المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الارهااااااااااااب والتطرف


د.فالح العمره
15-04-2005, 07:03 PM
أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة الملك سعود لـ الدعوة

المسلمون أقدر على علاج تطرف أبنائهم.. وليس شأن الغرب!

أناس بينهم وبين العلم الشرعي ألف حجاب يتصدون للفتوى

المناهج في عموم وطننا العربي.. قاصرة

بعض بحوث اليوم ترداد لأقوال السابقين دون بناء!

كتب - عبدالواحد القاضي:

قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود يعد أحد أبرز وأكبر الأقسام في الجامعة ويضم نخبة كبيرة من الأساتذة والأكاديميين المتخصصين في علوم الشريعة بمجالاتها المختلفة وقد أثروا الساحة بعطاءتهم المتميزة إلى جانب جهودهم داخل نطاق الجامعة, ويضم القسم أكثر من ؛80« أستاذا ودكتورا . وضيفنا اليوم هو الأستاذ الدكتور علي محمد العمري, أحد هؤلاء الأساتذة الذين التقينا معه في حوار حول بعض النقاط والقضايا, والذي قدم للمكتبة الإسلامية أكثر من ؛16« بحثا فقهيا معاصرا , فإلى حوار الدكتور العمري:



في البداية نود أن تحدثنا عن ثقافة الطالب الإسلامية كيف تراها?

- ثقافة الطالب الإسلامية تتكون من علم وعمل.

أ - العلم يكون بمبادئ الإسلام, وبحقوق المسلم, وبحقوق الجماعة, وفهم قضايا المجتمع المعاصر.

والعلم بالتيارات التي تعصف, واتخاذ ما يمكن لمواجهتها أو التخلص من شرها. كإنسان على شاطئ بحر يعد العدة قبل أن يلج البحر.

والأخذ بأسباب الحياة الحديثة مع الحرص على الثوابت. والتمييز بين الثابت والمتغي ر. ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار.

ب - الإلمام بالسيرة العطرة التي تصقل النفس وتهذب الروح وتزرع الأمل وتضع العلامات المنيرة في الطريق, وتبي ن القدوة الصالحة سيرة المصطفى < وسيرة صحابته رضي الله عنهم, وسيرة علماء الأمة وأعلامها, وكيف صبروا في طلب العلم, وتعهد الطالب بالتزام هذا المنهج شيئا فشيئا , حتى يكون العمل مبنيا على العلم.

ج- - الإلمام بتاريخ المسلمين وعلومهم في ميدان الاجتماع والنفس والتاريخ والتقنين والعلوم الكونية, وما قد موه للبشرية. فالمسلمون هم الذين حرروا البشرية من الخرافة والأوهام; والظلم والعنصرية, والفساد. ولم ا بعدوا عن القيام بواجبهم عادت البشرية إلى جاهليتها كما نرى من ظلم وكيد وتهديد وتنك ر للحقائق وتأل ه الأقوياء على الضعفاء.

المناهج العربية

ماذا عن مستوى المناهج في الوطن العربي?

- المناهج إجمالا قاصرة.

الأصل في المنهج أن يلبي حاجات الإنسان في (الروح والعقل والبدن) وأن ينسجم مع ما يعتقده المسلمون.

غير أن المناهج صارت في معظم أقطار الإسلام متأثرة بمناهج الغربيين, وصار الطالب متأرجحا بين ما يتعلمه في البيت والمسجد, وبين ما يتلقاه في المدارس. وإذا كلمته عن تاريخ أمته, ولغته, وحضارته, وجدت الصوارف عن الانتباه كثيرة.

ولأضرب مثالا :

كان المنهج الدراسي في مصر والشام ومكة المكرمة وبغداد وسمرقند والمغرب وكل العالم الإسلامي يركز على ما يلي:

أولا : حفظ كتاب الله تعالى.

ثانيا : حفظ ما تيسر من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

ثالثا : مبادئ القراءة والكتابة, الخط, الإملاء, النحو, ومبادئ الحساب. ثم دخول المدارس الابتدائية.

ولقد كان المنهج إلى عهد قريب أن تقرر سلسلة ابن هشام - رحمه الله - (قطر الندى, مغنى اللبيب, شذور الذهب) في المرحلة الابتدائية الأزهرية. فكيف بالمرحلة الثانوية, فكيف بالمرحلة الجامعية والتي كانت تعطي شهادة العال مية - أي عال م حقا -. فيكون الطالب موسوعة في اللغة والتاريخ والدعوة والفقه والحديث والتفسير. يصلح للوعظ, والخطابة والقضاء, والدعوة, والتعليم. ثم جاء الغزو الفكري لما ضعف المسلمون.. وأنشئت المدارس الغربية داخل بلاد الإسلام, وحوصرت المدارس والمناهج الأصلية.

احتلت الجزائر سنة 1830م, وتونس 1881م, ومراكش 1912, ليبيا 1911, ومصر 1914... وهدمت الخلافة في تركيا 1924, وألغيت المناهج الإسلامية في معظم أقطار الإسلام. ثم دب الهزال في المناهج وانعكس على شخصية الطالب ثم على شخصية المجتمع. حتى لم يعد ما يميز المسلمين في كثير من أقطارهم عن غيرهم - من حيث نمط الحياة والمظهر والمحاكم والتعليم وأهدافه - بل لتمي ع شخصية المجتمعات وعدم وضوح الرؤية بدأت الغربان تطالبنا بصياغة مناهجنا لتوافق أهواءهم كلي ة. وأذكر قول الشاعر:

لقد هزلت حتى بدا منه زالها ك لاها وحتى سامها كل مغلس

البحوث ترداد

بحوث أعضاء هيئة التدريس بقسم الثقافة الإسلامية, هل تناقش قضايا معاصرة?

- لا يخلو كثير منها عن فائدة جديدة, والبقية ترداد لأقوال السابقين دون البناء عليها, وينبغي أن تخوض غمار الواقع وتضع حلولا للقضايا المعاصرة مع ثبات القواعد الشرعية.

هناك حديث عن التطرف والغلو في عالمنا الإسلامي كيف ذلك ما أسبابه?

- لا بد من بيان معنى التطرف والغلو, ولا بد من التثبت من وجود تطرف وغلو في العالم الرسلامي. نحن نريد الحق, ونريد أن ن عالج أنفسنا فيما نراه نحن مرضا وعيبا لا فيما يراه خصوم العالم الإسلامي.

أما النقطة الأولى: فالتطرف هو اتخاذ طرف, أي البعد عن الجادة والغلو هو المغالاة والتشدد.

والمسلمون أمة وسط أمناء على الناس. والمتطرفون هم الكفار الذين يظلمون المسلمين, وغير المسلمين هم الذين جانبوا الحق, فكذ بوا على الله وكذ بوا على أنفسهم وكذ بوا على البشرية. وهم الذين يطالبون ويسعون لإهلاك من سواهم, وهم الذين يبالغون في إهمال بقية البشر, ويغالون في عبادة مصالحهم.

وأما النقطة الثانية: فإننا نرى مسلمين ملتزمين بدينهم ولا نستطيع أن ننسب لهم التطرف ما داموا في دائرة الإسلام وتعاليمه السمحة. ولكن الغربيين يصفون كل مسلم بالتطرف, ويسقطون عيوب الغرب وأمراضه وأحقاده وتاريخه المظلم, يسقطون كل ذلك على المسلمين.

وأما النقطة الثالثة: أقول حتى لو صار لدى بعض أبناء الإسلام غل و, فإن أهل العلم من ا هم الذين يعالجون المرض, فهم يعرفون الداء إن وجد ويبحثون عن سببه, وهم أعلم بالدواء, لا الغربيون الذين لم يعرفوا سببا ولا مرضا ولا دواء, بل هم أنفسهم داء عضال.

الفتوى

انتشار الفتوى وتعددها عبر وسائل الإعلام هل فيها محاذير?

- الأصل في الفتوى أن يسأل المفتي المستفتي ويستفصل عن القضية المسؤول عنها. كما قال الإمام أبوالحسن الكرخي - رحمه الله -: ؛لا ينبغي للمفتي أن يفتي حتى يسأل ويستقصي من السائل..«.

وما نراه في وسائل الإعلام لا يخلو من فائدة عندما تصدر الفتاوى عن أهلها. ولكن المحذور أن كل سامع يفهم شيئا من الإجابة, فيذهب ينشرها بين الناس كما فهمها هو, لا كما أرادها الشيخ المفتي المخلص, بل ربما كان السؤال والإجابة في موضوع فهمها بعض السامعين في موضع آخر, ثم يذهب فينشر فهمه هو وينسبه إلى الشيخ المعروف وهكذا.

من هو المفتي? ... من الذي يحق له أن يفتي الأمة?

- سئل الإمام أحمد - رحمه الله - عم ن يحفظ ستة آلاف حديث هل يحل له أن يفتي فقال: لا. قالوا: مئتي ألف قال: لا, قالوا: ثلاثمائة ألف قال: أرجو.

أي أنه - رحمه اله - حدد أدنى درجة التأهل للافتاء بأن يكون من حفظ ثلاثمائة ألف حديث أهلا للفتوى.

وهناك أمر ملحوظ في حفظة الحديث, وهو الفهم دون مجرد الحفظ وهناك التقوى ومجانبة الهوى.

والمفتي في باب البيع مثلا يحفظ الآيات الواردة في هذا الباب والأحاديث الواردة كذلك, وفهم العلماء السابقين للآيات والأحاديث, ويعرف اللغة ومدلولات الألفاظ, ويعرف الواقع الذي هو فيه. وقد تصدى في هذه الأيام للفتوى من لا يتقن قراءة آية أو حديث, وربما تصدى لبعض العلماء, لكن هان عليهم دينهم, فجاروا في فتاوايهم. كما تصدى للفتاوى نساء لا يربطهن بالإسلام سوى العداوة ممن صنعن في مدارس الباطل, فقلدن الكافرات مظهرا وفكرا وسلوكا , ور ح ن يلقين الفتاوى في مؤتمرات بكين والقاهرة واستانبول بشأن المرأة والإجهاض والزنى والطلاق وتعدد الزوجات, وربما تستشهد إحداهن بحديث أو آية وتفس ر كما تشاء. ومن فتواهن (الاحتشام لا يجب, الطلاق يقيد, التعدد ي منع, السفر لا يحتاج لمحرم... إلخ).

من هو الإرهابي?

الإرهاب أصبح لغة دولية, كيف نحاربه نحن المسلمين. ومن الإرهابي?

- الإرهاب مصدر أرهب, أي أخاف وأذعر وفز ع كما في لسان العرب. والإرهاب هو الفتنة عن دين الله. ولذا أمر الله تعالى بالقضاء على الإرهاب الذي هو ايذاء المسلمين وإخافتهم وتعكير أمنهم.

أي حتى لا يبقى في الأرض كفر أو فساد.

فالإرهابي هو الكافر. لأنه لا يرهب الله ولا يخاف لقاءه, ولذلك فهو ي ره ب الناس بمكره وكيده وتخطيطه وفجوره وغصب حقوق الناس.

ومحاربة الإرهاب بهذا المنظور تكون بالتزام حكم الله في الأرض كل الأرض, فتشريع الإسلام كله عدالة مع المسلمين وغير المسلمين. ولا أمان إلا في ظل الإسلام. والتاريخ يشهد والواقع يشهد. الإرهابي هو المشرك بالله, والذي يقدم هواه على ما شرع الله. والإرهابي هو الزاني الذي يستبيح أعراض الناس ويدعو لإباحة الزنى. الإرهابي هو السارق الناهب والغاصب الذي يستبيح أموال الناس. الإرهابي هو السك ير الذي يؤذي الناس بصخبه وضجيجه وجنونه ومجونه. الإرهابي هو الذي يرى بقي ة الناس ليسوا أهلا للحياة.

دور الأئمة والخطباء

ما الدور المفترض لأئمة وخطباء المساجد لنشر الوعي الإسلامي الصحيح?

- أولا : الوعي الإسلامي الصحيح يقد ره علماء الإسلام الأثبات الناصحون للأمة, وهؤلاء ينبغي لهم أن يزهدوا في الدنيا, وأن يناصحوا الناس أجمعين, وأن يعرفوا الواقع الذي يعيشون منه, وأن يشم روا عن ساعد الجد, ويرد وا على حجج المبطلين من الكفار, وعلى استدلالات المخطئين والعابثين من أبناء الإسلام.

ثانيا : الأئمة والخطباء يستطيعون بحكمتهم وإخلاصهم استرداد دورهم.

المجامع الفقهية

المجامع الفقهية هل قامت بدورها?

- للمجامع الفقهية في هذه الأيام دور كبير; لأن الاجتهاد الجماعي في المسائل المستجدة أبعد عن الزلل. وعلى هذه المجامع واجبات عظيمة. وعلى العلماء أن يخوضوا غمار الواقع ويستنبطوا الأحكام التي تعالج أوضاع المسلمين الفكرية, والأخلاقية, والسياسية, والاقتصادية, وهناك من القضايا ما هو م لح وم هم جدا والأمة بحاجة إلى معرفة الأحكام فيها.

وسائل الإعلام

هل وسائل الإعلام المختلفة في العالم الإسلامي ملتزمة بتعاليم الشرع?

- معظم هذه الوسائل من التلفاز والمذياع والصحف لا تعرف حرمة لتعاليم الشرع. فيها الدعاية للباطل والإغراء بالمنكر,(ر با, شهوات جسدية, كذب, تعظيم أهل الضلالة, الازدراء بأهل الفضل, تضييع الوقت, إدخال المصطلحات الغربية, استبعاد اللغة العربية, أو تحويرها وإضعافها...)

كيف يمكن الاستفادة من وسائل الإعلام في نشر الدعوة? وما رأيكم في إقامة قناة فضائية إسلامية?

- إقامة قناة فضائية إسلامية مطلب طموح, علما بأن هناك قنوات جيدة الآن, لكن أن تكون قناة إسلامية صرفة فهذه أمنية عذبة. وأما كيفية الاستفادة من الوسائل الإعلامية فإني أرى أن يقوم بأمر هذه الوسائل من عرف بالإخلاص والبعد عن الهوى, فلا يقرب معارفه ليشهرهم, أو ليفيدهم ماليا , هنا نكون قد خطونا الخطوة الأولى.

وأما الخطوة الثانية فهي اختيار أصحاب البلاغة والبيان, وأصحاب التجربة والذين يعيشون مع الناس ومع الشباب همومهم وآمالهم وآلامهم. خاطبوا الناس على قدر عقولهم , أي ليعلمهم ويقيم الحجة عليهم ويدلهم على جاد ة السلامة, وأيضا يضع الحلول لقضاياهم ويصف الدواء لأمراضهم.

باب الاجتهاد

باب الاجتهاد في الوقت الحالي هل أغلق? وما أسباب توقف الاجتهاد, وكيف يوجد الاجتهاد?

- باب الاجتهاد مفتوح ولكن لا يقوم بالاجتهاد إلا أهله. والاجتهاد هو بذل العالم قصارى جهده في معرفة الحكم الشرعي.

ومن الاجتهاد في العصر الحديث ما يصدر عن دار الافتاء في السعودية وهيئة كبار العلماء وغيرها, وكذلك ما يصدر من دراسات في القضايا المستجدة, رسائل جامعية أو بحوث فقهية, وهناك المجلات المتخصصة في الدراسات الفقهية, وأما أن باب الاجتهاد أغلق فأقول: في أواخر عهد الخلافة العثمانية ضعف وضع الخلافة سياسيا واقتصاديا وإداريا , واستأثر كثير من الباشوات والولاة بأمر ولاياتهم ودخلت داخلة الهوى. وتجرأ بعض من استهوتهم الدنيا على الفتوى بغير علم من جهة, وبمجاملة لذوي النفوذ من جهة أخرى. حينها أفتى كبار العلماء آنئذ بقفل باب الاجتهاد, ليسد وا منافذ الشياطين, وليبعدوا هؤلاء الجهلة المتعالمين. أي من باب سد الذرائع. وهذه الفتوى نفسها هي اجتهاد, وإلى حين.

والصواب أن الفقه الإسلامي لا يتوقف, وباب الاجتهاد لا يغلق, ولكن توضع الضوابط والشروط. وكم نرى في أيامنا من أناس بينهم وبين العلم ألف حجاب يتصدون للفتوى في أجهزة الإعلام وفي المجالس, وينبرون للحكم على الأحاديث أو لتفسيرها بمعيار رغباتهم, وينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة!!

وأضيف هنا أن الفقه الإسلامي ليس نظريات خيالية أو فلسفات جامدة, وإنما أحكام لتطبق. فهل يستجيب الناس لفتاوى العلماء الصادقين?

بل إن واقع أكثر المجتمعات الإسلامية عدم الالتفات إلى فتاوى أهل العلم.

القضاء

كيف ترى القضاء في الإسلام?

- القضاء فريضة محكمة وسن ة متبعة كما ورد عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم, والقضاء هو الحكم بين الناس بما أنزل الله.

والكلام عن القضاء ومكانته وأدب القاضي, وبم يقضي وكيف يقضي وعلى من يقضي.... يحتاج إلى حوار خاص.

الحضارة

ما معنى الحضارة, وهل نحن أمة متحضرة, ومتى يكون الإنسان متحضرا ?

- الأصل: الح ضارة والح ضارة الإقامة في الح ضر, والحضر خلاف البدو.

ثم إن أهل القرى والمدن تصير عندهم علوم مختلفة, وصناعات بسبب الاستقرار. وقد نسمي هذه حضارة, لأن الناس يصير لهم قوانين وقواعد لا بد من مراعاتها. والأصل أن العلوم والصناعات التي ترقى بإنسانية الإنسان وتخدمها, وكل ما ينهض بقيمه وحقوقه فهو من الحضارة.

ثم صارت ت طلق على ما يقابل الوحشية, فالمتوحش - أي من يسلك سلوك الوحوش والبهائم - من الأثرة والبطر وغمط الناس حقهم, وحب الظهور, فهو غير متحض ر ولو كان عنده علوم كثيرة. ومثال ذلك رجل يعرف أن يصلح السيارة أو يصنع آلة ولكنه كذاب أف اك مخادع ظالم هل يقال إنه متحضر....

والإنسان المهذ ب الذي لا يؤذي أحدا , وهو طاهر الثوب طاهر المكسب, فهذا هو المتحضر ولو كان قليل المعارف. بل إن الله تعالى وصف الكافرين بالجهل وعدم العقل على ما لديهم من صناعات وقوانين ونظم. أي أن العاقل المتحضر هو المؤمن.

وهل نحن أمة متحضرة?

- ضع الأمة في هذا الميزان, ونحن اليوم لنا وعلينا, والأصل أن المسلمين هم الأمة المتحضرة الخيرة , فهذه شروط استحقاق وصف الأمة المتحضرة.

وتكون الدولة - أي دولة - متحضرة بهذه الشروط أيضا .

الإيمان والدعوة إليه, العدل والعفة, البعد عن الغلو والفساد.

ماذا قدم المسلمون للعالم?

- قدموا المنهاج الأقوم والسلوك الأحمد. قدموا النصح والهداية, وحرروا البشرية من الوهم والخرافة. وقدموا العلوم الكونية (الحساب, الكيمياء, الفلك, الطب, اللغة, الهندسة والعمارة وغيرها من علوم الاجتماع والسلوك والتربية). وقدموا الفضائل والم ثل والعفو والصفح والإيثار... وعاملوا الخصم والصديق بالعدل والإحسان.

الحضارة والعالم

متى نهضت أوروبا?

- نهضت أوروبا على أكتاف المسلمين, كان حكامهم يرسلون أبناءهم ليروا النور في الأندلس وبغداد وغيرهما.

ثم لما ضعف المسلمون وقويت أوروبا هجموا على بلاد الإسلام فنهبوا الخيرات وسرقوا المكتبات..ولا تزال المخطوطات في مكتبات العواصم الأوروبية. وترجموها واستفادوا منها وحجبوها عن أهلها.

كيف نستفيد من الحضارة الغربية?

- يتلخص ذلك بأن نفرق بين المعارف الكونية وبين الأخلاق والمعتقدات, فلو أخذنا عنهم الصناعات والعلوم الطبيعية البحتة فنواميس الكون لكل الناس, وكذلك لو أخذنا عنهم تسهيل الإجراءات والمعاملات فإننا نستفيد كثيرا , وأما أخلاقهم وخمورهم وفجورهم وأوهامهم فمالنا ولها?

ما الفرق بين الإنسان المسلم وغيره من الناس في الديانات الأخرى?

- المسلم إنسان عالمي بعيد الامتداد, يرتبط بما قبل الوجود - الإيمان بالله, وبما بعد الدنيا - الآخرة. والحياة الدنيا طريق في نظره, وسلوكه يتوج ه بهذا المنظور.

وغير المسلم يا يرتبط بما قبل الوجود ولا بما بعد الحياة الدنيا .

ماذا عن الأبحاث الفقهية التي قمت بها في قسم الثقافة الإسلامية?

- هناك أبحاث عديدة قمت بها ومن أهمها:

1- ضمان السير في الفقه الإسلامي - أسباب الضمان -

2- حكم التداوي بالمحر مات.

3- حكم الاكتحال والتقطير في العين أثناء الصيام.

4- شرح قاعدة لا ينكر تغي ر الأحكام بتغير الأزمان.

5- خلاف ابن مسعود رضي الله عنه في الفرائض.

6- خلاف ابن عباس رضي الله عنهما في الفرائض.

7- كيفية التضمين في حوادث السير - مقدار الضمان.

8- عقوبة المستأمن إذا ارتكب حد ا .

9- الكفارات في حوادث الطرق, معالجة للأحوال الراهنة.

01- حكم احتساب إبراء المدين المعسر من الد ين زكاة.

11- أثر تطبيق الحدود على الاقتصاد.

21- الإقرار المعتبر.

31- الني ة التي لم يلحقها عمل هل ي بنى عليها حكم.

41- التخلي عن المكروب حتى يهلك.

51- شرح أصول الكرخي.

61- الخلاف بين أبي حنيفة ومالك.



**********************

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:29 AM
شبهات

قول أخرجوا المشركين من جزيرة العرب

الشبهة:

قالوا: دل الحديث على أن كل المشركين من اليهود والنصارى لا يجوز لهم الإقامة في جزيرة العرب، إلا لفترة وجيزة لقضاء حاجة أو استيفاء دين أو غيره، وأنه ليس لهم عهد ولا أمان ولا ذمة، في جزيرة العرب، وخاصة الأمريكان.

وبناءً عليه فالمقيمون في المجمعات السكنية لا ينطبق عليهم هذا الجواز، فلذلك يجب إخراجهم ولو بالقوة.

أما كونهم ليسوا بأهل ذمّة: فالذي نعرفه بأن أهل الذمة هم: أناس يعيشون في بلاد الإسلام، وتجري عليهم أحكام المسلمين، وهؤلاء لا يكونون في جزيرة العرب؛ لأن الكافر لا يسمح له باستيطان جزيرة العرب ..

كما أنهم ليسوا بأهل هدنة: فنحن تعلّمنا بأن المهادن هو حربي عقدنا معه اتفاقاً على وقف الحرب بيننا وبينه لمدة معلومة على أن يكون في بلاده، ولا يحارب المسلمين أو يُعين على حربهم.. فالجنود الأمريكان في بلاد المسلمين، وهم يحاربون المسلمين الآن في العراق وأفغانستان ...إلخ، فكيف يكونون أهل هدنة؟!

ثم ألم ينقض الأمريكان عهدهم في كل حين، فهل نبقى نحن على عهدٍ هم نقضوه ؟

طبعاً هذا إذا فرضنا مجرد فرضية أن العهد الذي دخلوا به هو عهد صحيح يثبت أثره لعاقده، لكن الصحيح أن العقد الذي يجيز للكفار الإقامة في جزيرة العرب إقامة طويلة هو عقد باطل، كما ذكر ذلك الشيخ العلاّمة بكر أبو زيد - عضو اللجنة الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء - في كتابه "خصائص جزيرة العرب" (ص 34).

هذا بالإضافة إلى أن الأمريكان محاربون بالاتفاق، وقد حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن تقتل مقاتلتهم، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال (أصبت حكم الله من فوق سبعة أرقعة)، فكان الصحابة يأتون بالصبي، فينظرون فإن كان أنبت قتلوه، وإلا تركوه!

فكان هذا دليلاً على أن البالغ من العدو الخائن للعهد، والمحارب لله ورسوله والمسلمين يعتبر مقاتلاً، يجوز استهدافه وقتله.

فالأمريكان محاربون، خانوا العهد، وحاربوا المسلمين في كل مكان، سواء بالمباشرة كما في أفغانستان، والعراق، أو بالمساعدة كما في الشيشان، وفلسطين بدعمهم للروس، واليهود هناك.

فإن قيل تلك بلاد حرب.. فهل الأمريكان -الذين يدفعون الضرائب، وأيد 70% منهم رئيسهم في الحرب على العراق- ليسوا محاربين؟ فإن قيل بعضهم ليس محاربا فهل في حالة عدم القدرة على التفريق بينهم يلزمنا أن نكف عنهم جميعا؟ أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عن الذين يبيتون فيصاب من ذراريهم: (هم منهم)؟

ثم إنهم بعد الإنذار بأنهم لا عهد لهم في بلاد المسلمين لا يبقى لهم عهد.

أما كونهم أهل أمان: فنحن نتساءل: من أعطاهم الأمان!! أحاكم اتفق العلماء على كفر مثله لموالاته الكفار، أم حاكم اتفق العلماء على كفر مثله لتحكيمه غير شرع الله؟!

الجواب:

وقد أجاب على هذه الشبهة كوكبة من أهل العلم وقد أجادوا وأفادوا وننقله بنصه حيث جاء فيه:

الجواب عن الاستدلال بحديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) من وجوه:

الوجه الأول:

هذا الحديث لا يدل على جواز قتل مَن في جزيرة العرب من اليهود والنصارى والمشركين ألبتة، لا بدلالة منطوقه ولا بدلالة مفهومه.

ولا يدل كذلك على انتقاض عهد من دخل جزيرة العرب من اليهود والنصارى لمجرد الدخول، ولم نجد من قال بذلك من أهل العلم.

وغاية ما فيه: الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وهو أمر موكول إلى إمام المسلمين، ولو كان فاجراً.

ولا يلزم من الأمر بإخراجهم إباحة قتلهم إذا بقوا فيها، فهم قد دخلوها بعهد وأمان، حتى على فرض بطلان العهد؛ لأجل الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فإن الكافر الحربي لو دخل بلاد المسلمين وهو يظن أنه مستأمن بأمانٍ أو عهد لم يجز قتله حتى يبلغ مأمنه أو يُعلِمه الإمام أو نائبه بأنه لا أمان له.

فقد ذكر المرداوي في "الإنصاف" (10/348-352) (مع المقنع والشرح الكبير) عن الإمام أحمد أنه قال : "إذا أشير إليه - أي الحربي - بشيء غير الأمان، فظنه أماناً، فهو أمان، وكل شيء يرى العلج (أي العدو من الكفار) أنه أمانٌ فهو أمان، وقال : إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمّنه، قال الشيخ تقي الدين - يعني ابن تيمية - : فهذا يقتضي انعقاده بما يعتقده العلج، وإن لم يقصده المسلم، ولا صدر منه ما يدل عليه" أ.ه- .

كما أن الأمان يجوز من الإمام الأعظم للكفار، ومن سائر المسلمين لآحاد الكفار، قال في الروض (4/296):"ويصح الأمان من مسلم عاقل مختار غير سكران ولو قنا -أي عبداً- أو أنثى بلا ضرورة من إمام لجميع المشركين ومن أمير لأهل بلدة ومن كل أحد لقافلة وحصن صغيرين". فيصح الأمان لهؤلاء الكفار من الإمام ومن سائر المسلمين.

الوجه الثاني:

لا يُسلَّم بقول من قال بأن هؤلاء لا عهد لهم ولا أمان ولا ذمة، فقد قال الشافعي:"فرض الله - عز وجل - قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا، وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، وقال تعالى:"لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286] فهذا فرض الله على المسلمين ما أطاقوه، ولا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم، وقد كفَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند كثيرٍ من أهل الأوثان، بلا مهادنة إذا انتاطت دورهم عنه مثل بني تميم وربيعة وأسد وطي، حتى كانوا هم الذين أسلموا، وهادن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ناساً، ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير ما خرج أخذه منهم" انظر الأم (4/188).

قال شيخ الإسلام في الاختيارات (ص: 455): "ويجوز عقدها -أي الهدنة- مطلقاً ومؤقتاً، والمؤقت لازم من الطرفين يجب الوفاء به ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء، وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة".

وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/874): "والقول الثاني هو الصواب أنه يجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً، فإذا كان مؤقتاً جاز أن تجعل لازمة ولو جعلت لازمة جعلت جائزة بحيث يجوز لكل منهما فسخها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن ينبذ إليهم على سواء، ويجوز عقدها مطلقة وإذا كانت مطلقة لا يمكن أن تكون لازمة التأبيد بل متى شاء نقضها، وذلك أن الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة، والمصلحة قد تكون في هذا وهذا، وعامة عهود النبي –صلى الله عليه وسلم- كانت كذلك مطلقة غير مقيدة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر مع أن خيبر فتحت وصارت للمسلمين، ولكن سكانها كانوا هم اليهود".

الوجه الثالث:

أن لأهل العلم في تحديد جزيرة العرب المقصودة في الحديث كلاماً طويلاً وخلافاً مشهوراً بعد اتفاقهم على تحريم استيطانهم لحرم مكة، وليس هذا موضع بسط الخلاف.

الوجه الرابع:

أن الأمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب يُحمل على ما إذا لم يحتج المسلمون إليهم في عمل لا يحسنه غيرهم، أو لا يُستغنى عن خبراتهم فيها.

ويدل لذلك إقرارُ النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهود على الإقامة بخيبر ليعملوا فيها بالفلاحة، لعجز الصحابة وانشغالهم عن ذلك.

ولذا أبقاهم أبو بكر طيلة حياته، وعمر صدراً من خلافته؛ لحاجة المسلمين إليهم.

ولما كثر عدد المسلمين في آخر عهد عمر، وقاموا بشأن الفلاحة والزراعة؛ استغنوا عن اليهود ونقض بعضهم ذمته، فأجلاهم عمر -رضي الله عنه- إلى الشام.

يقول الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/189) بعد ما ساق مصالحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليهود خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ما بدا لرسول الله أن يبقيهم:"فلما كان زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غالوا في المسلمين وغشوهم ورموا ابن عمر من فوق بيته ففدعوا يده (والفدع ميل في المفاصل من عظام اليد) فقال عمر -رضي الله عنه-: من كان له سهم من خيبر فليخرص حتى يقسمها بينهم، فقال رئيسهم: لا تخرجنا ودعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله، فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك: "كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوماً ثم يوماً ثم يوماً". وقسمها عمر -رضي الله عنه- بين من كان شهد خيبر يوم الحديبية"

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/88-89) : "لما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحةً؛ لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم أرض خيبر، فلو أقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم -يعني الجهاد- فلما كان زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفتحت البلاد، وكثر المسلمون، واستغنوا عن اليهود؛ فأجلوهم وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال:"نقركم فيها ما شئنا". وفي رواية :"ما أقركم الله". وأمر بإجلائهم عند موته -صلى الله عليه وسلم- فقال:"أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب". ولهذا ذهب طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري إلى أن الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين -الجزيرة- بالجزية، إلا إذا كان المسلمون محتاجين إليهم، فإذا استغنوا عنهم أجلوهم كأهل خيبر، وفي المسألة نزاع ليس هذا موضعه" ا.هـ.

وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/476) - بعد أن ذكر أن الكفار: إما أهل حرب أو أهل عهد، وأن أهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان، قال عن أهل الأمان - : "وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجوا، ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، و لم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربيا كما كان" اهـ.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله - شرح صحيح مسلم (مخطوط): - عندما سئل: هل يجوز استخدام العمال من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ؟ - فقال: "نعم يجوز ذلك، لكن لا يجوز أن يسكنوا ويكونوا مواطنين، هذا ممنوع في جزيرة العرب لكن إذا دخلوا في تجارة أو عمل غير مقيمين دائماً فلا بأس"اهـ.

ويشهد لذلك ما رواه البخاري في صحيحه (3700) في قصة مقتل عمر رضي الله عنه الطويلة، وفيه أنه لما قُتل أمر ابن عباس أن ينظر من الذي قتله، فلما أخبره أنه أبو لؤلؤة - قال عمر: "قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال - أي ابن عباس - : إن شئت فعلت ! - أي إن شئت قتلنا، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم !..." .

قال ابن حجر: في الفتح (7/64) : قوله: "قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة" في رواية ابن سعد من طريق محمد بن سيرين، عن ابن عباس، فقال عمر : "هذا من عمل أصحابك ! كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي، فغلبتموني"، وله من طريق أسلم مولى عمر قال : قال عمر : "من أصابني ؟ قالوا : أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، قال : قد نهيتكم أن تجلبوا عليها من علوجهم أحداً فعصيتموني". ونحوه في رواية مبارك بن فضالة.

وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال: "بلغني أن العباس قال لعمر - لما قال : لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء - : إن عمل المدينة شديد، لا يستقيم إلا بالعلوج".

قوله: "إن شئت فعلت" قال: ابن التين: إنما قال له ذلك؛ لعلمه بأن عمر لا يأمر بقتلهم.

قوله: "كذبت" هو على ما أُلِفَ من شدة عمر في الدين؛ لأنه فهم من ابن عباس - من قوله: "إن شئت فعلنا"، أي قتلناهم، فأجابه بذلك، وأهل الحجاز يقولون: "كذبت" في موضع "أخطأت"، وإنما قال له "بعد أن صلوا" ؛ لعلمه أن المسلم لا يحل قتله، ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم" انتهى .

فهذا الصنيع من عمر رضي الله عنه - وهو الذي أجلا اليهود إلى تيماء وأريحاء - دليل على أنه فَهِمَ من الأمر بالإخراج أنه إخراج خاص بالمواطنين، وأما المقيمون من هؤلاء إقامة غير دائمة، أو الواردون على المدينة - وهي من الجزيرة بالإجماع فلا يشملهم النهي.

ولم يكن عمر - وهو مَنْ هو في قوته في دين الله - ليجامل العباس أو ابنه في بقاء العلوج وهو يرى أن ذلك محرم، ولكنه كان يرى أن ذلك - أي عدم استقدامهم - أولى، ولكنه لم يلزم به، مع أنه إمام هدى، وأمير المؤمنين، وأحد الخلفاء الراشدين، ومثله - لإمامته العامة - يسوغ له أن يأمر بما يرى مصلحته، وإن كانت المسألة من مسائل الاجتهاد، ويجب السمع والطاعة له، ومع ذلك لم يفعل عمر من ذلك شيئاً ! .

فأي برهان أوضح من هذا على دلالة حديث الأمر بإخراج اليهود والنصارى - الذي كان عمر أحد رواته - كما ثبت في صحيح مسلم.

كما يشهد لهذا ما رواه ابن خزيمة في صحيحه (1329) عن جابر -رضي الله عنه - في قوله تعالى: "إنما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"..الآية، [التوبة: 28] قال: "إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة -أي له عقد أمان مع المسلمين، وليس المقصود أهل الذمة بالاصطلاح الفقهي المعروف-.

فتُحمل - إذاً - دلالة حديث إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب على المنع من استيطان المشركين لجزيرة العرب، لا إقامتهم فيها للعمل المؤقت، أو التجارة كما هو شأن الكفار الوافدين.

الوجه الخامس:

أن الكفار في البلاد في الجملة أهل وفادة وليسوا من أهل الإقامة، وهذا لا يسوّغ الدخول لكل وافد من الكفار، فإن هذا يُمنع بمناط آخر، لكن من احتاجه المسلمون ساغ وفوده، وقد قاله النبي في وصيته التي فيها ذكر إخراجهم: ( وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) كما في الصحيح، البخاري (3053)، ومسلم (1637)، وكأنه تنبيه على الجمع بين الحكمين، وأنه لا تعارض بينهما. ولهذا فإن عمر لما أخرج اليهود؛ استند إلى الحديث، لكنه مع ذلك ترك بعض أعيان الكفار من الرقيق وغيرهم لم يخرجهم فتأمل هذا.

الوجه السادس:

أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب يلزم منه أن تكون دماء الكفار من غير الأمريكيين والأوروبيين مهدرةً، وأموالُهم مباحةً؛ فليس انتقاض العهد بالإقامة في الجزيرة مخصوصاً بالنصارى الأمريكان والأوربيين وحدهم!

فيلزم من القول بإهدار دماء نصارى الأمريكان والأوربيين القولُ بإهدار دماء وإباحة أموال نصارى الدول الأخرى، إذ جميعهم نصارى مشركون، وهم في الحكم سواء.

ولا شك أن القول بانتقاض عهد كل مشرك لأجل إقامته في جزيرة العرب، ومن ثم إهدار دمه وإباحة ماله يفضي إلى فوضى واضطراب وظلم.

ومما يعجب له أنه على مدار عشرات السنين لم يثر هذا الأمر ليكون سبباً لقتال أهل الأمان مع وجودهم بين ظهرانينا.

إن هذا ظاهر في أن مسألة جزيرة العرب لم تكن مسألة أصلية لدى هؤلاء، وإنما استدعيت لتقوية الموقف الحادث من هذه التفجيرات.

الوجه السابع:

أن فساد الوصف لا يلزم منه فساد الأصل، ولو فرض أن الأمان المعطى لطائفة من الكفار قد تضمّن شروطاً فاسدة، فإن هذا لا يلزم منه فساد عقد الأمان وإهدار دم الكافر.

ثم إن إنذار العدو (أمريكا مثلاً) بنقض العهد وإعلان الحرب ليس موكولاً لآحاد الناس؛ بل هو موكول إلى أولي الأمر من العلماء والسلطان الأعلى للدولة. ومن عقيدة أهل السنة والجماعة الجهاد مع ولي الأمر، براً كان أو فاجراً، والسمع والطاعة بالمعروف كما في الحديث: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" أخرجه البخاري (7142) من حديث أنس - رضي الله عنه -. وفرقٌ بين إنكار المنكر وحض الحاكم على إنكاره بقدر المستطاع، وبين الإقدام على التغيير باليد، وارتكاب مفاسد لا حصر لها.

الوجه الثامن:

ليس كل موالاة للكفار تكون كفراً، فقد اشترط بعض العلماء مع مساعدة الكفار المودة لهم؛ لقول الله عز وجل:"تلقون إليهم بالمودة" [الممتحنة:1] واشترط بعض العلماء ألا يخشى المسلم سطوة الكافر وظلمه عن المساعدة، لآية الممتحنة وقصة حاطب بن أبي بلتعة (راجع تفسير القرطبي سورة الممتحنة).

قال الشيخ عبد اللطيف بن حسن في الدرر السنية (1/466): "وأما إلحاق الوعيد المترتب على بعض الذنوب والكبائر فقد يمنع منه مانع في حق المعين كحب الله ورسوله ... إلى قوله: وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة وما فيها من الفوائد، ففعل حاطب نوع من الموالاة بدليل سبب نزول الآية في قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة..." الآية، فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به ولم يكفر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"خلوا سبيله".

كما أنه يلزم من هذا تكفير المعين، وتكفير المعين لا بد من شروطه وانتفاء موانعه، قال الشيخ ابن تيمية في الفتاوى (12/498) : "وأما الحكم على المعين، بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه، وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه أنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وقال ابن تيمية -رحمه الله- عن الإمام أحمد في المجلد (23/348):"وإنما يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته والقائلين بخلق القرآن، وقد ابتلي بهم الإمام حتى عرف حقيقة أمرهم، ومع ذلك ما كان يكفر أعيانهم" انتهى.

وأيضاً قال ابن تيمية في المجلد (12/466):"وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبيَّن له، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد قيام الحجة وإزالة الشبهة".

الوجه التاسع:

أن كفر الحاكم ليس موجباً لبطلان عقد الأمان؛ لأن الكافر دخل بلد الإسلام على أن الحاكم نافذ الكلمة وله الولاية والسلطة.

والأمان ليس من الأمور التي لا تقام إلا بأمر الأمير وحده، ولا يشترط فيها تمام شروط الولاية بل الثابت عكس ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المؤمنين: (يسعى بذمتهم أدناهم) أخرجه البخاري (3179)، ومسلم (1370)، وأحمد (993)، من حديث علي – رضي الله عنه - وكذلك أمان أم هانئ للمشركين: (قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336/82 – كتاب الصلاة، من حديث أم هانئ -رضي الله عنها-، ولذا نص العلماء -كما سبق- على أن الأمان يصح من كل مسلم ولو عبداً أو أنثى.

ومهما يكن من شيء: فقد اختلف العلماء في المقصود بإخراجهم، وهي مسألة محل اجتهاد، وفيها خلاف معروف. ومن تمسك برأي سابق للأئمة فلا يجوز الطعن عليه، فضلاً عن نقض العهد برأي آخر، وإلا لسقطت كثير من العقود في المعاملات والعقود بين المسلمين أنفسهم، لوجود من يقول ببطلان أو فساد هذا العقد أو ذاك، ومعلوم أن مسائل العقود والعهود فيها نزاع كثير معروف في كلام الفقهاء، وليس لمن رأى رأياً مخالفاً أن يحمل الناس عليه، أو يفتات على جماعة المسلمين بتنفيذه.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:30 AM
من يتترس بهم الكفار من المسلمين

الشبهة:

فعلى الرغم من أن هذه الأعمال والتفجيرات قد وقع ضحيتها مسلمون أبرياء لاذنب لهم سوى توافق وجودهم في هذه الأماكن حال وقوع هذه التفجيرات إلا أن البعض منهم قال : إن هذه التفجيرات لا تحرم لكون بعض قتلاها من المسلمين الأبرياء الذين لا ذنب لهم.

فمثل هؤلاء يجوز قتلهم تبعاً لا قصداً، قياساً على قتل المسلمين الذين يتترس بهم الكفار.
قال ابن تيمية: "وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم" (الفتاوى 28 / 546 – 537، جـ 20 / 52)..

وقال في الإنصاف : وإن تترسوا بمسلم لم يجز رميهم إلا أن نخاف على المسلمين فيرميهم ويقصد الكفار، وهذا بلا نزاع" ( الحاشية على الروض 4 / 271)

ويمكن القول بأن هؤلاء القتلى ولو كانوا مسلمين فإنهم أشبه بالطائفة الممتنعة، وقد أفتى بكفرها أبو بكر والصحابة، وهو الصحيح، وأجمع العلماء المتقدمون والمتأخرون على قتالهم، فهم طائفة ممتنعة بالشوكة عن إقامة أحكام الله داخل مجمعهم.

الجواب:

وقد أجاب على هذه الشبهة أهل العلم حيث قالوا :

أولاً: قياس قتل المسلمين في عمليات التفجير في الرياض على قتل المسلمين إذا تترّس بهم الكفار قياسٌ مع الفارق من عدة وجوه:

الوجه الأول : ما قرره أهل العلم من أن قتل المسلمين المتترس بهم لا يجوز إلا بشرط أن يُخاف على المسلمين الآخرين الضرر بترك قتال الكفار، فإذا لم يحصل ضرر بترك قتال الكفار في حال التترس بقي حكم قتل المتترَّس بهم على الأصل وهو التحريم. فجوازه ـ إذاً ـ لأجل الضرورة، وليس بإطلاق. وهذا الشرط لا بد منه، إذ الحكم كله إعمال لقاعدة دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص96). قال القرطبي:(قد يجوز قتل الترس وذلك إذا كانت المصلحة ضروريَّة كلية، ولا يتأتى لعاقل أن يقول لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه, لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين) الجامع لأحكام القرآن (16/287).

أما لو قتل المسلمون المتترَّس بهم دون خوف ضرر على المسلمين ببقاء الكفار، فإننا أبطلنا القاعدة التي بني عليها الحكم بالجواز. فقتل المسلمين ضرر ارتكب لا لدفع ضرر عام بل لمجرد قتل كُفَّار. قال ابن تيمية:(ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك) مجموع الفتاوى (20/52).

فأين هذه الضرورة في قتل المسلمين الذين يساكنون النصارى في تلك المجمعات السكنية المستهدفة؟؟

الوجه الثاني: أن مسألة التترس خاصة بحال الحرب (حال المصافّة والمواجهة العسكرية)، وهؤلاء الكفار المستهدفون بالتفجير لسنا في حال حرب معهم، بحيث يكون من ساكنهم من المسلمين في مجمعاتهم في حكم المتترَّس بهم. بل هم معاهدون مسالمون.

الوجه الثالث: بيَّن أهل العلم أن قتل المسلمين الذين تترس بهم الكفار لا يجوز، إلا إذا لم يتأتَ قتل الكفار وحدهم. والكفار المستهدفون في تلك التفجيرات يمكن قتلهم -على فرض أنه لا عهد لهم ولا ذمة وأن دماءهم مهدرة- دون أذية أحد من المسلمين، فضلاً عن قتله.

الوجه الرابع: اختلاف حال المتترَّس به عن حال الحراس ونحوهم؛ فالمتترَّس به عادة هو أسير لدى الكفار ينتظر الموت غالباً على أيديهم، لكنهم يتقون به رمي المسلمين، أما الحراس –فضلاً عن المارة والجيران – فهم آمنون في بلادهم فبأي وجه يفاجؤهم أحد من المسلمين بأن يقتلهم لكي يقتحموا على من يحرسون من المعاهدين والمسلمين المقيمين معهم أو المتعاملين معهم؟.

الوجه الخامس: أن الله تعالى بيّن أن من مصالح الصلح في الحديبية أنه لو سلط المؤمنين على الكافرين في ذلك الحين لأدى إلى قتل أقوام من المؤمنين والمؤمنات ممن يكتم إيمانه، فلولا ذلك لسلط المؤمنين على أولئك الكافرين، قال تعالى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [سورة الفتح 25].

قال القرطبي رحمه الله (الجامع لأحكام القرآن 16/285): "لم تعلموهم أي لم تعرفوا أنهم مؤمنون أن تطأوهم بالقتل والإيقاع بهم...والتقدير: ولو أن تطأوا رجالاً مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة، ولسلطكم عليهم، ولكنَّا صُنَّا من كان فيها يكتم إيمانه. وقوله: {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} المعرة العيب...إي يقول المشركون: قد قتلوا أهل دينهم...لو تزيّلوا أي تميزوا، ولو زال المؤمنون عن الكفّار لعذب الكفار بالسيف... وهذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن"

فتبين من هذه الأوجه أن قياس المسلمين الذين يساكنون الكفار في المجمعات السكنية على مسألة التترُّس قياسٌ غير صحيح.

ثانياً: الطائفة الممتنعة هي التي تمتنع عن إقامة شيء من شعائر الإسلام الظاهرة ولها شوكة، فلا تلزم بإقامة هذه الشعيرة إلا بالقتال، كقرية اجتمعت على ترك الأذان مثلاً وكان لها شوكة لا يمكن إلزامهم بالأذان إلا بالقتال . أما لو امتنع أفراد أو جماعة لا شوكة لها ولم يقاتلوا فلا يقاتلون، بل يلزمون بأمر الشارع .

ومن امتنع عن أداء الزكاة من العرب بعد موت النبي –صلى الله عليه وسلم- كان لهم شوكة وقوة لا يتأتى إلزامهم إلا بقتال، وقد قاتلوا فقاتلهم أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم. انظر ما رواه البخاري (1457)، ومسلم (20) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.

أما الممتنع عن الزكاة بدون شوكة فقد حكم فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((فإنا آخذوها وشطر ماله)) رواه أبو داود (1575) والنسائي (2444) من حديث معاوية بن حيدة – رضي الله عنه-.

وعليه فإن من أقام في مجمع سكني لا تقام فيه أحكام الله لا يكون في حكم الطائفة الممتنعة التي يجب على الإمام إنذاره وأمره بإقامة شرع الله، فإن امتنع وكانت له شوكة أو قاتل جاز قتاله حتى يذعن.

قال ابن تيمية:(ولا يقتل من ترك الصلاة أو الزكاة إلا إذا كان في طائفة ممتنعة فيقاتلهم لوجود الحراب كما يقاتل البغاة) مجموع الفتاوى (20/100).

والقول بأن حراس المجمعات من المسلمين وكذلك السائقون والطباخون وعمال الصيانة ونحوهم ممتنعون عن الشعائر لا أساس له من الشرع أو الواقع، ولا يوجد أي وجه للشبه بينهم وبين الطائفة الممتنعة. بل لو فرضنا أن بعضهم يخدم الكفار بما هو محرم كإدخال الخمور لهم فإن ذلك منكر تجب إزالته وعقوبة فاعله، ولكنه لا يعد من الطائفة الممتنعة في شيء.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:31 AM
إغارة المسلمين على قوافل قريش

الشبهة:

احتجاجهم بإغارة المسلمين على قوافل قريش دون النظر في عاقبة اجتماع الكفار على حرب المسلمين:

حيث قالوا :كنّا نظن بأن هؤلاء الكفار كانوا يتدخلون في شؤوننا -وما زالوا- منذ أكثر من أربعة قرون، يعني : قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن، وقبل تفجيرات الرياض والخُبر، وقبل احتلال فلسطين وأفغانستان، بل منذ أن أوجد الرسول صلى الله عليه وسلم نواة المدينة الإسلامية الأولى في مدينته صلى الله عليه وسلم !! فما الذي تغيّر !!

نحن كنا نظن بأن هؤلاء الكفار لا يزالون يقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا، قاتلناهم أم لم نقاتلهم !! نحن كنا نظن بأن هؤلاء الكفار لم ولن يرضوا عنّا حتى نتبع ملّتهم، فجّرناهم أم لم نفجّرهم !! نحن كنا نظن بأنهم ينفقون أموالهم ليصدونا عن سبيل الله، ترصدنا لهم أم لم نترصّد لهم !! نحن كنا نظن أنهم يريدون لنا الشرّ وما زالوا يحاربون ديننا، جاهدناهم أم لم نجاهدهم !!

لم يقل الصحابة: يا رسول الله: لا تُغير على قوافل قريش فتستعدي قريشاً!! يا رسول الله: لا تقاتل الكفار في الجزيرة فيجتمعوا على حربك!! يا رسول الله: لا تحشد الجيوش لقتال قيصر، وإنْ حشد الجيوش لاستئصال الإسلام، فإنه لا قبل لنا بهرقل وجنوده، وعليك بالحوار والنقاش البنّاء، عليك بحوار الشجعان، وجهاد البيان لا السنان!! يا رسول الله لا تُنفذ بعث أسامة، يا خليفة رسول الله لا تنفذ بعث أسامة، لا تستعدِ علينا الروم!! لا قِبَل لنا بالروم.. أين نحن وأين الروم؟!! يا خليفة رسول الله: وماذا لو ارتدّت العرب؟!! ابق في المدينة ولا تخرج لهم وادعهم إلى الإسلام بالرفق واللين فنحن ضعفاء، وماذا لو تركوا دفع الزكاة، ما زالوا يُصلُّون!! يا خليفة رسول الله: لا تقاتل القوى العالمية الكبرى، فلا قِبَل للمسلمين بهم، وعليك بدعوتهم بالندوات والمحاضرات والبيانات والنقاشات والحوارات عبر الوسائل الإعلامية المُتاحة!!.

الجواب:

وأجاب أهل العلم على هذه الشبهة بقولهم :

ونحن نسألكم: متى بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يغير على قوافل قريش، ويبعث السرايا والجيوش، ويغزو قبائل العرب، ويخرج لغزو الروم ؟! إنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين وكثر عددهم، وصارت لهم دولة تؤويهم وتحميهم.

ألم يمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة ممنوعاً من قتال كفار قريش، مأموراً بالصبر والصفح وكف اليد، حتى إذا هاجر إلى المدينة، وصارت له قوة ومنعة وشوكة أُمر بالجهاد والنفير لقتال الأعداء.

لقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد اللسان والبنان قبل السيف والسنان، وجاهد بالقرآن وحاور وراسل وكاتب، فمن فعل فعله فقد اهتدى بهديه، واستن بسنته، ولا يصح أن يقال من أخذ بهذا إنه خوار جبان.

ثم ما تبلغ هذه التفجيرات في بلاد المسلمين -والتي يقتل فيها عشرات من الكفار المدنيين- من النكاية بالأعداء والإثخان فيهم؟!

لا نشك أن هذه الأعمال تمنح الأعداء الذريعة بالمجان؛ للتدخل في شؤون البلاد الداخلية وتحقيق بعض مآربهم.

إن هذه الأعمال ظاهرة المفسدة عديمة المصلحة، حتى ظن بعض الأخيار أنها من تدبير الاستخبارات الصهيونية والأمريكية، وليست من عمل المسلمين.

ما منا من أحد ألا وهو يفرح بالنكاية في الأعداء والإثخان فيهم وقتلهم، ولكن حيث يكون العمل مشروعاً ظاهر المصلحة، ينفع المسلمين ولا يضرهم.

وقد ذكر العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام (95): "أن أي قتال للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو فإنه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من فوات النفوس وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا صار مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة". انتهى مختصراً.

وليت هؤلاء فعلوا فعلتهم هذه في المعسكرات اليهودية في فلسطين أو في الثكنات العسكرية الصليبية في العراق، لكان فعلاً مشروعاً لا يجد أحدٌ مدخلاً لإنكاره وتخطئة فاعله. فهو جهاد في سبيل الله، وقتال للمحتل الغاشم، ودفاع عن بلاد المسلمين.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:31 AM
لم يعط ولي الأمر هؤلاء عهدا ولا أمانًا

الشبهة:

قولهم :ليس في عنقنا بيعة لولي الأمر، وعلى فرض وجودها فإنه لم يعط عهدا ولا أمانا لأحد :

حيث قال هؤلاء : إذا كانت إدانة هذه التفجيرات لأنها نقض لأمان ولي الأمر لمن استأمنه من هؤلاء الكفار المستهدفين، وبالتالي فهو خلل في الالتزام بالبيعة في أعناقنا لولي الأمر، فنحن ليس في أعناقنا بيعة لولي الأمر، حيث لم يبايعه أي واحد منا، وعلى فرض أن في أعناقنا بيعة، فأين العهد والأمان اللذين أعطاهما ولي الأمر لهؤلاء الكفار من يهود ونصارى؟

الجواب:

وقد أجاب على هذه الشبهة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع حيث قال :

أما ما يتعلق بالبيعة فأهل الحل والعقد في البلاد من علماء ووجهاء وأعيان قد بايعوا ولي الأمر بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن القوم من رجال ونساء، كما كان الشأن في ذلك حينما قام المقدمون في قومهم عن عموم المسلمين في مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم من جاء بعدهم من ملوك المسلمين، فلم تكن المبايعة من العموم فرداً فرداً من ذكور وإناث، وإنما كانت مبايعة المقدمين منهم من أهل الحل والعقد مبايعة عامة عن جميع المسلمين في تلك البلاد، ولم يقل أحد من علماء المسلمين كافة أن مبايعة ولي الأمر عينية على كل مكلف من ذكر أو أنثى، بل هي فرض كفاية إذا قام بها البعض من أهل الحل والعقد صار ذلك القيام عن الباقين، ولزمت البيعة الجميع.

أما التساؤل عن العهد المعطى لهؤلاء الكفار في بلادنا من قبل ولي الأمر، فهو التأشيرة التي لا يدخل الأجنبي البلاد إلا بحصوله عليها، وهي تعني عقداً يقتضي العهد والأمان لحاملها من حيث حمايته وحماية حقوقه حتى يبلغ مأمنه، كما تعني رعاية هذا الأجنبي لتعليمات وتنظيمات البلاد ورعايته لأعرافها وتقاليدها وحقوقها، فالتأشيرة عقد بين حاملها ومصدرها تعني الحقوق والواجبات، والله سبحانه يقول: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، وقال تعالى: {وأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}.

والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الحث والتأكيد على الوفاء بالعقود والعهود متضافرة في ذلك، والله المستعان.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:32 AM
القياس على العمليات الإستشهادية

الشبهة:

هل التفجيرات في الجزيرة عملاً إرهابياً، وفي غيرها من بلاد المسلمين جهاداً وعمليات استشهادية؟ لماذا يكون قتل المدنيين المسلمين (تبعاً) في غير بلاد الجزيرة من الجهاد!! وتفجير المباني في غير الجزيرة من الجهاد!! أليست كلها بلاداً إسلامية؟.

فما الفرق بين عملية في فلسطين يموت فيها يهود ومخابرات يهود مع بعض الفلسطينيين وعملية هنا؟؟ أعني من ناحية فقهية بغض النظر عن المصلحة؟ فلو بعد عشرين سنة صارت المصلحة في التفجير فهل يجوز؟!

الجواب:

وقد أجاب أهل العلم على هذه الشبهة من عدة وجوه :

الوجه الأول: الفرق بين التفجيرات في الجزيرة، والعمليات الاستشهادية في فلسطين والشيشان وأفغانستان هو أن الكفار في المملكة العربية السعودية معاهدون، فلا يجوز إيذاؤهم ولا الاعتداء عليهم ما داموا مقيمين لعهدهم لم يباشروا شيئاً مما يعتبر نقضاً له. وربما لا يرضون بسياسة دولتهم ولا معاملتها للمسلمين، فلا ينبغي أن يحملوا أوزار غيرهم، والله يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، ويقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].

وأما الكفار في فلسطين والشيشان وأفغانستان فهم حربيون معتدون محتلون، ليس بينهم وبين أهلها عهد ولا أمان، وإنما هم محاربون، ولذا فقتالهم بالوسائل الممكنة أمر مشروع، بل هو جهاد في سبيل الله؛ لقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39]، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في النسائي (4095)، والترمذي (1421) وأبو داود (4772) وابن ماجة (2580) من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه: (من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد).

فلابد من التفريق بين أنواع الكفار؛ فإنهم على أربعة أقسام:

ذميون، ومعاهدون، ومستأمنون، وحربيون.

فالذمي: هو من أقام بدار الإسلام إقامة دائمة بأمان مؤبّد.

والعهد: هو عقد بين المسلمين وأهل الحرب على ترك القتال مدّةً معلومة.

والمعاهدون: هم أهل البلد المتعاقد معهم.

وأهل الحرب: هم أهل بلاد الكفر التي لم يجرِ بينهم وبين المسلمين عهد .

وأما المستأمن: فهو الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمانٍ مؤقت لأمرٍ يقتضيه. (الدر النقي لابن عبد الهادي 1/290، المبدع (3/313، 398)، كشاف القناع (3/100).

فالفرق بين الحربي والمعاهد أن الحربي ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا صلح، بخلاف المعاهد .

والفرق بين الذمي والمستأمن أن الذمي هو من يقيم إقامة دائمة بأمان مؤبد، أما المستأمن فحربي دخل بلاد الإسلام لغرض متى انتهى ذلك الغرض خرج لبلده.

والمعاهد والذمي والمستأمن جميعهم معصومو الدم، لا يجوز الاعتداء عليهم ولا التعرّض لهم . قال تعالى:{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِم} [التوبة: 4].

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً)) أخرجه البخاري (3166).

وقد عاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أصنافاً من المشركين كبني قريظة وبني النضير، وهادن قريشاً في الحديبية على ترك القتال عشر سنين، وأن من جاء من قريش مسلماً رده النبي إليهم. وهذا كله معلوم في كتب السنة والسيرة.

أما الحربيون فجواز قتلهم ليس على الإطلاق، بل منهم من يجوز قتله، ومنهم من لا يجوز قتله إلا إذا قاتل بنفسه أو برأيه.

فكل حربي بنيته صالحة للقتال فهو من المقاتلة، سواء باشر القتال ضد المسلمين أو ساعد على قتالهم بماله أو رأيه أو مشاعره.

وأما من ليست بنيته صالحة للقتال كالنساء والصبيان والشيوخ والمعاقين ونحوهم ممن لا يعين على القتال بنفس ولا رأي، فإنه لا يقتل؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، كما في الحديث المتفق عليه عند البخاري (3015) ومسلم (1744) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما- إلا إذا أعانوا الكفار على القتال، أو تترسوا بهم أولم يمكن التمييز بينهم. لحديث الصعب بن جثامة – رضي الله عنه - أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سئل عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟ فقال: "هم منهم". متفق عليه عند البخاري (3021)، ومسلم (1745).

فتلخص أن الذمي والمعاهد والمستأمن لا يقتلون. وأما الحربي فمن كان من أهل القتال جاز قتله، ومن لم يكن من أهل القتال فلا يجوز قتله إلا تبعاً.

إن من المتقرر لدى علماء الإسلام - وما نظن المخالفين ينازعون في ذلك- أن الكفر ليس موجباً للقتل بكل حال؛ لأدلة كثيرة:

منها: قوله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256].

ومنها: ما شرع من تخيير الكفار بين الإسلام وبذل الجزية والقتال.

ومنها: النهي عن قتل من لا شأن له بالقتال، كالنساء والصبيان وكبار السن والمنقطعين للعبادة الذين لا يشاركون المقاتلين بالفعل أو الرأي.

وفي تقرير هذا الأصل يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزَّمِن (الضعيف) ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان -والأول هو الصواب- وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ} [البقرة:191] أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر" [السياسة الشرعية ص- (132) وما بعدها].

الوجه الثاني: أنه لا يلزم من جواز القتل ابتداءً جوازه بالفعل في زمن أو مكان معين؛ لأن مشروعية القتال منوطة بإعزاز الدين وظهور الغلبة للمسلمين وإذلال الكفار، فإذا ظهر لدى أهل الاجتهاد أن القتال في حالة معينة مفسدته أعظم من مصلحته لم يجز القتال حينئذ، ونصوص أهل العلم طافحة بهذا الأمر في الكلام عن صور عديدة تندرج تحت هذا الضابط العام، ومن ذلك ما جاء في مغني المحتاج (4/226): (إذا زادت الكفار على الضعف ورُجي الظفر بأن ظنناه إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية وجب علينا الفرار لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أو بنكاية فيهم استحب الفرار".

وقال الشوكاني في السيل الجرار (4/529): "إذا علموا -أي المسلمون- بالقرائن القوية أن الكفار غالبون لهم مستظهرون عليهم فعليهم أن يتنكبوا عن قتالهم ويستكثروا من المجاهدين ويستصرخوا أهل الإسلام، وقد استدل على ذلك بقوله عز وجل: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، وهي تقتضي ذلك بعموم لفظها... ومعلوم أن من أقدم وهو يرى أنه مقتول أو مأسور أو مغلوب فقد ألقى بيده إلى التهلكة".

الوجه الثالث: ما ذكروه في السؤال خارج موطن النزاع؛ فإن المسألة المتحدث عنها هي قتالهم في غير هذه البلاد، لا سيما وأنهم قد دخلوها بعهود أمان. وما حدث في بعض بلدان المسلمين لا يقتضي نقض كل عهد في كل بلدان المسلمين، خاصةً إذا تذكرنا أن بلدان المسلمين أصبحت ولايات متعددة تنفرد كل ولاية بسلطة مستقلة، ولها علماؤها وأهل الحل والعقد فيها، كما قرره فقهاء الإسلام، كإمام الحرمين والشوكاني وصديق حسن خان والشيخ محمد أبو زهرة (يراجع الإرشاد ص- (425)، السيل الجرار (4/512)، الروضة الندية (2/18) الوحدة الإسلامية ص- (64) وما بعدها)، وهو الرأي الذي لا يسع المسلمين سواه، إذ لو قيل بخلافه لبطلت ولايات الإسلام المتعددة من عهد بني أمية، حيث نشأت ولاية الأندلس إلى يوم الناس هذا، ولا يزال علماء الإسلام يبايعون أهل تلك الولايات، ويحرمون الخروج عليهم، ويرون وجوب طاعتهم في غير معصية الله.

وإذا تقرر عدم انتقاض العهود في كل بلاد الإسلام بانتقاضها في بعضها بمباشرة القتال، فمن باب أولى عدم انتقاضها بالتسبب والإعانة، كما في الشيشان وفلسطين.

إلا أنه مما يجب أن يفطن له أنه مع عدم انتقاض هذه العهود، فإنه لا يجوز الوفاء بما يتضمن التخاذل عن نصرة المسلمين في البلدان المعتدى عليها، فإن وقع هذا الشرط فهو باطل لا يلزم، بل لا يحل الوفاء به.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:32 AM
تبييت ذراري الكفار

الشبهة:

وعلى الرغم أيضا من أن هذه الأعمال والتفجيرات قد وقع ضحيتها معصومو الدم من نساء وأطفال المشركين ممن لاذنب لهم سوى وجودهم في هذه الأماكن حال وقوع هذه التفجيرات إلا أن البعض منهم قال : إن وجود بعض المدنيين الأبرياء من الكفار في عداد القتلى لا يحرم هذه العمليات، فقد روى الصعب بن جثامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أهل الديار من المشركين يبيّتون فيصاب من نسائهم وذرياتهم، قال: ((هم منهم)).

فهذا الحديث يدل على أن النساء والصبيان، ومن لا يجوز قتله منفرداً يجوز قتلهم إذا كانوا مختلطين بغيرهم ولم يمكن التمييز؛ لأنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن البيات وهو الهجوم ليلاً، و البيات لا يمكن فيه التمييز، فأذن بذلك لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.

ويلزم لمن قال بمسألة قتل الأبرياء من دون تقييد ولا تخصيص أن يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن بعدهم بأنهم من قتلة الأبرياء على اصطلاح هؤلاء القائلين، لأن الرسول نصب المنجنيق في قتال الطائف، ومن طبيعة المنجنيق عدم التمييز، وقتل النبي عليه الصلاة والسلام كل من أنبت من يهود بني قريظة ولم يفرق بينهم، قال ابن حزم في المحلى تعليقا على حديث: عرضت يوم قريظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أنبت قتل، قال ابن حزم : وهذا عموم من النبي صلى الله عليه وسلم، لم يستبق منهم عسيفا ولا تاجراً ولا فلاحاً ولا شيخاً كبيراً، وهذا إجماع صحيح منه . المحلى (7/ 299) .

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وكان هديه صلى الله عليه وسلم إذا صالح أو عاهد قوماً فنقضوا، أو نقض بعضهم وأقره الباقون ورضوا به غزا الجميع، وجعلهم كلهم ناقضين كما فعل في بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، وكما فعل في أهل مكة، فهذه سنته في الناقضين الناكثين . وقال أيضا : وقد أفتى ابن تيمية بغزو نصارى المشرق لما أعانوا عدو المسلمين على قتالهم فأمدوهم بالمال والسلاح، وإن كانوا لم يغزونا ولم يحاربونا ورآهم بذلك ناقضين للعهد، كما نقضت قريش عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بإعانتهم بني بكر بن وائل على حرب حلفائه .

ولا يزال القادة المسلمون يستعملون في حروبهم مع الكفار ضربهم بالمنجنيق، ومعلوم أن المنجنيق إذا ضرب لا يفرق بين المقاتل وغيره، وقد يصيب من يسميهم هؤلاء بالأبرياء، ومع ذلك جرت سنة المسلمين على هذا في الحروب، قال ابن قدامة رحمه الله: ويجوز نصب المنجنيق لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، وعمرو بن العاص نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية . (المغني والشرح 10 / 503).

وقال ابن قاسم رحمه الله في الحاشية : ويجوز رمي الكفار بالمنجنيق ولو قتل بلا قصد صبياناً ونساء وشيوخاً ورهباناً لجواز النكاية بالإجماع، قال ابن رشد رحمه الله : النكاية جائزة بطريق الإجماع بجميع أنواع المشركين (الحاشية على الروض 4 / 270).

ثم نقول لهؤلاء: ماذا تقصدون بالأبرياء؟

فهؤلاء لا يخلون من الحالات الآتية :

الحالة الأولى: أن يكونوا من الذين لم يقاتلوا مع دولهم، ولم يعينوهم لا بالبدن ولا بالمال ولا بالرأي والمشورة ولا غير ذلك، فهذا الصنف لا يجوز قتله بشرط أن يكون متميزاً عن غيره، غير مختلط به، أما إذا اختلط بغيره ولم يمكن تميزه فيجوز قتله تبعاً وإلحاقاً، مثل كبار السن والنساء والصبيان والمرضى والعاجزين والرهبان المنقطعين.

قال ابن قدامة: ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات وفي المطمورة إذا لم يتعمد قتلهم منفردين، ويجوز قتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، وليس في هذا خلاف. ( المغني والشرح 10 / 503).

وقال (ويجوز تبييت العدو، قال أحمد بن حنبل لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات، قال ولا نعلم أحداً كره البيات (المغني والشرح 10 / 503)

الحالة الثانية: أو هم من الذين لم يباشروا القتال مع دولهم المحاربة، لكنهم معينون لها بالمال أو الرأي، فهؤلاء لا يسمون أبرياء، بل محاربين ومن أهل الردء ( أي المعين والمساعد ) .

قال ابن عبدالبر -رحمه الله- في الاستذكار : لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل . الاستذكار (14 / 74).

ونقل الإجماع أيضا ابن قدامة رحمه الله في إباحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم , وقال ابن عبدالبر رحمه الله: وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة يوم حنين؛ لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع . التمهيد (16 / 142).

الحالة الثالثة: أن يكونوا من المسلمين، فهؤلاء لا يجوز قتلهم ما داموا مستقلين، أما إذا اختلطوا بغيرهم، ولم يمكن إلا قتلهم مع غيرهم جاز، ويدل عليه مسألة التترُّس وسبق الكلام عنها.

الجواب:

وقد أجاب أهل العلم على هذه الشبهة بقولهم :

إن مما نحمده للسائل لياذه بكلام أهل العلم، ونقل نصوص من عباراتهم، وهو منهج إذا اكتمل واضطرد وحسن معه القصد أفضى بصاحبه إلى طريق الصواب، وإن من أهم ما ينبه إليه طالب العلم ضرورة ضم النصوص بعضها إلى بعض، والصدور عن دلالتها مجتمعة، وعدم ضرب بعضها ببعض، أو الانتقاء منها بإعمال بعضها والإعراض عن بعض، ولهذا ألّف العلماء في الجمع بين النصوص والتوفيق بين دلالاتها وتنـزيل كل نص على ما يناسبه، وكذلك كلام أهل العلم فإنه يُجمع بعضه إلى بعض، ويصدر عن مجموعه ولا يعامل باجتزاء منقوص وإنما باستقراء متكامل، ولذا فإن دلالة هذه النقول المذكورة في السؤال لا بد أن تُستكمل بذكر النصوص الشرعية الأخرى في هذه المسألة وكلام أهل العلم عليها، وأن يتكون الرأي بعد البحث والنظر، لا أن ينطلق الإنسان في بحثه ليحشد لرأي قد حسمه وفرغ منه، وإن كان منطلقه عاطفة جيّاشه وحميّة صادقة، فالمقام مقام امتحان القلوب للتقوى، وصدق التحري لمراد الله –عز وجل-، والخضوع والتسليم لحكمه، وبذلك يكتمل النظر، ويتحقق –بتوفيق الله- الوصول إلى الحق بتجرد وإنصاف.

فإذا نظرنا بهذا النظر إلى هذه المسألة فإنا نجد أصلاً عاماً قررته النصوص الشرعية ببيان جلي، وهو تحريم قتل النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال منها:

1- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

قال القرطبي (2/348): قال ابن عباس وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد هي محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم.

2- عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: (إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مقتولة فأنكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان) أخرجه البخاري (3014) ومسلم (1744)، قال النووي في شرح مسلم (12/73):"أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا.

3- عن سلمان بن بردة قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً...)) رواه مسلم (1731).

4- عن رياح بن ربيع قال: كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: انظر إلى ما اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل))، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً فقال: ((قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً)) أخرجه أبو داود (2324) وصححه الألباني.

فاستنكر النبي –صلى الله عليه وسلم- قتل المرأة، وبين سبب استنكاره وهو كونها ليست من أهل القتال، فقرن النبي –صلى الله عليه وسلم- كونها لا تقاتل بمنع قتلها، فدل على أن علة القتل هي القتال.

وكذا ذكره –صلى الله عليه وسلم- العسيف، وهو الأجير لحفظ المتاع والدواب فلا يقتل إلا إن قاتل، وبناءً عليه فكل مستأجر لأعمال غير قتالية لا يجوز قتله ولو حضر لأرض المعركة.

5- عن أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- أنه خرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أميراً على جيش فقال له:(إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له). أخرجه مالك (973).

6- عن عمر –رضي الله عنه- أنه قال: (اتقوا الله في الفلاحين). أخرجه البيهقي (9/19).

إن هذه النصوص مجتمعة تدل على أن القتال إنما هو لأهل المقاتلة والممانعة، أما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} انتهى مختصراً من مجموع الفتاوى (28/354).

إن هذه النصوص من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وعلماء الأمة الراسخين متواردة على حرمة دم من ليس من أهل القتال، وأنها مصانة بحكم جليّ واضح، فإذا وجد من النصوص ما يظن أن ظاهره يخالف هذا جمع بين هذه النصوص بحيث تأتلف ولا تختلف قائلين (آمنا به كل من عند ربنا)، عائذين بالله أن نشابه من يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

ولذلك فإن هذه النصوص المتظاهرة لا يمكن أن تعطل دلالتها، ويبطل معناها بحديث التبييت المشهور.

فإن الاستدلال بحديث (التبييت) المروي في البخاري (3021) ومسلم (1745) عن الصعب بن جثامة – رضي الله عنه - على إباحة قتل الأبرياء من الكفار غير المحاربين استدلال بالشيء في غير موضعه، فلا يصح من وجهين:

الوجه الأول: أن الذين أجاز النبي تبييتهم -ولو أصيب نساؤهم وأطفالهم- إنما هم الكفار المحاربون الذين يقيمون في ديار الحرب، وليس بينهم وبين المسلمين ميثاقٌ ولا عهد، فيدخل النساء والذراري تبعاً. بخلاف هؤلاء المستهدفين في المجمعات السكنية، فهم معاهدون معصومون.

ولذا جاء في لفظ الحديث : "سئل عن الذراري من المشركين". وهؤلاء الأبرياء الذين قتلوا في التفجيرات

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:33 AM
قصة أبي بصير مع المشركين

الشبهة:

احتجاجهم بأنه ليس في عنقهم بيعة لأحد ممن أعطى هؤلاء العهد فلا يلزمنا هذا العهد بالأمان أو الذمة:

حيث قالوا : إن المجاهدين ـ أو ما تسميه أمريكا تنظيم القاعدة ـ ليس بينهم وبين أمريكا عهد، فيجوز لهم قتالهم، قال ابن القيم: "ومنها: أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام، فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -قدس الله روحه- نصارى ملطية وسبيهم، مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين)".

الجواب:

وأجاب أهل العلم على هذه الشبهة بقولهم:

صحيح أن المجاهدين أو ما يسمى بـ"تنظيم القاعدة" ليس بينهم وبين أمريكا عهد ولا ذمة، فيجوز لهم قتال الجنود الأمريكان اللذين غزوهم واحتلوا ديارهم، ولكن لا يجوز لهم قتال الأمريكان المدنيين في بلادٍ لهم فيها عهد وأمان حتى يخرجوا منها.

أما أبو بصير -رضي الله عنه- حينما قاتل كفار قريش، فإنه لم يقاتلهم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي محلُ أمان لمن تحيَّز إليها منهم؛ لأنهم فيها معصومون مستأمنون.

بل لم يقتل أبو بصيرٍ رسولَ قريش حين رآه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الرسول قد فرّ من أبي بصير بعد أن قتل أبو بصير صاحبَه، مع أنه لم يكن ثمة عهد بينه وبين هذا الرجل. فالذي منعه من هذا هو أن الرجل قد تحيَّز إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا التقييد مستفادٌ من النص ذاته، المنقول عن ابن القيم رحمه الله، حيث قال: "ومنها ـ أي من فوائد قصة أبي بصيرـ : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم، وسواءٌ دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم".

فنلحظ أن ابن القيم قد قيَّد جوازَ قتلِ الطائفة التي لم تدخل في عقد الإمام وعهده (كأبي بصير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للمعاهدين بألاّ تتحيَّز الطائفة إلى الإمام؛ إذ من مقتضى المعاهدة والأمان أن يحمي الإمام المعاهدين من أي اعتداء عليهم متى كانوا في سلطانه.

وهذا صريح في استقلال كل دولة أو جماعة بذمتها وعهودها، ولذا لم يكن مشروعاً للذين ليس بينهم وبين الأمريكان عهد أن يعتدوا عليهم في بلادٍ لهم مع أهلها عهدٌ وذمة.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:34 AM
مفاهيم الجهاد


تعريف الجهاد

كلمة لها وقعها في الآذان والنفوس بل وأصبح لها وقعها المميز حتى عند غير أهل اللغة - أي العرب أنفسهم - من أصحاب اللغات الأخرى الأجنبية وأصبحت عندما تذكر تتفاعل معها النفوس وتتهيأ الأذهان لاستدعاء صور مخصوصة بعينها تتعلق بهذه اللفظة فهل نحن حقا نعرف عن الجهاد ما يكفي لكي نكون ملمين بمدلوله ومراده وحقيقته أم أننا في ذلك نترك المجال مفتوحا أمام كل من هب ودب سواء كان من المسلمين أو غيرهم ليدلي لنا بفهمه الخاص ويمليه علينا مقنعا إيانا أن هذا هو الفهم السليم وأن ما عداه باطل مشوه لحقيقة هذه الكلمة عظيمة المدلول.

إن مأساتنا نحن المسلمين إنما تكمن على الحقيقة في دخولنا في أعوص المسائل وأقوى النقاشات ونحن لم نحرر مقاصد ألفاظنا ومرادات تعبيراتنا وبذا يبدأ النقاش وينتهي ونحن ما زلنا بعد لم نتفق ولم نلتق ولذا لا يصح أن نتغافل نحن معشر المسلمين عن الخطوة الأولى في الحوار حول أي موضوع أو النقاش في أي قضية ألا وهو تحرير المصطلحات وبيان المراد منها حتى لا يغني كل طرف منا في واد ولا يسمعه صاحبه.

إن المتعامل مع نصوص الشريعة الغراء الكاملة لابد له أن يفهم مراد ألفاظ الشارع الكريم التي استخدمها في هذه النصوص على مراد الله تعالى لا على مراد غيره لأنه المعبود بهذه الألفاظ ولابد له بعد ذلك من الوقوف على هذه النصوص فلا يفسرها بهواه أو سابق فهمه بل هو يستقي منها مقاييس الصواب والخطأ والمفروض وغير المفروض من الأقوال والأفعال فينساق لمراد الله تعالى فيها فتكمل له منازل العبودية الرفيعة وينال منها أعلاها.

لقد درج علماؤنا في التعامل مع الألفاظ الواردة في نصوص الشريعة على سلوك طريق تعريف اللفظ في اللغة العربية عند أهل الاصطلاح من أهل اللغة ثم تناول هذا التعريف في اصطلاح علماء الشريعة وهو ما يعبر عنه بالتعريف الشرعي الخاص باللفظ وبذا تكون معاني اللفظ قد تم استيعابها فأما من حيث اللغة فلأن الله تعالى إنما أنزل أحكام الشريعة باللغة العربية فمرادات الألفاظ في اللغة العربية لابد من اعتبارها عند النظر في دلالات هذه الألفاظ واما من حيث التعريف الشرعي فهو التعريف الذي بدت معالمه واضحة في أحكام الشريعة ونصوصها وبان أنه المراد من خطاب الله تعالى لعباده بهذا الأمر وقد استقرأه علماء الشريعة من مجمل ومفصل النصوص الشرعية وقد يتفق التعريفان اللغوي والشرعي وقد يفترقان ولكن هذا لا ينفي أن دلالات اللفظ اللغوية لا بد أن تنعكس ظلالها على معنى اللفظ الشرعي فتزيد من مساحته وتوسع من معانيه.

وتعال بنا الآن نتعرف على هذه دلالات هذه الكلمة جليلة القدر عظيمة الشأن " الجهاد ":

أولا: المعنى اللغوي:

تدور دلالة كلمة الجهاد لغة حول المعاني :

1 ـ بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.

2 ـ الجهاد مصدر جاهد جهاداً ومجاهدةً، وجاهد فاعل من جَهَدَ إذا بالغ في قتل عدوّه وغيره، ويقال : جَهَدَه المرض، وأجهده إذا بلغ به المشقة، وجَهَدت الفرس، وأَجْهَدتُه إذا استخرجت جُهده، والجهد بالفتح المشقة، والضم الطاقة، وقيل : يقال بالضم وبالفتح في كلِّ واحدٍ منهما فمادة ج هـ د حيث وُجدت ففيه معنى المبالغة.

3 ـ قال الراغب في مفردات القرآن: (الجَهْد والجُهْد: الطاقة والمشقة· وقيل الجَهْد بالفتح: المشقة، والجُهْد: الوسع) وقال ابن حجر: (والجهاد بكسر الجيم: أصله لغة: المشقة) .

وبذا نرى أن تعريفات أهل العلم رحمهم الله تعالى لمعنى الجهاد اللغوي تدور حول مجموعة معان وهي:

1. بذل أقصى الوسع والطاقة والجهد.

2. المشقة.

3. المبالغة.

4. المدافعة حيث لا بد من طرف آخر ليجاهده.

فكلمة "الجهاد" لها مدلول عميق، وبنظرة سريعة المعاني التي ذكرها العلماء يتضح لنا كمثال أن المعنى اللغوي لكلمة "جهاد" مشتق أصلاً من كلمة: "جَهد"، وهي تدل على بذل الجهد، واستفراغ الوسع والطاقة في أمر من الأمور، فأنت تقول: فلان أجهدَ فلانًا، يعني: أتعبه، وفلان اجتهد في كذا، يعني: بذل جهده وغايته. فإذا أضفنا إلى أصل معنى كلمة "جهد" لفظ "الجهاد" أو "المجاهدة" الذي يدل على مفاعلة بين طرفين، يعني هناك من يبذل جهده ضدك، وأنت تبذل جهدك ضده، مثل المقاتلة، ففرق بين أن تقول: فلان قتل فلانًا، وبين أن تقول: فلان قاتل فلانًا، فالأولى تحتمل المعنى أنه وجده نائمًا فقتله، لكن قوله: قاتله معناه أن هذا كان معه سيف -مثلاً-، والآخر معه سيف كذلك، فتلاقيا، ومازال كل واحد منهما يكرُّ ويفرُّ، ويميل يمنة ويسرة على الآخر، حتى أمكن منه فقاتله ثم قتله وهو معنى له دلالته اللغوية التي تنعكس ولابد على الدلالة الشرعية.

إذن "جاهد" تدل على أن هناك طرفًا آخر يقاتل المسلمين، ويؤذيهم ويحاربهم ويكيد لهم، والمسلمون مطالبون بأن يواجهوا هذا بالجهاد والمجاهدة، مثل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200]، فقوله: (اصْبِرُوا) يقتضي أن الإنسان يصبر على ما يناله وما يصيبه، لكن قوله: (وصابِرُوا) معناه أنه لا يكفي الصبر؛ بل لابد من المصابرة، بمعنى أنكم ستلقون أعداء يصبرون كما تصبرون، فصابروا صبرًا فوق صبرهم.

ثانيا: المعنى الشرعي:

تتراوح تعريفات العلماء للجهاد بين متوسع ومضيق سواء لمعناه هو أو لمن يتوجه إليه الجهاد على الوجه التالي:

1. هو بذل الجهد من المسلمين في قتال الكفار، والبغاة، والمرتدين ونحوهم.

2. هو بذل الجهد في قتال الكفار خاصة بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق وغيرهم .

3. قال الحافظ "الجهاد شرعاً بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضاً على مجاهدة النفس والشيطان والفسّاق ، فأما مجاهدة النفس فعلى تعلّم أمور الدين ثم على العمل بها ثم تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما مجاهدة الفسّاق فباليد ثم اللسان ثم القلب".

4. المعنى الشرعي عند أغلب الفقهاء هو قتال المسلمين للكفار بعد دعوتهم إلى الإسلام أو الجزية وإبائهم

فهو عند الأحناف: (بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك أو المبالغة في ذلك)(4).وأنه: (الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله).

وعند المالكية هو: (قتال مسلم كافرًا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله تعالى).

وعند الشافعية كما قال الحافظ ابن حجر: (وشرعًا: بذل الجهد في قتال الكفار).

وعند الحنابلة: (قتال الكفار).

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تعريف عام للجهاد قال فيه: "والجهاد هو بذل الوسع والقدرة في حصول محبوب الحق، ودفع ما يكرهه الحق" وقال أيضاً: "··· وذلك لأن الجهاد حقيقته الاجتهاد في حصول ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح، ومن دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان".

وبذا يتضح أن الجهاد في تعريفه الشرعي عند العلماء ينحصر عند أغلب الفقهاء بالنسبة لمن يتجه إليه في قتال الكفار وهذا هو تعريف الجهاد عند الإطلاق وهناك أنواع أخرى أطلق عليها الشارع اسم الجهاد مع خلوها من القتال كجهاد المنافقين، وجهاد النفس وهو يتسع ليدخل فيه الجهاد باليد واللسان والقلب.

وتحت هذا المعنى العام للجهاد يدخل أنواع ( من يتوجه إليه الجهاد ) وهي:

1. جهاد النفس في طاعة الله تعالى وترك معاصيه.

2. جهاد الشيطان.

3. جهاد المنافقين.

4. جهاد الكفار، ومن ذلك جهاد البيان والبلاغ، ومدافعة الفساد والمفسدين؛ بل إن جهاد الكفار بالسنان إن هو إلا جزء من القيام بفريضة الأمر بالمعروف الأكبر وهو نشر التوحيد والنهي عن المنكر الأكبر وهو الشرك بالله والكفر به وذلك بعد دعوة الكفار إلى التوحيد ورفضهم له أو لدفع الجزية

أما بالنسبة لدرجات الجهاد أو أنوعه فيما يتعلق به خاصة فهي:

1. جهاد السنان واليد والقتال.

2. جهاد اللسان.

3. جهاد القلب.

وجهاد الكفار ينقسم إلى قسمين هما:

1. جهاد الدفع.

2. جهاد الطلب على تفصيل سنتناوله في موضعه.

ومع وضوح كل من المعنى اللغوي والشرعي للفظ الجهاد تتحدد صورة تداولنا للمصطلح وتعاملنا معه في دائرة حوارنا ونقاشاتنا حتى يكون هذا الحوار على أرضية واضحة ثابتة تصل إلى نتائج مثمرة بإذن الله تعالى .

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:35 AM
أخلاقيات الجهاد في الإسلام

لما كان الإسلام دين الحياة بكل تفاصيلها وأوقاتها وأحوالها في السلم والحرب فقد أمر الله عز وجل في كتابه الكريم ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة - أمر المسلم بالعدل والرحمة علاقاته مع الآخرين بما فيهم أعداؤه ومن يقاتلهم ،و لم يطلق الإسلام يد أتباعه في جهادهم ضد أعدائهم ، بل وضع لهم أعظم الدساتير التي عرفها الكون على مر الدهور والعصور ، دستوراً ملؤه الرحمة والعدل والقسط لأن هذا الدين لم يضعه البشر بل هو من عند الله رب العالمين ، فكان هذا الدين عدلاً وقسطاً ورحمة للعالمين . ولم يعرف التاريخ مثل هذه الأخلاقيات التي يلزم بها دين أتباعه في قتالهم لعدو الله وعدوهم كما عرفها أخلاقا نظرية وواقعا حيا يمارسه المسلمون في جهادهم وقتالهم ، فالحرب في الإسلام مقدسة فاضلة في الباعث عليها وفي ابتدائها وسيرها وانتهائها ومعاملة المغلوبين فيها.. حرب عادلة لاتبيح قتل أحد لا يقاتل.. وتمنع إتلاف الزرع والشجر وتخريب العمران، تستمد نظامها من عند الله لا من قوانين الغابة في الأرض ولا من تحكم القوى في الضعيف، الباعث عليها نصت عليه الآية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) و(قاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله )، فالقتال لدفع الاعتداء، ودفع الفتنة وإعلاء كلمة الله وحده وإقامة دينه، ، فالقتال لمنع الفتنة حتى إذا انتهت انتهى القتال، والأصل في القتال التحريم إلى أن يكون هناك سبب له وهو الاعتداء والإسلام لا يقصد بالقتال الاستيلاء على الأرض أو التحكم في الرقاب أو في مصائر العباد.

فمن أخلاقيات الجهاد في الإسلام :

1) عدم جواز قتل النساء والأطفال:

هناك أصل عام قررته النصوص الشرعية ببيان جلي، وهو تحريم قتل النساء والأطفال ومن ليس من أهل القتال منها:

1- قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

قال القرطبي (2/348): قال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد هي محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم.

وعن الحسن البصري : المراد بذلك النهي عن ارتكاب المناهي من المثلة والفلول وقتل النساء والشيوخ الذين لا قدرة لهم على القتال ، وكذلك النهي عن قتل الرهبان وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة وفي الآية نهي مطلق يفيد التحريم عن قتال من لم يقاتل من النساء والأولاد والشيوخ والرهبان.

2- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "إن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان".

قال النووي في شرح مسلم (12/73): "أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والأطفال إذا لم يقاتلوا".

3- عن سلمان بن بردة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً...)).

4- عن رياح بن ربيع قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: انظر إلى ما اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل، فقال: ((ما كانت هذه لتقاتل))، وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً فقال: ((قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً)).

فاستنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل المرأة، وبين سبب استنكاره وهو كونها ليست من أهل القتال، فقرن النبي -صلى الله عليه وسلم- كونها لا تقاتل بمنع قتلها، فدل على أن علة القتل هي القتال.

وكذا ذكره -صلى الله عليه وسلم- العسيف، وهو الأجير لحفظ المتاع والدواب فلا يقتل إلا إن قاتل، وبناءً عليه فكل مستأجر لأعمال غير قتالية لا يجوز قتله ولو حضر لأرض المعركة.

5- عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه خرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أميراً على جيش فقال له:(إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له) .

6- عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال:(اتقوا الله في الفلاحين).

فهذه النصوص مجتمعة تدل على أن القتال إنما هو لأهل المقاتلة والممانعة، أما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وإذا كان أصل القتال المشروع في الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

وسيأتي الرد على احتجاج البعض بحديث التبييت على جواز قتلهم مطلقا تبعا لا أصالة عند الرد على شبهات القائمين بأعمال التفجير في ديار الإسلام واستهداف النصارى المقيمين في ديار الإسلام بدعوى أنهم محاربون.

2) عدم جواز قتل الأعمى ولا الزمنى ولا الراهب ولا العبد ولا الفلاحين ولاغيرهم ممن ليس من أهل الممانعة ولا المقاتلة:

وقد تقدم بعض أدلة هذه المسألة في المسألة السابقة ،وكذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. ونسوق طائفة أخرى من أقوال أهل العلم في ذلك :

قال الإمام مالك: لا يقتل النساء والصبيان والشيخ الكبير والرهبان والمجوسيين في الصوامع والديارات.

و قال شمس الدين بن قدامة المقدسي: إذا ظفر بالكفار لم يجز قتل صبي لم يبلغ بغير خلاف، ولا تقتل امرأة ولا هرم ولا شيخ فان وبذلك قال مالك وأصحاب الرأي، أما الفلاح الذي لا يقاتل فينبغي أن لا يقاتل لما روى عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا يناصبونكم الحرب. وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث.

قال الشوكاني: لا يجوز، مثل من كان متخليًا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضهم عن ضرر المسلمين.

قال صاحب كتاب الهداية الحنفي: لا يقتلوا امرأة ولا صبيا ولا شيخا فانيا ولا مقعدا ولا أعمى، لأن المبيح للقتل عندنا هو الحراب، ولا يتحقق منهم، ولهذا لا يقتل يابس الشق "الشلل النصفي" والمقطوع اليمنى والمقطوع يده ورجله من خلاف، ولا يقتلوا مجنونا والمشهور عند المالكية أن الصناع لا يقتلون.

3) حرمة قتل المدنيين الذين ليسوا من أهل المقاتلة والممانعة:

اختلف العلماء في علة قتال المشركين: أهي الكفر أم هي الانتصاب للقتال؟

ذهب الجمهور إلى أن العلة الانتصاب للقتال، أما الشافعية فيرون أن العلة هي الكفر.

وأجاب الجمهور أنه لو كانت العلة هي الكفر فإن هذه العلة موجودة في النساء والرهبان والشيوخ والزمني والأعمى، وهؤلاء وردت النصوص بمنع قتلهم في الحرب كما سبق وبينا.

كما احتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على المرأة المقتولة: ((ما كانت هذه تقاتل)) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم علة النهي عن قتلها أنها لا تقاتل ولو كانت علة قتل الكفار وهو كفرهم لأمر النبي بقتلها لأنها كافرة!

وكذا قول عمر بن الخطاب: (اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب) فجعل علة عدم قتلهم أنهم لا يشاركون في الحرب.

فكل الأصناف السابقة المنهي عن قتالهم من النساء والصبيان والشيوخ والزمني والرهبان كلهم اشتركوا في علة واحدة هي عدم مشاركتهم في القتال وعدم انتصابهم إليه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمني ونحوهم فلا يقتلون عند الجمهور إلا أن يقاتل بقوله أو بفعله وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان، والأول هو الصواب؛ لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 191].

أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه أهـ.

4) لا يجوز التمثيل بجثث القتلى:

وردت عدة أحاديث في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة نقلها عنه جمع من أصحابه، منهم:

بريدة بن الحصيب، وعمران بن الحصين، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة، ويعلى بن مرة، وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن يزيد، وأسماء بنت أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين، فمن ذلك:

ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبة والمثلة.

وما أخرجه أحمد ومسلم والأربعة عن بريدة رضي الله عنه مرفوعاً: (اغزوا باسم الله في سبيل الله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً... الحديث).

وما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبَّان عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة)، وقد رواه البخاري عن قتادة إثر قصة العرنيين مرسلاً.

وما أخرجه أحمد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله عن المثلة).

وما أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله في بعث، فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً لرجلين فأحرقوهما بالنار، ثم قال حين أردنا الخروج: إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"، وفي بعض ألفاظ الحديث: (وإنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله).

وثمَّة نصوص أخرى تفيد النهي عن التمثيل بالحيوان أيضاً ليس هذا مجال ذكرها.

قال ابن عبد البر في "الاستذكار": (والمثلة محرَّمة في السنة المجمع عليها، وهذا بعد الظفر، وأما قبله فلنا قتله بأي مثلة أمكننا) نقلاًً عن "مواهب الجليل".

وقال ابن عابدين في حاشيته: (نهينا عن المثلة بعد الظفر، أما قبله فلا بأس بها اختياراً).

إلا أن البعض يقيد ذلك بألا يمكن قتلهم أي قبل الظفر إلا بالمثلة بهم، وذلك بتحريقهم ونحوه.

وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المثلة إذا كان ذلك على سبيل القصاص

واحتج بالأدلة التالية:

أولاً: قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126].

قال الشعبي وابن جريج: (نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثِّل بهم لنمثِّلن بهم، فأنزل الله فيهم ذلك).

وقال القرطبي: (أطبق جمهور أهل التفسير على أن هذه الآية مدنية، ونزلت في شأن التمثيل بحمزة يوم أحد، ووقع ذلك في صحيح البخاري في كتاب السير، وذهب النحَّاس إلى أنها مكية، والمعنى متصل بما قبلها من المكي اتصالاً حسناً؛ لأنها تتدرج الرتب من الذي يدعى ويوعظ، إلى الذي يجادل، إلى الذي يجازى على فعله، لكن ما روى الجمهور أثبت، روى الدار قطني عن ابن عباس قال: لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى منظرًََا ساءه، رأى حمزة قد ُشق بطنه، واصُطِلم أنفه، وجُدعت أذناه، فقال؛ "لولا أن يحزن النساء أو أن تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير، لأمثِّلن مكانه بسبعين رجلاً"، ثم دعا ببردة وغطى بها وجهه فخرجت رجلاه، فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه، وجعل على رجليه الإذخر، ثم قدمه فكبر عليه عشراً، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، إلى قوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، فصبر ولم يمثل بأحد)، وكذا أخرجه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه بإسناده عن أبيّ بن كعب بنحو هذه القصة.

قال شيخ الإسلام: (أما التمثيل في القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص، وقد قال عمران بن حصين رضي الله عنه: ما خطبنا رسول الله خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة، حتى الكفار إذا قتلناهم فإنا لا نمثل بهم ولا نجدِّع آذانهم ولا نبقر بطونهم، إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم ما فعلوا، والترك أفضل كما قال تعالى؛ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ...}[النحل: 126]، قيل؛ إنها نزلت لما مثَّل المشركون بحمزة وغيره من شهداء أحد، فقال: لئن ظفرني الله بهم لأمثِّلن بضعفي ما مثلوا بنا، فأنزل الله هذه الآية، وإن كانت قد نزلت قبل ذلك بمكة... ثم جرى بالمدينة سبب يقتضي الخطاب فأنزلت مرة ثانية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بل نصبر)).

ونقل صاحب الفروع عن الإمام أحمد أنه قال: (إن مثَّلوا مُثل بهم) - ذكره أبو بكر -

وقال شيخ الإسلام -: (المثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها والصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد، ولا يكون نكالاً لهم عن نظيرها، فأما إن كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان، أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القضية في أُحُد كذلك؛ فلهذا كان الصبر أفضل، فأما إن كانت المثلة حق لله تعالى فالصبر هناك واجب، كما يجب حيث لا يمكن الانتصار ويحرم الجزع).

ثانياً: ما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أن قوماً من عكل وعرينه اجتووا المدينة فأمرهم النبي بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا الراعي واستاقوا الذود، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم).

قال الباجي رحمه الله تعالى: (أما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالعرنيين الذين قتلوا رعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا نَعَمَه، فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، فقد روى سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه؛ أنهم كانوا فعلوا بالرعاء مثل ذلك، ومثل هذا يجوز من مثَّل بمسلم أن يُُمثَّل به على سبيل القصاص).

يشير الإمام الباجي رحمه الله تعالى إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه بإسناده عن سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه قال: (إنما سَمَل النبي أعين أولئك؛ لأنهم سَمَلوا أعين الرعاة).

وقال القاضي عياض: (اختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا، فقال بعض السلف؛ كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة فهو منسوخ، وقيل؛ ليس منسوخاً وفيهم نزلت آية المحاربة، وإنما فعل بهم النبي ما فعل قصاصاً؛ لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك، وقد رواه مسلم في بعض طرقه، ورواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأهل السير والترمذي، وقال بعضهم؛ النهي عن المثلة نهي تنزيه ليس بحرام) .

وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": (ومال جماعة منهم ابن الجوزي على أن ذلك وقع عليهم على سبيل القصاص؛ لما عند مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس رضي الله عنه قال؛ إنما سمل النبي أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة...)، إلى قوله: (وتعقبه ابن دقيق العيد بقوله؛ إن المثلة وقعت من جهات وليس في الحديث إلا السمل.

قلت – أي ابن حجر –؛ كأنهم تمسكوا بما نقله أهل المغازي أنهم مثَّلوا بالراعي.

وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ.

قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في النهي عن المثلة؛ (هذا الحديث ينسخ كل مثلة، وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ).

5) عدم جواز قتل رسل الأعداء:

وقد نقل المطيعي الإجماع على تحريم قتل رسول الأعداء.

قال الشيرازي: "لا يقتل رسولهم لما روى أبو وائل قال: لما قتل عبد الله بن مسعود ابنة النواحة قال: إن هذا وابن أثال قد كانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة الكذاب فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدون أني رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت قاتلاً رسولاً لضربت أعناقكما فجرت سنة أن لا تقتل الرسل"اهـ.

قال ابن قدامة: لأن الحاجة تدعو إلى الله فإنا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا فتفوت مصلحة المراسلة أهـ.

6) لا يقاتل الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام:

فلا يجوز قتال الكفار والمشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام للأدلة التالية:

1ـ عن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه، وبمن معه من المسلمين خيرًا، وقال له: ((إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم)).

قال ابن قدامة: "من لم تبلغه الدعوة يدعى قبل القتال ولا يجوز قتالهم قبل الدعاء".

قال الشيرازي: فإن كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجر قتالهم حتى يدعوهم إلى الإسلام لأنه لا يلزمهم الإسلام قبل العلم والدليل عليه قوله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]. ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم".

قال الخرقي: "ويدعي عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا".

وقال ابن قدامة في الشرح: "إن وجد منهم من لم تبلغه الدعوة دعي قبل القتال، وكذلك إن وجد من أهل الكتاب من لم تبلغه الدعوة دعى قبل قتاله"اهـ.

جاء في تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار: "ولا يحل لنا أن نقاتل من لم تبلغه الدعوة إلى الإسلام ولا ينبغي قتالهم حتى يدعوهم إلى الجزية".

قال الشيخ المحلي في شرحه على منهاج الطالبين للنووي: "ولا يقاتل الإمام البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا يسألهم ما ينقمون، بأن يعظهم ويأمرهم بالعودة إلى الطاعة، ثم إن لم يرجعوا أعلمهم بالقتال"أهـ.

قال الشيخ شهاب الدين في الحاشية شارحًا لما سبق قوله "ولا يقاتل الإمام" أي لا يجوز حتى يبعث إليهم.

7) عدم جواز الغدر والخيانة ونقض العهد:

لايوجد دين يحث أتباعه على الوفاء بعهودهم واحترام مواثيقهم مثل دين الإسلام ، ولم يجعل ذلك قاصرا على التعامل بين أتباعه فحسب بل أيضا بينهم وبين أعدائهم فقال سبحانه: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] وهذا مع الأعداء المحاربين الذين يخشى غدرهم فكيف بمن دونهم؟!! والنصوص في ذلك متوافرة متكاثرة فمنها :

1- قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} [النساء:107].

قال الطبري رحمه الله: "يقول: إن الله لا يحب من كان من صفته خيانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه".

وقال القرطبي: "روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {كَفُورٍ}، فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصحَ نهي عن الخيانة والغدر. وقد مضى في الأنفال التشديد في الغدر، وأنه ينصب للغادر لواء عند استه بقدر غدرته يقال: هذه غدرة فلان".

2- وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء:34].

قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} أي: الذي تعاهدون عليه الناس، والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه، {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} أي: عنه".

3- وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِين} [يوسف:52].

قال القرطبي رحمه الله: "معناه أن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم".

وقال ابن سعدي رحمه الله: "فإنّ كلّ خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بدّ أن يتبين أمره".

4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)) .

قال المناوي رحمه الله: "((فإنها بئست البِطانة)) بالكسر، أي: بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة. قال في المغرب: بطانة الرجل أهله وخاصته مستعار من بطانة الثوب. وقال القاضي: البطانة أصلها في الثوب فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله. والخيانة تكون في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع، وغير ذلك".

5- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .

قال النووي رحمه الله: "الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلّق بأخلاقهم؛ فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار".

6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره)) .

قال ابن تيمية رحمه الله: "فذمّ الغادر، وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر".

7- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ((اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا، ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا...)) .

قال النووي رحمه الله: "وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغدر، وتحريم الغلول..." .

8- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكلّ غادر لواء, فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان)).

9- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلّ غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة)).

قال النووي رحمه الله: " معنى: ((لكل غادر لواء)) أي: علامة يشهَر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة. وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثيرين. وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء".

وقال ابن حجر رحمه الله: "أي: علامة غدرته، والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد، وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل الآمر أو المأمور".

10- وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)) .

قال النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته".

وقال ابن حجر رحمه الله: " قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده".

قال ابن تيمية رحمه الله: "جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك".

11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) .

قال المناوي: "أي: لا تعامله بمعاملته, ولا تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله, وليس منها ما يأخذه من مال من جحده حقّه إذ لا تعدّي فيه, أو المراد إذا خانك صاحبك فلا تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا, بل قابله بالأحسن الذي هو العفو, وادفع بالتي هي أحسن".

وقال ابن قدامة: وإذا عقد الهدنة الإمام لزمه الوفاء بها لقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]. وقال سبحانه وتعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة:4]. ولأنه لو لم يف بها لم يسكن إلى عقده، وقد يحتاج إلى عقدها.

ويقول أيضًا: "إن الأمان إذا أعطي أهل الحرب حرم قتلهم وما لهم والتعرض لهم".

و صفحات تاريخ المسلمين الحربي ناصعة البياض، خالية من الظلم والبغي والعدوان والغدر والخيانة.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:38 AM
الفرق بين الجهاد والعنف

من خلال ماسبق من تعريف كل من الجهاد والعنف يمكن التمييز بين الجهاد المشروع والعنف المذموم من حيث المشروعية والهدف والوسيلة والثمرة.

فالجهاد مشروع مندوب إليه في الجملة وقد يجب في مواطن وأحوال معينة كما قد يحرم في أخرى كما أنه يتميز بوضوح هدفه ونبله ومشروعيته، ووسائله، والتزامه بأحكام الشرع، ومكارم الأخلاق التي جاء بها الإسلام، قبل القتال، وأثناء القتال، وبعد القتال، وثمرته هي رضا الله سبحانه ورفعة الدين والتمكين له ودفع الفتنة.

أما (العنف) -كما يقوم به بعض الشباب ممن يفتقد لهذه الرؤية الشرعية- فينقصه الوضوح في الرؤية، سواء للأهداف أم للوسائل، وللضوابط الشرعية فضلا عن افتقاده للمشروعية ابتداء ناهيك عن ثمرته من تشويه الدين ووقوع الفتنة.

العنيد
18-04-2005, 10:23 AM
بارك الله فيك استاذي الفاضل فالح العمره على هذا الموضوع الطيب...

لك مودتي

فزاع
18-04-2005, 01:41 PM
الأخ الفاضل فالح العمرة والله موضوعك رائع وشامل وفيه أجوبة مقنعة لكثير من الشبهات والفتن و الحيرة اللتي ابتلى بها المسلمين في زماننا هذا جزاك الله الف خير على هذا التفصيل المتعمق والغني بكل ما هو مفيد أستاذي الفاضل فالح العمرة تقبل مني كل ود وكل تحية وبارك الله فيك.

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:48 PM
مرحبا بك اخي الفاضل العنيد ولا هنت على الحضور

د.فالح العمره
18-04-2005, 01:49 PM
يا مرحبا يا اخي العزيز فزاع واسأل الله ان ينفعنا بما علمنا وما زال هناك الكثير من الابحاث التي سأدرجها انشالله

أسأل الله حسن العمل

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:47 PM
ليس من وسائل الإصلاح قتل رجال الأمن


حذَّر مفتي عام المملكة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الشباب من الانحراف وراء شياطين الأنس أو الانخداع بهم والاغترار بهم فإن أولئك لا يريدون الخير لهذه الأمة ولا لشبابها.وقال إن هذه الفتن والمصائب التي تحدث لأُناس استرخصوا أنفسهم في الباطل فلقوا عاقبة فعلهم وسوء مصيرهم وتحمل أوزارهم من أشار عليهم ومن اعانهم على باطلهم أو من تعاطف معهم أو من أحسن الظن بهم وكل أولئك جميعاً شركاء في الأثم والعدوان لأنهم تعاونوا على الأثم والعدوان وتعاونوا على أمة الإسلام وبغوا لها الغوائل والله جل وعلا حافظها بتوفيقه وعونه.


وقال سماحته في خطبة الجمعة التي القاها أمس بجامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض إن هناك التباساً في الأمر على بعض من قلَّت بصيرتهم وضعف إيمانهم وقل ادراكهم وقل تمييزهم بين الصالح والضار وبين الخير والشر.

وأردف قائلاً: إن هناك فئة من الناس اتخذوا ذروة الإصلاح فيما يزعمون وسائل حرمها الشرع.. فهل وسائل الإصلاح سفك دماء الأبرياء وهل وسائل الإصلاح تهديد أمن الأمة وقتل رجال الأمن وترويع الأمنين وإحداث الفوضى بين مجتمعات المسلمين.. فمن عاد إلى عقله عرف ووعى أن تلك الوسائل جميعها وسائل إفساد لا وسائل إصلاح ووسائل شر لا خير فيها.

وقال سماحته بأن على الآباء أن يتقوا الله وأن يأخذوا على أيدي سفهائهم وألا يمكنوهم من هذه الآراء الشاذة وأن يأخذوا على ايديهم ويتداركوا الأمر قبل أن يستفحل فيندموا حينما لا ينفع الندم لذلك على الآباء أن يعرفوا مع من يسير أبناؤهم ومع من يجتمعون ومع من يخالطون ومع من يسافرون لأننا إذا أخذنا بهذه الطريقة قطعنا خط الرجعة على الأعداء الذين يستغلون ضعف عقول بعض الصغار وقلة بصيرتهم.

وربما حسنوا لهم الباطل وقالوا لهم هذا سبيل الجنة.. وسبيل الجنة في تصورهم أن تقتل مسلماً بريئاً أو معاهداً بريئاً تقتله ظلماً وعدواناً. هذا سبيل الجنة في نظر أولئك. ولا شك أنه سبيل النار لا سبيل الجنة.

وقال سماحة المفتي العام إن سبيل الجنة والهدى هو تقوى الله وطاعته وترك معاصيه والنصيحة للمسلمين وتوضيح الحق لهم وتحذيرهم من سبيل الردة. أما قتل الأبرياء وتدمير الممتلكات وترويع الأمنين فإنه سبيل الشيطان لا سبيل خير ولا هدى.

وخاطب سماحته المعلمين والمربين بأن يتقوا الله في الطلاب وذلك بتوجيههم إلى الخير وتحذيرهم من الشر والوقوع فيه وقال ايها المعلمون إذا علمتم من أحد نزعة شريرة فحاولوا العلاج إذا كان الأمر ممكن وعالجوا الأفكار وصححوا الاتجاه والمفاهيم والسلوكيات حتى لا يقعوا ضحية لتأثيرالأعداء.

وبيَّن سماحته أن المعلم الصادق هو من ينشر الحق ويدعو إليه ويبين للشباب خطورة هذه الدعايات المضللة وخطورة هذه الآراء المنحرفة لنصلح من أبنائنا ما فسد ونوجههم إلى طرق الخير بإذن الله.

وقال سماحته إن على خطباء المساجد والدعاة ووسائل الإعلام عموماً التكاتف وبيان الحق وإيضاح الهدى والتحذير من سبل الردة بالأساليب الشرعية التي نضمن من خلالها بعد توفيق الله أن نقضي على هذا الغلو الشديد غلو بالزيادة أو غلو بالتطرف والبعد عن الهدى، لابد أن نسعى بأن تكون أفكار شبابنا أفكاراً متزنة وأفكاراً وسطية.. أفكاراً بعيدة عن التأثر بدعيات أهل الضلال الذين يسعون في الأرض فساداً وهم لا يصلحون.

واستنكر سماحته جرائم الفئة الضالة قائلاً إن الإصلاح من قوم اتخذوا القتل والتدمير والجرائم وسبله لما يدعون أنه إصلاح. ويعلم الله أنهم لكاذبون.. وقال إن وسائل الإصلاح معروفة. أما القتل وسفك الدماء والتغرير بهؤلاء الجهلة والزج بهم في هوة سحيقة فهذا عين الخيانة والفحش لهم.

وقال سماحته: ليعلم الجميع أن أمننا وديننا ورخاءنا أمانة في اعناقنا فيلؤد كل واجبه وليحذر أن تزل قدمه في أمور لا خير فيها.. فلنتق الله جميعاً ونأخذه عبرة من أوضاع الآخرين الذين يعيشون في دوامة من الفتن وفقدان الأمن تغض الأحداث مضاجعهم صباحاً ومساءً ولنعتصم بحبل الله جميعاً ونتعاون على الخير.

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:48 PM
عقوبة من قام بأعمال التخريب

السؤال: ما عقوبة من قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:

فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 12/ 1/ 1409 إلى 18/1/ 1409 بناءً على ما ثبت لديه من وقوع عدة حوادث تخريب ذهب ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء، وتلف بسببها كثير من الأموال والممتلكات والمنشآت العامة في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها، قام بها بعض ضعاف الإيمان أو فاقديه من ذوي النفوس المريضة والحاقدة، ومن ذلك:

نسف المساكن، وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة، ونسف الجسور والأنفاق، وتفجير الطائرات أو خطفها، وحيث لوحظ كثرة وقوع مثل هذه الجرائم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة، وبما أن المملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان عرضة لوقوع مثل هذه الأعمال التخريبية، فقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء ضرورة النظر في تقرير عقوبة رادعة لمن يرتكب عملاً تخريبيًا، سواء كان موجهًا ضد المنشآت العامة والمصالح الحكومية، أو كان موجهًا لغيرها بقصد الإفساد والإخلال بالأمن.

وقد اطلع المجلس على ما ذكره أهل العلم من أن الأحكام الشرعية تدور من حيث الجملة على وجوب حماية الضروريات الخمس، والعناية بأسباب بقائها مصونة سالمة وهي: (الدين والنفس والعرض والعقل والمال). وقد تصور المجلس الأخطار العظيمة التي تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وما تسببه الأعمال التخريبية من الإخلال بالأمن العام في البلاد، ونشوء حالة الفوضى والاضطراب، وإخافة المسلمين وممتلكاتهم.

والله سبحانه وتعالى قد حفظ للناس أديانهم وأبدانهم وأرواحهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم بما شرعه من الحدود والعقوبات التي تحقق الأمن العام والخاص، ومما يوضح ذلك قوله سبحانه وتعالى: {مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32]، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

وتطبيق ذلك كفيل بإشاعة الأمن والاطمئنان، وردع من تسوِّل له نفسه الإجرام والاعتداء على المسلمين في أنفسهم وممتلكاتهم، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وغيرها على السواء، لقوله سبحانه: {وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً} والله تعالى يقول: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ} [البقرة: 204، 205]، وقال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا} [الأعراف: 56].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض وما أضره بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك"، وقال القرطبي: "نهى سبحانه وتعالى عن كل فساد قلَّ أو كثر، بعد صلاح قلَّ أو كثر، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال.

وبناء على ما تقدم، ولأن ما سبق إيضاحه يفوق أعمال المحاربين الذين لهم أهداف خاصة يطلبون حصولهم عليها من مال أو عَرَض، وهؤلاء هدفهم زعزعة الأمن وتقويض بناء الأمة، واجتثاث عقيدتها، وتحويلها عن المنهج الرباني:

فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:

أولاً: من ثبت شرعًا أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة؛ كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس أو المستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة لبيت المال؛ كأنابيب البترول، ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك، فإن عقوبته القتل؛ لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المُفْسد، ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله، وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة.

ثانيًا: أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى؛ براءة للذمة واحتياطًا للأنفس، وإشعارًا بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءات اللازمة شرعًا لثبوت الجرائم وتقرير عقابها.

ثالثًا: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.

[هيئة كبار العلماء]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:49 PM
حكم الشرع في تفجيرات العليّا

السؤال: ما حكم الشرع في تفجيرات العليَّا بمدينة الرياض؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه، وبعد:

فإن هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية علمت ما حدث من التفجير الذي وقع في حي العليا بمدينة الرياض قرب الشارع العام، ضحوة يوم الاثنين 20/6/1416هـ وأنه قد ذهب ضحيته نفوس معصومة، وجُرح بسببه آخرون، ورُوّع آمنون، وأُخيف عابر السبيل.

ولذا: فإن الهيئة تُقرر أن هذا الاعتداء آثم وإجرام شنيع، وهو خيانة وغدر، وهتك لحرمات الدين في الأنفس والأموال والأمن والاستقرار، ولا يفعله إلا نفس فاجرة، مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه، ولا في بشاعة جُرمه وعظيم إثمه، والآيات والأحاديث في تحريم هذا الإجرام وأمثاله كثيرة ومعلومة.

وإن الهيئة إذ تقرر تحريم هذا الإجرام، وتُحذر من نزعات السوء ومسالك الجنوح الفكري والفساد العقدي والتوجه المردي، وإن النفس الأمارة بالسوء إذا أرخى لها المرء العنان ذهبت به مذاهب الردى، ووجد الحاقدون فيها مدخلاً لأغراضهم وأهوائهم التي يبثونها في قوالب التحسين، والواجب على كل من علم شيئًا عن هؤلاء المخربين أن يبلغ عنهم الجهة المختصة.

وقد حذر الله سبحانه في محكم التنزيل من دعاة السوء والمفسدين في الأرض فقال: {إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، وقال تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} [البقرة: 204 ـ 206].

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهتك ستر المعتدين على حرمات الآمنين، وأن يكف البأس عنا وعن جميع المسلمين، وأن يحمي هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يوفق ولاة أمرنا وجميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه خير مسئول، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

[هيئة كبار العلماء]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:50 PM
حكم الشرع في تفجيرات الخُبر

السؤال: ما حكم الإسلام في التفجيرات التي حصلت بالخير في المنطقة الشرقية؟
الجواب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ محمد وآله وصحبه، وبعد:

فإن مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في جلسته الاستثنائية العاشرة، المنعقدة في مدينة الطائف يوم السبت 13/2/1417هـ؛ استعرض حادث التفجير الواقع في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية يوم الثلاثاء 9/ 2/ 1417هـ، وما حصل بسبب ذلك من قتل وتدمير وترويع وإصابات لكثير من المسلمين وغيرهم.

وإن المجلس بعد النظر والدراسة والتأمل قرر بالإجماع ما يلي:

أولاً: إن هذا التفجير عمل إجرامي بإجماع المسلمين، وذلك للأسباب الآتية:

1 ـ في هذا التفجير هتكٌ لحرمات الإسلام المعلومة بالضرورة؛ هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتكٌ لحرمات الأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها. وما أبشع وأعظم جرية من تجرأ على حرمات الله وظلم عباده وأخاف المسلمين والمقيمين بينهم، فويلٌ له ثم ويل له من عذاب الله ونقمته، ومن دعوة تحيط به، نسأل الله أن يكشف ستره، وأن يفضح أمره.

2 ـ أن النفس المعصومة في حكم شريعة الإسلام هي كل مسلم وكل من بينة وبين المسلمين أمان؛ كما قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء: 93]، وقال سبحانه في حق الذمي في حكم قتل الخطأ: {وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} [النساء: 92].

فإذا كان الذمي الذي له أمان إذا قتل خطأ ففيه الدية والكفارة، فكيف إذا قُتل عمدًا؟! فإن الجريمة تكون أعظم والإثم يكون أكبر، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة)) [رواه البخاري].

فلا يجوز التعرض لمستأمن بأذى؛ فضلاً عن قتله في مثل هذه الجريمة الكبيرة النكراء، وهذا وعيد شديد لمن قتل معاهدًا، وأنه كبيرة من الكبائر المتوعد عليها بعدم دخول القاتل الجنة، نعوذ بالله من الخذلان.

3 ـ أن هذا العمل الإجرامي يتضمن أنواعًا من المحرمات في الإسلام بالضرورة؛ من غدر، وخيانة، وبغي، وعدوان، وإجرام آثم، وترويع للمسلمين وغيرهم، وكل هذه قبائح منكرة يأباها ويبغضها الله ورسوله والمؤمنون.

ثانيًا: إن المجلس إذ يبين تحريم هذا العمل الإجرامي في الشرع المطهر فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا العمل، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة والمتمسكين بحبل الله المتين، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه، محذرة من مصاحبة أهله، قال الله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ} [البقرة: 204 ـ 206]، وقول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكشف ستر هؤلاء الفعلة المعتدين، وأن يُمَكِّن منهم؛ ليُنفذ فيهم حكم شرعه المطهر، وأن يكف البأس عن هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته وجميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

[هيئة كبار العلماء]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:50 PM
تكفير الحكام والشعوب

السؤال: بيان حول ما يقوم به البعض من تكفير الحكام والشعوب وما يعقبه من تفجير وقتل واستباحة الأموال.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:

فقد درس مجلس (هيئة كبار العلماء) في دورته التاسعة والأربعين ـ المنعقدة بالطائف، ابتداءً من تاريخ (2/ 4/ 1419هـ) ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية ـ وغيرها ـ من التكفير والتفجير، وما ينشأ عنه من سفك الدماء، وتخريب المنشآت.

ونظرًا إلى خطورة هذا الأمر، وما يترتب عليه من إزهاق أرواحٍ بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لأمنهم واستقرارهم: فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حُكم ذلك؛ نُصحًا لله ولعباده، وإبراءً للذمة، وإزالة للبس في المفاهيم ـ لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك ـ فنقول ـ وبالله التوفيق:

أولاً: التكفير حكم شرعي، مرده إلى الله ورسوله؛ فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب: إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير.

وليس كل ما وُصف بالكفر من قول أو فعل، يكون كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة.

ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله: لم يُجز أن نُكفرَ إلا من دل الكتاب والسنة على كفره ـ دلالة واضحة ـ فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن؛ لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة.

وإذا كانت الحدود تدرًا بالشبهات ـ مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير ـ: فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات.

ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم مِنَ الحكمِ بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: ((أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما؛ إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه)) [متفق عليه عن ابن عمر].

وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول، أو العمل، أو الاعتقاد كفرُ، ولا يكفر من اتصف به؛ لوجود مانعٍ يمنعُ من كفره.

وهذا الحكم كغيره من الأحكام؛ التي لا تتمُّ إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها؛ كما في الإرث، سببه القرابة ـ مثلاً ـ وقد لا يرثُ بها لوجود مانعٍ كاختلاف الدين، وهكذا الكفر: يُكره عليه المؤمن؛ فلا يُكفر به.

وقد ينطق المسلم كلمة الكفر؛ لغلبة فرحٍ، أو غضب، أو نحوهما: فلا يكفر بها ـ لعدم القصد ـ؛ كما في قصة الذي قال: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح)) [رواه مسلم عن أنس بن مالك] .

والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة، من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها مما يترتب على الردة.

فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة؟!

وإذا كان هذا في ولاة الأمور: كان أشدَّ؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم، وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد.

ولهذا منع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من مُنابذتِهم، فقال: ((... إلا أن تروا كفرًا بواحًا؛ عندكم فيه من الله برهان))، [متفق عليه عن عبادة].

فأفاد قوله: ((إلا أن تروا)) : أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة.

وأفاد قوله: ((كفرًا)) أنه لا يكفي الفسوق ـ ولو كبر ـ؛ كالظلم، وشرب الخمر، ولعب القمار، والاستئثار المحرَّم.

وأفاد قوله: ((بواحًا)) أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواحٍ؛ أي: صريح ظاهر.

وأفاد قوله: ((عندكم فيه من الله برهانٌ)): أنه لا بد من دليل صريح، بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة؛ فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة.

وأفاد قوله: ((من الله)) أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة، إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح؛ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذا القيود تدل على خطورة الأمر.

وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول الله ـ عز وجل ـ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].

ثانيًا: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت: فهذه الأعمال ـ وأمثالها ـ محرمة شرعًا بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوّهم وراحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا عنى للناس في حياتهم عنها.

وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم، وأعراضهم، وأبدانهم وحرم انتهاكها، وشدد في ذلك؛ وكان من آخر ما بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أمته؛ فقال في خطبة حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد)) متفق عليه [عن أبي بكرة] .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعرضه)) [رواه مسلم عن أبي هريرة] .

وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) [رواه مسلم عن جابر] .

وقد توعَّد الله سبحانه من قتل نفسًا معصومة بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حق المؤمن: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].

وقال سبحانه في حق الكافر ـ الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ ـ: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]؛ فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدية والكفارة، فكيف إذا قُتل عمدًا؟! فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل معاهدًا: لم يرح رائحة الجنة)) [متفق عليه عن عبد الله بن عمرو] .

ثالثًا: إن المجلس إذ يُبين حكم تكفير الناس؛ بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وخطورة إطلاق ذلك؛ لما يترتب عله من شرورٍ وآثار، فإنه يُعلن للعالم: أنَّ الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ، وأنَّ ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، تفجير للمساكن والمركبات، والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت: هو عمل إجراميٌّ، والإسلام بريء منه.

وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه؛ وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يُحتسب عملُه على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين؛ وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة بتحريمه، محذرة من مصاحبة أهله: قال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 204 ـ 206].

والواجب على جميع المسلمين ـ في كل مكان ـ التواصي بالحق، والتناصح، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ـ بالحكمة والموعظة الحسنة ـ والجدال بالتي هي أحسن؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2]. وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

وقال عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) ثلاثًا، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله، والأئمة المسلمين وعامتهم))

وقال عليه الصلاة والسلام: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهِرِ والحمى)) والآيات والأحاديث ـ في هذا المعنى ـ كثيرة.

ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى؛ أن يكف البأس عن جميع المسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين، إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين ـ جميعًا ـ في كل مكانٍ، وأن ينصر بهم الحق.

إنه ولي ذلك، والقادر عليه. وصلى الله وسلم نبينا محمد، وآله وصحبه.

[هيئة كبار العلماء]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:51 PM
تبني العنف لتغييرالوضع الإنهزامي

السؤال: هناك للأسف من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا انهزاميًا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام، لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير؟

الجواب: هذا غلط من قائله وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي، وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر على أن يقعوا فيما يخالف الشرع؛ كما وقعت الخوراج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفروا المسلمين بالمعاصي، أو خلدوهم في النار بالمعاصي كما تفعل المعتزلة.

فالخوارج كفروا بالمعاصي وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة وأنهم في النار مخلدون فيها، ولكن قالوا: إنهم في الدنيا في منزلة بين المنزلتين، وكله ضلال.

والذي عليه أهل السنة هو الحق أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها، فإذا زنا لا يكفر، وإذا سرق لا يكفر، وإذا شرب الخمر لا يكفر؛ ولكن يكون عاصيًا ضعيف الإيمان فاسقًا، تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك؛ إلا إذا استحل المعصية وقال: إنها حلال، وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل، ولهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنهم يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه)). يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان هذه حال الخوارج بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم.

فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفون مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاص وقعت منه، بل عليهم المناصحة والمكاتبة والمشافهة بالطرق الطيبة الحكيمة، بالجدال بالتي هي أحسن حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول ويكثر الخير.

هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاّهم الله الأمور؛ بالكلام الطيب والحكمة والأسلوب الحسن، حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم في ظهر الغيب: أن الله يهديهم، ويوفقهم، ويعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها، وعلى إقامة الحق، هكذا يدعو الله ويضرع إليه: أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن بالتي هي أحسن، وهكذا مع إخوانه الغيورين؛ ينصحهم ويعظهم ويذكرهم حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير ويقل الشر، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدة للجميع.

[عبد العزيز بن عبد الله بن باز]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:52 PM
حكم من يضع المتفجرات في جسده

السؤال: ما الحكم الشرعي فيمن يضع المتفجرات في جسده، ويفجر نفسه بين جموع الكفار نكاية بهم؟ وهل يصح الاستدلال بقصة الغلام الذي أمر الملك بقتله؟

الجواب: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو؛ قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم، خالدًا فيها مخلدًا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه في شيء يعذب به في نار جهنم.

وعجبًا من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات، وهم يقرؤون قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ثم يفعلوا ذلك، هل يحصدون شيئًا؟ هل ينهزم العدو؟ أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات؛ كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود، حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكًا بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها (اليمينيون) الذين يريدون القضاء على العرب.

ولكن من فعل هذا مجتهدًا ظانًا أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل.

وأما الاستدلال بقصة الغلام، فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام، لا نكاية في العدو، ولذلك لما جمع الملك الناس؛ وأخذ سهمًا من كنانة الغلام؛ وقال: باسم الله رب الغلام؛ صاح الناس كلهم، الرب رب الغلام، فحصل فيه إسلام أمة عظيمة، فلو حصل مثل هذه القصة لقلنا إن هناك مجالاً للاستدلال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها، لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو، فإن العدو لا يزداد إلا حنقًا عليهم وتمسكًا بما هم عليه.

وقال رحمه الله: "إن ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين ـ كما جاء في الحديث ـ.

لأن هذا قتل نفسه لا لمصلحة الإسلام؛ لأنه إذا قتل نفسه وقتل معه عشرة، أو مائة أو مأتين؛ لم ينتفع الإسلام بذلك، لم يسلم الناس، بخلاف قصة الغلام فإن فيها إسلام الكثير. أما أن يموت عشرة أو عشرين أو مائة أو مائتين من العدو فهذا لا يقتضي إسلام الناس، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد فتك. كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين. فإنه إذا مات أحد منهم من هذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من ذلك ستين نفرًا أو أكثر، فلم يحصل بذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع بذلك للذين فجرت هذه المتفجرات في صفوفهم.

والذي نرى: ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وأن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظانًا أنه جائز فإنا نرجو أن يسلم من الإثم. وأما أن تكتب له الشهادة فلا؛ لأنه لم يصل طريق الشهادة؛ لكنه يسلم من الإثم لأنه متأول، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.

[محمد بن صالح العثيمين]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:52 PM
ماجزاء من يقوم بترويع الآمنين

السؤال: ما جزاء من يستهدف ترويع أمن الناس الآمنين كما حدث في حادث التفجير بالرياض الذي قام به مجرمون تسببوا في ترويع الآمنين وقتل الأبرياء، وتخويف عباد الله جل وعلا.

الجواب: لا شك أن هذا الحادث أثيم ومنكر عظيم يترتب عليه فساد عظيم وشرور كثيرة وظلم كبير، ولا شك أن هذا الحادث إنما يقوم به من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لا تجد من يؤمن بالله واليوم الآخر إيمانا صحيحا يعمل هذا العمل الإجرامي الخبيث الذي حصل به الضرر العظيم والفساد الكبير، إنما يفعل هذا الحادث وأشباهه نفوس خبيثة مملوءة من الحقد والحسد والشر والفساد وعدم الإيمان بالله ورسوله نسأل الله العافية والسلامة ونسأل الله أن يعين ولاة الأمور على كل ما فيه العثور على هؤلاء والانتقام منهم لأن جريمتهم عظيمة وفسادهم كبير ولا حول ولا قوة إلا بالله، كيف يقدم مؤمن أو مسلم على جريمة عظيمة يترتب عليها ظلم كثير وفساد عظيم وإزهاق نفوس وجراحة آخرين بغير حق، كل هذا من الفساد العظيم وجريمة عظيمة، فنسأل الله أن يعثرهم ويسلط عليهم ويمكن منهم، ونسأل الله أن يخيبهم ويخيب أنصارهم، ونسأل الله أن يوفق ولاة الأمر للعثور عليهم والانتقام منهم ومجازاتهم على هذا الحدث الخبيث وهذا الإجرام العظيم .

وإني أوصي وأحرض كل من يعلم خبرا عن هؤلاء أن يبلغ الجهات المختصة، على كل من علم عن أحوالهم وعلم عنهم أن يبلغ عنهم؛ لأن هذا من باب التعاون على دفع الإثم والعدوان وعلى سلامة الناس من الشر والإثم والعدوان، وعلى تمكين العدالة من مجازاة هؤلاء الظالمين الذين قال الله فيهم وأشباههم سبحانه : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

إذا كان من تعرض للناس بأخذ خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو مائة ريال مفسدا في الأرض، فكيف من يتعرض بسفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل وظلم الناس، فهذه جريمة عظيمة وفساد كبير .

التعرض للناس بأخذ أموالهم أو في الطرقات أو في الأسواق جريمة ومنكر عظيم، لكن مثل هذا التفجير ترتب عليه إزهاق نفوس وقتل نفوس وفساد في الأرض وجراحة للآمنين وتخريب بيوت ودور وسيارات وغير ذلك، فلا شك أن هذا من أعظم الجرائم ومن أعظم الفساد في الأرض، وأصحابه أحق بالجزاء بالقتل والتقطيع بما فعلوا من جريمة عظيمة . نسأل الله أن يخيب مسعاهم وأن يعثرهم وأن يسلط عليهم وعلى أمثالهم وأن يكفينا شرهم وشر أمثالهم وأن يسلط عليهم وأن يجعل تدبيرهم تدميرا لهم وتدميرا لأمثالهم إنه جل وعلا جواد كريم، ونسأل الله أن يوفق الدولة للعثور عليهم ومجازاتهم بما يستحقون . ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[عبد العزيز بن عبد الله بن باز]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:53 PM
مالمراد بطاعة ولاة الأمر في الآيه

السؤال: ما المراد بطاعة ولاة الأمر في الآية هل هم العلماء أم الحكام ولو كانوا ظالمين لأنفسهم ولشعوبهم؟

الجواب: يقول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}وأولو الأمر هم العلماء والأمراء أمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله .

فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف . لأن بهذا تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم ويردع الظالم . أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف- فالواجب أن يطاعوا في طاعة الله في المعروف سواء كانوا أمراء أو علماء- العالم يبين حكم الله والأمير ينفذ حكم الله هذا هو الصواب في أولي الأمر، هم العلماء بالله وبشرعه وهم أمراء المسلمين عليهم أن ينفذوا أمر الله وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف- أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميرا أو عالما فإنهم لا يطاعون في ذلك، إذا قال لك أمير اشرب الخمر فلا تشربها أو إذا قال لك كل الربا فلا تأكله، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه، والتقي لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك العالم الفاسق . والمقصود أنه إذا أمرك العالم أو الأمر بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))لكن لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزعن يدا من طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره وفيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة))ويقول عليه الصلاة والسلام : ((من رأى من أميره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة فإنه من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية))وقال عليه الصلاة والسلام : ((من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم وأن يشق عصاكم فاقتلوه كائنا من كان))والمقصود أن الواجب السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمور من الأمراء والعلماء- وبهذا تنتظم الأمور وتصلح الأحوال ويأمن الناس وينصف المظلوم ويردع الظالم وتأمن السبل ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وشق العصا إلا إذا وجد منهم كفر بواح عند الخارجين عليه من الله برهان ويستطيعون بخروجهم أن ينفعوا المسلمين وأن يزيلوا الظلم وأن يقيموا دولة صالحة . أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرا بواحا . لأن خروجهم يضر الناس ويفسد الأمة ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق- ولكن إذا كانت عندهم القدرة والقوة على أن يزيلوا هذا الوالي الكافر فليزيلوه وليضعوا مكانه واليا صالحا ينفذ أمر الله فعليهم ذلك إذا وجدوا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان وعندهم قدرة على نصر الحق وإيجاد البديل الصالح وتنفيذ الحق .

[عبد العزيز بن عبد الله بن باز]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:54 PM
إقتراف الحكام للمعاصي موجب للخروج عليهم؟

السؤال: سماحة الشيخ، هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير؛ وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].

فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر؛ وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة وهي فريضة في المعروف.

والنصوص من السنة تُبين المعنى، وتفيد بأن المراد: طاعتهم بالمعروف، فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة))ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)).

وسأله الصحابة ـ لما ذكروا أنه سيكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون ـ قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)).

قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة؛ في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرَة علينا، وأن لا تنازع الأمر أهله) وقال: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)).

فهذا يدل على أنهم لا يجوز منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يُسبب فسادًا كبيرًا، وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمر فساد عظيم وشر كبير، إلا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًا أكثر؛ فليس لهم الخروج، رعاية للمصالح العامة، والقاعدة الشرعية المجمع عليها (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله ويخففه).

وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي كفرًا بواحًا؛ وعندهم قدرة تزيله بها، وتضع إمامًا صالحًا طيبًا، من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان؛ فلا بأس.

أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الاغتيال، إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية".

[عبد العزيز بن عبد الله بن باز]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:55 PM
كيف كان طريق الإرهاب؟

لاشك أن تربية شباب الأمة على أصول معتقد أهل السنة والجماعة والسير عليه في العبادات والمعاملات والأخلاق هو منهج سلفنا الصالح ومن تبعهم بإحسان من العلماء والمصلحين فحققوا بذلك وسطية الإسلام فكانوا هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل الأثر والحديث، السلفيون في كل زمان ومكان وفي كل عصر ومصر، وإن من أهم أصول معتقدهم بل لا يكاد يخلو كتاب من كتب العقيدة أو كتب السنة والحديث إلا وتجد لهذا الأصل باباً أو فصلاً يذكرون ما يعتقدونه فيه وأعني به *طاعة ولاة أمور المسلمين* مخالفين بذلك أهل الجاهلية والبدع والأهواء من الخوارج والمعتزلة ومَنْ سار في ركابهم في هذا الزمان من الحزبيين والثوريين أرباب التكفير والتفجير وأصحاب الدهاليز السرية والخطب الحماسية *التهييجية* والانقلابات الثورية والعمليات الانتحارية والمقاطعات الاقتصادية والأناشيد الروحية والقصص الخرافية والمنامات الليلية، ممن وصفوا هذه الأمة بأنها غائبة وأن راياتها وقراراتها علمانية وأن الشرك والكفر ظهر من صحفها وإذاعاتها وتلفزيوناتها وأن عندها مظاهرةً للمشركين وتساهلاً وضعفاً في الولاء والبراء وأنها في جاهلية فاستحلت الربا عياذاً بالله من ذلك فتكهنوا عليها فشبهوها بالأندلس حين سقطت!! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}. قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في رسالة *مسائل الجاهلية التي خالف فيها أهل الكتاب* محذراً من صفاتهم، المسألة الثالثة: أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة والسمع والطاعة له مهانة فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة وغلظ في ذلك وأعاد. اهـ.

إن حديثاً عن موضوع مهم كهذا يحتاج إلى وقفة ونظرة وهمسة ولا سيما ان الكل سمعوا وشاهدوا ما اعترف به بعض عناصر هذه الفئة الضالة وما أقروا به من إضاعة للصلوات واستغلال وسلب لأموال المسلمين *تفطير صائم* وتزوير للوثائق وقتل واعتداء على المسلمين وغير المسلمين حتى وصل الحال بهم إلى لبس ملابس النساء.

قال صلى الله عليه وسلم: *لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال* متفق عليه فأي جهاد هذا يا دعاة التكفير والواقع ومد الجسور وحرية الاعتقاد والأديان تحت مسمى مسلمين وكفى!! أإلى هذا الحد تجمعات سرية فبرامج تكفيرية ثم ملابس نسائية؟!! إن الحياء شعبة من شعب الإيمان ولكن *إن لم تستح فاصنع ما شئت*.

ِإننا عندما نقف وقفة تأمل في مثل هذه الأحداث المؤلمة نتذكر خطر تلك التجمعات السرية وما يكاد فيها لهذه البلاد - حرسها الله - وكيف كان يستغل شبابنا تحت أثر هذا الشحن النفسي على بلادهم وولاة أمورهم وعلمائهم حين يربون على تلك الأشرطة وما يقال فيها بعد وضع المسابقات والجوائز عليها ثم قراءة الكتب المسمومة التي يصفونها *بالفكرية* لتلخيصها شيئاً عجيباً يذهل منه الكهل قبل الشاب ليوصف بعدها بأنه المميز والمثالي في الأداء والجد والنشاط.

إنها حقيقة ثمرة من ثمار تلك السريات الخفية في الاستراحات البرية من خلال الرحلات الترويحية - زعموا ذلك - قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: *إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة* لذا حذر سلفنا الصالح من السريات وما تجر إليه من تنظيمات وتخطيطات فسادها نراه اليوم أمامنا من هؤلاء *القرامطة الجدد* وما فعلوه في البلاد والعباد زعموا أنه جهاد!! والجهاد منه بريء لأن الجهاد له أحكامه وضوابطه الشرعية يفتي به العلماء الربانيون وأبوابه منثورة في كتب الحديث والفقه وما صح عليه الدليل من الكتاب والسنة يبينونها للأمة لا من يضيعون الصلوات ويسرقون السيارات!! إنني أتذكر ونحن في خضم هذه الأحداث المؤلمة والحزينة على بلاد الحرمين وقبلة المسلمين وما حصل في عاصمة التوحيد رياض العلم والسنة من تفجيرات واعتداءات على رجال الأمن وحراس الثغور ما قاله سماحة شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى 9-98:

وهذه الدولة السعودية دولة مباركة، نصر الله بها الحق ونصر بها الدين وجمع بها الكلمة وقضى بها على أسباب الفساد وأمن الله بها البلاد وحصل بها من النعم العظيمة ما لا يحصيه إلا الله اهـ.

إننا بأمس الحاجة لمعرفة ودراسة فقه *معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة* و*ماهي عقيدة أهل الإسلام فيما يجب للإمام* لأننا امرنا * بلزوم جماعة المسلمين وامامهم والتحذير من مفارقتهم* ليتحقق للأمة الطمأنينة والامن في حياتها السعيدة بسائر وسائلها المفيدة، لذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال له:

*تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك* رواه مسلم.

فعلى المؤمن أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم *السلطان ظل الله في الأرض فمن أكرمه أكرمه الله ومن أهانه أهانه الله* رواه أحمد وغيره وقال ايضا:

*من أطاع الأمير فقد أطاع الله ومن عصى الأمير فقد عصى الله* فيا شباب التوحيد احذروا هذه المناهج الوافدة والجماعات الحزبية المخالفة لما عليه سلف هذ الأمة فالفرقة عذاب والجماعة رحمة وإياكم ومن يزين للأمة الافتراق وأن تعداد الجماعات والأحزاب ظاهرة صحية ولا يغرنكم خشوع الخوارج وما يظهرونه من الورع الكاذب فإنه لم يمنع اسلافهم من سفك دماء المسلمين أتدري ما حقيقتهم هي كما قيل:

*أفواه تُسبح وأيد تُذبح* والتأريخ اليوم يعيد نسه فكما خرجوا على عثمان وعلي رضي الله عنهما وهم ينادون*لا حكم إلا لله* فهاهم اليوم يسيرون على ما سار عليه أسلافهم وهم يرددون شعارهم الجديد *الحاكمية* بعدما صرفوا شباب الإسلام عن علمائهم ومجالستهم وأخذ العلم عنهم بأنهم مداهنون وعملاء وجامية ولا يفهمون الواقع ولا يعرفون أحكام الجهاد، مغرقون في الجزئيات، ومدخلية، ولا هم لهم إلا بدخول رمضان وخروجه ومرجفون في المدينة ولا يدركون خلفيات الأمور وثقافتهم قليلة ولا هم لهم إلا أخذ المساكن والسيارات الفارهة، ويحكمون بالظنون!! بل حتى كتب السنة لم تسلم منهم فوصفوها بأنها صفراء وجافة وغايتها أنها نصوص وأحكام وتعرف في بضع دقائق!! ثم بعد هذا يقال:

من الذي حبلها؟؟؟ إنها والله مسؤولية أولئك الذين كانوا يحجبون الحق عن الشباب فلا يعرضونه على العلماء ليعرفه شبابنا فيأخذونه بحجة.. كل له طريقته وأسلوبه في الدعوة وتارة السكوت هو الحكمة حتى ميعوا الحق للأخذ به فجعلوا الشاب يسير ولا يدري مع من يذهب فقربوا المخالف وأبعدوا صاحب الحق وقالوا:

لكي نكسبهم إنها طرق ومناهج لا ندري من أين أتت إلينا حتى وقع ما حصل من التفجيرات التي تبعد عنهم الخطوات القليلة وهم لا يزالون صما بكما حتى قام مناديهم ينادي بأعلى صوته لماذا لا يفتح باب الجهاد للشباب؟ ولا ندري من الذي خولهم بذلك ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، حتى وصل الحال بشبابنا نزع الثقة من علمائنا والبعد عنهم بحجة أنهم يحكمون بالظنون فأصبحوا يألفون المخالفين ويجالسونهم تحت أثر هذا العفن الفكري البغيض وينفرون من أهل الحق والسنة وإذا قيل لماذا لا تأتون بالعالم الفلاني قالوا نخشى أن يحصل ما حصل في المكان الفلاني حجج واهية جعلوها مناهج يسيرون عليها يصرفون شبابنا عن الحق فاتقوا الله واعلموا: {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} فنسأل الله العصمة منها وأن يهدي ضال المسلمين.

إن هذه الأحداث كشفت بعد شبابنا عن علمائنا حتى سمعنا ذلك مما أدلى به بعض هؤلاء فاعترفوا بذلك.. انها حقيقة ثمرة من ثمار هذا الغزو الفكري على شباب المسلمين ولنا العبرة والعظة لمن أراد الموعظة في قصة عبدالرحمن بن الأشعث وما حصل فيها من سفك الدماء، الشيء الكثير فهل من متعظ؟؟ {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ}، فهذا ما جنيناه من المنطلق والعوائق والعدالة والضلالة ولماذا أعدموني؟ ثم بعدها يقال لا تحزن حتى لا تغرق السفينة!! القاه في اليم مكتوف اليدين

وقال إياك إياك أن تبتل بالماءلازلت أتذكر تلك الصيحات والنداءات التي تخاطب شبابنا عبر اللقاءات الأسبوعية بقول:

*إن النواة الأولى للدولة المسلمة هي أفغانستان* فيا سبحان الله!! إلى هذا وصل بكم العمى؟ أحقد هذا أم ماذا تريدون؟ لماذا تناسيتم بلاد الحرمين ومأرز التوحيد ومنطلق الدعوة الإسلامية في العالم؟

ولماذا تسعون دائماً في تجهيل الشباب ببلادهم ودعوتهم السلفية الإصلاحية التي قامت في نجد على يدي الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود فقاما بها حق القيام وناصروها حق النصر والتأييد حتى قامت عليها هذه البلاد ومازالت ولله الحمد هذه الدعوة قائمة منصورة فيها بتأييد من آل سعود ثم آل الشيخ ورحم الله تلك المرأة الصالحة الموحدة التي قالت للإمام محمد بن سعود :

اذهب للشيخ محمد بن عبدالوهاب فهو رجل صالح ما علمنا عنه إلا الخير وانصر دعوته فهو اليوم في الدرعية في بيت بن سويلم .

ثم إنه من الغش والمكر والخيانة أن تغيب هذه الدعوة عن شبابنا وأن توصف هذه البلاد بهذه الأوصاف لمجرد خطأ أو معصية من دعاة *التصيد في الماء العكر* قال صلى الله عليه وسلم:

*من غشنا فليس منا والمكر والخداع والخيانة في النار* والكمال لله عز وجل والخطأ يحصل والعبرة بالإصلاح الشرعي لا بالإثارة والتهييج و*المؤمن ينصح ويستر والفاجر يهتك ويفضح* فالحمد لله على هذه النعمة أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً*ولا نامت أعين الجبناء* ولكنها *تخفى علي العميان* فالمحاكم الشرعية في كل مكان ورئاسة الإفتاء تقبل كل من له إشكال ووزارة الشؤون الإسلامية دورها يعرفه القاصي والداني ووزارة العدل خصصت لهذا الشأن وديوان المظالم لرد المظالم لأهلها، ومركز الهيئات في كل حي وبجانب كل بيت، ومكاتب توعية الجاليات امتلأت منها البلاد ومدارس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم متوافرة والمساجد تغص من الطلاب والمساجد تبنى في أنحاء البلاد والقرآن يطبع ويوزع بالملايين وباللغات الأجنبية وكتب السنة والتوحيد تدرس في المدارس والمساجد ودروس وفتاوى العلماء تبث عبر التلفزيون والإذاعة صباحاً ومساء وما الدور الذي تقوم به إذاعة القرآن الكريم إلا ثمرة من ثمار هذه البلاد المباركة والمسابقة السنوية العالمية لحفظ القرآن الكريم بمكة تعقد كل عام يحضرها من أكثر البلاد الإسلامية {أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}؟!. قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في كتاب *الفتاوى الشرعية في النوازل العصرية ص 71.

الواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف كما دلت على ذلك الأحاديث الصححية الواردة الثابتة من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لأحد أن ينزع يداً من طاعة بل يجب على الجميع السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

*من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فإن مات مات ميتة جاهلية* رواه مسلم.

والواجب على المؤمن هو السمع والطاعة بالمعروف وألا يخرج من السمع والطاعة بل يجب عليه الإذعان والتسليم بما قاله النبي عليه الصلاة والسلام وهذه الدولة السعودية دولة إسلامية والحمد لله تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتأمر بتحكيم شرع الله وتحكمه بين المسلمين فالواجب على جميع الرعية السمع والطاعة لها بالمعروف والحذر من الخروج عليها. اهـ .

فيا شباب التوحيد والسنة هذه شهادة من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في هذه البلاد وحكامها* ومن الناس بعده* فلا يغرنكم أصحاب الفتن والدعوات بتلك النداءات المفسدة بدعوى الإصلاح {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} وجهود علمائنا مبذولة في توعية الشباب وصدهم عن هذا العدوان فلا تغتروا بهؤلاء وأمثالهم وما يزخرفونه من القول فجدهم ذو الخويصرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم:

*اعدل يا محمد* فلا عجب ولا غرابة منهم، وعليكم بالالتفاف حول علمائنا الكبار خذوا عنهم العلم ولازموا دروسهم وحلقهم وكتبهم * ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين* رواه البخاري.

ولذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من لا يشكر الناس لا يشكر الله* فالشكر لله عز وجل على هذه النعمة ثم لرجال الأمن على ما يقومون به وأخص منهم رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه على الدور الذي يقوم به والجهود التي يبذلها لحماية بيضة المسلمين ومهبط الوحي بلاد الحرمين ومازلنا نحفظ ونتذكر تلك الكلمات الرائعة التي سطرها التأريخ له حين لقائه بالقضاة ومنسوبي الأمن في القصيم فقال:

* ستظل هذه البلاد إن شاء الله آمنة من كل شر من طريف إلى عرعر ومن البحر إلى البحر*، ثم الشكر موصول لعلمائنا الكبار على الدور الذي يقومون به في بيان الحق وتوضيحه للشباب ورد الباطل من خلال الدروس والمحاضرات واللقاءات العلمية وأخص منهم صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان والشيخ ربيع بن هادي المدخلي والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ والشيخ أحمد النجمي والشيخ صالح اللحيدان والشيخ عبدالله الغديان والشيخ عبدالمحسن العبيكان حفظهم الله، فهكذا سار علماء السنة وجاهدوا ونصروا الحق قال يحيى بن يحيى * الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله* .

أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كل سوء ومكروه وأن يوفق ولاة أمورها لكل خير وأن يحفظ علماءنا وشبابنا وجنودنا وأن يغفر لميتهم.

نشر بجريدة الجزيرة

كتبه عبدالمحسن بن سالم باقيس/ الرياض

11794العدد الاربعاء 1 ,ذو الحجة 1425

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:56 PM
خططنا لما بعد الإرهاب

ماذا بعد حرب الإرهاب؟.. هذا هو السؤال الذي لابد أن يكون مطروحاً على طاولة البحث بعد الدعوة بالعفو لمن يسلّم نفسه ويعود إلى جادة الصواب.
هل نعود إلى ما قبل زمن الإرهاب ونزيل الحواجز الاسمنتية ومتاريس الرمل ونقاط التفتيش والرقابة المالية على البنوك والمصارف وتتبع المشبوهين؟.
هل أعددنا خططاً استراتيجية لما بعد الإرهاب.. هل أعددنا خططاً ادارية ومالية لمواجهة البطالة، وخططاً تعليمية لاستيعاب الطلاب في الجامعات. وهل أعددنا خططاً تعليمية أخرى لمنع عودة التطرف واستغلال طلاب المدارس، هل أعددنا خططاً توعوية لمعلمي المدارس وأساتذة الجامعات في الحد من زحف التشدد إلى مفاصل الهياكل التعليمية ومجتمع أعضاء هيئة التدريس، هل أعددنا خططاً اجتماعية لحماية الأسرة من منزلقات أبنائها في براثن الإرهاب في ظل غياب الأسرة عن مراقبة أبنائها، هل أعددنا خططاً اقتصادية لفتح الأبواب أمام هذا الجيل ليرسم مستقبله الاقتصادي وتفتح تلك الخطط المسارات أمام صغار التجار لنماء رأس المال؟..
الخطط الخمسية والموازنة السنوية لابد أن تستوعب هذا التطور الجديد الذي نشأ نتيجة الإرهاب والخلايا النائمة المتربصة، وترسم خططاً مضادة لا تتيح للإرهاب فرصة لملمة أطرافه مرة أخرى.. لابد أن يكون لدينا إدارة تتنبأ بمستقبليات هذا الجيل وترصد حاجته وقضاياه حتى لا تفاجئنا جماعة إرهابية أخرى فنعود لحديثنا السابق: فئة مغرر بها أو شباب تم تضليلهم، أو شباب خرجوا عن جادة الطريق أو شباب باعوا أنفسهم للشيطان أو..أو...
فإذا كانت أمريكا لديها الحادي عشر من سبتمبر واسبانيا لديها مثل سبتمبر أمريكا فنحن لدينا سبتمبر الإرهاب الذي هزنا من الداخل ليس بفعله الإرهابي وانما من المفاجأة التي استيقظنا عليها عندما وجدنا أبناءنا منخرطين في تنظيم القاعدة .. وقد وجهوا أسلحتهم إلى وطنهم وقاتلوا اخوانهم ودمروا منشآتهم وجعلوا منا القتلى والأيتام والأرامل والثكالى. لذا لابد أن يكون لنا سبتمبر أيضاً ،نخضعه بحثاً وتحليلاً وإصلاحاً نتكشف أمامه لمعالجة الخلل.
أما أسلوب "سحابة صيف وعدت" أو زوبعة في فنجان فإننا لا نتنبأ بما سيحدث في المنظور القريب وما تخبئ لنا الأيام.
والآن أصبح الاصلاح الاداري والمالي ومحاربة الفساد ضرورة من ضرورات تجاوز أزمة الإرهاب، ومعالجة الخطط الاقتصادية وبرامج البطالة هي احد مسارات الحل.. أما تجاهل تلك المؤشرات بحجة أن الإرهاب صناعة دولية وانه تصدير خارجي فهذا نوع من التعامي وتجاهل الواقع .. ويبقى الاقتصاد والتعليم والبطالة احد المحركات الفاعلة للإرهاب، وإصلاح تلك المسارات ببرامج وخطط إنمائية هو الكفيل بتغيير خارطة لعبة الإرهاب رأساً على عقب.

[د.عبدالعزيز جارالله الجار]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:57 PM
والإرهاب ..وما يتقربون به الشباب

الإرهاب صفته هي ::القيام بعمل خطر يؤدي إلى قتل الإنسان أو الخوف على
حياته أو غيره وهذا عمل يخالف شرع الله الذي يعطي للإنسان الراحة والطمانينه
فهي أعمال ترفضها الشرائع السموايه في كل الأزمان والعصور ولا يقوم بهذه
الأعمال إنسان مؤمن يعلم حرمة الدماء المعصومة مهما كانت الأسباب والمبررات
!!!!وعلى راس هلا من اتخذوا من التفجيرات في هذه البلاد مبررا بما لديهم
من حجج للحصول على ما يريدون !!!بشتى الطرق حتى وان سفك دما حراما! علما
إن بلادنا ولله الحمد والمنة لا يوجد فيها من الأسباب التي تدعوهم لذلك
وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا ما يميز
بلادنا عن دول العالم قاطبة ما بالك بمن يحكم بغير ما نزل الله!!!ومن
حججهم الأجانب ونحنوا ليس لدينا احد منهم إلا المستأمنين الذين يعملون لضرورات
فقط وفي مؤسسات وشركات أهليه !!!
ولا يوجد مما يدعونه في السابق إذا لماذا قتل رجال الأمن وغيرهم من المدنين ؟
لقد قامت عليهم الحجة ببطلان ادعاءاتهم وفضحهم وزيفهم !!!
وما يرسمونه لأفراخهم للتسابق على الحور العين في سفك دماء مسلمة معصومة
والعياذ بالله نفوس مريضة رسم لهم أعداء الدين وزين لهم أفعالهم الشيطان
وأعوانه من الإنس !!!والله تعالى يقول( كل المسلم على المسلم حرام دمه ومال
وعرضه)
وهؤلاء الشباب الذين غرر بهم و يتقربون بدمائنا إلى الله تعالى والتسابق
إلى الحور العين لماذا لا يكفوا عنا أذاهم !!!لماذا لا يذهبون لمشايخنا
الأكفاء المشهود لهم بالقول والعمل الصادق فيما يرضي الله والرسول وليس علماء
التكفير والتنفير؟ أما اليوم نقول لهم !!!
كلنا كفوفنا ممدودة ويد بيد مع ولاة امرنا لمحاربة هؤلاء الخوارج أو
التستر عليهم أو إيوائهم أو مساعدتهم أو السماع لأقوالهم وما يسوقونه من حجج
واهية ولوي لآيات الله تعالى للتتفق وأهوائهم !!!بلغ عنهم حتى وان كان احد
إخوتك أو أبنائك اوقريب لك كي تقيه شر نفسه وإيذاء الآخرين!!!حمى الله
العباد والبلاد من يسعى للضلال والفساد وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد
صلى الله عليه وسلم 0


[احمد خالد النصار]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:58 PM
الحرب الإعلامية ضد الإرهابيين

كيف يمكن ربح الحرب الإعلامية ضد الإرهاب وضد الإرهابيين؟ هل تجب مقاطعة الإرهابيين إعلامياً والتعتيم على ما يقومون به وما يصدر عنهم من مواقف وبيانات أم يجب التعامل مع المشكلة الإرهابية بموضوعية وتغطية أخبار ونشاطات الإرهابيين كما تتم تغطية أخبار ونشاطات قوى أخرى في المنطقة والعالم؟
النقاش حول هذه القضية المهمة والحساسة جار حالياً في الكثير من المؤسسات الإعلامية الأمريكية والأوروبية والأجنبية وفي بعض المؤسسات الإعلامية العربية, والجواب عن هذه الأسئلة المطروحة ليس سهلاً إذ إن المشكلة الإرهابية ليست مشكلة عادية يمكن بالتالي اعتماد معايير مهنية بحتة في التعاطي معها.
في اعتقادنا أن المنطلق الصحيح للتعاطي مع هذه القضية المهمة والمعقدة هو التأكيد أننا في حالة حرب حقيقية مع الإرهابيين ولسنا في حال من العلاقات العادية الطبيعية معهم وأن الإرهاب أصبح جزءاً من حياتنا اليومية سواء كنا نعيش في العالم العربي أو في مناطق أخرى من العالم. ويجب التعامل مع المشكلة الإرهابية على أنها أساساً مشكلة أمنية - سياسية - استراتيجية تهدد المصالح الحيوية للدول وللمجتمعات المستهدفة ولمواطنيها وليس على أنها مشكلة هامشية. وينبغي الانطلاق من واقع أن العالم كله ساحة للنشاطات الإرهابية وأن الدول غير المستهدفة اليوم قد تكون مستهدفة غداً لأي سبب من الأسباب, وإذا ما ضعفت أية دولة أو مجموعة دول أمام الإرهابيين فإن قدرات الدول الأخرى على مقاتلة الإرهابيين ستضعف. وليس هناك مجال للتفاوض والمساومة مع الإرهابيين بل ليس أمام دول العالم سوى خيار واحد هو التعاون معاً من أجل الانتصار في الحرب على الإرهاب وهو هدف كبير صعب لن يتحقق بسرعة بسبب نمو واتساع رقعة نشاطات التنظيمات والحركات الإرهابية. ولن ينتصر العالم على الإرهابيين إلا إذا كان جبهة واحدة صلبة متماسكة ضدهم وضد مطالبهم, لكن على أساس أن تستخدم كل دولة الأسلحة والوسائل الملائمة لأوضاعها لحسم المعركة مع إرهابييها.
أمر آخر يجب التشديد عليه وهو أن الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين الأبرياء ويزرعون الخراب والدمار والفظاعات والأهوال حيث يعيشون وحيث يضربون, أن هؤلاء الإرهابيين ليست لديهم قضايا عادلة يدافعون عنها إذ إن أية قضية يزعمون أنهم يدافعون عنها تتحول إلى قضية خاسرة وتفقد الكثير من شرعيتها ومقوماتها ومصداقيتها.
هناك ثلاث قواعد أساسية يمكن الاستناد إليها في التعاطي إعلامياً مع الإرهابيين وهي:
أولاً: من الخطأ التعامل بموضوعية وتجرد مع أخبار الإرهابيين ونشاطاتهم لأن الإرهابيين يشكلون خطراً داخلياً كبيراً يهدد مصالح كل مجتمع مستهدف بل إنهم يضعفون المطالب المشروعة للقوى والأطراف التي تستخدم وسائل أخرى غير العنف والإرهاب لإصلاح مجتمعاتها وتطوير أنظمتها وأوضاعها.
ثانياً: الحرب الإعلامية ضد الإرهابيين مشروعة لأن الإرهابيين ليست لديهم أية شرعية. ومن واجب وسائل الإعلام إظهار الإرهابيين على حقيقتهم وإبراز فظاعة ووحشية أعمالهم ونشاطاتهم ومدى تعارضها مع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية ومع مصالح المواطنين وقضاياهم العادلة.
ثالثاً: التعتيم على أخبار ونشاطات الإرهابيين ليس وارداً لأننا في عصر الإعلام المفتوح الذي يتجاوز كل حدود ولأن من حق الجميع الاطلاع على ما يفعله هؤلاء الأعداء. لكن يجب عدم الوقوع في فخ الإرهابيين وتصويرهم على أنهم "أبطال" يقاتلون من أجل مجتمع أفضل إذ إنهم يزرعون فقط الموت والخراب والدمار والفوضى والفتنة واليأس. لذلك من الخطأ نشر بيانات هؤلاء الإرهابيين وعرض مواقفهم من دون الرد المدروس عليها فوراً وفضح زورها وإظهار أخطارها. باختصار, يجب الحرص أولاً وأخيراً على حماية ضحايا الإرهابيين وتحصين الدولة والمجتمع من أخطارهم وليس الحرص على الترويج للإرهابيين وتأمين الدعم لنشاطاتهم وأعمالهم.

[عبدالكريم أبوالنصر]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:58 PM
موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب

ولقد جاء موقف المملكة العربية السعودية الواضح والصريح والرافض للإفساد في الأرض والإرهاب بجميع أشكاله وصوره، والإجرام الظاهر والباطن تصديقاً لذلك وواقعاً حياً يلمسه البعيد قبل القريب، والمقيم مع المواطن ويشهد به العدو قبل الصديق، ولم يكن هذا الموقف وليد الأحداث الحالية والفتن الآنية، بل كان مواكباً لقيام هذه الدولة المباركة وناشئاً مع نشأتها حيث إنها تأخذ بمنهج الإسلام الصارم في محاربة الفساد والإفساد والبغي والبغاة وكل عمل فيه اعتداء ومنكر وإثم وشر مادياً كان أو معنوياً قليلاً كان أو كثيراً بصورة قطعت دابر ذلك كله وقضت عليه برمته الأمر الذي معه صارت مضرب المثل ومحط النظر في الأمن والإيمان والطمأنينة مع ما هيأة الله لها من رغد العيش والاستقرار إلا أنها لم تسلم من الإرهاب بصوره الحالية ومحاولة الحاقدين والحاسدين النيل مما حباها الله به من النعم والآلاء ولكنها تقف من ذلك موقفاً حاسماً حازماً وتردعه ردعاً قوياً منطلقة في ذلك من مبادئ الشريعة الإسلامية.
كان هذا الكلام جزءاً من مقدمة كتاب موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب دراسة شرعية علمية وثائقية للشيخ/ د. سليمان أبا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد ألفه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تحت عنوان موقف الإسلام المناهض للإرهاب ودوافعه وبعد أن جمع مادته العلمية والوثائقية المتعلقة بهذا الموضوع تبين له أن موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب هو ذاته موقف الإسلام منه، مما دعاه إلى تغيير العنوان السابق إلى هذا العنون الجديد ليضيف إلى المكتبة سفراً مهماً يدفع به المؤلف الريبة عن دولة الإسلام بالدليل القاطع والنص الصريح والوثيقة الصادقة ويشفع إلى ترجمته بلغات العالم وتوزيعه عن طريق السفارات والاكاديميات شاهداً على براءة دولة الإسلام ونقاء هذا المجتمع ووسطيته واعتداله وموضوعيته واتزانه وبصيرته وحكمته والرد على ممن عميت بصائرهم وأبصارهم وقادهم الهوى والشبهة والشهوة واثارهم الحقد والحسد وشذوا عن الجماعة، وفرقوا الأمة بإثارة الفتن وتأليب الناس والكذب عليهم وتخويف الآمنين والمستأمنين والإرجاف بينهم، وقد قسمه الشيخ إلى تمهيد وفصلين وخاتمة وتحدث في التمهيد عن ثلاثة أمور أحدها مصادر الدين الإسلامي القرآن والسنة، الإجماع، القياس وأبرز محاسنه ومزاياه، التي منها الأصالة، الكمال والتمام، الشمولية، والاتساع، الصلاحية لكل زمان ومكان اليسر ورفع الحرج والمشقة، تحقيق المصالح، الاجتماع والاتفاق، جلب المصالح ودرء المفاسد، الوسطية والاعتدال، العدل، رعاية المصالح والأمر بالإصلاح والنهي عن الفساد والإفساد، الرحمة، الدعوة إلى كل خير، المحبة، الحكمة والبصيرة، الحوار والجدال بالتي هي أحسن المعاملة الطيبة، ربط الوسائل بالمقاصد، العلم والرفق واللين في الأمر بالنهي، الوفاء بالعهود والمواثيق.
والثاني: تعريف الإرهاب لغة واصطلاحا والفرق بين الإرهاب والدفاع عن الحقوق المشروعة، والثالث الأسس التي قامت عليها المملكة العربية السعودية والمنهج الذي تسير عليه مستشهدا على ذلك بكلمة الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وكلمة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله .
أما الفصل الأول فهو موقف ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية من الإرهاب ويتضمن الآتي:
1- موقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ويشمل:
كلمته في مجلس الوزراء المعقود يوم الاثنين 7/7/1422ه والبيان الصادر عن مجلس الوزراء يوم الاثنين 14/7/1422ه البرقية الجوابية من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وحديث خادم الحرمين الشريفين لوكالة الأنباء العمانية والرسالة التي بعثها خادم الحرمين الشريفين إلى الرئيس الأمريكي بمناسبة مرور عام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
3- موقف صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني حفظه الله ويشمل:
رد سموه حفظه الله على ما تتعرض له المملكة من حملة شرسة في الإعلام الغربي كلمة سموه في حفل افتتاح ندوة رابطة العالم الإسلامي في مكة «صورة الإسلام في الإعلام المعاصر» حوار سموه مع مسؤولي التعليم في المملكة، كلمة سموه لضباط القطاعات العسكرية، لقاء سموه بضيوف المهرجان الوطني السابع عشر للتراث والثقافة، المقابلة الصحفية لسموه مع صحيفتي الواشنطن بوست، ونيورويك تايمز، كلمة سموه أمام قمة مسقط، والرسالة بعثها حفظه الله إلى الرئيس الأمريكي بمناسبة ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، وكلمة سموه في جلسة مجلس الوزراء المعقودة يوم الاثنين 11/7/1423ه.
3- موقف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظه الله ويشمل:
جواب سموه على سؤال «ما رأيكم في موقف الإسلام من الإرهاب والتطرف» والمؤتمر الصحفي الذي عقده سموه مع وزير الدفاع الأمريكي، كلماته حفظه الله عقب استقباله أعضاء اللجنة العلمية لموسوعة الأدب السعودي، كلمته حفظه الله أمام مجلس الشورى في جلسته المعقودة مساء السبت 5/9/1423ه.
4- موقف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية حفظه الله ويشمل:
إجابة سموه على سؤال «ما رأيكم فيما تردده وسائل الإعلام العربية حول العلاقة بين الإرهاب والتطرف وبين الإسلام؟» المؤتمر الصحفي الذي عقده سموه وحضره عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية، وذلك إثر الأعمال الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية، تصريحات سموه للصحافيين قبل مغادرته مطار القاعدة الجوية بالرياض متوجها إلى بيروت لحضور اجتماعات وزراء الداخلية العرب، كلمة سموه في افتتاح الاجتماعي الإقليمي الآسيوي الخاص بالتعاون بين جهات إنفاذ القانون والمؤسسات المصرفية المقام في الرياض، المؤتمر الصحفي العالمي الذي عقده سموه بعد تفقده المشاعر المقدسة، والاطمئنان على جميع الاستعدادات لخدمة الحجاج عام 1422ه كلمة سموه حفظه الله بعد لقائه بالرئيس الاتحادي لجمهورية النمسا، كلمة سموه في حفل افتتاح فعاليات مؤتمر مديري الشرطة، وإدارات المرور وتدشين الحملة الوطنية للتوعية الأمنية المرورية في الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية.
وأما الفصل الثاني فهو عن موقف علماء المملكة العربية السعودية وفقهم الله من الإرهاب ويشمل: جهود هيئة كبار العلماء حفظهم الله في بيان موقف الإسلام من الإرهاب ومن ذلك البيان الصادر في 8/1/1409ه والبيان الصادر في 6/4/1419ه وجهود المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ومن ذلك دعوة المسلمين إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وجمع الكلمة، وبيان خطورة الحملات الإعلامية والثقافية على الإسلام والمسلمين وتكريم الإسلام للإنسان، وموقف الإسلام من الإرهاب وتعريف الإرهاب والعلاج الإسلامي للتطرف والعنف والإرهاب، ثم ذكر في هذا الفصل فتاوي العلماء وجهودهم في الذب عن الإسلام وبيان خطورة الإرهاب الذي يبرأ منه الإسلام من أولئك العلماء:
1- موقف سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ويشمل: جوابه عن سؤال «ما رأي سماحتكم فيما تردده وسائل الإعلام الغربية حول وجود علاقة بين التطرف والإرهاب وبين الإسلام وكيف يمكن تبصير هؤلاء الناس بحقيقة موقف الإسلام من التطرف والإرهاب»؟ والبيان الذي أصدره سماحته على إثر حادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.
2- موقف رئيس مجلس القضاء الأعلى، عضو هئية كبار العلماء سماحة الشيخ/ صالح اللحيدان وفقه الله ويشمل: الحديث الذي أدلى به سماحته لوسائل الإعلام عن أحداث 11 سبتمبر وبيانه لموقف الإسلام والمسلمين منها، والحوار الذي أجرته الشرق الأوسط مع سماحته عن الإرهاب وكيف نقضي عليه وحالنا مع ضحايا الإرهاب، والحوار الذي أجرته معه صحيفة عكاظ عن الأحداث الأخيرة وموقف الإسلام من الفتن.
3- موقف الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وفقه الله ويشمل: المحاضرة التي ألقاها على طلبة العلم والدعاة بمقر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والحوار الذي أجرى مع فضيلته عن الإرهاب، وبعض المسائل المتعلقة به والمحاضرة التي ألقاها فضيلته في جامع الإمام تركي بن عبدالله عن حقيقة الإرهاب.
4- موقف معالي الشيخ/ عبدالله آل الشيخ وزير العدل وفقه الله ويشمل: جوابه عن السؤال الذي وجه إليه عن رأيه فيما تردده وسائل الإعلام الغربية من وجود علاقات بين الإرهاب والتطرف وبين الإسلام؟
5- موقف معالي الشيخ/ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية وفقه الله ويشمل:
جوابه على سؤال «ما رأي معاليكم فيما تردده وسائل الإعلام الغربية عن وجود علاقات بين الإرهاب والتطرف وبين الإسلام والجهود التي تبذلها الوزارة من أجل تبصير الناس بحقيقة موقف الإسلام من الإرهاب، وكلمته التي وجهها إلى طلبة العلم والدعاة في مقر الوزارة.
6- موقف الشيخ عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء وفقه الله ويشمل:
المحاضرة التي ألقاها بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات في مهرجان الجنادرية يوم الاربعاء 16/11/1422هـ تحت عنوان الإرهاب وموقف الإسلام منه.
ثم ختم المؤلف هذا الكتاب بنقل حوار مع سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله حول مسائل مهمة تتعلق بموقف المسلم من بعض القضايا المعاصرة التي كثر الخلط فيها من قبل بعض طلاب العلم.
منها: ليست من النصيحة تهييج العامة على ولاة الأمر، خطورة التكفير وشرح الحكم الشرعي فيما يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله، قراءة لصلح الحديبية وشروط الصلح، نصيحة للجماعات الإسلامية ووصف الفرقة الناجية، وخطورة التقليل من منزلة العلماء في نفوس الناس، أحكام أهل الذمة وحكم الاعتداء على المعاهدين والمستأمنين.
وختاما جزى الله الشيخ د/ سليمان ابا الخيل خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان أعماله ونفع الله بعلمه وقلمه وجهوده التي بذلها لخدمة الإسلام والمسلمين.
وما أجمل ان يكون مثله وهو العالم بالشرع والواقع والأحزاب والمناهج الحركية على هرم مؤسساتنا الدينية في هذه الظروف.


[عبد الله بن ثاني]

د.فالح العمره
18-04-2005, 11:59 PM
خواطر مواطن تجاه الإرهاب

بمناسبة انعقاد مؤتمر عن: موقف الاسلام من الارهاب في رحاب جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الفترة من 1- 1425/3/3هـ احب ان أنوه بالمؤتمر والمؤتمرين والراعي لهما. وقد صادف انعقاد المؤتمر أن ضرب الارهاب جزءاً من وطننا الغالي، فتولدت لدي بعض الخواطر رغبت أن أقيدها. وهي لا تعني الاقلال من الجهود العلمية للمؤتمر، ولا تعد قراءة للبحوث المقدمة في المؤتمر. فهذان لهما حديث آخر.
هذا عقد من الزمن ( 1959- 2004م) أو نحوه يمر والارهاب لا يبرح يباغتنا بوجهه ويده، يفاجئنا في أوقات مختلفة وأمكنة متعددة، وهو كعادة الارهاب في كل مكان، يضرب ثم يهرب، ثم هو زاد بأن اتخذ وسيلة الانتحار والقتل العشوائي اسلوباً وديدناً معاشاً. لا نامت أعين الجبناء. والارهاب الذي ضرب مقر إدارة المرور في منطقة الوشم من هذا النوع السيئ، الذي لا يفرق أصحابه بين الصخرة والانسان أو بين الحيوان والنبات. وقد قيل الكثير، وكتب الكثير عن التفجيرات التي شهدتها وتشهدها المملكة. وكل أدلى بدلوه. والسؤال ما الفائدة من ترديد القول؟
يقول حكماء العرب: نعوذ بالله من الحديث المعاد. واستعاذت العرب من الحديث المعاد لأنه شاهد على انعدام القدرة على الابتكار والابتداع والانشاء. ونحن لانشك في صدق من أدلى بدلوه من المواطنين تجاه قضية الارهاب والتشدد الذي انتشر عند بعض شبابنا. ونحن لا نشك أيضاً في عملية الآراء التي قيلت. ولكن نريد أن نسمع قولاً فصلاً، وفوق هذا نريد أن نرى عملاً قوياً. أما القول الفصل فقد سمعته من علمائنا الجمعة الماضية، فقد بينوا بما لا يلتبس على ذي عقل، ان ما يحدث من ارهاب لا يمت للدين أو العقل بسبب أو نسب. بل الدين من تلك الأعمال المشينة براء، براءة الذيب من دم يوسف.
أما العمل فهو ما تقوم به الأجهزة الأمنية على اختلاف قطاعاتها. وهو عمل يجب أن نعيه، ونقدره، ونذكره ونذيعه، ثم نشكره. أقول صراحة إن رجال الأمن والمسؤولين عن الأمن قد والله أدوا الأمانة، ونصحوا الأمة، وضربوا بيد من حديد على كل من تسول له نفسه اللعب بمصائر الشعب السعودي. وبقي أن يفعل الشعب كل الشعب مثلهم. بقي أن نكون رجال أمن كل حسب قدرته، وفي مكانه. فنحن أمام ثغر من ثغور الوطن، وعلينا أن نحمي هذا الثغر.
أريد أن أقول أيضاً انه لا حاجة لربط هذا الارهاب الذي وجد له أوكاراً في بلادنا بأي سبب ديني، أو اقتصادي، أو اجتماعي، أو تعلمي أو تربوي أو سياسي. الارهاب هو الارهاب لونه واحد، وطعمه واحد، وهدفه واحد. الارهاب مرض مزمن لا ينفع معه المسكنات والمهدئات. الارهاب جريمة تعاقب عليها الشرائع والقوانين. والقضاء على الارهاب يستلزم القضاء عليه أولاً ثم على بيئته ثانياً.
ومما يحزنني أن أرى ربطاً بين الارهاب والدين أو الاسلام. من ذلك وصف الارهابيين بأنهم اسلاميون متشددون، أو وصفهم بأنهم خوارج. وأنا لا أجد صفة التدين أو الاسلام الحق عند أولئك الشباب الذين ينتحرون ويقتلون غيرهم بالدم البارد. فالارهابي المسلم يشبه الارهابي النصراني أو اليهودي أو حتى من لا دين له. وأجزم أن الربط بين الارهاب والدين اساءة بالغة إلى الدين. فالدين السماوي أياً كان لا يقول أو يتبنى مثل هذه الأفعال الشنيعة. لماذا لا نقول ارهابيين وكفى. فليس بعد الكفر ملة. فطالما أن من يقوم بهذه الأعمال قد ثبت عند علماء المسلمين وجمهورهم كفرهم ومروقهم من الاسلام، إذن ما الداعي أو الفائدة من تذكيرهم بأن عملهم يقودهم إلى النار لا إلى أحضان الحسان في روضات الجنان. هل أعرنا عقولنا لنصدقهم بأنهم ينتحرون ليدخلوا الجنة. وصدق الشاعر:
اسمع في قلبي دبيب المنى
وألمح الشبهة في خاطري
أليس الاسلام أنزل العقوبات، كعقوبة القتل العمد، وعقوبة الردة. هل القاضي يسأل القاتل العمد عن الأسباب الاقتصادية أو التربوية أو السياسية. لم يحدث هذا فمهما يكن السبب، فلابد للقاضي إذا تبين له الجرم، أن يقول بالعقوبة دون الركون إلى تبريرات وتفسيرات. ولو فعل اختل توازن المجتمع وسادت الفوضى. وأنا في نظري المتواضع أرى أن الارهاب لا يقتل فرداً أو فردين عمداً، بل يقتل جمعاً، ويروع أمة، ويهدم ويفسد. فتأمل رعاك الله.
ثم أمر آخر نحن نسير دون أن نعي خلف الإعلام الغربي، وربما خلف المشرع الغربي عند بحثنا عن الارهاب. أنا لا يهمني إذا لم يتفق المشرعون والحكماء والمختصون على تعريف محدد للارهاب، والارهابي. ولا يهمني كثرة البحوث والتقارير والكلام المعاد. ما يهمني أن الارهاب بكل المقاييس العقلية والشرعية جرم وتعد فإن كان الأمر كما ذكرت، إذن ما الفائدة في بسط القول وترديده. والله ما أضر بأهل أثينا وأضعفهم وهزمهم أمام عدوهم أهل أسبرطة إلا اضاعة الوقت في المناقشات السفسطائية.
ما يهمني أننا في المملكة حكومة وشعباً ومؤسسات دينية ومدنية. وفوق هذا عقل زرعه الله في رؤوسنا نعترف بأن ما نواجهه ارهاب بكل المقاييس، وأن علينا مواجهته بقوة وبأس شديدين، دون الالتفات إلى رأي هنا أو هناك ممن لا يرى ما نراه. ولكل أمة لباس. ولباسنا التقوى، والسلم، والأمن. ودثارنا الصدق والقوة والعزيمة.

[عبدالله ابراهيم العسكر]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:02 AM
لك ياوطن

إنطلاقاً من حب الوطن , وحيث انه يجب على كل مواطن استغلال كافة مايتمتع به من مواهب ومايتوفر لديه من إمكانيات وأن يفجر طاقاته من جميع منابعها في سبيل نصرة دينة ووطنه والتصدي لكل من تسول له نفسه بإحداث الخراب والدمار في وطننا الحبيب
أمسكت بقلمي وكانت هذه الكلمات
لك ياوطن
سخرت لك هذا القلم
محامي وسلاح
أدري قلم
ودمه مجرد قطرة حبر
يوم تشرق بالسعد
ويوم تنبض بالألم
بس يمكن في اي لحظه
يغنيك عن جمع الرماح
أدري قلم
وهذا القلم خطط حروفه كفاح
وجسّد مشاعر أمم
تحت شعار
"الدفاع عن الوطن"
بلا مدافع أو سلاح
آه ياوطن
إذا انت الوطن
اللي من خيرك روينا
وعلى أرضك الخضراء ربينا
إذا انت الوطن
اللي فيوم علمتنا
وش هو الامان وفهمتنا
حنا شعبك
اليوم لك بنكووون
وطـــن
بنتحد فاقوى سلاح
ديننا وإيماننا
والثقه برب الانام
وبنعلمك ياجاهل
يامن ينادي باسم السلام
وقلبه ينبض بالحقد
ودمه يفووور من الحسد
إن الوطن
شعبه بيكونوا له حماه وله وطن
وافهمها يامن جهلت
يامن ارخصت دينك وملت
لاجل افكارٍ دخيله
في شرعها
الذبح تهواه ومباح
إن الجبال عزتها الشموخ
مايحركها فعلٍ سخيف
وماتزلزلها الرياح

[خواطر العتيبي]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:02 AM
انفجارات الريـاض


المجد مجدك يا بلادي مـن قديمـات السنيـن
ما تنطفي نار الكرامه فيك لـو غيـرك خمـد

الله يحفظك يا وطنـا مـن شـرور العابثيـن
اللـي نواياهـم فسـاد الحـال وافسـاد البلـد

ما اهتز في قلب الرياض الا قلوب المرجفيـن
اللي يبون يزعزعون الامن عن قصـد وعمـد

ياعاصمة دار السعـود ودار كـل المسلميـن
تهون كل ارواحنـا لجلـك ولا نبغـى قـود

المجد مجدك يا بلادي مـن قديمـات السنيـن
ما تنطفي نار الكرامه فيك لـو غيـرك خمـد

يا عاصمتنا و ( عاصمتنا ) لك عهد بعد اليمين
نصون أرضك مع سماك الين ندخـل فاللحـد

عهدٍ علينا مانخونـه يعرفـه حتـى الجنيـن
عهدٍ على الشيبـان ووصـاةٍ توصـى للولـد

نحميك من أهل الفساد اللي بـلا عقـلٍ فطيـن
اللي مجمعهم سـواد القلـب وانـواع الحسـد

يا دارنا لايشغلـك افعـال نـاسٍ مغرضيـن
تبقى السعوديـه ويبقـى حاكـم الديـره فهـد

[زايد الرويس]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:03 AM
يالإرهابي


عقـول مهـجّره ومـدجّنه ومسممه بفكار
رعـت فيها الطرابي وابـن عـرس وعشش الدبور

وطن صافح سنينك عـز وشموخ وبنيت أعمار
وطن فاحت على أرضك شمس الإسلام وملاك النور

وطن وانـته تمـلا بالأذان وتـرتـويك ابرار
تـحـن اجـبال نـوّام وتسمّـعك البحور الغور

وطن سارت على رمالك حضاره كلها إصرار
ظـهرت الغيم وامـطرت المـحبه وانـجلا الديجور

سعـوديه سعـوديه بناك الصـقر والمـغوار
جثـت قـدامـه اجبال الجـزيره واحتـرته الدور

بطـل مامات دامـه عقب الأبطال والأحرار
فـراقـد ف السماء بانـت كواكب في سمانا ادور

تنكر كـل ذرة فـي الوطـن للخاين المكار
تـربى فـي عـلابيه الجـحـود وصـدره المدحور

نعم تبت يـدا تبت يـدا تبت يـدا الأشرار
رتيـليّ ونسـج بقـلوبـهم بـيته وبـنا سـور

عقـول مهـجّره ومـدجّنه ومسممه بفكار
رعـت فيها الطرابي وابـن عـرس وعشش الدبور

يالإرهابي لو انك فـي فـم الذره تجي منهار
لـو انـك تنعقد قـطرة تشـبث في فـم الصنبور

نسيت ان السعـوديه سعـوديه وحـنّا اسوار
وطن فاحت على ارضه شمس الإسلام ومـلاه النور

[سلطان الشهيب]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:04 AM
نايف بن عبدالعزيـز قلـب الريـاض


تنزف إدموعنا والقلـب فيـه إنقبـاض
من جَسد محترق0تحته عظـم منطحـن

حَسبَنا اللْه على مَن هز قلب الريـاض
ممادرى انّه بفعله هـز كـل الوطـن!؟

وحسبنا اللْه على كل القلوب المـراض
ياقلوبٍ علـى فعـل الجرايـم سطـن

وحسبنا اللْه على من صبّ فوق البياض
اسود الكحل لين اخلف بيـاض القطـن

وحسبنا اللْه على من قص عشب الفياض
وحَرَّك الشجره الخضرا وهز الغصـن

وحسبنا اللْه على روس النعام الربـاض
دسّت الروس في وسط الوحل وإربضن

وحسبنا اللْه على من شجـع الإنتفـاض
لين هز الرضيع اللي بوسـط الحضـن

وحسبنا اللْه على من قـدّم الإفتـراض
إن حـق الإبـن للأُم00رفـس البطـن

وحسبنا اللْه على من يعلن الإعتـراض
للشريعـه وفـي أمـن البلـد يمتهـن

وحسبنا اللْه على لسانٍ تبجّـح وخـاض
بالمفاسـد وحـرّض للخطـا والفِتَـن

نطلب اللْه لفضلـه وارديـن الحيـاض
والأيـادي رفعناهـا لوجهـه نصـن

ياللْه إحكم على اهل الغدر بالإنقـراض
شلّـةٍ بالشريعـه والأمـن مـارضـن

وإجعل الشر ترجع نسبتـه بإنخفـاض
وياللْـه إنـك تكافينـا البـلا والمِحَـن

ويحسن اللْه عزا من هلّ دمعه وفـاض
في فقيده بَعَـد حطّـوَه وسـط الكفـن

تنزف إدموعنا والقلـب فيـه إنقبـاض
من جَسد محترق0تحته عظـم منطحـن

والأمانـي طويلـه والمشاعرعِـراض
فيـك يانايـف اللـي نايـفٍ بالأمـن

إيه ياحرّ ياللـي طبعـك الإنقضـاض
يامحَنّك,ياواعي,يـاذَكـي , يافَـطِـن

أنت بعـد الله الوالـي بيـدك الحِفـاظ
للبلد فـي يديـك إخطامهـا والرسـن

لين بـذن الله المعبـود تنشـر عكـاظ
إن راع الجريمه صار وسـط السجـن

وينحكم بالشريعه وإشمخـي ياريـاض
ويشمخ الأمن مع نايف ويشمـخ وطـن

[عبدالرازق الذيابي]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:05 AM
يـامـروج الإرهـــاب


في اي مذهب صرت للـدم سفـاك
وتحارب الاسلام وسـط الجزيـره

ياالله ياللي تامن الارض بحمـاك
عينك على كل الخفايـه بصيـره

يارب وفقنا الى طاعتـك ورضـاك
وارشد اخطانا للـدروب المنيـره

ويالله بياض وجيهنا يـوم نلقـاك
في ساعة كـل يحصـل مصيـره

ويالله تعز الدين وتـذل الاشـراك
وانتصر الاسلام فـي كـل ديـره

ويالله تحفظ الـدار منـا ومنـاك
ومع كل درب فيـه للشـر سيـره

وتصونها من كل عابـث وفتـاك
وترد كيد اهـل اليديـن القصيـره

السهو والفتنـه ضعيفيـن الادراك
اهل النفـوس الحاقـده والحقيـره

ساروا بدرب ابليس مع كل شرباك
وابليس فيهم قـام يشعـب ابعيـره

يامروج الارهاب خابـت نوايـاك
ركبت درب ابليس واصبحت اسيره

ظلام تفكيرك غدى فيك وعمـاك
واخطيت درب السيره المستنيـره

في اي مذهب صرت للـدم سفـاك
وتحارب الاسلام وسـط الجزيـره

حتى حمى مكـه تطولـه خزيـاك
في جوها الطاهر رميـة الذخيـره

قتل النفوس المسلمه مـن سجيـاك
حللـة مفهـوم ارتكـاب الكبيـره

الطفل والشيخ الكهل من ضحيـاك
اجسادهم من هول فعلـك سريـره

تلطخت منهـم يمينـك ويسـراك
اثنيتهـم يـوم مافـيـك غـيـره

ماطبت ياالخايف ولاطاب مسعاك
يامصدر الموت الحـرام ونذيـره

حنا عربنـا داك ياالعفـن ودواك
البندقيـه والحـدب مـن جفيـره

والنبت يطلع فيه نـوار وشـواك
والشوك ماله غير نـار اسعيـره

ويادارنا يسعد صباحك وممسـاك
الخير فالك وانـت للخيـر خيـره

برعاية الله ثم الملاييـن ترعـاك
على العهد ومواصليـن المسيـره

مع كل فجر تعطر المجد طريـاك
يزدان صبحـك ويتجـدد عبيـره

يادارنا حتـى لـو اهتـز مبنـاك
ماهتزت نفوس هالجموع الغفيـره

اعمارنا واروحنـا مـن فدايـاك
ارقد بمـان الله وعينـك غزيـره

ويبقى مدارك واضح بين الافـلاك
ويبقى منـار فيـه للديـن نيـره

وتبقى وريث المجد والمجد يزهاك
ياموطن الدين الحنيـف ونصيـره

[ضيـدان المريخـي ]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:05 AM
خطاك الشر

سلامتك ياوطن والله
من الحقد اللي ماليهم
سلامة عينك وقلبك
سلامة فرحة أطفالك
من الشوك اللي بيديهم
سلامة ظلك الوارف
سلامة نخلك الواقف
غصب عن ريح ظلمتهم
وظلم المعرفه فيهم
سلامة صبحك الطاهر
من عاصف لياليهم
سلامتك ياوطن والله
سلامة ضحكة عيونك
سلامة صوتك الخيّر
ونور الحق على متونك
سلامة "الله أكبر" فــ المساجد
والقلوب
وهقوة ظنونك
سلامة روحك السمحة
بياض ايديك
ربيع حبك
سخا مزونك
سلامة خضرة غصونك
شلون تقدر
يد اللي تلمس ترااابك
تخون الله وتخونك؟
سلامتك ياوطن والله
سلامة ماك .. وترابك
سلامة كل ندى يقطر
هوى ويسيل على أعشابك
سلامة حلم أحبابك
سلامة كل شبر منك
وكل مافيك
وكل صوت يتغنى بك
سلامة كل "هلا" تنقال
من قلبك قبل بابك
سلامتك يابعد روحي
خطاك الشر وماصابك
تعال جروحك جروحي
وعمري فدوة لاهدابك
تعال حط راسك بصدري
وصدري يزهر ويدفي
ويفرح ويتهنى بك
[مسفر الدوسري]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:06 AM
حطوا لهم قصـة ارهاب(ن)وترعيـب
يـاالله يامعبـود ياعـالـم الغـيـب
يامنشـي(ن)در السحـاب ومطـرهـا

تحمي بلدنا من هـل الشـك والريـب
اللـي علـى الفتنـه تكاثـر قشرهـا
ناس(ن)غوت فـي دينهـا والمطاليـب
قامت تسـوق المخطيـه فـي دمرهـا
حطوا لهم قصـة ارهاب(ن)وترعيـب
لاربحـت القصـه ولامـن بـذرهـا
وصاروا على باب الردى والعذاريـب
السيـره اللـي ماربـح مـن عبرهـا
وباعوا شيمهم واشتروا جمـة العيـب
عمـي البصيـره ماتقـدي بصرهـا
لافيهـم الصاحـي ولافيهـم الـذيـب
اللـي يميـز حفرة(ن)لـه حفـرهـا
وصاروا طعام(ن)لقاذفـات المشاهيـب
وان ضاقت الحيلات روحـه فجرهـا
والدين ينفـي مـن نوايـاه تخريـب
ومن لاكسـب دينـه حياتـه خسرهـا
والوالدين ارضاهم اصـل المواجيـب
واللي يعصى والديـه يعنـي قهرهـا
وباب القهر يسقيـه كـدر المشاريـب
والمغفـره باسبـاب فعلـه دحـرهـا
ودار(ن)ربيت ابهاقصـور ومذاريـب
عيب(ن)عليـك تغثـهـا وتحقـرهـا
ولاهي طبيعة مسلم(ن)يكسـب الطيـب
هـذي طبيعـة كفـر مـاالله غفرهـا
تخسون ثم تخسون غصب(ن) وتغصيب
الـدار محمـيـه وحـنـا ظهـرهـا
مالكـم بهـا ياكـود نـار ولواهيـب
الـدار محكومـه وربـي عمـرهـا
ربـي عمرهـا بالرجـال المصاليـب
دون الوطن ننسـى الحيـاه وخطرهـا
اصغيرنـا وكبيرنـا يشـذب العيـب
وسيوفنا للاهـل الفتـن فـي نحرهـا
ونمشي تحت رايـة فهدنـا بترحيـب
اشـر وحـنـا مانـكـذب خبـرهـا
[سعد السبيعي]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:07 AM
كلش ولا أمن الوطن



برمجه صـوره قبـل صـوت/القتل شغله بالختالي
روبات يمشي بالرموت/وان مامشى يقـطع وتينه

ليلـه غـريبه بحيّنا/ مـاهـي مثل كـل الليالي
صوتٍ كسر صمت السنين/ وماعرفنا من سكينه

صـوت الرصاص وطائره/ من فوق راسي بالمجالي
ترصـد طيور ٍذائـره/مـن بعـد فعلتها المشينه

عقل انغسل/صابه شلل/يبحث عـن دروب الزوالي
مسحور والساحر هُبل/يصدر له امره مـن عرينه

برمجه صـوره قبـل صـوت/القتل شغله بالختالي
روبات يمشي بالرموت/وان مامشى يقـطع وتينه

يرميه يبحث عـن هـدف/ويقول لـه ياعزّ غالي
فـجر ودمـر لاتخف/فالـشر كـله في المدينه

تذهب فحـور العين لـك/في جـنةٍ والقصر عالي
مثل الذي يـوم اسبقك/وشفت الكرامه في جبينه

يقـتل بـلا رأي سديد/بـكـل غـدرً واختيالي
والساحر الغادر بعيـد/وراه حـتـماً مـن يعينه

كلـش ولا أمـن الوطن/يامـن تريـده بإشتعالي
تريـد يغرق في الفـتن/مـن شـان احقادٍ دفينه

مهما أختلفنا نلتقي/فـالأمـن فـوق الإحتمالي
ومـن هـو بشرّه منتـوي/يلقـى لدينا مايهينه

ماظـن عاقل يرتضي/نصبح كـما الجار الشمالي
ولا أظـن عقـلٍ ينبضي/يقبل بتخريب السفينه

مهما يكـن حـنا بخير/نحسد على امـنٍ وحالي
ومافيه كامـل/ غـير ربٍ مـن أمـانه نستعينه

[د.عثمان عبدالله]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:07 AM
ياعصـبـة الإرهـــاب


يا طغمة الشر العريض صنيعكـم
يوحي بشـقِّ الطـوع ضـد ولاةِ

هاتِ اليـراعَ وأعطنـي ورقاتـي
لأسطِّـر الكلمـات فـي أبـيـاتِ

هاتِ اليراعَ لكي أصوغ خواطـراً
قد طوَّقت هـذا الزمـان حياتـي

العيـن تنطقهـا بكامـل عـبـرةٍ
ولرُبَّمـا نطقـت بهـا عَبَـراتـي

عايشتهـا مـن دون أي تكـهـنٍ
كـلا ولا وصـفٍ لجـمـع رواةِ

كيف السبيل إلى الصياغة إخوتـي
وبـأيِّ شـيءٍ أبتـدي أخـواتـي

آهٍ زمانـاً قـد تغـيـر حـالـه
وغدا هشيمـاً أو كجمـع رفـاتِ

يا أيها الزمن الـذي فـي وصفـه
عجـبُ ونحـن بغفلـةٍ وسبـاتِ

انظر إلى الأهواء والشبهـات فـي
عصر يمـوج اليـوم بالشبهـاتِ

فتـنٌ كأجـزاء الليالـي ظلـمـة
نرجو من المولـى شديـد ثبـاتِ

شبـهُ سـرت ببلادنـا وتسرَّبـت
وتريـد تقسيمـاً لـهـا بفـنـاتِ

قد ضلَّلَـت سفهـاء أمتنـا وقـد
هدفـت إلـى تفريقنـا لشـتـاتِ

ذاكـم يفـجِّـر دون أي تعُّـقـلِ
سعـى لخدمـة كائديـن وشــاةِ

ويـقـول إنَّ قيـامـه بـدمـاره
من أعظـم الطاعـات والقربـاتِ

ترك الكتاب وقول أشرف مرسـل
وتلقَّـم الفتـوى مـن القـنـواتِ

أصغـى لقـول عدائـه بجهالـةٍ
رضي الدنيَّ وبـاع قـول ثقـاتِ

عجبـاً لـه أيظـن أن صنيـعـه
هـذا جهـادٌ يـورث الجـنـاتِ

خدم العـدو بـدون عقـل راشـدٍ
تبـاًَ لـذا المخـدوم والخـدمـاتِ

يسعى لزعزعة الأمـان بأرضنـا
كـم أنتجـت أفعـالـه آهــاتَ

إزهـاقُ أرواح وهـدرُ ممـالـكٍ
وضيـاعُ أمـوال وحـرقُ نبـاتِ

تشويـهُ إسـلام ونشـرُ رذائــل
وقبيـحُ أفكـار وسـوءُ سـمـاتِ

يـا كـلَّ ذي بغـي تفاقـم غيُّـه
لم يرتـدع عـن غيِّـه بعظـاتِ

ارجع إلـى درب الهدايـة راشـداً
من قبل أن تُسقى شـراب ممـات

واعلم بأنَّك قد أثـرت الشـر فـي
بلـد الهنـا والأمـن والخيـراتِ

هذي البلاد بهـا المقـام وزمـزم
والبيـت أرض الطهـر والآيـاتِ

في أرضها مسرى النبـي محمـدٍ
والقبلـة العظمـى لكـل صـلاةِ

قد أشرق المختـار منهـا ساطعـاً
وأشعّ مثل البـدر فـي الظلمـاتِ

وكـذا خليـل الله نـادى قـائـلاً
في دعوة مـن أصـدق الدعـواتِ

رب اجعل البلـد الحـرام بمأمـن
وارزق بنيـه بطيـب الثـمـراتِ

في موطني عاش الجميـع سعـادةَ
وغـدا نشيـداً رائـعًـا لـحـداةِ

والشرع يحكمـه بـدون تنـازع
وهو الذي يسقيـه صفـو فـراتِ

سيظلُّ يحمـى بـإذن ربٍ قـادر
من فعـل إرهـاب وكيـد طغـاةِ

خسر الذي يرجو ضيـاع أمانـهِ
وكذا الذي يصغـي لقـول بغـاةِ

يا عصبة الإرهـاب إنَّ عقولكـم
قد أصبحت في حيّـز الفضَـلاتِ

أيُقاتَـل الذِّمـيُّ فـي بلـد الهـدى
ويكفَّـرُ الأتقـى بــدون أنــاةِ

الدين بيَّن حرمـة الإنسـان فـي
كَلـمِ الرسـول ومحكـم الآيـاتِ

وأبـان أنَّ قتـال فـردٍ مسـلـم
في الحكم أثقـل مـن زوال حيـاةِ

يا طغمة الشر العريض صنيعكـم
يوحي بشـقِّ الطـوع ضـد ولاةِ

روعتُـمُ أسـراً بشـر فعالـكـم
ففعالـكـم أدَّت إلــى ويــلاتِ

والدين شُوِّه مـن عظيـم دماركـم
فعدونـا ممـا جــرى بهـنـاةِ

إنَّ العدى هـم سخَّروكـم نحونـا
سخِروا بكم فـي خدعـةٍ ونكـاتَ

يا مـن يحـارب دينـه وبـلاده
ويريـد تمويهـاً بلبـس عـبـاةِ

إني أسائل خاطـري ومشاعـري
عنكـم؛ وعـن أهدافكـم بالـذاتِ

يا أهـل إجـرام وأهـل عـداوة
مهما اختبأتم لـو بـأرض فـلاةِ

لا بـدَّ يومـاً أن يصـادَر غيُّكـم
من غير مـا هـربِ ولا إفـلاتِ

والله يحمينـا ويـدفـع شـركـم
برجـال أمـن مخلصيـن كمـاةِ

يا عصبـة الإرهـاب إنَّ نداءكـم
ضاقت به نفسي - كذا - وشفاتـي

أنا لن أسطِّـر غيـرَ أمـرٍ واحـدٍ
وهو الذي يغنـي عـن الكلمـاتِ

احفـظ إلهـي دينـنـا وبـلادَنـا
من كـلَّ بـاغٍ أو دخيـلٍ عـاتِ

أنت المجيب بغيـر شـكِ يعتـري
منك الأمـانُ ومنـك كـلُّ نجـاةِ

[أحمد بن محمد مسرع القرني ]

د.فالح العمره
19-04-2005, 12:08 AM
مواقـف الإرهـاب حنـا ضحـايـاه


في ظل حكـام الجزيـرة هـل الجـاه
الشعب واقـف بالوفـاء مخلـص لـه

البارحه صدري تهيـض مـن اقصـاه
مـن كـل لاتوبـن ...يجيـه ويتلـه

سبايـب اللـي صـار بالعيـن شفنـاه
بعـض البشـر دم العـرب يستحـلـه

باسـم التطـرف والغلـو والمعـانـاه
طلـع علينـا جيـل محـدن فطنـلـه

اللي مشى مـع دربهـم تاهـت أريـاه
لـو كـان لـه عينيـن ماهـي تدلـه

اعمى بصيره ماعـرف ويـن ممشـاه
مثـل الضريـر اللـي يتحـرا مزلـه

كفـر عبـاد الله وابلـيـس اغــواه
خـلاه يأصـل موصلـن ماوصـلـه

ابليـس اخـو مـره يحـده ويـزواه
ملعـون تفكيـك الـعـرب جايـزلـه

كم اسرة صاحت من ا لحـزن ويـلاه
وكم عود هيـض بالالـم حسـرة لـه

وكم طفل يبكـي والـده يـوم فرقـاه
مـن بعـد ماكـان السعـادة وظـلـه

وامــه تـجـر الـآه وتريـدهـا آه
وقرايبـه.. يبكـون مـمـا حصـلـه

مواقـف "الارهـاب" حنـا ضحايـاه
لابـد مانـوقـف مـواقـف تـذلـه

في ظل حكـام الجزيـرة هـل الجـاه
الشعب واقـف بالوفـاء مخلـص لـه

ويا دارنـا شعـب الجزيـرة سجايـاه
ارواحهـم دون الوطـن فـدوة لــه

والعبـد امـره فـي تدابيـر مــولاه
واللـي خلقنـا كـل صعـب يحـلـه

ومواقـف الارهـاب حنـا ضحايـاه
لابـد مانـوقـف مـواقـف تـذلـه

[صبار العنزي]

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:03 PM
محمد الحنفي
sihanafi@hotmail.com
2004 / 4 / 13


محمد الحنفي ايت عبد الله او المختار
لقد الناس في العقود الأخيرة -على الأقل-أن يربطوا بين الإسلام و الإرهاب كنتيجة للخلط القائم في الأذهان بسبب ما يحصل في العديد من دول المسلمين و في غيرها. و الواقع أن هذا الربط مغلوط من أساسه، و سنبين ذلك من خلال معالجتنا لمفهوم الإسلام. و مفهوم الارهاب، و طبيعة العلاقة القائمة بينهما، و هل هي علاقة تجذب أم تناقض؟ مسائلين عن صحة اعتبار الإسلام الحقيقي إرهابيا. و لماذا لا يعتبر التأويل الأيديولوجي للنص الديني هو الذي يدفع المسلمين إلى ممارسة الإرهاب على بعضهم البعض؟ و ما هي السبل التي تؤدي إلى عدم التوظيف الأيديولوجي المؤدي إلى ممارسة الإرهاب على الآخر حتى نتبين الحقيقة، و نقف على أن الدين الإسلامي جاء ليقضي على أسباب الإرهاب المادي و المعنوي؟
فحقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، و بينهم و بين غيرهم من المعتنقين للديانات السماوية الأخرى، و سيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادئ بين المسلمين حول القضايا الخلافية و الاختلافية وصولا إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم، و تباعد أقطارهم. و تدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، و توفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية.
فالإسلام كدين انتشر على أساس الحوار و الإقناع و الاقتناع "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" و هو لا يسعى أبدا إلى محاربة العقائد الأخرى بل يتجاور معها و يحترمها و يشاركها أهدافها ما دامت توحد عبادة الله "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله " و إذا كان ذا هو سلوك المسلمين الدين تلقوا تربية روحية سليمة انطلاقا من الدين الإسلامي الحنيف تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، و تجاه الذين لا دين لهم. فإن احترام المسلمين يكون أولى كيفما كان الاختلاف معهم. و كيف ما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب و السنة. و مهما كان المذهب الذي يقتنعون به، و هو ما يجيز لنا أن نقول بأن الدين الإسلامي هو دين السلام. و السلام يعني تجنب اللحاق الضرر بالغير مع سبق الإصرار و الترصد، سواء كان الضرر ماديا أو معنويا، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك فقد ورد في القرآن الكريم "و من يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" فالسلام إذن هو منهج إسلامي سام ، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان ماديا و معنويا، و هو ما أصبحت تسعى إليه المنظمات الدولية، و الجمعيات المختصة، سعيا إلى حماية البشرية من الأضرار التي تلحقها. و السلام نقيض الإرهاب الذي يتفق الجميع على مناهضته مهما كان مصدره.
و الإسلام كإيمان يرسخ في سلوك المسلمين مبدأ السلام لأن الإيمان يقود إلى أمرين اثنين في نفس الوقت:
الأمر الأول : الإمساك عن إلحاق الضرر بالغير كيفما كان جنسه أو دينه أو لغته. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : "و الله لا يومن، و الله لا يومن، قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه" و ذكر الجار في هذا الحديث بدون ربطه بعقيدة معينة، أو بجنس معين أو بلغة معينة يحقق في نظرنا مستوى ساميا من التفكير السليم و يعكس منهج المعاملة التي يجب أن يتحلى بها المسلم المومن. أما غير المومن فقد يمارس سلوكا مخالفا يتناقض مع مبدأ الإسلام يستحق عليه اللوم. فقد جاء في القرآن الكريم : " قالت الأعراب آمنا. قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم" ومن هذه القولة يمكن أن نستخلص أن الإيمان الحقيقي يمنع صاحبه من ممارسة الإرهاب ضد المسلمين و غير المسلمين، و هو ما يدفعنا إلى القول بأن المسلمين الذين يمارسون الإرهاب ضد المسلمين و غير المسلمين بدون موجب حق ينتفي عنهم الإيمان، و خاصة في صفوف الذين يدعون وصايتهم على الإسلام، و الذين اخترنا تسميتهم " المتنبئين الجدد" الذين يصدرون الفتاوى تلو الفتاوى من أجل استئصال جذوة الإيمان من قلوب المسلمين لتحل محلها الأيديولوجيا القابلة لممارسة الإرهاب المادي والمعنوي على المخالفين من المسلمين و غير المسلمين ممن يسعون إلى بث التنوير بين الناس، و نشر أشكال الوعي بينهم.
و الأمر الثاني : هو الدفاع عن المسلمين، و العمل على حماية بلاد المسلمين من الهجمات التي يمارسها غير المسلمين على ديار المسلمين كما حصل في صدر الإسلام و في كل العصور، و كما يحصل الآن ضد المسلمين الفلسطينيين من الصهاينة. فالإيمان الحقيقي إذا لم يدفع بصاحبه إلى مناهضة ما يمارس و حماية ديارهم يعتبر لاغيا، و هو ما يمكن أن نستلهمه من الآية الكريمة : " و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض"
و تاريخ الإسلام مليء بالمحطات المعبرة في هذا الإطار، فإذا استثنينا الغزوات التي تهدف إلى جلب المزيد من الغنائم، فإن ما قام به المسلمون من فتوحات كان يهدف إلى حماية ديار الإسلام و الدفاع عن المسلمين، و هو ما ينفي كون انتشار الإسلام على حد السيف.
و الفرق بين الإيمان و الأيديولوجية هو :
1) أن الإيمان يقف عند حدود الدفع من أجل الدفاع بالقول : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" و بالقوة : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" عن الإسلام و حماية ديار المسلمين، ولا يتجاوز ذلك إلى شيء آخر. و جميع المسلمين المومنين يتساوون في الاستجابة، لأنهم يغارون على دينهم و على بلادهم.
2أن الأيديولوجية لا يهمها الدفع في اتجاه الدفاع عن الإسلام و حماية المسلمين بقدر ما تدفع في اتجاه الوصول إلى امتلاك ناصية الدولة باسم الدين الإسلامي الذي يتحول إلى مجرد أيديولوجية من أجل حماية المصالح الطبقية لحاملي تلك الأيديولوجية. فإخضاع المسلمين و يرهم لسلطة " الدولة الدينية" يعتبر شرطا لاستتباب الأمن الذي لا يتوفر إلا بتطبيق " الشريعة الإسلامية "التي تصبح خير وسيلة قمعية لإخضاع مناهضي " الدولة الدينية " .
ولذلك نجد أن الإيمان الخالص يلعب دورا كبيرا في إخلاص العبادة لله دون خليفة أيدلوجية ، وفي حماية الإسلام والمسلمين بناء على قاعدة الحديث الشريف الذي يقول:" من رأى منكم منكرا فليغيره ،بيده ،فان لم يستطع فبلسانه ،فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .
والعلاقة القائمة بين الإسلام والإيمان هي علاقة تجاذب وتنافر في نفس الوقت ، لانه ليس كل مسلم مؤمنا في الوقت الذي يعتبر كل مؤمن مسلما ، لان " الدين عند الله الإسلام "كما ورد في القرآن الكريم ، ولقوله تعالى :"قالت الأعراب ءامنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ."
فهي تكون علاقة تجاذب عندما يحترم المسلمون روح الدين الإسلامي ، ويسعون إلى تحقيق سلامة الإنسان عن طريق الابتعاد عن إلحاق الضرر به ، واحترام قناعاته الدينية والإيديولوجية ، والكف عن الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي .
وتكون علاقة تنافر عندما لا يكون المسلمون مؤمنين ، ويسعون إلى إرهاب الآخر ، والحاق الأذى به ، لان انعدام الإيمان ، أو ضعف المساحة التي يشغلها ، ويفسح المجال للاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي . ذلك الاستغلال الذي يحول الإسلام إلى دين للتسلط والقهر وظلم المسلمين ،أي إلى دين للإرهاب ، إرهاب الأفراد وإرهاب الجماعات ، وإرهاب الدولة الذي يلحق المسلمين . وهو ما يحدث تنافرا بين الإسلام والإيمان الذي يجنحة صاحبه إلى المسلم " وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله".
وهكذا نجد أن الإسلام عندما يشحن بحمولة الإيمان الصادق يصير سلاما يستقطب المزيد من المقتنعين به المقتنعين له . من مشارق الأرض ومغاربها . أما عندما يفتقر إلى حمولة الإيمان يتحول إلى ممارسة أيدلوجية منتجة لكافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي الذي ينفر الناس من الإسلام ، وهو ما يتنافى مع حقيقته .
والواقع أن الإسلام عندما يتحول إلى مجرد أيدلوجية يقود إلى ممارسة أشكال الإرهاب المادي ولمعنوي لاعتبار واحد وحيد ، وهو توظيف الدين الإسلامي لخدمة المصالح الطبقية للمتنبئين الجدد من الفقهاء الذين يسعون إلى فرض ولايتهم على المجتمع ككل ، سواء كانت تلك الولاية مباشرة أو عبر خدمة الفقهاء لنظام استبدادي معين.
و الإرهاب الذي يمارسه المؤدلجون للدين الإسلامي يعني في عمقه ممارسة الإقصاء على الآخر الذي يتخذ عدة مستويات :
1)مستوى التكفير الذي يسود في إطاره اعتقاد المتنبئين الجدد أنهم وحدهم المومنون، و من سواهم لا إيمان له، و المقياس المعتمد هو الانتماء إلى إيديولوجية المتنبئين الجدد، أو عدم الانتماء إليها. و هو ما يكسب هؤلاء شرعية الجهاد الله الذي لا يعني في عمقه إلا إرغام الناس و بكافة الوسائل على الخضوع لارادة المتنبئين الجدد.
2) مستوى التفريق بين أفراد المجتمع، فمنهم "المومنون" المنساقون وراء المتنبئين الجدد، المنخدعون بأيديولوجيتهم التي يسمونها "إسلاما" و منهم "الكافرون" الذين يرفضون الانسياق وراء المتنبئين الجدد، حتى و إن كانوا مومنين فعلا بحقيقة الاسلام، و عاملين على الدفاع عنه، و حماية المسلمين.
و في إطار هذا المستوى يسعى المتنبئون الجدد إلى عملية التحريض المستدامة التي يسمونها "جهادا" فينشب صراع بين "المومنين" و "الكافرين" على المستوى الأيديولوجي ثم على المستوى السياسي لينتقل بعد ذلك إلى مستوى التصفية الجسدية كما يحصل في العديد من البلدان الإسلامية. و كما حصل من قبل في لبنان من قبل.
3)مستوى التضحية الجسدية حيث يدخل المتنبئون الجدد في التخطيط لتصفية الرموز و الشخصيات المؤثرة و القائدة لعملية بث الوعي الحقيقي الذي يعرقل المد الأيديولوجي للمتنبئين الجدد. و الرموز المستهدفة تكون سياسية وفكرية كما هو الشأن بالنسبة للشهداء : عمر بنجلون، و مهدي عامل، و حسين مروة، و سهيل طويلة، و فرج فودة، و القائمة طويلة. و قد ينتقل الأمر إلى التصفية الجماعية بكاملها كما يحصل في الجزائر.
و هذا النوع من الإرهاب يعتبره المتنبئون الجدد بمثابة قربان "يتقربون به إلى الله تعالى" و كأن الله أوكل إليهم أمر المسلمين يفعلون بهم ما يشاؤون كما حصل في كل مراحل تاريخ المسلمين.
و بناء على هذه المستويات الثلاثة يمكن أن نصنف الإرهاب إلى :
1) إرهاب مادي يهدف إلى إلحاق الضرر بالمخالفين و هذا الضرر يبتدأ بسلب الأموال باعتبارها "غنيمة”.
2) و لا باحترام القناعان، و عبر جرائد و كتب المتنبئين الجدد. فأصحاب القنا عات المخالفة كفرة و ملحدون و زنادقة، ، و علمانيون (للتحقير) أو لائكيون، و متغربون، و عملاء للصهاينة و غير ذلك من الأوصاف القبيحة التي لا يناسب استعمالها أناسا يدعون وصايتهم على الإسلام.
3)إرهاب فكري ينصب على البحث في الأفكار و محاولة إيجاد منفذ لوصف أصحابها و حامليها بالإلحاد و الزندقة و الكفر من أجل تنفير الناس من الأفكار المتنورة التي ينشرونها عبر كتبهم و مقالاتهم. و هذا النوع من الإرهاب قد يكون مبطنا بالإرهاب المادي، لأنه يحمل في طيه دعوة إلى التخلص من مبدعي تلك الأفكار.
وهذه الأشكال من الإرهاب هي الأسلحة التي يركز عليها ، ويستعملها المتنبئون الجدد لفرض أيدلوجيتهم التي يدعونها "إسلاما " وجعل غالبية بسطاء الناس ينساقون وراءهم ليعمدوا بعد ذلك إلى توظيفهم لممارسة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي على المخالفين ، وإقصاءهم بعيدا عن مجال تحرك المتنبئين الجدد.
وقد يطرح سؤال حول علاقة الإسلام بالإرهاب وهل هو دين الإرهاب ، أم أنه يلصق به انطلاقا من ممارسة " المسلمين " لامن حقيقة الإسلام؟
إن الخلط الذي يقع فيه الكثير من الناس يكمن ف كونهم لا يميزون بين الإسلام الحقيقي وبين الإسلام المؤدلج .
فالإسلام الحقيقي كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة هو دين الإسلام المنبعث من عمق الإيمان الإسلامي الذي يقودنا إلى استحضار إرادة الله في العدل والمساواة بين البشر باعتبار ذلك منطلقا لاحترام الرأي الآخر الذي له الحق في التعبير و الإفصاح عن الفهم المخالف للواقع الاقتصاديو الاجتماعي والثقافي والسياسي انطلاقا من النص الديني .
أما الإسلام المؤدلج المعبر عن مصالح المتنبئين الجدد ، فانه يوحي بضرورة ممارسة الإرهاب الذي يسمونه جهادا ضد كل من لا يخدم تلك المصالح ولا ينصاع لارادة المتنبئين الجدد . فأشكال الإرهاب التي أشرنا إليها تحضر بكثافة في ممارسة مؤد لجي الدين الإسلامي .
وأول شيء يجب أن يحضر في ممارسة المسلمين هو التمييز بين الإسلام الحقيقي والإسلام المؤدلج حتى يتبينوا أن الإسلام الحقيقي لاعلاقة له بالإرهاب . وأن الإسلام المؤدلج هو الذي يقود إلى ممارسة الإرهاب نظرا للفروق القائمة بين الإسلاميين ذلك:
1)إن الإسلام الحقيقي ينبع من روح لنصوص ويهدف إلى التربية الروحية والعقلية و الجسدية للمسلمين من أجل مواجهة كل أشكال الإرهاب التي قد تمارس عليهم كما مورست على المسلمين الأوائل وفي مقدمتهم محمد "ص" .
2)أن الذين أد لجوا الإسلام لم يستطعوا النفاذ إلى عمق الإيمان الإسلامي لزحزحة قناعة المسلمين الحقيقيين بحقيقة الإسلام ودوره في إعداد المسلمين لفظ كرامتهم من الاستغلال لصالح مؤد لجي الدين الإسلامي .
3) أن حفظ الدين الإسلامي هو مهمة جماعية توكل إلى الشعوب المومنة به بإرادة الله تعالى الذي ذلك الحفظ لبشر معين أولجماعة معينة ، بل أوكله لنفسه " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " وكما نعلم : فان إرادة الشعوب من إرادة الله.
4)أن الإسلام المؤدلج لاعلاقة له بالإيمان .لانه لا يسعى إلى حفظ كرامة الإنسان كما يسعى إلى إهدارها بكل الوسائل لجعل المسلمين في خدمة المستفيدين من تلك الادلجة .
5)أن الإسلام المؤدلج يلجأ موظفوه إلى كل أشكال الإرهاب لفرض سيادة المتنبئين الجدد على مجمل الشعوب الإسلامية حتى يتمكنوا من السيطرة على مجمل الخيرات المادية والأدبية .
والمسلمون عندما يدركون هذه الفروق يستطعون امتلاك وعي إسلامي حقيقي ، ويعرفون أن حقيقة الإسلام لا تتناقض مع تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية . هذه العدالة التي ترفض أن يصبح الدين الإسلامي فيخدمة المتنبئين الجدد لتناقض ذلك مع كونه موجها للناس جميعا . ولاستحالة أن يكون الله غير عادل بين عباده.
فهل يمكن أن يصير الإسلام الحقيقي إرهابيا؟
إن ما أوردنا في الفقرات السابقة من هذه المعالجة يؤكد أن الإسلام الحقيقي لايمكن أن يكون إرهابيا لان طبيعته-التي هي من إرادة الله – تتناقض مع الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا . فقد قال تعالى في القران الكريم "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " . ولذلك لا يصير إرهابيا بقد رما يرمي إلى الرغبة في التخلص من الإرهاب . وتوفير الحياة الكريمة للناس جميعا ، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين " يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي يتساءلون به والأرحام . إن الله كان عليكم رقبا وآتو اليتامى أموالهم ولاتبدلوا الخبيث من الطيب ولاتاكلوا أموالهم انه كان كبيرا" . وهذا النص وغيره من نصوص القران الكريم الذي يقرر في هذه الجزئيات لايمكن أن يجعل الإسلام الحقيقي يسعى إلى الإرهاب لتناقضه مع التقوى التي تعني عدم ارتكاب أفعال تلحق الضرر بالبشر وتهدر كرامتهم .
وإذا كان الإسلام يتضمن معنى السلام . فان الإرهاب يعني انعدام الأمن الروحي والجسدي ، كما يعني إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالآخر الذي لا يقوى على المواجهة المادية والمعنوية ، ومادام السلام والإرهاب إلى ما شاء الله .
والذي يقف وراء نسبة الإرهاب إلى الإسلام هو التعريف الذي يلحق المفاهيم الإسلامية بسبب التأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي . والتي تعدد بتعدد التيارات المؤدلجة له ، التي تختلف مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما تختلف انتماءاتهم الطبقية والمذهبية .
والتأويلات المغرضة التي تستهدف أد لجة الدين الإسلامي عرفت منذ انقسم المسلمون إلى مذاهب الشيعة والخوارج ، والأمويين والزبيرين ليشرع كل مذهب سياسي في تأويل آيات القران الكريم ورواية الحديث بما يتناسب مع ما يقتنع به كل فريق وما يمكن اعتماده في إصدار الأحكام والفتاوى بالتكفير والقتل . وهو ما أدى إلى عملية الاغتيال التي يمكن اعتبارها سنة سيئة في تاريخ المسلمين . والسنة السيئة عمل منبوذ بنص الحديث " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ،ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ".
وإذا كان المسلمون الأوائل قد لجأوا إلى توظيف النص الديني تأويلا واختلافا فلأن المسلمين فيذلك كانوا يفتقرون إلى التراكم النظري الذي يساعدهم على فهم واستيعاب ما يجري بخلاف ما عليه أمر المسلمين اليوم الذين تحيط بهم النظريات السياسية من كل جانب مما يجعلهم في غنى عن توظيف الدين الإسلامي لأغراض حزبية ضيقة وبالإضافة إلى ذلك . فالوعي الطبقي كان منعدما . والعبودية كانت مترسخة في أدهان المسلمين إلى أبعد حد ممكن مما يعتبر تخلفا حتى عن ممارسة الرسول "ص" ، وممارسة بعض الصحابة كأبي بكر وعمر ، وعبد الله بن عمر الدين كانوا يشجعون على تحرير العبيد . وهو ما يجعل الدارسين يعتبرون الإسلام دين الحرية .
وما راكمته المذاهب السياسية / الحزبية منذ القدم أعطى إمكانية الاعتقاد بأن الإسلام دين ودولة ، وبان ما حصل في عهد الرسول وفي عهد الخلفاء من بعده يعتبر دولة إسلامية وهو ما يجانب الحقيقة كما أوضحنا ذلك في مكان آخر .
ولذلك نجد أن مؤد لجي الدين الإسلامي في عصرنا يحدون حدو القدامى . ويسعون إلى فرض تأويلاتهم المغرضة على جميع المسلمين مستعملين في سبيل ذلك كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي ، ومستغلين انتشار الأمية بنسبة كبيرة في صفوف المسلمين ، واستبدادية الأنظمة الحاكمة لجعل الناس يقتنعون بتأويلاتهم الأيدلوجية ، واتخادلك الاقتناع وسيلة لممارسة الإرهاب على المخالفين كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة .
و على هذا الأساس، فالإسلام الحقيقي سيبقى نقيضا للإسلام المؤدلج، و للمحافظة على الإسلام الحقيقي لابد من إشاعة الديمقراطية بمفهومها الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بين المسلمين حتى لا تتحول بلاد المسلمين إلى مفرخة للإرهاب بسبب التحريف الذي يصيب مضامين النصوص الدينية عن طريق التأويلات المؤدلجة.
فما هي سبل عدم توظيف الإسلام لممارسة الإرهاب؟
إن تجاوز مشكل توظيف الدين الإسلامي كأيديولوجية تقود إلى ممارسة الإرهاب على الآخرين يقتضي :
1)إعادة الاعتبار للإسلام الحقيقي عن طريق دعم استحضار التأويل البريء من الأيديولوجية عبر هيئات مختصة، يساهم الجميع في تكوينها من منطلق أن الدين لله، و ليس من حق أحد احتكاره، بدعوى أنه من علماء الاسلام، أو فقهاء الشريعة الإسلامية، من أجل إيجاد فهم مشترك للنصوص الدينية حتى تبقى مرجعا للاحتكام إليها في المسائل الخلافية.
2)استحضار ما وصلت إليه البشرية من تطور اقتصادي، و اجتماعي، و ثقافي، و مدني، و سياسي في صياغة ذلك الفهم المشترك حتى لا نبقى محكومين بتأويلات الأقدمين المحكومة بالإيديولوجية التي أصبحت متجاوزة، و موظفة من طرف مؤدلجي الدين الإسلامي.
3)وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب في كل بلد من بلاد المسلمين حتى يشعر المسلمون بأن من حقهم أن يقرروا في مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي.
4)إجراء انتخابات حرة و نزيهة بإشراف هيئة مستقلة تشرف على تطبيق قوانين انتخابية تضمن نزاهة الانتخابات، و تردع كل أشكال التزوير التي تطال النتائج الجماعية و البرلمانية.
5)تكوين حكومة ائتلافية وطنية بمساهمة الجميع للإشراف على وضع دستور و إجراء الانتخابات.
6)العمل على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تعاني منها الجماهير الكادحة بما فيها إيجاد حلول لمشكلة العطالة، و الأمية، و الحماية الاجتماعية، و مشاكل الفلاحين الذين يتعرضون لكافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي.
7)العمل على إيجاد تعليم وطني متحرر يهدف إلى بناء الإنسان المتحرر، و يلبي الحاجيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
8)العمل على إشاعة حقوق الإنسان بمفهومها التقدمي و الكوني و الشمولي و الديمقراطي و الجماهيري و المستقل.
9)بناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي.
10)ملاءمة القوانين و التشريعات مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة و بمختلف الحقوق الخاصة بالمرأة و الطفل، و العمال، و نشطاء حقوق الإنسان….الخ بصفة خاصة.
11)دعم الأحزاب و النقابات و الجمعيات المهتمة بتأطير المواطنين من أجل خلق اهتمامات مختلفة بالأفراد و الجماعات.
و عندما ينشغل المسلمون بأمور الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الاسلامي، فإن العقيدة تتحول إلى ممارسة تستهدف استحضار التربية الإسلامية في المعاملة. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : "الدين المعاملة" و مفهوم المعاملة هنا لا يجب أن ينحصر في مجرد أخلاق المعاملة العادية ، بل يتجاوز ذلك إلى المعاملات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية باختياراتها و قانونيتها و نظمها. و المعاملة لا تكون إسلامية إلا إذا تحقق في إطارها احترام كرامة الإنسان و تحققها على أرض الواقع الذي يتمتع فيه كل فرد بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، و التي يجب أن تكون باختيارات شعبية و ديمقراطية.
وبذلك يتم تمهيد الطريق أمام عوامل جديدة تحول دون وجود الإرهاب في مجتمعات المسلمين ، لان ذلك سوف يغير من سلوكهم ومن نمط تفكيرهم وتطهير عقيدتهم من الأيدلوجيا التي تكون مطية لممارسة الإرهاب . من أجل مجتمع للمسلمين بلا إرهاب بلا استغلال أيدلوجي للدين الإسلامي .
وما يجب أن نف عنده قليلا هو أن الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي يصدر عن المتنبئين الجدد وحدهم فقط . بل إن الأنظمة القائمة في بلدان المسلمين تعمل على تكريس الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي لتتستر على استبدادها ، وتنشئ لهذه الغاية مؤسسات وجمعيات ووزارات ، وتجند لغاية الادلجة جيشا من المتنبئين الجدد الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين بموازاة مع رجال الكنيسة الذين يتحصصون في معرفة النص الديني وتأويلاته المختلفة . ووصولا إلى صياغة تأويل يعطي الشرعية للحاكمين ، لان علماء المسلمين هم أنفسهم "رجال الدين" الذين تنصبهم الأنظمة لقائمة وتوجههم لخدمة النص الديني سعيا إلى توظيفه لرغبة الحكام .
والاستغلال الأيدلوجي من قبل الأنظمة القائمة للنص الديني يترتب عنه إرهاب الدولة الذي يبرره المتنبئون الجدد خدمة لمصالح الأنظمة الاستبدادية من خلال الآلة الإعلامية المتطورة التي تحول كل من خالف تلك الأنظمة الاستبدادية الرأي في أسلوب الحكم الذي تتبعه إلى كافر ، أو زنديق …. الخ .
والخلاصة أن علاقة الإسلام الحقيقي جاء في الأصل لتقويض أسلوب الإرهاب ، وليبث تربية راقية بين البشر حتى يقبلوا على تكريم الإنسان بتمتيعه بكل حقوقه الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والسياسية التي هي قوام حفظ تلك الكرامة التي أكد عليها الله تعالى في قوله" ولقد كرمنا بني آدم " . أما الإسلام المؤدلج فهو لا يخدم الامصلحة المتنبئين الجدد . وارتباطهم بالأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين ، ولذلك فهو يتناقض مع حفظ كرامة المسلمين ، كأفراد أو جماعات ، فيحرمون من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وبسبب حرصهم على المطالبة بتلك الحقوق يتعرضون لكل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي .سواء من طرف الأنظمة الاستبداديةالمؤدلجة للدين الإسلامي ، أومن طرف تنظيمات المتنبئين الجدد التي تسعى إلى الوصول إلى السلطة في إطار دولة ولاية الفقيه . ولتجاوز ظاهرة الاستغلال الأيدلوجي للدين أل إسلامي المنتج للإرهاب لابد من إعادة صياغة واقع المسلمين على جميع المستويات سعيا إلى تحقيق مجتمع يسود فيه السلام وتتحقق في إطاره كرامة الإنسان ، وتختفي منه المعاناة الناتجة عن القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ليحل محلها الاطمئنان إلى الحاضر والمستقبل والتفرغ لبناء واقع جديد خاب من عوامل إنتاج الإرهاب. ومتوفر على الإمكانيات المادية والمعنوية الضرورية لسعادة الإنسان في الحياة الدنيا التي تعتبر مطية للسعادة في الحياة الأخرى .
فهل يعمد المسلمون إلى إعادة النظر في فهمهم الإسلام الحقيقي حتى لا يختلط بالإسلام المؤدلج ؟
هل يميزون بين إسلام السلام واسلام الإرهاب ؟
هل يعملون على حفظ كرامتهم من خلال حرصهم على التمتع بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ؟
هل يسعون إلى القضاء على كل أشكال الأمية السائدة بينهم حتى يقووا على مواجهة متطلبات العصر . واستيعاب قيم الحداثة ؟إنها أسئلة نطرحها من أجل العمل على إيجاد مسلم من نوع جديد ، يرفض أدلجةالدين الإسلامي ويعمل على طهارته من كل أشكال الإيديولوجية حتى يصير خالصا سائفا لعبادة الله تعالى،وحفظ كرامة الإنسان .
محمد الحنفي
ابن جرير في 22-8-2001

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:05 PM
المملكة تؤكد عملياً براءة الإسلام من دعوى الإرهاب



نهار بن عبدالرحمن العتيبي ٭
أثبتت المملكة عملياً وعلمياً أن الإسلام دين السلام، دين الرحمة لكل الناس، دين المحبة للمسلمين، دين التآلف والاجتماع، دين العطف والإحسان، إنه دين عظيم جاء من رب العالمين، جاء صالحا لكل زمان ومكان وإليك يا أخي الكريم بعض سمات ومحاسن هذا الدين وهو دين كله حسن وكل ما جاء به حسن ومن أبرز هذه السمات ما يلي:
1- ان دين الإسلام دين رحمة لكل بني الإنسان، رحمة خاصة بالمؤمنين ورحمة عامة لكل بني الإنسان. وقد بيّن ربنا سبحانه وتعالى أنه أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة لهذا العالم وما فيه من مخلوقات فقال سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (سورة الأنبياء الآية 107)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى أن الله جعل محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي أرسله رحمة لهم كلهم» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعاناً وإنما بعث رحمة. وعن أبي هريرة مرفوعاً وأرسله البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أنا رحمة مهداة) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي: «يدل الحديث بمنطوقه أن من لا يرحم الناس لا يرحمه الله، وبمفهومه على أن من يرحم الناس يرحمه الله كما قال في الحديث الآخر (الراحمون يرحمهم الرحمن) (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، فرحمة العبد للخلق من أكثر الأسباب التي تنال بها رحمة الله التي من آثارها خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، كما أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الجار حتى ولو كان غير مسلم، فقال سبحانه وتعالى: {والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل} (سورة النساء آية 36). كما أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى غير المسلمين الذين لا يقاتلون المسلمين فقال سبحانه وتعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (سورة الممتحنة الآية 8)، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يجسد لنا هذه الرحمة ببني الإنسان فيرى عجوزاً تحمل على ظهرها حطباً في مكة يستأذنها في حمل الحطب عنها فيحمل الحطب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عندما أوصل المرأة إلى منزلها لم تجد هذه المرأة ما تكافئ به هذا الرجل إلا أنها نصحته نصيحة بعدم اتباع هذا النبي الذي ظهر حديثاً وهو الذي يقال له محمد صلى الله عليه وسلم، فلما قالت له ذلك قال أنا محمد (صلى الله عليه وسلم) قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد امرأة مقتولة في إحدى الغزوات فيغضب ويقول (ما كان لهذه أن تقاتل) متفق عليه، وغير هذا الكثير الكثير مما يبين رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته بالناس ودعوتهم إلى الإسلام حتى جاره الذي آذاه فلما فقد أذاه ذهب لزيارته فوجده مريضاً فدعاه إلى الإسلام، أما رحمة النبي للمؤمنين فمعلومة لدى الجميع وقد وصفه الله عزَّ وجلّ فقال: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤنين رؤوف رحيم} (التوبة الآية 128)، وقال سبحانه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} (سورة آل عمران من الآية 159). فكان صلى الله عليه وسلم أرحم الناس فقد أوصانا برحمتهم، بل قد كان رحيماً حتى بالحيوان ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض). - نعم إنه الإسلام الذي سبق جميع منظمات حقوق الإنسان ومنظمات حماية الحيوان. إنه دين الرحمة بالمخلوقات منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان. قال الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي - رحمه الله -: إن دين الإسلام دين رحمة وبركة وإحسان وحث على منفعة نوع الإنسان فما عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان والنهي عن كل ما يضاد ذلك هو الذي صيّره نوراً وضياء بين ظلمات الظلم والبغي وسوء المعاملة وانتهاك الحرمات. هو الذي جذب قلوب من كانوا قبل معرفته ألد أعدائه حتى استظلوا بظله الظليل.

2- ان دين الإسلام دين سماحة وتيسير يرفض التعصب الأعمى والتشدد الممقوت ويأمر بالتيسير والتبشير وينهى عن التعسير والتنفير من غير إفراط ولا تفريط، فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التيسير ونهى عن التعسير فقال: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا معسرين). وقد أمر الله عزَّ وجلّ بالتيسير والدعوة بالأسلوب الحسن في عدة مواضع من كتابه فقال سبحانه وتعالى: {ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (النحل 125).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: «يقول تعالى آمراً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الله بالحكمة. قال ابن جرير وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنّة والموعظة الحسنة». أي بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى، وقوله: {وجادلهم بالتي هي أحسن} أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم..} الآية. فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} وقال الشوكاني رحمه الله: «والموعظة الحسنة» وهي المقالة التي يستحسنها السامع وتبلغ من نفسه مبلغاً حتى يقتنع بها ويعمل بما فيها وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها. وكما أن السماحة في الدعوة قد جاء بها دين الإسلام ودعا إليها فقد دعا إليها في تعامل المسلم مع المسلمين وغير المسلمين في معاملاتهم المختلفة كالبيع والشراء، وقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الذي يتصف بالسماحة في بيعه وفي شرائه فقال صلى الله عليه وسلم: «سمحاً إذا باع وسمحاً إذا اشترى وسمحاً إذا اقتضى»، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق والمعاملة الحسنة فقال: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون» رواه أهل السنن.

3- ان الإسلام يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم والعدوان:

فقد أمر تبارك وتعالى في كتابه الكريم بالعدل سواء مع المسلمين أو غير المسلمين فقال سبحانه ناهياً عن الاعتداء الناتج عن العداوة والبغضاء: {ولا يجرمنكم شنآن قوم صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتاونوا على البر والتقوى}. سورة المائدة - الآية 5.

وقال سبحانه وتعالى آمراً بالعدل وناهياً عن الظلم: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} سورة النحل - الآية 90.

كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم فقال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» رواه مسلم. كما قال ربنا سبحانه وتعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). رواه مسلم. وبسبب العدل والنهي عن الظلم جاء الإسلام بحفظ الحقوق ورد المظالم والأخذ على يد الظالم ومعاقبة المجرم فشاع العدل وأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، وأمنت السبل. ومما يذكر في السيرة أن تخاصم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع أحد اليهود في درع له عند شريح القاضي فسأل شريح القاضي أمير المؤمنين هل لديك شهود؟ فقال: ابني الحسن، فقال له القاضي إن ابنك لا يشهد لك، وقضى بالدرع لليهودي فتعجب اليهودي من عدل القاضي، حيث أجلس أمير المؤمنين معه في مجلس القضاء وحكم عليه لعدم وجود بينة لديه أو شهود، ثم قال هذا اليهودي «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله».

4- ان الإسلام يأمر بالوسطية وينهى عن الغلو والتطرف:

فالإسلام دين وسط ينهى عن الغلو والجفاء والإفراط والتفريط ويأمر بالوسطية وقد قال الله عزّ وجل: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} سورة البقرة - الآية 143.

فأمة الإسلام أمة وسط بين الأمم كما أنها أمة وسط في تعالمها فلا تتشدد في دينها ولا تفرط فيه، ولذلك نهى الله سبحانه عن الغلو في الدين فقال سبحانه: {قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون. قالها ثلاثاً» رواه مسلم. وقال الله سبحانه وتعالى آمراً بطاعته وعدم التفريط في ذلك {فاتقوا الله ما استطعتم} والتقوى تعني فعل ما أمر به الله حسب الاستطاعة كما تعني اجتناب كل ما نهى الله عزَّ وجلّ عنه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فآتوا منه ما استطعتم». فكما أن الزيادة في الدين لا تجوز فكذا النقص في الدين لا يجوز إلا لمن عجز عن فعل ما أمره الله به لمرض أو كبر أو نحو ذلك إذ أن التوسط مطلوب من غير جفاء ولا غلو ومن غير زيادة ولا نقص.

5- ان الإسلام يأمر بحفظ العهود ويحرم نقضها:

وذلك أن المسلمين إذا أعطوا عهداً لأحد من الناس وجب عليهم الوفاء بهذا العهد سواء كان هذا العهد لمسلم أو لغير المسلم لقول الله عزَّ وجلّ: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا} سورة الإسراء - الآية 34.

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم». رواه البخاري. كما يحرم على المسلمين نقض هذا العهد لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} (سورة الأنفال الآية 27). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرف لا عدل) رواه البخاري. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا لا أخيس بالعهد ولا أقتل الرسل) رواه أبوداود والإمام أحمد.

ويجب على المسلمين الوفاء بالعهد إذا أعطاه أحدهم حتى لو كانت امرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرتي يا أم هانئ).

6- ان الإسلام يدعو إلى المساواة وينبذ التعصب والتفرقة:

فالإسلام لا يفرق بين الناس من حيث ألوانهم وأعراقهم أو قبائلهم، بل يعاملهم سواسية لا فرق بينهم فكلهم سواء ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى، حيث يقول سبحانه وتعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) (كل الناس لآدم وآدم من تراب) فالناس في الحقوق لا فرق بينهم وفي الواجبات لا فرق بينهم ولا ميزة لأحد على أحد فمن أحسن فلنفسه ومن أساء عليها، ولا أحد يعتدي على أحد، ومن ظلم غيره وجب القصاص منه إلا أن يعفو صاحب الحق أو يرضى بالدية حسب ما هو مقرر في الفقه الإسلامي.

7- ان الإسلام يدعو إلى التكاتف والتآلف والتراحم بين المسلمين:

فالمسلمون مثل الجسد الواحد مترابطون فيما بينهم يعطف الكبير على الصغير ويحترم الصغير الكبير وينفق الغني على الفقير. وقد قال الله عزَّ وجلّ عنهم: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدوني}، وقال سبحانه: {إنما المؤمنون إخوة}، وقال رسولنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) متفق عليه، كما أمر الله سبحانه وتعالى عباده على التعاون فيما بينهم على ما فيه خير لهم في دينهم ودنياهم ونهاهم عمّا فيه شر لهم وتفريق لكلمتهم ووحدتهم، فقال سبحانه وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، كما حرم الله عزَّ وجل كل ما يضر بالمسلمين سواء كان بالقتل أو إلحاق الأذى بهم فقال سبحانه وتعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). متفق عليه. وأما تحريم أذية المسلمين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». متفق عليه. ومن هذا يتبين أن ما يقوم به بعض الأشخاص من قتل المسلمين أو ترويع لهم أو قتل لغيرهم وترويعهم هو مما حرمه الإسلام ونهى عنه، وأن هذه الأفعال ليست من الإسلام في شيء وأن مرتكبيها قد خالفوا تعاليم الإسلام السمحة وارتكبوا جرماً عظيماً لا يقره الإسلام ولا المسلمون،

ومما سبق يتبين لكل عادل ومنصف أن الإسلام دين سماحة ورحمة يأمر بالعدل وينهى عن الظلم ويأمر بعبادة الله وحده والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على بصيرة ويأمر بالوفاء بالعهد ويحرم نقضه لأنه دين الله عزّ وجل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حتى تصلح أحوال العباد وتستقيم حياتهم.

ولذا كان من الضروري أن يبين أهل الإسلام لكل العالم سماحة هذا الدين وسمو تعاليمه وعلو آدابه وأنه ينبذ العنف والإرهاب ويحرم قتل الأبرياء وترويعهم حتى يتبين لأهل الأرض جميعاً حقيقة هذا الدين وحتى يرد على أعداء الإسلام الذين يحاولون تشويه صورة الإسلام ويصفونه بما ليس فيه، والله أسأل أن يوفق المسلمين إلى ما يحبه ويرضاه وأن يجمع قلوبهم على تقواه وأن يحفظ لهم دينهم ويديم عليهم أمنه وأمانه، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

٭ باحث ومتخصص في التشريع الإسلامي
جريدة الرياض

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:06 PM
الدكتور / عبدالله بن ناصر الحمود لـ عربيات :
وجهنا رسالة عالمية رافضة للإرهاب
المؤتمر تميز بالتمثيل العالمي وشفافية الطرح


عربيات - خاص : اختتمت فعاليات المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب والذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني ... وقد تناول المؤتمر محاور عديدة تمت مناقشتها من خلال 80 ورقة عمل تهدف إلى تعريف الإرهاب ونظرة الشرع له والعروج على مسبباته وسبل علاجه مع التأكيد على موقف المملكة العربية السعودية الرافض لهذه الممارسات ماضياً وحاضراً ...

وقد تشرفت عربيات بلقاء الدكتور / عبدالله الحمود ، عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس اللجنة الإعلامية للمؤتمر حيث أعرب عن سعادته بالنجاح الذي تحقق قائلاً : " أعتقد أن المؤتمر يعتبر أحد أهم المحاولات الجدية في مواجهة الغلو والتطرف الدخيل على مجتمعنا وعقيدتنا ... و لقد حقق بفضل الله ثم بالجهود المخلصة النجاح المأمول من انعقاده بتمثيل عالمي متميز و شفافية في الطرح يقف ورائها الاختيار المدروس للمشاركين ، حيث أتحنا مساحة واسعة وحرة للإختلاف والإتفاق ساهمت بإثراء الحوارالذي لم يقتصر على وجهة نظر واحدة .... وتمكنا بذلك من توجيه رسالة عالمية للمسلمين وغير المسلمين تعكس حقيقة الإسلام ووسطيته وعدالة تعاليمه وبعدها كل البعد عن العنف ودعوتها للحوار المتحضر مع الآخر " .

وعن التغطية الإعلامية للمؤتمر وغياب الفضائيات عن التغطية المباشرة لجلساته يقول الدكتور / الحمود : " لقد قامت اللجنة الإعلامية بدعوة مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام العربية والأجنبية للمشاركة في المؤتمر وتغطية فعالياته ولكن لأن المؤتمر على مستوى عالي من الفكر فهو في واقع الأمر يخاطب النخب المؤهلة لتدارس هذه القضية أكثر من مخاطبته للجماهير وقد تم وضع ذلك في عين الإعتبار عند التنسيق للتغطية الإعلامية ، وهذا لايقلل من أهمية الفضائيات ... و من جهة أخرى وإيماناً منا بأهمية الإنترنت والنشر الالكتروني كوسيلة إعلامية فاعلة قمنا بانشاء موقع للمؤتمر على شبكة الإنترنت مع تشكيل فريق متخصص عمل على مدار الساعة لنشر رسالة المؤتمر والتعريف به بخمس لغات حية هي العربية والإنجليزية والفرنسية والاسبانية والفارسية ، وقد أتاح هذا الموقع مع النقل المباشر الذي تم عن طريقه للجلسات حلقة وصل مع المهتمين من مختلف دول العالم " .

وعن تزامن التفجيرات الآثمة التي تعرضت لها مدينة الرياض مع أحداث المؤتمر وانعكاسات ذلك على نجاحه علق الدكتور / عبدالله الحمود قائلاً : " لم تكن هناك انعكاسات مباشرة ولم تؤثر تلك الأحداث على برنامج المؤتمر ، إلا أنها أظهرت حقيقة واضحة للعيان تؤكد أن هذه الفئة الضالة المخربة لاعلاقة لها بالإسلام ، ففي الوقت الذي يلتقي فيه علماء المسلمين تحت سقف واحد في الجامعة يتدارسون موقف الإسلام من الإرهاب تحاول تلك الفئة أن تؤذي الناس باصرار على ممارسة أعمال تخريبية دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد التوقف لمراجعة النفس والإنصات للصوت الوسطي الإسلامي الرصين " .

واختتم الدكتور الحمود لقاءه مع عربيات معلقاً على استفسارنا عن مدى رغبة الجامعة بتكرار هذه التجربة واعتماد المؤتمر كحدث سنوي قائلاً : " في الواقع لايوجد توجه لإقامة المؤتمر سنوياً، ولكن لدينا رغبة جادة بتفعيل التوصيات التي كان من أهمها تأسيس مركز للدراسات الإسلامية المعاصرة وعقد اجتماعات دورية لمناقشة المحاور التي تم طرحها وتبادل الزيارات بين العلماء والمفكرين من المملكة العربية السعودية ونظرائهم من علماء الغرب ، بالإضافة للعمل على اصدار كتب وبحوث علمية متخصصة في موضوع الإرهاب والتطرف والغلو وترجمتها إلى لغات مختلفة " .

مقتطفات من أوراق العمل

الدكتور / أحمد تركستاني - الأستاذ المشارك بقسم الإعلام بجامعة الإمام

أشار الدكتور أحمد تركستاني إلى أهمية تقارب الثقافات وتحاورها وتعايشها في هذا العصر الذي ساهمت تقنية المعلومات بربطه واتاحة فرص ثقافية وفكرية للتواصل تقلل من آفات التعصب والتربص بالآخر والاصرار على غزوه فكرياً .... كما أكد على دعوة القرآن للمسلمين بالتحاور مع أصحاب الأديان الأخرى مستشهداً بقوله تعالى " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولانشرك به شيئاً " ... بالإضافة إلى توضيح القرآن في آيات عديدة أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس في الدين أمر من مقاصد الخلق لقوله تعالى : " ولو شاء ربط لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين ، إلا من رحم ربك ولذلك حلقهم " .

وأضاف أن المقصود من الحوار ليس المجابهة والإفحام وإنما المقصود معرفة أطروحات الطرف الآخر ووجهات نظره وتعريفه بما يغيب عنه أو يلتبس عليه ، والعمل على استكشاف مالدى الطرف الآخر من حقائق وإيجابيات والإعتراف بها وقبولها والإستفادة منها إذا كانت صحيحة .... كما أن الحوار يساعد على تشييد جسر سلمي للتواصل البناء وسد الطريق أمام المواجهات والمصادمات .... و من جهة أخرى فهو يحبط حجج المتطرفين ويكشف زيف أفكارهم .

وأكد على أن إقامة الحجة على المخالف لاتعني الاقتتال والنزاع إذ ليس الكفر في ذاته مبيحاً لقتل الكافر وإزهاق روحه مشيراً إلى دعوة القرآن للحوار مع الآخرين حوارً راقياً مهذباً كما قال تعالى : " ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " .... وأيضاً لقوله : " لاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم " .... فالغلظة في الحوار واستخدام المفردات الجافة الفظة غير مرغوب ناعيك عن الإيذاء والتحقير والازدراء أو عدم الإعتراف بالآخر وجدوى الحوار معه .

وتطرق الدكتور أحمد تركستاني إلى الشبهات المثارة ضد الحوار مع الأديان الأخرى والرد عليها والتي تم تلخيصها فيما يلي من نقاط :
الشبهة الأولى : أن الحوار قد يؤدي إلى التشويش والتأثير الفكري غير المحمود كمثال ادخال بعض الشبهات والخلط الفكري في أذهان المسلمين ....
الرد : هذا صحيح إذا كان المحاور ضعيف الحجة وغير قادر على البيان والتوضيح أما إذا كان محصناً بالعلم والحجة فيزيده الحوار صلابة وقوة .

الشبهة الثانية : أن الحوار قد يؤدي لمزيد من التعصب والتصلب عند طرفي الحوار .....
الرد : لاضير في حوار يتأسس على قواعد ننطلق منها إلى ماهو دونها والإسلام حقق مكاسب قديماً وحديثاً ونجم عن حواراته تحولات كبرى في غقيدة من تحاور معهم .

الشبهة الثالثة : أن الحوار يقود للفتنه والصدام وتقوم هذه الحجة على قاعدة سد الذرائع وإقامة الحواجز ....
الرد : المبالغة في استخدام هذه القاعدة قد تؤدي إلى تغييب حقيقة الإسلام .

الشبهة الرابعة : أن الحوار يعطي الفرصة لتلميع الآراء الباطلة ...
الرد : هذا لايصح في كل حال بل الآراء الباطلة إنما تكتسب بريقها إذا انفردت بالأجواء والأضواء بعيداً عن التصدي لها بالحوار .



الدكتورة / أسماء الحسين - أستاذة الصحة النفسية بكلية التربية للبنات بالرياض
تحدثت الدكتورة / أسماء عن الأسباب الفكرية للإرهاب والعنف والتطرف والتي تعود في أغلبها إلى معاناة العالم الإسلامي من انقسامات فكرية حادة ، بين تيارات مختلفة .... ومرجع هذه المعاناة وما ترتب عنها من مشكلات وانقسامات هو الجهل بالدين والبعد عن التمسك بتوجيهات الإسلام .... وقد صنفت الدكتورة هذه التيارات المعاصرة إلى :
أ ـ تيار علماني : يدعو إلى بناء الحياة على أساس دنيوي وغير مرتبط بالأصول الشرعية ولا بالتقاليد والعادات والموروثات الاجتماعية الأصيلة ، هي من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه ، عوائق في طريق التقدم والانطلاق نحو الحضارة .
ب ـ تيار ديني متطرف : يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري ، فهي من وجهة نظرهم ليست إلا فسادا في الأخلاق ، وتفككا في الأسر وجمودا في العلاقات الاجتماعية ، فهم يرون أن الحضارة تجعل الفرد يعيش لنفسه ملبيا لرغباتها متنكرا للآداب والفضيلة . ولذا فكل جانب يرفض فكر الآخر ويقاومه ، وينظر إليه نظرة ريب وشك دون تمحيص وتقويم ، ليصل إلى الحق والمبادئ الأساسية فيها ، ليقارنها بما عنده من أصول ومبادئ يمكن أن تكون عاملا مشتركا يجمع بينها ويكون فيه الخير لكلا التيارين .

الدكتور / بدر البدر - الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه
ذكر الدكتور / بدر البدر أن من سماحة هذا الدين أنه أذن لغير أهله من أهل الذمة والمعاهدين والمستأمنين أن يعيشوا في أرضه مع بقائهم على دينهم وعدم إكراههم على الإسلام , وأشار إلى أنه لم يخل عصر من العصور من وجود غير المسلمين داخل المجتمع المسلم , يعيشون بين المسلمين , وينعمون بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم , ولا يعني بقاؤهم داخل المجتمع المسلم بأي وجه من الوجوه الرضا بما هم عليه من الكفر بالله , فإن الله – تعالى – لا يرضى لعباده الكفر , وإنما أذن الشارع لهم بالبقاء لحكم عديدة منها أن يخالطوا المسلمين ويتأملوا في محاسن الإسلام وشرائعه وينظروا فيها , فيجدوها مؤسسة على ما تحتمله العقول وتقبله , فيدعوهم ذلك إلى الإسلام , ويرغبهم فيه , فيدخلوا فيه , وهذا أحب إلى الله من قتلهم .... وعدم اختلاطهم بالمسلمين يفوت هذه المصلحة .


الأستاذ الدكتور / جعفر شيخ إدريس - رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة
افتتح الدكتور جعفر إدريس محاضرته معتبراً أننا نعيش اليوم في عصر يدعونا فيه الآخرون إلى مناهج حياتهم وقيمهم وأفكارهم وأنماط سلوكهم ، ودعوتهم تصلنا شئنا أم أبينا .... متسائلاً ما ذا نفعل حيال ذلك ؟؟ .... ولا سيما إذا كان أولئك الدعاة يتحدوننا بأن نرد عليهم أو نبين فضل منهجنا على منهجهم؟ ، وأضاف ... إن الاستجابة لهذا التحدي أمر لا يتم واجب البلاغ إلا به وقد استجاب كثير من علماء المسلمين ومثقفيه لهذا التحدي وأبلوا في الدفاع عن دينهم بلاء حسنا جزاهم الله خيرا. لكن الذي نحتاج إليه حاجة شديدة هو أن يكون لنا إلى جانب هذه المجهودات الفردية مؤسسات تختص بهذا العمل حتى يؤدي على أحسن وجه وأكمله .... ودعا إلى تأسيس منظمة للحوار العالمي وأوضح أهدافها وآلية عملها .

الدكتور / حسن الهويمل - الأستاذ المشارك بفرع الجامعة بالقصيم
أكد الدكتور / حسن الهويمل أن لكل طائفة من الأناس والمفكرين والساسة رؤيتها وموقفها ومرجعيتها ، وإن من أوجب الواجبات استماع الرؤى والتصورات ، ومحاولة التماس القواسم المشتركة والانطلاق منها مع استبعاد الافتعال والانفعال ، وقصر الحديث على التناول الموضوعي والبحث المعرفي ، بعيداً عن صخب الخطابات التنصلية ، ومآزق التزكية والتبرئة للذوات الممارسة للمبادئ ، والانحاء باللائمة على الآخر ، دون مصلحة أو برهان . و مشيراً إلى أننا متى اعتمدنا في تناولاتنا تبادل الاتهامات ، وممارسة الإدانة والإقصاء ، زدنا الوضع تعقيداً والحلَّ استحالة ، وانفض سامرنا بوضع أشد إبهاماً مما سلف.


الدكتور / عبدالله العشي - كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجزائر
ناقش الدكتور / عبدالله العشي في ورقة العمل التي طرحها في المؤتمر العولمة مشيراً إلى أنه قد يبدو لبعض المتابعين أن الإسلام يتضمن مشروعا شبيها بمشروع العولمة ، إن لم يكن هو ذاته ، ومؤكداً وجود فروق جوهرية بينهما حيث أن العولمة تهدف إلى تحويل العالم إلى مجتمع واحد في الثقافة والفكر والتعليم والذوق وغير ذلك ، أي أنها تسعى إلى إجبار العالم على نوع واحد من الحياة ، وهذا أمر مناقض للفطرة البشرية التي خلق عليها الناس " شعوبا وقبائل ". أما الإسلام فيحترم الهويات والخصوصيات وينبذ الإكراه ، و يقوم المشروع الإسلامي على الاعتراف الأولي بالتنوع والاختلاف الثقافي واللغوي ، وحتى الدين لايفرض بالقوة إنما بالإقناع .... وأشار إلى أنه لقد عاش في ظل الحضارة الإسلامية شعوب وقوميات وأديان وأسهموا في صناعة منجزات الحضارة الإسلامية ، ولم يقصوا أو يهمشوا . والإسلام أقام مشروعه الحضاري على أساس من المبادئ التي تحفظ للإنسان حريته وكرامته وحقوقه ، بل حافظ الإسلام على ثقافات الشعوب ولغاتها وأخلاقها .

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:08 PM
المشاركون في ندوة «الوسطية» ينوهون بجهود الدولة في خدمة الإسلام.. ومحاربة الإرهاب



كتب - مندوب «الرياض»:
نوه المشاركون في اعمال ندوة (الوسطية ونبذ الغلو)، بالجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة في خدمة الإسلام والمسلمين ومحاربة الإرهاب ودعاته، وأيدوا كافة الاجراءات التي تقوم بها في هذا الشأن، مجددين التأكيد على حقوق ولاة الأمر ووجوب رعايتها، وان طاعتهم واجب شرعي تحرم مخالفته والخروج عنه. وشددوا على الدور الفاعل والمهم والمؤثر للدعاة الى الله بعامة، وخطباء وأئمة المساجد والجوامع بخاصة في تقرير مبدأ العدل والوسطية ونبذ الغلو والتطرف، وكذا دعوة طلاب العلم الى طلب العلم الشرعي على ايدي العلماء الموثوق بهم، وملازمتهم، وعدم اللجوء الى سفهاء الأحلام والمتعالمين بلا علم ولا بصيرة. جاء ذلك في ختام اعمال الندوة العلمية التي نظمتها امارة منطقة جازان، وفرع وزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد بالمنطقة مؤخراً تحت عنوان: (الوسطية ونبذ الغلو) تفاعلا مع حملة التضامن الوطني ضد الإرهاب. وحث المشاركون في أعمال الندوة الدعاة على معايشة الواقع الحالي، وتبصير الناس بالمستجدات، وما يحاك ضد الدين والوطن وقادته مؤكدين أن الأمن مطلب للجميع، وحفظه مسؤولية الجميع مع تقدير ما يقوم به رجال الأمن من الجهود المشكورة، والتضحيات الكبيرة. وطالبا بعقد مثل هذه الندوات العلمية المتخصصة في موضوعها وهدفها في منطقة جازان مرة في كل عام بعد التنسيق مع الجهات المختصة في ذلك، وذلك لما لمس من تجاوب وتفاعل ورغبة من جميع فئات المجتمع.
الجدير بالذكر ان عددا من اصحاب الفضيلة العلماء، والدعاة وطلبة العلم، والأكاديميين في المنطقة قد شاركوا في اعمال الندوة - التي استمرت ثلاثة ايام - بأبحاث قيمة، مداخلات، وحوارات زاد من الانتفاع بها المشاركة الفاعلة للحضور.

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:09 PM
الإسلام ضد العنف ولا يقبل الإرهاب


الدوحة/ أكد الدكتور يوسف القرضاوي أن الإسلام ضد العنف ولا يقبل الإرهاب وترويع الناس لكنه مع المقاومة المشروعة ضد الاحتلال كما يحدث في فلسطين والعراق.
وقال القرضاوي إن الرسول عليه الصلاة والسلام ضد ترويع الآمنين حيث قال لا يحل لرجل أن يروع مسلما، وما ينطبق على المسلم ينطبق أيضاً على غير المسلم، فالمؤمن هو من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم.
وأكد أنه لا يجوز ترويع عباد الله بغير حق، فالإرهاب هو أن تستعمل العنف فيمن ليس بينك وبينه قضية مثل خطف الطائرات والاعتداء على الآمنين، ومثل ما حدث في مذبحة الأقصر من اعتداء على السائحين في مصر، بل إن تفجير برجين في سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الطائرات وركابها والناس المستهدفين في البرجين لا قضية بينهم وبين الذين قاموا بعمليتهم.
ونوه القرضاوي بالمقاومة المشروعة ضد المحتلين للوطن مثل مقاومة الفلسطينيين والعراقيين للاحتلال، وقال إن كل شرائع السماء وقوانين الأرض، بل والطبيعة، ترفض الاحتلال وتتطلع إلى مقاومته حتى داخل جسم الإنسان عند زرع الأعضاء كالكلى مثلا، فإن الجسم يرفضها لأنها جسم غريب وتعطي أدوية ضد رفض الجسم لهذه الأعضاء.
من هنا ندرك أن المقاومة حق وواقع وطبيعة، فنحن ندافع عن القضية الفلسطينية بمقاومة المحتل وهي مقاومة مشروعة، المقاومة مشروعة والإرهاب مرفوض، لأن الإسلام دين السلام، ولابد أن ندرك أن هناك الآن صحوة إسلامية نحن حريصون عليها وعلى ترشيدها وسد مواطن الخلل فيها.

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:15 PM
الإرهاب .. أسبابه ، آثاره ، الوقاية منه



يحيى بن موسى الزهراني


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " [ آل عمران102 ] .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " [ النساء 1] .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " [ الأحزاب 70-71 ] .
أما بعد :
فقد أكرمنا الله تبارك الله وتعالى بأعظم كرامة ، ببعث نبيه صلى الله عليه وسلم ، حيث أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور ، وأعزنا به بعد الذلة ، وجمعنا به بعد الفرقة ، وجعلنا إخوة في الله متحابين متآلفين ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ، قال الله تعالى : " يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " [ الحجرات 13 ] ، وقال تبارك وتعالى ممتناً علينا بهذه النعمة ، ومذكراً بما كان عليه حالنا قبل الإسلام : " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " [ آل عمران 103 ] .
عاش المسلمون هذه النعمة العظيمة واغتبطوا بها في عهد النبوة ، إلى أن ظهرت بذرة الخلاف ، عندما ألب عبد الله بن سبأ وأتباعه الناس على عثمان رضي الله عنه ، وكانت نواة ظهور الخوارج قد بدأت باعتراض ذي الخويصرة التميمي على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين ، ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا ، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : اعْدِلْ ؟ فَقَالَ : وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ " ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَقَالَ : دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ ـ رأس السهم ـ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ ـ ما يُلف على مدخل النصل من السهم ـ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ ـ ريش السهم ـ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ ـ قطعة اللحم ـ تَدَرْدَرُ ـ تضطرب وتتحرك ـ وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ " ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ ـ فوجدوه وأحضروه ـ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ " [ متفق عليه واللفظ للبخاري ] ، ثم أثيرت الفتنة على عثمان رضي الله عنه بسبب التحزب والمعارضة التي رامت الفتنة والفرقة ، وضرب الإسلام في الصميم ، والتي ازداد أوارها بعد قتل ذي النورين ، ثم تفاقم الأمر وكثرت الفتن ، وظهرت الفرق ، وعلى رأسها فرقة الخوارج ، الذين قاتلوا علياً رضي الله عنه ، واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم ، وأخافوا السبيل ، وحاربوا الله ورسوله ، فقضى على فتنتهم علي رضي الله عنه ، ووجد ذو الخويصرة بين قتلاهم ، ثم خططوا لقتل جمع من الصحابة فنجحوا في قتل علي رضي الله عنه ، وما زالت فتنتهم تظهر تارة ، وتخبو تارة ، إلى يومنا هذا ، وستسمر فتنتهم وخروجهم إلى أن يخرج آخرهم مع الدجال ، كما في حديث شَرِيكِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَلْقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ عَنِ الْخَوَارِجِ ، فَلَقِيتُ أَبَا بَرْزَةَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْخَوَارِجَ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُذُنِي وَرَأَيْتُهُ بِعَيْنِي ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ فَقَسَمَهُ ، فَأَعْطَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ ، وَمَنْ عَنْ شِمَالِهِ ، وَلَمْ يُعْطِ مَنْ وَرَاءَهُ شَيْئًا ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ : فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ : مَا عَدَلْتَ فِي الْقِسْمَةِ ، رَجُلٌ أَسْوَدُ مَطْمُومُ ـ حليق ـ الشَّعْرِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لَا تَجِدُونَ بَعْدِي رَجُلًا هُوَ أَعْدَلُ مِنِّي ، ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ كَأَنَّ هَذَا مِنْهُمْ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ ، لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ مَعَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ " [ أخرجه النسائي وأحمد ] .
وفي هذا العصر امتن الله على بلادنا بجمع شتات هذه الأمة بعد قرون طويلة سادتها الحروب والشحناء والثارات ، وران عليها الجهل ، واستبدت بها العصبية القبلية ، وعاد كثير من الناس إلى الشرك وإلى شريعة الغاب التي يأكل فيها القوي الضعيف ، فجُمع الناس تحت راية التوحيد ، وانتشر الأمن والرخاء ، وازدهر العلم ، وتبدد ظلام الجهل ، وسادت أخوة الإسلام القائمة على تحقيق التوحيد ، والسير على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حتى خرج لنا جيل من الخوارج في هذا الزمان ، قتلوا المسلمين ، وأخافوا الآمنين ، وانتهكوا حرمة البيت الحرام ، والأشهر الحرم ، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ، لا يخافون الله ولا يخشونه .

خوارج هذا الزمان :
لكل زمان خوارج ، يخرجون على المسلمين ويقتلونهم ويتركون الكفار ، لأنهم على شاكلتهم ، فظهرت في هذا الزمان طائفة تسمي الجهاد بغير اسمه وهم خوارج هذا العصر ، الذي خرج أسلافهم على المسلمين منذ قتلهم لعثمان وعلي رضي الله عنهما إلى أن يخرج آخرهم مع الدجال كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدعون أهل الأصنام ، ويقتلون أهل الإسلام ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، سماهم النبي صلى الله عليه وسلم كلاب أهل النار ، شر قتلى قتلاهم ، يذبحون المسلمين في بلاد الإسلام ، ويعتقدون أنها دار حرب ، وقد قدموا لأعداء الإسلام خدمة لم يتمكنوا من الحصول عليها بوسائلهم ، وأعطوا الكفار ذريعة للنيل من الإسلام والمسلمين ، واحتلال بعض بلدان المسلمين ، والله أعلم بمن يقف وراءهم من المنظمات الصهيونية والماسونية بطريق مباشر أو غير مباشر .
فيجب على المسلمين كل بحسب قدرته أن يكشف زيفهم ، وأن يبين ضلالهم ، حتى لا ينتشر فسادهم ويستفحل أمرهم ، كما يحرم التستر على أحد منهم ، لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وإثارة الفساد في البلاد ، وقد قال الله تبارك وتعالى : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [ المائدة 2 ] ، فمن آواهم أو تستر عليهم أو دافع عنهم أو برر أعمالهم ، فإنه مشارك لهم في قتل النفوس البريئة المعصومة من المسلمين أو المستأمنين والمعاهدين والذميين ، وينطبق عليه الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من آوى محدثاً " [ أخرجه مسلم ] ، وأخرج الشيخان من حديث عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا ـ أمراً منكراً ـ أَوْ آوَى مُحْدِثًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا ـ قيل الفريضة ، وقيل التوبة ـ وَلَا عَدْلًا ـ قيل النافلة ، وقيل الفدية ـ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
وهاهي الأمة اليوم تعاني ويلات خوارج هذا الزمان ، الذين لم يراعوا حرمة الزمان ولا المكان ، ولم يرعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حيث حرمة الحدث في دين الله تعالى ، أو قتل المسلمين أو المستأمنين أو الذميين أو المعاهدين ، بل قتلوا الجميع ، حتى الأطفال والنساء الذين حرم الإسلام قتلهم وهم كفار ، فكيف بأهل الإسلام ، فلقد أذاقوا الأمة مرارة الألم ، وفقدان الأمان ، وحرقة في القلوب على القتلى الذين لا ذنب لهم ، ولا جرم اقترفوه ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

أسباب الإرهاب :
أظن أن بعض الأسباب حتى الآن لا زالت مجهولة ، وفي خفاء تام عن جميع الناس ، ماعدا المسؤولين الأمنيين الذين لهم صلة مباشرة بالتحقيق مع من تم القبض عليهم من الإرهابيين ، فلربما كانت لديهم دوافع لما قاموا به من عمليات التفجير والتدمير والتخريب ، ومهما كانت الأسباب فليس بمسوغ أن يقوموا بفعلهم الشنيع ، وعملهم الإجرامي الفظيع ، لكن أقول : ربما كانت هناك أسباباً خفية لم يطلع عليها إلا أهل الشأن في ذلك ، وعموماً فهي غامضة عن الكثيرين ، لكن ربما تفشت وظهرت بعد حين من الدهر ، ولا نستبق الأحداث ، فالأيام المقبلة تحمل بين طياتها تفسيراً للمجهول ، وحلاً للغموض .

لكن الذي سمعه البعض من ثلة من المسؤولين ، والذي دلت عليه طيات الكلمات التي ألقاها عدد من العلماء والمختصين حول موضوع الإرهاب ، أن هناك أسباباً رئيسة منها :
الأول / الانحراف العقدي : بسبب ما تلقاه كثير من الشباب المجاهد في الخارج من عقيدة باطلة ، نتيجة لطلاب علم ضلوا عن سبيل الرشاد ، وظنوا أنهم بلغوا من العلم ما لم يبلغه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فظن كل منهم أنه قادر على الاجتهاد وإصدار الفتاوى ، حتى غاصت الأمة فيما هي فيه اليوم من التعسف والظلم وانتهاك الحرمات ، وقتل الأنفس البريئة .
أضف إلى ذلك كثرة التيارات الفكرية هناك ، حتى أصبح الوضع هناك مجالاً غصباً لغرس فكر التطرف والغلو والتكفير ، إلى أن كَفَّروا الأمة الإسلامية ، فإذا كان المسلمون كفاراً في اعتقادهم فمن هو المسلم إذن ؟ لقد كفروا كل من استعان بالكفار ، فبذلك الحكومات لديهم كافرة ، والشعب كافر لأنه لم يستنكر ولم يخرج على ولي أمره ، فبذلك استحلوا دماء الجميع ، ورأوا أنهم بذلك مجاهدون في سبيل الله فلهم الجنة ، وغيرهم كافر له النار ، وسبحان الله العظيم ، كيف لم يقرءوا حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، فقد أخرج الشيخان من حديث أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ ، قَالَ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَكَفَّ عَنْهُ الْأَنْصَارِيُّ ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي : يَا أُسَامَةُ ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا ، قَالَ : أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ " [ متفق عليه ] .
وعن الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا ، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ ، أَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقْتُلْهُ " ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقْتُلْهُ ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ " [ متفق عليه ] .
الحديثان يدلان على تحريم قتل النفس التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، بل جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
وأخرج أبو داود من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا بَالُ هَذَا ؟ " فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلَا نَقْتُلُهُ ؟ فَقَالَ : " إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ " .
فتلكم الأحاديث تبين بياناً شافياً أنه يحرم قتل المسلم الذي يدين بشهادة التوحيد ، ويقيم شعائر الدين ، وخاصة أركان الإسلام الخمسة ، فلا يقتل المسلم أبداً ، إلا ما ثبت من حديث عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ " [ متفق عليه ] .
فعلى أولئك الفئة التي ضلت طريق الصواب ، وتنكبت طريق الخطأ والغواية أن تحكم عقولها فيما تفعل ، وأن تعود إلى صوابها ، وتراجع فكرها ، وتتمسك بكتاب ربها ، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وأن يتركوا من غوى من مراجعهم ومرشديهم الذين يزجون بهم إلى التهلكة ، وأن يحذروا قتال إخوانهم وبني جلدتهم وأبناء وطنهم .
وذلكم الباطل والضلال الذي يسرن عليه من قبل دعاتهم ، ما هو إلا كما قال فرعون لقومه : " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ " [ غافر 29 ] ، ثم قال تعالى مبيناً سفاهة رأي فرعون وهلاك قومه عندما اتبعوه : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) " [ هود 96-99 ] ، فدعاة الضلالة أولئك سيحاسبون يوم القيامة عن فتاواهم ، وسيتحملون أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم ، كما سيأتي بيانه فيما يأتي بإذن الله تعالى .

الثاني / إخراج الكفار من بلاد الحرمين : وهذا الأمر لا يملكه المواطن وحده ، وليس له حرية التدخل في الأمور السياسية التي لا يعرف عنها شيئاً من قريب أو بعيد ، ولو ترك للناس أن يخوضوا في الأمور السياسية لاندحرت الأمة ، ولأحرقتها نيران الأعداء ، لأن رضا الناس غاية لا تدرك ، ثم إن إخراج الكفار من بلاد الإسلام مرهون بمدى الحاجة الماسة لهم ، وسيأتي بيان لهذه النقطة أيضاً فيما يأتي بإذن الله تعالى .

الثالث / توفير الفرص الوظيفية التي تستوعب الشباب : هذا الأمر لا تخلوا من دولة من دول العالم ، سواءً المتقدمة أو المتأخرة ، فكل دولة تعاني البطالة ، وليست البطالة سبباً لإزهاق الأنفس ، وتحطيم الممتلكات ، وتدمير المقدرات .
فربما كانت هناك أسباباً اقتصادية وسياسية تمنع إيجاد وظيفة لكل مواطن ، لكن هناك ثمة أموراً أخرى يمكن للشباب أن يعملوا بها ، كالأعمال الحرة ، والعمل في الشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، والعمل في المحلات التجارية ، وإن الراتب زهيداً نوعاً ما ، فعمل براتب خير من جلوس بلا دراهم ، ومن ثم يتدرج الشباب حتى تتوفر الفرص الوظيفية الملائمة ، والدولة لن تألوا جهداً حيال هذا الموضوع .

الرابع / أساليب التحقيق والتعذيب : التي تعرض لها كثير من الشباب المجاهد في أفغانستان ، بعد عودتهم من هناك ، بلا ذنب اقترفوه كما يقولون ، فكلما حصلت فتنة في البلاد تم القبض عليهم أو على الكثير منهم وتم إيداعهم السجون للتحقيق وربما استخدام بعض أساليب التعذيب ، فمنهم من تقبل الوضع القائم وعلم أن ذلك إجراءً لابد من اتخاذه ، فصبر وتحمل وخرج وهو يحمل لبلاده كل حب وتقدير ، ومنهم غير ذلك فبدءوا بالتخطيط والانتقام ، فتلقفتهم أيدي الغدر والكيد من شتى بلاد الكفر ، حتى حصل بالبلاد والعباد من التدمير والتخريب والتفجير والقتل والتخويف والقلق وزعزعة الأمن ما لا يُشكى إلا الله تعالى ، فأسأل الله تعالى أن يعيد الأمور إلى نصابها ، والأوضاع إلى ما كانت عليه من الأمن والطمأنينة والرخاء والخير العميم .

آثار الإرهاب :
ليس للإرهاب أثر واحد إيجابي ، وإنما جميع آثاره سيئة سلبية ، وهي كثيرة جداً ، منها على سبيل العرض لا الحصر :
1- قتل النفس المعصومة . ويدخل في ذلك نفس القاتل والمقتول ، يعني بصورة أوضح ، نفس الإرهابي ، والنفس التي قتلها ، سواءً من رجال الأمن أو من غيرهم ، ومعلوم بالنصوص الشرعية أنه يحرم قتل النفس المعصومة سواءً كانت نفساً مسلمة أو كافرة معاهدة أو ذمية ، ممن قدموا لإفادة البلاد لا لقتالها أو التجسس لحساب الآخرين ، قال تعالى : " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " [ 93 ] ، وقال تعالى : " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ " [ 32 ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : " إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا ، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ، قَالَ : وَيْحَهُ ! وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَأْسِ صَاحِبِهِ ، يَقُولُ : رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّكُمْ ثُمَّ مَا نَسَخَهَا بَعْدَمَا أَنْزَلَهَا " [ أخرجه ابن ماجة وأحمد ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لِجَهَنَّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ، بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلَّ سَيْفَهُ عَلَى أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ " [ أخرجه أحمد ] .
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " [ أخرجه مسلم ] .
وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا أَوِ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا " [ أخرجه النسائي ] .
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " [ أخرجه البخاري ] .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " [ أخرجه الترمذي ] .
فكل تلك الأحاديث السالفة الذكر وغيرها كثير تدل على حرمة قتل النفس المعصومة ، وأما ما يتعلق بقتل الإرهابيين لأنفسهم فقد وردت أحاديث أخرى تحرم ذلك منها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " [ متفق عليه ] .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا " ، فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : " وَمَا ذَاكَ " ، قَالَ : قُلْتَ لِفُلَانٍ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ " [ متفق عليه ] .
وأكتفي بما ذكرت من أدلة دون تعليق ، ففيها غنية عن ذلك .
2- تدمير الاقتصاد . لا شك أن رفع مستوى جريمة الإرهاب سبب في انخفاض الاقتصاد لتلك الدول التي يمارس فيها الإرهاب بكل صوره وأنماطه ، فكثير من الدول لا ترغب في التعامل مع البلد التي يكتنفها الإرهاب ، وبذلك تقل الموارد الاقتصادية لتلك البلد .
3- العقد النفسية . كثير من الناس أصيب بعقد نفسية جراء الفعال الإرهابية ، فالكل منهم يتحسس متى يكون ضحية من ضحايا الإرهاب ، والمستشفيات النفسية شاهدة بذلك ، وكذلك كثرة الأسئلة المطروحة حول الإرهاب والإرهابيين ، وما يدور حولهم من كواليس وخفايا ، كل تلك الأسئلة تجعل الكثيرين في حيرة من أمر الإرهاب ، مما سبب لهم عقداً نفسية .
4- التدخل الأجنبي لحماية المصالح الخاصة . وهذه من النقاط المهمة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار ، فلا شك أن المملكة العربية السعودية لها أعداء كثر ، إما لتطبيقها للشريعة الإسلامية ، وإما لكثرة ثرواتها الاقتصادية ، وكما قال عمر رضي الله عنه : " كل صاحب نعمة محسود " ، وهل هناك أعظم من نعمة التمسك بشريعة الله تعالى ، وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ؟ إنها نعمة لا تضاهيها نعمة .
فالإرهاب سبب لتدخل الدول الكافرة أو الحاقدة في أمور البلاد السياسية والداخلية ، لا لشيء ، إلا لإشباع رغباتهم ، وإشفاءً لغليلهم ، فمن منطلق حماية مصالحهم الخاصة والعامة ، وربما حماية مواطنيهم كان الإرهاب ذريعة لتدخلهم ، وناهيكم عن الضرر والخطر الذي يسببه دخول الأجنبي إلى البلاد .
5- زعزعة الأمن . لقد أصبح الأمن اليوم شبه مزعزع ، فالقلق والخوف والذعر تملك الكثير من المواطنين والمقيمين ، بل وحتى رجال الأمن البواسل ، لا خوفاً من الموت في سبيل الله على أيدي المجرمين من الخوارج ، بل خوفاً على إخوانهم الذين ضلوا عن الصواب ، وانحرفت سلوكهم وأخلاقهم من مصيرهم المظلم والعياذ بالله ، ثم ما تقوم به الجهات المختصة من تفتيش للسيارات والمارة من الناس ، وربما أغلقت بعض الطرق وهكذا دواليك ، فالأمن أصبح شبه مزعزع ، والسبب هو الإرهاب والإرهابيين ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
6- انتشار الفوضى .
7- تيتم الأطفال ، وترمل النساء ، وهذه نقطة جوهرية في الموضوع ، فأولئك الأطفال ، وتلكم النساء الذين قتلوا أزواجهم وأهليهم ، بسبب العدوان الآثم ، من يتحمل مسئوليتهم أمام الله تعالى يوم القيامة ، ثم أمام المجتمع ؟ إنه الإرهاب وثماره الفاسدة .
8- صرف موارد الدولة إلى تعزيز الأمن ، وإهمال جوانب مهمة أخرى .
9- ظهور الطوائف الدينية وتفشيها . لم يظهر الشيعة منذ نعومة أظفارنا وحتى يومنا هذا إلا في زمن خروج الخوارج ، وظهور فتنة التكفير والتفجير ، ومعلوم من هم الشيعة ؟ إنهم أعداء السنة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، إنهم قاتلوا الصحابة رضوان عليهم ، هم من يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم من يسب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، هم وهم وهم ، لو استطردت في وصفهم ووصف معتقداتهم الباطلة لاحتاج الأمر إلى مئات الصفحات ، ولكن نكتفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، ومن السوار ما أحاط بالمعصم .
ثم ظهرت تباعاً العلمانية المنافقة الخارجة من الدين بالكلية والتي تدعو إلى التحرر من قيود الشريعة الإسلامية ، وتدعوا إلى الكفر البواح ، فهاهم ينهقون وينعقون وينبحون بأعلى أصواتهم منادين إلى تغيير المناهج ، وتحرير المرأة وتجريدها من ثيابها لتخرج للمجتمع عارية سافرة ألعوبة بأيديهم ، بل زاد خطرهم ، وتطاير شررهم عندما دعوا إلى الانقلاب على الدولة ، وإزاحة الحكم الإسلامي واستبداله بحكم لا إسلام ، فانتبهوا يا رعاكم الله فالأمة اليوم تعاني ويلات الخوارج ، ومرارة الإرهاب ، والأعداء كثر ، قد كشروا عن أنيابهم ، وأبانوا عن مخططاتهم ، فالله الله بالتمسك بالكتاب العزيز ، والسنة المطهرة ، ولزوم جماعة المسلمين والعلماء العاملين ، وإياكم ثم إياكم والخروج على حكامكم ، ففيهم خير كثير ، والكمال لله وحده .
10- مضايقة الناس في الشوارع من قبل رجال الأمن بسبب ازدياد نقاط التفتيش ، مما يكون سبباً لهلع بعض الأطفال والنساء .
11- تدمير مقدرات الوطن والبنى التحتية . لقد دمرت المنشآت الحكومية وغير الحكومية ظلماً وغدراً وعدواناً ، فهذه المقدرات ليست ملكاً لأحد دون آخر ، بل ملك الجميع ، وبتدميرها تضييع حقوق كثيرة ، وتتأخر معاملات مهمة ، فيهتز الاقتصاد الداخلي بسبب ذلك التدمير والتفجير ، فبدل أن تصرف الأموال للأمور الخيرية ، والأمور الأكثر أهمية ، نعيد وضعها في إعادة بناء ما تم تدميره ، وبذلك تضيع الأموال هدراً ، وتضيع مصالح المحتاجين ، والأعمال الخيرية والدعوية .
12- منع الإعانات للفقراء والمحتاجين داخل البلاد وخارجها . كم من الفقراء من كانت تأتيه الإعانة شهرية أو يومية ، فتسد رمقه ، وتغنيه عن السؤال وتكفف الناس ، وبتلك التفجيرات والعمليات الإرهابية قلص حجم العطاء ، لأن السبب كان يكمن فيمن تسمى بالإسلام واتسم بسماته ، ثم انقلب رأساً على عقب ، فبدأ يقتل ويدمر ، ويرهب ويفجر ، حتى لم تعد هناك ثقة كاملة في مثلهم ، فضاعت حقوق الفقراء والمساكين ، والمعوزين والمحتاجين .
13- ضعف الدعم الخيري للجمعيات الخيرية . بما أن كثيراً من الإرهابيين كانوا من أهل الخير والصلاح ، وكان بعضهم ذو مشاركات فاعلة في الأعمال الخيرية ، ومشاريع البر ، ثم افتضح أمرهم ، واكتشفوا بأنهم إرهابيون ، فقد أهل الدعم والخير الثقة فيهم وفي أمثالهم ، فانعدمت الثقة في أهل الخير والصلاح ، حتى كادت أن تندثر الأعمال الخيرية ، وقلت مواردها والمتبرعين لها خوفاً من استخدام الأموال في أعمال إرهابية .
14- الإساءة لأهل الصلاح والتقى ، ورميهم بالإرهابيين ، وهم منه براء . وهذا واقع مشاهد ، فبعض الجهلة من الناس بدأ يشك في كل من تمسك بشعائر دينه من إعفاء للحية ، وتقصير للثوب ، واستخدام للسواك ، حتى ظنوا أن كل من فعل ذلك فهو إرهابي ، وهذا عمل يناقض الدين ، فليس كل من التحى لحقت به تهمة الإرهاب ، بل أولئك الإرهابيون تمسكوا بتلكم الشعائر تخفياً وراءها حتى ينفذوا مخططاتهم الدنيئة .
15- تغيير المناهج الدينية بما يوافق الأهواء ، ويبعد عن طريق الكتاب والسنة ، بسبب حذف فصول مهمة ، وإضافة أخرى لا تسمن ولا تغني من جوع ، كحذف باب الولاء والبراء مثلاً ، أو حذف كل ما يتحدث عن العداوة لليهود والنصارى وما شابه ذلك .
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات وأقلام ونداءات ، من بعض الأقزام ، تدعو سفهاء الأحلام إلى التحزب والتشرذم ، ونخر عظام الأمة ، بالدعوة إلى مفارقة الجماعة الحقة ، والتكتل في جماعات حزبية ضيقة ، تدعو إلى التطرف والغلو ، بأساليب براقة ، ومظاهر خداعة ، أدت إلى شرخ في صفوف هذه الأمة ، وسلك مروجوها شتى الأساليب ، في إقناع بعض شبابنا بذلك الفكر الخارجي ، الذي مكن لأعداء الإسلام من الاصطياد في الماء العكر ، تحت شعار حقوق الإنسان أحياناً ، والدعوة إلى تغيير المناهج التعليمية أحياناً أخرى ، بدعوى أنها سبب لما حصل من التطرف والغلو من بعض الجماعات والأفراد .
16- ظهور فتنة الخوارج والتكفير . وقد تحدثنا في هذا الموضوع فيما سبق بشكل مبسط .
17- تفكك المجتمع ما بين مؤيد ومعارض ، فربما كان من الناس من يعاني ظلماً من مسؤول ، فربما قاده ذلك إلى مؤازرة تلك الفعال الغوغاء التي لا تمت للدين بصلة ، جهلاً منه بعواقب الأمور ، وعدم تقدير للنتائج السيئة الناجمة عن الإرهاب .
18- الزج بالدولة لمواجهة الدول التي قتل ضحاياها في العمليات الإرهابية ، فلقد حصلت بعض المعارك الكلامية ، والشتائم والسباب بين المملكة وبعض الدول التي قتل رعاياها ، فتبادلت الصحف والشبكة العنكبوتية ، بل عرضت وسائل الإعلام المرئية شيئاً من تلك التهديدات المتوجهة للملكة ، فنحن في غنى عن ذلك كله .
19- إيجاد ثغرات اصطاد فيها المعارضون للحكم الإسلامي في بلاد الحرمين ، بتحريض من دول الكفر المختلفة ، فمن المعلوم أن هذه الدولة حرسها الله من كل مكروه تطبق شريعة الله تعالى ، وتتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل أحكامها ، وهذا مما لا يروق لكثير ممن ينعق بصوت الكفار ، وممن ارتضع عادات الغرب والشرق الفاجرة التي تحارب الإسلام وأهله ، ومن رضي الانبطاح والخضوع لدستور الكفار ، فظهرت لنا قناة تسمت بالإصلاح ، في ظاهرها ذلك ، وتحمل في باطنها حقداً وحسداً دفينين على الإسلام ومن تمسك به ، تريد اللادينية شعاراً لبلاد الحرمين الشريفين ، مهبط الوحي ومنبع الرسالة ، وتلكم هي العلمانية التي لا مستغرب عن أهلها ما يدعون إليه ، فعلى كل مسلم يتقي الله ربه أن يخشى تلك القناة والقائمين عليها ، فهي قناة هدامة ، لا تريد بناءً ولا إصلاحاً ، بل تريد الفساد وتدعو إليه العباد ، فاتقوا الله أيها الناس واخشوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما عملت وأنتم لا تظلمون .
20- إغلاق باب الجهاد ونصرة قضايا المسلمين العادلة في كل مكان ، فكثير من دول الإسلام فتحت باب الجهاد على مصراعية إما جهرة وإما خفية ، حتى حصلت أحداث الإرهاب في دول الإسلام كالسعودية واليمن والمغرب ومصر وأخيراً في الكويت ، حتى أغلقت جميع الدول أبواب الجهاد ، فَحُرِمَ المسلمون من الجهاد في سبيل الله ، ومُنعت دول مظلومة من المجاهدين ، فكان الإثم والوزر لمن كان سبباً في ذلك ، فالدول أغلقت تلك الأبواب خوفاً على مصالحها الداخلية والخارجية ، ولا لائمة عليها في ذلك ، فكانت السيئة لاحقة أولئك الجهال الذين باعوا دينهم بعرض من أعراض الدنيا ، أو بعلم جاهل ضل عن الفهم الصحيح للكتاب والسنة ، فضل وأضل كثيراً وضل عن سواء السبيل ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، لَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا " [ أخرجه مسلم والنسائي واللفظ له ] ، وأخرج مسلم أيضاً من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى ، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا " ، وإن الناظر فيما أحدثه بعض الشباب الخارج عن دينه والمارق من عقيدته ليدرك أنها أفعال سيئة ، وأعمال ضالة ، صاحبها مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة .
ثم تقع المسؤولية العظيمة على عاتق من أفتى لأولئك الشباب بتلك الفتاوى الظالمة ، والزج بهم في مواجهات مع إخوانهم المسلمين ، قال تعالى : " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ " [ النحل 25 ] ، وقال تعالى : " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ " [ العنكبوت 13 ] .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى ، وقوله تعالى : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة ، أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزاراً أخرى بسبب ما أضلوا من الناس ، من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً كما قال تعالى : " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " الآية وفي الصحيح : "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً " ، وفي الصحيح : " ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا وأخذ مال هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا لم تبق له حسنة أخذ من سيئاتهم فطرح عليه " .
وقال القرطبي رحمه الله تعالى : " قيل : أن المراد بالآية السابقة ، أعوان الظلمة ، وقيل : أصحاب البدع إذا اتبعوا عليها ، وقيل : محدثو السنن الحادثة إذا عُمل بها من بعدهم ، والمعني متقارب " .
21- وضع البلاد تحت المجهر من قبل الأعداء الذين يتربصون بها الدوائر .
22- إغلاق باب الدعوة إلى الله تعالى ، فكم كانت البلاد ترسل الدعاة على مرور العام ، حتى بلغ عددهم في بعض المرات أكثر من ثلاثمائة داعية ، إلى أن تقلص العدد بسبب تداعيات الأحداث الإرهابية حتى أن الدولة لم ترسل أحداً في الآونة الأخيرة ، نظراً لعدم قبول الدول لهم خوفاً من أن يكونوا إرهابيين ، ولا شك أن ذلك خطراً على عقيدة المخربين الذين بسببهم مُنعت الدعوة إلى الله تعالى ، والله جل وعلا يقول : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " [ فصلت 33 ] ، فأولئك قولهم وفعلهم غير حسن ، لأنهم ليسوا بمسلمين ، لقد أفسدوا ولم يصلحوا شيئاً ، فهم كما قال الله تعالى عن المفسدين من قوم صالح عليه السلام : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " [ النمل 48 ] ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
23- إساءة الظن بالإسلام والمسلمين ، حتى اعتقد كثير من الكفار أن هذه الأعمال الإرهابية هي أصل من أصول الإسلام ، بينما الحقيقة غير ذلك ، فالإسلام في عهد ازدهاره ، وفي أوج قوته كان رحيماً بالناس كافة ، وبأهله خاصة ، ولم يضيق على الكفار ولم يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم خفية لا علانية ، ولم يُجبروا على ترك دينهم والدخول في الإسلام ، بل تُركوا ومن لم يُسلم عليه الجزية ، ويأمن على نفسه وولده وماله ، قال تعالى : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [ البقرة 256 ] ، لاسيما ولم يصدر منهم ما يدعو إلى قتالهم ، وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ولم يمارسوا طقوس دينهم علانية وجهراً ، بل حتى في شهر رمضان المبارك لا يجهرون بشيء من الإفطار احتراماً للإسلام وأهله ، فعلام قتالهم ، مع أن المفترض أن نكون دعاة للإسلام فندعوهم بالكلمة والفعل الحسن ، ومراكز دعوة الجاليات في هذه البلاد الموفقة شاهدة بذلك .
وأولئكم الشباب اليوم يقتلون كل كافر في بلاد الإسلام ، ويستحلون دمه وماله ، لأي شيء فعلوا ذلك ؟ وعلى أي دليل استندوا ؟
العلم عند الله تعالى .
وفيما ذكرت من أدلة جواباً دامغاً لتحريم أفعالهم ، قال تعالى : " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [ الممتحنة 8 ] .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ : حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ ، وَأَسْلَمُوا ، وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ " [ أخرجه البخاري ] ، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ن وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ ، أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا ، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا ، عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا ، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا " ، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ،
24- كثرة الفقراء والمحتاجين من أهالي الشهداء الذين قتلوا بلا ذنب ، ولا شك أن موت عائل الأسرة كارثة كبيرة ، ومصيبة عظيمة تحط رحالها بأفراد الأسرة قاطبة .
25- انتشار الجريمة ، وأقصد بذلك أنه ربما ضاع كثير من أطفال أولئك القتلى من الفريقين ، فتتلقفهم أيدي السوء وعصابات الأطفال ، فتربيهم وتنشئوهم تنشئة سلبية لا أخلاقية ولا دينية ، فينشأ لدينا جيل جريمة وقتل وفساد .
26- القتل في الأشهر الحرم ، وفي البلد الحرام ، وكل الناس شاهد ذلك ، فقد انتهكوا حرمة الحرم المكي وقتلوا المسلمين هناك ، وانتهكوا حرمة الأشهر الحرم فقتلوا المسلمين فيها ، فأي دين يدين به أولئك الإرهابيون ؟ وأي عقيدة يعتنقون ؟

الوقاية من الإرهاب :
أما سبل الوقاية من ذلك الداء الخطير ، والانحراف العقدي المرير ، فلا شك أنه بالتمسك أولا بالكتاب والسنة ، وكثرة المحاضرات والندوات الدينية التي تُعنى بأمر التوعية بخطورة الإرهاب ، في المدارس والكليات والجامعات وغيرها من الدوائر ، ثم طباعة المؤلفات التي تبين أضرار الإرهاب ، وعمل المطويات الداعية إلى ذلك ، وإدخالها كل بيت من بيوت المسلمين ، ليعي الناس خطورة الوضع القائم اليوم .
وكذلك ضرورة توعية الآباء والأمهات بمتابعة أبنائهم وبناتهم ، وتحسس مواضع الخطر ، ومكامن الضرر لديهم ، ومن ثم إيجاد العلاج الملائم لذلك .
ومن أهم سبل الوقاية من الإرهاب أيضاً ، إيجاد مناهج تعليمية مقتبسة من الكتاب والصحيح من السنة ، الدالة على خطورة الإرهاب ، وضرره على الأفراد والجماعات ، والدول والشعوب قاطبة ، على أن لا تتخلى المناهج عن قيمها الثابتة ، وأصولها الأصيلة التي لا تقبل المزايدة ولا المراهنة ، ولا الزحزحة ولا الزعزعة ، كعقيدة الولاء والبراء ، وتثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الناشئة ، حتى ينشأ لنا جيل يدين يعقيدة التوحيد الخالص ، جيل يدين بدين الإسلام الصحيح الذي لا تخالطه الشوائب ولا الشكوك ، ولا تكتنفه الظنون ولا الأماني .

الأمر بإخراج الكفار من جزيرة العرب :
عن عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا " [ أخرجه مسلم ] ، وعَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ قَالَ : سَأَلْنَا عَلِيًّا رضي الله عنه بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ ؟ ـ يعني الحجة التي استخلفه عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قَالَ : " بُعِثْتُ بِأَرْبَعٍ : أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا " [ أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ] .
هذان الحديثان وما في معناهما من الأحاديث دلت على أن الأصل إخراج الكفار من جزيرة العرب كائناً من كانوا ، فلا فرق بين يهودي ولا نصراني ولا علماني ولا رافضي ولا غيرهم من ملة الكفر ، فالكفر ملة واحدة ، مهما اختلفت دياناتهم ، وهم أعداء للإسلام والمسلمين ، هذا هو الأصل ، إخراج الكفار من ديار الإسلام .
لكن لما كانت المصلحة ملحة ، والحاجة داعية لوجودهم ، بقي منهم من يحتاج المسلمون لخبرته وحرفته ، ودل على ذلك نصوص كثيرة ، فأبي لؤلؤة المجوسي عندما قتل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، كان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه ، فلما لم يخرجه المسلمون من ديارهم في عهد الخليفتين الراشدين ، فدل ذلك على أن من كان وجوده لازماً وضرورياً فبقاؤه أفضل من خروجه ، لا سيما وأنه يرى تعامل المسلمين بالحق والمعروف وحسن الخلق والوفاء بالعهد ، والصدق والتسامح وغير ذلك من الصفات الحميدة ، فربما دعاه ذلك إلى الإسلام ، وفعلاً قد أسلم الكثير منهم منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا .
فأبي لؤلؤة المجوسي كان ماهراً في صنع بعض الأسلحة التي يستعملها المسلمون في قتالهم ضد أعدائهم ، وربما تعلم منه هذه الصنعة بعض المسلمين وأتقنوها ، فوجوده خير من خروجه ، فإذا تعلمنا منه ما نريد وكان وجوده كخروجه من البلاد عرضنا عليه الإسلام فإن قبل ، وإلا أخرج ، ولا تُقبل منه جزية ، فإما الإسلام وإما القتل أو الخروج .
وهذا مثال من أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها الآن .

حقيقة مهمة :
ثم لا نخفي حقيقة مهمة واضحة للعيان ، وهي أن البعض من تلك العمالة الكافرة كانت سبباً لتلوث أفكار بعض الشباب المسلم ، فمنهم من تم القبض عليه مُصَنِّعَاً للخمور ، أو داعياً إلى دعارة ، أو مشيراً إلى كفر وفكر منحرف ، وغير ذلك كثير ، فهؤلاء وجودهم خطر على أمة الإسلام ، فيجب إخراجهم بالقوة والجبروت لأن ضررهم متعد إلى غيرهم .

حقيقة لا مراء فيها :
المملكة العربية السعودية تحكم شرع الله تعالى في كل قضاياها الشرعية وربما غير الشرعية ، وهذا واقع ملموس ، يلمسه كل من له قضية في محاكمها الشرعية ، وكذلك الدولة رعاها الله لا تمنع كل مواطن من التحلي والتمسك بشعائر الدين الواجبة والمستحبة ، فإطلاق اللحى وتقصير الثياب وارتياد المساجد وإلقاء الدروس والمحاضرات والندوات وغيرها كثير أبواب مشرعة ، مفتوحة على مصراعيها ، وكذلك أبواب الحكام غير مغلقة لمن أراد الحق ودعا إليه .
فمادام أن الأمر كذلك ، فأي جهاد يدعو إليه أولئك القتلة الإرهابيون في بلاد الحرمين ؟
لاسيما ونحن لم نر كفراً بواحاً ، أو حتى دعوة إليه من قبل حكام هذه البلاد ، فالكفر من الأسباب الداعية إلى الخروج على الحاكم وقتاله ، ولم يشهد أحد بأن حكام البلاد السعودية قد وقع منهم ما يخل بعقيدتهم ، وزعزعة إيمانهم ، أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، قُلْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ! حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : " أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " ، نعم الكفر الصريح هو الذي يبيح للمسلمين خلع بيعة الحاكم ومنابذته بالسيف ، أما ما يحصل من أخطاء وظلم وجور فهذا واقع في كل زمان ومكان ، لأن البشر أهل خطأ وزلل ، ولا يجوز بحال قتال الدولة من أجل ذلك ، مادام أن الإسلام قائم ، وحكمه سائد ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ ، فَنَحْنُ فِيهِ ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قُلْتُ : كَيْفَ ؟ قَالَ : " يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي ، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ " قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ ، وَأُخِذَ مَالُكَ ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " فهذا الحديث أصل عظيم لمن وهبه الله العلم والبصيرة ، وتوقع عواقب الأمور ونتائجها السيئة ، لا سيما على الإسلام وأهله ، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وتدمير برجي التجارة في أمريكا ، والدول الإسلامية تعاني الضنك والنصب ، فضيق عليها الخناق كثيراً ، وأحجمت عن كثير من الأعمال ، بينما تصول وتجول دول الكفر وخاصة اليهود لأنهم بمنأى عن الإرهاب كما زعموا وهم أهله ومبتكروه ، وما يحدث في أرض فلسطين لهو خير شاهد على تلطخ أيديهم بدماء الشهداء من المسلمين هناك .
وما يحدث في أرض الرافدين بالعراق من قتل وتمثيل بالجثث وأعمال إجرامية وتعذيب واغتصاب وتشريد ودمار على أيدي القوات المتعددة الجنسيات وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا لهو أعظم دليل على خبث النوايا ، وسوء الطوايا .
وما يحدث من الكفار في كل بقاع الأرض ضد المسلمين لهو دليل على الحقد الدفين للإسلام وأهله .
وما تعانيه الأمة اليوم من الاضطهاد والذل والصغار ، والحروب الأهلية الداخلية ، ووجود تيارات جارفة ، لهو أثر من آثار الإرهاب ، ولن يصب إلا في مصلحة دول الكفر والفساد ، فالإرهاب دمار وخراب ، ولن يكون المتضرر الأول فيه إلا أهل الإسلام ، فعلا عقل شبابنا ذلك ؟ فليت شعري لو حكموا كتاب ربهم ، واتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا العلم من العلماء الراسخين المعروفين المشهود لهم بالخير والعطاء ، وتركوا سقيم الفتاوى ، ومريض الدعاوى . لعاشت الأمة في خير ونعيم أفضل من ذي قبل .

لهم حق :
ربما كان العنوان مبهماً ، والمقصود منه رجال الأمن البواسل ، فكما أن لنا حقوقاً عليهم ، ومن أعظمها وأهمها حماية أمننا ، وإيجاب سبل الراحة والطمأنينة للمجتمع كافة ، فكذلك لهم علينا حقوقاً من أعظمها الدعاء لهم بالتوفيق والسداد ، وهذا السلاح الفتاك ربما غفل عنه الكثيرون ، فلهم منا كل الدعاء بأن ينصرهم على تلكم الفئة التي ضلت سبيل الرشاد ، ولم ترد إلا الفساد ، ومن حقوقهم علينا تسهيل مهامهم المنوطة بهم ، وإرشادهم لأوكار الإرهاب وأهله ، فنسأل الله تعالى أن يوفقهم ويجعل التوفيق حليفهم .

وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن يتم نعمة الإسلام علينا ، وأن يمن علينا بعمة الأمن والأمان ، والصحة في الأبدان ، وأن يجعلنا اخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى ، متناهين عن الإثم والعدوان ، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اهد شباب المسلمين ، ورد ضالهم إليك رداً جميلاً ، اللهم هيئ لهم علماء ناصحين داعين إلى الحق آمرين به ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
8/1/1426هـ

د.فالح العمره
20-04-2005, 03:19 PM
الإرهاب في ميزان الشريعة



د. عادل بن عبد الله العبد الجبار


خطـــة الـكتــاب

الباب الأول : الشريعــة والإرهـــاب
الفصل الأول : تعريف الإرهاب
المبحث الأول : معنى الإرهاب في اللغة
المبحث الثاني : معنى الإرهاب في الاصطلاح
تعريف الأمم المتحدة
تعريف القانون الدولي
تعريف الاتفاقية العربية
تعريف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
تعريف المجمع الفقهي الإسلامي
المبحث الثالث : التعريف المختار للإرهاب
المبحث الرابع : عناصر الإرهاب
المبحث الخامس : أهداف الإرهاب
الأهداف المباشرة
الأهداف غير المباشرة
المبحث السادس : أنواع الإرهــــاب
تصنيف مؤتمر واشنطن 1976م.
إرهاب عقائدي.
إرهاب وطني.
إرهاب ديني , عرقي , طائفي
إرهاب مرضي
تقسيم آخر : الإرهاب الفردي و الإرهاب الجماعي .
المبحث السابع : صفات العمليات الإرهابية
الاختطاف واحتجاز الرهائن
الكمائن
أسلوب الاغتيالات
أسلوب العنف الطائفي
التفجيرات
المبحث الثامن : خصائص الإرهاب
المبحث التاسع : سمات الإرهابي
المبحث العاشر : أسباب الإرهاب
المطلب الأول : الأسباب العامة لظاهرة الإرهاب في العالم
أسباب جغرافية
أسباب مرضية نفسية
أسباب إعلامية
أسباب اقتصادية
أسباب أسرية
أسباب فكرية
المطلب الثاني:الأسباب الخاصة لظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي
---------------------
الفصل الثاني : التطرف في الشريعة الإسلامية
المبحث الأول : تعريف التطرف في اللغة والاصطلاح
المبحث الثاني : ذم الإسلام للعنف والتطرف
المبحث الثالث : الأسباب الشرعية للعنف والتطرف
أعراض أكثر المسلمين عن دينهم
الجهل بالعلم الشرعي
الجفوة بين العلماء والشباب
الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة
قصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة
تصدر حدثاء السن وسفهاء الأحلام
التعالم والغرور
التشدد في الدين والتنطع
شدة الغيرة وقوة العاطفة
المبحث الرابع : مظاهر التطرف
المبحث الخامس : الصفات الشرعية لأهل التطرف
حداثة السن وقلة العلم
إعجابهم بأنفسهم وأعمالهم
الطعن في العلماء الربانين وتنقصهم
تقديم العقل على النقل
سوء الظن
كثرة عبادتهم وفضائل أعمالهم
التعدي على ولي الأمر الذي اجتمع عليه الناس
التحزبات السرية
مفاسد الغلو والتطرف
---------------------
الفصل الثالث : تعظيم الدماء وتأكيد حرمتها
المبحث الأول : تحريم قتل الإنسان نفسه ( الانتحار )
المبحث الثاني : تحريم قتل الآخرين
المبحث الثالث:دماء المعاهدين والذميين والمستأمنين

الفصل الرابع : الشريعــة والتكـفير
المبحث الأول : خطر التكفير
المبحث الثاني : بيان هيئة كبار العلماء
في حكم التكفير

الفصل الخامس : جذ ور الإرهاب في الإسلام
المبحث الأول : مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
المبحث الثاني : مقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
المبحث الثالث: تعريف الخوارج لغة واصطلاحا
المبحث الرابع : نص مناظرة ابن عباس للخوارج
المبحث الخامس : الدروس المستفادة من أثر
ابن عباس رضي الله عنه
المبحث السادس : حقيقة الإرهاب الديني
.................................................. ..............
الباب الثاني المجتمع والإرهاب
الفصل الأول : المجتمع وحاجته للأمن
الفصل الثاني : دور مؤسسات المجتمع
المبحث الأول : المسجد
المطلب الأول : أهمية المسجد
المطلب الثاني : المسجد مصدر الأمن والآمان
المطلب الثالث : دور المسجد في التوعية بالجرائم الإهلية
المبحث الثاني : خطبة الجمعة وأثرها في أمن المجتمع
المطلب الأول : عوامل نجاح الخطبة
فهم الواقع
وجوب طاعة ولي الأمر
الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية
الوسطية والاعتدال
العناية بالشباب
العلاقة مع غير المسلمين
المطلب الثاني : خطبة الحرم المكي والمسجد النبوي
أنموذج لخطبة الحرم المكي الشريف
أنموذج لخطبة المسجد النبوي الشريف
المبحث الثالث : العلماء والدعاة
المبحث الرابع : الإرهاب والقضاء الشرعي
أهمية القضاء
نظرة القضاء للإعمال الإرهابية
الإجراءات الشرعية للتحقيق مع الإرهابيين في جرائمهم
التدابير الوقائية والعلاجية للوقائع الإرهابية
العقوبات القضائية على الوقائع الإرهابية
المبحث الخامس : الأســـــرة
المطلب الأول : اهتمام الإسلام بالأسرة
المطلب الثاني : وضيفة الأسرة
المطلب الثالث : دورها في الحد من الانحراف والجريمة
المبحث السادس : المــدرسة
المطلب الأول : الدور الأمني للمدرسة
المطلب الثاني : أثر المدرسة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف
المطلب الثالث : مناهج التربية الإسلامية
المبحث السابع : المؤسسات الأمنية
المبحث الثامن : الملتقيات الدولية المحلية والدولية
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب
مؤتمر موقف الإسلام من الإرهاب
المبحث التاسع : الإرهاب الإلكتروني
الإنترنت مكان آمن للالتقاء الإرهابيين
جهود المملكة العربية السعودية في التصدي للإرهاب الإلكتروني
عوامل حفظ المجتمع من الإرهاب الإلكتروني
المبحث العاشر : الأمن الفكري
الوسائل الوقائية لحماية الأمن الفكري
الوسائل العلاجية لحماية الأمن الفكري
---------------------
الباب الثالث : السعودية والإرهــاب
الفصل الأول : المراجعات السعودية
المبحث الأول : نظرة تاريخية لتفجيرات السعودية
وموقف العلماء منها
المطلب الأول : بيانات هيئة كبار العلماء
في المملكة العربية السعودية
البيان الأول : حول حوادث التخريب
البيان الثاني : حادثة تفجير العليا بمدينة الرياض 1416 هـ
البيان الثالث : حادثة تفجير الخبر بالمنطقة الشرقية 1417 هـ
البيان الرابع : تفجير 3 مجمعات بمدينة الرياض 1424هـ
البيان الخامس : حيازة الأسلحة والتفجيرات والسيارات المفخخة
المطلب الثاني : بيانات رابطة العالم الإسلامي
والهيئات التابعة لها
البيان الأول : بيان مكة
البيان الثاني : تفجير 3 مجمعات بالرياض 1424 هـ
البيان الثالث : تفجير بمبنى الأمن العام القديم بحي الوشم
بمدينة الرياض 1425 هـ
البيان الرابع : التفجير بالقرب من مبنى وزارة الداخلية
بمدينة الرياض 1425 هـ
البيان الخامس : بيان هيئة الإغاثة العالمية
---------------------
المطلب الثالث : بيانات العلماء الخاصة ومقالاتهم
أولا: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدا لله بن باز رحمه الله
رئيس هيئة كبار العلماء
و مفتي عام المملكة سابقا
حادثة تفجير بمكـة 1409 هــ
حادثة تفجير العليا بمدينة الرياض 1416 هـ
ثانيا : سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله
عضو هيئة كبار العلماء
حادثة تفجير الخبر 1417 هـ
ثالثا : سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
رئيس هيئة كبار العلماء ومفتي عام المملكة
تفجير مبنى إدارة المرور بالرياض
رابعا : معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
تفجير 3 مجمعات في الرياض 1424 هـ
تصحيح المفاهيم في العنف والتطرف
خامسا :فضليه الشيخ عبد الله بن عبدا لرحمن الجبرين
تفجير 3 مجمعات بالرياض 1424 هـ
المبحث الثاني : قراءة في المراجعات السعودية
المطلب الأول : مراجعات الشيخ علي بن خضير الخضير
المطلب الثاني : مراجعات الشيخ ناصر بن محمد الفهد
المطلب الثالث : مراجعات الشيخ أحمد بن فهد الخالدي
---------------------
الفصل الثاني : فقهيات المراجعات
المبحث الأول :شبهة إخراج المشركين من جزيرة العرب
المبحث الثاني :سماحة الشريعة في التعامل مع غير المسلمين
المبحث الثالث:مسألة التترس
المبحث الرابع :التكفير والتفسيق
خطر التكفير
ضوابط التكفير

المبحث الخامس : مراجعات تاريخية
المطلب الأول : المراجعات المصرية
بداية الجماعة الإسلامية
مبادرة وقف العنف
كتب المراجعات
حرمة الغلو في الدين
نهر الذكريات
مؤلفو الكتاب
حادثة الأقصر
شبهة قتل السياح
تكفير الشرطة
أسباب المراجعات المصرية
إيجابيات المراجعات المصرية
المطلب الثاني : جماعة التكفير والهجرة
نشأة الجماعة
الأفكار والمعتقدات لها
التكفير
الهجرة
الحجية
أمية الأمة
صلاة الجمعة والجماعة
طاعة الأمير
مراجع هامة
المطلب الثالث : تجربة الجزائر
نظرة تاريخية
مراحل العنف في الجزائر
جهود المشايخ ابن باز والألباني وابن عثيمين في إطفاء الفتنة
الفصل الثاني :
جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب
إقرار عقوبة الإرهاب
نشر الوسطية والاعتدال
المشاركات الدولية
توضيح الصورة للخارج
الأجهزة الأمنية
المستوى المحلي
المراجعات الفكرية
العفو الملكي
المكآفاءت المجزية
الدعوة مستمرة
الاهتمام برجال الأمن
تفعيل قرارات مجلس وزراء العرب
توقيع الاتفاقيات والمعاهدات
الخاتمة
المراجع

الخليجي
30-04-2005, 08:49 PM
صح لسانك ,جزالك الله خير

تقبل تحياتي

د.فالح العمره
17-05-2005, 01:51 AM
مرحبا بك ولا هنت على الحضور

د.فالح العمره
19-05-2005, 12:39 AM
الإرهابُ
معناهُ وواقِعُه من منظورٍ إسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد كثر في هذه الأيام إثر الحملة الأمريكية على ما يُسمونه بالإرهاب .. استخدام الناس لكلمة الإرهاب .. وتنديدهم بالإرهاب والإرهابيين .. ورمي كل فريق لكل فريق لا يروق له بالإرهاب وممارسة الإرهاب .. رجاء تغرير المجتمع الدولي للانتقام منه ..!
فراجت هذه الكلمة بين الخاصة ـ وفي جميع وسائل إعلامهم المختلفة ـ قبل العامة من الناس .. وكثير منهم يطلِقها ولا يعرف معناها .. فيضعها في غير موضعها .. ويحملها من الأوصاف والمعاني مالا تحتمل .. حتى أصبحت هذه الكلمة ـ في عرف كثير من الناس ـ علماً على كل مسبةٍ أو وصف مشين .. وذريعةً لشن الحروب وانتهاك الحرمات .. وتحجيم الحريات .. وممارسة الإرهاب على أوسع نطاق!!
والأخطر من ذلك كله أن يُعلن الحرب على الإرهاب .. ويُعلن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل أن يُحدد هذا الإرهاب الذي يُريدون محاربته .. مما يجعل تحديد ساحة الحرب ضد الإرهاب خاضع لأهواء ورغبات ومصالح الساسة المتنفذين .. فيوسعونها متى شاءوا وحيث ينبغي التضييق .. ويُضيقونها متى شاءوا وحيث ينبغي التوسيع .. فيدخلون من شاءوا في ساحة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب وإن كان على الحقيقة إرهابياً مجرماً ملطخاً بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء ..!
ثم إن الاتفاق على محاربة الإرهاب قبل الاتفاق على تحديد معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يكون ذريعة لكل فريق أو طرف أن يُعلن الحرب ـ متى شاء! ـ على الفريق أو الطرف الآخر باسم محاربة الإرهاب .. وحق الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الذي تم التوقيع والاتفاق على محاربته في أروقة الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها !!
وعتبي على بني قومي أنهم جُرُّوا إلى حلف الحرب على الإرهاب .. والتوقيع على محاربة الإرهاب .. قبل أن يتفقوا مع الآخرين على معنى وصفة الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. مما يجعلهم يوماً من الأيام هدفاً لسهام وقنابل القوم .. تحت اسم محاربة الإرهاب الذي وقعوا ـ بأنفسهم! ـ على وجوب محاربته .. ولا أرى ذلك اليوم ببعيد!!
من هنا جاءت الضرورة الملحة للبحث في معنى وصفة الإرهاب: فما هو الإرهاب .. وما هي أسبابه ودوافعه .. ومن هم الإرهابيون .. وكيف يُمارس الإرهاب في واقعنا المعاصر .. وهل هو صفة عامة لاصقة بجميع الدول والحكومات .. أم أنه صفة خاصة لاصقة ببعض الجماعات والأفراد .. وهل للإرهاب وجه حسن ومشروع .. أم أنه كله مستقبح ومردود .. وهل يجوز للمرء أن يصف نفسه بأنه إرهابي أو غير إرهابي .. وهل هذه الكلمة تعني الذم مطلقاً ..؟!
هذه المسائل وغيرها من المسائل الهامة ذات العلاقة بالموضوع سنجتهد ـ إن شاء الله ـ أن نجيب عليها في هذا المبحث الوجيز بشيء من التفصيل .. والله المستعان.
ـ معنى كلمة الإرهاب ومشتقاتها:
قال ابن منظور في كتابه " لسان العرب ": رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم، ورَهَباً بالتحريك؛ أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهْبَةً: خافه.
وفي حديث الدعاء:" رغبة ورَهْبَةً إليك "، الرهبة: الخوف والفزع.
وترَهَّبَ غيره: إذا توعَّده. وأرهَبَه ورهَّبَه واستَرْهَبَه: أخافَه وفزَّعه ا- هـ.
وفي " النهاية " لابن الأثير: الرَّهبَة: الخوف والفزع. وفي حديث بَهْز بن حكيم:" إني لأسمع الرَّاهبةَ " هي الحالة التي تُرهب: أي تُفْزِع وتُخوِّف. وفي روايةٍ:" أسمعك راهِباً " أي خائفاً.
والرهبانيَّة: منسوبة إلى الرَّهْبَنَة، وفيه " لا رهبانيَّة في الإسلام " هي من رهبَنَة النصارى، وأصلها من الرَّهْبَة: الخوف؛ كانوا يترهَّبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذِّها والزهد فيها، والعُزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى إنّ منهم من كان يخصي نفسَه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها النبي  عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها ا- هـ.
وإليك الآن معنى كلمة الإرهاب كما وردت في القرآن الكريم، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ  لأنفال:60.
قال ابن كثير في التفسير: قوله  ترهبون  أي تخوِّفون  به عدو الله وعدوكم  أي من الكافرين ا- هـ.
وقال تعالى في سحرة موسى: قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ الأعراف:116.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: واسترهبوهم  أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج: استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس ا- هـ. أي خافهم الناس.
وقال تعالى: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ  الحشر:13.
قال ابن كثير في التفسير: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ  أي يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ا- هـ.
نستخلص مما تقدم أن الإرهاب يعني: الخوف .. والفزع، والإرهابي: هو الذي يُحدث الخوف والفزع عند الآخرين.
وعليه فكل من أحدث الخوف والفزع عند الآخرين ممن يريد إخافتهم فهو إرهابي، وقد مارس بحقهم الإرهاب، وهو يكون بذلك متلبساً بالإرهاب، ومتصفاً به .. سواء تسمى إرهابياً أم لم يتسمى .. وسواء اعترف بذلك أم لم يعترف.
هذا المعنى المتقدم للإرهاب لا يختلف عما تقرره اللغات الأخرى لمعنى هذه الكلمة، فقد جاء في " المورد " عن معنى الإرهاب: terror رعب، ذُعر، هول، كل ما يوقع الرعب في النفوس. و terrorism إرهاب، ذعر ناشئ عن الإرهاب. و terrorist الإرهابي. و terrorize يُرهب، يُروِّع، يُكرهه على أمرٍ بالإرهاب. و terror-stricken مُروَّع، مذعور.
وفي قاموس أكسفورد " Oxford Dictionary ": جاء في معنى terrorist: noun person using esp organized violence to secure political ends. أي الإرهابي هو بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسة.
وهذه زيادة في توصيف الإرهابي .. سنستفيد منها عند الحديث عن واقع الإرهاب .. وكيف يُمارس من قبل قوى الظلم والاستكبار في واقعنا المعاصر!
فإن قيل: عرفنا معنى الإرهاب وصفته .. فما هو الوجه المستحسن المشروع منه .. وما هو الوجه المستقبح المذموم منه؟
الجواب: من خلال ما تقدم من تعريف للإرهاب ندرك أن الإرهاب منه ما يكون محموداً ومستحسناً ومشروعاً، ومنه ما يكون مستقبحاً وغير مشروع.
الإرهاب المستحسن المشروع: أما الإرهاب المستحسن المشروع هو الإرهاب الذي
يُحدث الخوف والفزع عند أهل الباطل والإجرام الذي يردعهم ويمنعهم عن إجرامهم واعتدائهم .. فيرهبهم قبل أن تتجاسر نفوسهم على الاعتداء .. ويمنعهم من التمادي في الاعتداء إن وقع منهم الاعتداء، كما في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ . أي تخوفون بهذه القوة أعداء الله وأعداءكم من الكافرين المجرمين .. فيخافونكم فلا يتجاسرون على الاعتداء عليكم.
والإرهاب في هذا الموضع له فوائد عدة إضافة إلى كونه يمنع العدو ويخوفه من الاعتداء، منها: أنه يوفر على الأمة وعلى الطائفة المؤمنة المنصورة حروباً كثيرة .. إذ يكبح جماح العدو ويحقق عنده الهزيمة .. والنصر عليه .. من دون أن تُشن معه الحروب .. وتُزهق الأنفس، كما في قوله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً الأحزاب:26. فهم هُزموا بالرعب .. ووقعوا بالأسر .. وتحت حد القتل والسيف .. بما أصابهم الله تعالى من خوف ورعب .. إذ الخائف المرعوب لا يصلح للقتال في ميادين المنابذة والقتال ..!
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ الحشر:2. فهم يخربون بيوتهم بأيديهم .. بما تحقق عندهم من الهزيمة النفسية والمادية بسبب ما قُذف في قلوبهم من الخوف والرعب ..  وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً .
وفي الحديث فقد صح عن النبي  كما في صحيح البخاري وغيره أنه قال:" نُصرت بالرعب شهراً، يُرعب مني العدو مسيرة شهر ". أي نصرت بخوف العدو مني قبل أن أواجهه بمسيرة شهر .. حيث كان العدو يُصاب بالرعب والخوف لمجرد علمه أن جيش النبي  متوجه إليه .. وبمسيرة شهر كامل .. فهذا إرهاب للعدو .. لكنه إرهاب محمود ومشكور ومطلوب .. إذ لولاه لتجرأ الأعداء على الاعتداء فانتهكوا حرمات العباد والبلاد ..!
ونحو ذلك القصاص الشرعي؛ فإن فيه إرهاب لذوي النفوس الخبيثة والضعيفة فيزجرها ويردعها عن الإقدام على ارتكاب الجريمة .. وإنزال الأضرار بالآخرين .. فيتحقق بذلك الحياة الآمنة لجميع الناس .. كما قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة:179.
فإن قيل كيف يكون في القصاص حياة والقاتل ـ بغير حق ـ يُقتل ويفقد حياتـه،
والسارق تُقطع يده وغير ذلك ..؟!
أقول: عندما يُقام الحد على قاتل النفس بغير حق فيُقتل .. فإن في ذلك إرهاب وتخويف لكل من تحدثه نفسه بارتكاب جريمة القتل .. فينردع وينكمش على نفسه خوفاً من القصاص وإرهاباً منه .. فيُكتب بذلك الحياة لعشرات الأنفس التي كان من الممكن أن تُقتل لولا وجود إرهاب القصاص .. فبذلك يكون القصاص فيه حياة للناس، والله تعالى أعلم.
وكذلك قصاص قطع يد السارق .. فإنه يُرهب كل من تحدثه نفسه بالسرقة والاعتداء على أموال الآخرين .. فيمتنع .. فيكتب بذلك الحفاظ على أموال وحرمات الآخرين ..!
وكذلك حد الحرابة، وقاطع الطريق وغيرها من الحدود .. فإن فيها حياة حقيقية لمن تأملها .. لما تتضمنه من إرهاب رادع لذوي النفوس المريضة والضعيفة .. الذين تسول لهم أنفسهم الأمارة بالسوء بالاعتداء على حرمات الآخرين بغير وجه حق!
هذا هو الوجه الحسن والمشروع للإرهاب .. وهو إرهاب تمارسه جميع الدول والشعوب .. على مر العصور والأزمان وإلى يومنا هذا .. وإلى أن تقوم الساعة!
فما من دولة إلا ولها جيشها وعتادها التي ترهب به أعداءها .. فتخوفه به من التجرؤ على الاعتداء على حدودها، وحرماتها، ومصالحها ..!
هذا التسابق للدول على التسلح .. وعلى اقتناء وشراء الأسلحة المتطورة المتقدمة أولاً بأول .. لإرهاب بعضها البعض .. وإرهاب كل دولة أعداءها من الدول الأخرى .. هو عين الإرهاب .. بمفهومه المتقدم!
اختراع الأسلحة الذرية والنووية الفتاكة .. والتسابق على اقتنائها .. هو عين الإرهاب .. بل ويدخل فيه كل معاني الإرهاب؛ المذموم منها والممدوح .. وما أكثر الدول ـ التي تتزعم في هذه الأيام محاربة الإرهاب ـ الواقعة في هذا النوع من الإرهاب!
هذا الاستعراض العسكري السنوي لكل دولة .. فتظهر قوتها وعتادها العسكري على مرأى ومسامع الناس .. هو إرهاب .. وهو من قبيل إرهاب وإخافة أعداء تلك الدولة الداخليين المعارضين ـ إن وجدوا ـ والخارجيين سواء ..!
قانون العقوبات التي تسنه الدول لمجتمعاتها ـ بغض النظر عن فاعليته وصوابه ـ هو من قبيل الإرهاب .. وإخافة الناس .. ومنعهم من الاعتداء ..!
الشاهد مما تقدم أن هذا النوع من الإرهاب .. تمارسه جميع الدول والمجتمعات .. المتقدمة والمتخلفة منها سواء .. وهو إرهاب ممدوح ومشروع للجميع لا يمكن أن يُدرج تحت طائلة الإرهاب المذموم .. كما لا يُمكن أن يُقال أن هذا النوع من الإرهاب مسموح لجهة معينة دون
أخرى .. أو دولة معينة دون أخرى!
ومن الإرهاب المستحسن المشروع كذلك جهاد وقتال العدو المحتل لبلاد الآخرين .. وإرهابه بالقتال وغير ذلك إلى أن يخرج مذموماً مدحوراً .. وهذا لا خلاف على وجوبه وشرعيته .. حتى في قوانين الأمم المتحدة .. ومجالس أمنها .. التي تنص على أن لكل دولة أو شعب أو فرد معتدى عليه .. له كامل الحق في الدفاع عن نفسه .. وطرد المعتدي الغازي لبلاده ..!
مع التنبيه إلى أن هذه القوانين التي تدين المعتدي الغازي سرعان ما تنقلب وتنعكس ـ على مذهب الأمم المتحدة التي يهيمن عليها النفوذ الأمريكي ـ لصالح الغازي المعتدي .. حيث يُصبح اعتداء الغازي المعتدي مشروعاً وحقاً من حقوقه .. ومقاومة الشعب المعتدى عليه ـ وبخاصة إن كان من المسلمين ـ لذلك العدوان هو باطل .. ويُصنف على أنه من الإرهاب المذموم الذي يجب أن يُحارب .. كما هو حاصل تماماً في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة اليهود .. وغيرها من بلاد المسلمين!
ومنها: أي من فوائد هذا النوع من الإرهاب كذلك إضافة لما تقدم .. تحقيق الأمن والأمان للبلاد والعباد .. فلا يخاف أحد على نفسه ولا على أهله أو ماله .. لخوف المجرمين ودخولهم في جحورهم، وانكماشهم عن فعل الإجرام لعلمهم المسبق بما يمكن أن ينزل بهم لو أقدموا على فعل شيء من ذلك ..!
هذه بعض أوجه الإرهاب المستحسن المشروع .. فما هو الإرهاب المذموم المستقبح .. وما هي صوره وأشكاله .. وكيف يُمارس في واقعنا المعاصر ..؟
ـ الإرهاب المستقبح المذموم والغير مشروع: هو وضع الإرهاب في غير موضعه، ولغرضٍ يُراد منه إحقاق الباطل، وإبطال الحق(1).
ـــــــــــــــــ
(1) قد يرد اعتراض يقول: من الذي يُحدد الإرهاب المستحسن المشروع من الإرهاب المستقبح الغير مشروع .. فما يمكن أن تراه موضعاً مناسباً للإرهاب قد يراه غيرك موضعاً غير مناسب .. وما تراه أنت حقاً قد يراه غيرك باطلاً .. فكيف يمكن الاتفاق على مثل هذه التقسيمات والتحديدات .. ولمن الحكم فيها؟!
الجواب: نقول بكل وضوح وبساطة أن الحكم في هذه المسائل وغيرها من المسائل .. وكل ما يمكن أن يحصل فيه نزاع بين الناس هو لله تعالى وحده .. وليس للأمم المتحدة، ولا لغيرها من الهيئات والتجمعات .. وذلك لأسباب عدة منها: أن الله تعالى أمر عباده بأن يحتكموا إليه  وإلى ما شرعه من شرائع وأحكام على لسان أنبيائه ورسله صلوات الله تعالى عليهم، ولا مناص لهم من التنكب عن ذلك ما داموا يؤمنون بالله ورسله؛ فالمسألة من هذا الوجه لها بعد عقدي وإيماني كما قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ الأنعام:57. =
فقصد قتل الأنفس بغير حق .. وقطع السبيل على الآمنين والمستأمنين، والاعتداء على حرماتهم .. هو إجرام ومن الإرهاب المذموم الغير مشروع ..!
ومنه قصد إرهاب الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم ممن لا تجوز إخافتهم .. بأي نوع من أنواع الإرهاب أو الترويع .. فهو إرهاب مستقبح مذموم وغير مشروع ..!
ومنه الإسراف في القتل والانتقام والثأر .. ليطال الأبرياء الآمنين .. ومن لا دخل لهم في الأمر .. فهذا إرهاب مذموم ومستقبح شرعاً وعقلاً .. كما قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً الإسراء:33.
وقال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام:164. وهذه الآية الكريمة قد تكررت في عدة مواضع من القرآن الكريم؛ كما في سورة الإسراء، آية (15 ). وسورة فاطر، آية (18 ). وسورة الزمر، آية ( 7 ). وسورة النجم، آية ( 38 ). وما ذلك إلا للتوكيد على أهمية هذا المبدأ العظيم .. وهو أن المرء لا يؤخذ بجريرة وذنب غيره.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا بجريرة ـــــــــــــــــــ
= وقال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يوسف:40.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء:59.
ومنها: أن حكم الله تعالى هو العدل المطلق الذي لا يُحابي مخلوقاً .. بخلاف المخلوق فإنه ـ مهما اجتهد ـ لا بد له أن يقع في المحاباة وتحت طائلة الهوى، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ غافر:20.
ومنها: أن حكم الله تعالى هو الأقرب للعقول السليمة، والفطر السوية، والأنفس المجردة عن التعصب والحقد .. وبالتالي أن ترضى به.
لذلك قلنا ونقول: أن هذه المسائل وغيرها من المسائل يجب أن تُرد لحكم الله تعالى وحده .. وليس لأحد سواه.
فإن قيل: مشكلة الإرهاب عالمية .. وهذا المنطق المتقدم لا يمكن أن تخاطب به غير المسلمين ؟!
أقول: إن كان حكم الله تعالى العليم الحكيم لا يمكن أن نجمع عليه الجميع .. فمن باب أولى أن لا يتحقق هذا الاجتماع على حكم مخلوق ضعيف جاهل ..  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ البقرة:216.
ثم إن أبى الآخرون إلا التخبط في أهوائهم وتقسيماتهم، وعدم المتابعة .. يكفي أن تكون هذه المشكلة ـ مشكلة الإرهاب ـ محسومة وواضحة المعالم .. عند أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.
أخيه ". فضلاً أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين .. كما هو حاصل في شريعة الأمم المتحدة .. التي تمثل شريعة الإنسان الأوربي القوي!
ومن الإرهاب المذموم كذلك إرهاب الناس إلى حدٍّ يمنعهم من ممارسة حقوقهم الأساسية .. أو المطالبة بها .. كما هو حال كثير من الأنظمة السياسية الحاكمة في هذا العصر!
ومنه إكراه الناس وحملهم على المسير في اتجاه معين .. واختيار معين .. بواسطة الإرهاب والتخويف، والتجويع .. وترويع كل من يخالف أو يُعارض ..!
ومنه اتباع سياسة " الغايات تبرر الوسائل " .. فمن أجل غايات وضيعة قد تكون مادية .. وذات طابع أناني وشخصي وضيق .. يعتدون على حرمات العباد والبلاد .. وشعوب بكاملها .. بصنوف من الترويع والتخويف والتجويع والإرهاب .. فهذا كذلك من الإرهاب المذموم المستقبح والغير مشروع ..!
فهذا وجميع ما تقدم يدخل دخولاً كلياً في الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً .. وإليك الآن بعض صور هذا النوع من الإرهاب .. ومشاهده وأدلته .. كما نعايشه ونراه في واقعنا المعاصر .. عسى أن تقترب وتتضح إليك صورة هذا الإرهاب المذموم أكثر فأكثر:
نبتدئ بالحصار الأمريكي ـ ومعها المجتمع الدولي المتحضر ـ الجائر الذي كان سبباً مباشراً ـ حسب إحصائيات الأمم المتحدة ذاتها ـ في قتل أكثر من مليون ونصف المليون طفل عراقي .. تحت طائلة الجوع والمرض ..!
زعموا ـ وقد كذبوا! ـ أنهم يريدون من هذا الحصار والطوق الشائك الملفوف على أعناق شعب العراق المسلم .. تأديب ومعاقبة صدام وحزبه .. وهاهي تمر أكثر من عشر سنوات عجاف على شعب العراق .. وصدام وحزبه يزداد في كل يوم عافية وسمنة .. بينما شعب العراق وأطفال العراق .. يزدادون يوماً بعد يوم موتاً وهلاكاً ومرضاً وفقراً ..!
قتل مليون ونصف المليون طفل .. أكثرهم أعمارهم دون السنة الخامسة .. تحضر ورقي ومشروع .. مادام القاتل هو الإنسان الأمريكي أو الأوربي الراقي والمتحضر ..!!
أين الجهة القوية والمسؤولة التي تقول لأمريكا ـ التي تشن في هذه الأيام حرباً على الإرهاب زعمت! ـ أنت بقتلك لهؤلاء الأطفال تمارسين قمة الإرهاب المذموم والمستقبح شرعاً وعقلاً ..؟!!
كم من مرة تنقل لنا وسائل الإعلام عن قصف الطائرات الأمريكية والبريطانية للعراق ثم تكون ضحايا ذلك القصف ـ المركز والنظيف! ـ من الأطفال والنساء والشيوخ .. ومن دون أن يقدموا أدنى اعتذار لشعب وأطفال ونساء العراق ..؟!!
وعن جرائم وإرهاب عصابات بني صهيون في فلسطين .. حدث ولا حرج .. فإن اليهود الصهاينة ومنذ احتلالهم لأرض فلسطين وإلى الساعة يمارسون أقبح الجرائم الإرهابية البشعة بحق الشيوخ والأطفال والنساء .. وغيرهم من المدنيين ..!
فتاريخهم حافل بالجرائم وممارسة أقبح أنواع وصور الإرهاب .. وإليك هذا النذر القليل من جرائمهم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني المسلم الأعزل:
1- مجزرة بلدة الشيخ بتاريخ 31/12/1947 م، حيث كان ضحاياها أكثر من ( 600 ) شخصاً؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
2- مجزرة قرية سعسع الجليل .. وقد دمروا فيها أكثر من عشرين منزلاً .. غير الذي قتلوه من أهل القرية المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 14/2/1948م ..!
3- مذبحة قرية أبو كبير .. وكان ضحاياها بالعشرات من المدنيين .. وكان ذلك بتاريخ 31/3/1948م.
4- مجزرة دار ياسين الشهيرة بتاريخ 10/4/1948 م، حيث يزيد ضحاياها عن ( 360 ) شخصاً .. أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ ..!
5- مذبحة قرية أبو شوشة بتاريخ 14/5/1948 م، وضحاياها يزيدون عن الخمسين شخصاً ..!
6- مجزرة اللد بتاريخ 11/7/1948 م، وضحاياها يزيدون عن ( 426 ) شخصاً من المدنيين .. أكثرهم من الأطفال والشيوخ والنساء ..!
7- مذبحة قرية عيليون بتاريخ 30/10/1948 م … وكان ضحاياها بالعشرات!
8- مجزرة البعنة، ودير الأسد بتاريخ 30/10/1948م … وكان ضحاياها بالعشرات!
9- مجزرة قرية قبية بتاريخ 14/10/1953 .. وقد دمر فيها عشرات المنازل .. وكان ضحاياها أكثر من ( 67 ) شخصاً ..!
10- مذبحة قرية قلقيلية بتاريخ 10/10/1956م … وكان ضحاياها بالعشرات !
11- مجزرة قرية كفر قاسم بتاريخ 29/10/1956م .. وكان ضحاياها بالعشرات !
12- مذبحة مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة بتاريخ بتاريخ 3/11/1956م، وكان ضحاياها يزيدون عن ( 250 ) شخصاً ..!
13- مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا بتاريخ 18/9/1982 .. التي كان بطلها أرئيل شارون رئيس الوزراء الحالي لدولة الصهاينة اليهود .. وكان ضحايا هذه المجزرة يزيدون عـن
( 3500 ) شخصاً أكثرهم من الأطفال والنساء والشيوخ ..!
هذا قليل من كثير .. فمجازر بني صهيون بحق المدنيين الفلسطينيين يصعب حصرها في هذه الأوراق .. فهم في كل يوم يُضيفون إلى سجلهم الإرهابي والإجرامي مجزرة ومذبحة جديدة بحق شعب وأطفال فلسطين .. وما أخبار الدرة .. والطفلة إيمان .. وسياسة الاغتيالات لشركائهم في السلام والاستسلام .. وغيرهم .. عن مسامع العالم ببعيد ..!
يمارسون قمة العنف والإرهاب المسلح والمنظم ليكرهوا الشعب الفلسطيني على خيار الهجرة .. وترك الأرض .. وافتراش مخيمات الذل والضياع ..!!
هذا الإرهاب وغيره .. كله يُمارس على مرأى ومسمع من العالم .. من دون أن يقولوا فيه كلمة شجب أو استنكار .. أو أن يصفوه بمجرد كلمة إرهاب .. وذلك كله لأن أمريكا هي التي ترعاه وتدعمه وتموله وتؤيده ..!
يكفي لكي تعلم مدى تحمل أمريكا لتبعات إجرام وإرهاب عصابات بني صهيون .. أن تعلم أن أمريكا في كل عام تقتطع من خزينة شعبها ما يزيد عن ثلاث مليارات دولار أمريكي تقدمها كمساعدات نقدية .. غير المساعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها أمريكا لعصابات بني صهيون .. لكي تمارس بهذه الآلة العسكرية الضخمة والمتطورة سياستها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
هذا كله في عرف الأمم المتحدة .. والمجتمع الدولي .. ليس دعماً للإرهاب .. ولا إيواءً للإرهاب .. بينما الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تنشط في تأمين بعض حاجيات من شردهم الإرهاب في المخيمات وعلى حدود الدول الأخرى .. هو دعم للإرهاب .. يجب أن يُصادر .. وأن تُجفف ينابيعه .. ويوقف العمل به ..؟!!
أما في أفغانستان وما يُمارس بحق الشعب المسلم الأفغاني من إرهاب دولي ومنظم فحدث عنه ولا حرج .. فالقائمة طويلة .. نجتزئ منها التالي:
ـ هذا الحصار المضروب منذ سنوات ـ وإلى الساعة ـ على أفغانستان وشعب أفغانستان .. التي كانت من ضحاياه تجويع شعب بكامله .. وبخاصة منهم الأطفال والنساء والشيوخ .. هو قمة الإرهاب المستقبح الذي يمارسه المجتمع الدولي ـ بقيادة أمريكا ـ باسم محاربة الإرهاب .. زعموا!
ـ هذا العرض العسكري الضخم للقوات الأمريكية الذي تقدم قصف أفغانستان .. والذي أدى إلى إرعاب وإخافة الناس .. فهاجر من جراء ذلك أكثر من مليون شخص أفغاني أكثرهم من المستضعفين من النساء والأطفال .. فتركوا ديارهم ومنازلهم ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء .. على حدود دولة باكستان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
ـ هذا القصف الطائش للقوات الأمريكية والبريطانية على أفغانستان .. بأحدث وأطور وأخطر الأسلحة .. ليطال المئات من الأطفال والنساء والشيوخ .. وغيرهم من المدنيين .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
متى كانت مطاردة شخص بعينه .. مبرراً لإبادة وتشريد، وتجويع شعب بكامله ..؟!
إذا كان المرء لا يجوز أن يؤخذ بجريرة غيره .. فكيف يجوز أن يؤخذ شعب بكامله بجريرة شخص معين ..؟!!
متى كان الخلاف مع شخص مبرراً لانتهاك حرمات بلاد بكاملها ..؟!
لا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن الشريعة السائدة في هذا الزمان هي العدالة الأمريكية .. وشريعة الأمم المتحدة على الإسلام والمسلمين ..؟!
إنه من الغرابة حقاً التي تستدعي السخرية .. أن تسمي أمريكا حملتها العسكرية الإرهابية هذه على شعب ومسلمي أفغانستان بـ " عملية الحرية الراسخة " ..؟!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. من إبادة وقتل شعب بكامله ..؟!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تقسّم ـ بالقوة وإرهاب السلاح ـ العالم إلى فريقين لا ثالث لهما .. فريق معها .. وفريق عليها .. وهو الفريق الذي لا يُطاوعها على حربها ضد الإرهاب .. زعمت!
فكل دولة أو شعب لا يطاوعها ولا يدخل في موالاتها في حربها الظالمة ضد شعب أفغانستان .. فهو شعب إرهابي .. ونظامه نظام إرهابي .. ستطاله الحرب والنيران الأمريكية في حملتها ضد الإرهاب ..!
أي حرية هذه التي تريدها أمريكا .. وهي تكمم الأفواه .. وترهب الإعلام من نقدها ونقد إرهابها وطغيانها .. كما حصل مؤخراً في موقفها من قناة الجزيرة وغيرها من القنوات .. إلى أن وصل بها الموصل أن تلزم وكالات الأنباء بأن ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالحها .. وأن لا ينشروا كذا؛ وهو كل ما يصب في صالح عدوها ..؟!!
فأي إرهاب للشعوب يعلو هذا الإرهاب .. وأي كبت للحريات يفوق هذا الكبت ؟!!
أي حرية هذه التي تنشدها أمريكا .. وهي تقتلع نظاماً سياسياً ـ بوسائل العنف والتدمير والتآمر ـ ارتضاه ـ باعتراف الجميع ـ أكثر من 95 % من مجموع الناس .. لتستبدله بنظام عميل لها .. لا يمثل إلا نفسه؟!
ألم يأت في تعريف الإرهابي ـ كما تقدم في قاموسهم؛ قاموس أكسفورد ـ بأن الإرهابي هو :" بخاصة الشخص الذي يستعمل العنف المنظم لضمان نهاية سياسية " .. وهذا الذي تفعله أمريكا وحلفاؤها الآن بحق شعب أفغانستان والنظام السياسي الذي يمثله ..!
فأمريكا إضافة إلى نشاطها العسكري العنيف والمكثف لإسقاط دولة ونظام طالبان .. فهي ـ والمجتمع الدولي معها ـ تمد قوى المعارضة في الشمال التي تمثل الفئة الأقل في أفغانستان بجميع وسائل الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي .. من أجل الوصول إلى نهاية سياسية معينة ألا وهي إسقاط دولة طالبان الحرة التي تمثل الأكثرية .. واستبدالها بدولة تمثلها المعارضة المنبوذة الخائنة العميلة .. وتكون موالية لأمريكا والغرب .. وهذا هو الإرهاب .. والإرهابي كما اتفقوا هم أنفسهم على تسميته بذلك .. وفي قواميسهم ..!
فإن قيل: كيف عرفت أن المعارضة الشمالية لا تمثل الأكثرية .. وهي منبوذة من قبل شعب أفغانستان ..؟
أقول: الجواب على ذلك سهل .. يدركه كل منصف .. ولعل أبرز ما يجعلنا نجزم بذلك أن هذه الآلاف والملايين التي اضطرت للهجرة إلى دولة باكستان لم يتوجه أحد منهم إلى المناطق الشمالية التي تستولي عليها قوى المعارضة الخائنة العميلة .. مع علمهم المسبق أن هذه المناطق لن تقصفها القوات الأمريكية .. ولن يتعرض سكانها للقصف أو أي ضرر .. وأن المعونات الدولية تخصها بالعطايا مالا تخص غيرها من المناطق .. ومع ذلك فهم آثروا القِل .. والجوع .. والموت على حدود باكستان ولا أن يذهب أحد منهم إلى مناطق تلك المعارضة المشبوهة الخائنة في شمال أفغانستان ..!
ـ ومن صور الإرهاب المستقبح كذلك .. هو ما رآه العالم من إرهاب فظيع بحق الشعب المسلم في الشيشان .. وفي البوسنة والهرسك .. وفي كشمير .. وفي كوسوفو .. وفي جزر الملوك الأندونوسية .. حيث المجازر والمقابر الجماعية لا تزال إلى الساعة شاهدة على إجرام وإرهاب القوم .. والتي حصلت ولا تزال إلى الساعة تحصل .. على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي المتحضر .. بل ومباركته ..!!
ولو أردنا أن نقف عند مجازر القوم بحق المدنيين والمستضعفين .. مجزرة مجزرة .. وذكر تفاصيل كل مجزرة لطال بنا المقام .. واحتاج ذلك منا إلى مجلدات ..!
وغرضنا هنا التمثيل لتقريب صورة الإرهاب المستقبح شرعاً وعقلاً .. والإرهابي المجرم الذي يستحق العقاب .. وليس الاستقصاء أو الإحصاء .. فهذا مجاله الأبحاث الإحصائية وهي متوفرة ـ في مكتبة الأمم المتحدة! ـ لمن يريدها ..!
خلاصة ما تقدم: من خلال ما تقدم ندرك أن الإرهاب منه ما يكون مذموماً ومستقبحاً .. ومنه ما يكون ممدوحاً ومشروعاً بحسب التفصيل المتقدم.
وبالتالي لا يستحسن أن يُطلق المرء على نفسه بأنه إرهابي ـ كما يفعل ذلك بعض الشباب المتحمس من قبيل ردة الفعل مما يُشاهده من ازدواجية في المعايير والتقييم في توصيف ومحاربة الإرهاب ـ أو غير إرهابي من دون أن يُشير إلى نوع الإرهاب الذي يثبته لنفسه، ونوع الإرهاب الذي ينفيه عن نفسه .. وبخاصة أننا في هذه الأيام نعيش حملة شعواء على الإرهاب .. مزيفة المعنى والمضمون .. والوسائل والأهداف .. مما جعل هذه الكلمة في أذهان كثير من الناس تعني السب والقبح والإجرام، والاعتداء على حرمات الآمنين .. وهذا لا بد من اعتباره عند الانتساب لهذه الكلمة .. والله تعالى أعلم.
ـ المجتمع الدولي والإرهاب:
قد أصدرت الأمم المتحدة عدة قوانين ـ وفي فترة زمنية وجيزة قياسية ـ تعلن فيها الحرب على الإرهاب .. والإرهابيين .. ومن دون أن تحدد صفة ونوعية وشكل هذا الإرهاب الذي تريد محاربته .. وتلزم الدول التوقيع على محاربته .. وهذا يشكل فراغاً قانونياً كبيراً وخللاً حقيقياً في محاربة واستئصال الإرهاب الحقيقي المذموم ..!
نراهم يصدرون عشرات القوانين ـ وبطريقة عصبية .. وحالة نفسية مضطربة غير متزنة في سويعات عدة ـ تدين الإرهاب .. وتلاحق الإرهاب .. وتجفف مصادر الإرهاب .. ومن دون أن يحددوا صفة وهوية هذا الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب أو أن تُجفف ينابيعه ومصادر دعمه .. علماً أنه قد مضى على المطالبة بتعريف محدد للإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب منذ أكثر من عشر سنوات ومن جهات عدة .. ولكن إلى الساعة لم يفعلوا ذلك .. لماذا ..؟!
هذا سؤال هام قد أجبت عليه في مقال آخر .. أعيد هنا تلخيص الإجابة عليه في النقاط التالية:
1- تعريف الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب، وتحديد معالمه وصفته .. يجعل كل ما هو خارج هذا التعريف والتوصيف ليس إرهاباً .. والمتحرك في تلك المساحة التي هي خارج ذلك التوصيف والتعريف ـ وبخاصة إن كان إسلامياً ـ لم يعد من الممكن أن يُلاحق على أنه إرهابي .. وأن ما يقوم به من أعمال كذلك لا يمكن أن تُصنّف على أنها أعمال إرهابية ..وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
2- هذا التحديد لمعاني الإرهاب الذي تنبغي محاربته .. قد تستفيد منه حركات التحرر في العالم ـ وما أكثرها ـ في جهادهم ونضالهم لتحرر من هيمنة وطغيان واستعباد المستعمر المحتل .. بحيث أنها تتحرك خارج إطار الإرهاب المتفق على إدانته .. وهذا ما لا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
3- تحديد مفهوم الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب والاتفاق عليه .. يمنع كثيراً من الدول الطاغية أن تمارس ما تشاء من صور الإرهاب بحق الشعوب المستضعفة .. وقت تشاء .. وبخاصة منها أمريكا راعية الإرهاب العالمي .. وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو يكون ..!
فتغييب تحديد معنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب .. يُسهل لقوى الاستكبار والظلم في الأرض ـ على نطاق واسع ـ في أن تتدخل في شؤون البلاد والعباد .. وأن تمارس الإرهاب على أوسع نطاق .. باسم محاربة الإرهاب .. ومطاردة الإرهابيين ..!
كما أن تغييب تحديد معنى الإرهاب .. يجعل من هذا المصطلح معنى مطاطاً خاضعاً لأهواء ورغبات الساسة المتنفذين .. فيدخلون من شاءوا ـ ووقت يشاءون ـ في الإرهاب .. وتحت طائلة ملاحقة الإرهاب .. وإن لم يكن على الحقيقة إرهابياً .. ويخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وإن كان إرهابياً مجرماً على الحقيقة والتحقيق!
4- تحديد مفهوم ومعنى الإرهاب الذي ينبغي أن يُحارب ويُحاصر .. قد يُظهر جهاد ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الصهاينة اليهود على أنه جهاد مشروع لا يندرج تحت مفهوم الإرهاب .. وهذا يعني اعترافاً ضمنياً بأن دولة الصهاينة اليهود دولة محتلة ومغتصبة لحقوق الآخرين، لا شرعية لها .. تستحق المقاومة والجهاد .. إلى أن يتحقق الجلاء .. وهذا مالا يريدونه أن يقع أو أن يكون شيئاً منه ..!
5- تحديد مفهوم الإرهاب .. والاتفاق عليه دولياً .. يلزم بالضرورة إدانة الدول الطاغية المتلبسة ـ كمَّاً ونوعاً ـ بجميع ضروب الإرهاب .. وعلى رأس تلك الدول أمريكا وربيبتها دولة الصهاينة اليهود .. !
فهم لو فعلوا .. وحددوا طبيعة الإرهاب الذي ينبغي أن يُدان ويُحارب، لأدانوا أنفسهم بأنفسهم .. وحاربوا أنفسهم بأنفسهم لو صدقوا !
فنحن نتحداهم أن يُخرجوا لنا تعريفاً للإرهاب يتفقون عليه .. من دون أن يرتد عليهم ويكونوا هم أول المتلبسين به قبل غيرهم .. ومن دون أن يكونوا هم قد اقترفوه ومارسوه ـ في أقبح صوره وأشكاله ـ قبل غيرهم ..!
فلو قالوا الإرهاب هو قتل المدنيين وترويعهم .. فهم أول من قتل المدنيين وروعوهم .. كما هو حاصل في أماكن عدة تقدمت الإشارة إليها!
ولو قالوا الإرهاب قتل وترويع الأطفال .. فهم أول من قتل وروع الأطفال .. وأكبر شاهد على ذلك أطفال العراق .. وأفغانستان .. وفلسطين .. والشيشان .. والبوسنة والهرسك .. وما أطول القائمة!
ولو قالوا الإرهاب هو إلقاء القنابل النووية التي تؤدي إلى قتل وترويع الأبرياء .. فهم أول من ألقوا القنابل النووية على هروشيما .. وفي أماكن عدة غيرها..!
وهاهم اليوم يروضون العالم لتقبل استخدام الأسلحة النووية ضد أفغانستان .. وضد شعب وأطفال أفغانستان .. من خلال ربطهم مرض " الجمرة الخبيثة " بأسامة بن لادن .. وبالقاعدة .. ليقولوا للناس قد اعتدي على أمريكا بالأسلحة الكيماوية .. وبالتالي من حقها ـ كما تنص على ذلك الأمم المتحدة! ـ أن ترد على الاعتداء بالمثل وبنفس السلاح .. وهذا كله سيكون في حال عجزت أمريكا وحلفاؤها من تحقيق أهدافهم القريبة والبعيدة في أفغانستان من خلال استخدام أسلحتهم المتطورة الجوية والبحرية والبرية ..!
ولو قالوا الإرهاب هو استخدام العنف لضمان نهاية سياسية معينة .. فهم أول من سلك ويسلك هذا الطريق .. فدعمهم لعصابات بني صهيون عن طريق العنف المسلح من أجل إقامة دولتهم في فلسطين .. وكذلك دعم حركات التمرد الإرهابية في جنوب السودان ضد حكومة السودان .. ودعم المعارضة العراقية وتدريبها على السلاح لتمارس عمليات الاغتيال والتفجير في العراق .. وأخيراً دعم الشرذمة القليلة المعارضة في شمال أفغانستان بقوة السلاح .. وتشجيعهم على قتل أبناء بلدهم ودينهم .. كل ذلك شاهد عليهم وعلى إرهابهم وإجرامهم .. وأنهم أول من سلك هذا الطريق .. وأول من سنَّه وشجع عليه!
ولو قالوا الإرهاب هو الاغتيالات السياسية .. فهم أول من فعل ذلك ويفعلوه ..!
فكيفما فسروا الإرهاب .. سيجدون أنفسهم أنهم أول المدانين بهذا الإرهاب .. وأن سهامهم المسمومة سترتد إلى نحورهم وصدورهم .. لذا نجزم أنهم لن يتفقوا على تعريف محدد للإرهاب يلتزمون به .. ليبقى ما هو محرم على غيرهم مباح لهم .. وليبقى شعار محاربة الإرهاب هو الشعار المناسب والمطاط الذي يسمح لهم بالتدخل في شؤون الآخرين كلما لاح لهم أهمية ذلك بالنسبة لأمنهم ومصالحهم الذاتية ..!
ويجعلنا نجزم كذلك أن هذا التنادي المحموم إلى مصادرة وتجفيف مصادر دعم الإرهاب .. ما هو في حقيقته إلا دعوة لتجفيف مصادر دعم الفقراء والمساكين المشردين في الخيام .. الذين شردهم الإرهاب الدولي المنظم الذي تتزعمه أمريكا وربيبتها دولة عصابات بني صهيون ..!
جميع الأرصدة البنكية التي تمت مصادرتها وتجميدها هي تابعة لجمعيات وجهات خيريـة
إسلامية .. لم نسمع أنهم جمدوا أو صادروا حساباً واحداً تابعاً لجهة نصرانية .. أو يهودية .. أو مجوسية وثنية .. أو علمانية .. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام حول غايات هذه الحملة المسعورة على الأنشطة الخيرية الإسلامية ذات الطابع الإنساني .. باسم مصادرة وتجفيف دعم الإرهاب .. زعموا؟!!
ولو صدقوا في إيقاف ودعم الإرهاب .. لأوقفوا أمريكا عن دعم عصابات بني صهيون الإرهابية المحتلة لأرض فلسطين .. التي تقدم لها في كل عام أكثر من ثلاثة مليارات دولار تُجبى وتُقتطع كضرائب من الشعب الأمريكي المغفل .. هذا غير المعونات العسكرية المتطورة التي تقدمها لها كهبة لتقتل بها الشعب الفلسطيني الأعزل ..!
قالوا: قد نصت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التأكيد الراسخ للفرد أو الجماعة في الدفاع عن النفس، كما هو معترف به في ميثاق الأمم المتحدة، وكما هو مؤكد في القرار [ 1362/ 2001 ](1).
نقول لهم بكل وضوح وصراحة أن الإنسان في كثير من البلدان وبخاصة منها العربية والتي تسمي نفسها بأنها إسلامية قد تسلطت عليها أنظمة فاشية طاغية خائنة عميلة لا تقيم للإنسان وزنا .. فقد قتلوا فيه كل معاني العزة والحرية والكرامة .. واعتدوا على جميع حرماته وحقوقه بكل ما تعني كلمة الاعتداء من معنى .. ومع كل ذلك فقد كمموا الأفواه ولم يسمحوا للإنسان أن يقول للجلاد مجرد قف ـ ولو للحظة ـ عن جلدي .. وعن اغتصاب حقوقي ..!
أفتونا يا أيها الأمم المتحدة ـ ولا نظنكم أهلاً للإفتاء ـ ماذا يفعل هذا الإنسان .. إن دافع عن نفسه، وعن حرماته .. وأزاح السكينة عن رقبته ورقبة أطفاله قلتم عنه إرهابي .. وطاردتموه وحاصرتموه .. وقطعتم عليه سبل العيش والرزق .. وقلتم عنه قد استخدم العنف في رد الاعتداء .. وإن سكت واستكان ضاعت الحقوق كلها .. وانتهكت الحرمات .. وقلتم عنه من حقه أن يُدافع عن نفسه..؟!!
فنحن ـ وهذا لسان حال آلاف بل وملايين الناس ممن يعيشون في الشرق الأوسط ـ في حيرة من أمرنا .. فنحن بين نارين .. بين نار سياط الجلادين الإرهابيين .. وبين نار قوانين الإرهاب الصادرة عن الأمم المتحدة التي لم تحسن التمييز بين الظالم والمظلوم .. وبين المعتدي والمعتدَى عليه .. والتي جاءت لتلبي حاجيات أمريكا وحلفائها في فترة زمنية معينة فقط ؟!
ثم هل الإنسان الأوربي لو تم الاعتداء على حقوقه .. وحرياته .. وخصوصياته .. ـــــــــــــــــ
(1) انظر نص قرار مجلس الأمن المنشور في جريدة " الشرق الأوسط " في عددها الصادر بـ 30/9/2001.
وحرماته بالصورة التي يُعتدى فيها على الإنسان العربي المسلم .. ثم هو يدافع عن نفسه .. كنتم ستصنفونه وتطاردونه وتحاصرونه على أنه إرهابي ..؟!!
القضية لا تُحسم ولا تُعالج بإصدار القوانين ضد الإرهاب .. والإكثار منها .. وإرغام الأطراف ـ من غير اقتناع ـ على التوقيع عليها .. بقدر ما تكون هذه القوانين تتسم بالعدل والإنصاف والواقعية .. وتعالج أسباب الإرهاب قبل أن تطارد وتقطف ثماره ونتائجه ..!
ـ الأسباب الداعية لظهور الإرهاب ..!
لا ينبغي والمجتمع الدولي منهمك في مطاردة الإرهاب ومحاصرته أن نغفل عن الأسباب الأساسية التي تحمل الإنسان على الوقوع في الإرهاب بشقه المذموم .. هذا إذا كنا جادين في معالجة الإرهاب واستئصاله من جذوره.
وللإرهاب ـ على مستوى الأفراد أو الجماعات ـ أسباب عدة أبرزها:
1- طغيان وفساد الأنظمة الحاكمة المتسلطة على رقاب العباد بالحديد والنار .. في كثير من البلاد .. التي تقتل في الإنسان إنسانيته وكرامته .. وتعتدي على جميع حقوقه وحرماته .. فيتحول هذا الإنسان بفعل ذلك الاضطهاد ـ رغماً عن أنفه ـ من إنسان وديع لطيف حسن العشرة .. إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة تنفجر وقت أن تسنح له الفرصة بذلك .. منتقماً لحقوقه وحرماته المنتهكة .. وبطريقة قد يترتب عليها وقوع الإرهاب المحظور الذي لا يقره عقل ولا شرع!
وهنا لا نريد أن نسلط الضوء على ما يجوز ومالا يجوز من تلك الأعمال فهذا له موضع آخر .. ومباحث أخرى .. ولكن نريد أن نسلط الضوء على السبب ـ الذي قل من يتنبه إليه ـ الذي أدى لوقوع مثل هذا الإرهاب المحظور ..!
السبب هو طغيان وجبروت وإرهاب الطاغوت الحاكم ونظامه .. الذي حول هذا الإنسان بفعل ظلمه واضطهاده إلى برميل من البارود .. وإلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وفي أي مكان!
كيف لا تريدون أن يتحول هذا الطفل في شبابه إلى برميل من البارود والمتفجرات .. وهو يرى أباه يُهان ويُضرب .. ويُساق إلى سجون الظالمين بغير حق .. وأمه تهان كرامتها وعفتها .. ومنزله يدمر ويُهدم عليه وعلى إخوانه وأخواته ..؟!!
كثير من الناس والإعلاميين ينظرون إلى ذات الحدث .. وما يترتب عليه من آثار قد تكون غير مرضية .. لا يقرها شرع ولا عقل .. من دون النظر إلى السبب الذي حمل هذا الإنسان وغيره إلى الوصول لهذه النتيجة .. وهذا خطأ في التصور والعلاج!
على سبيل المثال مصر .. فقد تناها إلى مسامعنا عن بعض الأعمال الغير مشروعة التي يمكن أن تُصنف في خانة العمل الإرهابي المذموم والغير مشروع .. ولكن لننظر في المقابل السياسة الطاغية الظالمة الغاشمة التي ينتهجها النظام المصري الحاكم بحق شعبه .. والتي قد تكون سبباً رئيسياً وكبيراً وراء تلك الأحداث أو الأعمال ..!
حرب شعواء لدين العباد .. السجون مليئة بالأبرياء .. وبصفوة الأمة من الشباب .. الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود .. الناس يؤخذون بالشبهات والظنون .. ممارسة جميع فنون التعذيب والإهانة والقهر والإذلال بحق العباد .. وانتهاك العرض والحرمات .. وبعد عشر سنوات من القهر والتعذيب والإذلال في سجون الطاغوت .. يقولون للسجين أخرج قد تبين لنا أنك بريء ..!!
هذا واقع ويحصل منه الكثير الكثير في مجتمعاتنا .. ولست أنا الوحيد الذي أشير إليه .. بل هناك كتّاب ليسوا على ملتنا يقررون ما تقدم ذكره عن سياسة طاغوت مصر وغيره .. فقد نشرت قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 12/10/2001م، تحت عنوان " هجوم أمريكي على مصر والسعودية ": وجهت دوائر بحثية وإعلامية في الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة إلى كل من مصر والسعودية، واتهمت البلدين بالمسؤولية غير المباشرة عن بروز ما تسميه بالتطرف والإرهاب، وبررت ذلك بسيادة ما تصفه النظام الاستبدادي في البلدين .. وقال مارتن إنديك سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية: هذه النظم فضلت التعامل مع مشكلة حرية التعبير عن الرأي السياسي في بلدانها عن طريق توجيه المعارضة ضدنا.
وأفادت صحيفة " واشنطن بوست " في عددها الصادر أمس بأن الحكومات العربية التي تدعي تأييد الحملة الأمريكية .. هي أكبر سبب للتطرف والإرهاب.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها إن مصر مثال واضح، فنظامها الاستبدادي مستنفد سياسياً ومفلس معنوياً .." ا- هـ.
ثم بعد ذلك نسمع حسني مبارك يتبجح بكل وقاحة بأنه سوف يُحارب الإرهاب .. ويُطارد الإرهابيين .. ويُطالب دول الغرب ـ باسم محاربة الإرهاب ـ بأن يُسلموه بعض الأفراد من شعبه الذين نجاهم الله من ظلمه وطغيانه .. يُطالب بإعادتهم وتسليمهم ليمارس عليهم دور الجزار والجلاد معاً .. وفاته أنه هو ونظامه الفاشي أكبر إرهابي وأكبر سبب للإرهاب في بلده .. بل وفي العالم، وهو الذي ينبغي أن يُحاكم ـ لو وجد العدل ـ قبل المستضعفين الذين نجوا من طغيانه وناره!
وما قلناه عن النظام المصري نقوله عن النظام الطائفي الدموي في سوريا، وعن النظام الليبي، وعن النظام التونسي، وعن النظام الأردني .. وعن النظام الجزائري .. وغيرها من الأنظمة الفاشية الظالمة.
وشاهدنا مما تقدم أنه عند الحديث عن الإرهاب وأسبابه وطرق علاجه .. لا ينبغي أن نغفل عن سياسة هذه الأنظمة المتسلطة .. وعن كيفية التخلص منها .. ومن طغيانها التي تعتبر أكبر سبب لظاهرة الإرهاب ..!
لكن الغريب في الأمر أن هذه الأنظمة الطاغية .. رغم فسادها وطغيانها ودكتاتوريتها .. وممارستها لجميع أنواع الإرهاب بحق شعوبها .. ورغم كونها سبباً رئيسياً لظاهرة الإرهاب في العالم .. فإننا نجد أمريكا ودول الغرب يدعمونها ويؤيدونها ويباركونها ..!!
فعلى سبيل المثال رغم ما ذكرناه وما هو معروف عن النظام المصري من طغيان وإرهاب بحق شعبه .. فإن أمريكا تتبرع سنوياً للنظام المصري ـ وليس للشعب المصري ـ ما يُعادل 2,2 مليار دولار أمريكي، ليُنفق هذا المبلغ على الجلادين، وعصابات الأمن والمخابرات التابعة للنظام!
وكذلك لما تم تنصيب بشار الأسد رئيساً وبطريقة مخالفة لجميع القوانين والدساتير، والأعراف .. بما في ذلك الدستور السوري ذاته .. ورغم ما لهذا النظام الطائفي من سجل ضخم في إرهاب وتقتيل شعبه .. حيث قتل في يوم واحد ما يزيد عن عشرين ألف شخص من المدنيين في مدينة حماه؛ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ .. غير المساجد والكنائس التي تم تدميرها في ذلك اليوم المشهود .. ومع ذلك ورغم السجل الإرهابي الضخم لهذا النظام .. ذهب كل من وزير خارجية بريطانيا، ووزيرة خارجية أمريكا آنذاك ليباركان النظام الجديد ورئيسه .. ويعربان عن تأييد بلديهما للنظام الجديد!!
والسؤال: كيف يزعمون محاربة الإرهاب .. وهم في نفس الوقت يؤيدون ويدعمون الأنظمة الإرهابية .. والأكثر طغياناً ودموية بحق شعوبهم ؟!!
قالوا: صدام حسين إرهابي .. قلنا: صدقتم .. لكن ما الفرق بينه وبين حسني مبارك، وحافظ الأسد، والقذافي، وزين العابدين وغيرهم من حكام وطواغيت العرب ..؟!!
فلماذا صدام إرهابي .. وهؤلاء ليسوا بإرهابيين .. أم أن المسألة خاضعة للهوى وللسياسة بحسب المصالح والمكاسب .. وبحسب الخدمات التي يقدمها كل حاكم؟!!
يقول " مارتن إنديك " المذكور أعلاه والمسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية:" إن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط هو دعم نظم فشلت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها "!
قلت: لا مانع لواشنطن أن تدعم هذه الأنظمة الإرهابية الطاغية المتسلطة على رقاب الشعوب بالحديد والنار .. ما دامت هذه الأنظمة تسير وفق مخططات السياسة الأمريكية .. وتحقق لها أهدافها في المنطقة .. فالغايات تبرر الوسائل عند الساسة الأمريكيين!
2- تكميم الأفواه .. وكبت الحريات الأساسية والضرورية للإنسان .. كما هو حاصل في كثير من الأنظمة العربية الحاكمة .. فإنه في الغالب يولد عند الإنسان ردة فعل قد لا تُحمد عقباها .. حيث قد تنتهي بصاحبها في النهاية إلى أن يقع في الإرهاب المحظور ..!
فالذي يُمنع من التعبير عما في نفسه بحرية .. قد يلتجئ إلى وسائل عديدة سرية يُعبر من خلالها عن نفسه ومشاعره .. والذي يُمنع من الكتابة على الورق قد يكتب تحت جنح الليل على الجدران!
كثير من الشعوب المقهورة ترى الباطل أمام أعينها .. لكن لا تستطيع أن تقول له شيئاً .. ولا تملك الجرأة ـ بحكم طغيان وإرهاب الطاغوت ـ على أن توجه له كلمة نقد أو تعقيب .. فتكتم في نفسها .. وعلى مر الزمن يتراكم هذا الكبت إلى أن يولد انفجاراً يحرق الأخضر واليابس، ويقع الندم .. ولات حين مندم!
بعض المراقبين يظن الشارع العربي راضياً بالحملات الأمريكية ضد أفغانستان .. بسبب أنهم لا يخرجون مظاهرات يعبرون فيها عن معارضتهم لتلك الحرب الأثيمة .. وهؤلاء فاتتهم الحقيقة .. ولو راقبوا ما يُكتب في أندية الحوارات المنتشرة على شاشة الإنترنت من قبل الشباب بأسماء مستعارة حيث الأمان من ظلم وبطش الطواغيت .. لأدركوا أن الشارع العربي المسلم عبارة عن جمرة من نار تحترق في داخلها .. وتأكل بعضها بعضاً كبداً لما يحصل لأبناء الأمة في أفغانستان وفلسطين .. وهذه الجمرة لا بد يوماً من أن تمتد شرارتها ونارها لتحرق من حولها من الظالمين المستبدين العملاء .. وما ذلك ببعيد إن شاء الله!
ثم هاهي الجزائر اليوم ـ ممثلة في نظامه الفاشي الطاغي ـ ومنذ أكثر من عشر سنوات فإنها تدفع ضريبة باهظة من أبناء ودماء شعبها .. بسبب ظلمها وطغيانها، وغدرها للحريات المشروعة ـ بمباركة وتأييد من أمريكا وفرنسا وغيرها من دول الغرب ـ وما كان قد اختاره الشعب الجزائري .. رغم وجود تحفظنا المعروف على شرعية تلك التجربة .. وغيرها من التجارب الديمقراطية الفاشلة في بلاد المسلمين!
3- توسيع دائرة الملاحقات .. وما يتبعها من انتهاكات ومضايقات .. بحيث تشمل المتهم والبريء .. ووضع البريء في موضع المدافع الشرس عن حقوقه وحرماته .. بزعم ملاحقة الإرهاب!
فهذا التوسع في الملاحقات والمطاردات الغير مبررة .. من جملة الأسباب التي قد تؤدي إلى جنوح بعض الأفراد بل والجماعات إلى انتهاج بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. من قبيل الدفاع عن النفس .. وطلب النجاة!
متى يلجأ الإنسان للسعي إلى الحصول على جواز سفر مزور .. أتراه يفعل ذلك ودولته تمنحه بكل سهولة ويسر تلك الوثيقة التي هي من حقه ..؟!!
عشرات الدول .. وأكثرها عربية .. تحرم شعوبها هذا الحق البسيط .. ولا تعطي مواطنيها هذا الجواز إلا بعد سلسلة من الإذلالات والمماطلات والرشاوى، والوساطات، وموافقة المخابرات، وغير ذلك من الإجراءات .. مما يجعل هذه الشعوب من باب طلب النجاة والسلامة .. وممارسة حقهم في السفر والتنقل .. يبحثون عن البديل المزور!
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنف هذه الشعوب برمتها بأنها إرهابية .. أو نلومها لكونها تفعل ذلك تحت ظروف الاضطرار والإكراه .. وإنما الصواب والعدل أن نلوم الأنظمة الطاغية الإرهابية التي حرمت هذه الشعوب أبسط حقوقها .. وألجأتها رغماً عن أنفها إلى هذه الوسائل الملتوية!
ليفرض نفسه " كوفي عنان " مكان أي مواطن يُمارَس بحقه وحق أهله جميع صنوف التنكيل والإذلال والإرهاب .. ثم مع ذلك يُمنع من الوثيقة التي تمكنه من السفر والتنقل .. ليبقى تحت رحمة الجلادين .. ثم هو في هذه الأجواء يُعرض عليه جواز سفر مزور بمئات الدولارات .. يمكّنه من السفر والنجاة .. ألا ترون أنه سيشتريه ويستخدمه ..؟!
لكن هل يمكن أن يُصنف " كوفي عنان " حينئذٍ بأنه إرهابي لكونه لجأ مضطراً إلى هذه الوسيلة ..؟!
الشاهد مما تقدم أن نلفت النظر لمن صدقت نيته في محاربة الإرهاب المحظور والممنوع شرعاً وعقلاً .. أن لا يقصروا اهتمامهم بالنظر إلى سلوك بعض الأفراد أو الجماعات التي تبدوا أنها غير قانونية .. من دون النظر إلى الدوافع أو الأسباب التي أدت إلى مثل هذه السلوكيات الشاذة .. وملاحقة من كان السبب فيها قبل الذين يُباشرونها!
وأردت كذلك أن أنبه إلى أن توسيع دائرة الاشتباه .. والاتهام .. والملاحقات .. والمطاردات .. بغير حق ولا بينة .. قد تولد جيلاً كاملاً من الإرهابيين .. وجيلاً كاملاً من المرهوبين الخائفين .. شئنا أم أبينا .. ومن حيث لا ندري!
هذا القط الوديع الناعم .. احصره في غرفة .. وأغلق عليه جميع النوافذ والمنافذ .. ثم أشعره أنك تريد قتله .. فإنه سرعان ما يتحول وينقلب عليك إلى نمر متوحش كاسر ..!
فلا تحوِّلوا الشعوب بأيديكم .. وسوء صنيعكم إلى وحوش كاسرة .. ولا تلجئوا الشعوب بظلمكم وإرهابكم .. إلى الوسائل الملتوية .. فإن حصل فلا تلوموا إلا أنفسكم!
4- ومن جملة الأسباب كذلك التي تجنح بصاحبها للوقوع في بعض الأعمال الإرهابية الغير مشروعة .. الفهم الخاطئ للدين ولغاياته ومقاصده .. والجنوح للغلو والتشدد في الدين .. وانتهاج طريق الغلاة الخوارج الأوائل .. الذين وضعوا السيف في أبناء الأمة من أهل القبلة .. وانتهكوا الحرمات بغير حق ..!
هؤلاء موجودون في زماننا .. ولكنهم شرذمة قليلون .. وهم منبوذون مرفوضون شرعاً وعقلاً .. وعلى مستوى القطاع الأعظم للشباب المسلم الملتزم .. والإسلام أول من أعلن البراء منهم ومن غلوّهم وشذوذهم .. وحذّر منهم!
وهؤلاء مشكلتهم سهل حلها لو تُرك المجال للعلماء العاملين بأن يتصدوا لهم بالتعليم والنصح .. وقيام الحجة .. ولكن أنى للطواغيت العملاء ـ وبخاصة منها العربية ـ أن يسمحوا بذلك!
ـ موقف الإسلام من العنف والشدة ..!
كنا قد بينا في أول هذا البحث موقف الإسلام من الإرهاب .. ومعنى الإرهاب .. وهانحن نبين هنا موقف الإسلام من العنف والشدة لارتباط هذا الموضوع وتعلقه بما تقدم من حديث عن الإرهاب ..!
هل الإسلام دين يدعو إلى العنف والشدة ..؟!
هذه مسألة قد جنح فيها كثير من الناس والكتاب ـ كما هو شأنهم في كثير من المسائل ـ بين الإفراط والتفريط .. ففريق منهم قال بأن الإسلام دين عنف .. ويدعو إلى العنف والشدة واستدل على ذلك بأدلة، وفريق آخر ينفى ذلك مطلقاً، واستدل بأدلة ..!
فما هو الحق والصواب في هذه المسألة ..؟!
أقول: العنف هو ما يُقابل الرفق ويُضاده، وهو في الشرع خُلُق مذموم .. لم يرد فيه نص واحد من الكتاب أو السنة بصيغة المدح .. بخلاف خُلُق " الرفق " فقد جاءت فيه نصوص عديدة تحض على التخلق والتمسك به، كما في قوله :" من يحرم الرفق يُحرم الخير كله ".
وقال :" إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عليه مالا يُعطي على العنف ".
وقال :" عليك بالرفق؛ إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ". وقال :" إن الله رفيق يُحب الرفق في الأمر كُلِّه " وهذه صيغة عامة تفيد كل شيء بما في ذلك الجهاد في سبيل الله، حيث لا بد من أن ينضبط ويتقيد بضوابط وقيود الشرع المعروفة ..
فهذا هو رفقه!
وعن قُرَّة قال: قال رجل يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها. أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها؛ أي أمتنع عن ذبحها رحمة بها! قال :" والشاة إن رحمتها رحمك الله .. والشاة إن رحمتها رحمك الله " مرتين.
هذا فيمن يُرفق ويرحم الشاة أو البهائم فكيف بمن يرحم الناس .. فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ ".
كما أن النبي  قد نهى عن الغلو والتشدد في الدين؛ وهو كل ما زاد عن المشروع .. فقد صح عنه  أنه قال:" عليكم هدياً قاصداً؛ فإنه من يُغالب الدين يغلبه ". وقال :" إنه من يُشاد هذا الدين يَغلبه ".
وقال :" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ".
وقال :" سيُشَدَّد هذا الدين برجالٍ ليس لهم عند الله خلاق ".
هذا هو ديننا .. فهو دين رفق ورحمة للعالمين كما قال تعالى عن نبيه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء:107.
وهذا لا يعني مطلقاً أن الإسلام يقبل أن يُعطي الدنيَّة أو الذل لأعداء الملة والدين .. أو يرضى أن يُصيبه ضيم من ملل الكفر والشرك من دون أن ينتصر لنفسه .. كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ الشورى:39. فهذا من أبرز خصال وصفات المؤمنين المجاهدين وهو أن ينتصروا لأنفسهم وحرماتهم إذا ما أصابهم البغي والعدوان.
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً الفتح:29. فكما أن المؤمنين رحماء رفقاء على من يُسالمهم ويدخل في سلمهم وأمنهم أو دينهم .. فهم أشداء غلاظ على من يتجرأ على قتالهم ومنابذتهم ومحاربتهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ التوبة:123. أي قوة وشدة ..!
فهذا موضع يستلزم الشدة والغلظة على كل من ينابذ الإسلام والمسلمين الحرب والقتال أو يتجرأ على الاعتداء .. وذاك موضع يستلزم الرفق والرحمة على كل من يدخل في هذا الدين وسلمه، أو عهده وأمنه، وجواره .. حيث لا يجوز الخلط بين الموضعين، وحمل نصوص كل موضع على الموضع الآخر .. كما يفعل ذلك عديد من الكتاب والباحثين!
ولكن يمكننا القول أن مواطن الجهاد والقتال التي تستلزم الشدة والقوة والغلظة .. هي كذلك مقيدة بقيود وضوابط الشرع التي تمنع المجاهد المقاتل من أن يُعمل هواه في قتل وقتال من
شاء، وبالطريقة التي يشاء.
ـ خاتمة:
وفي الختام بقي سؤال لا بد من أن نجيب عليه قبل أن نختم هذا البحث، وهو: هل القوم عازمون بصدق ـ من خلال حملتهم المعلنة ـ على محاربة الإرهاب .. أم أن لهم أهدافاً أخرى غير الإرهاب ؟!
أقول: في الظاهر أنهم يريدون محاربة الإرهاب .. وفي الباطن الظاهر أنهم يُريدون محاربة الإسلام والمسلمين .. ومنعهم من أي محاولة تمكنهم من استئناف حياة إسلامية راشدة في أي قطر من الأقطار .. إضافة إلى تعزيز نفوذهم وهيمنتهم وسياساتهم السائدة في مناطق وبلاد المسلمين، وبخاصة منها منطقة الشرق الأوسط .. التي بدت تتزعزع في الآونة الأخيرة .. والذي حملنا على القول بذلك الأسباب التالية:
1- من خلال ما تقدم في طيات هذا البحث تبين لنا أن القوم هم الإرهابيون الحقيقيون .. وهم الذين يمارسون، ويدعمون ويؤيدون الإرهاب بكل أبعاده ومعانيه .. ولو صدقوا بأنهم سيحاربون الإرهاب .. لحاربوا أنفسهم بأنفسهم .. وهذا لن يكون!
2- هذه الحشود العسكرية الضخمة التي جيشتها أمريكا وحلفاؤها، والتي تكفي لغزو وتدمير عشرات البلاد .. لا يمكن أن يُصدق أنها جُيشت من أجل مطاردة أفراد معدودين متهمين بالإرهاب ..!
3- تصريحاتهم المعلنة التي ما استطاعت أن تُخفي ما في صدورهم .. كما جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي " جورج بوش " بأن هذه الحملة التي يقودها ضد الإرهاب إنما هي حملة صليبية ضد الإرهاب ..!!
وهل الإرهاب لا يُحارب إلا من خلال حملة صليبية وتعبئة صليبية ..؟!
وكذلك تصريح رئيس وزراء بريطانيا ـ التي جاءت أقل صراحة من نظيره بوش ـ عندما ناشد دول الغرب بأن تتحد لمحاربة الإرهاب ..!
لماذا دول الغرب وحسب .. لماذا لم تكن دول الغرب والشرق معاً .. مما يجعلنا نجزم أنه يقصد ويريد اتحاد دول الغرب الصليبي لمحاربة دول الشرق الإسلامي مبعث الإرهاب .. كما يزعمون !
4- تصريحاتهم المتكررة بأن هذه الحرب قد تستغرق عشرات السنين .. وتطال دول عدة يتجاوز تعدادها الستين بلدا ..!
ولا نظن أن محاربة الإرهاب يستلزم هذه السنين الطوال .. وهذه البلدان العديدة ..؟!
5- حصر تهمة الإرهاب بالمسلمين فقط لتكون ذريعة لمحاربة الإسلام والمسلمين .. فهم ما إن حصل ما حصل في نيويورك وواشنطن .. إلا وأسرعوا في الإعلان بأن وراء هذا الحدث هم المسلمون .. الطالبان .. وأسامة وجماعته .. قبل أن يأخذ التحقيق مجراه ومداه .. مما يجعلنا نشعر بأنهم يرتبون لحرب طويلة ضد الإسلام والمسلمين .. ومنذ أمد .. ينتظرون الفرصة المناسبة لها .. وقد جاءتهم!
ما يقوم به غير المسلمين من إرهاب بشع .. ليس إرهاباً .. ولا يمكن أن يُصنف على أنه عمل إرهابي مهما كان العمل فظيعاً وممعناً بالإجرام والإرهاب بحق الآخرين .. والسبب أنه ليس مسلماً ..!
منذ أسبوعين تقريباً تناقلت وسائل الإعلام عن خبر مفاده أن شخصاً مسلحاً اقتحم البرلمان السويسري وقتل من أعضائه وموظفيه أربعة عشر شخصاً .. غير الجرحى الذين أصابهم .. فجاء التعليق مباشرة بأن هذا العمل ليس عملاً إرهابياً .. والتعليل أن صاحبه سويسري الأصل .. أي ليس مسلماً!
وكذلك الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن قيام شخص في أمريكا بقطع رأس سائق الحافلة بالسكين .. مما أدى إلى سقوط الحافلة في حفرة وقتل ستة أشخاص من الركاب .. فجاء التعليق الأمريكي الرسمي أن هذا العمل ليس إرهابياً وليس له علاقة بالإرهاب .. والسبب أن صاحبه نصراني من كرواتيا .. وانتهى الأمر وكأنه لم يكن شيئاً ؟!
ولو كان مسلماً لرأينا كيف حملوه وجميع المسلمين في الأرض تهمة الإرهاب .. وتبعات العمل بالإرهاب ..؟!
ومنذ أيام قلائل خرجت لنا أمريكا بقائمة أخطر الإرهابيين في العالم الذين جيشت مئات الطائرات .. وعشرات البوارج البحرية وراجمات الصواريخ .. وآلاف المعدات العسكرية .. من أجل محاربتهم ومطاردتهم .. وعددهم كان اثنان وعشرين شخصاً .. كلهم من المسلمين ..!!
والسؤال: لماذا كلهم من المسلمين .. ألا يوجد نصراني أو يهودي واحد في العالم قد مارس الإرهاب .. رغم أن المجازر والمقابر الجماعية للمستضعفين من المدنيين لا تزال إلى الساعة أكبر شاهد على إجرام وإرهاب قطاع كبير من اليهود والنصارى ..؟!!
فعلام لم يُدرج اسم نصراني أو يهودي واحد ضمن قائمة الإرهابيين المطلوبين ـ وما أكثرهم لو أردنا الإحصاء أو التعداد ـ هل لأن البلاد والعباد خلت فعلاً من الإرهابيين الذين ينتمون إلى اليهودية أو النصرانية .. أم أنها المؤامرة الصريحة لضرب ومحاربة الإسلام والمسلمين .. تحت ستار ملاحقة ومحاربة الإرهاب؟!
قد هالني خبر نشرته قناة الجزيرة في موقعها على الإنترنت بتاريخ 3/10/2001م، تحت عنوان:" تقديراً لمساندة موسكو للحرب الأمريكية، أوربا تكافئ روسيا بتجاهل ممارساتها في الشيشان "، جاء في الخبر:" توقع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو أن يكون الاتحاد الأوربي أكثر تساهلاً في موقفه من الممارسات الروسية في الشيشان تقديراً لمساندة موسكو للحملة الأمريكية على ما يُسمى بالإرهاب .. وأوضح أن الاتحاد يراجع أيضاً الإجراءات التي اتخذت ضد موسكو بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان .. وقال للصحفيين في زيارة لواشنطن: سنتخذ موقفاً أكثر تساهلاً مما تفعله روسيا في الشيشان ..!!" ا- هـ.
يا سبحان الله ..! يباركون ويؤيدون الإرهاب الوحشي الذي يمارسه الجيش الروسي بحق الشعب المسلم في الشيشان ـ بعد أن كانوا قد أدانوه ـ لكون الإرهاب الذي يمارسه الجيش الملحد الروسي يطال فقط المسلمين الشيشانيين الذين ليس لهم بواكي ولا حرمة .. ولكون موسكو ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. زعموا!
فإن كان الغرض هو محاربة الإرهاب كما يدعون .. وليس محاربة الإسلام .. فعلام يؤيدون ويباركون الإرهاب الروسي المتوحش لشعب الشيشان المسلم .. مع اعترافهم المسبق بأن الذي تمارسه روسيا في الشيشان من انتهاك للحرمات واعتداء على المدنيين، والمستضعفين منهم .. يتنافى مع حقوق الإنسان .. وهو من الإرهاب ؟!!
موسكو ذو التاريخ الحافل بالإرهاب، والتعذيب، والتقتيل لعشرات الملايين من المسلمين المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال .. وغيرهم من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة .. والتي لا تزال إلى الساعة أيديها ملطخة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان والشيشان وغيرهم .. آلآن أصبحت ضد الإرهاب .. وأنها ستساند الحملة الأمريكية ضد الإرهاب ؟!!
كل ذلك يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على طبيعة هذا الإرهاب الذي يريدون محاربته .. ويتحالفون على ملاحقته واستئصاله ؟!!
وما تقدم يدل كذلك على تلاعب الساسة الأوربيين بمصطلح الإرهاب وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية المتقلبة .. وسياساتهم الخبيثة .. فيدخلون من شاءوا في دائرة الإرهاب وقت يشاءون .. ويُخرجون من شاءوا من دائرة الإرهاب .. وتهمة الإرهاب وقت يشاءون .. بحسب ما تقتضيه المصلحة .. وإن كان في الحقيقة إرهابياً يُمارس الإرهاب في أبشع صوره ومعانيه ..!
فمن كان معهم ـ مهما كان إرهابياً مجرماً ـ ليس إرهابياً .. وهو منزه عن الإرهاب .. وفوق الشبهة أو الاتهام .. ومن لم يكن معهم ـ مهما كان بريئاً من تهمة الإرهاب ـ فهو إرهابي، بل وأبو الإرهابيين الذي ينبغي أن يُلاحق ويُحارب ..!!
هذا هو المقياس والضابط في تحديد الإرهابي من عدمه عند الساسة المتنفذين في أمريكا وبلاد الغرب ..!!
6- إعلانهم أكثر من مرة وبكل صراحة ووضوح أن الهدف من الحملة العسكرية الأمريكية الضخمة ضد أفغانستان ليس فقط أسامة ومن معه .. وإنما نظام الطالبان الحاكم في أفغانستان .. والتجربة الإسلامية الناشئة في أفغانستان!
بمعنى آخر أن هدفهم استئصال النظام الإسلامي الحاكم في أفغانستان الذي ارتضاه الشعب الأفغاني .. والذي يمثل 95% من أراضي وشعب أفغانستان باعتراف الجميع .. واستبداله بنظام عميل موالٍ لأمريكا ولدول الغرب .. لا يمثل إلا القلة العميلة .. يحقق لهم مصالحهم وأهدافهم في المنطقة!
وهاهي أمريكا ـ ومعها حلفاؤها ـ يترجمون اليوم هذا الهدف الخبيث بكل وضوح على أرض الواقع على مرأى ومسمع من العالم .. من خلال هجماتهم العسكرية المكثفة بالقنابل الثقيلة .. والصواريخ العابرة للقارات .. على جميع المرافق التابعة لحكومة الطالبان .. تمهيداً للغزو البري الذي يخططون له برفقة عملائهم من الأفغان المتمثل في التحالف الشمالي الهزيل ..!!
هذا الذي يحصل وجميع ما تقدم ذكره من نقاط .. يجعلنا نجزم أن الحملة الأمريكية ضد الإرهاب .. هي في حقيقتها وواقعها حملة صليبية صريحة ضد الإسلام والمسلمين .. وهي إعلان حرب على الإسلام وليس على الإرهاب كما يصورون .. وأن إعلاناتهم التي تدل على خلاف ذلك .. لا تغير من هذه الحقيقة شيئاً .. فواقع حالهم يكذب ادعاءهم وهو أصدق دلالة وتعبيراً من تصريحاتهم التي هي بمثابة ذرِّ الرماد في العيون ..!
ونحن نقول لهم بكل وضوح: أنتم تحاولون عبثا .. الإسلام لا يُحارَب؛ لأنه دين الله تعالى الذي تكفل بحفظه وحمايته .. وعلى مر العصور وإلى أن تقوم الساعة!
حاربتم الإسلام ـ عبر تاريخكم الصليبي الحاقد ـ أكثر من مرة ومرة .. وفي جميع الميادين والساحات .. فأين الذين حاربوه .. وأين الإسلام .. الذي يزداد انتشاراً واتساعاً .. وقوة .. وفي عقر داركم .. رغم حملات التشويش والمؤامرات العديدة التي تُحاك ضده من قبل ملل الكفر والشرك، وعملائهم المحليين من الزنادقة المنافقين ..؟!
فأنتم عندما تحاربون الإسلام .. فإنكم في حقيقتكم تحاربون الله .. خالق السماوات والأرض .. الذي بيده الأمر كله .. والله تعالى لا يُحارَب .. لأن الله لا غالب لأمره وقضائه ..!
فمشيئة الله تعالى هي النافذة والماضية في خلقه وعباده .. أما مشيئة العباد لا ينفذ منها شيء إلا أن يشاء الله تعالى.
يجب أن تتذكروا كل ذلك عندما تحاربون الإسلام ..!!
 وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ لأنفال:30.
 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ آل عمران:12.
 لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الروم:4-5. وما ذلك ببعيد إن شاء الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

28/7/1422 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
15/10/2001 م. أبو بصير

www.abubaseer.com

ـ ملاحظة: أُرسلت نسخة من هذا البحث للأمم المتحدة عن طريق عنوانها الإلكتروني .. وغيرها من المؤسسات والهيئات ذات الاهتمام بهذا الموضوع.

د.فالح العمره
19-05-2005, 12:43 AM
حربٌ على الإرهابِ .. أم حربٌ على الإسلامِ ؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد.
فقد تناها إلى مسامعنا وأبصارنا ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ما حصل مؤخراً في أمريكا من تدمير لبعض منشآتها العسكرية والاقتصادية .. وقد خاض الخائضون بين مؤيد ومعارض .. وكثير منهم حكّم الهوى والعاطفة لجبن أو لارتباط بجهات حكومية مشبوهة تحتم عليهم أن يُطلقوا تصريحاتهم وأحكامهم في اتجاه معين وفق ما ترتضيه بعض الجهات أو الهيئات الرسمية الحكومية .. فضلوا وأضلوا .. وأساءوا من حيث يعلمون أو لا يعلمون .. مما حملنا على الشعور بضرورة تسجيل بعض الملاحظات حول ما حدث .. إنصافاً للحق .. وإبطالاً للباطل ولو كره المنافقون الكافرون .. والله تعالى وحده حسبنا ونعم الوكيل.
وألخص هذه الملاحظات في النقاط التالية:
1- إلى ساعة كتابة هذه الكلمات كل ما صدر عن مكاتب التحقيق الأمريكية لا يفيد أن من قاموا بتلك العمليات هم مسلمون .. أو من الجماعات الإسلامية .. وأن كل ما قيل إنما هو من قبيل الظن والتخريص، والاشتباه .. والظن والاشتباه لا يُغني من اليقين والحق شيئاً، بدليل أن كثيراً ممن اشتبه بهم، وكثر كلام الإعلام عليهم .. لم يبقوا في الحجز للتحقيق معهم سوى سويعات .. لإدراك الجهات الأمنية المختصة ببراءتهم!
إضافة إلى ذلك فإن الجهة الإسلامية التي يُشار إليها بأصابع الاتهام؛ وهي حركة الطالبان .. فقد أعلنوا أكثر من مرة إدانتهم لذلك العمل .. وأنهم برآء منه .. وكذلك الشيخ أسامة المتهم الأول في هذه القضية .. أعلن أكثر من مرة أنه لم يكن له أدنى ضلوع أو مشاركة فيما حصل .. وأن ظروف إقامته في أفغانستان لا تمكنه من القيام بمثل هذا العمل.
الذي نريده من هذه الحقائق الآنفة الذكر .. أننا لسنا مضطرين ـ كمسلمين ـ للبحث أو الخوض في مدى شرعية تلك الأعمال التي حصلت في أمريكا أو عدم شرعيتها .. إذ أن الأمر لا يعني ولا يخص المسلمين من هذا الوجه .. وبالتالي فلسنا مسؤولين أو ملزمين شرعاً وعقلاً للبحث في شرعية أعمال يقوم بها أناس مجهولي الحال والهوية .. كما أننا نجهل غايات ومقاصد وظروف من قاموا بذلك العمل!!
فالحكم الشرعي لكي يكون صائباً لا بد أولاً من الإحاطة بجميع جوانب وفروع المسألة ذات العلاقة .. وإلى حين ثبوت ضلوع طرف إسلامي بعينه في ذلك الحدث .. ومعرفة جميع أبعاد ما حصل .. فحينئذٍ يكون التأصيل العلمي الشرعي له مبرراته ومسوغاته .. وذلك أن الفتوى يلزمها أمران: معرفة النصوص الشرعية ذات العلاقة بالفتوى أو المسألة .. ومعرفة واقع المسألة على وجه التدقيق والتحقيق التي تُحمل عليها تلك النصوص .. والله تعالى أعلم.
ومن جهة فإننا لا نعمل كموظفين في دائرة الإفتاء الأمريكي .. لكي نسرع إلى إصدار الفتاوى لكل نازلة تنزل في المجتمع أو الدولة الأمريكية ..!!
2- لا بد من الاعتراف أن أمريكا .. دولة محاربة معادية للإسلام والمسلمين .. بل هي الدولة الكبرى التي ترعى عمليات قتل، وحصار، وتجويع الشعوب الإسلامية .. وما من جريمة إرهابية تحصل بحق المسلمين هنا أو هناك إلا وتجد البصمات والدعم الأمريكي من ورائها ..!
فها هي فلسطين ومنذ أكثر من خمسين عاماً تعاني من وطأة وإرهاب الاحتلال الصهيوني اليهودي .. يقتلون أبناء المسلمين .. ويهدمون بيوتهم .. ويصادرون أراضيهم وممتلكاتهم ويستحلون حرماتهم ومقدساتهم .. تحت مرأى ومسمع .. بل ودعم أمريكا ..!
كم هي المجازر الجماعية الإرهابية التي قامت بها عصابات يهود بحق المسلمين الفلسطينيين .. بأسلحة ودعم وتأييد أمريكي ..!
مجزرة صبرا وشاتيلا .. وقتل المسلمين وهم في المسجد الإبراهيمي وهم ركعاً وسجداً .. على أيدي عصابات يهود .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
أين كانت أمريكا .. والعالم الذي يتباكى على عتبات الإرهاب .. من كل ذلك .. لماذا لم تحصل ذات الحملة على الإرهاب الحاصلة اليوم .. ولماذا لم تُعبأ الشعوب والأمم على محاربة الإرهاب كما هي تُعبأ اليوم ؟!
الجواب يعرفه الجميع: وهو أن ضحايا صبرا وشاتيلا .. من المسلمين الفلسطينيين .. بينما ضحايا اليوم هم من الأمريكيين النصارى..!!
كم من مرة يدان الإرهاب اليهودي الإسرائيلي من قبل المجتمع الدولي .. ويقف الفيتو الأمريكي حائلاً دون أن يوجه إلى ربائبهم من اليهود أدنى نقد أو إدانة فضلاً عن أن تنزل بهم العقوبات التي تنزل بغيرهم لأدنى مخالفة .. وأحياناً بلا مخالفة!!
هذا الحصار الضارب على رقاب الشعب العراقي المسلم منذ أكثر من عشر سنوات .. أليس من الإرهاب الذي ترعاه وتحميه أمريكا وحلفاؤها ..!
قتل مليون طفل من أبناء الشعب المسلم العراقي جوعاً ومرضاً بسبب ذلك الحصار الجائر الذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس من الإرهاب ..؟!
كم من مرة يقتل الأمريكان أطفال ونساء العراق .. براجمات صواريخهم وطائراتهم ..
ومن دون أن يُقدموا أدنى اعتذار .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!!
تدمير مصانع الأدوية في السودان وقتل الأبرياء .. بصواريخ أمريكية عابرة للقارات .. وعلى أيدي الجنود الأمريكيين .. أليس هذا من الإرهاب ؟!!
قتل شعب بكامله في الشيشان .. على مرأى ومسمع ورضى من الأمريكان .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
المقابر الجماعية التي حصلت لعشرات الآلاف من المسلمين في البوسنة والهرسك .. أليس هذا من الإرهاب ..؟!
هذا الحصار الظالم على أفغانستان .. وشعب أفغانستان المسلم .. ليقتل يومياً مئات الأطفال جوعاً .. والذي ترعاه وتفرضه أمريكا .. أليس هذا من الإرهاب ؟!
هذا الدعم الأمريكي المباشر لجرائم الهندوس عبدة البقر في حق مسلمي كشمير .. أليس من الإرهاب ..؟!!
قتل المئات من المسلمين .. وحرق المساجد على من فيها من المصلين .. في جزر مولاكو في إندونيسيا .. على مرأى ومسمع ودعم من العالم الغربي والأمريكي المتحضر .. أليس من الإرهاب؟!!
من الذي يدعم الأنظمة الطاغية الدكتاتورية العميلة المنتشرة في بلاد العرب والمسلمين .. التي تقهر وترهب شعوبها بفنون من التعذيب والقتل والتنكيل .. أليس أمريكا راعية الإرهاب العالمي ..؟!!
عندما قتل الطاغية الهالك النصيري حافظ الأسد ـ عميل اليهود والأمريكان ـ أكثر من عشرين ألف من أهالي مدينة حماه وفي يوم واحد .. أليس هذا من الإرهاب .. أين كانت أمريكا يومئذٍ وحملتها هذه ضد الإرهاب ..؟!
من الذي ألقى القنابل النووية الذرية .. التي أبادت شعباً بكامله في اليابان وغيرها .. والتي لا تزال آثارها السيئة بادية على الناس إلى الساعة .. أليست أمريكا التي تتزعم اليوم الحرب على الإرهاب .. زعمت ..؟!!
هذه الجرائم الإرهابية وغيرها الكثير الكثير .. لماذا لم نسمع صوتاً لأمريكا وحلفائها من قوى الكفر والنفاق .. ينددون ويتوعدون فيه الإرهاب .. والإرهابيين الحقيقيين ؟!
الجواب ما قلناه من قبل: هو أن الضحايا كانوا من المسلمين .. الدم المسفوك كان دماً إسلامياً رخيصاً لا يستحق من أمريكا والمجتمع الغربي الصليبي المتحضر بيان تنديد للفاعلين .. فضلاً عن أن يشنوا لأجله الحروب كحالهم اليوم!!
ولو صدقت أمريكا ـ ولن تصدق ـ بأنها ستحارب الإرهاب .. ومن يدعم الإرهاب .. أو يأوي الإرهاب .. لحاربت نفسها بنفسها .. لأنها هي أم الإرهاب .. وراعية الإرهاب المنظم الدولي في العالم .. المتمثل ـ بالدرجة الأولى ـ في رعايتها وحمايتها للإرهاب اليهودي الصهيوني في فلسطين، وغير فلسطين ..؟!
وهاهي اليوم تُعلن أمريكا وبكل وضوح عن عزمها ورغبتها في إلغاء العمل بالقانون الذي يحرم الاغتيالات الشخصية .. لاحتياجها إلى الاغتيالات في حملتها الصليبية ضد الإسلام والمسلمين .. أليس هذا من الإرهاب المنظم .. أم أنه يجوز لها مالا يجوز لغيرها ؟!!
هذا وغيره يجعلنا نجزم بأن أمريكا دولة إرهابية محاربة للإسلام والمسلمين أينما كانوا .. بكل ما تعني كلمة المحاربة والإرهاب من معنى.
وبالتالي فإن أمريكا ـ بتاريخها الحافل في الإرهاب .. وفي نصرة الإرهـاب .. وإيواء إرهاب الصهاينة اليهود والدفاع عنهم ـ هي السبب والمسؤولة الأولى لما حصل لها في هذه الأيام .. فجنت على نفسها بنفسها .. وعاقبها الله تعالى من جنس أعمالها بحق الآخرين!
3- فإن قيل أمريكا ليست دولة محاربة .. وإنما هي دولة معاهدة .. تربطها عهود ومواثيق مع المسلمين ..؟!!
أقول: أي عهد وهي ترعى الإرهاب العالمي .. وتشن الحرب تلوى الأخرى على الإسلام والمسلمين ..؟!
أي عهد وهي ترعى وتحمي وتدرب عصابات الصهاينة اليهود في أراضيها .. على اغتيال وقتل وإرهاب المسلمين في فلسطين ..؟!
أمريكا لا يوجد بينها وبين أي مسلم عهد .. إلا مسلم دخل طواعية أراضي أمريكا معاهداً مستأمَنا .. فهذا العهد لا يُلزم إلا شخص المعاهد المستأمَن فقط .. فهو لا يُلزم مجموع الأمة .. أو أحداً غيره من المسلمين .. لأن أمريكا في حرب صريحة مع الأمة كل الأمة ..!
ثم هذا الفرد المستأمَن .. يتعرض للأذى في نفسه وعرضه .. مما يقلل من قيمة هذا العهد الذي بينه وبينهم ..!
فكم من مسلم .. ومسلمة .. اعتدي عليهم في أمريكا .. وفي بلاد الغرب المتحضر .. لمجرد أن سمعوا من الإعلام الذي يهيمن عليه عصابات صهيون .. بأن هذه العمليات وراءها نفر من المسلمين ..؟!
كم من امرأة اعتدي على حجابها وشرفها في الشارع .. من قبل هذا الإنسان الأمريكي .. أو الغربي المتحضر .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!!
عشرات الآلاف من المسلمين في أمريكا .. وغيرها من بلاد الغرب .. إلى الساعة هم حبيسي بيوتهم لا يستطيعون الخروج من منازلهم خشية الاعتداء عليهم وعلى نسائهم .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ..؟!
وكان آخر ما تناها إلى مسامعي حول هذا الأمر: أن رجلاً خليجياً يمشي في شوارع لندن وبجواره زوجته المتحجبة .. فقام أحد المتحضرين الحاقدين من أبناء البلد .. وكان بيده زجاجة خمر فكسرها وطعن بها وجه ذلك المسلم الخليجي .. فهل هذا من الوفاء بالعهد والأمان ؟!
قد لفت نظري معلق غربي صليبي .. وهو يتهكم على الثياب المهترئة التي يرتديها الإنسان الأفغاني التي توحي ـ على حسب قول هذا المعلق ـ أنه إنسان متخلف يعيش في القرون الوسطى ..!!
ولنا أن نسأل: رغم هذا الحصار الشديد الظالم على أفغانستان وعلى شعب أفغانستان الذي ترعاه وتفرضه أمريكا وحلفائها من دول الغرب .. هل يستطيع أحد أن يثبت أن أحداً من الأمريكيين أو الغربيين العاملين هناك في مجالات الإغاثة وغيرها .. قد تعرض للأذى من قبل آحاد الناس من الأفغان .. رغم أن السلاح متوفر للجميع .. ولا يصعب على أحدٍ تأمينه ..؟!
ما الذي منع هذا الأفغاني الفقير ذي الثياب الرثة أن يعتدي على الإنسان الأوربي الغني .. رغم ظلم الآخر له ظلماً حقيقياً .. واعتداء الآخر عليه وعلى بلاده وأهله، وقوت يومه اعتداء حقيقياً ..؟!
إنه دينه وعقيدته وثقافته التي تعرفه أن للمستأمَن حق يجب أن يُعطاه وإن كان عدوا..؟!
أيهما أكثر تحضراً ورقياً هذا الإنسان الأمريكي أو الغربي ذي الثياب الفخمة الجميلة .. الذي يغدر بالعهد .. ويعتدي على حرمات ونساء المستأمنين .. أم ذلك المسلم الفقير ذي الثياب المهترئة الرثّة .. الذي يُنصف الظالم المعتدي من نفسه؟!
وما قلناه عن أفغانستان وشعب أفغانستان، نقوله عن العراق وشعب العراق .. وعن فلسطين .. وشعب فلسطين ..!
فرغم أن أمريكا وراء جرائم اليهود في فلسطين .. وعلى مدار أكثر من خمسين عاماً .. فهل يعرف أحد أن الفلسطينيين المسلمين قاموا بالتعرض بالأذى لأمريكي واحد أو أوربي زائر مستأمن ..؟!
أنظر الفارق الكبير بين معاملة الأمريكيين والأوربيين السيئة لمسلمي أهل الخليج المستأمنين في بلاد الغرب في هذه الأيام .. وبين معاملة أهل الخليج للأمريكيين والأوربيين الموجودين في بلاد الخليج ..؟!!
الذي نريد قوله: أن الرقي والتقدم وكذلك التخلف لا يمكن أن يُقاس بحسب جمال الثياب وغلائها .. أو بحسب الغنى وكثرة المتاع والاستهلاك للأشياء .. وإنما بالأخلاق والقيم العليا التي يتحلى بها شعب دون الآخر .. وتحكم شعباً دون الآخر!
ونريد القول كذلك: أن هذا المسلم المعاهد المستأمَن في أمريكا وبلاد الغرب الذي يتعرض لصنوف من الأذى والإهانات .. مما يجعلنا نشك بقيمة هذا العهد أو الأمان وبمدى فعاليته وقوته .. أو شرعيته!
4- يجب العلم أن هذه الحملة التي تقودها أمريكا ضد الإرهاب هي في حقيقتها حملة صريحة ضد الإسلام والمسلمين تحت ذريعة حرب الإرهاب والإرهابيين، دل على ذلك أمران:
أولهما: التصريحات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين والغربيين: فهاهو الرئيس الأمريكي جورج بوش يعلنها بكل صراحة ووضوح ـ كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام ـ بأنها حرب صليبية ضد الإرهاب .. ستكون طويلة الأمد .. وأن أمريكا غضبت .. ولويل كل الويل لمن تغضب عليه أمريكا وتتسخطه ..!!
وكأن أمريكا هي الرب الذي إذا غضب لا يقوم لغضبه شيء .. وهذا عين الكفر .. والطغيان .. وذروة التكبر والفساد في الأرض .. وما كان كذلك لن يدوم .. وهو أقرب ما يكون إلى الزوال والدمار بإذن الله، كما قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً .
وكذلك رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يعلنها صراحة حيث يقول: يجب على الغرب أن يخوض حرباً ضد الإرهاب ..؟!
لماذا الغرب الصليبي .. لماذا لا يكون الغرب والشرق ..؟!
مما دل أنه يقصد الغرب الصليبي ضد الشرق المسلم مبعث الإرهاب الحقيقي في نظرهم!
دل على ذلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين بأن الحرب ضد الإرهاب قد يطال ستين دولة .. من دول الشرق الإسلامي ..؟!!
ثانياً: هذا التبييت المسبق لضرب أفغانستان .. وقبل أن تنتهي أو حتى تبدأ التحقيقات .. فما إن حصل ما حصل إلا وعبارات الوعيد والتهديد تتوجه مباشرة إلى أفغانستان .. تلك الدولة التي تعمل بصدق على إحياء المشروع الإسلامي الشامل لجميع جوانب الحياة .. واستئناف حياة إسلامية في ربوع البلاد .. ولعل هذا مما جعلها الهدف الأول للضربات الأمريكية والغربية..!
وإلا كيف يُفسر هذا الحرص الشديد على إبادة شعب بكامله بجميع مرافق حياته .. من أجل شخصٍ واحدٍ ـ كما زعموا! ـ لم تثبت حتى الساعة إدانته فيما حصل ..؟!
لا يمكن تفسير ذلك إلا أنه حقد صليبي .. وأنها حرب صليبية شعواء على الإسلام والمسلمين .. يرتبون لها منذ أمد!
الهدف الأمريكي ليس أسامة الموجود في أفغانستان .. وإنما الإسلام .. والتجربة الإسلامية برمتها الموجودة في أفغانستان ..!!
وتسليم أسامة للسلطات الأمريكية ـ كما صرح بذلك الأمريكان أنفسهم ـ لا تنهي المشكلة .. ولا ينهيها إلا القضاء الكامل على الدولة الإسلامية الناشئة في أفغانستان !!
5- هذا الحدث الذي حصل في أمريكا يُعتبر فتنة لكثير من أبناء الأمة .. يُعرَف فيه الحق وأهله من الباطل وأهله .. يُعرف فيه المنافق من المؤمن .. ويميز فيه الخبيث من الطيب، كما قال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ .
فهاهي دول الشقاق والنفاق كلها ومن دون استثناء تتسارع في الإعلان عن تأييدها الكامل لأمريكا في حربها ضد الإرهاب .. أي ضد الإسلام!
فدولة السعودية ـ دولة العقيدة والتوحيد كما زعموا !ـ تعلن بكل وضوح وقوفها الكامل مع أعداء الأمة ضد الأمة .. وتأييدها الكامل لأمريكا فيما تقوم به من حرب للإسلام والمسلمين .. باسم حرب الإرهاب .. زعموا!
وكذلك إيران .. تلك الدولة التي كانت تنادي في كل مناسبة " الموت لأمريكا .. الموت لأمريكا " فلما أمات الله أمريكا .. وأنزل بها سخطه .. صلوا عليها صلاة الغائب .. ووقفوا دقيقة صمت .. مما يجعلنا نجزم أن شعارات التنديد بأمريكا التي كانوا يرفعونها ما هي إلا من قبيل الاستهلاك المحلي .. وتضليل الشعوب .. من أجل ترويج عقائدهم ومذاهبهم الباطلة الضالة بين أبناء الأمة ..!
وهم لم يكتفوا بذلك وحسب .. بل ما إن شعروا باقتراب ضرب أمريكا والغرب لأفغانستان .. إلا وقاموا بإغلاق حدود إيران مع أفغانستان حتى لا يُعطوا فرصة لامرأة أو طفل أو شيخ كبير للنفاد من نيران الضربات الأمريكية .. وما ذلك إلا لأن الشعب الأفغاني شعب مسلم سني لا ينتمي إلى مذهب الرافضة الاثنى عشرية الذي تنتمي إليه إيران ..!
هل كانت إيران ستقف هذا الموقف السلبي لو كانت حركة طالبان حركة شيعية ..؟!
وكذلك القذافي ذلك الطاغية الظالم .. الذي كان دائماً يضحك على شعبه وأمته .. ويتظاهر بأنه ضد أمريكا وظلم أمريكا .. فهاهو يبيح لأمريكا بأن تنتقم لنفسها بالطريقة التي تشاء .. ويأمر شعبه ـ الذي حاصرته أمريكا لأكثر من عشر سنوات! ـ بأن يتبرع بدمه لأمريكا ..!!
ومثله عرفات .. عميل اليهود والأمريكان .. الذي يحرص في هذه الأيام على إخماد وإيقاف الانتفاضة ـ نزولاً عند رغبة الصهاينة والأمريكان ـ ليتفرغ العالم المتآمر على الإسلام ـ بأقل حرج ـ للقتال على جبهة أفغانستان ..!!
هذا على المستوى الرسمي .. أمّا على المستوى الشخصي فحدث ولا حرج:
فهاهو القرضاوي الذي كان يطالب الأمة بأن تقاطع البضائع الأمريكية .. وأن تمسك عن شراء البيبسي والكوكولا ـ يوم أن كان الحديث عن ذلك سهلاً ـ من باب إضعاف وزعزعة الاقتصاد الأمريكي .. فلما ضرب الله اقتصاد أمريكا .. واضطرب اقتصادها .. فإذا هو يناشد الأمة بأن تتبرع بدمها لأمريكا ..!
وكذلك الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي .. فقد هالنا البيان الذي صدر عنه .. وإليك بعض مقاله .. ويا ليته ما قال!
قال:" فصار الناس إثر ذلك ـ أي إثر انهيار العمارة ـ كأنما القيامة قامت وكأن الفزع فزع قيام الساعة .. وكأنما قامت قيام الساعة!! " ا- هـ.
أقول: قوله هذا فيه استهانة واستخفاف بيوم القيامة .. وبما وصف الله تعالى هول ذلك اليوم العظيم ..!
أتُشبه يا " اللحيدان " إنهيار عمارة .. بقيام الساعة .. وما أدراك ما قيام الساعة: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
اتق الله يا اللحيدان .. هذه اللغة لا تناسب مكانتك ووظيفتك .. وهي تذكرنا بلغة أهل الشارع من عوام الناس الذين اعتادوا أن يقولوا لأي أمر مفاجئ: كأن القيامة قامت .. والعياذ بالله!!
ثم قال:" ومما أثير عما قد يُقال أو تردد في بعض وسائل الإعلام عن الشعب الأمريكي وما قد يكون ينظر للمسلمين المتواجدين في أمريكا من أصل أمريكي أو من وافدين إليها من العرب أو غيرهم، وهل هذا مما يُقبل عقلاً ؟
ذكرت وأذكر هنا أنه لا يتوقع أن الشعب الأمريكي الذي يقول عن نفسه أنه من أبرز حماة الديمقراطية، وحامل لواء العدل، لا يُعقل أن ينظر إلى مواطنيهم أو ضيوفهم من العرب والمسلمين ومن غير المسلمين من العرب أيضاً لا يمكن أن ينظر لهم الشعب الأمريكي مع ما هو فيه من مناعة وما يفترض فيهم العقل، ومعرفة التجانس، وتذكر ما قد حدث في أيام المحن لا يمكن أن ينظر إلى غير المسيء بنظرة للمسيء؛ فإنه لا يستوي المجرم مع غير المجرم، ولا يحمل مسالم موالي ذنب وجريرة معتد ظالم " ا- هـ.
نراك معجباً بأمريكا ونظامها وشعبها كثيراً .. يا اللحيدان !!
نراك معجباً بالديمقراطية الأمريكية .. وبالشعب الأمريكي أبرز حماة الديمقراطية كما قلت ..؟!!
نراك معجباً بالعدالة الأمريكية التي تنزه شعبها عن ظلم الآخرين ..؟!!
كل هذا الظلم الذي ترعاه أمريكا بحق الشعوب المستضعفة من المسلمين .. الذي يعرفه القاصي والداني .. الجاهل والعالم .. لم تر منه شيئاً ياللحيدان .. حتى تصف أمريكا وشعبها بالعدل والعقل .. وغير ذلك من عبارات الإطراء والمديح ..؟!!
ثم على أمريكا العادلة أن تميز بين المسالم الموالي .. وبين المذنب المعتدي .. كما قال اللحيدان ..!
والسؤال الذي نوجهه للحيدان: هل يجوز عندك للمسلم أن يكون موالياً لأمريكا راعية الكفر والإرهاب العالميين ..؟!!
لم يبق لك إلا أن تطالب المجتمع السعودي ليقتدي بالنموذج الأمريكي حامي حمى الديمقراطية، والعدل، والعقل ..!!
حقاً أنك قاضٍ .. ولكنك قاضٍ على الطريقة السعودية .. وفق ما يمليه عليك حكام آل سعود .. وليس على الطريقة الإسلامية وفق ما يأمرك به الله تعالى .. فقضاؤك يميل مع أهواء ورغبات الساسة المتنفذين ـ وهذا شرط عما يبدو لكي تكون رئيس مجلس القضاء الأعلى! ـ وليس مع الحق الذي يُفترض منك أن تنصره وتنصفه .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
6- فإذا عرفنا ما تقدم فاعلم أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يدخل في موالاة ونصرة أمريكا أو غيرها من ملل الكفر على أي طرف إسلامي .. تحت أي زعم أو ذريعة كانت .. ومن يفعل ذلك فهو منهم كافر خارج من الملة .. كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ .
وقال تعالى: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً  فهذا لا يمكن أن يكون .. ولا يمكن أن يجتمع إيمان واتخاذهم أولياء في قلب امرئٍ .. لذا أجمع أهل العلم على أن مظاهرة المشركين على المسلمين من الكفر الأكبر، كما نقل ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وغيره من أهل العلم.
7- يجب على جميع المسلمين ـ وكل بحسب طاقته واستطاعته ـ أن يمدوا يد العون والغوث، والنصرة إلى أي طرف إسلامي تعتدي عليه أمريكا وحلفاؤها ..!
وهذا واجب شرعي لا مناص للمسلم أن يتفلت منه .. أو يتنكب عنه، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" المسلمون يد على من سواهم، يرد مُشدُّهم ـ أي قويهم ـ على مُضعفهم ".
وقال :" المؤمن من أهلِ الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان، كما يألم الرأس لما يُصيب الجسد ".
وقال :" ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".
وقال :" المؤمنون كرجل واحدٍ إذا اشتكى رأسَه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى عينَه اشتكى كلُّه ".
وقال :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه .." أي لا يُسلمه للظلم والقهر والعدوان ..!
هذا نداء النبي  لك يا عبد الله يا مسلم .. فلا تلتفت عنه إلى نداءات أهل النفاق والشقاق والإرجاف ـ مهما تظاهروا لك بالعلم أو الحكمة .. واتسع صيتهم وذكرهم في الأمصار ـ ممن أشربوا في قلوبهم حب الطاغوت .. فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك، كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبها صبراً واحتساباً
30/6/1422 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
18/9/2001 م. أبو بصير

د.فالح العمره
28-05-2005, 12:43 AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

أيها الاخوة ..... مضى ذلك اليوم – يوم عاشوراء – الفاضل المبارك الذي كان يوما من أيام الله تعالى , نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه {{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين }} . ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن صامه وتُقُبل منه صيامه , إنه على كل شيء قدير .

في هذه الليلة .. ليلة الحادي عشر من شهر الله المحرم من سنة 1413 للهجرة ينعقد هذا المجلس المبارك في هذا المسجد بحي الإسكان بمدينة جدة . وعنوان هذه المحاضرة هو حقيقة التطرف. وقد عولج هذا الموضوع كثيرا بأسماء شتى سواء في محاضرات أو دروس أو في كتب قديمة أو جديدة ، ولعلي أذكر من الكتب القديمة التي عالجت جانبا من هذا الموضوع كتاب الإمام الشيخ ابن تيميه- رحمه الله - : اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، فقد عالج فصولا من ذلك في غلو اليهود والنصارى وغلو هذه الأمة . أما من المعاصرين فإنني أشيد بكتاب ضخم صدر أخيرا بعنوان : الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة للأستاذ عبد الرحمن اللويحق ، وهذا الكتاب هو بحق من أنفس وأحسن وأجمع ما كُتِبَ في موضوع الغلو ، وسأتحدث عن هذا الموضوع في نحو ست نقاط .

الأولى : لماذا نناقش هذا الموضوع وما مناسبة طرحه في هذه الظروف بالذات ؟ فأقول ...

أولا : لأن الغلو أو ما يسمونه بالتطرف أحيانا هو واقع لا شك فيه , ولا يمكن تجاهله , و
ليس يجوز أن يكون انزعاجنا هو من الحديث عن الأخطاء أو المشاكل ، بل يجب أن يكون انزعاجنا من وجود الأخطاء أو من وجود المشاكل في المجتمع المسلم , ولهذا لست أرى حرجا قط في نقد مظاهر الانحراف في المجتمع الإسلامي بل وفي نقلها علانية وأمام المسلمين خاصتهم وعامتهم . وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) والنصيحة تـقـتضي بأن نتصارح بأخطائنا وعيوبنا سواء كانت أخطاء الخاصة أو أخطاء العامة ، اللهم إلا أن تكون تلك الأخطاء أخطاء شخصية فحينئذ ينبغي أن تكون النصيحة فيها بينك وبين الشخص الذي صدر منه الخطأ .

ثانيا : هذا الموضوع تناوله الكثير , تحدث عنه الغرب الكافر وأطلق مصطلح الأصولية , تحدث عنه العلمانيون عبر أجهزة الإعلام من صحافة وغيرها وأطلقوا مصطلح التطرف , وتحدث عنه غير المتخصصين سواء كانوا في المراكز العلمية أو في أجهزة الإعلام أو في غيرها ، فوجب على حملة العلم الشرعي أن يتناولوا هذا الموضوع أيضا ، ولعلي أذكر لكم نموذجا واحدا فقط لمن يتحدثون في مثل هذه الأمور . قبل يومين قرأت في جريدة الحياة مقابلة مع إحدى المغنيات اللبنانيات الشهيرات , وهي في فرنسا تتجول في مسارحها ونواديها للتحكيم في بعض المسابقات الفنية , فسألوها أخيرا عن أن هناك بعض الفنانات والممثلات يعتزلن الغناء والتمثيل والفن باعتقاد أنه محرم .. فقالت هي : " أبدا الفن مش حرام وعمره ما كان حرام " , فهذه فتوى نشرت بالخط العريض تدل على أنه تكلم في مثل هذه الأمور كل أحد , وحق على أهل الإسلام وحملة الدعوة أن يتكلموا عنه .

أحرام على بلابله الدوح ****** حلال للطير من كل جنس

ثالثا : أن هذا الموضوع يتجدد عرضه مع كل حدث ، فمثلا عند مقتل الرئيس المصري السابق طُرحت قضية ما يسمى بالتطرف على أوسع نطاق ثم سكنت قليلا . في أحداث أفغانستان طُرحت , في سقوط الاتحاد السوفييتي طُرحت , في أحداث الخليج طُرحت ، في قيام الانقلاب في ثورة الإنقاذ في السودان طُرحت ، في أحداث الجزائر طُرحت ، وهكذا صارت تطرح في كل مناسبة ويتسامع الناس عن هذا وربما يكون الكثير من عامة الناس يأخذون معلوماتهم عن هذا الموضوع من خلال أجهزة الإعلام .


النقطة الثانية : الحديث عن المصطلح


التطرف كلمة وردت في العنوان , وهذا في الواقع مصطلح صحفي وإن كان صحيحا من حيث اللغة - يعني أخذ الشيء من الطرف - لكنه ليس من الألفاظ الشرعية . فهو لم يرد في القرآن ولا في السنة النبوية وإنما هو مصطلح صحفي أكثر من يستخدمه العلمانيون غالبا دون أن يلتزموا بالموضوعية في هذا المصطلح ؛ فهم لم يحددوا أولا ما هو التطرف وما معنى التطرف ؟ بل لا يريدون أن يحددوا له معنى , يريدون أن يبقى لفظ التطرف لفظا غامضا سيالا فضفاضا يحاولون إضفاءه وإلصاقه في خصومهم , سواء كانت خصومة سياسية , أو فكرية , أو شرعية دينية , أو حتى خصومة شخصية أحيانا . وهم أيضا لا يريدون أن يكون لهذا المصطلح معنى خاص حتى يسهل عليهم تقليبه كيف شاءوا , فهم اليوم يصفون به هذه الجهة وغدا يصفون به تلك الجهة , واليوم يصفون هؤلاء بالتطرف وغدا يبعدونه عنهم ويصفونهم بالاعتدال . لماذا ؟ لأن لفظ التطرف لفظ غامض فضفاض في استخدامهم .

ففي نظر هؤلاء مثلا يمكن أن يوظف مصطلح التطرف أحيانا في مواجهة بعض المواقف السياسية , فالذين ينتقدون الصلح مع إسرائيل هم متطرفون ولذلك وجدنا مجلة كالوطن العربي تنبز منظمة حماس الإسلامية الفلسطينية !! تنبزها بأنها منظمة متطرفة ، لماذا ؟ لأن موقفها من قضية السلام موقف واضح وصريح أنها ترفضه وتعتبر أن المشاركة في مؤتمرات السلام خيانة لقضية الأمة الإسلامية . وبالأمس القريب كانت منظمة حماس عند هؤلاء وغيرهم رمزا من رموز المقاومة الوطنية الناضجة التي كانت تقاوم الاحتلال الصهيوني الغاشم ، هكذا كانت عباراتهم . فبين عشية وضحاها تحولت من منظمة وطنية ومنظمة مقاومة و . . و. . . تحولت إلى منظمة متطرفة . وهكذا يبرز جانب التحالف الجديد بين العلمانيين الذين كانوا بالأمس في موقف المعارضة في الغالب فتحولوا اليوم أمام خطر ما يسمونه هم وغيرهم بالتطرف الديني , تحولوا إلى موقف التحالف مع القوى الأخرى مع السلطات ومع الغرب ومع غيرهم وسأزيد هذه النقطة وضوحا في التي بعدها . إذن قد يوظف التطرف أحيانا أو ما يسمى بذلك في مواجهة بعض المواقف السياسية .

أحيانا يوظف في مواجهة بعض المواقف السلوكية . ففي نظر العلمانيين مثلا - من الصحفيين وغيرهم - الذي يلتزم بالسنة في صلاته ، في لباسه في تجنبه للمحرمات , في حجاب زوجته , في هيئته , في سواكه , في تجنبه للربا , في تجنبه للفحش , في تجنبه للغناء ، هذا يعتبر عندهم محسوبا على المتطرفين . وكثيرا ما ترسم الكاريكاتيرات في الصحف الساخرة من أصحاب اللحى الطويلة وأصحاب الثياب القصيرة ، فكأن هذا عندهم هو رمز التطرف . فمثلا في جريدة صوت الكويت - لا حياها الله - رسمت في أحد أعدادها القريبة رجلا له لحية كبيرة وكأنها كيس
كبير يحمله , وهذه اللحية مرسومة على شكل مسدسات – إشارة إلى أنه إنسان إرهابي -
وفي يده جريدة تعلن اغتيال رئيس المجلس الأعلى في الجزائر بوضياف وهذا الرجل يقول : اللهم احمنا من الإرهاب . وفي عدد آخر من الجريدة نفسها صورت إنسانا كثيف الحاجبين , شاربه محلوق , لحيته ضخمة طويلة تصل إلى نصف الساق تقريبا , وثوبه قصير وفي يده مسبحة ، هذه المسبحة هي عبارة عن عقود من القنابل .. فيرتسم في ذهن السذج والبسطاء والمغفلين ترتسم هذه الصورة بالإرهاب ، بالتطرف , بالعنف , برفض الحوار , دون أن يتحدثوا ودون أن يستخدموا أسلوب النقاش الهادئ العلمي الموضوعي الذي يتحدثون عنه ، لكن من خلال صورة بذيئة غير مؤدبة . وبطبيعة الحال فإن الموصومين بما يسمونه بالتطرف لا شك أن منهم من يلتزم بالمظاهر الإسلامية فيعفي لحيته مثلاً أو يقصر ثوبه , لكننا نعرف الخلفية التي يستبطنها أولئك الصحفيون وهم يتحدثون أو يرسمون . لا نعرفها من باب الرجم بالغيب فالغيب
لله ولكن نعرفها من مواقف أخرى واتجاهات ومناهج يحاولون أن يجروا كل دعاة
الإسلام لتصنيفهم تحت عنوان التطرف ومن ثم يحذرون المجتمعات من خطورتهم .

فمثلاً جريدة الشرق الأوسط - ومع الأسف أنها محسوبة على هذه البلاد - تعتبر الجبهة الإسلامية
في الجزائر أصوليين متطرفين , وأهل السودان أصوليين متطرفين , وأهل اليمن أصوليين
متطرفين , وأهل الأردن أصوليين متطرفين , بل وكثيرا من أهل هذا البلد أصوليين متطرفين , وحزب النهضة في تونس أصوليين متطرفين في نظر جريدة الشرق الأوسط . ولهذا قال أحد الكاتبين في جريدة المدينة قال : ( إن الشرق الأوسط صورت ما يسمى بالجماعات الإسلامية كلها وكأننا نعيش في غابة من الوحوش لا هم لها إلا القتل والتفجير والحرق والتدمير وغير ذلك ) . وأقول هذا الوصف الذي أطلقته " خضراء الدمن " على الجماعات الإسلامية وعلى دعاة الإسلام لم تظفر به كل المجتمعات البشرية !! حتى اليهود لم تصف مجتمعاتهم بذلك , بل وصفت مجتمعات اليهود بأن فيها صقوراً وحمائم , وأن فيها معتدلين , وأن فيها منادين للسلام ؛ ولم تصف الصرب الذين دمروا المسلمين في البوسنة والهرسك بهذا الوصف قط ؛ ولم تصف الصليبيين في أي بلد في العالم بذلك , ولا الشيعة , ولا البعث , ولا غيرهم . وقد حشرت في هذا تناقضات تمتد ما بين النواب الأردنيين الذين دخلوا البرلمان الحكومي , والجبهة القومية في السودان التي يقول " مورفي " - وهو مراسل لإحدى الصحف الأمريكية في الشرق الأوسط - يقول عن أحد زعماء الجبهة في السودان : ( إنه منظر إسلامي فذ , لكنه أصولي يعرف جيداً كيف يستغل الظروف ويستخدمها لصالحه , وهو قادر على التأقلم مع الواقع - لاحظ الألفاظ - ويرضى بمهادنة الأنظمة بدون أن يتخلى عن مطالبه ) ثم يقول : ( إن الترابي – وهو المقصود بحديثه السابق - بدأ يعلم تلاميذه شكلا آخر للأصولية الإسلامية يمكنهم من التعايش مع الآخرين , والتأقلم مع المتغيرات والتطورات , ويجنبهم العزلة , في الوقت الذي يلتزمون بالخطوط العريضة لأفكارهم ) .
أولا : لا أحد يستطيع أن يمدح الترابي ولا غيره بأفضل من مثل هذا الكلام – أنه يحافظ على أصوله ومبادئه ومع ذلك عنده قدرة على : التأقلم مع الظروف , والمتغيرات , ومع الآخرين , وأسلوب للحوار النقاش الهادئ . ثانياً : هذه شهادة من رجل نصراني غربي يحمل في الغالب عداوات النصارى للمسلمين ومع ذلك وصف الرجل بأنه يتأقلم مع الظروف وانه يحسن معايشة الأوضاع ، فكيف تأتي صحف كالشرق الأوسط أو غيرها لتصفهم بالتطرف والأصولية والوصولية ؟

كما حشرت الشرق الأوسط التجمع اليمني بقيادة الشيخ " عبد المجيد الزنداني " ضمن المتطرفين , واعتبرت أن التجمعات والمخيمات التربوية العلمية التي تقام في اليمن أنها مراكز لتخريج المتطرفين وتدريب الإرهابيين دون أن تقدم على ذلك دليلاً واحداً ، ونسيت هذه الجريدة أنها تتكلم عن واقع لا يفصلنا عنه سوى كيلوميترات قليلة , وأن التحقق من هذه الأحوال والأخبار أمر ميسور ، لكن في حمى العداوة الشخصية و السياسية نسيت كل شيء وأصبحت تتكلم بمثل هذا الأسلوب .

كما شمل هذا اللفظ حزب النهضة التونسي , وهو من أكثر الاتجاهات الإسلامية تسامحاً بل رخاوة في أفكاره وفي مصطلحاته وفي علاقاته . أما الجماعات الإسلامية في مصر فحدث ولا حرج . بل حتى المجاهدون الأفغان صنفوا الآن ضمن المتطرفين وخرجت علينا مطبوعات عدة تحذر منهم ومن الشباب العربي المسلم العائد من هناك ... أصوات تحذر من هؤلاء لم نسمعها يوماً من الأيام تحذر من الشباب العائد من " بانكوك " والذي يحمل جرثومة الإيدز !! في صحف محلية في هذه البلاد , ومع الأسف أن يتورط في هذا الأمر مطبوعات وصحف محلية كان يجب عليها عل الأقل أن تجامل العلم وأهل العلم في هذه البلاد التي هي محط أنظار المسلمين في كل مكان .

على أي حال مقصودي من هذا الاسترسال أن أقول أن هذه الصحف وهذه الوجوه لا تتحدث عن فئة بعينها , لا , ولكنها تتذرع بالحديث عن التطرف إلى شفاء غليلها والتـنفـيـس عن أحقادها وعداواتها من حملة رسالة الإسلام حتى ولو كانوا معـتدلين , بل حتى لو كانوا مفرطين متساهـلين !!

وقد يوظف لفظ التطرف أحيانا ضد مواقف عقائدية مبدئية ، فمثلاً الذي يطلق على النصارى لفظ " كفار " يعتبر عند بعضهم متطرفاً ، والذي يتحدث عن الحكم الإسلامي والدولة الإسلامية يعتبر متطرفا ، لماذا ؟ لأن هؤلاء يقولون أن الإسلام لم يطبق أبداً حتى في عهد الخلفاء الراشدين - وهذا كلام فرج فودة في كتابه " الحقيقة الغائبة " الذي دفع حياته ثمناً لهذا الكتاب - يقول ما معناه : ( إن الإسلام حلم وخيال ولم يطبق على محك الواقع يوماً من الدهر ) !! ولذلك فالذين ينادون بالحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية هم من المتطرفين , والذي يدعو إلى مخالفة المشركين في هديهم وسلوكهم وأعمالهم وأعيادهم هو من المتطرفين , والذي ينادي بتصحيح عقائد المسلمين وأحوالهم وأخلاقهم على ضوء الكتاب والسنة هو من المتطرفين , وهو من الذين يدعون إلى الحجر على العقول وتعطيلها .

إحدى الصحف مثلاً نشرت أيضا كاريكاتير هو عبارة عن صورة لرجل ملتحٍ وضع خده على يده يفكر , فبصر به أحد أقاربه - ممن يسمونهم بالمتطرفين – فجاء إلى أمير الجماعة - كما يقولون - يقول له : " إني رأيت فلاناً قد وضع خده على يده بمعنى أنه قد بدأ يفكر , ومن فكر كفر فأنا أقترح تصفيته جسدياً " - يعني قتله - وهم بذلك يريدون أن يوصلوا إلى القارئ والمشاهد رسالة أن هؤلاء لا يفكرون ويحجرون على العقول وأنهم يتعاملون دائماً وأبداً مع خصومهم بأسلوب القتل والإرهاب والتصفية الجسدية .

أما الغرب فإنه يستخدم بدلا من لفظ التطرف لفظ الأصولية , وهو في الأصل مصطلح نصراني يطلق على أحد المجموعات النصرانية التي تلتزم بحرفية الكتاب المقدس عندهم التزاماً صارماً ، وقد نشأت في ظروف وأوضاع خاصة . وقد حاول هؤلاء أن يبحثوا عن أوجه شبه بين هذه الفئة من النصارى وبين دعاة الإسلام أو بعضهم ومن ثم نقلوا المصطلح إلى الشرق . هو مصطلح غربي له ظروفه وملابساته الخاصة , وإن كانت الصحف العلمانية لا تتورع عن شيء في نفث أحقادها ، فإنها تستخدم كل مصطلح وتعده وسيلة أو سلاح ضد دعاة الإسلام . وقد أصدر " سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز " بياناً منذ زمن نشر في الصحف يحذر فيه من هذا المصطلح , ويبين ما يقصد به ويدعو إلى تجنبه وإلى العدل في الأقوال والأعمال .

إذن قد يطلق لفظ التطرف وقد يطلق لفظ الأصولية وكلها كلمات باطل أريد بها باطل في الغالب .


النقطة الثالثة : المعنى الشرعي


اللفظ الشرعي في مقابل هذا وذاك هو لفظ الغلو , وقد جاء هذا اللفظ في كتاب الله عز وجل في مواضع كثيرة . قال الله عز وجل : {{ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق }} , وقال سبحانه : {{ قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قومٍ قد ضلوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل }} . كما جاء هذا في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً , ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنه لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم جمرات أمره أن يلقط له حصى صغارا , وقال : ( بمثل هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) . ولذلك فالأفضل عند الاستخدام , استخدام المصطلحات الشرعية وتجنب المصطلحات الغربية أو المصطلحات العلمانية المحدثة التي أصبح لها جرس ورنين في آذان مستمعيها , وأصبح لها انطباع في عقولهم يصعب التخلص منه , ومع ذلك فإنه ليس لها معنى خاص يمكن فهمه ومعرفته . وهذا لا يعني أيضاً أن استخدام المصطلح الشرعي ينهي المشكلة , فنحن نجد أن هناك من يرمي بالغلو أقواماً ما جاوزوا الحد ولا تعدوا الحق لمجرد مخالفته لهم في المنهج أو في الطريقة , أو جهلاً منه بما هم عليه , أو حسداً من عند نفسه , أو لأي سبب آخر .

ومن أمثلة ذلك مثلا : ما نعلمه جميعاً عن خصوم الدعوة الإسلامية السلفية في هذه البلاد أنهم يطلقون عليها لفظ لفظ الأصولية ولفظ التطرف وغير ذلك من الألفاظ , وهم ما فتئوا ينبزونها بالألقاب بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير .

ومعنى الغلو هو مجاوزة الحد ، والحد هو النص الشرعي : كلام الله عز وجل أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم . والواجب على المسلم أن يكون وقافاً عند حدود الله تعالى : {{ فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول }} , وإذا بحث المسلم مسألة وجب عليه أن يجمع النصوص القرآنية والنبوية فيها ويألف بينها على وجه لا يضرب بعضها ببعض , ولا يأخذ نصاً ويهمل غيره . أما الغلاة فيضربون بعض النصوص ببعض أو يقتطعون نصاً يلائم غلوهم ويسكتون عما عداه .

والغلو نوعان : غلو اعتقادي كغلو النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام , أو غلو الرافضة في علي والأئمة الإثني عشر , أو غلو الخوارج أيضا في تكفير أهل الإسلام بالمعاصي والذنوب كبيرها وصغيرها . ومن الغلو أيضا في الاعتقاد ما أشار إليه الشاطبي وهو : ( الغلو في بعض الفروع بتنزيلها منزلة الأصول ، إذ إن المعارضة الحاصلة بذلك للشرع مماثلة للمعارضة الحاصلة للشرع بأمر كلي ) . أما القسم الثاني فهو : الغلو العملي , وهو المتعلق بالأمور العملية التفصيلية من قول اللسان أو عمل الجوارح مما لا يكون فرعاً عن عقيدة فاسدة . ومن أصح الأمثلة على ذلك , رمي الجمار بالحصى الكبيرة مثلاً , فإن النبي صلى الله عليه وسلم عده غلواً كما في حديث ابن عباس السابق ، هو غلو عملي لا يترتب عليه اعتقاد ، ومثله المبالغة في العبادة كما يحدث عند بعض الفرق الصوفية التي تبالغ في العبادة وتزيد فيها عما شرع الله عز وجل ، كوصال الصوم أبداً وقيام الليل كله وما أشبه ذلك . ولا شك أن الغلو الاعتقادي هو الأخطر لأنه هو النقطة التي تشعبت عندها الفرق المختلفة في الإسلام وبزغت عندها الأهواء واختلفت عندها العقول والقلوب ثم سلت السيوف ثم سالت الدماء . .


النقطة الرابعة : أسباب الغلو


وهذا موضوع مهم جداً . هذه ظاهرة ليست جديدة بل هي موجودة منذ على ما يزيد على ألف وثلاثمائة سنة ، فلنبحث ما هي أسباب هذا الغلو أو التطرف كما يسمونه :

أولاً : الجهل .. بعدم معرفة حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم , ومن ثم يندفع الإنسان وراء عاطفته قد يكون هذا الإنسان غيوراً ، قد يكون معظماً للحرمات , قد يكون شديد الخوف من الله عز وجل ، فإذا رأى إنسانا يعصي ولو كانت معصية صغيرة ... لم يطق أو يتصور أن يكون هذا الشخص مسلماً أو مغفوراً له أو من أهل الجنة لشدة غيرته ، فأدى ذلك إلى لون من الغلو . أو يكون عنده محبة لرجل صالح وأصل هذه المحبة مشروع ولكن هذه المحبة بسبب الجهل زادت وطغت حتى وصلت إلى درجة الغلو في هذا الإنسان ورفعه فوق منزلته .

والجهل يزول بالعلم ، ولهذا كان كثير من الخوارج الأُوَل يرجعون عن بدعتهم بالمناظرة ، بل رجع منهم على يد عبد الله ابن عباس رضي الله عنه لما أرسله علي ابن طالب للمناقشة المناظرة , رجع منهم في مجلس واحد أكثر من أربعة آلاف إنسان . وهكذا في عهد عمر ابن عبد العزيز – الخليفة الراشد - رضي الله عنه نوقشوا فرجع منهم ما يزيد على ألفي إنسان في مجلس واحد . ولهذا الجهل - في الواقع - من أسهل الأسباب لأنه سرعان ما يزول بالعلم والتعليم .

قد يكون الجهل جهلاً بالدليل لعدم الاطلاع عليه أو عدم معرفته . وقد يكون جهلاً بطرق الاستنباط , جهلاً باللغة العربية مثلاً , جهلاً بطرق استنباط الحكم من هذا الدليل آية كانت أو حديثاً نبوياً .

السبب الثاني : الهوى المؤدي إلى تعسف التأويل ورد النصوص . قد يكون الهوى لغرض دنيوي من طلب الرياسة أو الشهرة أو نحوهما . وقد يكون الهوى لأن البدعة والانحراف والباطل سبق إلى قلب الإنسان وإلى عقله واستقر فيه وتعمقت جذوره ورسخت وكما قيل :

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

فيعز على الإنسان حينئذ أن يتخلى عنه ويقر على نفسه بأنه كان متحمساً للباطل مناوئاً للحق , فيتشبث بخطئه ويلتمس له الأدلة من هنا وهناك . وقد يكون الهوى لأن هذا الإنسان الغالي ذو نفسية مريضة معتلة منحرفة ، فهي تميل إلى الحدة والعنف والعسف في مواقفها وآرائها وتنظر دائماً للجانب السلبي ، الجانب المظلم في الآخرين ، وقد يشعر صاحبها بالعلو والفوقية وغير ذلك دون أن يدرك ذلك من نفسه أو يقر أو يعترف به . وقد يحس بأنه أتيح له في وقت يسير وفي وقت مبكر من العلم والفهم والإدراك ما لم يتح لغيره في أزمنة طويلة ، ومن هنا تتبخر الثقة بالعلماء المعروفين والدعاة المشهورين ويستقل الإنسان بنفسه وبرأيه , فينتج عن ذلك الشذوذ في الآراء والمواقف والتصورات والتصرفات .

السبب الثالث : أحوال المجتمع . فمن الخطأ الكبير أن نعتقد أن المتطرف شجرة نبتت في الصحراء , لا , هو فرع عن شجرة وهو جزء من مجتمع عاش فيه , ولهذا المجتمع في نفسه وتفكيره وعقله أعظم الأثر . فمثلاً : التطرف في الانحراف يؤدي إلى تطرف مقابل سواء الانحراف الفكري أو الانحراف العملي . ولذلك فالذين يجرون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد والانحلال الخُلُقِي هم في الحقيقة من المتسببين في حصول الغلو , وإن أعلنوا الحرب عليه وعلى ما يسمونه بالتطرف إلا أنهم من أول المتسببين فيه . فمظاهر الرذيلة في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة والشاشة والإذاعة وغير ذلك , إذا أقرها المجتمع وسكت
عنها فإنه يجب عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو . هذا إذا كان دور المجتمع هو فقط السكوت عنها , فما بالك إذا كان دور المجتمع بكليته هو تشجيع مظاهر الانحراف ودعمها وحمايتها وحراستها وتبنيها , سيكون الأمر ولا شك أخطر . وقل مثل ذلك في الأوضاع الثقافية والإعلامية ؛ فمحاصرة فكرة من الأفكار مثلاً وإغلاق منافذ التعبير والكلام أمامها , سواء الصحيفة أو الإذاعة أو التلفاز أو غير ذلك هو سبب لأن تتبلور لدى هذه المجموعة فكرة الغلو أحيانا أو على الأقل فكرة المواجهة والسعي لإثبات الذات . ومن الغريب جداً أن الإعلام العربي
خاصة , يتهم بمن يسميهم بالمتطرفين بأنهم لا يتسامحون مع غيرهم , أو أنهم يسعون لإسكات الأصوات الأخرى التي تخالفهم , مع أننا نعلم أن هؤلاء الناس لا يملكون شيئاً أصلاً ، لا يملكون أجهزة الإعلام ولا يملكون الصحافة ولا يملكون المنابر , بل الكثير منهم لا يملك حق الاجتماع بعشرة أو أقل من هذا العدد ، فكيف يقال عنهم أنهم يغلقون منافذ التعبير عن غيرهم ؟ والواقع أن هذا الإعلام المهيمن هو الذي أصبح حكراً باتجاه معين أو مذهب خاص أو طائفة محدودة , وأصبح يبخل على الآخرين ببضعة أسطر أو ببضع دقائق فضلاً عن أن يساويهم بغيرهم في كافة الأجهزة الإعلامية ؛ فقد صودرت الآراء النزيهة المعتدلة فضلاً عن الآراء الغالية أو المتطرفة , ومثل هذا الوضع لابد أن يولد آلافا من الأمراض في المجتمعات .

أحد الدعاة المعروفين اعتذرت صحف دولة بأكملها عن نشر بعض مقالات له مهما كان مضمون هذه المقالات بسيطاً وعادياً وبعيداً عن الإثارة ، المهم ما دامت المقالات ممهورة باسم فلان فإن نشرها متعذر !! وهذا إن كان سياسة عامة فهو مشكلة كبيرة , وإن كان اتفاقاً أو أمراً حصل بالاتفاق والصدفة فهو مشكلة أكبر إذ إنه يدل على أن المتنفذين في الصحافة وأجهزة الإعلام العربية هم نسخة مكررة عن بعضهم .

وقل مثل ذلك أيضا بالنسبة للأوضاع السياسية , فإن الكبت والتسلط والقهر لا يمكن أن يؤدي إلى قتل إنسانية الشعوب والقضاء على كرامتها , لا , ولكنه يؤدي مع الزمن إلى أن تفقد الثقة بقياداتها ثم تعمل في الاتجاه المضاد وتعتبر هذه القيادات ضد مصالح الأمة وأنها عقبة في سبيل الإنجاز لابد من تجاوزها . ومن تناقضات الإعلام هنا أيضاً أن يستنكر الإعلام عمليات الاغتيال التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية أو تنسب إليها أحيانا , ويعتبر أن هذه العمليات جرائم نكراء على حين أنه لا يستنكر الاغتيالات العلنية التي تمارسها كثير من الأنظمة ضد أفراد , بل ضد جماعات , بل ضد شعوب بأكملها . " تونس " مثلاً كنموذج ، يوجد في سجونها ما يزيد على ثلاثين ألف , يعانون ألواناً من مصادرة الإنسانية جعلت منظمة حقوق الإنسان - وهي منظمة دولية غربية ليست إسلامية بل نصرانية - جعلت هذه المنظمة تصدر تقريراً مزعجاً مخيفاً عن حقوق الإنسان المسلم في سجون تونس – الرجال والنساء - ليس هذا فحسب , بل أصبح الإنسان العادي في الشارع مصادر الكرامة . مناهج التعليم يبعد عنها كل ما يتعلق بالإسلام . الإعلام يحارب الإسلام صباح مساء , حتى أنه لأول مرة تخرج مسرحيات محلية في هذا البلد المنكوب فيها لقطات عارية متكررة تتاجر بالجنس وإثارة الغرائز . والبلد - بلد الزيتون وبلد الجهاد والمجاهدين - أصبح يقدم نفسه للعالم الغربي والعالم الإسلامي بهذه الصورة . ولم نجد من تلك الصحف استهجانا لهذا العمل الذي هو اغتيال لشعب بأكمله أو اغتيال لمجموعات كبيرة من الناس ، فضلاً عن اغتيال جماعات أو أفراد .

إنني أقول أحكام الإعدام التي تسمعون ونسمع عنها نوعان : الأول حكم بالإعدام يتخذ القرار فيه بالمسجد , وينفذ بطريقة سرية . وهذا لا شك يستهدف بعض الرموز المنحرفة فكرياً كما حصل لفرج فودة مثلاً ، أو بعض الشخصيات السياسية أو غيرها كما تعرفون في مصر والجزائر وسواها . وهذا سواء كان الذين اتخذوه من أفراد الجماعات الإسلامية أو غيرهم , إلا انه يمثل جانباً كان على تلك الصحف وهي تعرضه أن تعرض النوع الثاني من أحكام الإعدام . وهو أحكام الإعدام التي تتخذ قراراتها في محاكم صورية ( مدنية أو عسكرية ) وتنفذ بطريقة علنية . والعجيب أن يُستَنكر الأول ولا يُستنكر الثاني ، وكلهم بشر !! قُتِل ضابط أمن في مصر فكتبت الصحف المصرية كثيرا عن هذا الضابط , وتكلمت عن زوجته التي كانت تنتظره بفارغ الصبر , وتكلمت عن أطفاله الذين يقلبون عيونهم ببراءة ويقولون : ( أين بابا ؟ متى يأتي بابا ؟ ) فتذرف عيون أمهم دمعات حارة ساخنة . ترحمت الصحف على هذا الضابط و تكلمت عنه وحركت المشاعر باتجاهه ، وأنا أقول حسناً هذا الذي قلتم وهذا الذي فعلتم ... ولكن أولئك الذين قتلوا , قتلهم هذا الضابط أو غيره أو سجنهم وأهدر إنسانيتهم وكرامتهم في السجون والمعتقلات , أليسوا بشراً ؟ أليس لهم زوجات ينتظرنهم وراء الأبواب ؟ ألم تُسكب دموع كثيرة في انتظار مجيئهم الذي لم يحدث ؟ أليس لهم أطفال في عيونهم براءة يتلفتون يمنة ويسرة ويقولون : ( أين بابا ؟ متى يأتي بابا ؟ ) أليس ورائهم قلوب تحن إليهم وتشتاق للقياهم وتحزن لفقدهم ؟ ما بال هؤلاء يكيلون بمكيالين ؟ هل هم يعتبرون هؤلاء من غير المجتمع ، من غير الأمة ؟ أليسوا بشراً ؟ على الأقل يعترفون لهم بالإنسانية والبشرية . إننا إذا أجزنا للصحافة أن تستنكر الاغتيالات التي تتخذ قراراتها أحياناً في المساجد , فإننا نوجب عليها أيضاً أن تستنكر الاغتيالات التي تتخذ قراراتها محاكم أو مجالس نيابية أو وزارية أو سواها . إذن فالأوضاع السياسية من أسباب الغلو .

وقل مثل ذلك أيضا في الأوضاع الاقتصادية كالاستئثار بالثروات والمؤسسات والشركات ووجود طبقات محرومة من الناس تعيش دون مستوى الفقر إلى مستوى الإعدام لا تجد لقمة العيش ولا تملك شيئاً قط ، مع أن مصدر الثراء لأولئك الأثرياء ليس هو الكسب الحلال المشروع وليس هو العمل المنتج , بل هي الطرق غير المشروعة : كالرشوة مثلاً أو المحسوبية أو استغلال النفوذ أو غير ذلك ، أما سوى هؤلاء فلا يمكن أن يحصل على المال إلا عن طريق التسول وإراقة ماء الوجه وإهدار إنسانيته وكرامته . ولا حاجة أن أضرب مثلاً بعيداً فأنتم الآن جميعاً تسمعون أخبار الفضائح في الجزائر , إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق وأصبح كل طرف يلقي باللائمة على الآخر ويقول فلان سرق كذا وفلان سرق كذا ، وأصبحت الأرقام تقدر بمئات الملايين من الدولارات في بلد فقير يعيش العشرة منه أحياناً في غرفة واحدة , يسكنون فيها لا يجدون غيرها وعشرات الآلاف من الشباب يتسكعون في الشوارع بلا عمل . حتى الإعانات التي تذهب إليهم هناك من دول عديدة غربية وشرقية لا يزال الشك يساور الكثيرين كيف صرفت تلك الإعانات وما هو مصيرها ؟؟

هذه الأحوال كلها فضلاً عن غياب دور العلماء وتردي الأمة في التبعية الفكرية والسياسية والعسكرية للغرب وتسخير أجهزة الإعلام لتغيير هوية الأمة ومسخ عقولها وتبديل دينها , بما في ذلك السخرية بالدين والسخرية بالمتدينين وتقديم النماذج المنحرفة من الفنانين وغيرهم على أنهم هم المثل العليا التي يجب على الجيل أن يقلدها ويترسم خطاها ؛ كل هذه الأحوال والأوضاع هي البيئة المناسبة لنمو الغلو أو سَمِّه الأصولية أو التطرف أو سَمِّهِ ما شئت .


خامسا : كيف يمكن القضاء على الغلو ؟


أولاً : ينبغي أن يكون واضحاً لديكم الآن أننا نفرق بين أمرين : الغلو الذي هو غلو فعلاً في الدين ومجاوزة للحد وانحراف عن سواء السبيل كغلو مثلا جماعات التكفير والهجرة الموجودة في مصر وعلى قلة في الجزائر وفي بعض البلاد الأخرى فهذا ولا شك غلو وانحراف . الأمر الثاني : ما تسميه أجهزة الإعلام غربيها وشرقيها ، تسميه غلواً أو تطرفاً أو أصولية أو غير ذلك وهو في الواقع ليس شيئاً من ذلك وإنما هو دعوة إلى الله وإلى دينه وإلى تحكيم شريعته وإلى العمل بالكتاب والسنة . فنحن نفرق بين هذا وذاك ونقول إن الغلو موجود في كل زمان وفي كل الأديان , وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الخوارج لا ينقطعون بل كل ما انقرض منهم قرن ظهر قرن آخر إلى آخر الزمان .

وها هنا أسئلة يجب أن نجيب عليها :

أولاً : هل يمكن القضاء على الغلو أو حتى قل القضاء على الجماعات الإسلامية وعلى الدعوة الإسلامية - الغلاة فيها والمعتدلين وغيرهم - هل يمكن القضاء عليهم بالسجن وبالرصاص وبالمقاصل وبالمجازر ؟
كلا , فهذا في النهاية اعتقاد وفكر , وعلى قاعدة الإعلام نفسه فالفكر إنما يحارب بالفكر , لا يحارب بالرصاصة وإنما يحارب بالحجة ، تقارع الحجة بالحجة .

ثانياً : أننا سبق أن قلنا إن الغلو هو نتاج الضغط والإرهاب والتعسف ، إذن فالضغط والإرهاب والتعسف لا يزيده إلا مضاءً وقوة وإصرارا , وهذا العسف هو المسوغ الذي يحرق حجج المعتدلين . فالمعتدل يوماً بعد يوم يفقد مواقعه لأنه يجد من شراسة الخصومة من قِبَل المتنفذين والقسوة وإغلاق المنافذ في وجه الدعوة ما يكون مسوغاً وحجة في رصيد أولئك الغلاة . فلماذا تصر كثير من الحكومات على مواجهة ما تسميه بالتطرف , بل على مواجهة الإسلام والدعوة الإسلامية الصحيحة النظيفة بالإرهاب والمداهمة والسجون والمعتقلات ؟ لماذا كان جزاء كتاب " معالم في الطريق " و " في ظلال القرآن " هو السجن ثم الإعدام ؟ هل تعلمون أن كتاب " معالم في الطريق " يعلم القارئ كيفية صناعة القنبلة اليدوية ؟ كلا .. هل هو يعلم الإنسان كيف ينظم مسيرة في الشارع ؟ كلا .. هل هو يدرب الناس على حرب الشوارع ؟ كلا .. هو يرسم منهجا للدعوة , وما فيه إلا الحجة , فلماذا يكون جزاء هذا الكتاب .. الإعدام ؟ وأين الذين يدافعون عن فرج فودة – صاحب كتاب " الحقيقة الغائبة - ؟ لماذا لم تدافعوا عن سيد قطب - رحمه الله – حينما أُعدم ؟؟ {{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد }} .

أين حقوق الإنسان من ثلاثين ألف سجين في الجزائر , وثلاثين ألف سجين في تونس , ومثلهم في مصر , يعيشون أوضاع مأساوية حتى بلغ الحال أن بعضهم في مصر يحقنون بعض المعتقلين بجرثومة الإيدز والعياذ بالله ، أم أن المسلم في نظر هؤلاء ليس إنسانا ؟ أقول لكم أيها الاخوة إنه طريق فاشل , وها هي الأنظمة على مدى خمسين عاماً أو أكثر تحارب الدعوة الإسلامية بالقوة والعسف ؛ فهل كانت الدعوة الإسلامية - فيما تعرفون أنتم وتحسبون - أقوى وأشد وأنضج منها اليوم ؟ كلا ... إن الذي يقرأ عن المعتقلات التي عملها " جمال عبد الناصر " في مصر وزج فيها بعشرات الآلاف في السجون الحربية وغيرها , وفي أوضاع سيئة للغاية ثم علق على المشانق أعداداً كبيرة منهم ... الذي يقرأ تلك الأخبار خاصة في ذلك الوقت كان يخيل إليه أنه لن تقوم للإسلام في مصر قائمة . وها هي مصر بذاتها اليوم تستعيد عافيتها بإذن الله ويملأ شبابها المتدين وفتياتها المتدينات جامعاتها ومدارسها ومعاهدها ومساجدها وأحيائها ومؤسساتها , بل وسجونها . وها هي أجهزة الأمن لا تجد نفسها في وضع أسوء مما تجدها عليه الآن , ليس في صعيد مصر فحسب ولا في القاهرة بل في كل مكان . إن ضحايا أسلوب التصعيد والمواجهة القاسية الضارية هم رجال السلطة أكثر مما هم دعاة الإسلام أو حتى الغلاة من دعاة الإسلام , ولقد استطاعت اليد الخفية أن تغتال السادات , وتغتال بوضياف , وتغتال أعدادا غفيرة من الضباط وكبار المسؤولين , ولا يدري إلا الله ماذا تكون عليه الأوضاع غداً وبعد غد . فهل يقبل ناصح لهذه الأمة أن تستمر هذه الطريقة في المواجهة مع رجال الإسلام ودعاته بل حتى مع الغلاة من الدعاة ؟ إننا نعلم أن في إسرائيل أحزابا أصولية متطرفة متشددة , فماذا فعلت إسرائيل تجاه هذه الأحزاب ؟ ها أنتم تسمعون أنها الآن تشارك في الحكم في ائتلافها مع حزب العمل الجديد الذي فاز في الانتخابات وتصل إلى الحكومة ، فلماذا لا يقتدون بهم في هذا ؟
كنا نقرأ ونحن صغار أن القتل والتضييق والسجن والمداهمة لا يقضي على الدعوة بل يقويها ويرسخ جذورها ويؤلب حولها الأنصار ويكثر حولها الأتباع ؛ وأصدقكم القول أيها الأخوة , كنت آنذاك وأنا صغير أشعر في دخيلة نفسي أحيانا أن هذا الكلام نوع من ترضية النفس أو خداع الذات أو التسلية الوهمية , أما الآن فنحن نرى ما نرى في المغرب ومصر والشام بل والعراق وقد جاءت أخبار تدل على أن الصحوة حتى في العراق على قدم وساق وإن لم تكن ظاهرة للعيان بسبب العسف والكبت ولكنها قوية جداً وانتظروا إنا منتظرون , بمجرد ما تنقشع هذه السحابة وتعطى الدعوة الإسلامية نفساً ولو يسيراً تتنفس الصعداء وتظهر على السطح ويبين للناس كم كان عمقها ورسوخها وامتدادها ومقاومتها لرياح الحرب والقتل والتغيير والتدمير والمداهمة . أما الآن ونحن نرى ما نرى فقد آمنا فعلاً أن هذا الكلام حق وأن العقائد لا يمكن أن تحارب بالقتل ولا بالسجن ولا بالمصادرة ولا بكبت الحريات ولا بتكميم الأفواه وقد رأينا الشباب وهم في السجون يرددون آيات القرآن الكريم ويهتفون وينادون ويتمنون الشهادة في سبيل الله عز وجل ويرددون أبياتاً من الشعر الحماسي المؤثر الذي يشتاقون فيه للموت في سبيل الله .

أي حيلة في إنسان أغلى شيء هو أن يموت في سبيل الله ؟ فأنت حين تقتله تهديه هدية كبيرة , فلماذا تظل هذه الأجهزة الأمنية والسياسية في العالم العربي والإسلامي مصرة على هذا الخطأ الكبير في مواجهتها مع الإسلام كله : المعتدلين من الدعاة وغير المعتدلين ؟ ومع ذلك فإن هذا الأمر - وهو أمر بقاء الحق ورسوخه واستقراره - أمر ثابت في القرآن الكريم , وهو ديدن المؤمنين كلما ازدادت المحن أو ادلهمت الخطوب ، قال الله عز وجل : {{ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً }} . وأصحاب الأخدود حرّقوا بالنار ومع ذلك صبروا وهم يرون إخوانهم يُشْوَوْنَ وتُحْرق أجسادهم بالنار , فصبروا في سبيل الله عز وجل حتى أنزل الله تعالى فيهم هذه السورة العظيمة ليكونوا عبرة للمؤمنين عبر العصور . إن التطرف الحقيقي هو تطرف الأحزاب العلمانية , والحكومات التي جعلت كل إمكانيات الأمة وممتلكاتها رهن إشارتها وذريعة لتحقيق مصالحها الخاصة وحاربت كل من لا يذعن لها أو يسير في ركابها , خاصة ونحن نعلم أن الأمة تملك الكثير من الإمكانيات التي كانت تستطيع أن تكون بها كما أراد الله عز وجل {{ خير أمة أخرجت للناس }} .

سؤال آخر هل يحارب الغلو بالتجاهل ؟ أيضا كلا . . . فقد سبق أن بينت أن للغلو أسبابه التي لا بد من إزالتها , ولذلك فإنه لابد من :

أولاً : تمكين العلماء الربانيين من القيام بواجبهم وفتح الآفاق لكلمتهم والسماح بمرورها إعلاميا وتسخير إمكانيات الأمة كلها لهذا الغرض . إن العالم الشرعي يجب أن يشكل مرجعية حقيقية للجميع ، الحاكم والمحكوم على حد سواء ولا يجوز أن تكون المنابر الدينية حكراً على فئة من الهتافين المصفقين من أمثال بعض المفتين الرسميين . سئل مفتي مصر في جريدة صوت الكويت قبل أيام عن التطرف والنصارى وكان من ضمن ما قال - يقول بالحرف الواحد - : ( أما كون بعض الكتب السماوية حُرفت أو بُدلت أو غُيرت فتلك قضية يُسْأَلُ عنها أصحابها وجميع الأديان تتفق في الأصول ) . سبحان الله !! أولاً : لما يقول أن الأديان تتفق في الأصول هل هو يقصد الأصول التي عليها أهل الأديان اليوم أم الأصول المنزلة ؟ الأصول المنزلة هي التوحيد لكن أهل الأديان اليوم من اليهود والنصارى وغيرهم أهل شرك ووثنية فكيف يقول أن الأصول
متفقة هكذا على الإجمال ؟ ثانياً : حينما يقول في الجواب على تحريف الكتب السماوية ( هذي قضية يسأل عنها أصحابها ) يعني يريدنا أن نذهب إلى البابا شنودة ونسأله هل الكتاب المقدس محرف أم لا ؟ ونذهب إلى رابين أو غيره ونسأله هل الكتاب المقدس عندكم محرف أم
لا ؟ كيف يكون هذا ؟ ما عندنا نحن المسلمين دين وجواب ؟ نحن المسلمين ما عندنا جواب لهذه المسألة ؟ مفتي اكبر بلد إسلامي يهرب من الإجابة بمثل هذه الطريقة الملبسة ؟ في روز اليوسف أيضا تجري حوارات مع من تسميهم بمفكرات الإسلام . مرة - وهذا مثال - أجرت حوار مع عميدة لكلية التربية في جامعة الأزهر فتقول هذه العميدة ضمن حوار طويل مثلاً تقول : ( حتى في عصر النبوة كانت هناك سلبيات , في المجتمعات المغلقة وجد اللقطاء أمام المساكن ) . هذا الكلام يقال في سبيل تبرير وتسويغ الفساد الموجود ، يعني مثلاً تأتي لشخص والغ في الرذيلة ، ماله من الربا فاجر لا يصلي عاق لوالديه عاصي مؤذي لجيرانه شارب للخمر مدمن للمخدرات ؛ فتأتيه وتقول يا أخي أنت عليك أخطاء وعليك ملاحظات , تب إلى الله عز وجل . فيقول لك يا أخي كل إنسان فيه عيوب والكمال لله عز وجل . تقول أيضا : ( الجماعات الإسلامية ابتلاء من الله , لم أجد في المنقبات من تحفظ القرآن الكريم ) ثم هجوماً ساخناً على الإمام ابن تيمية في أنه حاد ومتشدد وإلى غير ذلك .

إذن نحن نقول يجب أن يمكّن العلماء الربانيون من القيام بواجبهم ودورهم وفتح الآفاق أمام كلمتهم , ومع ذلك فإنه يجب أن يقال للعلماء والدعاة أيضا قوموا انتم بواجبكم وخاطبوا جمهور الأمة وأدوا دوركم دون أن تنتظروا من أحد أن يأذن لكم بذلك أو يأمركم به . إن المناصب الرسمية الدينية أصبحت وقفاً في أكثر من بلد إسلامي على فئات معلومة ممن يجيدون فن المداهنة والتلبيس , وأصبح هؤلاء - في زعم الأنظمة - هم الناطقين الرسميين باسم الإسلام والمسلمين مع أنه لا دور لهم إلا مسألتان .. الأولى : إعلان دخول رمضان وخروجه , الثانية الهجوم على من يسمونهم بالمتطرفين .

ثانياً : لابد من إيجاد القنوات العلمية والدعوية والإعلامية التي يمكن للدعاة إلى الله عز وجل من خلالها عرض الصورة الصحيحة للإسلام وتنقيته من الدخائل عليه وتعريف الناس بدينهم الحق وإثبات أن هذه الدولة أو تلك ليست ضد الإسلام ولا ضد الدعوة , أما مجرد الخطب الرنانة التي ينقضها الواقع فإنها لن تغير شيئاً . حتى الاتجاهات التي يصاحبها نوع من الحدة أو الشدة يجب
أن تحاور وتناقش في الهواء الطلق وليس من وراء القضبان . وإذا لم تعرض الدعوة الإسلامية الصحيحة الناضجة من الكتاب والسنة فإن البديل عن ذلك أمران ، أولاً : شيوع المنكر الفكري والخلقي بلا نكير وهذا يؤدي إلى التطرف كما سبق , وثانياً : الدعوات المنحرفة التي ستجد آذاناً صاغية فإن الناس إذا لم يعرفوا الحق تشاغلوا بالباطل .

ثالثاً : لا بد من تنقية أجهزة الإعلام من كل ما يخالف الإسلام عقيدةً وأحكاماً وأخلاقا , ولا بد من منع ضحايا الفكر المنحرف من التسلل إلى الإعلام ومنع المساس بالدين وأهله في تلك الأجهزة . إن مما يؤسف له أن الإعلام العربي يتحدث عن الدعوة الإسلامية باسم التطرف أو الأصولية فيتخلى عن الموضوعية تماماً ويتناقض وينحاز فلا يعرض إلا رأياً واحداً ولا يعرض إلا جانباً من الحقيقة . مثلاً مقتل فرج فوده يسمونه مصادرة للفكر وجريمة مع أنني أقول أي فكر يحمله فرج فوده ؟ وماذا يقول ؟ يقول : ( أفتخر بأنني أول إنسان عارض تطبيق الشريعة الإسلامية يوم لم يكن يعارض ذلك أحد ) . ويقول : ( سبق أنني قلت لك يا وزير الصحة عليك أن تعالج الوضع عن طريق زيادة في المهدئات الجنسية ) يعني أن من يسميهم بالمتطرفين أو الشباب المتدين هم ضحايا الكبت الجنسي . هل هذا حوار ؟ هل هذه حجة ؟ هل هذا تعقل ؟ ثم جاء إلى تاريخ الإسلام من عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم , وبالساطور يضربه يمنة ويسرة حتى لم يبقى فيه لبنة على أخرى أو عضو على آخر . هل هذا فكر ؟؟ لكن مع ذلك قاموا وقعدوا وقالوا لماذا يقتل فرج فوده ؟ ونحن نقول : حسنا نردد معكم لماذا يقتل فرج فودة ؟ لكن لماذا يقتل أيضا ألوف من المسلمين والدعاة وطلبة العلم ؟ هل صار الأمر عندكم كما قيل :

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كاملٍ مسألة فيها نظر

لماذا تكيلون بمكيالين ؟ الإعلام العربي كله صحافته وإذاعته وتلفزته ، هل رأيتموه عرض يوماً من الأيام وجهة نظر جماعة من الجماعات الإسلامية ؟ كلا . إنما الإعلام العربي كله دائماً وأبداً في حالة حماس لحملات إعلامية : اليوم نحن ضدكم وغداً انتم ضدنا , وبعد غد نحن وأنتم ضد فلان , وهكذا عمل كعمل الأطفال سواء بسواء . يؤسفني أن أقول هيئة الإذاعة البريطانية - وهي الأخرى أيضاً ليست موضوعية أو منصفة إلى ذاك الحد ولكنها بلا شك أفضل كثيراً من الإعلام العربي - أجرت مقابلة مع أحد زعماء الجماعة الإسلامية في مصر وسجلت أجوبتهم وآرائهم وبثتها للناس , ثم بعد ذلك بفترة أجرت مقابلة سمعتها مع زعيم الأقباط البابا شنودة حول التطرف وقضايا أخرى . أما الإعلام العربي فهو يجبن عن ذلك ولا يملك عرض وجهة النظر بحال من الأحوال , إنه لا يعرض إلا وجهة نظر واحدة وضعيفة أيضاً , وأما وجهات النظر الأخرى فهو لا يجرأ على عرضها أبداً . إذن لا بد من تنقية أجهزة الإعلام وصياغة سياسته صياغة إسلامية ليكون رافداً من روافد الدعوة .

رابعاً : ضرورة ضبط مناهج التعليم وربطها بدين هذه الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها حتى يتخرج جيل مؤمن يعرف دينه تقول التقارير الأمنية إن تكثيف المواد الدينية هو الذي يولد المتطرفين , وتدريس التاريخ الإسلامي والجهاد يولد روح الفداء في نفوس الشباب , والواقع أن تكثيف المواد الشرعية والإسلامية هو الذي ينتج العلم الصحيح الواقي من الانحراف , أما أولئك الذين يظنون أنهم سيحولون بين الأمة ودينها وبين الأمة ولغتها وبين الأمة وتاريخها فهم مغرقون في الوهم , فالإسلام قادم لا محالة وإذا كانوا يحاربون الإسلام فليبشروا بالخيبة والخسار والهزيمة .

خامساً : ضرورة إصلاح الأوضاع الشرعية والأخلاقية في المجتمعات الإسلامية وحمايتها من الانحلال الخلقي وإيجاد ودعم المؤسسات الإصلاحية القائمة على حماية الآداب والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . إنه كما يوجد جهاز مختص لمكافحة المخدرات يجب أن توجد أجهزة قوية ممكنة وذات صلاحية واسعة أيضاً في مكافحة ألوان الجرائم التي لا يقرها الشرع . وأول ما يجب أن يساند هذه الجهات : القانون نفسه أو النظام , فلا معنى لوجود جهاز لمكافحة الرذيلة والبغاء في بلد يسمح قانونه بالزنا ويسكت عنه ، وهكذا .

سادساً : ضرورة العدل وإعطاء ذوي الحقوق حقوقهم , سواء كانت هذه الحقوق حقوقا مالية أو كانت حقوقا شخصية أو سياسية أو غير ذلك , فإن المجتمعات لا يمكن أن تقوم على الظلم أبداً , والله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة , ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة . ومن الظلم سرقة أقوات الناس وأموالهم , ومن الظلم بل من أبشع الظلم أخذ الناس بما لم يفعلوا ، ومن الظلم حبس الناس بالتهمة والظن ، ومن الظلم سرقة نتائج الانتخابات في البلاد الإسلامية كما حصل في الجزائر ثم يقولون حصل التطرف وحصل العنف وحصلت الاغتيالات في حين يسكتون عن إهدار رأي ثمانين بالمائة من الشعب الجزائري المسلم . وأخشى ما نخشاه أن يكرروا هذه العملية نفسها في بلاد أخرى كاليمن التي هي مقبلة على انتخابات بعد فترة قريبة , ونسأل الله تعالى أن لا يكون ذلك وأن يكون أشغل هؤلاء بأنفسهم فمصر التي دعمت الجزائر برجال الأمن والشرطة هي الآن مشغولة بمشاكلها الداخلية وقلاقلها عن غيرها أو لعلها كذلك. ومن الظلم أيضاً التفاوت الشديد بين الناس في كل شيء في أرزاقهم وأموالهم ومراتبهم وغير ذلك , فالله تعالى يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي , وإذا أردنا للمجتمعات الإسلامية أن تكون مجتمعات مستقرة منتجة متآلفة فعلينا أن نقيمها على أساس العدل .

فهذه الأسباب الخمسة لا بد منها في مقاومة ما يسمى بالغلو , ثم يأتي بعد ذلك السبب السادس والأخير وهو : لا مانع من مناقشة الأفكار والحجج والشبهات التي يتذرع بها هؤلاء وتفنيدها
والرد عليها وتطعيم الناس ضدها لئلا يغتروا بها ، فنحن نقول فعلاً بأن الغلو هو الآخر خطر على الإسلام كما أن التفريط خطر ,

ولا تغلو في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم

قلب الأسد
04-06-2005, 09:51 PM
مشكور اخوي على الرد المفصل حول الارهاب والتطرف

بنظري الارهاب هو ردة فعل عمياء تحاول ان تقاوم ما تتعرض له الامة الاسلامية

وانشقاق وتنوع اراء العلماء جعلهم يفعلوا هذي الاعمال الاجراميه

اصبحت احزاب اسلاميه علماء الصحوه وعلماء مجلس الافتاء وعلماء العنف والتطرف

حزب يتبنى العنف بقيادة اسامة بن لادن وايمن الظواهري

حزب وسطيه بقيادة سفر الحوالي وسلمان العوده

وحزب مسالم بقيادة عبدالمحسن العبيكان والسدلان

يجعل طلاب العلم والشباب المتحمس الغيور على دينه في حيرة اي حزب ينظموا اليه للدفاع عن امة الاسلام

مشكور اخوي فالح على الموضوع وتقبل تحيات اخوك قلب الاسد

د.فالح العمره
05-06-2005, 01:18 AM
مرحبا بك يا اخي الفاضل قلب الاسد

ولا هنت على حضورك وهذا التصنيف