المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياة الانسان العربي قبل وبعد الشمول


زبيدة احمد
16-07-2007, 11:32 PM
حياة الإنسان العربي قبل وبعد الشمول

عندما نزل الخطاب القرآني على الرسول صلى الله عليه وسلم كان العرب يعيشون ضمن كيانات اجتماعية متنافرة ومتناحرة تعكس ضمن ما تعكس، التشتت والتمزق،الذي كانت تعانيه الشخصية الجاهلية .
وكان هذا التمزق – التشتت - يتمثل في عوامل عديدة، ويتجسم في حالات مختلفة هي حال المجتمع الجاهلي الذي لا يمكن تسميته بالمجتمع إلا تجاوزا ،واعتمادا على التشابه في عوامل التفرقة والتمزق التي توحد بين سكان الجزيرة ومختلف مستوطناتهم،وهو توحد مجازي طبعا.كان الاختلاف يشمل كل شيء من اللغة إلى العادات والتقاليد إلى القوانين والدين ،باختصار :كل شيء.
لم تكن العربية التي نعرفها اليوم وهي عربية القران الكريم الذي نزل على لسان قريش هي العربية السائدة في الجزيرة كما قد يتوهم البعض،لقد كانت عربية قريش ضمن مجموعة لغات مختلفة،ولم تكن اللغات المختلفة متقاربة،بل كانت أشد مختلفة أشد الاختلاف.
عن هذا الاختلاف يعكس ضمن ما يعكس الانعزال الذي كانت تعيشه كل قبيلة تتميز بلغة منفردة ، لابد أنهم كانوا يملكون وسيلة للتفاهم فيما بينهم،لكن التفرد اللغوي الذي ظل مستمرا كان يعكس حالة الانعزال،التفتت والتشتت الذي كان مسيطرا على سكان الجزيرة الذين لم توحدهم لغة واحدة
إن التشتت اللغوي ليس سوى رمز بسيط لشتى أنواع الاختلافات التي كانت تمزق الشخصية الجاهلية حتى ضمن القبيلة الواحدة.
باختصار:كان الإنسان الجاهلي لا يملك رؤية واحدة،بل كانت تمزق بصيرته رؤى مختلفة لدرجة العمى ،لم تكن لديه عقيدة واضحة أو تصور محدد للعالم من حوله خارج قبيلته.
لم يكن لديه الطموح أو الهدف سواء كان كفرد أو كجزء من جماعة.
لم يكن لديه أفق يحدد رؤيته، بوصلة تحدد اتجاهه.
لم يكن هناك ما يجمعه على بعضه،ما يجعله متماسكا. لم يكن هناك ما يوحد الإنسان العربي غير كثبان الرمال المتحركة التي تفصل بين قبيلة وأخرى، بل بين عالم وآخر.
ثم جاء الإسلام
عندما جاء الإسلام وقام بطرح التساؤل والإيجابية والبحث عن الأسباب قام بطرح الشمول الذي هو الضد الكلي من كل هذا التفتت عبر الخطاب القرآني في صيغ متعددة،وعلى مستويات مختلفة،واحدة منها كان الأسلوب القصصي الذي استعمل في كل عنصر من العناصر السابقة ،فالقصة هنا في سياق من القصص والحوادث المتناثرة عبر أجزاء الخطاب القرآني مكية ومدنية،مختلف المواقع والأزمان،لكن يجمعها جميعا نسق واحد،وعلة واحدة،ومعنى واحد.
فيضرب الخطاب القرآني على وتر شديد الحساسية في أعماق الإنسان عموما،والإنسان العربي البدوي خصوصا.
بقرة لهم ،ومثل لنا
في سياق آخر مدني من سياقات القصص القرآني تحاول القصة القرآنية في هذه المرة أن تكرس مفهوم الربط بين المقصد والأمر،فهاهو القران يعرض لنا قصة النبي موسى عليه السلام عندما أمر لله عن طريقه بني إسرائيل بذبح البقرة،وكان الهدف من هذا الأمر هو :تبيان قدرة الله على إحياء الموتى،وتبيان حكم شرعي متعلق بأحكام الإرث،لكن موقف بني إسرائيل من هذا الأمر الجدير بالانتباه .
لقد وقف بنو إسرائيل أمام فرض إلهي بسيط ،ولا يحتاج إلى تعقيدات مجرد ذبح بقرة،لقد كانت البقرة موضوعا عابرا جدا،مجرد تفصيل آني في طريق الوصول إلى المقصد النهائي،لكنهم وقفوا عندها وقفة طويلة وتشعبوا فيها وأكثروا من الأسئلة ادع لنا ربك يبين لنا ما هي )(ما لونها)لقد أخرجتهم هذه التفاصيل عن المقاصد النهائية للأمر الإلهي،للحد الشرعي ،تحولت التفاصيل الهامشية إلى المغزى الذي يحاولون الوصول إليه،صارت مقصدا بحد ذاتها،مقصدا منفصلا تماما عن المقصد الإلهي،ولكنهم بأسلوبهم في التفكير هذه والتعامل مع الأوامر الإلهية ،تحولت الوسائل المجردة إلى مقاصد وضاعوا فيها،وفي تفاصيلها حتى ضاع المغزى الأصلي والمقصد النهائي للأمر الإلهي.
لقد ذبحوها وما كادوا يفعلون!
ولأن الخطاب القرآني لا يذكر سياقا مخصصا على صعيد التسلية حاشاه ذلك ،فإن القصة موجهة لنا بالتأكيد،وما أحوجنا إلى ذلك الآن فآيات البقرة هذه تذكرنا أن كل الأوامر الإلهية حتى تلك المتعلقة بما يبدو للوهلة الأولى محض عبادات لها مقاصد اجتماعية،وان الانشغال عن هذه المقاصد بتفاصيل الأوامر يكاد يخرج العبادة نفسها عن مقصدها،وعند ذاك لن تغني التفاصيل شيئا.ولو أننا دققنا النظر في أوضاعنا مع تفاصيل العبادات وإلى أوضاعنا مع مقاصدها لوجدنا أننا حقيقة أقرب إلى خانة (اليهود من بني إسرائيل)الذي نطلب منه عز وجل ألا يجعلنا منهم في افتتاح كل ركعة صلاة نؤديها،لكننا عمليا نكون منهم في كل خطوة من خطوات الصلاة نفسها.
ففي كل هيئة من كل ركن وسنة من أركان وسنن الصلاة،ابتداء من النية حتى التسليم،يوجد اليوم ومن قرون طويلة تراكمات هائلة من التفاصيل والخلافات والجدل،في كل حركة من حركات الصلاة توجد تلك الخلافات تلم1هبية البغيضة،والجدال الذي يكاد يصير جزءا من الصلاة نفسها: وضع اليدين،القراءة بعد الإمام ،الجهر بلامين،تحريك الأصبع عند التشهد ..........
كل تلك التفاصيل تكفي دون أدني مبالغة لملء مجلدات كاملة _بل إنها قد ملأت مجلدات بالفعل _ وتملأ مع المجلدات عقول المصلين وتشوش أفكارهم،وتحول تلك التفاصيل إلى غايات بحد ذاتها،
فهل أحتاج إلى القول:أن تراكم التفاصيل الخلافية والجدال حولها، يضيع الغاية والمقصد من الصلاة نفسها؟مقصد النهي عن الفحشاء والمنكر مثلا، ومقصد توحدي الصف، ومقصد الصلة بالله نفسها؟لكننا نتجادل كثيرا ونكثر من التشددات كما فعل بنو إسرائيل مع البقرة حتى نكاد أن نصلي وما نكاد نفعل كما ذبحوها وما كادوا يفعلون .
طبعا لا نعني هنا بحديثنا فقط مقصد الصلاة أو أننا فعلا قد تكلمنا عن مقصد الصلاة بما يكفي ولكن روحية المقاصد ومعانيها موجودة في كل ركن من أركان الإسلام،في كل جزئية من جزئياته،في كل حكم من أحكامه،وكل حد من حدوده.
ولو تأملنا في أركان الإسلام لوجدنا تلك المقاصد الاجتماعية التي تخرج عن إطار الطقوس والشعائر التقليدية إلى مساحة أوسع بكثير:البناء الاجتماعي المتماسك، والنظام المتكامل الذي وضعه الإسلام.

مقتبس من كتاب :

البوصلة القرانية للكاتب الدكتور أحمد خيري العمري ¬_دار الفكر للنشر _ دمشق

د.فالح العمره
20-07-2007, 07:44 PM
لا هنتي اختي الكريمه على هذا المقال

زبيدة احمد
20-07-2007, 11:16 PM
اهلا وسهلا بك اخي فالح
يسعدني تشريفك المستمر
بين صفحات مشاركاتي
الله يجزاك خير

مسفر مبارك
21-07-2007, 05:32 AM
كل شكـــري لكــي أختـــي زبيـــده

زبيدة احمد
21-07-2007, 09:53 PM
دائما تسعدني اخي مسفر بطلتك البهية
على مواضيعي
الله يجزاك خير
وان شا الله تفيدوا وتستفيدوا
دمت بخير بادن الله تعالى

~ورد~
24-07-2007, 03:00 AM
شكر اختي العزيزه

زبيدة احمد
24-07-2007, 06:34 PM
حيااك الله اخي راكان
الشكر موصول لك على تشريفك الطيب
اتمنى اننا نفيد ونستفيد
تقبل احترامي

عـسـاه خـيـر
18-08-2007, 04:38 PM
الاخت زبيده
وفقكِ الرحمن شكرا لكِ

زبيدة احمد
18-08-2007, 05:52 PM
اللهم ااامين واياك اخي عساه خير
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك