المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في معاني كلمات الأذان الجزء الاول


أبو محمد
16-01-2005, 10:10 AM
د. محمد عز الدين توفيق
ليس : المقصود من هذا المقال تـفـصـيـل أحكام الأذان وبيان شروطه وسننه وآدابه ، فذلك مذكور في مواضعه من كتب الحديث والفقه ، ولكنه نظرات في كلماته الجامعة ، وتأملات في معانيه الكبيرة، بقصد الوقوف على الحقائق الدينية التي تقررها تلك الكلمات، وتسعى إلى ترسيخها في نفوس المسلمين ، بل في نفوس الناس كافة.
مَــــنْ منا لم يسمع الأذان؟ ومن منا لم تطرق كلماته المتميزة أذنيه؟ إن كلمات الأذان بحمد الله (تعالى) تتردد في كل بلد مسلم ، وترتفع كل يوم خمس مرات من آلاف المآذن والمساجد الـمـنـتـشـرة في المدن والقرى ، بحيث يمكن القول: إن عدد المرات التي يسمع فيها المسلم الأذان في حياته يفوق أي كلمات أخرى تتكرر على سمعه.
الأذان هو ذلك النداء الذي يعرفه كل مسلم، ويحفظ كلماته منذ طفولته وصباه ، فهو شعار من شعائر الدين الـمـشـهورة، لكن هذه الشهرة التي يتمتع بها الأذان بين المسلمين لا تعني بالضرورة أن المعاني والحـقــائــق الـتي يـنـادي بها معروفة لكل الناس ، فشهرة الكلمات تقابلها غربة المعاني والمضامين.
إن مــعـظــم المسلمين يعرفون الأذان بوصفه أداة تجمعهم على الصلوات في المساجد ، وقد يعرف بعضهم المعنى اللغوي لكلماته وألفاظه ، ولكنهم يتفاوتون في معرفة المعاني الشرعية التي تحملها تلك الكلمات؛ مما يجعل لهذا الموضوع أهمية كبيرة ، لأنه يحاول إحياء هذه المعاني والإشـــارة إلى هذه الحقائق حتى إذا سمع المسلم الأذان حضرت في قلبه وذكرها في نفسه، وهي حـقــائق لا يجوز أن تغيب عنه ، فيتولى الأذان تذكيره بها بصفة مستمرة.
وقد شُـرع الأذان فـي الـسنة الأولى بعد الهجرة ، بينما فرضت الصلاة قبلها بعدة شهور في ليلة الإسراء والمعراج ، ويـبــدو أن تـشــريع الأذان تأخر إلى ما بعد الهجرة؛ لأنه لم يكن للمسلمين بمكة مسجد يجتمعون للصلاة فيه، فلما هاجروا إلى المدينة وبنوا المسجد احتاجوا إلى أداة تجمعهم في وقت واحد لإقامة الصلوات المكتوبة في جماعة.
وكانت الأدوات التي يُدْعَى الناس بها إلى الصلوات والطقوس الدينية هي: النفخ في البوق كما عند الـيـهــود، والـضــرب عـلــى الناقوس كما عند النصارى،وإشعال النار كما عند المجوس، فأبدل الله هذه الأمة بذلك كله: كلمات الأذان، والـمـلاحظ أن الفرق بين هذه الطرق الثلاث وبين رفع الأذان هو أن هذا الأخير كلماته مركبة في جمل لها معنى يرددها إنسان ويرفع بها صوته؛ فيفهمها من لــه معرفة باللغة العربية أو من تُرجمت له معانيها ونقلت إليه باللغة التي يتكلمها، بينما النفخ في البوق أو الضرب على الناقوس لا ينشىء كلاماً له معنى ، وإنما يحدث أصـــواتاً صماء غاية ما تدل عليه هو الهدف الديني الذي وضعت له، لكنها لا تحمل إلى السامع معاني أخرى عبر الصوت الذي يصل إلى مسامعه، وهـــذا الذي ذكرناه عن النفخ في البوق والضرب على الجرس ينطبق على إشعال النيران أيضاً.
فلا يمكن أن يكون العدول عن هذه الطرق الثلاث إلى كلمات الأذان لمجرد مخالفة المشركين وأهل الكتاب ، ومع أن القصد إلى مخالفتهم واضح في تشريع الأذان؛ لأنه شعار من شعائر الدين ، لكن القصد إلى المخالفة والتميز لا يمنع من إثبات قصد آخر ، هو: تركيز معاني الإسلام وحقائقه الكبرى في كلمات هذا الأذان ليؤدي مهمة مزدوجة ، ويجتمع للمسلمين في أداتهم ما لم يجتمع لمن قبلهم.
إننا نلاحظ لدعم هذا المعنى الأمور الآتية:
أولاً: الأذان كلمات مختارة ومرتبة بعناية ، وهذا الاختيار والترتيب مقصود لأمر يتجاوز مجرد الإعلام بدخول وقت الصلاة.
ثـانـيـاً: السنة في الأذان أن يجهر به المؤذن ، ويمد الصوت بألفاظه حتى يصل إلى أطول مسافة وأكبر عدد من الناس.
ثالثاً: تكراره مع دخول وقت كل صلاة وعددها في اليوم خمس ، فيتكرر خمس مرات في كل يوم صبحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً.
رابعاً: النهي عن خلط أي كلمات أخرى به سواء في أوله أو في آخره حتى تتميز كلماته عن غيرها من الكلام الذي قد يزيده الناس ، وقد حفظت كلمات الأذان بالتواتر على مر العصور ، تبدأ بكلمة (الله أكبر) ، وتنتهي بـ (لا إله إلا الله).
خامساً: ليس كل من يسمع الأذان بالضرورة من المصلين ، بل ليس كل من يسمع الأذان مسلم ، فلا شك أن للأذان رسالة إلى هؤلاء.
سادسـاً: اختيار المؤذن الأندى صوتاً ، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للصحابي الـذي رأى في منامه من يعلمه الأذان: »قم فلقنه بلالاً فإنه أندى صوتاً منك«(1). والصوت الندي هو: الصوت القوي الواضح الجميل الذي تجتمع في صاحبه الموهبة والدربة ، فلا يكـــون الـصـــوت حسناً بالأذان إلا إذا كان النطق به وفق قواعد اللغة العربية ومخارج حروفها ، وهـــذا ـ بالـتـأكـيـد ـ من أجل أن يفهم الناس عن المؤذن ما يقول ، فإذا كان الصوت منفّـراً أثر في هذه الغاية وأضعفها.
سابعاً: الترغيب في المؤذن الذي لا يـأخــــذ على أذانه أجراً وتفضيله على الذي يأخذ؛ ليمتزج إخلاص قلبه مع كلمات لسانه ، ولذلك أثره في نفس السامع.
سبب مشروعية الأذان:
لقد كان سبب مشروعية الأذان رؤيا رآها الصحابي الجليل عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، قال: »لما أمر رسول الله بالناقوس لِيَضْرب به الناس في الجمع للصلاة ـ وفي رواية: وهو كاره لموافقته للنصارى ـ طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ قال: فقلت ندعو به إلى الصلاة؟ قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت بلى ، قال: تقول: الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله...(2) ، فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت ، فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به ، فإنه أندى صوتاً منك ، قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به ، قال: فسمع بذلك عمر وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى ، قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فلله الحمد«.
لم يكن الأذان إذن اقتراحاً من بعض الصحابة أو اتفاقاً بينهم ، وإنما كان رؤيا رآها أحدهم ، وقال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنها رؤيا حق.
ما يقوله المسلم عقب الأذان عنوان فهمه معناه:
ومما يؤكد أيضاً أن الأذان يتجاوز في مقاصده مجرد الإعلام بدخول وقت الصلاة إلى ما يقوله المسلم عندما يسمعه ، فقد ندب الإسلام المسلم إذا سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول ووعده على ذلك بالجنة(3) ، وهذا يقتضي أن يُقْبِل على الأذان فكلما سمع منه جملة رددها بلسانه ، فتتاح لقلبه فرصتان لتدبر معناها: الأولى: عندما يسمعها ، والثانية: عندما يقولها ، ومعلوم أن الإسلام إذا أمر المسلم أن ينصت إلى كلام أو يردده فإنه يقصد استماع القلب لا استماع الأذن فحسب.
إن توقف اللسان عن الاستمرار في الكلام الذي كان يقوله وانصرافه إلى متابعة كلمات الأذان من غير أن يسابق المؤذن بها ، ومن غير أن يتأخر عنه ، دليل آخر يؤكد أن الأذان للإعلام بدخول الوقت ، وهو أيضاً تذكير بحقائق معينة لابد أن الناس مسلمهم وكافرهم بحاجة إلى التذكير بها.
فإذا فرغ المؤذن من أذانه يسن للسامع أن يقول بعد الصلاة على رسول الله: »اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته«.
عن عبد الله بن عمرو ، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة«(3).
وإذا تأملنا هذا الدعاء الذي يقال بعد الأذان ، نجد فيه »اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة« فيكون الأذان تلخيصاً لدعوة الإسلام ، ثم إعلاماً بدخول وقت الصلاة.
فإذا أجاب المسلم المؤذن وحضر إلى الصلاة ، فقد صدّق بالحق وامتثل للأمر فجمع شَرطي الفلاح.
وإنما كان الأذان تلخيصاً لدعوة الإسلام؛ لأنه متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قام على أساسين عظيمين: أن يُعبد الله وحده ، وتلك شهادة »أن لا إله إلا الله« ، وأن يُعبد بما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتلك شهادة »أن محمداً رسول الله« ، فالإسلام بناء يقوم على أركان خمسة أولها الشهادتان.
وكما في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، ففيه: حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين؛ ففيها يقول المسلم في الفاتحة ((إياك نعبد وإياك نستعين)) وتلك شهادة »أن لا إله إلا الله« ، وفيها يقول: ((اهدنا الصراط المستقيم)) ، وتلك شهادة »أن محمداً رسول الله«.
أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله:
لقد كان الإسلام في بدايته كلمة يقولها الرجل فيصير مسلماً أو يعرض عنها فيكون كافراً ، ولا يمكن لكلمة أن تكون فيصلاً بين الإسلام والكفر إلا إذا كان الإسلام نفسه مجموعاً في هذه الكلمة ، وما سينزل فيما بعد من أحكام تفصيلاً لما أجمل فيها.
لقد كانت البداية التي بدأت بها الدعوة إلى الإسلام ـ وهي »قولوا لا إله إلا الله تفلحوا« ـ دليلاً على ما لهاتين الشهادتين من معنى كبير وخطير ، يترتب على العلم به والعمل بمقتضاه فلاح الدنيا والآخرة.
والسؤال الذي يعد مدخلاً هنا هو: ماذا فهم العرب عندما خوطبوا بهذه الكلمة ودُعوا إليها؟ وهل كان الرفض الذي واجهوا به هذه الكلمة لمجرد التلفظ بجملتين ، أم لما يترتب على ذلك النطق من التزامات علمية وعملية؟
لقد كان المتلفظ بالشهادتين في عصر الرسالة يعرف أنه يجتاز عالـماً بأكمله ويدخل إلى عالم جديد ، يجتاز عالم الجاهلية بمبادئه وأخلاقه وعاداته ويَعْبر إلى عالم الإسلام.
إن الرجل العربي أيام البعثة كان يفهم من مدلولات لغته ـ ولذلك حضرت في ذهنه ـ كل المعاني التي يستعمل لها لفظ (الإله) عندما قيل له: »قل لا إله إلا الله« وكان على بينة من أمره أيضاً.
وإن أخطر ما يصاب به هذا الركن الاعتقادي هو: أن يبقى في الناس لفظه ويضيع معناه أو جزء منه ، فيتشوه الباقي وتختلف الأمة فيه ، وهذا ما حصل بالفعل عندما ابتعد المسلمون عن اللغة العربية وابتعدوا عن الكتاب والسنة ، فصاروا ينطقون الشهادتين ويرددونهما في الأذان والإقامة والتشهد وغيرها ، وهم على جهل بمعناها الصحيح؛ فيشهدون دون أن يتبينوا على أي شيء يشهدون؟

ابومحمد الشامري
16-01-2005, 10:37 PM
لا هنت يا ابو محمد على الموضوع الرائع جزاك الله خير وجعله الله في ميزان اعمالك وننتظر البقيه.

أبو محمد
24-01-2005, 01:53 PM
وانت ماتهون يا ابوحمد ومشكور على المرور وان شاء الله الجزء الثاني عن قريب

حبيب
29-01-2005, 11:24 PM
ابو محمد لاهنت وكثر الله من امثالك وجعله الله في موازين حسناتك

تحياتي


حبيب

أبو محمد
30-01-2005, 05:44 PM
لاهنت اخوي حبيب على المرور والدعاء

monamora
31-01-2005, 12:23 AM
ابو محمد شكرا على موضوعك الرائع تحياتي لك :)

أبو محمد
31-01-2005, 09:23 AM
monamora
مشكوره على المرور

سعود الخويطري
01-02-2005, 07:43 PM
الله يجزاك خير يـ ابومحمد


والله يجعل موضوعك ونقلك لـ المقالة الطيبة في ميزان أعمالك أن شالله


تقبل سلامي واشواقي

الخويطري

جابر البطان
09-02-2005, 12:34 AM
جزاك الله خير وجعلنا وإياك من أهل الخير في الدنيا والآخرة

أبوعمير

فهد بن محسن
15-02-2005, 12:09 PM
الاخ\ ابو محمد

جعله الله في ميزان حسناتك ... وجزاك الله خيرا .. ونفع الله به من قراءه .. فالدين كله خير .. ونحمد الله على نعمة الاسلام ... ونحمده اننا لم نكن مجوسا او نصارى ...

تحياتي لك يابو محمد

فجر
25-02-2005, 11:30 AM
جزاك الله خير على هذه السطور القيمة
نفع الله بها وبك


أطيب التحايا
بندوول

أبو محمد
25-02-2005, 12:59 PM
مشكور يا سعود الخويطري على المرور

أبو محمد
25-02-2005, 12:59 PM
لاهنت يا جابر على المرور والدعاء

أبو محمد
25-02-2005, 01:00 PM
ابوفيصل جزاك الله خير على الدعاء يالغالي

أبو محمد
25-02-2005, 01:02 PM
ياهلا بك يابندول ومشكور على المرور يالغالي

عـســاف
16-12-2010, 01:17 PM
بآآرك الله فيكـ ..

وجعلهآ في ميزآن حسنآآتكـ ..