المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبعاد التعديل الدستوري في مصر


الزعيم
16-04-2005, 11:36 PM
وحيد عبد المجيد

كان الرئيس الراحل أنور السادات مولعاً بالتعبيرات الرمزية، التي انطوى بعضها على دلالات سياسية واجتماعية مهمة. ومن ذلك، مثلاً، حديثه المتكرر عن أنه هو وسلفه الرئيس جمال عبد الناصر هما «آخر الفراعنة».

وقد اختلفت الآراء، ولا تزال، في شأن مدى صواب أو خطأ كلامه هذا. يذهب رأي غالب إلى أن توقع السادات خاب، وأن «الفرعونية» السياسية استمرت بعده منظوراً إليها من زاوية أن الرئيس حسني مبارك يتمتع بالسلطات الواسعة نفسها التي كانت لسلفيه.

أما الذين يعتقدون بأن السادات كان «فرعون» مصر الأخير فعلاً، فهم قليلون على رغم وجاهة رأيهم. وكان لبعضهم هذا الرأي حتى قبل أن يطلب مبارك تعديل المادة 76 في الدستور لتسمح بانتخاب رئيس الجمهورية بدلاً من اختياره في استفتاء عام. وهم يستندون الى أن الوضع في عهد مبارك، خصوصًا في السنوات العشر الأخيرة، اختلف عن العهدين الجمهوريين السابقين من نواح ثلاث.

فقد بدا مبارك أقل ولعاً بالسلطة وأكثر تسامحاً واستعداداً لقبول النقد. ولذلك أصبح ممكناً نقد سياساته بشكل مباشر وبوضوح وقوة لم يكن أحد يتخيله في عهدي السادات وعبد الناصر. كما أن التغيرات الاجتماعية التي حدثت في مصر، والتحولات الدولية من حولها، فرضت توسيع هامش الحرية بشكل عام.

غير أن لإختلاف المشهد السياسي في عهد مبارك جانباً ثالثاً لا يتطرق إليه أحد، رغم أن أهميته قد تفوق غيره. فقد سمح هيكل النظام السياسي بوجود مراكز قوة تتمثل في مسؤولين كبار بقوا في مواقعهم لفترة طويلة واكتسبوا نفوذاً هائلاً ذهبوا إلى أبعد مدى في ممارسته، فأصبحت لبعضهم قوة سياسية فائقة. ولكن لأن لبعض هؤلاء صلة بمؤسسة رئاسة الجمهورية، فقد شاع الخلط بين نفوذ هذه المؤسسة الذي بقي أقوى من غيره، وبين دور الرئيس شخصيًا.

صحيح أن وجود مراكز القوة ليس جديدًا، بل يعود إلى عهد عبد الناصر، لكن نفوذهم ازداد ودورهم تنامى بشدة في عهد مبارك. في العهدين السابقين، لم يتوفر لمعظم مراكز القوة وقت كاف، ولا فرصة ملائمة، لاكتساب نفوذ يماثل في حجمه وأثره ما لبعض نظرائهم في العهد الراهن. كان الوحيد الذي اتيحت له - لظروف خاصة جداً - فرصة لمراكمة نفوذ كبير في عهد عبد الناصر هو قائد الجيش عبد الحكيم عامر.

ولا يقل أهمية عن ذلك أن كلاً من عبد الناصر، والسادات، عشق السلطة. ورئيس هذه شيمته لا يسمح بتنامي نفوذ مراكز قوة حوله إلا مضطراً بانتظار فرصة للتخلص منهم. أما في العهد الراهن، فقد توفر شرط الزمن الممتد لما يقرب من ربع قرن. كما أنه في ظل نظام يقوم على محورية دور رئيس الجمهورية، ومع ضعف المؤسسات السياسية، يؤدي ميل الرئيس إلى عدم المغالاة في ممارسة سلطاته إلى توفير الشرط الموضوعي لتنامي نفوذ بعض مراكز القوة.

ويعني ذلك أن ثمة هيكلاً غير رسمي لنظام الحكم نلاحظه في الواقع، ولكن لا نجد وصفاً له في الدستور الذي يحدد معالم الهيكل الرسمي. وفي ذلك الهيكل غير الرسمي نجد مصداقاً لكلام السادات عن أنه هو وعبد الناصر «آخر الفراعنة» من حيث أن الرئيس مبارك لا يحتكر السلطة ولا ينفرد بها، بخلاف ما هو مفترض وفق الهيكل الرسمي. وهنا يخلق الاختلاف بين الهيكلين تناقضاً يساهم في خلق الارتباك الحادث في عملية الإصلاح على رغم دخولها مرحلة دقيقة في عام بدأ ساخناً وهو مرشح لسخونة أعلى. ففي هذا العام، تتوالى الانتخابات الرئاسية التي تجري للمرة الأولى بين أكثر من مرشح والانتخابات البرلمانية في غضون ستة شهور، وفي ظروف متغيرة تتنامى فيها الضغوط على نظام الحكم من الداخل والخارج على حد سواء.

فإذا اقتصرت عملية الإصلاح الديموقراطي خلال الشهور المقبلة على تعديل أسلوب اختيار رئيس الجمهورية، فالأرجح أن يؤدي إلى مزيد من التناقض بين الهيكل الرسمي والهيكل غير الرسمي. فأهم ما يترتب على تعديل أسلوب الاختيار، وبالتالي انتخاب الرئيس للمرة الأولى في انتخابات ينافسه فيها مرشحون آخرون، هو أن هذا الرئيس المنتخب سيصبح جزءاً لا يتجزأ من تفاعلات سياسية لم يكن هو طرفاً فيها من قبل بقدر ما كان يقف فوقها ممسكاً بخيوطها كلها. فهذا هو الموقع العلوي الذي وضعت دساتير ما بعد ثورة 1952 رئيس الجمهورية فيه. إنه، وفق الهيكل الرسمي، لا يعتبر فقط رئيساً بل «أب» للجميع في نظام سياسي هو خليط من النظام الرئاسي والفردي والأبوي (البطريركي).

غير أن الرئيس مبارك كان قد نزل فعلياً من ذلك الموقع العلوي بسبب عدم عشقه للسلطة، وعدم مغالاته في ممارستها، ولتنامي نفوذ مراكز قوة في إطار هيكل غير رسمي تبلورت معالمه مع امتداد الزمن عامًا بعد عام.

ويعني ذلك أن الإيجابية الأكثر أهمية لاختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء لن تضيف الكثير في حال مصر الآن. فلو أن هذا التعديل حدث في عهد عبد الناصر أو السادات أو حتى في بداية عهد مبارك لأحدث تغييرًا جوهريًا في الواقع السياسي وفي هيكل نظام الحكم. أما التغيير الذي سيترتب عليه الآن سيكون محدوداً، لأن الرئيس لم يعد فوق الدولة والمجتمع. ودخوله معترك التنافس لن يضيف كثيراً إلى التفاعلات السياسية التي تتيح نقد سياساته من دون مداورة. «مانشيت» صحيفة «العربي» المعارضة عقب تفجير خان الخليلي مثلاً اتهم الرئيس مبارك بأنه مسؤول سياسياً عن هذا الحادث. وعلى صفحاتها، وفي صحف أخرى، انتقادات لسياساته ربما لا يجد أي مرشح منافس له في الانتخابات المقبلة مزيداً عليها.

وإذا كان هناك من مزيد فمؤدّاه تعزيز التناقض بين هيكل غير رسمي لنظام الحكم لم يعد فيه الرئيس «فرعوناً» بأيّة حال، وهيكل رسمي يحمل خصائص «الفرعونية» التي تحدّث عنها السادات لأنه يستند على دستور أُعد على مقاسه في العام 1971، وقام بتعديله في العام 1980 لإحكام هذا المقاس.

غير أن المشكلة ربما تهون إذا اقتصرت على ذلك، انطلاقاً من افتراض أن الانتخابات التي ستُجرى في سبتمبر (ايلول) المقبل محسومة نتائجها لمصلحة الرئيس مبارك. وهذا افتراض قوي وله ما يدعمه. لكن مستقبل الدول والشعوب لا يُقام على افتراضات أيًا تكن قوتها.

فالضغط الأجنبي في ازدياد وتوسع. كان الضغط الأميركي ناعماً إلى حد كبير في عهد إدارة بوش الأول، فإذ به أقل نعومة في الأسابيع التي انقضت منذ تنصيب إدارته الثانية. والمتوقع أن يتسم بقدر من الخشونة في الفترة المقبلة، بما في ذلك على صعيد انتخابات الرئاسة التي قالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس بوضوح «سنواصل الضغوط من أجل انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية في مصر». وليس رفع «الفيتو» على إمكان وصول حركات أصولية إلى الحكم عبر انتخابات ديموقراطية إلا واحداً من تحولات تحدث في السياسة الخارجية الأميركية، وتدفع إلى قلق حقيقي من أن يصبح الضغط الأميركي على مصر أقرب إلى الخشونة منه إلى النعومة السابقة.

كما أن الضغط الأجنبي كان أميركياً في الأساس، فصار أوروبياً أيضاً، وفي وقت تموج المنطقة باضطرابات لا سابقة لها في نوعها وحجمها. ومصر ليست بعيدة عن آثارها، فضلاً عن أن تحت السطح فيها فوراناً بات ملموساً للداني والقاصي. ولا يمكن التكهن بالمدى الزمني الذي سيستغرقه هذا الفوران، قبل أن يُحدث تغييراً على الأرض. فما يبدو راسخًا اليوم قد لا يكون كذلك بعد شهور.

ولهذا ينطوي تعديل أسلوب انتخاب رئيس الجمهورية من دون مراجعة سلطاته الدستورية الواسعة على مخاطرة في حال حدوث ما لا يفكر أحد اليوم في حدوثه، وهو فوز مرشح آخر يعشق السلطة ويفتقد التسامح، أي «فرعوناً» جديداً يغالي في ممارسة السلطات الواسعة التي يمنحها له الدستور والهيكل الرسمي لنظام الحكم. وعندئذ يكون مآل الهيكل غير الرسمي، الذي نجم عن عدم مغالاة مبارك، في ممارسة سلطاته إلى زوال أو إلى إعادة تشكل.

وعندئذ لا يكون السادات هو «الفرعون» الأخير. وهذا خطر هائل في حد ذاته، ناهيك عن أن يكون «الفرعون» الجديد المنتخب نازعاً إلى المغامرة في بلد لا يتحمل اقتصاده اضطراباً سياسياً لأيام قليلة، بل يصعب تأمين الغذاء لأكثر من 70 مليوناً هم سكانه في وضع مضطرب.

هذا السيناريو لا يمكن استبعاده. ولا ننسى أن أي رئيس أمضى في الحكم أربع دورات مجموعها 24 عاماً يكون في موقف ضعيف في أي تنافس مفتوح أياً يكن حجم انجازاته. وقد حقق مبارك إنجازات كبيرة. ولكن مَنْ يستطيع إرضاء الناس جميعاً. وكم من رؤساء ورؤساء حكومات في دول ديموقراطية خسروا الانتخابات على رغم إنجازاتهم. كما أن حجم المشكلات التي تثقل كاهل المجتمع والناس في مصر اليوم يتيح لأي مرشح منافس فرصة كبيرة لحملة انتخابية هجومية في حال توفر شروط التنافس المفتوح. فقد خلق جمود النظام السياسي وتفاقم نفوذ بعض مراكز القوة، وهما وجهان للعملة نفسها، فجوة بين نخبة الحكم وقطاعات في المجتمع خصوصًا في أجياله الجديدة. وتكفي مشكلة البطالة المتزايدة التي تفتح باباً للمزاودة السياسية.

وإذا مرت انتخابات سبتمبر بـ «سلام» من زاوية عدم الانزلاق إلى المجهول، فمن يضمن ألاَّ تكون هناك ضرورة لإجراء الانتخابات التالية لها مبكرة عن موعدها. ولا سبيل إلى تجنب المخاطرة إلا عبر مراجعة الهيكل الرسمي لنظام الحكم وإعادة تعريف العلاقة بين سلطات الدولة والفصل الحقيقي بينها والحد من سلطات الرئيس وفق الأسس الديموقراطية التي صارت مستقرة في عالم اليوم.

*نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية

الشهري
17-04-2005, 07:50 AM
أنا بصراحة اعجب من المظاهرات في الشوارع المصرية ضد الرئيس الحالي مع انه في الاستفتاءات يحظى بنسبة تصويت خيالية 99% أو 99و9% وغيرها ولكني الان علمت ان المظاهرات كانت تطالب بأن تكون النسبة 100% وان النسب السابقة كانت أخطاء مطبعية........ولاّّّّّ!!؟؟؟؟

أبو ناصر
17-04-2005, 08:36 AM
اخي العزيز الزعيم

يعطيك العافيه على نقل هذا المقال

الدنيا يوم لك ويوم عليك

كانت مصر في يوم من الايام تحارب الملكيه في الدول العريبه وتريدها ديموقراطيه مع انها ابعد ماتكون عن الديموقراطيه ورؤساءها يشغلون سدة الحكم حتى الهلاك

والان نرى بلد الحريات الذي لا يعرف معنى الحريه تضغط على مصر لتكون ديموقراطيه وتتيح حق الترشيح للرئاسه

وشر البليه مايضحك

الزعيم
17-04-2005, 09:00 AM
اشكر الاخوة الاعزاء على هذه الاضافة المميزة وما ينادي به الساسة العرب من ديمقراطية فهو ذر الرماد في العيون ليس الا.!!

خالد المحفوظي
22-04-2005, 01:49 AM
تحياتي اخي الفاضل الزعيم على ما قدمت ولعل هذه التغيرات التي نشهدها في الوطن العربي بارقة خير على الشعوب العربية

الزعيم
22-04-2005, 11:50 PM
اشكرك اخي القدير خالد المحفوظي على ما ذكرت وان شاء اللع تكون التغيرات على مستوى وطموح الشعوب العربية.