، ولا تكون تامة إلا في أول المراهقة وتخف تدريجياً مع تقدم الفرد في سلم المراهقة بحيث يساير في الأمور التي يقتنع بها ، أما الأمور التي لا يقتنع بها فقد يخالف فيه.

2 ـ تكوين الجماعات (جماعة الرفاق):

من أهم ما يميز النمو الاجتماعي في مرحلة المراهقة الميل الشديد عند معظم المراهقين إلى الانخراط بعضهم مع بعض في جماعات ؛ لأن الفرد في هذه المرحلة لم يعد طفلا ، ولم يصبح راشداً ، فيشترك مع جماعة لكي يتفاعل معها ، ويجد مكانته الاجتماعية عندها.

وتتميز جماعة الرفاق بمميزات خاصة تميزها عن غيرها من الجماعات ، وهذه المميزات ليس بالضرورة أن تنطبق جميعا أو بنفس الصورة على جميع فئة المراهقين. فهي تختلف من مجموعة إلى مجموعة أخرى ، ومن فرد إلى فرد آخر. وهذه الخصائص أو الميزات تقل أو تتلاشى تدريجياً كلما تقدم المراهق في السن. ومن هذه الخصائص ما يلي:

أ‌) التجانس بين أعضائها فهم من جنس واحد ، وأعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية وميولهم ومستوياتهم الدراسية متقاربة . ويزداد التجانس مع مرور الوقت لعدة أسباب منها : تأثر بعضهم ببعض ، ومسايرتهم للسلوك الغالب في المجموعة ، وانسحاب الأفراد البعيدين بعض الشيء عن غالبية المجموعة في بعض الصفات.

ب‌) محدودية العدد.

ج) المجموعة الوحيدة :حيث تتعدد المجموعات التي يرتبط بها الفرد في المراحل التالية للمراهقة ، أما المراهق فإنه يرتبط بمجموعة واحدة ، ولا يستطيع الاستغناء عنها ببديل

د) تسير وفق نظام معين ضمني غير مصرح به . أي أنه يوجد نظام يربط علاقة أفراد هذه المجموعة دون أن يشعروا بذلك . حيث يُعرف من يستطيع أن ينظم معهم ، والذي لا يستطيع ، ولذلك معروف من القيادي في هذه المجموعة الذي يرجع إليه عندما يقترح أحدهم موضوعاً معيناً مثل الذهاب إلى رحلة أو زيارة صديق.

هـ) شديدة التماسك : فالعلاقات بين أفراد المجموعة قوية لدرجة أنه يصعب سحب أي عضو منها ، ويزداد التماسك عندما يشعرون بتدخل من قبل الآخرين.

و) تمارس ضغطاً على أفرادها . وغالباً يتأثر المراهق بهذه الضغوط من قبل مجموعته إلا إذا كانت علاقته بالمجموعة لم توثق بعد أو كان يتميز بقوة الإرادة.

وظاهرة تكوين مجموعة الرفاق ليست سلبية أو سيئة ، بل الظاهرة في حد ذاتها طبيعية وصحية ، ولكن مجموعة معينة بذاتها قد تكون طيبة أو سيئة حسب طبيعة أفرادها . لأن لمجموعة الرفاق دورًا مهماً لنمو المراهق الاجتماعي ، فهي تنمي فيه روح الانتماء للجماعة ، بما يؤدي به إلى حبها ومراعاة معاييرها ، والإذعان لآرائها ، وهذا يخلص المراهق من الأنانية والعزلة . ويزرع فيه حب مساعدة الآخرين والعمل في سبيل الغير ، كما تساعد المراهق على أن يتعلم كيفية التفاعل الاجتماعي مع الأتراب أو غيرهم ، كما تساعده على اكتساب بعض المهارات والاهتمامات والاتجاهات التي تتناسب مع هذه المرحلة ، وكيفية تبادل المشكلات والمشاعر . كما وأن هناك دوراً مهماً جداً لمجموعة الرفاق ألا وهو شعور المراهق بأن له قيمة واعتباراً في هذه المجموعة وهذا الدور كثيراً ما يفقده في غير مجموعة الرفاق.

3 ـ التمركز حول الذات (الاعتناء بالمظهر الخارجي)

يسعى المراهق أن يكون له مركز ومكانة اجتماعية ، وهو من أجل ذلك يقوم بالأعمال التي تلفت وتجذب نظر الآخرين إليه ،(وذلك بحسب نوعية المجموعة التي يتعايش معها ويقتدي بها) فإن كانت ذات عناية بالملبس والمظهر زادت عنايته بذلك، فيختار الأنواع والألوان الزاهية ، وأحدث الموديلات . كما يعتني بشعره فيقوم بتصفيفه وعمل القَصَّات تقليدًا للموضة .

والعناية بالمظهر في إطاره الشرعي ليس مذموما ، وإنما يكون مذموما إذا تشبه الشاب بالنساء، أو زادت العناية عن حدها وأصبحت الشغل الشاغل للمراهق، بحيث تكون سبباً في ضياع كثير من الأوقات فتفوته بعض الأمور الواجبة.



4 ـ الشعور بالمسؤولية الاجتماعية:

يزداد نمو الوعي والبصيرة الاجتماعية عند المراهق ، ويظهر ذلك في التعرف على الحقوق والواجبات الاجتماعية ، كحقوق الوالدين والأقارب ، وممارستها كحضور المناسبات الاجتماعية والقيام بزيارة المرضى وغيرها . ومحاولته فهم ومناقشة المشكلات الاجتماعية والسياسية ، ووضع حلول لها بناء على المعايير التي تكونت عنده.

كما يتطلع المراهق في هذه المرحلة إلى تحمّل مسئولياته الاجتماعية والتي تشعره بأنه قادر على الاعتماد على نفسه . فإذا حصل لديه تناقض بين ما ينبغي أن يكون من وجهة نظره وبين الواقع الذي يعيشه يبدأ بتوجيه النقد وفي بعض الأحيان محاولة الإصلاح . فقد يقوم بتوجيه نقده إلى والديه ، من حيث مظهرهما كاللبس والسلوك وطريقة تربيتهما لإخوته الصغار ، بناء على مقارنة والديه بآباء وأمهات أصدقاء والديه من حيث المظهر والسلوك وطرق تربيتهم ، فإذا رأى أن الصواب والمناسب ما عند أصدقاء والديه قام بتوجيه النقد إليهما ، ومحاولة إقناعهما بتغيير ما عليه والديه . ومع عدم تقبل والديه لهذا النقد أو إقناعه والتوضيح له حقيقة الأمر قد يحدث النـزاع والخلاف.

ويستمر المراهق بتوجيه النقد إلى كل ما يراه غير مناسب سواء في البيت أو المدرسة أو البيئة، وسواء إلى الأوضاع الاجتماعية أو السياسية ونحوها أو إلى الأشخاص.

وقد يرجع ذلك إلى رغبته في فهم ما يحدث من حوله ، ومحاولة الإصلاح ، وذلك من خلال طرح الآراء أو المشاركة التي تساعد في تقويم الحال التي يراها غير مناسبة .

ولعل ذلك يعود إلى التناقض بين ما تكون لدى المراهق من مفاهيم وأفكار وبين ما يتلقاه من وسائط التربية كالأسرة والمسجد والإعلام . وليس إلى ميل المراهق إلى نقد الآخرين.





5 ـ المنافسة :

تعتبر المنافسة من مظاهر العلاقات الاجتماعية في مرحلة المراهقة ، فالمراهق غالبا يقارن نفسه بغيره من أصدقائه أو زملائه ، ويحاول أن يكون مثلهم ، أو أحسن منهم، ويقارن قدراته بقدرات الآخرين ، وسلوكياته بسلوكيات الآخرين . وتظهر في الألعاب الرياضية والتحصيل الدراسي وفي الملبس وفي بعض الممتلكات.

وللمنافسة أشكال صحيحة وهي التي تعود على المراهق بالفائدة كالتي تدفعه إلى التحصيل الدراسي ، والتي تدفعه للاستزادة من الأعمال الصالحة.

وأشكال غير صحيحة وهي التي (( تقوم على الأنانية ، أو التي يصاحبها الشعور بالخوف والخجل ، أو الشعور بالإثم والعدوان أو التي تنتهي بالعداء وحب الانتقام )) وتؤدي بالمراهق إلى المعاناة والتوتر والضياع.

ومن محاسن وفوائد المنافسة الصحيحة أنها تشعر المراهق بذاته وقيمته كما تدفعه إلى أن يكون جدياً ومنتجاً في حياته.

ومن هنا ينبغي الاهتمام برعاية النمو الاجتماعي للمراهق من خلال التربية الاجتماعية والتي تهدف إلى بناء العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة وأفراد المجتمع على أساس تقوى الله عزَّ وجلّ ، والحب والمودة ، والعطف والتضحية والتعاون والتسامح والبر ، وتنمية الإحساس بروح المسؤولية الفردية والاجتماعية.



الباحث: عبدالرحمن الحجيلي

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:00 AM
رسالة إلى المعـتمر


* أيها المعتمر .

** يا واحداً من ضيوف الرحمن سبحانه .

*** يا من شددت الرحال إلى بلد الله الحرام .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

فإن العمرة شعيرةٌ واجبةٌ ، يُقصد بها زيارة بيت الله الحرام للطواف والسعي . وقد جاء الترغيب في أدائها والحث على فعلها في كتاب الله بقوله جل في عُلاه : } وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ { ( البقرة : من الآية 196) .كما جاء في السنة المطهرة عن أبي هريرة t أن رسول الله e قال : " العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما " ( البخاري ، الحديث رقم 1773 ، ص 285 ) . ولهذا كان على كل مسلم أن يحرص على أدائها بقدر استطاعته، وأن لا يهملها أو يتقاعس عنها بدون عذر شرعي ، وهنا أوجه هذه الرسالة إلى كل معتمر لعله يجد فيها نفعاً أو فائدة . فأقول مستعيناً بالله وحده :

*يا من نويت أداء العمرة ، عليك أن تقصد بعمرتك وجه الله سبحانه والدار الآخرة والتقرب إلى الله سبحانه بما يرضيه من الأقوال والأعمال في ذلك الموضع الشريف، وأن تحذر كل الحذر من أن تقصد بعمرتك أعراض الدنيا الفانية ، أو الرياء والسمعة ، والمفاخرة بين الناس . وهنا تذكّر أن عليك سؤال أهل العلم عن ما يُشكل عليك من أمورٍ ومسائل حتى تكون على بصيرةٍ ، وتكون عمرتك على الوجه الذي يرضي الله Y .

* يا من عزمت على السفر إلى بلد الله الحرام ، اختر الرفقة الصالحة الطيبة التي تعينك على ذكر الله جل وعلا ، وتُذكِّرك إذا نسيت ، واحرص على صحبة أهل الطاعة والتقوى والصلاح ، وطلبة العلم المتفقهين في الدين ، وإياك وصحبة السفهاء و الفُسَّاق والأشرار . وأعلم أن مال العمرة لابد أن يكون حلالاً حتى يقبلها الله Y ،فلا يدخل فيه مالٌ مسروق أو مغصوب ، أو من مصدر حرامٍ كالربا أو الرشوة أو الغش ونحو ذلك.

*يا من توجهت إلى بلد الله الحرام لإتمام مناسك العُمرة ، لا تتجاوز الميقات الذي تمر به في طريقك إلى مكة المكرمة حتى تحرم منه إن كان سفرك براً أو بحراً ، فإذا وصلت إلى الميقات فعليك التجرد من ثيابك والاغتسال كغُسل الجنابة ، ثم تلبس قطعتين من القماش الذي لا مخيط فيه ، أحدهما إزاراً يستر النصف الأسفل ، والثاني رداء ًيستر النصف الأعلى كاملاً ، والأفضل أن يكونا أبيضين للرجال ؛ أما المرأة فلها أن تلبس ما شاءت من ثيابٍ ، وأن تحذر التشبه بالرجال أو التبرج ، وأن لا تُخصص للعمرة لوناً معيناً فإن ذلك غير وارد .أما إذا كان سفرك جواً فعليك أن تحرم إذا حاذيت الميقات الذي تمر به ، ويفضل أن تلبس ثياب الإحرام قبل ذلك حتى إذا حاذيت الميقات نويت الإحرام في الحال بأن تقول : (( لبيك اللهم عمرةً )) ، فإنه لا يجوز تأخير الإحرام عن ذلك .

* يا من لبست ملابس الإحرام لا تنس أن تتطيب عند الإحرام في رأسك ولحيتك لما جاء في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) أنها قالت :

" كنت أُطيب رسول الله e لإحرامه حين يُحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " ( البخاري ، الحديث رقم 1539 ، ص 249 ) . واعلم – جُزيت خيراً - أن لك أن تصلي ركعتين بِنِيَّةِ سنة الوضوء ، ثم تنوي الاحرام بالعمرة وتجهر بها قائلاً : " لبيك عمرةً " أو " لبيك اللهم عمرة " . أما النساء فلا يجهرن بها ولا بالتلبية .

وهنا تذكر أن لك متى خفت من عائق يعوق إتمام نسكك أن تشترط عند الإحرام فتقول : (( إن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني )) . وعند ذلك تُشرع لك البدء في التلبية المشروعة الثابتة فقد ورد عن ابن عمرٍ - رضي الله عنهما - أن تلبية رسول الله e : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والمُلك ، لا شريك لك " ( البخاري ، الحديث رقم 1549 ، ص 251 ) . وارفع صوتك بها واكثر منها حتى تبدأ الطواف بالبيت الحرام ، أما النساء فيلبين بصوتٍ منخفض .

* يا من أحرمت لله تعالى معتمراً تجنب جميع محظورات الإحرام ؛ فلا تأخذ من شعرك أو أظفارك شيئاً ولا تتطيب بعد الإحرام في بدنك أو إحرامك ، ولا تقتل الصيد ، ولا تُغط رأسك بملاصق ، ولا تقطع شجر الحرم ونباته الأخضر ، ولا تلتقط لقطته إلا لتعريفها ، ولا تباشر زوجك بشهوة سواءً كان ذلك باللمس أو التقبيل أو نحوهما ، ولا تلبس المخيط سواءً كان ذلك قميصاً أو ثوباً أو سروالاً ، أو عمامةً أو خفاً أو نحوها ، ولا تلبس المرأة النقاب أو البرقع أو نحوهما ؛ وعليها ألاَّ تلبس القُفازين في يديها لورود النهي عن ذلك ؛ إلا أن عليها متى كانت بحضرة رجالٍ أجانب أن تُغطي وجهها بالخمار ونحوه . وأعلم أنه لا بأس ( أخي المعتمر ) بلبس النعلين والخاتم غير المذهب وسماعة الأذن والنظارة والساعة والحزام ، ولا بأس بتغيـير ملابس الإحرام وغسلها وتنظيفها ، وغسل الرأس والبدن .

* لا تنس ( أخي المعتمر ) أن عليك أن تبدأ الطواف من محاذاة الحجر الأسود الذي إن لم يتيسر لك استلامه فيكفيك التكبير مع الإشارة إليه باليد اليمنى لما ورد في صفة حجة النبي e لابن عمر رضي الله عنهما أن النبي e عندما انتهى إلى البيت " استقبل الحجر فكبَّر " ( ابن خُزيمة ، ج 4 ، الحديث رقم 2716 ، ص 214 ) . ولا تُقبِّل يداك بعد الإشارة بهما إليه ، وإياك ومزاحمة الناس أو إيذائهم بأي نوعٍ من الأذى القولي أو الفعلي . فإذا ما مررت بالحجر الأسود بعد ذلك فكبر فقط ، وقبِّله إن استطعت دونما مزاحمةٍ لما في الحديث عن عمر بن الخطاب t قال : قال رسول الله e : "يا عمر ، لا تؤذ الضعيف . إذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه ؛ وإلا فاستقبله وكبِّر " ( البيهقي في السُنن الكبرى ، ج 5 ، الحديث رقم 9043 ، ص 80 ) .

* إذا بلغت الركن اليماني في طوافك وتيسّر لك استلامه فامسح عليه بيدك اليمنى ولا تُقبِّله ، ولا تزاحم الناس عليه ، فإن شق عليك استلامه فاتركه وامض في طوافك ؛ ولا تُشر إليه ، ولا تُكبِّر عند محاذاته . واعلم ( بارك الله فيك ) أنه ليس للطواف دعاءٌ مخصوص أو ذكرٌ معين ؛ و أن ما يسمى بأدعية الطواف والسعي التي تنتشر بين أيدي كثيرٍ من الحجاج والمعتمرين ليست ثابتة عن الرسول e ، وأن المشروع للمسلم في الطواف يتمثل في الإكثار من الذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم ، إلاّ في ختام كل شوط بين الركن اليماني والحجر الأسود فيستحب أن يقول الطائف بالكعبة : (( ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقنا عذاب النار )) لما ورد عن عبد الله بن السائب عن أبيه قال : سمعت النبي e يقول ما بين الركن اليماني والحجر : " ربنا آتنا في الدنيا حسنةً ، وفي الآخرة حسنةً ، وقنا عذاب النار " ( الحاكم ، ج 2 ، الحديث رقم 3098 ، ص 3042 ) . وهنا عليك أن تُراعي أنه لا ينبغي رفع الصوت بالدعاء حتى لا يكون هناك تشويش على بقية الطائفين والمصلين .

* لا تنس - أخي المعتمر – أن مما يُشرع للرجال (( الاضطباع )) و (( الرَّمَل )) في الطواف فقط ؛ فأما الاضطباع فهو أن يجعل الرجل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وطرفيه على الكتف الأيسر, وبذلك يكون كتفه الأيمن مكشوفاً حتى إذا فرغ من الطواف غطاه وأعاد الرداء إلى حالته الأولى . أما الرَّمَل فهو إسراع المشي مع مقاربة الخطوات , ويكون ذلك في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف فقط إن تيسر له ذلك ، لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " سعى النبي e ثلاثة أشواطٍ ، ومشى أربعةً في الحج والعمرة " ( البخاري ، الحديث رقم 1604 ، ص 260 ) .

* لا تنس أن تصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم u بعد فراغك من الطواف بالبيت سبعة أشواط لقوله تعالى : } وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً { ( البقرة : من الآية 125) ؛ فإن لم يتيسر ذلك فصل في أي موضع من الحرم دون مزاحمةٍ أو مضايقةٍ للمصلين والطائفين ، واعلم أنه يُسَنُ في هاتين الركعتين قراءة (سورة الكافرون ) بعد الفاتحة في الأولى ، و ( سورة الإخلاص ) بعد الفاتحة في الثانية .

* توجّه بعد ذلك إلى المسعى واصعد على الصفا تالياً قوله تعالى : } إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ { ( البقرة : 158 ) . ثم استقبل القبلة وارفع يديك حامداً الله سبحانه وتعالى وداعياً بما تشاء ، ثم انزل من الصفا متوجهاً إلى المروة ؛ فإذا بلغت العلم الأخضر فأسرع في سعيك بقدر ما تستطيع ولا تؤذ غيرك من الناس حتى تبلغ العلم الأخضر الثاني ، ولا تنس أن هذا الإسراع في المشي بين العلمين الأخضرين مشروع للرجال فقط أما النساء فلا يشرع لهن لأنهن عورة ، وإنما المشروع لهن المشي في السعي كله . ثم امش كالعادة إلى أن تصل إلى المروة فاصعد عليها واستقبل القبلة رافعاً يديك داعياً بما تشاء كما فعلت على الصفا . ثم انزل من المروة إلى الصفا ماشيا في موضع المشي ، وساعياً في موضع السعي حتى تكمل سبعة أشواط ، واعلم أن الذهاب من الصفا إلى المروة شوط ، والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر . ولك ( أخي المعتمر ) أن تردد في سعيك ما شئت من ذكر الله سبحانه وتعالى ، والدعاء الصالح ، وتلاوة القرآن الكريم دون التقيد بذكرٍ معينٍ أو دعاءٍ خاصٍ لكل شوط .

* إذا أتممت سعيك سبعة أشواط فاحلق شعر رأسك أو قَصِّره على أن يعم التقصير شعر الرأس كله ، ولا تكتف بأخذ بعض الشعر من يمين الرأس وشماله ووسطه فإن ذلك خطأ يقع فيه كثير من الناس ، إذ إن الحلق أو التقصير يجب أن يكون شاملاً لجميع شعر الرأس . واعلم أن الحلق أفضل من التقصير لما ورد عن يحيى بن الحُصين عن جدته أنها سمعت النبي e في حجة الوداع " دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة " ( مسلم ، الحديث رقم 3150 ، ص 548 ) . إلاّ أن يكون وقت الحج قريباً فإن التقصير أفضل . أما المرأة فتقص من كل ظفيرةٍ من ظفائرها قدر أنملة ، وبذلك تكون ـ أخي المعتمر ـ قد أتممت عمرتك ، ولك بعد ذلك أن تلبس ثيابك وأن تتطيب وأن تعود إلى ما كنت عليه قبل الإحرام .

* تذكّر أن عليك عدم تخطي الرقاب في الحرم ، والحذر من إيذاء المصلين ، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وإياك والنظر إلى النساء أو الصلاة بجوارهن فإن ذلك مما يجب على المسلم اجتنابه وبخاصة في بيت الله الحرام . وعليك أن تتلطف بمن حولك من إخوانك الحجاج والمعتمرين والمصلين أثناء الطواف والسعي وعند تقبيل الحجر الأسود فإن كثير من الناس قد يقع في المحظور ليأتي بسنةٍ من السنن - والعياذ بالله - .

* لا تُغلِق أبواب الحرم ومداخله وطرقاته بالصلاة فيها أو النوم أو الجلوس والافتراش ، ولا تلوث الحرم بطعام أو شراب أو قذر ؛ فإن ذلك من العبث وعدم تعظيم شعائر الله . واعلم أنه لا يجوز ـ كما أفتى بذلك كثيرٌ من أهل العلم ـ تعطيل الطواف بالجلوس حول الكعبة أو الصلاة قربها أو الوقوف عند الحجر الأسود ، أو حِجر إسماعيل u ، أو أمام باب الكعبة ، أو عند مقام إبراهيم u ؛ وخاصةً عند الزحام لما في ذلك من الضرر بالمسلمين وإيذائهم . وأحذر من التمسح بجدران أو حِلق الكعبة أو ثوبها أو غير ذلك مما يفعله الجهلة بدين الله وشريعته السمحة .

* وختاماً : لا تنس أن تحمد الله تعالى على توفيقه إياك لأداء هذه الشعيرة ، وتيسيره لك إتمام أعمال العمرة ، وعليك أن تحمده وأن تُكثر من شكره سبحانه وتعالى أن وفقك لزيارة المسجد الحرام والبيت العتيق ، وأن تسأله القبول والإخلاص في القول والعمل . والله أسأل لنا ولك عمرةً مقبولةً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وسلّم تسليماً كثيراً .

د. صالح بن علي أبو عرَّاد

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:04 AM
رسالة إلى حـاج
* أيها الحاج الكريم .

** يا ضيفاً من ضيوف الرحمن .

*** يا من لبَّيت النداء الخالد لخليل الرحمن u .

السلام عليكم ورحمة الله وبركته ، وبعد :

فإن الحج من أكثر العبادات تحقيقاً لمعنى العبودية الحقة لله سبحانه وتعالى ، كما أنه عبادة تزكي النفس البشرية من العداوة والبغضاء والشح والإيذاء يوم يهرع المسلم ببدنه لإجابة النداء الخالد مخلفاً وراءه المال والأبناء ، والأهل والأصدقـاء ، قاصداً بيت الله الحرام ليؤدي هذه الفريضة امتـثالاً لقوله تعالى : } وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً { ( آل عمران : من الآية 97 ) . واقتداءً بهدي وسنة سيدنا محمدٍ e الذي صح عن أبي هريرة t أنه قال : سمعت النبي e يقول : " من حجَّ فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أُمه " ( البخاري ، الحديث رقم 1521 ، ص 247 ) .

وهنا أوجه هذه الرسالة لكل حاجٍ مسلمٍ مؤملاً أن ينفع الله بها ، وأن تكون من باب التذكير الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى : } وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ { ( الذاريات : 55 ) ، وأقول مستعيناً بالله وحده :

*يا من شددت الرحال إلى بلد الله الحرام وتركت الأهل والأبناء ، والديار والأوطان ، وتجشمت المتاعب والصعاب حتى تصل إلى بيت الله الحرام وحرمه الآمن ، اخلص النية لله تعالى في حجك ، واقصد به وجه الله ومرضاته ، وكن متبعاً لهدى النبي e في قولك وفعلك ونسكك ، ولا تتردد في سؤال أهل العلم الموثوقين عن ما أشكل عليك ؛ حتى تكون على بينةٍ من أمرك ، ويكون حجك صحيحاً إن شاء الله تعالى . قال سبحانه : } فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{ (سورة النحل أية رقم 43)

*يا من قصدت بيت الله تعالى وحرمه الآمن لا تؤذ غيرك من حجاج بيت الله الحرام بالقول أو بالفعل ، واحذر من مزاحمتهم أو مضايقتهم وبخاصةٍ متى كنت قوي البنية مكتمل الصحة والعافية ، فإن نبينا محمد e قد حذّر من إيذاء الناس فقال : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ( البخاري ، الحديث رقم 4 ، ص 5 ) . وعليك – بارك الله فيك - بضبط النفس والجوارح ، ومحاولة كظم الغيظ ، و الحرص على تجنب الجدال مع الآخرين عملاً بقوله تعالى : } وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً { ( البقرة : من الآية 83 ) .

*يا من أكرمك الله بإدراك هذه المناسبة العظيمة ، والوصول إلى هذه البقاع المقدسة ؛ تذكّر أنك في موسمٍ عظيمٍ ، و أيامٍ مباركةٍ يُضاعف الله تعالى فيها الأجر والثواب لمن عمروا أوقاتهم بالطاعات وشغلوها بالعمل الصالح الذي شرعه الله تعالى لعباده . وتذكّر أنه قد روي عن ابن عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أن النبي e قال : " ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء " ( ابن حبان ، ج 3 ، الحديث رقم 324 ، ص 30 ) .

*يا من أجبت النداء الخالد ، ولبيت دعوة أبينا إبراهيم u عليك بالسكينة والوقار في كل شأنك ، وترَّفق بإخوانك الحجاج أثناء الطواف والسعي ، وعند رمي الجمرات ونحر الهدي والأضاحي ، وأثناء التنقل بين المشاعر . وإياك أن تؤذي غيرك من الحجاج بقولٍ أو فعلٍ وبخاصةٍ عند استلام الحجر الأسود ، وكن مع الناس لطيفاً يكن الله بك رحيماً . قال تعالى : } وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً { ( الأحزاب : 58 ) .

واعلم – غفر الله لي ولك – أنه لا يلزم الحاج أو المعتمر استلام الحجر الأسود وتقبيله ، ويكفيه الإشارة إليه بيده والتكبير متى كان الزحام شديداً .

* يا من جعلت قدوتك في كيفية القيام بالعبادات وأداء الشعائر والمناسك ما جاء به سيد الخلق محمد e ؛ إياك أن تقع في بعض البدع التي يقع فيها كثير من الحجاج - عن جهلٍ منهم - فلا تخص كل شوطٍ من الطواف أو السعي بأذكارٍ مخصوصةٍ أو أدعيةٍ معينة لأن هذا أمرٌ لا أصل له ، وعليك الإكثار من الدعاء في طوافك وسعيك بما تيسر ، أو الانشغال بذكر الله تعالى تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً واستغفاراً ونحو ذلك ، أو قراءة وترتيل القرآن الكريم . وأعلم أنه ليس لعرفة دعاءٌ مخصوص ، ولا للمشعر الحرام بمزدلفة بل على الحاج أن يدعو بما تيسر ، وما أُثِرَ عن نبينا محمدٍ e من الأدعية الثابتة الصحيحة الجامعة للخير .

* يا من تبتغي بحجك وأداء مناسكك وجه الله تعالى ومرضاته ؛ اعلم أن تقبيل الركن اليماني من الكعبة الشريفة أثناء الطواف بها خطأٌ لا ينبغي لأنه يُستلم باليد اليمنى فقط ، ولا يُقبّل مثلما يُقبّل الحجر الأسود ؛ فلا تفعل ذلك عند طوافك ، ولا تُزاحم غيرك لاستلامه متى كان ذلك شاقاً عليك . وامض في طوافك دون إشارة أو تكبير عنده.

* يا من تحرص على تمام عملك وترجو قبوله كاملاً غير منقوص ؛ لا تُبق كتفك اليمنى مكشوفةً عند الإحرام ؛ فهذا خطأ يقع فيه كثير من الحُجاج الذين يجهلون أن كشف الكتف اليمنى لا يُشرع للحاج أو المُعتمر إلا في طواف القدوم ، ويُسمى ( الاضطباع ) فإذا ما انتهى الطواف فإن على الحاج أو المعتمر أن يُعيد رداءه على كتفيه وصدره وأن يُكمل باقي نسكه .

*يا من تعرف لبيت الله الحرام قدره ومنـزلته ؛ إياك وبعض أفعال الجُهال كرفع الصوت بالذكر ، أو الدعاء بشكلٍ جماعيٍ مزعج يُشوش على الآخرين ، أو لمس جدار الكعبة وثيابها أثناء الطواف ، أو رمي الجمرات بالحجارة الكبيرة والقوارير والنعال ونحو ذلك من الأفعال التي لم تثبت عن النبي e وصحبه الكرام .

*يا من قصدت بحجك طاعة الله تعالى ومرضاته جل في علاه لا تُخطئ في فهم معنى التعجل الذي قال فيه تعالى : } فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ { ( البقرة :من الآية 203 ) . لأن المراد باليومين الحادي عشر والثاني عشر ، وليس يوم العيد ويومٍ بعده كما يُخطئ كثير من الحجاج في فهم ذلك جهلاً .

وأعلم - تقبّل الله مني ومنك - أن من تأخر إلى اليوم الثالث عشر فرمى الجمار بعد زوال الشمس ثم نفر فإنه يكون قد أتى بالأفضل والأكمل ، وجنب نفسه مشقة الزحام والعناء .

*يا من تحرص على الحج المبرور والسعي المشكور والتجارة التي لا تبور ؛ إحذر المبالغة في الاهتمام بأمور الدنيا ، وصرف الوقت الطويل في شؤونها كالبيع والشراء ، والتجول في الأسواق ، والانشغال بشراء الهدايا ، ونحو ذلك مما يُضيع وقتك ، ويحرمك فضل هذه الأيام الكريمة وثوابها العظيم ، والتي لا تدري هل ستعود إليها أم لا .

ثم تذَّكر - أخي الكريم - أنك في بلد الله الحرام الذي تُضاعف فيه الحسنات بالأعمال الصالحة ، كما تُضاعف فيه السيئات باقتراف المعاصي والآثام ؛ فلا تدع الفرصة تفوتك ، واغتنم فترة وجودك في هذه الرحاب الطاهرة والبقاع المقدسة في الإكثار من صالح الأعمال والأقوال كأداء الفرائض ، والإكثار من النوافل ، والانشغال بتلاوة القرآن الكريم ، والصلاة على النبي e ، والإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحرص على الصدقة ، والإحسان إلى الغير ، ومساعدة المحتاج ، وإرشاد الضال ، ونحو ذلك من أعمال البر وأفعال الخير .

*يا من أكرمك الله تعالى بإتمام مناسك الحج ، وأداء شعائره كاملةً غير منقوصة ؛ لا تنس أن تحمد الله جل في عُلاه على أن وفقك لإتمام حجك ، وأن تشكره سبحانه أن يسر لك ذلك ، وعليك أن تسأل الله تعالى أن يكون عملاً صالحاً مقبولاً .

* وختاماً .. أسأل الله تعالى لنا ولكم حجاً مبروراً ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفوراً ، وأن يهدينا جميعاً إلى خير القول وصالح العمل ، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .



د. صالح بن علي أبو عرّاد
0

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:07 AM
قراءة تربوية في المطويات الدعوية
أدى الاتساع المعرفي المعاصر إلى التنوع في الوسائل الناقلة للمعلومة، وكان الناس ولا يزالون يبتكرون وسيلة إثر أخرى للطرق الكفيلة في إيصال الأفكار إلى الآخرين، ويمتاز العصر الحالي بكثرة الوسائل المستخدمة وتنوعها وتوفيرها للوقت الكثير والجهد والمال، واستخدم الغيورون من أبناء الأمة بعض تلك الوسائل في المجال الدعوي، بغية التوصيل السليم والصحيح للفكرة الدعوية إلى أكبر قدر ممكن وبأقل التكلفة والجهد البشري، ضمن إطار منهج التربية الإسلامية في توجيه الدعوة ووسائلها، ومع ما لا يتنافي مع خصوصية الدعوة الإسلامية وأهدافها وغاياتها، ولعل من ضمن تلك الوسائل المطويات الدعوية، والتي أصبحت تنافس المطويات التجارية الكثيرة.

والقارئ لبعض المطويات في المجالات الدعوية المختلفة يلحظ بعض النقاط والتي تنبئ عن ضعف المحتوى والإعداد اللازم لإخراج المطوية على وجهها الصحيح، الأمر الذي يؤكد الاهتمام التربوي لمضامين المطوية.

الأهمية التربوية للمطوية الدعوية: تكتسب المطوية أهميتها التربوية من أهمية الدعوة ذاتها، إضافة إلى سهولة وصولها إلى القراء، ومناسبتها لغالب فئات المجتمع، وتميزها بعدم وجود الرقابة عليها، وسهولة قراءتها حيث لا تحتاج إلى وقت كثير، وخفة حملها بحيث يمكن حملها بسهولة، ومجانيّتها في كثير من الأحيان، مما يجعلها من أكثر الوسائل الدعوية تأثيرا إذا أحسن استخدامها.

الإعداد التربوي للمطوية: يحتاج معدّ المطوية إلى معرفة فنّ التأثير الذي يجذب أنظار القارئ ويستميله، إضافة إلى إجادته للمادة العلمية التي يقدمها، وبعض المؤهلات العلمية التي تساعده في فنّ الكتابة والتأليف. ويجدر بالمهتمين أن يقيموا دورات تدريبية في فن إعداد المطوية علّ ذلك يساهم في الارتقاء بالمطوية الدعوية إلى مستوى المطويات الرائدة.





إرشادات تربوية في مجال المطوية الدعوية:

o وضوح الفكرة وحسن البيان.

o مراعاة المستهدفين وحسن التوزيع.

o الاهتمام ببعض الموضوعات الاجتماعية الهامة

o مراعاة الخصائص الاجتماعية للنطاق المكاني الذي يراد فيه توزيعها.

o مراعاة النطاق الزماني، فمثلا لا توزع مطويات تخص رمضان والصوم إلا في شعبان أو في رمضان.

o العناية الفنية للإخراج، ولزوم الدقة في المضمون، بحيث لا تشتمل المطويات على أخطاء مطبعية أو علمية.

وصلّ اللهم وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه.



الباحث: عبدالله حسن إبراهيم

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:11 AM
من الفوائد التربوية للإنفاق النبوي
خالق البشرية من العدم أوجد الفقر والغنى، وابتلى بهما بنو آدم ليعلم الشاكر من الكافر، فليس الغنى حكرا على أناس أو عائلة دون غيرهم، وليس الفقر محتوما على آخرين، فالله بيده الأمر، يرفع القسط ويخفضه، من أسمائه الغني، وهو الرحمن الرحيم بخلقه وعبيده، وهو الودود يتودد إلى عباده بنعمه، امتن على نبيه صلى الله عليه وسلم بالغنى فقال: "ووجدك عائلا فأغنى" وأحب أن يرى أثر النعمة على عبده، وجعل إنفاق المال في الوجه المشروع من أسباب نيل مرضاته، فالمال مال الله، والخلق خلق الله، لهذا اعتبر الأغنياء مستخلفين في ماله، "وآتوهم من مال الله الذي آتاكم" " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم".

وكان صلى الله عليه وسلم أ جود الناس، يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، يمينه كالريح المرسلة، يواسى المنكوب، ويرحم الضعيف، ويصل الرحم، ويحمل الكلّ، ويعين على نوائب الحق، ويجود بالموجود، وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ولا يستقله، وكان لا يسأله أحدٌ شيئا إلا أعطاه، وكان العطاء أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه وكان يسأل ربه الغنى فيقول: "اللهم أني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" وكان يستعيذ بالله من الفقر " اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" وكان يوسع على أهله في النفقه، وهي من مظاهر خيريته لأهله، يقول الشوكاني: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مئة وسق من خيبر" ولم يحرم سائلا، ولم يزجر مستعينا، كان أملك الناس لعاطفة الملكية، وفي هديه صلى الله عليه وسلم في الإنفاق لنا فيه عدة فوائد تربوية نذكر منها:

1. حقارة الدنيا والمال، وأنها لا تسوي عند الله جناح بعوض، فيتلذذ المتبرع بصدقته، ويعتقد وفور أجرها عند ربه، وأقدم عليها في وقت سعته وضيقه.

2. تحقيق الزهد المطلوب، فلا شيء يعظم في عينه إلا امتثال هديه صلى الله عليه وسلم.

3. البذل والإنفاق من مقومات القيادة، فكان من هديه: أن"ينوع في أصناف عطاءه، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا، وتارة يقترض شيئا فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها وبأضعافها تلطفا وتنوعا"مما يؤكد على البذل لمن هو في موضع التأسي والقدوة والقيادة.

4. طهارة النفس ونقاوة الضمير وتزكية القلب.

5. مرضاة الرب في تحقيق مقاصد تشريعه للإنفاق.

6. التخلق بالبذل يقول ابن القيم: "فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصحبه ورأى هديه في الإنفاق لا يملك نفسه من السماحة والندى" فكان تعليم هديه في الإنفاق، وتنوع جوده، وكثرة بذله، من الأساليب التربوية للتربية على الإنفاق.

وصلّ اللهم وسلم على الرحمة المهداة، والخير المسداة، نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



الباحث: عبدالله حسن إبراهيم

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:16 AM
التوريث التربوي ضرورة للعمل الإسلامي
إن ما تعانيه الكثير من المؤسسات الدعوية، والأعمال الخيرية في العالم الإسلامي قد تكون نتيجة تفريط القائمين عليها في إيجاد خلف لهم، وإذا وجد قد لا تتعدى أسوار العمل الروتيني في تعيين نائب للمؤسسة الدعوية، فلا هذا ولا ذاك يجدي في المجال الدعوي في تحقيق التوريث الدعوي الصحيح، إن التوريث الصحيح يعني بذل أقصى الجهود الممكنة، واتباع أنسب الأساليب في غرس قيم وأخلاق وأهداف المؤسسة الدعوية في شخص أو أكثر حتى تتأكد بأن المؤسسة بإمكانها أن تحقق أهدافها دون الحاجة إليك، أو على الأقل لن تتأثر بفقدك.

إن التوريث في العمل الإسلامي كان همة الصالحين، وهدفا من أهداف المخلصين، أكتسب أهميته من أهمية الدعوة ذاتها والتي يقول الله فيها " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين" فكانت مطلب الخليل –إبراهيم عليه السلام-" واجعل لي لسان صدق في الآخرين" وزكريا إذ يقول: "فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا" ويعقوب في لحظة الاحتضار " أم كنتم شهداء إذ خضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم.."ولقد ضرب نبينا صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التوريث الصحيح للعمل الإسلامي في شخصية الصديق أبي بكر رضي الله عنه حتى قال " والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله لحاربتهم عليه "

الأبعاد التربوية للتوريث الدعوي:

1ـ توحيد الجهود الدعوية المبذولة حتى يبني اللاحق على جهود السابق.

2ـ حماية الأعمال الدعوية من الأخطار المهددة.

3ـ وضوح الهدف والرؤية المستقبلية للمؤسسة الدعوية

4ـ بناء جسر التواصل بين الجيل المنصرم والجيل القادم.

5ـ شحذ الهمم وإيجاد دافعية حقيقية في نفسية الشاب تجاه العمل الإسلامي.

6ـ ضمان استمرارية العمل الدعوي

7ـ الحفاظ على أصالة الأسلوب الشرعي للعمل الإسلامي مع الإفادة من مستجدات العصر مما يساير الإنفجار المعرفي والمعلوماتي.

8ـ التخطيط السليم للعمل الخيري وفق الأهداف المرسومة لها.

9ـيؤصل مفهوم العمومية الدعوية، ويعزز المسئولية الفردية لكل أحد عن المهام الدعوية، ويوسع قاعدة العمل الإسلامي، تطبيقا للنظرة الشمولية لمنهج التربية الإسلامية في ممارسة الأعمال الدعوية.

10ـ المحافظة على القدرات والمواهب وتقديرها والتعرف عليها من خلال ممارسة عملية التوريث في مجال العمل الإسلامي.

وصلّ اللهم وسلّم على نبيا محمد وآله وصحبه أجمعين.

الباحث: عبدالله حسن إبراهيم

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:18 AM
تربيتنا الأُسرية إلى أين ؟
الحمد لله القائل ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم :21)
والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ القائل : " خيركم خيركم لأهله " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3895 ، ص 875 ) . وعلى آله الأطهار ، وصحابته الأخيار.



وبعد فنقصد بمصطلح التربية الأُسرية ذلك النوع من التربية الذي يتم في البيئة الأُسرية والذي يبدأ مع الإنسان منذ نعومة أظافره وقد يستمر معه خلال مراحل عمره الأُخرى سواءً أكان ذلك بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة.

وتعتمد التربية الأُسرية كثيرًا على مستوى الوعي والمعرفة عند مجموعة أعضائها ، الذين يؤثرون فيها وفي ثقافتها تبعًا للكثير من العوامل الحياتية المختلفة.

وانطلاقًا من أن للأُسرة في المجتمع المسلم العديد من الصور ؛ فإن تربية الإنسان فيها تتأثر إلى حدٍ كبيرٍ بكل صورةٍ من تلك الصور ؛ فقد تكون الأُسرة مؤلفةً من الزوج والزوجة فقط ، وقد تكون مؤلفةً من الزوجين مع بعض الأطفال ، وربما شارك في تكوين هذه الأسرة بعض الأجداد ، أو الأعمام ، أو الأخوال ، أو غيرهم من الأقارب ، إضافةً إلى الخدم والمربين ونحوهم في بعض الأحيان . كما أن أفراد الأُسرة قد ينتمون إلى أجيالٍ مختلفةٍ حيث إنها قد تشمل ( الأجداد ، والآباء ، والأبناء ) . وهذا بلا شك ينعكس بدوره على تربية أفرادها ويؤثر عليها سلبًا أو إيجابًا.



والمعنى أن للأُسرة أثراً فاعلاً ودوراً كبيراً في تربية الإنسان ؛ إذ إنها المحضن الأول الذي يعيش فيه الفرد ، وهي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع ، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالعديد من أوجه الرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى . وقد حث الإسلام على تكوين الأُسرة وبنائها والاهتمام بها ، والعناية بكل فردٍ من أفرادها نظرًا لأثرها البارز في بناء شخصياتهم ، وتحديد معالمها منذ الصغر ، إضافةً إلى كونها المحضن الأول الذي يعيشون فيه ويتشربون منه كثيرًا من أنماط حياتهم وسلوكياتهم .



وتتكون الأسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة ؛ وتربطهم رابطةٌ شرعيةٌ قائمةٌ على المودة والمحبة .

من هنا فإنه يمكن القول : إن الأسرة تُعدُ أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثيـر من الوظائف ، وعليها العديد من الواجبات الأساسية ، ولاسيما أن الإنسان يعيش فيها أطول أطوار حياته ، فيتشرب منها العقيدة ، والأخلاق ، والأفكار ، والعادات ، والتقاليد ، وغير ذلك من الصفات والسلوكيات الأُخرى التي يكتسبها من الأُسرة بمن فيها وما فيها من أفراد وظروف وعوامل . ولذلك فإن الأُسرة إما أن تكون مصدر خيرٍ للإنسان ، أو معول هدمٍ للدين والأخلاق والقيم .
أما وظائف التربية الأُسرية فكثيرةٌ ومتنوعة ولاسيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان في مختلف مراحل عمره . وعلى الرغم من اشتراك الأسرة المسلمة مع غيرها من الأسر في أداء بعض الوظائف التربوية العامة ؛ إلا أن للأُسرة المسلمة بعضاً من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي :



أ) العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله " تزوجوا الولود الودود ؛ فإني مُكاثرٌ بكم " ( رواه النسائي ، الحديث رقم 3026 ، ص 680). والتي تكون عاملاً قوياً في تحقق واستمرار الحياة الأُسرية ، وضمان استقرارها .



ب ) تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد الأسرة حتى تتم عملية تربيتهم في جوٍّ مُفعمٍ بالسعادة بعيداً عن القلق والتوتر والضياع . ويأتي ذلك تحقيقاً لقوله تعالى في سورة الروم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) آية رقم (21) .



ج) حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية ، والعمل على صيانة فطرتهم عن الانحراف والضلال ، تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهوِّدانِهِ ، أو يُنصِّرانِهِ ، أو يُمجِّسانِهِ " ( رواه البخاري ، الحديث رقم 1385، ص 222) .



د) توفير مقومات التربية الإسلامية الصحيحة لأفراد الأسرة عن طريق العناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان ( روحياً ، وعقلياً ، وجسمياً ) . والحرص على توافرها وتكاملها لما لذلك كله من الأثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة السوية ، والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها ومن حولها بصورةٍ إيجابيةٍ، ومستمرةٍ طول فترة الحياة .



هـ) الحرص على توعية أعضاء الأسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍ ومفيد والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة ، وحمايتهم من كل ما يُهدد سلامتهم وسلامة غيرهم ، وتعليمهم الأخلاق الكريمة ، والآداب الفاضلة ، والعادات الحسنة حتى يشبوا عليها ، ويتعودوا على مبدأ التحلي بالفضائل ، والتخلي عن الرذائل .



و) إكساب أعضاء الأسرة الخبرات الأساسية والمهارات الأولية اللازمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة ، وإكسابهم الثقة بالنفس ، والقدرة على التعامل مع الآخرين .





أما أبرز الملاحظات التي تؤخذ على تربيتنا الأُسرية ؛ فمنها :


# انعدام العناية من بعض أولياء الأمور ببعض أفراد هذه الأُسرة ، وهو ما يتضح في أولئك الصغار الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل دونما رقيبٍ أو حسيبٍ ، الأمر الذي ينتج عنه الكثير من المفاسد الأخلاقية ، والعادات السيئة ، والطباع المنحرفة ، ونحو ذلك مما لا تُحمد عقباه .


#ضعف دور التربية الأُسرية في مجتمعنا المعاصر إلى درجةٍ أصبح دورها هامشياً في معظم الأحيان . فالمدرسة تحظى بنصيب الأسد من عدد ساعات اليوم الواحد ، والإعلام والشارع يحظيان بالبقية الباقية منه ، ولا يبقى للأُسرة إلا زمن النوم وربما زمن تناول الطعام.


#تأثر التربية الأُسرية في مجتمعنا بظروف العصر التي جعلت من الأبوين مشغولين جداً بالسعي خلف لقمة العيش ، ومتابعة مجريات الحياة المعاصرة التي أسهمت جميعها في كثيرٍ من التقصير وربما الإهمال غير المقصود في دورهما الأساسي في العملية التربوية ، الأمر الذي ترتب عليه إسناد تلك الأدوار والمهام للمربين أو الخدم أو غيرهم.



#اختلاف النظرة إلى الحياة بعامة بين جيل الآباء وجيل الأبناء ، الأمر الذي أسهم في وجود فجوة كبيرةٍ في طريقة التفكير وكيفية التعامل الأُسري ، وهذا بدوره أثر كثيراً في مدى نجاح تربيتنا الأُسرية التي يعتمد نجاحها كثيراً على مدى الانسجام والتوافق بين نظرة الجيلين.



وبعد ؛ فهذه خواطر سريعة حول هذه القضية التي لا شك أنها من القضايا الجوهرية ذات التأثير الفاعل والمُباشر في مجريات حياتنا ، والتي علينا جميعاً أن نعتني بها ، وأن نُعيد النظر جدياً في كيفية التعامل معها ، وأن نوفيها حقها اللازم من العناية والاهتمام .





والله نسأل أن يكتب لنا التوفيق والسداد .







بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُساعد

ومدير مركز البحوث التربوية بكلية المعلمين في جامعة الملك خالد بأبها

د. صالح بن علي أبو عرّاد (السعودية)

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:23 AM
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة العظمى للمسلمين جميعا , وهو المعلم الأول لهذه الأمة , فحري بالمعلمين وغيرهم أن يقتدوا به ، وينظروا في سيرته وشمائله , ويتأملوا في طرائق تعليمه , وكيفية تعامله مع الآخرين , ويجعلوا ذلك نبراسا لهم ينهلون منه , ومشعلا يستضيئون به, كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يتبع أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله، ويهتم حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك . اتباعا لقوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوه حسنة) , فمن أراد الهداية والفلاح فعليه أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتأسى به , يقول ابن أبي ذئب : " إن الله اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس , فهداهم به وعلى يديه , فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين , لا مخرج لمسلم من ذلك " .

وكان الزهري يقول :" الاعتصام بالسنة نجاة "

وصفة المتابعة مكمله لصفة الإخلاص , إذ لا يتحقق قبول عمل لأحد إلا بتوافرها مع الإخلاص , قال الله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) , قال ابن كثير :" فليعمل عملا صالحا أي : ما كان موافقا لشرع الله , ولا يشرك بعبادة ربه أحدا , وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له , وهذان ركنا العمل المتقبل , لابد أن يكون خالصا لله , صوابا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم "

فمن عمل بلا إخلاص فعمله مردود و" من عمل بلا إتباع سنه فعمله باطل " .

ولذلك كانت وصية موفق الدين الموصلي لتلاميذه :" ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول , فاقرأ السيرة النبوية , وتتبع أفعاله , واقتف آثاره , وتشبه به ما أمكنك "

وأوصى بذلك شرف الدين الأندلسي بقوله :



من كان يرغب في النجاة فماله

غير اتباع المصطفى فيما أتى

ذاك السبيل المستقيم وغيره

سبل الضلالة والغواية والردى

فاتبع كتاب الله والسنن التي

صحت فذاك إن اتبعت هو الهدى

ودع السؤال بلم وكيف فإنه

باب يجر ذوي البصيرة للعمى

الدين ما قال الرسول وصحبه

والتابعون ومن مناهجهم قفا



وعلى أثر هذا حرص السلف الصالح – رحمهم الله تعالى – على تتبع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمعها , فقد نقل الذهبي - رحمه الله – في كتابه ( سير أعلام النبلاء ) عن سعيد بن المسيب أنه يقول : " إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد " ويقول عمرو بن ميمون ألأودي :" لو علمت أنه بقي علي حرف من السنة باليمن لأتيتها " .

وليعلم أن اتباع السنة مشروط بثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا بما تشتهيه الأنفس , أو يزينه العقل والهوى , يقول أبو سليمان الداراني :" ليس لمن ألهم شيئا من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر " .

ويقول ابن خزيمه : " ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لأحد مخالفته .

وقال أبو حنيفة – رحمه الله - : ماجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين "

وكان مالك يقول :" سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا , فالأخذ بها اتباع لكتاب الله , واستكمال لطاعة الله , وقوة على دين الله , ليس لأحد تغييريها ولا تبديلها , ولا النظر في شيء خالفها , من اهتدى بها فهو مهتد , ومن استنصر بها فهو منصور , ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين , وولاه الله ما تولى , وأصلاه جهنم وساءت مصيرا "

وقال الشافعي – رحمه الله - : " كل ما قلته فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما صح فهو أولى ولا تقلدوني " ويقول أحمد :" من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة " .






الباحث: حسين نفاع الجابري (السعودية)
ش

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:29 AM
إلى الذين تفيض أعينهم من الدمع


قال الله تعالى (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلتَ لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون)

هكذا صور لنا تبارك وتعالى مشهد حال أولئك الصحابة الذين لم يجدوا ما يقدمونه لجيش المسلمين، فرجعوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً على قلة ذات اليد، التي حرمتهم من المشاركة الفاعلة في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمشهد يتكرر بألوان مختلفة، فالملايين تفيض أعينهم دمعاً وقلوبهم حسرة لانتفاء قدرتهم على مساعدة إخوانهم في غزة، غير الخروج في الشوارع بنداءات وصراخات، تنقلها عدسات التصوير.

ولئن توقفت الحالة والحيلة الفردية والجماعية عن المشاركة المباشرة فلا تنعدم المشاركة العظيمة بسلاح الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، فربما دعوة صادقة مستجابة من قلب مؤمن تتفجر بها ينابيع الخير، ويندحر بها شر العدو وينهزم. (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) (لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر) عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } وقال : الدعاء هو العبادة وقرأ { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } إلى قوله { داخرين } (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد . فأكثروا الدعاء) .



ولئن انعدمت المشاركة المباشرة وحال دونها ما لا تشتهيه الأنفس، فإن المساعدات العينية، والقلمية، وعبر المنتديات والمواقع والإعلام لا تتوقف، ولا يحجبها سلطان العدو.

فكم نحتاج من ترجمة المقالات والموضوعات إلى العالم ليعرف حقيقة فلسطين التاريخية، وتجلية ما أصاب الأمة والعالم من نسيان الحقيقة الفلسطينية، وكذا غسل ما صنعه اللهو البشري الذي غيب الحقائق، وإعادة الحقيقة لأذهان أطفال الدنيا عن فلسطين وشعبها الذي اغتصبت أرضه عنوة وظلما .

إن تفكيرنا في مجالات الإغاثة للحاضر والمستقبل الفلسطيني تُلهبه وتشعله نار العدو على غزة، لتعود الجذوة إلى صحوتها ولهيبها وتوقدها.

اللهم عجل بنصر إخواننا في غزة، نصراً مؤزرا بجند من عندك.



أ.د. خالد بن حامد الحازمي

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:32 AM
تحديات الإنترنت من منظور التربية الإسلامية (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن المتأمل في أثر وسائل الاتصال الحديثة على حياة الأمم والشعوب المعاصرة يجد أن لتلك الوسائل أهمية كبيرة وخطورة جسيمة في واقع المجتمعات البشرية على اختلاف مشاربها، ومما يزيد في أهمية وسائل الاتصال وخطورتها أنها ثنائية الأثر - أي سلاح ذو حدين - لأنها يمكن أن تستخدم أدوات بناء للنفوس والعقول والأبدان، ووسائل للارتقاء بالإنسان إيمانيًا وأخلاقيًا وثقافيًا واجتماعيًا؛ ويمكن – كذلك - أن تكون معاول هدم للأخلاق وإفسادٍ للنفوس وتلويث للثقافة وإثارة للشبهات والشهوات.

ومن أخطر وسائل الاتصال والإعلام - إن لم يكن أخطرها على الإطلاق - شبكة الإنترنت التي أحدثت طفرة عظيمة في عالم الاتصال والإعلام والبحث وأنماط التعليم بما اشتملت عليه من مصادر معرفية تفوق الحصر، ومحركات بحث تساعد الإنسان في الوصول إلى ما يريد بسهولة، وخدمات الاتصال المباشر (المحادثة) والبريد الإلكتروني وغير ذلك من الخدمات الجليلة التي يسرتها شبكة الإنترنت.

ومع كل ما قدمته شبكة الإنترنت من منافع فإنها حملت معها الكثير من الأخطار والمثالب التي هددت ثقافة المجتمع الإسلامي وأمنه وعلاقاته الداخلية، وذلك من خلال ما تحمله هذه الشبكة من أفكار هدامة وترويج للعنف والجريمة وإشاعة للفاحشة بما تبثه من مشاهد جنسية فاضحة ُتطلقها آلاف المواقع المتخصصة في تدمير الأخلاق ووأد الحياء.

مفهوم شبكة الإنترنت:

يقصد بها: مجموعة ضخمة من شبكات الاتصال المرتبطة ببعضها البعض، وهي تنمو ذاتيًا بقدر ما يضاف من شبكات وحاسبات.

والإنترنت يمثل الشبكة العالمية الضخمة التي تربط بين الشبكات الصغيرة، ويتصل بشبكة الإنترنت مئات الملايين من الأشخاص ويتواصلون معًا عبر الشبكة، وينتفعون بخدمة الاطلاع على المعلومات وتبادل البيانات والبرامج.



نشأة شبكة الإنترنت وتطورها:

ترجع بداية الإنترنت إلى الستينيات من هذا القرن، عندما أنشأت وكالة مشروعات الأبحاث المتقدمة للدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية شبكة معلوماتية تهدف إلى تبادل المعلومات العسكرية، على الأرض الأمريكية، وفي السبعينات طرأ تبدل في أهداف هذه الشبكة عقب انضمام عدة شبكات صغيرة لها أنشأتها المؤسسة القومية الأمريكية للعلوم، فاتجهت الشبكة لخدمة مراكز البحث العلمي والجمعيات الأكاديمية، ثم امتدت الشبكة في الثمانينيات خارج الحدود الأمريكية لتصبح شبكة عالمية تعرف باسمها الحالي ((إنترنت)) ثم انضمت إليها مؤسسات حكومية وجامعات ومراكز بحوث من بلدان عديدة . وفي السنوات الأخيرة أُضيفت إلى مهمات شبكة الإنترنت خدمات الأعمال التجارية وغيرها.

وقد أدى إنشاء شبكة "ويب" العالمية وظهور المتصفحات إلى سهولة استخدام "الإنترنت" وانتشارها السريع في العالم، وزيادة عدد المشتركين فيها.

وقد أدى إنشاء شبكة "ويب" العالمية وظهور المتصفحات إلى سهولة استخدام "الإنترنت" وانتشارها السريع في العالم، وزيادة عدد المشتركين فيها.

وبذلك ساهمت شبكة الإنترنت في إحداث ثورة معرفية ومعلوماتية عارمة، بما يسرت للإنسان الوصول إلى المعلومة بسرعة خاطفة، وبما ساهمت فيه من نشر للمعلومات والمعارف والثقافات؛ وهي خدمة ذات اتجاهين قد تستخدم في الخير وقد تستخدم في غير ذلك من الأمور.

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:39 AM
تحديات الإنترنت من منظور التربية الإسلامية (2)
تحديات استخدام شبكة الإنترنت:

والإنترنت تعد من أخطر وسائل التحديات، ولا تخلو من أخطار كثيرة تهدد التربية الإسلامية، ويتضح ذلك من خلال الآتي:

أولا: التبعية الثقافية:

إن من أهم الأخطار الكامنة في استخدام شبكة الإنترنت ما يمكن تسميته بالاكتساح الثقافي الهادف إلى إحلال التبعية لثقافة الغرب محل الأصالة النابعة من عقيدة الأمة ومرجعيتها الثقافية، والناظر فيما تنقله شبكة الإنترنت من أفكار ومعلومات يدرك أن المجتمعات النامية –وجلها من العرب والمسلمين - تعاني من حرب حقيقية يصفها أحد الباحثين بأنها حرب حقيقية تستخدم فيها القنابل الإلكترونية بدلا عن قنابل البارود، إنها تدمير للثقافة وسعي لمنع التواصل بين أبناء الأمة الإسلامية وهيئاتهم، ومنع تواصلهم جميعًا مع قضاياهم المصيرية ولهذا كانت هذه الحروب حروب أدمغة لا أسلحة".

لقد حملت وسائل الاتصال الحديثة - ومنها شبكة الإنترنت - عولمة ثقافية متناقضة؛ فهي من ناحية تدعو – شكليًا - إلى حقوق الإنسان التي تعني الاعتراف بالتنوع الثقافي، ومن ناحية أخرى تدعو إلى حتمية انتصار القيم الفكرية والسلوكية الغربية لاسيما الأمريكية، وإلى ضرورة تبعية العالم لهذه القيم.

إن شبكة الإنترنت تعد من أهم وسائل العولمة الثقافية البغيضة التي تسعى إلى هيمنة الثقافة الغربية على غيرها من الثقافات.

ثانيًا: العنف والجريمة:

إن شبكة الإنترنت يمكن أن تعرض في صفحاتها المحطات التلفزيونية والفضائية المحلية والعالمية إضافة إلى مواقع مختصة بالأفلام المختلفة، وبذلك تساهم تلك الشبكة في عرض الكثير من مشاهد العنف والجريمة المنظمة مما يكون له أكبر الأثر في تكوين الشباب الثقافي.

إن الذين يتعاملون مع الإنترنت لاسيما فئة الشباب منهم - وهم أكثر فئات المجتمع تعاملا مع الإنترنت - يتأثرون بشكل كبير بما يعرف بجرائم الإنترنت التي أجملها بعض الباحثين في عدد من الجرائم هي: صناعة ونشر الفيروسات، والاختراقات، وتعطيل الأجهزة، وانتحال الشخصية، والمضايقة والملاحقة، والتغرير والاستدراج، والتشهير وتشويه السمعة، وصناعة ونشر الإباحية، والنصب والاحتيال.

ولذلك يقدم الكثير من الشباب على ممارسة بعض هذه الجرائم تأثرًا بما يعايشونه في شبكة الإنترنت، أو يتبادلونه مع رفقائهم من خبرات ومعلومات متعلقة بتلك الجرائم.

ثالثًا: انحسار اللغة العربية:

تكمن أهمية اللغة في المجتمعات البشرية في أنها تعد الوعاء الذي ينقل الثقافة، وأداة التواصل وتبادل المشاعر والأفكار والتجارب والخبرات، وفي حالة اللغة العربية يضاف إلى ما تقدم أنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يعني أن أي خلل في اللغة العربية سوف يؤثر بالضرورة على فهمنا لمصادر ثقافتنا الأصلية، وسوف ينعكس بالتالي على جميع مظاهر حياتنا العملية

تشير تقديرات الباحثين إلى أن ما نسبته ( 95 % ) من الاتصالات الواقعة في شبكة الإنترنت تتم باللغة الإنجليزية، وهذا يبين مدى تعرض فئة الشباب للغة الإنجليزية وتفاعلهم معها أثناء تعاملهم مع شبكة الإنترنت، ويكون ذلك في الغالب على حساب اللغة العربية التي ينبغي أن تأخذ مكانها اللائق من أذهان الشباب ووجدانهم حتى تصبح لغة التعبير والتفكير والإبداع.

إن الارتباط الوثيق بين اللغة والثقافة والتلازم بينهما قوًة وضعفًا جعل موجة العولمة الثقافية التي تقودها الدول الغربية - ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية - تسعى إلى تلويث ثقافة الأمم الأخرى وإضعاف لغاتها تمهيدًا للقضاء على الإبداع والتطور فيها. وقد صور أحد الباحثين هذه الظاهرة بطريقة دقيقة عندما قرر أن موجة العولمة الثقافية الغربية تسعى إلى "فرض ثقافة العولمة ولغة الآخر في الإدارة، وفي الإعلام، وفي التربية والتعليم، وكذلك في المكاتبات الرسمية، بهدف تقطيع أوصالها وتوقيف تطورها، مما يؤدي إلى توقف مجالات التطور والإبداع من ناحية وضرب بنية الثقافة الأصيلة من ناحية أخرى".


رابعًا: إهمال مصادر المعلومات الأخرى:

لقد استهوت شبكة الإنترنت الباحثين من شباب وغيرهم، وانبهر كثير منهم بهذه الشبكة السحرية حتى جعلوها المصدر الرئيس للبحث والقراءة والاطلاع والتسلية، ولا شك أن هذا الأمر أثر سلبًا على استخدام جمهور الإنترنت لمصادر المعلومات الأخرى وقّلص من ارتيادهم للمكتبات العامة ومكتبات الجامعات والمؤسسات التعليمية التي تحوى بين جدرانها كثيرًا من مصادر المعرفة كالكتب والمجلات العلمية والوثائق التاريخية والشفوية.

إن هذه الظاهرة خطيرة جدًا؛ ذلك لأن المعلومات التي يحصل عليها الباحثون من الإنترنت كما يصفها أحد الباحثين هي "معلومات سريعة وانتقائية وغير موجهة وغير كافية، قد تساعد الباحث في إشارتها إلى كثير من المعلومات والدلالات، لكنها في تلخيصاتها لا تفي بالغرض المطلوب. وتبقى العودة إلى الكتاب أمرًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه".

وهناك بعض جوانب القصور في الاعتماد على شبكة الإنترنت بوصفها مصدرًا من مصادر المعرفة، ويمكن إيجاز هذه الجوانب في النقاط الآتية:

نقص التنظيم المنطقي في المعلومات الموجودة في الإنترنت نظرًا لكونها محيرة ومبعثرة وغير مرتبة منطقيًا بخلاف المعلومات المكتوبة أو المطبوعة.

تشتت البحث في الإنترنت في موضوعات متفرقة مما يؤدي إلى عدم التركيز على الموضوع المراد، وهذا يؤدي إلى تبديد وقت الباحث.

عثور الباحث على معلومات قد تتعارض مع معتقداته الدينية وثقافته؛ وذلك يمثل خطورة كبيرة على فئة صغار الباحثين.

"عدم وجود جهات قانونية محددة تحكم المعلومات على الشبكة، مما يؤدي إلى تعرض المعلومات والمواقع للاختراق والضياع، وأن تكون فريسة في أيدي جهات خطرة أو عابثة".

اختلاط المعلومات على صفحات الشبكة، وتشتتها بين معلومات دعائية وثقافية واقتصادية وتعليمية. وبالتالي إمكانية تشتيت تركيز الباحث وضياع هدفه المقصود.

إن الاستفادة مما تقدمه شبكة الإنترنت من معارف وفوائد أمر مهم وضروري لكل باحث معاصر، ولكن الاكتفاء بالإنترنت عن البحث في مصادر المعلومات الأخرى كالمكتبات الجامعية يفقد الباحثين فوائد وميزات لا يجدونها في الإنترنت .

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:42 AM
تحديات الإنترنت من منظور التربية الإسلامية (3)
خامسًا: إدمان ارتياد المواقع الإباحية:

إن قضاء بعض المتصفحين ولاسيما من فئة الشباب ساعات طويلة أمام الشاشات المتصلة بشبكة الإنترنت في الحوار والدردشة وتصفح المواقع الإباحية يؤدي بعد حين إلى ظاهرة الإدمان، وقد عبر أحد الباحثين عن هذا الأمر بقوله: "الذين يدمنون المواد الإباحية غالبًا ما تصبح أحوالهم مثل مدمني المخدرات والمسكرات؛ فبعد حين من الزمن فإنهم يجدون أنهم لا يتمالكون أنفسهم أمام هذا البلاء، وهم على استعداد لإفناء أموالهم من أجل إشباع غرائزهم".

إن الخطر القادم مما تبثه صفحات الإنترنت من مشاهد إباحية - فضلا عن كونها محرمة شرعا - يكمن في إدمان الشباب على تلك المواقع مما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم الفاعلة، وتبديد أوقاتهم، وتقييد مهاراتهم المبدعة، وتدمير أخلاقهم، وانشغالهم بأنفسهم. وذلك يفقد مجتمعاتهم حصيلة عقول شبابها، وفاعلية جوارحها، وإشراقات إبداعها؛ ليس هذا فحسب بل ربما ينقلب الشباب على مجتمعاتهم ويشيعون فيها الفاحشة والجريمة


سادسًا الاغتراب والعزلة:

إن إدمان المتصفح على شبكة الإنترنت يؤدي إلى عزلته عن واقعه الذي يعيشه وغربته عنه، بل إن الشباب ينسجون عالمهم الإلكتروني الموهوم داخل شبكة الإنترنت التي تعج بالكذب والتصّنع والتمثيل، خاصة في جانب المحادثة والدردشة ومراسلات البريد الإلكتروني التي يستطيع من خلالها الشاب أن يمثل دور الفتاة والعكس صحيح أيضًا، والكبير يمكنه أن يمثل دور المراهق والعكس صحيح أيضًا. وذلك كله يجعل للشباب عالمًا خاصًا غير عالمهم الواقعي، وواقعًا اجتماعيًا مختلفًا عن واقعهم الاجتماعي، مما يجعلهم في عزلة عن واقعهم وأكثر تعرضًا للتقليد الأعمى.

ويرى بعض الباحثين أن خطورة الانفتاح السريع والمفاجئ على الثقافة الغربية وعدم استيعاب الشباب للمثل الإسلامية والقيم الاجتماعية المحلية يؤدي بهم إلى التمثل التلقائي بالإنسان الغربي في عاداته وتقاليده وسلوكه العام.

ويشير باحثون آخرون إلى أثر إدمان التعامل مع الإنترنت على العلاقات الاجتماعية؛ حيث يؤدي الإدمان أو ما يطلق عليه الهوس الإنترنتي إلى تصدع أو انهيار العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها، خاصة العلاقات الزوجية والتي أدت وتؤدي أحيانًا إلى الطلاق أو الهجر أو المنازعات والمشاحنات وغيرها.

سابعا: التشكيك العقدي والتردي السلوكي:

إن شبكة الإنترنت تنطوي على مواقع متعددة وموضوعات كثيرة تشكك الشباب في عقيدتهم، كما أن هناك مواقع حوارية متخصصة في إثارة الشبهات حول الإيمان والمعتقد، وهذا الأمر له عواقب ذات أثر سيء في نفوس كثير من الشباب المسلم، خاصة في ظل ضعف الإعداد الإيماني للشباب، وغياب البرامج التي تحميهم من التأثر بتلك المواقع التي تشكك في المعتقد وتثير حوله الشبهات.

ويضاف إلى ذلك ما سبق ذكره من مواقع إباحية تفتك بسلوك الشباب، وتساهم في هدمه، ومن المعلوم أن كلا من مرض الشبهة ومرض الشهوة يفتك بالإيمان والسلوك "وذلك أن القلب يعرض له مرضان يخرجانه من صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطنة، ومرض الشهوات المردية".

إن العقيدة تمثل الحصن الواقي للشباب من التردي الفكري والأخلاقي والسلوكي، وهي بذلك تعد هدفًا للتشكيك من قبل جهات كثيرة في زمن العولمة التي تستهدف إزالة جميع الحواجز، وهدم كل التحصينات العقدية والقيمية والثقافية حتى يتسنى لها اجتياح العقول والنفوس.

ومما سبق اتضح أن الإنترنت يعد من أهم وسائل التحديات، التي يستخدمها أعداء الإسلام للنيل من الإسلام والمسلمين.



المنظور التربوي في مواجهة تحديات شبكة الإنترنت:

لعل التوجيهات التربوية التالية والتي تأتي في إطار القواعد الإسلامية تعزز من الأداء التربوي للآباء والأمهات والمعلمين والإعلام وكافة مؤسسات التربية، لحماية المجتمع من مخاطر الاستخدامات السلبية للإنترنت، وهذه التوجيهات هي كالتالي:

تحصين الشباب وبالذات في المرحلتين الثانوية والجامعية بوجهة نظر الإسلام فيمن يرتكب المعاصي الأخلاقية، وضرورة أن ينأى الشاب والفتاة عن الوقوع في مثل تلك المعاصي، ويتم ذلك عن طريق توجيهات المعلمين، والمناهج الدراسية، ومن خلال الندوات التي تعقد باستضافة كبار العلماء وأساتذة التربية وعلم النفس والاجتماع وقادة الرأي والفكر في المجتمع.

ضرورة مشاركة الآباء والأمهات أولادهم في العمل على الإنترنت ومصاحبتهم ومناقشتهم فيما يعرض على الشاشات، فالرقابة المنزلية في غاية الأهمية.

أن تسعى مؤسسات التربية والدعوة إلى مخاطبة ضمائر الشباب وإيقاظهم وتحذيرهم من الوقوع في براثن المواقع الإباحية، فهي بالإضافة إلى كونها تدخل الشباب في دائرة المعاصي، فهي لها أيضا آثارها وتداعياتها الصحية والنفسية والاجتماعية.

من الأهمية أن تتوالى الدراسات والأبحاث التربوية والنفسية حول طبيعة الاستخدامات لشبكة الإنترنت من جانب الشباب، وفهم الدوافع وتقصي وجهات نظرهم في مواجهة الاستخدامات السلبية.

من الأهمية أن ينهض الإعلام بدور تربوي ودعوي إزاء قضية الاستخدام السلبي لشبكة الإنترنت، من خلال إبراز خطورة هذه الاستخدامات على الفرد والمجتمع.

ومن منطلق أن الفكر المنحرف يحتاج إلى فكر صحيح يناهضه ويفند مزاعمه، فإن من الأهمية إنشاء مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت تدار بواسطة قادة التربية والفكر والدعوة لتضاد المواقع اللاأخلاقية والمواقع المشبوهة التي تغزو عقول شبابنا المسلم، ومن ثم يتوجه الشباب إلى هذه المواقع الفكرية والأخلاقية والتي تدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتخاطب الشباب بلغتهم، وتشبع لديهم الفهم والمعرفة، وتحصنهم في مواجهة المواقع الإباحية والمشبوهة.

ومما سبق يتضح أن التربية الاجتماعية لها دور كبير في حل هذه المشكلة المعضلة من خلال التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمدرسة والمسجد وفي جميع الأوساط التربوية، ومن خلال تحقيق الضبط الاجتماعي الذي يحصن الفرد من التورط في مثل هذه المشكلات الاجتماعية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:45 AM
الأطفال في بيت النبوة (2)


عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا: فأرسلني يوما لحاجة، فقلت :والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال فنظرت إليه وهو يضحك ،فقال : يا أنيس أذهبت حيث أمرتك ؟ قال: قلت : نعم أنا أذهب يا رسول الله .

في هذا الحديث قضايا تربوية تحتاج إلى بسط وشيء من التأمل :

أن ثناء أنس رضي الله عنه على خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره بأنه الأحسن والأكمل ، إنما كان عن دراية وخبرة اكتسبها من خدمته للنبي صلى الله عليه وسلم في بيته وفي أسفاره ،ولمواقف النبي صلى الله عليه وسلم التربوية معه رضي الله عنه في أحيان أخرى ، ومنها هذا الحديث ، وهذه الشهادة من أنس رضي الله عنه تفيد أن الطفل يلتقط بعينه أكثر مما يسمع بأذنيه ، فيجب على الآباء الانتباه لما يبدر منهم أمام أولادهم من تصرفات قد تؤثر سلبا على سلوكهم ردحا من الزمن.

في الحديث حرص الأولياء على القدوة بإرسالهم إلى من يرون فيه حسن الأسوة ؛ إذ إن تأثر أنس رضي الله عنه بخلق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه يعود الفضل فيه بعد الله عز وجل لأسرته التي كانت تحرص على صلاحه وتأديبه وتربيته، فترسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخدمه ويكون قريبا منه ، فيأخذ من سمته ودلّه وتوجيهاته ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيّس فليخدمك. قال فخدمته في السفر والحضر، ما قال لي لشيء صنعته :لم صنعت هذا هكذا ، ولا لشيء لم أصنعه : لم تصنع هذا هكذا. وعن أنس رضي الله عنه قال : "أخذت أم سليم بيدي مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتت بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله؛ هذا ابني ، وهو غلام كاتب ، قال : فخدمته تسع سنين فما قال لي لشيء قط صنعته أسأت أو بئسما صنعت ،وعن أنس رضي الله عنه قال : " : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين ، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة ، وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته .

ومن هنا أخذ العلماء مشروعية توكيل مؤدب أو معلم يتولى تربية وتعليم الأبناء إذا كانوا يرون فيه الأهلية والقدرة على رعاية الأطفال بقوله وفعله ،يقول القابسي رحمه الله : (( ويكون هذا المعلم قد حمل عن آباء الصبيان مؤونة تأديبهم ، ويبصرهم استقامة أحوالهم وما ينمي لهم في الخير أفهامهم، ويبعد عن الشر ما لهم، وهذه عناية لا يكثر المتطوعون لها )) وهي مسؤولية تقع على الوالدين في تتبع القدوات الصالحة لأبنائهم وانتقاءها ، وفي معرفة أثرها على الأبناء ، ولا يحسبن الوالد أو الأم أنه بمجرد إرسال الابن إلى المدرسة أو أي مكان للتأديب والتربية قد انتهت المهمة وبرئت الذمة، بل هما مطالبان شرعا برعايته ابتداء وانتهاء.قال ابن القيم نقلا عن بعض أهل العلم : (( إن الله يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللابن على أبيه حق، فكما قال تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) قال تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) أي علموهم وأدبوهم كما قال علي رضي الله عنه ، ... فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم )) .

الباحث : فريد عزوق (الجزائر)
0000

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:50 AM
الصحة والفراع


حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد عن أبيه عن ابن عباس

ـ رضي الله عنهما ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) .



والحديث كما ورد في كتاب فتح الباري للإمام الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني معناه : نعمتان تثنية نعمة : وهي الحالة الحسنة , وهي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان للغير , ومن لا يستعملها فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس .

فالمرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن , فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه , ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه , فمن فرط في ذلك فهو المغبون .



ومعنى ( كثير من الناس ) أن الذي يوفق لذلك من الناس قليل .

وفسر ابن الجوزي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى أن قد يكون الإنسان صحيحا , ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش , وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا , فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون , وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة , وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة , فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله , فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله , فهو المغبون , لأن الفراغ يعقبه الشغل , والصحة يعقبها السقم , ولو لم يكن إلا الهرم .



من هذا يتبين ضرورة تنظيم وقت الفراغ , مثلما ننظم وقت العمل، فإذا استعمل الإنسان فراغه وصحته في طاعة الله , وفيما يعود عليه بالنفع لنفسه ولغيره . فقد أرضى الله وهو المغبوط , ومن استعمل صحته وفراغه في المعاصي وإتباع الشهوات وغواية الشيطان , فهو المغبون , والذي تضطرب به سبل الحياة .



أ.د. عبدالمجيد سيد أحمد منصور

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:52 AM
أطفال في بيت النبوة(3)
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها.
ففي هذا الحديث عدة فوائد تربوية منها :
فيه اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالبنت الصغيرة صبية كانت أو جارية ، قولا أوفعلا ، ممازحة أو تقبيلا أو ملامسة، ويتأكد هذا الاهتمام في حمل النبي صلى الله عليه وسلم لأمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنهاعلى عاتقه وهو في الصلاة. وقد بوّب البخاري على ذلك بباب "إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة ".
فيه دعوة للآباء إلى ضرورة العناية بهذا الجانب وعدم التهاون به والتهوين من شأنه، فقدوتنا ومربينا محمد صلى الله عليه وسلم ضرب لنا المثل الأعلى في ذلك؛ إذ كانت بناته وحفيداته وربيبته محل اهتمام ورعاية كبيرين منه صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه". بل كان ربما ترك بنت غيره صلى الله عليه وسلم تلعب وتمرح في حجره ولا يتركها حتى تنصرف وقد أخذت حضها من اللعب والمزاح معه صلى الله عليه وسلم؛ فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت :أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي وعلي قميص أصفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( سنه سنه ) . قال عبد الله وهي بالحبشية حسنة قالت فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعها ) . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ) . قال عبد الله فبقيت حتى ذكر .وقد بوب البخاري على ذلك بباب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبلها أو مازحها ، والقبلة هنا هي قبلة الحنان والعطف والإشفاق لا قبلة شهوة، والممازحة للصبي لأجل تأنيسه وإزالة الوحشة عنه ،قال ابن حجر : إن الممازحة بالقول والفعل مع الصغيرة إنما يقصد به التأنيس ، كما اقتدى الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأبو بكر الصديق الخليفة الأول للمسلمين رضي الله عنه وأرضاه كان يقبل ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث روى البخاري عن البراء قال: "...فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمّى فرأيت أباها يقبل خدّها وقال كيف أنت يا بنية"؟! قال في عون المعبود(1489):" قوله: يا بنية تصغير بنت للشفقة ،وقبّل خدّها : أي للمرحمة والمودة أو مراعاة للسنة قاله القاري".

ونشر في المجلة الإصلاحية الجزائرية


الباحث: فريد بن عمر عزرق(الجزائر)

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:54 AM
تحضير الطلبة عند المحدثين
كان السلف رحمهم الله يرون أن من تعظيم العلم حضور مجالسه. وأن من آفاته التغيب عن دروسه، قال الزرنوجي رحمه الله في كتابه " ينبغي ألا يكون لطالب العلم فترة؛ فإنها آفته " ولقد شددوا في الحضور واعتبروا ذلك من الصبر على تحمله، وربما استدلوا بحديث الرجل الذي أعرض عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض الله تعالى عنه , ومن عنايتهم رحمهم الله بهذه المسألة تفقد أحوال طلابهم؛ ومعرفة سبب غيابهم , والقصص في ذلك عنهم مشهورة , ومن ذلك أن ابن حجر رحمة الله كان يقدم تلميذه السخاوي رحمه الله؛ ويجلسه بجانبه. وذات يوم تأخر، فجاء وجلس في آخر المجلس، ولما كان النور خافتا لم يره شيخه، فسأل عنه .

ومما ينوه به أن للمحدثين قصب السبق في هذا المجال، فقد كانوا يسجلون أسماء الحضور والغائبين في الطباق . ولقد احتفظ التراث لنا بهذا الصنيع. حيث نجد ذلك مثبتا في كثير من المخطوطات ألحديثيه وبعض الكتب المطبوعة منها , والمتأمل في بعضها يلمس دقة التحري في إثبات الحاضرين , فالحضور عندهم نوعان : حضور جسدي وحضور معنوي ، وهم يحرصون عليه معا , فلا يكتفي عندهم بذكر كلمة " حضر السماع " بل يتتبع في ذلك الحالة التي كان عليها الطالب أثناء سماعة في المجلس . ومثال ذلك السماعات التي كتبت في آخر الجزء الثامن من السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله ، إذ نقرأ فيها ما يلي :

1_ إثبات من حضر جميع مجالس السماع , كما في ص 346:" سمع جميع هذا الكتاب وهو المجلد الثامن من السنن الكبير للبيهقي ....." .

2_ إثبات من حضر جميع المجالس لكن فاته بعضها , كما في ص 350 :" و الفقير عبد الله بن يوسف بن أبي الفوارس المعدني الحنبلي فاته المجلس السابع والستون بعد خمس المائة، والمجلس الموفى السبعين بعد خمس المائة "

3_ إثبات من حضر السماع لكن اعترتهم حالات أضرت بانتباههم وتركيزهم , ومن الحالات :

ـــ النوم : كما في ص 350 :" سمع هذا المجلد ثلاثة كان النوم يعتريهم أحيانا حالة السماع , وكانوا يتحدثون أحيانا ولهم فوات , وهم ......" .

ـــ الانشغال عن السماع بالكلام والتحادث : كما في ص 348 :" وسمع هذا المجلد طائفة كانوا يتحدثون في بعض المجالس حالة السماع، منهم ...." .

ـــ الانشغال عن السماع بالكتابة والنسخ : كما في ص 349 :" وثبت وحضر مجلس السماع طائفة كانوا ينسخون في بعض مجالس السماع وينامون ويتحدثون ولهم فوات أيضا، منهم ......" .

ومن الأمانة والورع الشديد عند المحدثين رحمهم الله أن كاتب الختم أو الطباق إذا فاتته بعض المجالس ذكر ذلك عنه , كما في ص 350 :" وسمع مثبت الأسماء سماعا صحيحا ....... فوات في هذا التسميع مرقوما في حواشي هذا المجلد ...... فليعلم ذلك "

وهذه الخاصية – أعني الأمانة العلمية – تنسحب على الطالب كما تنسحب على الشيخ كذلك , فقد كان العلم يذكر سماعاته لطلبته عن مشايخه، وإن حصل في هذا السماع فوت ذكر ذلك عنه تورعا , بل ربما اثبتوا الحالة التي يكون عليها الشيخ أثناء السماع , فقد ذكروا عن الحافظ المزي رحمه الله أنه كانت تأخذه سنة أثناء السماع , لكن إذا اخطأ القارئ تنبه الحافظ لذلك وأصلح الخطأ .

والمتحصل مما سبق أن العلماء – وبخاصة المحدثين منهم – كانوا يعظمون العلم فلا يمنحونه إلا لمن يستحقه , ولا يجيزون إلا من تأهل له , ولما كان الطلبة متفاوتين فقد سلكوا معهم طرقا شتى تدل على شدة انتباههم وفطنتهم على الحس التربوي لديهم، إذ النفس بطبعها مائلة إلى الخمول والدعة , وتحفيزها وإيقاظها يحتاج إلى دربة وحزم دائمين , وهو ما يستدعي النظر بعمق في ظاهرة التغيب في واقعنا التعليمي وطرق معالجتها. وأحسب أننا نلتمس بعضا من الإجابة على ذلك عند المحدثين والله أعلم .



الباحث: فريد بن عمر عزوق(الجزائر)

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 06:57 AM
تحضير الطلبة عند المحدثين
كان السلف رحمهم الله يرون أن من تعظيم العلم حضور مجالسه. وأن من آفاته التغيب عن دروسه، قال الزرنوجي رحمه الله في كتابه " ينبغي ألا يكون لطالب العلم فترة؛ فإنها آفته " ولقد شددوا في الحضور واعتبروا ذلك من الصبر على تحمله، وربما استدلوا بحديث الرجل الذي أعرض عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض الله تعالى عنه , ومن عنايتهم رحمهم الله بهذه المسألة تفقد أحوال طلابهم؛ ومعرفة سبب غيابهم , والقصص في ذلك عنهم مشهورة , ومن ذلك أن ابن حجر رحمة الله كان يقدم تلميذه السخاوي رحمه الله؛ ويجلسه بجانبه. وذات يوم تأخر، فجاء وجلس في آخر المجلس، ولما كان النور خافتا لم يره شيخه، فسأل عنه .

ومما ينوه به أن للمحدثين قصب السبق في هذا المجال، فقد كانوا يسجلون أسماء الحضور والغائبين في الطباق . ولقد احتفظ التراث لنا بهذا الصنيع. حيث نجد ذلك مثبتا في كثير من المخطوطات ألحديثيه وبعض الكتب المطبوعة منها , والمتأمل في بعضها يلمس دقة التحري في إثبات الحاضرين , فالحضور عندهم نوعان : حضور جسدي وحضور معنوي ، وهم يحرصون عليه معا , فلا يكتفي عندهم بذكر كلمة " حضر السماع " بل يتتبع في ذلك الحالة التي كان عليها الطالب أثناء سماعة في المجلس . ومثال ذلك السماعات التي كتبت في آخر الجزء الثامن من السنن الكبرى للبيهقي رحمه الله ، إذ نقرأ فيها ما يلي :

1_ إثبات من حضر جميع مجالس السماع , كما في ص 346:" سمع جميع هذا الكتاب وهو المجلد الثامن من السنن الكبير للبيهقي ....." .

2_ إثبات من حضر جميع المجالس لكن فاته بعضها , كما في ص 350 :" و الفقير عبد الله بن يوسف بن أبي الفوارس المعدني الحنبلي فاته المجلس السابع والستون بعد خمس المائة، والمجلس الموفى السبعين بعد خمس المائة "

3_ إثبات من حضر السماع لكن اعترتهم حالات أضرت بانتباههم وتركيزهم , ومن الحالات :

ـــ النوم : كما في ص 350 :" سمع هذا المجلد ثلاثة كان النوم يعتريهم أحيانا حالة السماع , وكانوا يتحدثون أحيانا ولهم فوات , وهم ......" .

ـــ الانشغال عن السماع بالكلام والتحادث : كما في ص 348 :" وسمع هذا المجلد طائفة كانوا يتحدثون في بعض المجالس حالة السماع، منهم ...." .

ـــ الانشغال عن السماع بالكتابة والنسخ : كما في ص 349 :" وثبت وحضر مجلس السماع طائفة كانوا ينسخون في بعض مجالس السماع وينامون ويتحدثون ولهم فوات أيضا، منهم ......" .

ومن الأمانة والورع الشديد عند المحدثين رحمهم الله أن كاتب الختم أو الطباق إذا فاتته بعض المجالس ذكر ذلك عنه , كما في ص 350 :" وسمع مثبت الأسماء سماعا صحيحا ....... فوات في هذا التسميع مرقوما في حواشي هذا المجلد ...... فليعلم ذلك "

وهذه الخاصية – أعني الأمانة العلمية – تنسحب على الطالب كما تنسحب على الشيخ كذلك , فقد كان العلم يذكر سماعاته لطلبته عن مشايخه، وإن حصل في هذا السماع فوت ذكر ذلك عنه تورعا , بل ربما اثبتوا الحالة التي يكون عليها الشيخ أثناء السماع , فقد ذكروا عن الحافظ المزي رحمه الله أنه كانت تأخذه سنة أثناء السماع , لكن إذا اخطأ القارئ تنبه الحافظ لذلك وأصلح الخطأ .

والمتحصل مما سبق أن العلماء – وبخاصة المحدثين منهم – كانوا يعظمون العلم فلا يمنحونه إلا لمن يستحقه , ولا يجيزون إلا من تأهل له , ولما كان الطلبة متفاوتين فقد سلكوا معهم طرقا شتى تدل على شدة انتباههم وفطنتهم على الحس التربوي لديهم، إذ النفس بطبعها مائلة إلى الخمول والدعة , وتحفيزها وإيقاظها يحتاج إلى دربة وحزم دائمين , وهو ما يستدعي النظر بعمق في ظاهرة التغيب في واقعنا التعليمي وطرق معالجتها. وأحسب أننا نلتمس بعضا من الإجابة على ذلك عند المحدثين والله أعلم .



الباحث: فريد بن عمر عزوق(الجزائر)
ذ

فاستبقوا الخيرات
01-09-2010, 07:12 AM
استثمار المسنين في توجيه الشباب
يرتبط الجيل اللاحق بالسابق ارتباطا وثيقا، ويكن له الاحترام والتقدير، سواء كان ذلك بدافع ديني أو بدافع التربية الأسرية التي اعتادها الشباب في احترام المسنين، وخدمتهم والتفاعل معهم، بل والسماع لهم عندما يحدثونهم أو ينصحونهم أو يقترحون لهم حلولا لما يعترضهم من مشكلات.

وعليه فإن المسن يستطيع القيام بدور إيجابي في العلاقات الاجتماعية من خلال قيامه بدوره المثالي الحي للشباب فيما يجب أن يلتزموا به من أخلاق وجدية وصبر على مشاق الحياة.

والدين الإسلامي يحث على الاستفادة من الكبار في بناء القيم والمبادئ في نفوس الشباب الذين يحرصون على توقير الكبار وإنزالهم منازلهم، والالتجاء إليهم عند حدوث المشكلات، بل وطلب الشفاعة منهم والرأي عندما تحيط بهم الملمات مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.

ومن التطبيقات التربوية لهذا الأمر ما جاء في قوله تعالى ( قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين) والآية تشير أن أخوة يوسف جعلوا هذا الشيخ وسيلة للحصول على التعاطف والشفاعة عند عزيز مصر، حتى لا يأخذ أخاهم الصغير المتهم بسرقة الصواع تقديرا لهذا المسن الذي سيفجع بفقده.



أ.د. علي بن إبراهيم الزهراني
0000-00-00 عدد القراءات ( 103 ) التعليقات = 0
طباعة ارسال لصديق مشاهدة / إضافة التعليقات

&لحن الحياة&
01-09-2010, 01:27 PM
الله يعطيك العافيه

فهيد الكفيف
12-09-2010, 08:34 AM
ماشاء الله

الله يعطيك العافيه على كل ما قدمتي وتقدمين

فوائد واختيارات نافعه اشكرك عليها



اتمنى لك التوفيق...