المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البطااااااله


د.فالح العمره
05-06-2005, 02:52 AM
تعزيز استخدام الشباب
مراجعة التجارب الدوليّة

إعداد: آزيتا برار عوض


--------------------------------------------------------------------------------

المحتويات

مقدمة

تمهيد

1- الشباب وعالم العمل: استعراض العوامل الأساسية
2- بطالة الشباب: الأسباب والآثار
3- الآفاق الإقليمية
3-1 أسواق عمل الشباب في البلدان الصناعيّة
3-1-1 برامج خاصّة للشباب
3-1-2 نتائج بطالة الشباب في البلدان الصناعية
3-2 أسواق عمل الشباب في البلدان النامية
3-2-1 برامج سوق العمل في أميركا اللاتينية
3-2-2 برامج سوق العمل في آسيا وأفريقيا
4- بطالة الشباب: جدول أعمال السياسة
4-1 برامج سوق العمل الناشطة
4-1-1 التعليم والتدريب
4-1-2 الحدّ الأدنى للأجور واستخدام الشباب
4-2 العمالة الذاتية
5- الاستنتاجات

--------------------------------------------------------------------------------

مقدمة
يقدّم هذه الورقة المكتب الإقليمي للدول العربية في منظّمة العمل الدولية مساهمةً منه في أعمال "الاجتماع القطاعي حول الشباب والاستخدام" الذي يُعقد في بيروت في مبنى الامم المتحدة خلال الفترة الممتدة من 23 الى 25 أيار/مايو 200 والذي تنظّمه منظومة الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربيّة. وترتكز الورقة على نتيجة دراساتٍ أنجزتها منظّمة العمل الدوليّة في العامَين 1998 و1999، ضمن إطار برنامج العمل لمكافحة بطالة الشباب وتهميشهم. ويدير هذا البرنامج قسم السياسات التنموية في منظّمة العمل الدولية، استجابةً للقرار حول بطالة الشباب الذي اعتمدَه مؤتمر العمل في دورته السادسة والثمانين (حزيران/يونيو 1998).
وتستند الورقة إلى تقرير "توظيف الشباب: تعزيز النموّ المعتمِد على الاستخدام" الذي أعدّه دايفيد بلانشفلاور للندوة الإقليميّة حول استرتيجيات مكافحة بطالة الشباب (13-14 كانون الأول/ديسمبر 1999). كما تمّت الاستعانة أيضاً بالنتائج التي توصّلت إليها دراساتٌ سابقةٌ لمنظّمة العمل الدولية، تحديداً "استخدام الشباب وسياسات سوق عمل الشباب في ألمانيا وكندا" (D. Cross, ILO WP., 1998)، و"الحدّ الأدنى للأجور وبطالة الشباب" (Y. Ghellab, ILO WP., 1998).
ونأمل في أن تساهم هذه المراجعة للتجارب الدولية الهادفة إلى مكافحة بطالة الشباب وتهميشهم في الحوار حول السياسات والعمل على هذه المسألة المهمّة في المنطقة العربيّة.

آزيتا برار عوض
نائب مدير المكتب الإقليمي لمنظّمة العمل الدولية
مديرة الفريق الاستشاري متعدّد التخصّصات للدول العربية

تمهيد
يشكّل العدد الكبير وربّما المتزايد للشباب العاطلين عن العمل إحدى أكثر المشاكل ترويعاً التي تواجهها البلدان المتطوّرة والنامية على حدٍّ سواء.
ويتمثّل التحدّي الذي نواجهه بتحديد استراتيجيّاتٍ عمليّةٍ وفعّالةٍ للقضاء على بطالة الشباب. ولا تشكّل الصعوبات في نفاذ المتسرّبين الشباب من المدرسة مشكلة اندماجٍ في أسواق العمل وتحصيل دخلٍ مستقلٍّ وحسب، بل قد تكون لها نتائج على مستوى الاندماج الاجتماعي تمتدّ أحياناً طوال الحياة. وقد أظهرت التجارب أنّ النموّ المشجِّع للاستخدام ضروريّ، وأنّ البرامج المستهدفة لا يسعها أن تؤمّن إلاّ موارد متكاملة وأعمالاً لردم الهوّات. انطلاقاً من هذه المقدّمة، ستعالج هذه الورقة الوقائع الأساسية المتعلّقة ببطالة الشباب في مناطق مختلفة من العالم، وستقترح بعض الاستراتيجيات القابلة للتطبيق والهادفة إلى دمج الشباب في عملية التنمية.
في عالمٍ متزايد الحركة، غالباً ما تكون الحاجة إلى اكتساب القدرة على التعلّم أكثر أهميّةً من اكتساب مهارةٍ محدّدة. غير أنّ ثمّة أدلّةٍ تشير إلى أنّ نظم التمهّن الفعّالة تسهّل الانتقال من التعليم إلى العمل.
ويجدر التوقّف عند المردوديّة الإيجابية لبرامج استخدام الشباب الواسعة وغير المستهدفة أو البرامج التدريبيّة. أمّا الأدلّة على قدرة هذه البرامج على تحسين آفاق الاستخدام أو ما يكسبه الشباب، وخصوصاً بالنسبة إلى المحرومين منهم، فهي قليلة. من جهةٍ أخرى، تستطيع البرامج ذات الهدف المحدود والتي تمّ تقويمها بعنايةٍ أن تخفّف من وطأة المأزق على بعض فئات الشباب المحدّدة. ولا يمكن تحقيق استعمالٍ فعّالٍ للموارد العامّة إلاّ بإيجاد سبلٍ لقياس نتائج الاستراتيجيات المحدّدة على المدى القصير فالمتوسّط والطويل.

1- الشباب وعالم العمل: استعراض العوامل الأساسيّة
في العام 1995، كان العالم يضمّ 525 مليون رجلٍ و500 مليون امرأةٍ تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، وذلك وفقاً لتقديرات منظّمة الأمم المتّحدة. ويعيش حوالى 60 بالمئة من شباب العالم في الدول النامية الآسيويّة وحدها، بينما يعيش 23 بالمئة في أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مقابل نحو 16 بالمئة فقط في المناطق المتطوّرة.
إنّ حصّة الشباب في قوّة العمل الإجماليّة مستمرّة في الانخفاض بينما ارتفعت معدّلات الالتحاق بالمدارس. وقد ارتفعت نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12-17 عاماً والذين التحقوا بالمدارس الثانويّة من 7.1 بالمئة في العام 1970 إلى 88.3 بالمئة في العام 1990. وتتعارض هذه الأرقام مع الارتفاع من 35.8 بالمئة إلى 48.2 بالمئة في الدول النامية للسنوات نفسها. وفي المناطق جميعها باستثناء شرق آسيا، تزداد اليد العاملة للشابات بسرعةٍ تفوق ازدياد اليد العاملة للشباب من الذكور.
ويعرف حجم اليد العاملة من الشباب انخفاضاً في قطاعَي الزراعة والصناعة، وارتفاعاً في قطاع الخدمات، وذلك في المناطق النامية وشمال أفريقيا وغرب آسيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. وفي جنوب وسط آسيا، تتوزّع الزيادات في اليد العاملة بالتساوي تقريباً بين القطاعات الثلاثة، أمّا في أفريقيا جنوب الصحراء وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا وأوقيانيا، فإنّ حوالى نصف نسبة ازدياد الشباب في اليد العاملة لا يزال يتركّز في قطاع الزراعة. ومن العام 1980 إلى العام 1990، امتصّت الخدمات كامل نسبة الازدياد في اليد العاملة من الشباب في الدول المتطوّرة، وأكثر من نصف الزيادة في شمال أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي وغرب آسيا. وفي العام 1995، كان حوالى ثلثَي شباب العالم يعيشون في بلدانٍ يقلّ فيها إجمالي الناتج المحلّي للفرد عن 1000 دولار أميركي سنوياً.
نتبيّن أنّ: معدّلات مشاركة الشباب في الدول المتطوّرة تفوق المعدّلات نفسها للدول النامية؛ معدّلات مشاركة الشباب الذكور انخفضت في معظم البلدان تقريباً؛ وأنّها انخفضت للنساء اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 15-19 سنة في معظم البلدان، لكنّها ازدادت للفئة العمريّة 20-24 سنة في معظم البلدان، باستثناء دول أوروبا الشرقية حيث انخفضت هذه المعدّلات.
وإنّ دراسة معدّلات البطالة الإجمالية (مع تحديد الحدّ الأدنى والحدّ الأقصى للعمر بشكلٍ مختلف) ووفقاً للجنس توصلنا إلى صورةٍ غير واضحةٍ. وتختلف المعدّلات الإجمالية من 38.8 بالمئة في مقدونيا إلى 0.4 بالمئة في أوزبكستان. ويشير هذا التفاوت إلى صعوبة تفسير معدّلات البطالة في البلدان النامية وفي الاقتصاديّات الانتقاليّة. وعلى سبيل المثال، لا يبدو لنا جلياً في الاقتصاديات الانتقالية ما إذا كان معدّل البطالة المنخفض مؤشّراً لعوامل إيجابية (أي أنّ الاقتصاد معافى وينجح في العمالة الكاملة)، أو لعوامل سلبيّة (تمّ اتّخاذ إجراءات تكييفيّة قليلة للانتقال إلى اقتصاد السوق).
وينطبق الأمر عينه على العديد من البلدان الأقلّ تطوّراً حيث الأكثر تعلّماً يستطيعون أن يتحمّلوا البطالة. وعليه، فإنّ معدّلات البطالة في هذه البلدان بالنسبة إلى الأكثر تعلّماً تفوق المعدّلات نفسها للأقلّ تعلّماً. وتفوق معدّلات البطالة عند النساء المعدّلات نفسها للرجال في بلدان مثل بوتسوانا، جامايكا، التشيلي، بلجيكا، وإسبانيا، بينما معدّلات البطالة عند الرجال تكون أعلى في بعض البلدان الأخرى مثل السلفادور، والجزائر، وبورتوريكو، والمملكة المتّحدة، والسويد، وأستراليا.
ويتعيّن علينا أن نُبقي في بالنا أنّ معدّل البطالة لا يقدّم إلاّ صورة جزئية لأسواق العمل في الدول النامية. وفي الواقع، فإنّ مدى البطالة، أو بعباراتٍ أخرى الجمع بين وظائف عديدة مع دخلٍ متدنٍّ يؤدّي إلى قياسٍ أفضل للحرمان الاجتماعي. وتشير البيانات المتعلّقة بمعدّلات البطالة الحاليّة في البلدان للفئة العمريّة 15-24 سنة والفئة العمريّة 25 وما فوق إلى أنّ معدّلات بطالة الشباب تساوي تقريباً ضعفَي معدّلات البطالة للبالغين في البلدان المتطوّرة والنامية على حدٍّ سواء. وفي عددٍ من الدول النامية، تكون النسبة أعلى بكثيرٍ مثل مصر، كولومبيا، التشيلي، هوندوراس، إندونيسيا، جمهورية كوريا، وسريلنكا. وتفوق النسبة الإثنين أيضاً في عددٍ من بلدان جنوب أوروبا مثل اليونان، إيطاليا وتركيا، وأيضاً في بعض بلدان أوروبا الشرقية مثل بلغاريا، إستونيا، رومانيا، وسلوفانيا.
وتشير دراسة معدّلات البطالة للذكور والإناث للفئتَين العمريّتَين اللتين اخترناهما أنّ معدّلات البطالة للشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24 سنة تقلّ عن المعدّلات نفسها للشابات في البلدان النامية والاقتصاديات الانتقالية جميعها فعلياً. أمّا في العالم المتطور، فإنّ هذا النمط أكثر تشابكاً.
وفي عددٍ من البلدان، فاقت معدّلات البطالة للشباب في التسعينات بكثيرٍ ما كانت عليه في الثمانينات. وحتّى في الدول التي لم تزداد فيها كثيراً، بقيت مرتفعةً بشكلٍ عام مثل إسبانيا 36 بالمئة، وإيطاليا 32 بالمئة.

2- بطالة الشباب: الأسباب والآثار
قد تُقدّم احتمالاتٌ كثيرةٌ تفسيراتٍ لأنماط البطالة المرتفعة والمستمرّة بين الشباب، ومنها: الطلب الكلّي؛ أجور الشباب؛ حجم مجموعة الشباب والنقص في المهارات. ومن الواضح أنّه خلال إيجاد حلول لمشكلة بطالة الشباب، من الضروريّ تحديد الأهميّة النسبيّة لهذه العوامل. وقد أظهرت دراسات كثيرة أهمّية الطلب الكلّي. وكما أشرنا أعلاه، فإنّ معدّلات بطالة الشباب تساوي تقريباً ضعفَي معدّلات بطالة البالغين. والبارز أيضاً أنّ الشباب ليسوا أكثر عرضةً لترك عملهم بملء إرادتهم وحسب، بل أكثر عرضةً أيضاً للطرد (آخر مَن يدخلون، وأوّل مَن يخرجون). لكنّ فرصة صرف العمّال الشباب من المصانع تبدو أدنى من فرصة صرف العمّال الأكبر سناً. إلى ذلك فإنّ العمّال الشباب أقل عرضةً للخضوع لتشريعات الحماية في العمل. وغالباً ما يُقال إنّ أجور الشباب مرتفعة جداً بسبب قانون الحدّ الأدنى للأجور الذي يرفع أجور الشباب ويجعلهم غير تنافسيّين، خصوصاً بالنسبة إلى النساء المتزوّجات اللواتي انضممنَ إلى اليد العاملة بأعدادٍ كبيرةٍ خلال العقدَين المنصرمَين وفي جميع أنحاء العالم.
ويبدو جلياً أنّ أجور الشباب بالمقارنة مع أجور البالغين قد انخفضت كثيراً مؤخّراً في عددٍ من البلدان. بالإضافة إلى ذلك، يبزر مزيد من الكتابات التي تفترض أنّ آثار الحدّ الأدنى للأجور على خفض الاستخدام قد تمّ تضخيمها كثيراً، خصوصاً في الولايات المتّحدة الأميركية حيث يكون مستواه متدنياً جداً. غير أنّه لا يبدو أنّ الأدلّة تفترض على أيّ حالٍ أنّ الشباب يخرجون من الوظائف بسبب الأجور المرتفعة. ومن التفسيرات الأخرى لبطالة الشباب المرتفعة والمستمرّة حجم مجموعة الشباب. وكلّما ارتفع عدد الشباب، كلّما ارتفع عدد الوظائف المطلوبة للتكيّف مع هذا الازدياد. غير أنّ هذا التفسير لا يتلاءم كثيراً مع البيانات التي ناقشناها سابقاً، وذلك نظراً إلى أنّ حجم مجموعة الشباب انخفض في معظم الدول.
وأخيراً، يُقال إنّ الشباب لا يتمتّعون في عصر التكنولوجيا الجديد هذا بالمهارات التي تحتاج إليها الشركات. أمّا الطلب على الوظائف التي لا تحتاج إلى مهاراتٍ، فهو أقلّ مّا كان عليه في الماضي، وهذا يُعزى خصوصاً إلى التكنولوجيا الجديدة ويؤثّر عميق التأثير على الشباب. ومهما كان سبب بطالة الشباب، فإنّ آثارها تبدو خطيرةً، خصوصاً إن كانت تمتدّ على فتراتٍ طويلةٍ أو إن اختبرَ الفرد فترات بطالة عديدة. أمّا فترات البطالة، فتكون أقصر بالنسبة إلى العمّال الشباب بالمقارنة مع الذين يكبرونهم سنّاً. غير أنّه يبدو في بعض الدول أنّ رغم أنّ بطالة الشباب تكون أقصر منها بالنسبة إلى البالغين، فإنّ الفرق ليس جوهرياً. وكلّما طالت فترة البطالة، كلّما صعُب على الإنسان أن يعثر على عملٍ نظراً إلى خسارته بعض المهارات، وإلى الضرر المعنوي والنفسي، إلخ... وتبرّر ثلاثةُ أسباب رئيسيّة الضررَ البالغ الناتج عن البطالة عند الشباب، خصوصاً إن تكرّرَ أو دام لفتراتٍ طويلةٍ:


البطالة المُبكرة في الحياة المهنيّة لشخصٍ ما قد تعيق قدرته الإنتاجية المستقبلية بشكلٍ دائم؛
عوائق الاستخدام قد تعيق الشباب في انتقالهم من المراهقة إلى سنّ البلوغ، وما يرافق ذلك من تأسيس عائلةٍ وتكوين أسرة. وتربط علاقةٌ قويّةٌ بين عدم توفّر الوظائف للشباب والمشاكل الاجتماعية الخطيرة كإدمان المخدّرات والجريمة والجنحة والعائلة المؤلّفة من أحد الأبوين فقط؛
قد تؤدّي المعدّلات المرتفعة لبطالة الشباب، على المستوى الكلّي، إلى الإبعاد من المجتمع ومن النظم السياسيّة الديموقراطيّة، وهذا من شأنه أن يثير الاضطرابات الاجتماعية. البطالة تجعل الناس تعساء (Blanchflower and Oswald, 1999a, Winlkemann and Winkelmann, 1999; Oswald, 1997b).

في الفقرات الثلاث التالية، سندرس الأدلّة المتوفّرة حول أسباب بطالة الشباب ونتائجها بالنسبة إلى كلٍّ من منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والاقتصاديات الانتقالية، وأخيراً بالنسبة إلى البلدان النامية في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. ولمّا كانت المعلومات المتعلّقة بسوق عمل الشباب متوفّرة بكثرةٍ في إطار منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنّ الفقرة الأولى حول هذه المنظّمة ستهيّئ الأرضيّة لمناطق أخرى في العالم. وفي الفقرات التالية، سنحاول مقارنة الوضع في الدول النامية مع ما حصلنا عليه من معلومات في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن المثير للاهتمام أنّه يبدو أنّ نقاط الشبه مهمّة.

3- الآفاق الإقليمية
3-1 أسواق عمل الشباب في البلدان الصناعية
اختبرَ عددٌ من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية برامج سوق العمل الهادفة إلى مساعدة الشباب في سوق العمل. من جهة العرض، نجد برامج تربط بين التعليم في المدرسة والعمل قبل أن يواجه الشباب الصعوبات في السوق؛ وبرامج الفرصة الثانية التي تحاول زيادة مهارات الشباب الذين يواجهون صعوباتٍ في سوق العمل. أمّا من جهة الطلب، فنجد برامج ترفع أجور الشباب، وذلك مثلاً من خلال الحدّ الأدنى للأجور، أو برامج تستهدف بعض فرص العمل للشباب. واستناداً إلى النتائج الكلّية، تبدو برامج التمهّن الألمانية ناجحةً جداً من جهة برامج العرض. ففي ألمانيا، انخفض عدد العمّال الشباب المتعلّمين الذين يعانون البطالة وارتفعت أجورهم النسبية، وذلك بمعدّلاتٍ تفوق تلك السائدة في الولايات المتّحدة الأميركية. في سنوات العمل الخمس الأولى أو ما شابه، كان عدد الشباب الألمانيّين العاطلين عن العمل أقلّ من عدد الشباب الأميركيّين في الوضع عينه.

3-1-1 برامج خاصّة للشباب
وتهدف البرامج الخاصّة بالشباب في ألمانيا إلى تسهيل تحقيق نجاحٍ دائمٍ في سوق العمل. وتضمّ المجموعات المستهدفة شباباً محرومين مثل هؤلاء الذين يتلقّون عناية أو مساعدة خلال طفولتهم، أو المدمنين السابقين على المخدّرات، ومتعلّمين بطيئين (المتسرّبين من المدارس في أيّة مرحلة)، وأشخاص معوّقين جسدياً أو عقلياً ويواجهون مشاكل محدّدة في المدارس، والأجانب أو المهاجرين. وتهدف البرامج الألمانية إلى زيادة فرصهم في الانضمام إلى التدريب المهني أو إكماله، وتحقيق اندماجهم في اليد العاملة. والبرامج من ثلاثة أنواع: خطط التحضير المهني، خطط دعم التدريب المهني، ومراكز التدريب المشترَكة بين الشركات.
وتتألّف خطط التحضير المهني من إجراءاتٍ سابقة للتدريب المهني ومُخصَّصة للشباب الذين لم يجدوا مكاناً لهم في برامج التمهّن. وهي تركّز على الخطوة الأولى نحو الاندماج، ألا وهي الانضمام إلى التدريب المهني. وتتألّف الدروس من التدريب في الصفوف، وتتضمّن: (أ) التدريب الأساسي (2-12 شهراً) للشباب الذين لم يحصلوا على مكانٍ لهم في برامج التمهّن بسبب نقص الفرص؛ (ب) صفوفاً إعلاميّةً وتحفيزيّةً للمتسرّبين (3 أشهر كفترةٍ قصوى)؛ (ج) صفوفاً للدعم الاجتماعي المكثَّف (حتّى 12 شهراً) لتحسين توقّعات التدريب المهني للشباب الذين لا يستطيعون الاندماج في الصفوف (أ) أو (ب).
بالإضافة إلى هذا، يتمّ تنظيم برامج خاصّة حصرياً للأشخاص المعوّقين عقلياً وجسدياً. وتهتمّ هذه البرامج بشكلٍ أساسيّ بتوظيف المرشّحين وتدريبهم في المدارس، مع مراعاة حاجاتهم الخاصّة. وتدوم الدروس من 6 أشهر إلى 36 شهراً.
وتمثّل خطط دعم التدريب المهني إجراءاتٍ خاصّةً للشباب الذين لا يتمتّعون بخبرةٍ دراسيةٍ ملائمةٍ، أو الذين يعانون مشاكل اجتماعيّة أو الحالتَين معاً، والذين أكملوا برنامج التحضير المهني لكنّهم معرَّضون للتسرّب من التدريب المهني. وتركّز هذه الدروس على الخطوة الثانية نحو تحقيق الاندماج، ألا وهي إكمال التمهّن. وزيادةً عن الدروس الإضافية، والدروس الخصوصيّة، والتدريب اللغوي المكثَّف، تقدّم هذه الخطط المساعدة على الدرس، والاستشارات حول كيفيّة التعاطي مع السلطة والامتحانات.
وأخيراً، تساعد مراكز التدريب المشترَكة بين الشركات الشبابَ الذين شاركوا في خطط دعم التدريب المهني ولكنّهم لم يبدأوا بعد التدرّب في إحدى الشركات. وتقدّم مراكزُ التدريب المشترَكة بين الشركات فتراتٍ تدريبيّةً تطبيقيّةً قصيرةً لتعريف المرشّحين بمتطلّبات العمل وضغوطه. ويتعيّن على المشاركين أن يكونوا قد أنجزوا خطّة التحضير المهني، ويُتوقَّع منهم الانتقال بأسرع ما يمكن إلى مكانٍ يؤمّن لهم تمهّناً منتظماً. ويستمرّ المتدرّبون في تلقّي دعم التدريب المهني، بالإضافة إلى الدعم المالي عند الضرورة.
وتقدّم برامج التمهّن نتائج جيّدةً لمعظم الشباب، غير أنّ نظام التمهّن الألماني يعاني مشاكل خاصّةً به، إذ انخفض عدد عقود التمهّن بينما اختار مزيد من الشباب الالتحاق بالتعليم العالي. فالشباب الذين لا يجدون عملاً مباشرةً بعد التمهّن يواجهون فترةً طويلةً من البطالة؛ أمّا الذين يفشلون في برنامج التمهّن، فإنّهم يعانون انخفاضاً طويل الأمد في أجورهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ نظام التمهّن لا يحسّن الآثار الناتجة عن الخلفيّة العائليّة، فأولاد الموظّفين الإداريّين والعمّال اليدويّين يحظون بفرصٍ أكبر للعمل من أولادٍ كان أهلهم عاطلين عن العمل.
وفي المقابل، تنفق الحكومة الكنديّة موارد أقلّ من نظيرتها الألمانية على سياسة العمل الناشطة بشكلٍ عام، وعلى تخفيف بطالة الشباب بشكلٍ خاصّ. وتعتمد كندا أكثر ما تعتمد على دعم البرامج الاجتماعية العامة مثل تأمين البطالة (UI)، ودعم الدخل (IA). وتكون معظم البرامج الخاصّة بالشباب من أحد الأنواع الثلاثة: التخطيط للحياة المهنيّة، الدعم المالي، أو الخبرة في العمل. ولدى مقارنة التجربتَين الألمانية والكنديّة، يمكن استنتاج ما يلي:


سياسات سوق العمل في ألمانيا ناشطة ومحدّدة الأهداف، بينما السياسات الكنديّة سلبيّة وعامّة؛
تهدف برامج الشباب في ألمانيا إلى زيادة فرصة الشباب المحرومين في إكمال تدريبهم المهني؛
تؤمّن برامج الشباب في كندا خدماتٍ استشاريّةً، والدعم المالي أو الخبرة في العمل، خصوصاً لطلاّب ما بعد المرحلة الثانوية.

وفي المقابل، فإنّ برامج الفرصة الثانية، بما فيها برامج أسواق العمل السويديّة الناشطة، لا تبدو فعّالةً أكثر ممّا ينبغي. وتبرز أيضاً أدلّةٌ على أنّ البرامج الواسعة والهادفة إلى نقل الشباب من البطالة إلى العمل، مثل برنامج فرص الشباب (YOP) وبرنامج خطّة تدريب الشباب (YTS) التي اعتُمدَت في التسعينات في المملكة المتّحدة كانت عقيمة. وطوال سنواتٍ، اعتُبرَت السويد من الدول التي حّلت مشكلة عدم توفّر الوظائف والتفاوت الاقتصادي. وفي خلال السبعينات والثمانينات، انخفض عدد العمّال الشباب بشكلٍ ملحوظٍ رغم الارتفاع البارز في الأجور النسبية للشباب. غير أنّ التراجع الذي ظهر في بداية التسعينات أثبت أنّ السويد لم تكن محصّنةً ضدّ البطالة الضخمة أو ضدّ مشكلة عدم توفّر الوظائف للشباب. وفي التسعينات، ارتفعت بطالة الشباب بشكلٍ ملحوظٍ، فوسّعت الدولة مشاركة الشباب في برامج سوق العمل الناشطة. وأدّى هذا إلى خفض البطالة ولكن من دون حلّ مشكلة عدم توفّر الوظائف. وبالطبع، كانت الزيادة في البطالة نسبيةً تقريباً وفقاً للعمر والتعليم، ممّا يشير إلى أنّ هذه البرامج لم تغيّر التوزيع النسبي للبطالة. أمّا النموّ النسبي لدم توفّر الوظائف، فهو يفترض أنّ العوامل الكلّية في السويد كانت أكثر أهميةً في ما يتعلق بعدم توفّر الوظائف من التغيّرات الجزئية في الطلب على العمل بين مختلف المجموعات ذات المهارات المحدّدة.
وتتمتّع فرنسا بمجموعةٍ واسعةٍ من برامج الشباب وهي بالطبع تترأس الدول المتقدّمة في نسبة الشباب الذي حصلوا على عملٍ بموجب برنامجٍ خاصّ، كما أنّ الحدّ الأدنى للأجور في فرنسا مرتفعٍ نسبياً، وعلى عكس ما حصل في الولايات المتّحدة الأميركية، ازداد كثيراً في خلال السنوات الأخيرة، ممّا يكون قد أدّى إلى أثرٍ معاكسٍ على استخدام الشباب. وإلى حدٍّ ما، يمكن القول إنّ هذين العاملَين يعوّض أحدهما عن الآخر. في فرنسا، ارتفع الحدّ الأدنى الحقيقي للأجور بالساعة (SMIC) باطّرادٍ منذ العام 1967، بينما انخفض الحدّ الأدنى الفدرالي للأجور في الولايات المتّحدة الأميركية. وفي العام 1990، كان حوالى 28 بالمئة من العمّال الفرنسيّين يتقاضون 5 فرنكات أو أقلّ بالساعة من الحدّ الأدنى للأجور. وفي الولايات المتّحدة الأميركية في العام 1987، 18 بالمئة فقط من المستخدَمين كانوا يتقاضون أجوراً بالساعة تساوي الحدّ الأدنى أو أقلّ منه، أو ضمن زيادة دولارٍ واحدٍ على الحدّ الأدنى. وكان العّمال الشباب الذين يتقاضون الحدّ الأدنى في فرنسا أكثر عرضةً ليمسوا عاطلين عن العمل أو ليخرجوا من اليد العاملة، من الذين يتقاضون أجوراً تفوق الحدّ الأدنى للأجور. وبينما نجد نمطاً مماثلاً في الولايات المتّحدة الأميركية، حيث أنّ نسبة كبيرة من العمّال الذين يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور أو ما يقاربه كانوا عاطلين عن العمل أو تركوا اليد العاملة في الفترة السابقة، ويصحّ هذا الأمر بنسبةٍ أقلّ بالنسبة إلى الذين يتقاضون أجراً يفوق الحدّ الأدنى، وبالتالي، فإنّ كلّما كان مدى الحدّ الأدنى للأجور منخفضاً، كلّما قلّ تأثيره على سوق العمل للشباب. وتتضاءل آثار الحدّ الأدنى للأجور على العمالة في فرنسا بفعل المشاركة في برامج تعزيز العمالة التي تحمي العمّال من بعض آثار الارتفاع الحقيقي للحدّ الأدنى الحقيقي للأجور. وعندما تنتهي هذه الجدارة، يعود احتمال البطالة إلى الظهور بحدّة.
تبدو ألمانيا أكثر البلدان نجاحاً في التعاطي مع مشكلة الشباب في ألمانيا. وبينما يواجه بعض الشباب الألمان مشاكل كبيرةً في سوق العمل، نجح الشباب الألمان الأقلّ تعلّماً في مجال الاستخدام والأجور بالمقارنة مع الشباب المماثلين في بلدان أخرى. ويبدو الوضع بالنسبة إلى النساء أقلّ إثارةً للقلق إذ استمّرت السناء الشابات في الانتقال إلى سوق العمل بأعداد متزايدة، كما أنّ أجورهنّ تحسّنت بالمقارنة مع أجور الذكور من الشباب. ورغم هذا الواقع، كانت المرأة الشابة لا تزال تتقاضى في نهاية التسعينات أجوراً أدنى من أجور الذكور من الشباب، وكانت تعرف انحرافاً مماثلاً في نسبة العمر- الأجر بالمقارنة معهم.
وقد ارتفع معدّل بطالة الشابّات العاملات في معظم البلدان؛ وفي الولايات المتّحدة الأميركية والمملكة المتّحدة، تركّزَ الفقر بشكلٍ متزايدٍ بين الأسر التي تترأسها وتعيلها امرأة بمفردها. أمّا المربك بالنسبة إلى تدهور سوق العمل للعمّال الشباب، فهو أنّ القوى الاقتصادية تعمل على رفع مستوى الشباب النسبي. وتبدو تغيّرات الأجور وحجم المجموعة والصناعة لصالح الشباب. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ازدياد عدد سنوات التدريس والمهارات التي اكتسبها الشباب بالمقارنة مع الذين يكبرونهم سنّاً تشكّل عوامل من شأنها أن تحسّن أجورهم النسبيّة واستخدامهم. وباختصار، لم تثمر الإجراءات النتائج المتوّخاة في سوق عمل الشباب.
وقد حدّدنا نمطاً أساسياً في سوق عمل الشباب الذي لا ينفكّ يزداد سوءاً: الاستجابة المتفاوتة لاستخدام الشباب أو لبطالتهم إلى التغيّرات في البطالة الإجمالية.

3-1-2 نتائج بطالة الشباب في البلدان الصناعية
يرافق عدد من التغيرات المهمة الأخرى في المجتمع المستويات المرتفعة والمتزايدة لبطالة الشباب، ويتلازم مع عدد من النتائج الاجتماعية الأخرى:


يتركز الشباب العاطلون عن العمل بشكلٍ متزايد في الاسر التي لا يعمل افرادها؛
يعيش عدد متزايد من الشباب مع أهلهم؛
يشترك الشباب بشكلٍ متزايد في الجريمة؛
تزداد اعداد الشباب الذين يقدمون على الانتحار.

3-2 أسواق عمل الشباب في البلدان النامية
3-2-1 برامج سوق العمل في أميركا اللاتينية
تساوي معدّلات بطالة الشباب تقريباً ضعفَي المعدّلات نفسها للبالغين في معظم دول أميركا اللاتينية. ومنذ بداية العقد الحالي، انتشرت برامج التدريب التي تركّز على الشباب العاطلين عن العمل بسرعةٍ في عددٍ من بلدان أميركا اللاتينية. وكانت قد بدأت في التشيلي في نهاية الثمانينات تحت اسم "تشيلي خوفينلي" أو (Chile Jovenle CHJ). ويتوجّه هذا البرنامج تحديداً إلى الشباب الأكثر عرضةً اجتماعياً و/أو الذين يعانون البطالة البنيويّة. ويستعين برنامج CHJ ببرامج التدريب القصير والتمهّن التي تساعد الشباب على اكتساب المهارات الأساسية التي تؤهّلهم للعمل. وكانت الخطّة تُطبَّق أساساً لفترة أربع سنوات (1991-1995)، لكن تمّ تمديدها لتمتدّ على أربع سنوات إضافية. أمّا التدريب والتمرين المهني، فكانا يدومان عادةً لحوالى ستّة أشهر (من 200 إلى 300 ساعة من التدريب، وشهرين إلى ثلاثة أشهر من التمرين على العمل، رغم أنّ التدريب كان في بعض الحالات في التشيلي يدوم حتّى 420 ساعة). البرنامج شامل وموسَّع وليس مركزياً، ويعتمد على حوالى ألف مركزٍ خاصٍّ للتدريب، وتدعو هذه المراكز إلى مناقصاتٍ عامّةٍ لعقود التدريب. وفي خلال التحاق المستفيدين بالبرنامج، يحصلون على منحةٍ دراسيّةٍ ومساعدةٍ للنقل بهدف تشجيعهم على عدم التسرّب. وعادةً، تساوي المنحة حوالى 50 بالمئة من الحدّ الأدنى للأجور الساري في البلاد. أمّا المؤسّسات التي تستقبل المتدرّبين، فهي ليست مجبَرةً على أن تدفع لهم الأجور أو بالتالي أن تؤّمن لهم الوظائف. وتجدر الإشارة إلى بعض المعالم المهمّة في خطّة CHJ:


يتعيّن على البرامج أن تتضمّن التدريب والتمهّن العمليّ في القطاع الخاص؛ ويهدف هذا الإجراء إلى الحرص على ملاءمة التدريب والخبرة المكتسبَين حاجات السوق؛
تمّ إيلاء أهميّة خاصّة إلى الاستهداف؛ وقد تمّ تصميم برامج خاصّة للفئات السكّانيّة المهمَّشة؛
تمّ إدخال آليات التقويم لقياس فعاليّة البرامج، وذلك كجزءٍ أساسيّ من التمرين.

وركّزت الدراسات التقويميّة على نجاح برنامج CHJ في تعزيز الاستخدام، إذ ضمّ البرنامج أكثر من 128000 شابّ، وهذا الرقم يتجاوز بكثيرٍ الهدف المحدّد. وخلال السنوات الثلاث الأولى، وجدَ حوالى 60 بالمئة من الشباب عملاً بحلول نهاية البرنامج، بالمقارنة مع 40 بالمئة للذين لم يتلقّوا التدريب. وتمّ استخدام حوالى 55 بالمئة من المشاركين في الشركة التي تدرّبوا فيها، مقابل 41.3 بالمئة من أعضاء مجموعة المراقبة التي كانت تضمّ شباباً يسكنون في نفس حيّ المشاركين، ويتقاسمون معهم الخصائص الاجتماعية والاقتصادية عينها. وكان الفرق أكبر بالنسبة إلى النساء، 45.5 بالمئة و27.0 بالمئة على التوالي، بينما واجهت الشابات الأصغر سناً المشاكل الأكبر في العثور على عمل. ومن بينهنّ، جاءت الأكثريّة الساحقة من الفئة السكّانية المستهدَفة: 95.6 بالمئة من فئات الدخل المتدنّي، و79 بالمئة من الفئات العمريّة دون 24 سنة. وفي المناطق الباقية في أميركا اللاتينية، حصلت خططٌ طموحةٌ أخرى تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي للشباب، خصوصاً في الأرجنتين والبرازيل، ولكن أيضاً في كولومبيا والبيرو والأروغواي. فبرنامج "برويكتو خوفينلي" ( Proyecto Jovenle) يُطبَّق في الأرجنتين منذ العام 1994، وهو شكل متغيّر لبرنامج CHJ. ويتوجّه هذا البرنامج إلى الشباب الذين يواجهون مشاكل على مستوى العمالة والذين يأتون من عائلاتٍ دخلها متدنٍّ، ومستوياتهم التعليميّة منخفضة، وخبرتهم المهنيّة قليلة أو منعدمة. ويهدف البرنامج عبر تدريب الشباب إلى زيادة إنتاجيّتهم، فيطبع في أنفسهم القيم والسلوك التي من شأنها تحسين حظوظهم في الحصول على عملٍ والحفاظ عليه. الدروس مجّانية وتتضمّن الوسائل والأدوات التعليمية والنقل والمدخلات ووسائل السلامة والصحّة والنظافة والعناصر الأخرى المطلوبة لأهدافٍ تدريبيّة. وقد حدّد البرنامج لنفسه هدف تدريب 280000 شخص. أمّا المرحلة الأولى التي بدأت في العام في العام 1994 والتي انتهت مؤخّراً، فقد ضمّت أكثر من 100000 مشارك من الشباب، وسيتمّ تدريب 180000 شاب آخر في السنوات الثلاث المقبلة.
وسجّلت الأرجنتين من جهتها بعض النجاحات لكنّها كانت أقلّ من تلك التي حصلت في التشيلي، خصوصاً بالنسبة إلى النساء. أمّا المشاركون، فالأكثرية الساحقة منهم فقراء (ينتمي 80 بالمئة إلى العائلات التي تجني دخلاً متدنياً)، وأكملَ 7 بالمئة منهم فقط دروسهم الثانوية. وازدادت معدّلات عمالة الشباب الذكور من 43.7 بالمئة إلى 61.3 بالمئة خلال فترة الإحدى عشر شهراً التي تفصل بين التدريب والمسح، بالمقارنة مع 51 بالمئة و51.9 بالمئة لمجموعة المراقبة. وجاءت النتائج أقلّ إقناعاً بالنسبة إلى الإناث إذ ارتفع الاستخدام من 35.4 بالمئة إلى 38.6 بالمئة، بينما سجّلت مجموعة المراقبة نتائج أفضل، فارتفعت من 35.3 بالمئة إلى 41.5 بالمئة. وتبرز بعض المخاوف في ما يتعلّق بطبيعة مجموعات المراقبة إذ تأسّست خارج السياق العام ولا يبدو أنّها لاءمت خصائص المجموعة موضع الدرس.
وفي العام 1996، طبّقت البرازيل برنامج "بلانفور" (PLANFOR) الذي يتوجّه إلى الشباب العاطلين عن العمل والمحرومين. وخلال السنة الأولى، درّب البرنامج حوالى 1.2 مليون عامل. ويستهدف البرنامج المناطق الريفيّة، ويتمتّع السود وغير البيض بتمثيلٍ مفرطٍ فيه. ورغم أنّ البرنامج أكثر تنوّعاً من برنامج CHJ، يبدو أنّه حقّق بعض النجاحات. وبرزت أدلّةٌ واحصاءاتٌ على آثاره البالغة على الاستخدام والأجور للرجال والعمّال المتقدّمين في السنّ، وذلك بالمقارنة مع آثارٍ أقلّ للنساء والعمّال الشباب (de Moura, Castro and Verdisco,1998).
وقد طبّقت كولومبيا برنامج التدريب المهني للشباب الذي يستهدف الشباب ذوي الدخل المنخفض الذين تتراوح أعمارهم بين 17-25 سنة، العاطلين عن العمل والذين لم ينهوا دراستهم الثانويّة. ويهدف البرنامج إلى مساعدة هؤلاء الشباب عبر تأمين تدريبٍ على بعض المهارات في المهن التي ازداد عليها الطلب في القطاعات الإنتاجية. وقد طبّق البيرو برنامج "بروخوفين" (Pro-Joven) الخاصّ به للتدريب المهني للشباب. ويهدف برنامج Pro-Joven إلى تأمين تدريبٍ على بعض المهارات والخبرة في العمل للشباب ذوي الدخل المنخفض في بعض التجارات المحدّدة المطلوبة في القطاع الإنتاجي، وهو بذلك يحاول مواجهة مشكلة نفاذ الشباب المحرومين إلى سوق العمل.
ومن المتوقَّع أن يستوعب البرنامج 150000 شابّ في فترة خمس سنوات. وبرنامج PROJOVEN في الأوروغواي أصغر من البرامج في البرازيل والتشيلي والأرجنتين وكولومبيا والبيرو. وقد نظّمت مجموعةٌ أوليّةٌ من الخطط النموذجية الدوراتِ التدريبيةَ لتغطية 4090 شخص فقط بين 1995 و1996، فدرّبت حتّى هذا التاريخ 1200 إلى 1500 شابّ سنوياً. ويقارن كاسترو وفيرديسكو (Castro and Verdisco, 1999) بين المشاريع في التشيلي والأرجنتين والبرازيل في ما يتعلّق بنوعيّة التدريب الذي تقدّمه وآليّات الاستهداف المُستعمَلة، وقد توصّلا إلى الاستنتاج أنّ خطّتَي Joven كانتا قويّتان على مستوى الاستهداف ولكنّهما ضعيفتان على مستوى النوعيّة، بينما تتمتّع الدروس التي يرعاها "بلانفور" PLANFOR بنوعيّةٍ جيّدةٍ غير أنّ تركيزها ضعيف. ويشير المسؤولون عن برنامج CHJ إلى أنّ النموّ الذي شهده الاقتصاد التشيليّ كان العامل الأساسيّ في النجاح الذي نُسبَ إلى المشروع. ووفقاً لـِ"مسّينا" (Messina,1995)، قد يكون الأثر الإيجابي الوحيد في التجربة التشيليّة فرصة حصول المستفيدين على تجربة عملٍ مؤقّت.
وكما هي الحال في أوروبا والولايات المتّحدة الأميركية، فإنّ الأدلّة على فعاليّة خطط التدريب غير واضحة.

3-2-2 برامج سوق العمل في آسيا وأفريقيا
إنّ النقص في البيانات الجيّدة يصعّب علينا تقويم مشكلة بطالة الشباب في عددٍ من البلدان الآسيويّة والأفريقيّة. ويبيّن لنا تغييراتٍ كبيرةً في مستويات إجمالي الناتج المحلّي للفرد في آسيا وأفريقيا على حدٍّ سواء (راجع الغابون وإريتريا؛ سينغافورة والنيبال)، وأيضاً بالنسبة إلى متغيّراتٍ أخرى مثل معدّلات وفيّات الأطفال وارتياد المدارس الابتدائية. ولا نجد أنماطاً متناسقةً لبطالة الشباب، فهي مرتفعة جداً في بعض البلدان مثل الجزائر، ومصر، وجزر موريس، وسريلنكا، ومنخفضة جداً في بلدان أخرى مثل بوركينا فاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وأثيوبيا، وتايلندا. وعادةً، تكون معدّلات بطالة النساء أعلى من معدّلات بطالة الرجال. وفي آسيا وأفريقيا، وانطلاقاً من قاعدةٍ متدنيةٍ جداً كما نفترض، حصلَ نموّ ملموس في نسبة الشباب في مرحلة التعليم الثالثة أو التعليم العالي، وذلك بمعدّلاتٍ أعلى عامّةً في أفريقيا من آسيا، وبشكلٍ ملحوظٍ بالنسبة إلى النساء بالمقارنة مع الرجال.
وتبدو العلاقة بين بطالة الشباب والتعليم غير واضحة المعالم. في أفريقيا، تتّجه معدّلات البطالة للأقلّ والأكثر تعلّماً إلى أن تكون أدنى منها بالنسبة إلى الذين حصّلوا تعليماً للمرحلة المتوسّطة مثلا: جنوب أفريقيا. ومن جهةٍ أخرى، نجد في آسيا هذه المعدّلات عادةً أكبر بالنسبة إلى الأكثر تعلّماً منه بالنسبة إلى الأقلّ تعلّماً. ويُعزى هذا جزئياً إلى المشاركة المتزايدة في التعليم، ممّا أدّى إلى ازدياد عدد الشباب المتعلّمين. وفي أندونيسيا على سبيل المثال، ومن بين المراهقين العاطلين عن العمل في الأرياف (15-19 سنة)، أكملَ أكثر من الثلث دراستهم الابتدائية، وحصّل أكثر من الثلث الشهادة الثانوية الأولى، ويحمل حوالى الخمس الشهادة الثانوية الأخيرة. أمّا الشابات، فهنّ يتمتّعنَ بموقعٍ أفضل بقليلٍ في هذا المجال.
وبالمقارنة مع منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّين، ومع الاقتصاديات الانتقالية وبلدان أميركا اللاتينية، تمّ إجراء اختبارات أقلّ على الأجور و/أو بطالة الشباب في الدول النامية الأخرى. ويبرز عدد من الوقائع المعمَّمة من مجموعةٍ من الدراسات التي طلبتها منظّمة العمل الدولية على مستوى البلدان والمتعلّقة بطبيعة سوق عمل الشباب في البلدان الآسيويّة والأفريقيّة:


تُعتبَر بطالة الشباب في معظم البلدان النامية مشكلةً كبيرةً. وفي عددٍ من البلدان، يشكّل الشباب نسبةً عاليةً جداً من إجمالي السكّان والبطالة الإجمالية، تصل إلى أكثر من نصف العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل في أفريقيا. وفي عددٍ من البلدان، يكون الشباب العاطلون عن عملٍ يبحثون عن عملهم الأوّل (مثلاً في الهند).
نظراً إلى عدم ملاءمة البيانات ونقصها، تصعب معرفة مدى المشكلة بدقّة. ومن بين أنماط المشاكل المتعلّقة بالبيانات بهدف المقارنة بين الدول، نذكر: التغيّرات بين الدول في ما يتعلّق بتحديد الشباب؛ التغيّرات بين الدول في قياس العمالة والبطالة والعمالة الجزئية؛ ونظم جمع البيانات الخاصّة بكلّ بلدٍ ونظم المسوحات.

وبشكلٍ عام، يسري الاعتقاد بأنّ أفريقيا عالقة في عددٍ من الحلقات المفرَغة التي تعزّزها ذاتياً:


تبدو الاقتصاديات الأفريقية عاجزةً عن تأمين معدّلات نموّ ملائمة على مستوى إجمالي الناتج المحلي، وعن فرص كافية للعمل ولجني الدخل بهدف امتصاص أكثرية اليد العاملة؛
أدّى عجز القطاع الخاص عن تأمين وسائل دائمة لجني الرزق إلى التنافس حول سيطرة الدولة كوسيلةٍ أساسيةٍ لمحاولة تقاسم ثمار الاقتصاد إن وُجدَت، مّما أدّى إلى تفاقم احتمال حصول اضطرابات؛
قدرة الدولة على الحكم، وتأمين الخدمات الاجتماعية كالتعليم، والأمن من العوامل المعرّضة للخطر.

وقد ألحق التضخّم الجامح والسياسات الاقتصادية الكلّية التقييديّة الضررَ بالشباب خصوصاً. ومن المعالم الأساسية لسوق العمل الأفريقية، نجد النموّ البطيء للاستخدام في القطاع الرسمي، وتخفيض العمل في سياق تطبيق التكييف الهيكلي. ونتيجةً لهذا، لم تعمل القطاعات غير النظامية كقطاعاتٍ متبقّية وحسب، بل أيضاً امتصّت اليد العالمة بصفتها السبيل الوحيد المتبقّي. ولهذه البنية للأجور والبطالة آثارٌ مُضلّةٌ على الشباب:


إنّ معدّلات البطالة المرتفعة قد تثني الشباب عن الاستثمار في التعليم والتدريب إذ يبدو هذا الأمر غير مجدٍ؛
قد يؤدّي الربط بين ارتفاع العمر وازدياد احتمال العمل إلى مقاربةٍ سلبيةٍ للبحث عن العمل؛
قد يعمد الشباب الذين لهم أقارب يعملون ويتقاضون أجراً إلى الاعتماد على هؤلاء، ممّا قد يدفعهم إلى الحصول على أجرٍ مشروطٍ مرتفعٍ لدخول العمالة الرسميّة (ILO/SAMAT, 1999).

وفي سياقٍ مختلف، أظهرت تجربة منطقة جنوب-شرق آسيا إلى أنّ الشباب أكثر عرضةً للصدمات الخارجيّة مثل الأزمات المالية وما نتج عنها من أزمةٍ اجتماعيةٍ واقتصادية، وذلك لأنّهم أوّل مّن يتمّ تخفيض أعدادهم، إضافةً إلى أنّهم يواجهون صعوباتٍ أكبر في العثور على عمل.
وإجمالاً، يبدو أنّ ثمّة إقرار بأنّ المشكلة على علاقةٍ وثيقةٍ ببطالة البالغين وبالأداء الاقتصادي الإجمالي. وقد اختبر عدد من الدول بنجاحٍ بعض السياسات الهادفة إلى زيادة العمالة الذاتية في المدن مثل PMRY في الهند والمناطق الريفية على حدٍّ سواء مثل TRYSEM في الهند أيضاً. وتتضمّن هذه السياسات ورش عملٍ حول كيفيّة الانطلاق في عامل الأعمال مثل في مالي وزمبابواي، وتأمين الاعتمادات والأنشطة الاستشارية للمساعدة على تأسيس الأعمال الصغيرة وتأمين استمراريّتها مثل في الفيليبين، وأندونيسيا، وسريلنكا، وزمبابواي، ومالي، وساحل العاج، والكاميرون. ويبدو بشكلٍ متزايدٍ أنّ إصلاح المؤسسات التعليميّة والتدريبيّة القائمة أصبح جزءاً من برامج تنمية روح المبادرة وتعزيزها.
ويبدو أنّ ثمّة إقرار واسع بأهمية التعليم الرسمي والحاجة إلى تحسين نوعيّته مثل في أندونيسيا، ومملكة تانزانيا المتّحدة، وزامبيا، وزمبابواي. ومن الأهداف المهمّة الأخرى التي يتمّ العمل على تحقيقها، نذكر رفع سنّ مغادرة المدرسة، وخفض عمل الأطفال، ورفع النوعيّة بالإضافة إلى وضع مناهج تربوية "ملائمة". وتؤكّد هذه الاستنتاجات الحاجة إلى "زيادة الاستثمار في التعليم الأساسي الهادف إلى تحسين نوعية التعليم، وإلى تأمين وصول المزيد من الشباب المحرومين إلى التعليم العالي"، كما وردَ في القرار المتعلّق بعمل الشباب الذي اعتمده المؤتمر العام لمنظّمة العمل الدوليّة في دورته السادسة والثمانين.
أمّا الأدلّة على نجاح نظم التدريب على العمل، فهي قليلة، خصوصاً في الأوقات الصعبة، إلى حدٍّ ما لأنّها منحازة إلى التحضير على الوظائف في القطاع النظامي، والتي ليست موجودةً على أيّ مستوى ملائم (وزارة الرياضة في زامبيا، تنمية الشباب والأطفال، MSYCD، 1996). وقد تكون مصر إحدى الاستثناءات، إذ اعتمدت مبادرة مبارك-كوهل التي حاولت تكييف نظام التعليم والتدريب الثنائي الألماني مع السياق المصري. كما أنّ عدداً من الخطط النموذجيّة حقّقت شيئاً من النجاح. أمّا مردوديّة هذه البرامج، فتبدو رهناً بوضع سوق العمل الوطني والمحلّي. وإنّه لمن الأسهل تحديد المشاركين في البرامج عندما تكون البطالة منخفضة، والعكس بالعكس. وإنّ آثار انتقال العمّال غير المشاركين قد تكون خطيرةً.
وسيكون من الصعب "حلّ" مشكلة بطالة الشباب في المدن إذ يبدو أنّها ستؤدّي إلى تدفّق الشباب من الريف إلى المدن، في بلدان تسجّل فيها أعداد احتياطي اليد العاملة من الشباب في الريف أرقاماً كبيرة. ويتعيّن تطوير البرامج بحيث تؤدّي إلى تباطؤ الدفق من الريف، وتتعاطى مع العمالة الجزئية للشباب في المناطق الريفية.
وكان الوضع في أفريقيا جنوب الصحراء مختلفاً عمّا هو عليه في آسيا، إذ نجح النموّ الاقتصادي الحديث في زيادة رفاه الكثير من الدول النامية، غير أنّه لم يلحق بمعظم المناطق الأفريقية. ويعيش 36 بالمئة من سكان المنطقة في ظلّ اقتصادياتٍ لم تكن في العام 1995 قد استعادت مستويات الدخل الفردي التي حقّقتها قبل 1960. إلى ذلك يبدو الدليل على ما إذا كان الانفتاح على التجارة الدولية يعزّز النموّ الاقتصادي غير واضح أيضاً (Sachs and Warner, 1995; Harrison, 1998).

الهند: تدريب الشباب في الريف على العمالة الذاتية (TRYSEM)
يشكّل برنامج تدريب الشباب في الريف على العمالة الذاتية عاملاً مسهِّلاً لبرنامج القضاء على الفقر الذي يهدف إلى تأمين المهارات التقنية الأساسية وروح المبادرة للفقراء في الريف والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، وتمكينهم من تأسيس عملٍ ذاتي أو العمل بأجر، علماً أنّه يجب أن تشكّل النساء 40 بالمئة من المستفيدين. ويحصل التدريب عبر المؤسسات التدريبيّة والطريقة غير المؤسّساتية على حدٍّ سواء، مثل الاستعانة بحرفيّين مؤهَّلين يعملون انطلاقاً من مكان عملهم. ويصبح كلّ متدرِّبٍ في TRYSEM مؤهّلاً للاستفادة من المساعدة على تأسيس عملٍ ذاتيّ أو مؤسّسةٍ خاصةٍ به. وخلال الخطّة الثامنة (1992-1997)، تمّ تدريب 1.528 مليون شاب بموجب برنامج TRYSEM، وأسّس 34.2 بالمئة منهم عملاً ذاتياً، والتحقَ 15.0 بالمئة بعملٍ بأجر، بينما بقيَ الـ 51.8 بالمئة الآخرين عاطلين عن العمل (الحكومة الهندية، 1999، ص 14). غير أنّ الوضع لم يكن مُرضياً خلال السنوات السابقة، وعلى سبيل المثال، خلال 16 سنة بين 1980 و1996، حصل حوالى 3.9 مليون شاب من الريف على التدريب لكن 53.0 بالمئة منهم فقط حصلوا على عمل؛ ووجد حوالى الربع عملاً بأجر بدل الاهتمام بعملٍ ذاتيّ والتمتّع بالمبادرة بأنفسهم (Visaria, 1998, p.40).

المشروع النموذجي في مدينة العاشر من رمضان
في مدينة رمضان في مصر، ينتمي القطاع الخاص الحديث إلى تنظيمٍ اسمه "جمعيّة المستثمرين". ويستعمل معظم أعضاء الجمعية وسائل إنتاج متطوّرة نسبياً، ويواجهون صعوباتٍ كبيرة في توظيف عمّال مؤهّلين يملكون المهارات الملائمة. وعليه، أبدت جمعيّة المستثمرين استعدادها للاستثمار في مبادرة مبارك-كوهل. وفي العام 1995، بدأ العمل بمركزٍ ثنائيّ للتعليم المهنيّ والتدريب. وقد صنّفت المصانع الشباب الذين أرادوا أن يصبحوا عمالاً ميكانيكيّين أو إلكترونيّين أو في مجال النسيج. وتلقّى هؤلاء الطلاب كلّ أسبوع خلال ثلاث سنوات يومَين من التعليم العام والتقني الذي أمّنته وزارة التربية، وأربعة أيام من الخبرة العمليّة. وأشرفت الوحدة الإقليمية للنظام الثنائي (RUDS)، بالتعاون مع متخصّصين من القطاع الخاص والمؤسّسة الألمانية GTZ على التدرّب، كما عملت على تصميم بعض الدروس الخاصّة. وعملت الوزارة مع الوحدة الإقليمية للنظام الثنائي على تصميم الامتحانات وتقويمها. ولا تزال جميع المصانع تقريباً التي شاركت في العام 1995 مشارِكةً في البرنامج، ممّا يؤكّد أنّ نظام التدريب الثنائي قابل للاستمرار. لكنّ المشروع النموذجي أشار أيضاً إلى أنّه في ظلّ ظروفٍ مثاليّة (قطاع خاص متحمّس للفكرة ويتمتّع بتنظيمٍ جيّد، مع مصانع حديثة وحاجة واضحة إلى العمّال المؤهَّلين)، ليس من السهل تأسيس نظام تدريبٍ ثنائي. فقد استغلّت بعض المصانع المتمرّنين على أنّهم يد عاملة رخيصة فتمّ استبعادها من المشروع، كما أنّ المصانع المشارِكة تشعر بالقلق حيال انتقال متدرّبيها إلى مصانع منافسة بعد تخرّجهم وهذه المخاوف لا تؤكّدها تجارب نظم التدريب الثنائيّة في ألمانيا. وإلى حدِّ ما، تمّ حلّ هذه المسائل عبر توظيف طلابٍ "على الطريقة المصريّة": أي بواسطة أشخاصٍ يعملون لصالح الشركة ويدعمون ترشيح الأصدقاء أو الأقارب. وإذ يُعتبَر عادةً هذا النوع من المحسوبيّة مؤذياً ومعيقاً لأنماط التوظيف العادلة والفعّالة، إلاّ أنّه أثبت فائدته في حالة نظام التدريب الثنائي. وبذلك، يكون الشباب الذين لهم أهل أو أقارب يعملون في المصنع نفسه أقلّ عرضةً للاستغلال، إذ سيراقب أقاربهم تأديتهم لواجباتهم وتعلّمهم. وبعد التخرّج، يبقى الطلاّب ملتزمين العمل عند أصحاب العمل بفعل وفاء العائلة للمصنع.
ولا يبدو التفاوت عاملاً أساسياً يعيق نموّ المستويات المتدنّية لرأسمال البشري في أفريقيا جنوب الصحراء. غير أنّ الدراسات الحديثة أدّت إلى نتائج غير واضحةٍ في ما يتعلّق بآثار التعليم على الإنتاجية (راجِع Krueger and Lindahl, 1998; Topel, 1999; Pritchett, 1997). ويعتبر "فريمن" و"لينداور" (Freeman and Lindauer) أنّ العائق الأساسي للنمو الإفريقي هي الاضطرابات السياسية، والفساد، والنقص في الأمن على الممتلكات. وبالتالي، لا يمكن تحقيق النموّ الاقتصادي السريع إلاّ في بيئةٍ مسالمةٍ وثابتةٍ، تضمن حقوق الملكيّة:
"تتطلّب العودة إلى التعلّم علاقاتٍ ثابتةً في ما يتعلّق بالملكيّة، وبيئةً اقتصاديةً آمنةً، وهذا ما تفتقر إليه معظم الدول الأفريقية. فالحروب والفساد والثورات وغياب الاستقرار بفعل عوامل أخرى والتي تعيق أو تشوّه الأداء الطبيعي للأسواق قد تؤدّي إلى خفض قيمة التعلّم ممّا كانت لتكون عليه في عالمٍ أكثر استقراراً. وإن كان بلدكم ممزّقاً بالنزاعات، فمن الأفضل لكم أن تحملوا مسدّساً وليس كتاباً".
أمّا الأخبار السارّة، فهي أنّ الاستثمار في الرأسمال المادّي مرتبط جيّداً بالنموّ الاقتصادي، ولكن إن أردنا تحقيق النموّ، لا بدّ من ضمان حقوق الملكيّة. وقد اختبرت ناميبيا وأوغندا المصنّفتان كـ" خاليتَين تقريباً" من الحروب والفساد معدّلات نموّ في الاستثمار بزيادة 7 بالمئة سنوياً. وعرفت نيجيريا (المرتبة 95) وتوغو (المرتبة 134) اللتان تحتلاّن مرتبةً أدنى انخفاضاً بحوالى 10 بالمئة سنوياً.

4- بطالة الشباب: جدول أعمال السياسة
تستطيع السياسات التربوية وتلك المتعلّقة بتحديد الأجور أن تؤثّر كثيراً في نتائج سوق العمل للشباب. أمّا السياسات الحكومية، فهي لا تقلّ عنها أهميةً، خصوصاً سياسات مكافحة البطالة. وغالباً ما توصَف سياسات سوق العمل بأنّها إيجابيّة أو سلبيّة.
وتتضمّن السياسات السلبيّة برامج اجتماعيةً أساسيةً، مثل ضمان البطالة ودعم الدخل، حيث يتمّ تأمين الدعم المالي في أوقات العوز. وتُعتبَر السياسات إيجابيةً عندما تتدخّل الحكومة مباشرةً في تغيير المميّزات البنيويّة لعرض العمل. أمّا البرامج التدريبية، فهي نموذجيّة في مجال السياسات الإيجابية.

4-1 برامج سوق العمل الناشطة
تشير الأدلّة المستندة إلى دراسات تقويم البرامج التي حصلت في بلدان منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّين إلى أنّ التدخّلات الكبيرة لم تنجح إلاّ جزئياً في تخطّي مشكلة البطالة الواسعة الانتشار. وكما أشرنا في فقرةٍ سابقة، فإنّ عدداً من البلدان النامية، بخاصّةٍ في أميركا اللاتينية، قد أقامت برامج تتعلّق بسوق العمل للأشخاص المحرومين مثل في التشيلي، والأرجنتين، والبيرو، وكولومبيا، والبرازيل. وقد حصلت أدلّة على بعض النجاحات المتواضعة، غير أنّ الخطط لم تخضع لدراسةٍ عميقةٍ من قِبل الباحثين كما دُرسَت بعض البرامج كبرنامج JPTA في الولايات المتّحدة الأميركية، وذلك بنسبةٍ أكبر ممّا كانت عليه الحال في بلدان منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّين.
ويمكننا التوصّل إلى عددٍ من الاستنتاجات من التقارير التقويميّة الاختباريّة وغير الاختبارية التي تركّز أساساً على البلدان المتطوّرة، ولكن التي قد تحمل آثاراً على الدول النامية.

4-1-1 التعليم والتدريب


يؤدّي الاستثمار في التعليم الرسمي للأكثر قدرةٍ من الناس إلى مردوديّةٍ مرتفعةٍ، وهذه المردودية قد ارتفعت مؤخراً في معظم الدول. فالأكثر مهارةً يستثمرون أكثر، حتّى بعدما يحصلون على مستوياتٍ عاليةٍ من المهارات؛
يستثني التدريب في القطاع الخاص الأشخاص القليلي المهارات، وتختار الشركات ألاّ تدرّب الأقلّ حظوةً. "يشير عدم اهتمام الشركات في تدريب العمّال الأقلّ حظوةً إلى صعوبة هذه المهمّة، وإلى المردوديّة المنخفضة التي من المتوقَّع أن تنتج عن هذا النشاط"؛
بشكلٍ عام، لا يبدو أنّ برامج تدريب المحرومين ترفع الأجور أو توقّعات العمل للشباب. غير أنّ الأدلّة قد تكون إيجابيةً نوعاً ما بالنسبة إلى البالغين. وتبدو الخطط الكبرى مثل JTPA في الولايات المتحدة الأميركية، وYOP/YTS في المملكة المتّحدة كأنّها أدّت إلى هدر المال وحسب، والأهمّ من ذلك أنّ هذه الخطط لم تحسّن توقّعات الشباب في الحصول على عمل؛
يختار الشباب بشكلٍ متزايدٍ البقاء في التعليم النظامي، سواء في المدرسة الثانوية أو التعليم العالي. ويبدو أنّ ثمّة ميزة إضافية في تشجيع الشباب على البقاء في المدرسة، ربّما عبر زيادة عمر ترك المدرسة و/أو تزويد المدارس بدعمٍ للقيام بذلك. وقد يكون تدريب الشباب في المدارس أقلّ كلفةً من إنشاء مؤسسةٍ بيروقراطيةٍ موازية، أو ربّما الحفاظ على المؤسسات القديمة؛
يجب مراعاة برامج الحضانة التي تدخل في حياة الأطفال وأهلهم؛
يجب مراعاة أنماط تدريب الشباب ووضع التصاميم الملائمة. وليست الحكومات مؤهَّلةً للتنبّؤ بالطلب في السوق، كما أنّ خلق الوظائف في القطاع العام ليس عادةً من الخيارات المتاحة؛
قد يتعيّن على أيّ خططٍ مُطبَّقةٍ أن تكون صغيرة، ومحدّدة الأهداف، وتحظى بإدارةٍ ومراقبةٍ دقيقة. ويجب إيلاء عنايةٍ كبرى في اختيار مجموعة المراقبة بدقّةٍ لتخطّي مشكلة التحيّز في الاختيار، وذلك أكثر ممّا حصل في معظم البلدان خارج الولايات المتحدة؛
قد تكون الخطط الناجحة باهظة الثمن، فمثلاً، تبلغ كلفة برنامج Job Corps المحلّي في الولايات المتحدة الأميركية الذي يدوم حوالى 6 أشهر تقريباً نفس كلفة رسوم طلاّب جامعة هارفرد. وقد يكون من الأفضل إنفاق 10000 دولار أميركي على شخصٍ واحدٍ من إنفاق 1000 دولار أميركي على عشرة أشخاص؛
تختلف مردوديّة التدريب من موقعٍ إلى آخر، فما ينجح في مكانٍ ما قد لا يكون فعّالاً في مكانٍ آخر. وهنا تبرز ضرورة اختيار مجموعات المراقبة بعنايةٍ من سوق العمل نفسه؛
قد تكون مردوديّة البرامج التدريبية الأعلى عندما يكون الاقتصاد مزدهراً، والأكثر تدنياً عندما يكون الاقتصاد في فترة ركود. وتتوفّر الوظائف أكثر في الاقتصاديات التي تتوسّع، وبذلك يسهل تحديد المشاركين في البرامج. وتبرز الحاجة إلى البرامج بشدّةٍ خلال ركود الدورات الاقتصادية وعندما يبرز نقص في الوظائف؛
من المنطقيّ دراسة آثار الانتقال والاستبدال لأيّ برنامج. هل يسلب الشباب الوظائف من الفئات العمريّة الأكبر؟
في أيّة عمليّة تقويم، لا بدّ من احتساب المردوديّة الاجتماعية لمجتمعٍ يستثمر في برنامجٍ تدريبيّ، كما المردوديّة الخاصّة التي تصبح من حقّ الشخص المعنيّ. ومن أهمّ الفوائد التي يجنيها مجتمعٌ ما عبر إدخال الشباب إلى عالم العمل، نذكر تقليص معدّلات الجريمة، خفض عدد المساجين، خفض عدد المشرّدين، خفض عدد حالات الحمل لدى المراهقات، تقليل إدمان المخدّرات، وخفض معدّلات الانتحار، إلخ…

4-1-2 الحدّ الأدنى للأجور واستخدام الشباب
احتلّت مسألة العلاقة بين الحدّ الأدنى للأجور واستخدام الشباب ولا تزال تحتلّ موقعاً بارزاً في الكتابات الاقتصادية والحوار السياسي بسبب ارتباك معظم رجال الاقتصاد والسياسة أمام معدّلات البطالة العالية التي تطال الشباب.
ويبدو من خلال التحليل أنّ طبيعة العلاقة بين التغيير في الحدّ الأدنى للأجور واستخدام الشباب ليست سلبيةً تلقائياً. وبعكس النظرة التقليدية التي سيطرت على النقاش الاقتصادي لفترةٍ طويلة، فلا النظريّة ولا الأدلّة التجريبيّة تدعم بشكلٍ منتظمٍ توقّعاً من هذا النوع. بالطبع، تتوقّع نماذج نظريّة عديدة أنّ الحدّ الأدنى للأجور قد يزيد الاستخدام عبر الإنتاجية وتحسين فعالية العمّال. بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات التجريبيّة التي أجريَت في عددٍ من الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتّحدة،… إلى أنّ شكوكاً كبيرةً تشوب توجّه وحجم أثر الحدّ الأدنى للأجور على استخدام الشباب. وختاماً، يبدو منصفاً أن نستنتج أنّ الأدلّة القائمة تدعم الموقفَين في النقاش. وتحدّد عوامل عديدة ما إذا كان الحدّ الأدنى للأجور يحمل أثراً سلبياً أو إيجابياً، ومن هذه العوامل المستوى النسبي للحدّ الأدنى للأجور، وبنية سوق العمل والبلد المعنيّ.

4-2 العمالة الذاتية
يبدو أنّ استمرار مشكلة سوق عمل الشباب يشير إلى أنّ السياسات الاقتصاديّة المعتمَدة لم تكن كافية. وتقترح إحدى الأفكار على السياسات أن تحاول خلق المزيد من روح المبادرة بين الشباب. ومن جهةٍ أخرى، غالباً ما تنظر الحكومات إلى العمالة الذاتية على أنّها سبيل للخروج من الفقر والحرمان، ولهذا السبب، تقدّم المساعدات والدعم للأعمال الصغيرة.


قد تعزّز روح المبادرة الإبداع وتخلق بالتالي وظائف جديدة؛
إن وظّفَ أرباب العمل الجدد والشباب نظراءهم من صفوف الفقراء المنتظرين في صفوفٍ طويلة، قد يكون لهذا أثر مباشر على الاستخدام؛
ترفع المصانع الجديدة والصغيرة القدرة التنافسية في سوق الإنتاج، ممّا يعود بالمنفعة على المستهلك؛
قد يُبدي أصحاب المبادرة الفردية من الشباب استجابةً قويةً للفرص والاتجاهات الاقتصادية الجديدة؛
قد يترافق ازدياد العمالة الذاتية بين الشباب بمزيدٍ من الاعتماد على النفس والرفاه.

ويقترح هذا الاستنتاج أنّ العمالة الذاتية تؤمّن فوائد اقتصاديّةً جزئيّةً مباشرةً للناس. وتحدّد التقارير عن المؤسسات الصغيرة نقصاً في الرأسمال كعائقٍ أساسيّ لتنمية المؤسسة. ونجحَ مصرف "غرامين" Grameen في بنغلادش في الإثبات أنّ الفقراء سيسدّدون القروض الصغيرة أو غير المكفولة أو الصغرى. ويقسّم مصرف "غرامين" المقترضين إلى مجموعاتٍ ذاتية الاختيار ومن الأشخاص المتشابهين الذين يتجمّعون عادةً في القرى؛ وإن تمنّع أحد الأعضاء عن الدفع، سيتعذّر على أيّ عضوٍ آخر الاقتراض مجدّداً من المصرف. وعبر حثّ المقترضين على أن يراقب أحدهم الآخر، تمكّن مصرف "غرامين" من استعادة 98 بالمئة من قروضه من زبائنه ومعظمهم من النساء، وتمكّن بذلك من تقديم القروض لأكثر من مليون عائلة سنوياً. وتشير بيانات مصرف "غرامين" إلى أنّ نسبةً مئويّةً عاليةً من الأعضاء تمكّنوا من التحرّر من الفقر. أمّا الدرس الأساسي الذي يتعيّن علينا تعلّمه، فهو الحاجة إلى تغيّراتٍ مؤسّساتيّةٍ توجّه القروض إلى المؤسّسات الصغرى في بنغلادش، ولكن أيضاً في العديد من البلدان النامية الأخرى مثل تايلندا، وأندونيسيا، وبوتسوانا. ويساعد هذا الأمر على تخطّي العوائق الكبرى المتعلّقة بالرأسمال التي يواجهها الفقراء.
وتتمتّع دول كثيرة، بما فيها المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأميركية، ببرامج حكوميّة لتأمين القروض للأعمال الصغيرة، وحتّى إعفائها من بعض الأنظمة والقوانين. بالإضافة إلى ذلك، اهتمّ عدد من الولايات والبلديات في الولايات المتحدة الأميركية ببرامج تشجّع الأعمال التي يترأسها أشخاص من الأقليّات ونساء. وتبرز الحاجة إلى الاهتمام بالعمالة الذاتية في صفوف أعداد كبيرة من المواطنين الذي يعملون حالياً كموظّفين. أمّا الخطط التي تؤمّن المساعدة والنصح للشباب حول كيفيّة تأسيس عملٍ خاصّ بهم وإزالة الأنظمة التي تعيق هذا الأمر، فقد يكون لها أيضاً بعض الأثر.

5- الاستنتاجات
تُراجع هذه الورقة بعض الوقائع المتعلّقة ببطالة الشباب في العالم، وتستعرض ما يمكن القيام به في هذا المجال. وقد تمّ التوصّل إلى التالي:


قد نجد بعض نقاط الشبه بين الدول، وليس آخرها أنّ بطالة الشباب تساوي تقريباً ضعفَي بطالة البالغين في معظم دول العالم. ويبدو أنّ هذه النسبة تنخفض بينما تزداد البطالة. وإنّ قاعدة الضعفَين تعني أنّ الحلّ الأساسي يكمن في معالجة بطالة البالغين؛
تمّ استبعاد النقاط التالية كتفسيراتٍ لمستويات بطالة الشباب المرتفعة: الأجور، الحدّ الأدنى للأجور، حجم مجموعة الشباب، التغيّرات في تركيبة الصناعة، التجارة، التكنولوجيا، والمشاركة المتزايدة للنساء؛
من جهةٍ أخرى، تمّ اعتماد مستوى الطلب الكلّي في الاقتصاد كأحد التفسيرات. كما يبدو أنّ مستوى البطالة والتقديمات الاجتماعية يفسّر المستويات العالية لبطالة الشباب؛
أحد الآثار المشجَّعة هو أنّه يبدو أنّ الشباب في العالم استجابوا لنقص الوظائف عبر البقاء في المدرسة لفترةٍ أطول وزيادة تحصيلهم العلمي. واليوم أكثر مّما مضى، يتّجه الشباب إلى العيش مع أهلهم لفتراتٍ أطول. أمّا النتائج المباشرة لبطالة الشباب، فهي زيادة إدمان المخدّرات، ومزيد من المشاركة في الجريمة، وزيادة الانتحار. إلى ذلك تؤدّي بطالة الشباب إلى تعاستهم، ممّا يجعلنا ندرك أنّه ليس خياراً متعمّداً كما قد يعتقد البعض.

وإذ يبدو أنّ الحلول لبطالة الشباب تتأثّر بما يحصل للبطالة الإجمالية، فستتمّ دراسة الاستراتيجيات الاقتصادية الكلّية استناداً إلى هذا الواقع. وإنّ انكماش أو ركود الاستخدام في القطاعات الحديثة ونموّ الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد البقاء في البلدان النامية لا يبشّر خيراً بالنسبة إلى الشباب الذين أصبحوا يحصّلون تعليماً أفضل. أمّا استراتيجيات العمالة الذاتية لفئاتٍ سكّانيةٍ تمّ اختيارها بعنايةٍ، فهي قد تكون بديلاً واعداً. ويتعيّن على هذه الاستراتيجيات أن تتضمنّ عناصر ماليةً جزئيةً، كما يجب مراقبتها وتقويمها بعناية. إلى ذلك تمّت دراسة استراتيجياتٍ للتعاطي مع بطالة الشباب. ويستطيع الحدّ الأدنى للأجور أن يساعد على تحسين الفقر في البلدان النامية، ولكن إن كان عالياً، فهو قد يزيد البطالة. وفي ما يتعلّق بخطط تشجيع العمالة الذاتية وروح المبادرة والتي تقدّم الاستشارات حول كيفيّة تأسيس عملٍ خاصّ أو التي تساعد على تخطّي العوائق الكبيرة المتعّلقة بالرأسمال، فهي قد تتمتّع بشيءٍ من الفائدة. وبشكلٍ عامّ، لم تنجح سياسات سوق العمل الناشطة كثيراً في تحسين وضع الشباب المحرومين. وتمّت صياغة مجموعةٍ من التوصيات لتحديد أطر الاستهداف والمراقبة الدقيقة. الدرس الأول والأساسي هو أنّه لا يمكن الفصل بين بطالة الشباب والبالغين، وأنّهما تتأثّران بما يحصل للعمالة الإجماليّة.
سيؤدّي رفع مستويات الطلب الكلّي إلى خفض بطالة الشباب والبالغين على حدٍّ سواء، لكنّ تأثيره على الشباب سيساوي ضعفَي تأثيره على الفئات العمرية الأكبر. ويجب إعادة إحياء النقاش الذي يضع التعليم وحاجات التدريب في خطّ المواجهة. وفي عالمٍ لا ينفكّ يزداد حركيّةً، غالباً ما تكون الحاجة إلى اكتساب مهارات التعلّم أكثر أهمّيةً من اكتساب مهارةٍ محدّدة، رغم أنّ بعض الأدلّة تشير إلى أنّ نظم التمهّن الفعّالة تسهّل الانتقال من التعليم إلى العمل. وقد يكون الاستثمار في تعليمٍ أفضل، مبكر وأطول، أكثر فعاليةً في تطوير التصّرفات والقدرات المطلوبة في عالم العمل.
ولا يمكن الجزم ما إذا كان استخدام الشباب بفئاتٍ كبيرة وغير مستهدَفة أو البرامج التدريبية تتمتّع بمردوديّةٍ إيجابيّة. وفي هذا الإطار، يجب التركيز على "غير مستهدَفة" و"كبيرة". وقليلة هي الأدلّة في أيّ مكانٍ من العالم على أنّ برامج كهذه تحسّن توقّعات الاستخدام أو الأجور بالنسبة إلى الشباب، وخصوصاً المحرومين منهم. غير أنّ البرامج المحدودة الاستهداف والتي تخضع لتقويمٍ دقيقٍ من شأنها أن تخفّف من وطأة اختيار فئات الشباب الممتازة. ولا يمكن تحقيق استعمال الموارد العامة بفعاليّةٍ إلاّ إن وجدنا وسائل لقياس نتائج الاستراتيجيات المحدّدة على المدى القصير، فالمتوسّط والطويل. ويشير البعض إلى أنّ عمليات التقويم المفصَّلة يجب أن تجري بالنسبة إلى أيّ استراتيجيّةٍ لخلق الوظائف للشباب. ويمكن الاستنتاج ممّا تقدّم أنّه بهدف مكافحة بطالة الشباب وتهميشهم:


يجب اعتماد استراتيجياتٍ اقتصاديةٍ تعتمد على الاستخدام وتعزّز الطلب الكلّي؛
يجب تطبيق نظم ثنائية تربوية لتعليم المهن، على أن تكون محدّدة التوجّه الاقتصادي؛
هذه النظم الثنائية: يجب أن تكون مستهدَفة بعناية لتغطية مجموعات سكانية صغيرة ومحدّدة من الشباب، وستتطلّب توسيع القطاع النظامي؛ ويجب أن تستند إلى المشاركة الناشطة للشركاء الاجتماعيّين؛
يشكّل تعزيز العمالة الذاتية والمؤسسات الصغيرة في القطاع النظامي استراتيجيةً واعدة. ويجب أن تحظى بالمساندة عبر التدريب الملائم والدعم المالي؛
وأخيراً، يجب تقويم آثار استراتيجيات وسياسات مكافحة بطالة الشباب بعناية.

خالد المحفوظي
08-06-2005, 12:59 PM
موضوع رائع اخي الفاضل فالح العمره وجزاك الله خير على ما قدمته لنا من فائدة