المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحوث ودراسات حول المرأة المسلمه


د.فالح العمره
03-04-2005, 01:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :

الحمد لله الخالق وحده المبدع لما خلق الذي أعطى كل شيء خلقه تم هدى حمدا يليق بجلالته وعظمته والأنة فهو المنعم وحده والشافي وحده والعالم وحده وصل اللهم على الهادي البشير سيدنا وقدوتنا رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد فإن هذا البحث المتواضع عن بعض قضايا المرأة في الإسلام والذي يتحدث عن مكانه المرأة في الإسلام وكيف كانت قبل ذلك وعن سفر المرأة بدون محرم وعن الحجاب الشرعي واللباس الذي أحله الإسلام للمرأة وعن نكاح المشركات والتي التقطناها لكم من أمهات الكتب لتسهيل الدراسة والبحث والإطلاع.

وهذا البحث هو تكملة لمنهج التربية الإسلامية لصف أول ثانوي لبعض الدروس التي تتعلق بالمرأة ونحن أجدر بهذه القضايا لدارستها وفيها ونرجوا أن ينال على إعجابكم وتقديركم
ونرجوا من الله العلي القدير أن يتمم عملنا هذا برضاه ومغفرته عن كل زلة أو غلطه وقعت منا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


يراد بما قبل الإسلام عصر الجاهلية التي كان يعيشها العرب بصفة خاصة ويعيشها أهل الأرض بصفة عامة حيث كان الناس في فترة الرسل ودروس من السبل ونظر الله إليهم – كما جاء في الحديث – فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وكانت المرأة في هذا الوقت في الأغلب الأعم تعيش فترة عصيبة – خصوصا في المجتمع العربي – حيث كانوا يكرهون ولادتها فمنهم من كان يدفنها وهي حية حتى تموت تحت التراب ومنهم من يتركها تبقى في حياة الذل والمهانة كما قال تعالى : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه ومسوداً وهو كظيم ( 58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون " ( )
وقال تعالى : " وإذا المؤودة سئلت {8} بأي ذنب قتلت {9} ( )
والمؤودة : هي البنت تدفن حية لتموت تحت التراب وإذا سلمت من الوأد وعاشت فأنها تعيش عيشة المهانة فليس لها حظ من ميراث قريبها مهما كثرة أمواله ومهما عانت من الفقر والحاجة لأنهم يخصون الميراث بالرجال دون النساء بل أنها كانت تورث عن زوجها ما يورث ماله وكان الجمع الكثير من النساء يعيشن تحت زوج واحد حيث كانوا لا يتقيدون بعدد محدد من الزوجات غير عابئين بما ينالهن من جراء ذلك من المضايقات والظلم .

فلما جاء الإسلام رفع هذا المظالم عن المرأة وأعاد لها أعتبارها في الإنسانية قال تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" ( ) فذكر سبحانه أنها شريكة الرجل في الثواب والعقاب على العمل رد من عمل صالحا من ذكر أو أنثى هو مؤمن " لنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" ( ) وحرم سبحانه أعتبار المرأة من جملة موروثات الزوج الميت فقال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء " ( ) فضمن لها استقلال شخصيتها وجعلها وارثة لا موروثة وجعل للمرأة حقا في الميراث من مال قريبها فقال تعالى : " للرجل نصيب مما ترك الوالدان الأقربوا له للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا" ( )

وقال تعالى" يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق أثنتين ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف"( )
....... إلى آخر ما جاء في توريث المرأة : أما وبنتاً وأختاً وزوجة.
وفي مجال الزوجة حصر الله الزواج على أربع حداً أعلى بشرط القيام بالعدل المستطاع بين الزوجات وأوجب معاشرتهن بالمعروف فقال سبحانه " وعاشروهن بالمعروف " ( ) وجعل الصداق حقا لها أمر بإعطائها إياه كاملاً إلا ما سمحت به عن طيب نفس فقال : " وآتوا النساء صدقاتهن كله فإن طلبن لثم عن سمئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مرياً " ( ) وجعلها الله راعية في بيت زوجها ومسئولة عنه وراعية أمره ناهية في بيت زوجها أميره على أولادها قال (صلى الله علية وسلم ) : " المرأة راعية في بيت زوجها مسئولة عن رعيتها" وأوجب على الزوج نفقتها وكسوتها بالمعروف، ما يدعيه أعداء الإسلام وأقرانهم اليوم من سلب المرأة كرامتها وانتزاع حقوقها.

أن أعداء الإسلام أعداء الإنسانية اليوم من الكفار والمنافقين والذي في قلوبهم مرض غاظهم ما نالته المرأة المسلمة من كرامة وعزة وصيانة في الإسلام لأن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين يريدون أن تكون المرأة أداة تدمير وحباله يصطاد بها ضعاف الأيمان وأصحاب الغرائز الجانحة بعد أن يشبعوا منها شهواتهم المسعورة كما قال تعالى : " ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما" ( )
والذين في قلوبهم مرض من المسلمين يريدون من المرأة أن تكون سلعه رخيصة في معرض أصحاب الشهوات والنزعات الشيطانية سلعه مكشوفة أمام أعينهم . يتمتعون بجمال منظرها أو يتوصلون منها إلى ما هو يتيح من ذلك ولذلك حرصوا على أن تخرج من بيتها لتشارك الرجل في أعماله جنباً إلى جنب أو لتخدم الرجال ممرضة في المستشفى أو مظيفة في الطائرة أو دارسة أو مدرسة في فصول الدارسة المختلطة أو ممثلة في المسرح أو مغنية أو مذيعة في وسائل الإعلام المختلفة سافرة فاتنة بصوتها وصورتها واتخذت المجلات الخليعة من صور الفتيات الفاتنات العاريات وسيله لترويج مجلاتهم وتسويقها واتخذ بعض التجار وبعض المصالح من هذه الصور أيضاَ وسيله لترويج لبضاعتهم حيث وضعوا هذه الصور على معروضاتهم ومنتجاتهم وبسبب هذه الإجراءات الخاطئة تخلت المرأة عن وظيفتها الحقيقية في البيت مما أضطر أزواجهن إلى جلب الخادمات الأجنبيات لتربية أولادهم وتنظيم شؤون بيوتهم مما سبب كثيراً من الفتن وجلب عظيما من الشرور.

أننا لا نمانع من عمل المرأة خارج بيتها إذا كلفت بالضوابط التالية:
1- أن تحتاج إلى هذا العمل أو يحتاج المجتمع إليه بحيث لا يوجد من يقوم به من الرجال.
2- أن يكون ذلك بعد قيامها بعمل البيت الذي هو عملها الأساسي.
3- أن يكون هذا العمل في محيط النساء كتعليم النساء وتطبيب وتمريض النساء ويكون منعزلاً عن الرجال.
4- كذلك لا مانع بل يجب على المرأة أن تتعلم أمور دينها ولا مانع أن تعلم من أمور دينها ما تحتاج إليه ويكون التعليم في محيط النساء ولا باس أن تحضر الدروس في المسجد ونحوه وتكون متسترة ومنعزله عن الرجال على ضوء ما كانت النساء في صدر الإسلام يعملن ويتعلمن ويحضرن إلى المساجد.




والقدر المشترك هو ما يطلب من الجنس كإنسان و يطلب من الجنس كانسان بالنسبة إلى دين الأديان هو الاعتقاد فالمرأة مطلوبة أن تعتقد العقيدة التي تقتنع بها والرجل كذلك يعتقد العقيدة التي يقتنع بها فلا يمكن للرجل إن يفرض عقيدته على أمراه والقرآن يعرض لنا هذه المسألة ويعرضها في أقوى صورها ، مثلاً الرسل الذين جاءوا ليحملوا الناس على منهج الله أولى بهم أن يعلموا زوجاتهم على منهج الله ومع ذلك قام لنا القرآن الكريم هذا العرض ، فيقول : " ضرب الله مثلاً للذين كفروا أمراة نوح ، وامرأة لوط ، كانتا تحت عبدين من عبادنا الصالحين ، فخانتهما ، فلم يغنيها عنها من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين" ( ) أذن الرسول المفروض فيه أن يأتي لكي يهدي الناس ويعلمهم منهج الله ولكن لم يستطع أن يقنع أمراة – زوجه – منهجه ، وطلت مخالفة لذلك المنهج ، إذن فللمرأة أن تعتقد ما ترى كإنسان له حرية الاعتقاد ، وبعد ذلك يعرض القضية المقابلة " ضرب الله مثلاً للذين أمنوا ، أمراة فرعون" .. فرعو الذي ادعى الألوهية ما استطاع أن يدخل هذه العقيدة في ردع زوجته .." قالت رب أبن لي عندك بيتاً في الجنه ، ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين " ( ) إذا فالخاصية الأولى هي خاصية حرية الاعتقاد ، وأن لها أن تعتقد ما تشاء وأن تعتني به ، لماذا لأن هذا الاعتقاد سيلزمها بمنهج فلو لم تكن مرتبطة بالقعيدة باختيارها وبطواعيتها فيكون إقبالها على المنهج غير مأمون ، إن أقبلت إكرامها ، تقبل على المنهج ما راميتها ، أو ما رآها القانون أو ما رآها المكره ، لكن إذا ما خلت بنفسها يمكنها أن تتحلل من ذلك المنهج.

في قصة أدم نجد حينما نصح الله آدم وزوجة وحذرهما من الشيطان قال: " إن هذا عدوك ولزوجك " والعداوة مسبقة لأنه أمتنع عن السجود ، " عدو لك ولزوجك ، فلنخرجنكم من الجنة "..... أي إياكما أن يغويكم ، ويدلوكم بغرور فيكون أن يخرجكما من جنه الأمثال عند الله " فتشقى" ( )
فبجعل الترتيب في الشقاء لآدم فقط ، فكأن آدم مخلوق للكفاح ، ولجهاد الحياة والمقابلة صعابها والمرأة فقط مخلوقة سكناً له ، يتحرك حركته في الرياح ويأتي ليهدأ عندها ، ويأتي ليستقر هي مصدر الحنان وهي مصدر العطف الذي يمسح بيده كل متاعبه فتزول حين تمسح بيدها على كل متاعبة فتزول ، يستطيع أن يستأنف الحياه بعد ذلك بشيء من النشاط . الحق حينما قال : " لتسكونا إليها " إذا فالمهمة الأساسية للمرأة أن يسكن إليها الرجل . " والله جعل لكم من أنفسكم ازواجا وجعل من أزواجكم بنيين وحفده " ( ) إذا فالمهمة الأساسية للمرأة .أن يسكن إليها الرجل ، ومعنى يسكن إليها الرجل ، لو قدرت المرأة هذه المهمة لوجدتها تستوعب كل وقتها ، بمعنى أنه ساعة أن يعمل هو تعمل هي وتعدله ما يأتي ليرتاح به ، فيأتي ويجد بيتاً ساكنا مستقرا ، بيتا كل أموره مرتبه .كل أموره فيه منظمة ، فبعد أن كان متعبا يرتاح. أذن فعملية الرجل ..تعامل مع أجناس من الحياه أي مع " أشياء" ، كل هذه الأشياء لخدمة الإنسان والإنسان أرفع هذه الأجناس كلها .أما مهمة المرأة فهي التعامل مع ذلك الجنس الراقي : وهو الإنسان ، تتعامل مع الإنسان ، تتعامل مع الإنسان كزوج فيسكن إليها وتريحه ثم تتعامل معه جنينا فيكون في بطنها وبعد ذلك وليداً تحضنه وليدا ترضعه ، وليدا تعطي له المثل تربية وتخرجه للحياه مزوداً بمبادئ القيم التي تصوغها في نفسه إذا فالرجل يتعامل مع الأشياء التي دون الإنسان والمرأة تعاملها الأساسي مع الإنسان كزوج أو كابنه حين تنظر إلى طفولات الحيوانات نجد أن طفولات الحيوانات كلها قليله وأطول الطفولات عمراً ..طفولة الإنسان . هذه الطفوله هي ميدان المرأة ميدان عمل المرأة ، وما دامت الطفولة زادت لأنها تزاد بقدر المهمة التي يقوم بها ، أما الحيوانات الأخرى فمهمتها غير مهمة الإنسان مهمة كبيرة سامية وعالية : فطفولته تناسب مع هذه المهمة ليستطيع أن يعمل بكل المبادي وبكل القيم وبكل الأشياء التي تعينه على هذه المهمة ، من الذي يتعامل ؟ الرجل يخرج لعملة والطفل مع أمه يظل إلى سن السادسة مثلاً ، إلى أن يكبر ، ويوجد له مجال آخر يؤثر فيه وهو المدرسة إلى سن السادسة : هذه السن نجد أن العقل فيها فارغ ، بالمثل تبدأ تملأه ، من إذن يستطيع أن يملا المثل .الأم فإذا كانت الأم مثلا مشغولة عن ذلك الوليد بأي عمل من الأعمال فليس من المعقول أن تتركه بلا راع : فهي تلجأ إلى راع ..وهو الخادم يأتي الخادم وقد تكون أمينه ، وقد تكون نظيفة ، إنما لا يمكن أبداً أن يكون لها قلب أم و لذلك قرأت أنا كتاباً عن " أطفال بلا أم" وجاءوا أن جيلهم متخلف ، لماذا لأن عشرين طفلا مثلاً يعاملون مع مربية واحدة ويتعامل مع أطفال في سنه لكن حين يكون الولد في مجتمع بين أمه وبين أبيه وبين جده وجدته وبين أخوانه المتفاوتين في الأعمار ، يبدأ الولد الصغير يلتقط من كل جيل ولذلك هذا هو السر في أن القرآن قال : " بنين وحفده "......وأنت تتصور الوليد الناشئ في بيت فيه جد وجده وأب وأم ، الجد والجده ، الذين فرغوا من شؤون الحياة المادية ، ومن التهافت عليها أصبحوا يقبلون على المثل وعلى القيم وعلى الوضوء والصلاه وسائل الفضائل فيبدأ يأخذ شيئاً من نشاطه إلى آخره وأخوه الصغير يأخذ من مستواه أيضاً . فإذ كان في الجامعة يأخذ شيئاً منه والذي في الثانوية يأخذ شيئاً منه . إذا الوليد الصغير حينما يكون في الأسرة يستطيع أن يتقبل من كل قطاعات الإنسان يجيء متعباً ويعد ذلك يكون له وليده فيصرخ بالليل فنجد الرجل يضيق بهذا ويطلب من أمه أن تقوم وتسكت هذا الوليد الصغير وما معنى ذلك ؟ معنى إنه ليس مخلوقا كل يتحمل هذه المسألة ولكنه هو مخلوق لميدان العمل خارج البيت وأنما المسؤول عن تحمل هذه المسألة هي الأم فحينما يصرخ الوليد تقوم هي تهبه الحنان وتهبه العطف وقد تجده في أقذر حالاته ومع ذلك نفسها لا تتقزز تنظيفه ولا شيء وربما ذهبت لتكمل أكلها ، لكن الرجل لا يقدر هذه المهمة فهو أولاً لا يقدر على مهمة الضجيج فهو يريد أن يسكت الوليد لأنه هوجاء ليهدأ في البيت إذا فالمرأة مهمتها وتعاونها مع أشرف أجناس الكون ، وهو ذلك الإنسان مهمة الإنسان ننظر إليه بعد أن ينضج لأنه بعد أن ينضج مطلوب منه عطاء ، أنما مطلوب له أخذ قبل أن ينضج من الذي يعطي له ؟ لا بد أن تكون طاقة حنان تحبه ، المربية مهما كانت فليس عندها طاقة الحب أو طاقة العاطفة كي تعطي حنانا ، فحينما يأتي الإسلام ليقول أن المرأة مجعولة لهذه المهمة ، سكن للزوج وبعد ذلك حضانة للبنين ، يعطيها أشرف مهمة في ذلك الوجود وهذه المهمة يجب أن تأخذها المرأة بشي من الفخر وبشيء من الاعتزاز بعد ذلك تأتي إلى المسألة ل الأقوى وهي أن الإسلام مثلاً يحدها ببعض الأشياء والإسلام لا يمنع عمل المرأة ولكن الإسلام واقعي ، بحيث أن الذي خلق الإنسان وخلق الظروف يعرف أن هناك ظروفا قد تضطر المرأة إلى أن تعمل لكن الإسلام يعرضها في حدود الضرورة وفي إطارها . هذا الإطار وضحته لنا قصة سيدنا موسى ، لما ورد ماء مدين " ولما ورد ماء مدين وجد عليه الناس يسقون ، ووجد من دونهم امرأتين تذودان " تذودان أي تمنعان ما ترعيان عن الماء إذا لأي شيء خرجتا؟ " قال ما خطبكما ....قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء" لا نسقي ما شيهم ، وبعد ذلك يخلوا البئر والعين فيصلان إلى هناك إذا الفتاتان أخذتا الضرورة بالقدر وليس معنى أن ضرورة أخر جتهما ، إنها يتناسيان نوعهما ، فلا بد أن يفهما أنهما لا يصح أن يحتكا بالنوع الأخر فظلتا في مكانهما إلى أن يتنهي ، الرجال ثم عللتا سبب الخروج بأن هناك حاجه دفعت إلى ذلك " لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير"( ) فكأن " أبونا شيخ كبير " تبرير لخروجهما لهذا العمل ، فكأن أحد قال لهما ما دمتما خائفتين من الزحام أو التزاحم مع الرجال فما الذي أخرجكما من بيتكما ؟ فقالتا " أبونا شيخ كبير " إذ فألآية تحدد أن ضرورة قد تلجئ المرأة إلى الخارج ولكن حين تخرج لا تنسى نوعيتها لا تنسى أنها أمرأة ولا يصح أن تدخل في زحام الرجال وبعد ذلك جاءت لقطة أخرى وهي مهمة الرجال حينما يترك ذلك على مهمة المجتمع ممثلاً في الرجل ....." فسقى لهما " ومعنى سقى لهما إنه أعانهما على أداء مهمتهما حتى يسرعا بالرجوع إلى البيت ، تلك مهمة المجتمع حتى أو كان فردا شهما يرى المرأة مثلا وقد اضطرتها ظروفها أن تخرج لعمل من الأعمال فشهامة الرجل تقتضيه أن يؤدي عنها هذه المهمة وقد لتنتهي ولا يجعلها تضطر إلى أن تزحم مع الناس في الحياة " فسقى لهما ثم تولى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير " ( ) هذه القصة من قصص تدلنا على أن القرآن عرض هذه العرضه ، ليدلنا على أن المرأة قد تضطرها ظروفها إلى أن تخرج ولكن ظروفها التي اضطرتها أن تخرج يجب ألا تخرجها عنوهيتها بحيث تحسب نفسها رجلاً بل تأخذها بقدرها ما أمكن إلى أن ينتهي الرجال من السقي كما في القصة وتؤدي مهمتها وبعد ذلك جاءت بالعلة " وأبونا شيخ كبير" وبعد ذلك جاءت بالمجتمع سواء كان مجتمعا قريبا أو بعيدا مجتمع أسره أو فرد فأنا مثلا حين أكون في أسره وأجد أن المرأة خرجت لتعمل فإن لدي الشهامة وأنا أتبر أن هذه من لحمي ون دمي فأنا أغار على هذا وأدي أي مصلحة لها تمنعها من الخروج ، فإذا لم تجد فلا مانع من أن تذهب.ولكن علي أن تأخذ الضرورة بقدرها والأ تزيد فيها ، وهنا فأنها ساعة أن تخرج ، فصحيح منعتني من الازدحام ، ولكن في خروجها يلزمنا الشارع بشيء آخر ، هذا الشيء الأخر هو أنها تكون علي هيه مثيرة

والقيود التي على حرية المرآة نقول فيها إن التشريعات دائماً حين ينظر إليها لا تعترض العملية الإدراك ولا تعترض لعملية الوجدان وإنما تعترض لعملة واحده هي عملية النزوع بمعنى أن علماء النفس حينما قسموا مثلا مظاهر الشعور قسموها إلى ثلاثه أقسام قالوا إن الإنسان يرى ورد جميلة في البستان فإن رويته لها تعتبر إدراكاً أدرك منها الجميل فأعجبه ذلك وأحبه فيكون هذا وجدانا وجد في نفسه شيئاً أثر في ذلك الإدراك فنجدهم يهم ويذهب ليقطف تلك الورده ، فهذا نزوع – عملية نزوعه إذا فكان التشريع يأتي ويقول له أنت قد رأيت الورد ولم نمنعك من رؤيتها ، أعجبتك ووجدت في وجدانك شيئاً من السرور فلم نمنعك من ذلك إنما ساعه أكن تأتي كي تقطفها سيدخل التشريع إنما يتعرض لحالات النزوع ولا يتعرض لحالات الإدراك وحاله الوجدان لماذا ؟ قالوا إنه ليس من الممكن أن أفضل عمليه الوجدان عن النزوع ، إنسان أي أمرأة جميله وتقاسمها بديعه وشكلها مثير ومغر، هو رأي : إذا أدرك واستقر في نفسه إعجاب هذا الأعجاب كأنه معرك داخلي عمل في نفسه عمليه نزوع ولا يمكن أن نفضل العمليه الوجانيه عن النزوعيه كما نفصلها عن الورده ، فنجد الإسلام يقول أنا أريد أن أمنع عمليه الإدراك هذه من أساهها لأني سأتعبك قلو أبحث لك الإدراك ثم حرمت عليك النزوع فستعيش في قلق وتعب فلأن الله هو المشروع رحيم وعارف بالنفوس ، قال : .....أنا أريد أن أمنع هذا الإدارك فلا تتعب نفسك ، لماذا لأنها لو أثارتك واعجبتك ماذا يكون الموقف ؟ الموقف يعلمه الله ونعمه جميعاً من واقع الحياة ، وأظن شوقي رحمة الله عليه قال : " نظره فابتسامه فسلام فكلام فموعد فلقاء " إلى أخره لكن التشريع قال أن لن أبيح لك إلا راك حتى لا يكون عندك وجدان مثار لأنك لا تستطيع أن تفصل بين الوجدان والنزوع ، فقال التشريع : " يدنين عليهن من جلابيبهن " ( ) وقال له غض طرفك لأنك ستتعب نفسك وتتعبها / أما أن تؤدي العملية النزوع ، فتريح فتنتهك وأما ألا تؤديها فتقلق وتعيش في اضطراب ، وأيضاً أنت يا امرأة أريد أن أؤمن حياتك ، بهذا التشريع الإسلامي تؤمنين من حياه المرأة ، لماذا ؟ لأن الإنسان المتزوج من زوجته مكثا معاً مده طويلة وهما الآن في سن الأربعين والخمسين فإن المرأة تعرضت لعمليات الخدمه وعمليات الولادة ولعمليات الرضاعة ولعمليات التربية ولعامل الزمن في شكلها وفي نظارتها وكل هذا أثر في تكوينها فإذا كان الرجل الذي في سن الأربعين والخمسين يذهب إلى الشارع فيجد في مقتبل عمرها على أحسن ما تكون من الزينه وأنضر ما تكون من الثياب ، فماذا يكون موقفه بالنسبه لها حينما يراها ؟ ستجلب غرائزه فبعد أن كانت غرائزه غرائز طبيعية وهو مع أهله تثور كل فتره وتهد بانتظام فإنه حين يرى منظراً كذلك الذي نذكره ومن شأنه أن يجلب غرائزه ويلهيها ، فماذا ستكون النتيجة المعتمدة ؟ أن يذهب إلى البيت ويجد زوجته مجعده الشعر مثلا ومتعبه فإن قد يبدأ مقارنه وفساء أغلب البيوت من هذه المسأله ، قيبدأ ينظر لا يحب أن يراه لأنه رأي منظراً أخره الفتاه الجميله التي في الحاله الأولى متصل إلى مثل هذه السنه يوماً ما فهو يقول لها لا تتبرجي حتى تأتي فتاه أخرى ينتظر خلقها لتفسد رجلك وبيتك عليك لأن هذه الفتاه ستتعرض أما لشاب مازال في مقتبل العمر وهو لا يزال يتعلم ولم يستقر بعد ولا يزال يتعلم ولم يستقر بعد ولا يزال عاله على أهله وهو لا تنقصه يقظه غرائزه زياده عما هي فيه وأما لإنسان له حياه رتيبه وله أهل فتأتي هذه الفتاه له فكان الإسلام أمنه حياتها أيضا لأن عمر زمانها هذا عشرا أو خمس عشر سنه وبعد ذلك تعير أمرأة عاديه تفسد بتك وتفسد ولدك وتفسد زوجتك عليك فتها لا تزال في مقتبل العمر فالإسلام كي يحرم المرأة ويؤمن حياتها ويجعلها وقره ومتحرمه منعها من أن تفعل في الناس هذا حتى لا يفعل أحد لا يفعل أحد معها ذلك إذا فالإسلام حينما جاء ليحدد الإدراك فالمسأله الوحيده التي حدد فيها الإدراك في مجال الشعور هي مسأله النظر إلى المرأة لأن العمليه الوجدانيه التي سينشأ منها النزةع لا يمكن فصلها ولا يمكن فصل ذلك إلاصل موجود في مثل هذه الأشياء فحين يجرو الإسلام على المرأة إنها لا تبذل أو لا تبرج أو أنها ل تبدي زينتها إلا لكذا وكذا فلإسلام يريد أن يكرم المرأة وهو لا يرد ان يجعلها في مكانها الطبيعي من المجتمع وزجا تمثل السكين وأنما تمثل الحضانه لأشرف جنس في الوجود ( )بمقدار ما توحي على أن يأمر الرجال بغض البصر حفظ الفرج.

ونصيحة امرأة لأمرأة تعطي لها مقوماتها كزوجه هذه أمره ولو جمعت كل المستغلين لهذه المسائل من الرجال كي يضعوا أدله هذه البنود التي وضعتها أم أياس لوجدتها تعطي لك فكره على أنها امرأة عاشت في منهجها الحقيقي أدارتها أن تنقل المنهج الحقيقي الذي عاشته إلى أبتها لتسعدها فماذا قالت لها أمها ؟ أولا كانت الفتاه جميلة جدا وبلغ الحارث بن عمرو ملك كنده جمالها فأراد أن يتزوجها فلما تزوجها وجاءت لتحمل إليه قالت لها أمها " أي بنيه أن النصيحه لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك " أي انك مؤدبه ولست في حاجه إلى نصيحه ، " ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أهلها لكنت أغنى الناس ولكن النساء للرجال خلقنه ولهن خلق الرجال يا أبنتي احفظي عني عشره خصال تكون لك ذخراً
أما الأولى والثانية فالمعاشرة له بالرضى والقناعة وحسن السمع والطاعة .
أما الثالثة والرابعة فالتفقد لموضوع أنفه وموقع عينيه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يتم منك إلا أطيب ربح.
أما الخامسة والسادسة فالهدوء عند منامه والتفقد لوقت طعامه فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغصنه من النوم مغضب.
أما السابعة والثامنة فالاحتفاظ بماله والإرعاء على حشمته وعياله.
وأما التاسعة والعاشره فإياك أن تعصي له أمرا أو تفشي له سرا فإنك أن عصيت أمره أو عرت صدره وإن أفشيتي سره لم تأمني غده وأعدك بعد ذلك من الفرح أن كان ترحا ومن الترح أن كان فرحاً "

فصل في سفر المرأة وحدها
سفر المرأة وحدها :
عن أبي عبيده عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسير مسيرة يوم ولليلة إلا مع ذي محرم ))( ).

(1) قوله عن أبي هريرة : الحديث أيضاء رواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وأبو داود وأبن ماجه وغيرهم .
(2) قولة : (لا يحل لامرأة ) : ـ أخرج الرجل لأنه لا يشاركها في الحرمة وان كره له الوحدة للإشفاق علية من المهالك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه عنه أحمد وأبي داود والترمذي : ( الراكب شيطان ويستثني البريد لضرورة التعجيل ) .
(3) قولة : ( تؤمن بالله واليوم الآخر ) ويقصد به يوم القيامة وقيل بذلك لأن الأيمان هو الذي يستمر للمنصف به خطاب الشرع أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم لأنها إذا سافرت بدون محرم خالفت شرك اليمان بالله واليوم الآخر ولكن هذا ليعتبر أنها كافرة كتابية , كما اعتقد بعض العلماء تمسكا بالمفهوم ولفظ المرأة عامة في جميع النساء ولكن استثنيت المرأة الكبيرة في السن التي لا تشتهي فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم واستبعد أن الخلوة بها حرام وما لا يطلع من جسدها غالب عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه , وقال النووي : المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس و سقطهم من لا يرتفع من الفاحشة العجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينة ومروءته وحياءه نحو ذلك .
(4) قوله : (مسيرة يوم وليلة ) : ـ المسير مصدر يسمى بمعنى السير وليست التاء فيه للمرة ولا اليوم ولا الليلة للتمديد ففي حديث أبي سعيد عن شخصيتين , (( عن أبي سعيد أن نبي الله نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم )) وفي لفظ (( لا يحل لمرآة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تسافر سفرا أن يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو ابنها أو أخوها أو ذو محرم منها ))( ), وفي حديث أبن عمر في الصحيحين , عن أبن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(( لا تسافر المرأة ثلاثة إلا ومعها ذو محرم ))( ) وفي رواية الليث لحديث أبي هريرة تسافر مسيرة ليلة وفي رواية أحمد يوما وفي رواية أبي داود أبدل يوم وفي رواية يومين وفي أخرى إطلاق السفر من غير تقييد , فقد قال العلماء هذا خلاف يسبب اختلاف السائلين فقد سئل مره عن سفرها ليلة فقال لا وأخرى عن سفرها يوما فقال لا وهكذا في جميعها ويعني هذا سفرها ليست فيه تحديد قال لآبي : والمراد أنها إذا كانت جوابا للسائلين فلا مفهوم لأحدها وبالجملة فالفقه جمع أحاديث الباب فحق الناظر أن يستحضر جميعها وينظر أخصها فيستنبط الحكم به وأخصها باعتبار ترتيب الحكم عليه يوم لأنه إذا امتنع فيه امتنع فيها شوقه ثم أخص من اليوم وصف السفر المذكور في غالبها فيمنع أقل ما يصدق علية اسم سفر ثم أخص من أسم السفر الخلوة بها فيجب عليها أن لا تعرض نفسها بالخلوة مع واحد حتى لو قل زمن الخلوة وذلك لعدم الأمن لا سيما من انتشار الأمن فقد قال الأمام الصالح الشارح وهو في عمان ولما ينتشر فيها الفساد ما انتشر في غيرها من البلاد التي تفرنج أهلها وابتعدوا عن سبيل الرشاد يصدق علينا , قول الشاعر : ذهب الدين يعاش في أكنافهم وتعبت في خلق كجلد الأجرب
فالمرأة فتنة إلا ما فيها من جلبت عليه النفوس من نفره المحارم .

(5) قوله : ( إلا مع ذي محرم منها ) : ـ المحرم منها وهو ذو الرحم منها إذا لم يحل له نكاحها وذو المحرم : من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والعم والابن ومن يجري مجراهم(ويقال رحم محرم : محرم تزويجها والمروءة العربية تدخل في المحارم )( )

قال الشاعر : وجارة البيت أراها *** مكارة السعي لمن تكرما

والمحرم حرام التزويج منها بنسب أو المصاهرة أو الرضاع زاد الشخصيتين من حديث أبي سعيد ( أو الزوج ) وفي معناه السيد والأمة وهو لم يرد ذكر الزوج ليقيس على المحرم قياسا جليا وكره مالك كراهة تنويه سفرها مع ابن زوجها واختلف أصحابه في وجه ذلك فقيل لفساد الزمان وحداثة الحرمة ولأن الدواعي على الحرمة إلى النفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إلى نفرة عن سائر المحارم فقيل لعداوة المرأة لربيتها وعدم شغفه عليها ,واستدل الحديث لأبي حنيفة وأحمد ومن رافقها على أن المحرم أو الزوج شرط في استقامة فريضة الحج فإنه حرم عليها السفر إلا مع أحدهما والحج مع الجملة الأسفار حرام عليها وقال أصحاب أبي حنيفة وأحمد و الشافعي في المشهور عنها لا يشترط المحرم لأب الوجود بتوجيه إليها بنفس الخطاب وعليها إن تتقى في سفرها ما نهيت عنه حتى لا تغضب الله عليها ويزيد من أعمالها السيئة , وذكر أبو عبيده عن جابر أنه قال : (( إذا كانت المرأة صرورة (التي لم تحج ) فالحج أوجب عليها وان كانت أصابت ذا محرم فلتحج معه فأن لم تصب ذا محرم فلتحج مع ثناه من المسلمين وعليهم أن يمنعوها عما يمنعون أنفسهم منه الفرض فأما التطوع فلا تحج مع غير المحرم أو زوج وقالوا فريضة الحج على فريضة العمرة قيل نسخها فأن الكافرة إذا أسلمت بدار الحرب تجب عليها الهجرة منها وإن بلا محرم إجماعا والجامع بينهما نفس الوجوب , والله اعلم.


يقيم الإسلام مجتمعة على أساس تحقق الانسجام والتوازن بين أفراده من حيث الحقوق والواجبات فكل فرد في المجتمع الإسلامي مسؤول , ومسؤولية متعلقة بعمل يجب أن يؤديه كما أمر به الإسلام , من غير إرهاق بل في حدود الطاقة , لقد بين الإسلام في نصوصه الكثيرة أن مجال عمل المرأة هو تربية ألا سره الصالحة , وهي رسالة مهمة , لان صلاح المجتمع إنما يكون بصلاح أولى لبنائه وهي الأسرة , وقد يقلل البعض عن ما هوى في نفوسهم من هذا الدور الخطير الذي هبا الله تعالى المرأة له, مما يوجب توضيح الأمور في هذا الباب .

إن رسالة المرأة الحقيقية هي الأمومة وتربية الأسر , ولكن لا يمنع المرأة من ممارسة نشاطات أخرى هي في مجملها عوامل مساعدة تمكنها من القيام بمهمتها على أكمل وجه , فتعليمها وتثقيفها وتزويدها بكثير من المهارات التي تلزمها في الحياة إنما يفيد في أداء عملها وواجبها ودورها الأساسي وهو صيانة الأسرة , ومن هذا المنطق فغن غي عمل أخر للمرأة إنما هو استثناء من القاعدة الأساسية ويبيحه الإسلام بشروط هي في مجملها في صالح المرأة , أي لصالح الأسرة والمجتمع ومن ذلك السفر , فقد أباحه لها للقيام بأداء فريضة كالحج أو اكتساب العلم أو للتنزه والزيارة أو غير ذلك إلا إن الإسلام قيده بشروط اصطحاب المحرم أي أنه لا يجوز لها إن تسافر ما مقدار مسيرة يوم وليلة وحدها وبدون محرم معها , أو زوج لها , والحديث العام يحق للمرأة سواء أكانت شابه أم كبيرة في السن ولهذا فإنه لا يجوز للمرأة السفر وحدها مهما كانت سنها , والإسلام لم يقرر ذلك من باب سوء الظن بالمرأة , كما انه لم يقصد القصر عليها وإنقاص حريتها , وإنما أمر بذلك حفاظا عليها وعلى سمعتها وصيانة لشرفها وهذا ما يفسره بوضوح تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهم محرم )) .

ومن أسباب حفظ الفروج منع المرأة أن تسافر إلا من ذي محرم يصونها ويعينها من أطماع العابثين والفاسقين .
فقد جاءت الأحاديث الصحيحة تمنع سفر المرأة بدون محرم منها : ما رواة أبن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم (0 لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا من ذي محرم )) متفق عليه .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم (( نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ) متفق عليه , وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر تسافر مسرة يوم و ليلة إلا مع ذي محرم منها )) متفق عليه , والتقدير في الأحاديث بثلاثة الأيام واليومين واليوم والليلة المراد به ما كان على وسائل النقل مما هو معروف آنذاك من سير على الأقدام والرواحل واختلاف الأحاديث في هذا التقدير بثلاثة أيام أو يومين وليلة وما هو أقل من ذلك أجاب عنه العلماء بأنه ليس المراد ظاهرة وإنما المراد كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهيه عنه قال في [ شرح صحيح مسلم ] (9/103) , فالحاصل كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو يزيد أو غير ذلك , لرواية أبن عباس المطلقة وهي أخر روايات مسلم السابقة : (( لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم )) , وهذا يتناول كل ما يسمى سفرا قاصدا والله أعلم .
وأما من أفتى بجواز سفرها مع جماعة من النساء للحج الواجب فهذا خلاف السنة قال الإمام الخطابي في [ معالم السنن ] (2/277,276) [ مع تهذيب ] أبن القيم : وقد حظر النبي صلى الله عليه وسلم عليها أن تسافر إلا ومعها رجل ذو محرم منها فإباحة الخروج لها في سفر الحج مع عدم شريطة التي أثبتها الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف السنة فإذا كان خروجها مع غير ذي محرم معصية لم يجز إلزامها الحج وهو طاعة بأمره يؤدي إلى معصية .

أقول : وهم لا يبيحوا للمرأة أن تسافر من دون محرم مطلقا وإنما أباحوا لها ذلك في سفر الحج الواجب فقط , يقول الإمام النووي في [ المجموع ] (8/249) ولا يجوز في التطوع وسفر التجارة والزيارة ونحوهما إلا بمحرم , فالذين يتساهلون في هذا الزمان في سفر المرأة بدون محرم في كل سفر لا يوافقهم عليه أحد العلماء الذين يعتقدون بقولهم : إن محرمها يركبها في الطائرة ثم يستقبلها محرمها الأخر عند وصولها إلى البلد الذي تريده لن الطائرة ما مونه بزعمهم لها فيها من كثرة الركاب من الرجال والنساء , نقول لهم : كلا فإن الطائرة أشد خطرا من غيرها فإن الركاب يختلطون فيها وربما تجلس بجانب رجل وربما يعترض الطائرة ما يصدها عن اتجاهها إلى المطار آخر تجد فيه من يستقبلها فتكون معرضه للخطر وماذا تكون المرأة في بلد لا تعرفه ولا محرم لها فيه .
ومن أسباب حفظ الفروج منع الخلوة بين المرأة والرجل الذي ليس محرما لها : قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان )) , وعن عامر بن ريبعه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ألا يخلوان رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم)) قال المجد في [ المنتقى ] : رواها أحمد وقد سبق معنا لأبن عباس في حديث متفق عليه .


فصل اللباس الشرعي :
اللباس :
اللباس من النعم الذي أنعم الله بها على عباده بقوله تعالى : (( يا بني أدم قد أنزلنا عليكم اللباس يواري سوءاتكم وريشا لباس التقوى ذلك خيرا ذلك من آيات الله لعلهم يتذكرون )) , وينبغي أن يكون حسنة جميلة نظيفة والله تعالى قال : (( يا بني أدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين )) , وقال أيضاء (( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هو الذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفضل الآيات لقوم يعلمون )) وعن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر , فقال رجل إن الرجل يحب إن يكون ثوبه حسن ونعله حسنه , قال : إن الله جميل يحب الجمال . الكبر بطر الحق و غمط الناس )) رأي الإنكار الحق واحتقار الناس .
روىالترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرام جواد يحب الجود , فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود )) .

حكمة :
واللباس منه ما هو واجب ومنه ما هو مندوب ومنه ما هو حرام .

اللباس الواجب :
فالواجب منم اللباس ما يستر العورة وما يقي الحر والبرد وما يستنفع به في الضرر , فعن حكيم بن خزام عن أبية قال : قلت يا رسول الله عورتنا : ما نأتي منها وما ندر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك , قلت : يا رسول الله فإن كاب القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أتن لا يراها أحد فلا يزينها , فقلت : فإن كان أحدنا حالما ؟ قال : فالله تبارك و تعالى أحق أنة يستحي منه )) . رواة أحمد وأبو داود وأبن ماجه و الترمذي .


اللباس المندوب :
والمندوب من اللباس ما فيه جمال الزينة فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنكم قادموا على إخوانكم فاصلحوا رحالكم واصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فغن الله لا يحب الفحش ولا التفحش )) , رواة أبو داود .
وعن أبي الأموص عن أبيه قال : أتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب رث فقال : آلك مال ؟ قال نعم , قال : من أين المال ؟ قال : قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق , قال : فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمته عليك و كرامته )) أي إذا وسعة . ويتأكد ذلك عند العباد وفي الجمعة والعبد بين وفي المجتمعات العامة . فعن محمد بن يحيى إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ((ما على أحد أن وجد أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى نوى مهنئه )) رواة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأبن ماجه .

اللباس الحرام :
أما اللباس الحرام فهو لباس الحرير والذهب للرجال ولبس الرجل بما يختص بالنساء من الملابس ولبس النساء ما يختص بالرجال من ملابس ولبس الشهر والاحتيال وكل ما فيه إسراف .

لبس الحرير والجلوس عليه :
جاءت الأحاديث بتحريم لباس الحرير والجلوس عليه بالنسبة للرجال نتذكرها فيما يلي:
(1) فعن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تلبسوا الحرير فإن من لبس في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة )) رواة البخاري
(2) وعن عبدالله بن عمر أن عمر رأى حله من إستبرق تباع فأتى بها إلى الرسول الكريم فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها في العيد وللوفود فقال: الرسول غنما هذا لباس من لا خلاق له , ثم لبت عمر ما شاء الله فأرسل الرسول بجبة ديباج , أتى عمر للرسول فقال : يا رسول الله قلت : إنما هذا اللباس من لا خلاق له ثم أرسلت لي بهذه فقال النبي إني لم أرسلها لتلبسها ولكن لتبيعها وتصيب بها حاجتك )) رواة البخاري .
(3) عن حذيفة قال : نهانا النبي الكريم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس علية وقال : (0 هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة )) بمقتضى هذه الأحاديث ذهب الجمهور من العلماء إلى تحريم لبس الحرير وافتراشه بل ذكر المهدي في البحر أنه مجمع علية , فعن أنس قال : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكمة كانت بهما)) قال في الحجة البالغة : لأنه لم يقصد به حينئذ الارتقاء وإنما قصد به الاستشفاء. رواة مسلم والبخاري , فعن علي قال : (( هديت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فبعث بها إلى فلبستها فعرفت الغضب في وجهه فقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمارا بين النساء )) رواة البخاري ومسلم , سيراء : التي فيها خطوط كالسبور وهي البردة من الحرير أو الغالب فيها حرير وفسرت بغير ذلك . وعن عمر : (( إن النبي صلى الله علية وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة )) قال في الحجة البالغة :لأنه باب اللباس وربما تقع الحاجة إلا ذلك .


لبس الحرير المخلوط بغيره :
كما تقدم خاص بالحرير الخالص أما الحرير المخلوط بغيره فعند الشافعية أنه الثوب إذا كان أكثر من الحرير فهو حرام وإن كان نصفه فما دونه من الحرير فليس بحرام . قال النووي : أمنا المخلط من حرير وغيره فلا يحرم إلا أن يكون أكثر وزنا .

حكمة الإباحة للنساء :
وإنما استثنى النساء من هذا الحكم مراعاة لجانب المرأة ومقتضى أنوثتها وما فطرت علية من حب الزينة على إن يكون هما من زينتها إغراء الرجال وإثارة الشهوات وفي الحديث (( أيها امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية )) .


لباس المرأة المسلمة :
وقد حرم الإسلام على المرآة أن تلبس من الثياب ما يصف وما يشق عما تحته من الجسد ومثله ما يحدد أجزاء البدن وبخاصة مواضع الفتن ومنه الثديين والخصر والآلية ونحوها , وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : (( صنفان من أهل النار أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ( إشارة , وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : (( صنفان من أهل النار أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ( إشارة إلى الحكام الظلمة أعداء الشعوب ) ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الحنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) و إنما جهلن ((كاسيات )) لان الثياب عليهن ومع هذا فهن (( عاريات )) لان ثيابهن لا تودي وضيفة الستر لرقتها وشفتها فنصف ما تحته كا كثر ملابس النساء في هذا العصر , والبخت نوع من أنواع الإبل عظام الأسنمة شبة رؤوسهن بها لما وقعت شعورهن على أوساط رؤوسهن وكأنه صلى الله عليه وسلم بنظر من وراء الغيب إلى هذا الزمان الذي أصبح فيه لتصفيف شعور النساء وتجميلها وتنويع أشكالها محلات خاصة (( كوافير )) يشرف على غالبا الرجال يتقاضون على عملهم أبهظ الأجور وليس ذلك وحسب فكثير من النساء لا يكتفين بما وهبهن الله من شعر طبيعي فليجالا إلى شراء الشعر الصناعي المستعار تصله المرأة بشعرها وليبدو أكثر نعومة ولمعانا ومجالا ولتكون هي أكثر جاذبية وإغراء , والعجب في أمر هذا الحديث أتى ربط بين الاستبداد السياسي والانحلال الخلقي هذا و ما يصدقه الواقع فإن المستبدين يشغلون الشعوب عادة بما يقوي الشهوات ويلهي الناس بالمتاع الشخصي عن مراقبة القضايا العامة .


تشبه المرأة بالرجال :
وأعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن من المحظور على المرأة أن تلبس لبست الرجل ومن المحظور على الرجل أن يلبس لبسه المرأة ولعن المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ويدخل في ذلك المتشبهة في الكلام والحركة والمشية واللبس وغيرها , إن شر ما تصاب به الحياة وتبتلي به الجماعة هو الخروج على الفطرة والفسوق عن أمر الطبيعة والطبيعة فيها الرجل وفيها المرأة ولكل منهما خصائص فإذا تجنبت الرجل واسترجعت المرأة فذلك هو الاضطراب والانحلال , وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ممن لعنهم في الله في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة على لعنتهم رجلا جعلهم الله ذكرا فأنت نفسه وتشبهت بالنساء وامرأة جعلها الله أنثي فتذكرت وتشبهت بالرجال .

اختلاف الأحكام الناتج من اختلاف الخصائص :
فللمرأة أحكام كما أن لها خصائص وللرجل أحكام كما أن له خصائص والقران الكريم والسنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة و السلام عندما يشرعان للنساء أحكاما في كثير من الأشياء تختلف من أحكام الرجل إنما يلبيان بذلك نداء الفطرة ويلبيان حاجات هذه الحياة فالمرأة يجب أن تراعي أنوثتها والرجل يجب إن يراعي رجولته وموقف الإسلام من ذلك موقف صارم ولذلك نجد في هذا الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ,

الحجاب صوان لحياة المجتمع :
فمن هذه الأحكام التي شرعها الإسلام للمرأة الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى عليها في كتابه وعلى لسان رسوله الكريم ولم يشرع الله تعالى الحجاب للمرأة إلا لأجل صون كرامتها والحفاظ على عفتها وبالتالي إنما شرع الله الحجاب للمرأة لأجل صون حياة الرجل والمرأة جميعا فالله سبحانه لم يؤدب المرأة بالحجاب إلا بعد ما أدب الرجل بالواجبات الاجتماعية التي فرضها عليه فقد وجه الله الخطاب أولا إلى الرجل حيث قال عز من قائل : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يعلمون )) من سورة النور الآية (30) , والدين الإسلامي بعيد كل البعد عن المفارقات والتناقضات وليس من الأمر الطبيعي إن يفرض غض البصر وحسن الفرج على الرجال ومع ذلك لا يخرج الرجل من بيته إلا على طوفان من التعري الفاضح والتبرج الشائن لذلك كان إتباع هذا الأمر بالأمر التأديبي للنساء ضرورة لابد منها فنجد بعد ذلك قول الحق سبحانه : (( قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويخفضن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو إباءهن أو إباء بعولتهن أو أبناءهن أو أبناء بعولتهن أو أخونهن أو بني أخونهن أو بني أخوتهن أو نساءهن أو ما ملكت أيمنهن أو التبعين غير أولى آلا ربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورت النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا آيه المؤمنون لعلكم تفلحون )) من سورة النور الآية (31) .إن الدين الإسلامي ليهدف إلى تنقية الشعور وإلى تطهير السلوك لذلك فرض هذه الآداب التي فرضها على الرجال والنساء .
غض البصر وحفظ الفرج :
فمن هذه الآداب غض البصر وحفظ الفرج فغض البصر أمر لابد منه إذا لا يمكن أن يحفظ الفرج إلا بغض البصر فحظ الفرج نتيجة حتمية لغض البصر ,ولذلك فرض الله على الرجال أن يغضوا من أبصارهم وفرض على النساء أيضاء أن يغضضن من أبصارهن فكما إن الرجال منتهون عن التطلع على النساء أو محاولة الإطلاع على ما يسترنه من محاسنهن ومفاتنهن تؤمر النساء كذلك بغض البصر لئلا يتطلعن إلى الرجال الأجانب , ويؤمرن كذلك ألا يبين زينتهن إلا ما ظهر منها , واختلف العلماء فيما ظهر من الزينة فقيل الوجه والكفان أي لا يباح للمرأة أن تبدي غير وجهها وكفيها وقيل ما ظهر من الزينة ظاهر الثياب ويجب عليها ستر وجهها وكفيها والقولان موجودان منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم جميعا , وإن كان فريق من العلماء يبيح للمرأة أن تكشف عن وجهها وكفيها فغنما يبيح ذلك مع أمن الفتنه أما مع فوق الفتنه فالمرأة مطالبة بأن تستر جميع جسمها سترا كاملا حتى وجهها وكفيها وكيف تأمن المرأة الفتنة وهي تخرج في وسط جمع غفير من الرجال فيهم كثير من الذين لا يخشون الله ولا يتقونه ؟؟؟

الإسلام ينظم الفطرة ولا يعاكسها :
وللمرأة بفطرتها تحب أن تبدو جميلة وتحب أن تظهر زينتها وهذا الجمال للرجل وتحب أن تغريه به فدين الإسلام لا يعاكس هذه الفطرة ولكنه ينظم هذه الفطرة, ولقد أباح للمرأة أن تتزين وأن تبين زينتها ولكن إبداء هذه الزينة مطلقا لشخص واحد وهو زوجها الذي هو شريك حياتها و الذي أباح أن يستمتع بكل محاسنها والذي أباح له منها ما لا يباح لآي شخص أخر حتى اقرب قريب إليها ويباح لها أن تبدي شئ من زينتها لذوى المحارم الذي لا يتأثرون بما تبديه لهم من زينتها , لذلك نجد في هذه الآية الكريمة ما يسمح للمرأة أن تبدي زينتها لوالدها ولوالد بعلها ولابنها ولابن بعلها ولا أخيها ولابن أخيها إلى أخر ما بينته الآية الكريمة من الرجال الذين يباح للمرأة أن تبدي لهم زينتها . وبجانب ذلك فإسلام يحرص كل الحرص على تطهير المشاعر وتنقية النفوس كما يحرس على تطهير السلوك زاجرا للمرأة على أن تثير خيال الرجل فخيال الرجل اتجاه المرأة يثير أي شي منها نبرة الصوت و جرسه الحلي ونفحة الطيب كل من ذلك يثير ويصيب خيال الرجل وقد يفعل فعلا يؤدي به إما إلى بلبلة فطرة وإما محاولة ارتكاب الفاحشة مع المرأة ولذلك قطع الإسلام على المرأة والرجل هذا الطريق بما فرضه من هذه الآداب .

وفي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و أزواج أصحابه أسوة :
يؤكد ذلك أيضاء قوله تعالى في خطابه للأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ((فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )) من سورة النور الآية (32) وإذا كان هذا الخطاب يوجه إلى نساء النبي مع علو قدرهن وعظم شانهن ومع احترام المؤمنين لهن واحترامهم للرسول صلى الله عليه وسلم و إكبارهم لهن لأنهن أمهاتهم فكيف سائر النساء ؟؟؟؟؟والخطاب موجة من الله إلى أمهات المؤمنين إنما يدل على أن الحجاب لم يقصد به إلا الطهارة والصون والعنة فتلك النساء الفاضلات اللواتي رفع الله من شأنهن وأعلى من قدرهن يفرض الله تعالى عليهن هذا الحجاب وينؤ من أنه أراد بذلك تطهيرهن فكيف يمكن الطهارة لغيرهن إلا بالتزام ذلك الحجاب الشرعي ؟؟؟ فالله تعالى يقول لهن ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلوة وءاتين الزكوة واطعن الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) من سورة الأحزاب الآية ((32ـ33) , فيجب على النساء المؤمنات الصالحات القانتات أن يتأسين بأزواج الرسول الكريم وان يلزمن هذا الحجاب الشرعي الذي فرضه الله تعالى عليهن وأن يتأسين بنساء المهاجرين والأنصار , فقد تحدثت عنهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما كان منهن من استجابة لنداء الله تعالى والتزام لأمره مع أن فطرة المرأة تدعوها إلى أن تظهر زينتها وجمالها , فقد روي الأمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله تعالى : (( وليضربن بخمورهن على جيوبهن )) من سورة النور الآية (31) . وروى أبو داود عن صفية بنت شيبة أنها قالت : بينما نحن جلوس عند عائشة إذ ذكرن نساء قريش فقالت عائشة إن نساء قريش لفاضلات ولكم ما رأيت أفضل من نساء الأنصار إيمانا بكتاب الله تعالى وتصديقا بما أنزل لما أنز الله تعالى قوله (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) وأنقلب رجالهن إليهن يكون عليهن ما نزل من كتاب الله فكان الرجل يتلو على امرأته وعلى أخته وعلى ابنته وعلى كل ذي قرابة ما منهن امرأة إلا وقامت إلى مد طها الموجل فشقته فأصبحن وراء رسول الله معتجرات كأن على رؤسهن الغربان , وهذا المشهد الذي وصفته عائشة رضي الله عنها يتجلى واضحا في هذا العصر الحديث في تلك النساء اللواتي تطهرن من ادرأن الجاهلية الحديثة كما تطهرن نساء المهاجرين والأنصار من أحوال الجاهلية الأولى فكثير من النساء اللواتي وقر الأيمان في قلوبهن انقلبن في هذا الوقت خلاف ما كانت عليهن أمهاتهن وقر بناتهن من التبرج وقد ظهر ذلك في كثير من النساء المثقفات والفتيات العارفات والطالبات في الجامعات في البلاد الإسلامية , حتى في غير البلاد الإسلامية كثير من الفتيات المسلمات يلزمن الحجاب الشرعي ويخالفن هذه الجاهلية الحديثة كما خالفت نساء المهاجرين والأنصار من قبل تلك الجاهلية القديمة و آنا لنرجوا من الله تعالى أن يوفق جميع النساء المسلمات لسلوك هذا المسلك واتباع أمر الله والابتعاد عن طريق الشيطان الذي يحاول إضلالهن ويحاول أن يغويهن ويرميهن في المهلكة , ونجد في كتاب الله سبحانه ما يدل أيضاء على حكمة الحجاب فيما أنزل الله في سورة الأحزاب فاله تعالى قال : ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما )) الآية (59) , فالمرأة أن التزمت الحجاب الشرعي كان أدنى أن تعرف بأنها مؤمنة فلا تؤذى أي إيذاء , وقد ظهرت لك بارزة حتى في الواقع هذا ففي العام الماضي في مصر شكت فتاة إلى صديقتها أو زميلتها بأنها كلما مرت في طريق عاكسها الشباب فنصحتها صديقتها المتحجبة بأن تتحجب فتحجبت ولم يعاكسها الشباب بعد ذلك وهكذا فإن الذباب لا يقع إلا على النتن .

التلاعب بكرامة المرأة يولد الدمار :
والمتدبر لتاريخ المدنيات الزائلة والحضارات البائدة يجد أن سبب فناء تلك الحضارات هو التلاعب بكرامة المرأة وتسن لها بأن تخلع العذراء وأن تهتك الستر وأن تخرج عارية وكان ذلك في سبب أنها حضارة اليونان وبلاد فارس والرومان ,


أحكام تختص باللباس والحجاب :

أولا :صفة اللباس الشرعي للمسلمة :
(1) يجب أن يكون لباس المرأة المسلمة ساتر لجميع جسمها عن الرجال الذي ليسوا من محارمها ولا تكشف لمحارمها إلا ما جرت العادة بكشفه من وجهها وكفيها وقدميها .
(2) أن يكون ساترا لما وراءه فلا يكون شفافا يرى من وراءه لون بشرتها .
(3) ألا يكون ضيقا يبين حجم أعضائها ففي [ صحيح مسلم ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( صنفان من أهل النار ولم أرهم : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) , قال شيخ الإسلام أبن تيميه رحمة الله في [ مجموع الفتاوى ] وقد فسر قول الرسول الكريم : (كاسيات عاريات ) بأن تكتسي ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية مثل من تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل أردافها وساعدها وغير ذلك , و إنما كسوة المرأة ما يسترها قلا يبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه واسعا نفيسا .
(4) ألا تتشبه بالرجال في لباسها فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المترجلات من النساء وتشبهها بالرجل في لباسه : أن تلبس ما يختص بالرجال نوعا وصفة فيما عرف كل المجتمع بحسبه , وقال الشيخ أيضا فالفراق بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء وهو ما يناسب ما يؤمر به الرجال وما تؤمر به النساء فالنساء مأمورات بالاستتار والتحجب دون التبرج والظهور ولهذا لم يشرح لها رفع الصوت الأذان ولا التلبية ولا الصعود إلى الصفاء والمروءة ولا التجرد من الاحترام إنما بتحرر الرجل فإن الرجل مأمور إن يكشف رآسة وألا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تضع على قدر أعضاءه فلا يلبس القميص ولا السروال ولا البرنس ولا الخف ..........إلى أن قال : وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس , لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب فلا يشرع لها ضد ذلك لكن منعت أمن تتنقب وأن تلبس القفازين لأن ذلك لباس مصنوع من القدر العضو ولا حاجه بها إليه....... ثم ذكر أنها تغطي وجهها بغيرهما عن الرجال ..... إلى أن قال في النهاية : وإذا تبين أنه لا بد من أن يكون بين لباس الرجال والنساء فرق يتميز به الرجال عن النساء وأن يكون لباس النساء فيه من الاستتار والاحتشام والاحتجاب ما يحصل مقصود ذلك ظهر أصل هذا الباب وتبين أن اللباس إذا كان غالبة لبس الرجال نهيت المرأة عنه إلى أن قال : فإذا أجتمع في اللباس قلة الستر والمشابهة نهي عنه من الوجهين والله اعلم .
(5) ألا يكون فيه زينة تلفت الأنظار عند خروجها من النزل لئلا تكون من المتبرجات بالزينة .

ثانيا : الحجاب معناه وأدلته وفوائده :
الحجاب : معناه : إن تستر المرأة بدنها عن الرجال الذي ليسوا من محارمها كما قال الله تعالى : (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبا بعولتهن أو إخوانهن )) من سورة النور الآية (31) وقال تعالى : (( وإذا سألتموهن متاعا فسلوهن من وراء حجاب )) من سورة الأحزاب الآية(53) والمراد بالحجاب ما يستر المرأة من جدار أو باب أو لباس ولفظ الآية وإن كان واردا في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن حكم عامه لجميع المؤمنات ، لأن علمه عموم علته دليل على عموم حكمه وقال تعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن )) من سورة الأحزاب الآية (59) , وقال الشيخ أيضا في الجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه أبن مسعود وغيره : الرداء وتسميه العامة : الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها وقد حكى أبو عبيده وغيرة : أنها تدنيه من مستوى رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن الجنة النقاب .
ومن أدلة السنة النبوية على وجوب تغطية المرأة وجهها عن غير محارمها : حديث عائشة رضي الله عنها قالت : (( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع الرسول الكريم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه ) رواة احمد و أبو داود وأبن ماجه .
وأدلة وجوب ستر وجهها عن غير محارمها من الكتاب والسنة كثيرة وأعلمي أيتها الأخت المسلمة إن الذين أباحوا لك كشف الوجه من العلماء مع كون قولهم مرجوحا قيدوه بالأمس من الفتنه غير ما مؤنه خصوصا في هذا الزمان الذي قل فيه الحياء وكثر فيه رعاة الفتنه فأحذري من ذلك أيتها الأخت المسلمة والزمي الحجاب الواقي من الفتنه بإذن الله ولا أحد من العلماء المسلمين المفسرين قديما وحديثا يبيح لهؤلاء المفتونات ما وقعن فيه ومن النساء المسلمات قد يستعملن النفاق في الحجاب فإذا كن في مجتمع يلزم الحجاب احتجبن وإذا كن في مكان عام وإذا دخلن محلا تجاريا أو مستشفى أو كانت تكلم أحد صاغه الحلي أو أحد خياطي الملابس النسائية كشفت وجهها وذراعيها كأنها مع زوجها أو أحد محارمها فأتقن الله يا من تفعل ذلك ولقد شاهدنا بعض النساء القادمات في الطائرات من الخارج لا يتحجبن غلا عند هبوط الطائرة في احد المطارات لا من المشروعات الدينية .
أيتها المسلمة : إن الحجاب يصونك من النظرة المسمومة الصادرة من مرضى القلوب وكلاب البشر ولا يقع عنك الأطماع المشهورة التي تحارب الحجاب أو تقلل من شانه فإنها تريد لك الشر كما قال تعالى : ((ويريد الذين يبتغون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )) من سورة النساء الآية (27) .




فصل نكاح المشركات :

النكاح :
* تعريفة : ـ (1) لغة : النكاح لغة الضم والتداخل .
(2) اصطلاحا :
النكاح شرعا : العقد حقيقة والوطء مجازا .
وقيل : النكاح حقيقة في الوطء ومجاز في العقد
وقيل : النكاح حقيقة فيها الاشتراك ويتعين المقصود بالقرينة

عرفه بعض العلماء بقولة :
النكاح عقد يفيد حل استمتاع كل العاقدين بالآخر على الوجه المشروع.


 أنواع لأنكحه قبل الإسلام :
أن لأهل الجاهلية عدة أنواع من الأنكحه فلما جاء الإسلام رحمه للعالمين هدم ما يتنافى مع كرامة الإنسان وأمر النكاح الصحيح وقد بينت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنواع النكاح ما أنكح أهل الجاهلية فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله علية وسلم أخبرته (( أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء )) (1).
(1) فنكاح منها نكاح ناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل ولبنته أو لبنته فيصدقها فينكحها .
(2) نكاح أخر كان الرجل يقول لآمراته إذا اطهرت من طمثها أي حيضها : أرسلي إلى فلان فاستيضعى منه و ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا و إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكل هذا النكاح نكاح الأستبضاع .
(3) نكاح أخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرآة كلهم فإذا حملت ووضعت تمر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع الرجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهوا أبنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل .
(4) النكاح الرابع : يجتمعن الناس كثر فيدخلون على المرآة ولا تمنع من جاءها وهن البقايا كان ينصبن على أبوابهن الرايات لتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووصلت حملها جمعوا له ودعوا لهم القافه ـ وهم يعرفون شبة الولد بالوالد بالآثار الحقيقية ـ ثم الحق ولدها بالذي يرونه فالتا منه حب ـ الصفة ـ ودعي ابنه يمنع من ذلك فلما بعث محمد صلى اله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري والفظ له أبو داود وغيرهما .
مشروعية النكاح في الإسلام وحكمته وحكمه :

النكاح مشروع في الكتاب وفي السنة والإجماع أما في كتاب الله فقوله عز وجل ((فأنكحوا من طاب لكم من النساء مثنى وثلث وربع )) ( ) وقوله (( و أنكحوا الأيمى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم )) ( ) وأما في السنة فقولة صلى الله عليه وسلم (( يا معشر الشباب من تطاع من كم الباء فليتزوج فأنة أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعلية الصوم فإنه له )) ( ). إي حصاء والباءة هي ( مؤن الزواج وتكاليفه وواجباته ومن الباءة النكاح نفسه إلى القدرة علية . واجمع المسلمون مشروع ورغبة الإسلام فيه أيما ترغيب وحض علية من وجد الاستطاعة إلية وقد تنوعت أساليب والبحث علية في الكتاب والسنة فتارة يخبر عنه عز وجل إنه من سنن الأنبياء والمرسلين وهم القدوة الحسنة لامتهم , فيقول سبحانه وتعالى (( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية )) ( ) , وعن أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه إن الرسول صلى الله عليه وسلم قــال : أربع مـن سنن المرسلين (( الحياء والتعطر والسلوك والنكاح))( ) وتارة يتحدث عنه المولى عز وجل انه آيه من آيات الله فيقول سبحانه (( ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لأيت لقوم يتفكرون )) ( ), و أحيانا يذكره الله عز وجل في معرض الامتنان به علينا حسب قوله تعالى (( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبت )) ( ) وقد يحج الإنسان عن الزواج تخوفا من تحمل أعبائه والقيام بمسؤولياته ومما يترتب على ذلك من نفقات وقد يتردد وفقد يمتنع ولي المراه أيضا إذا تقدم إليه رجل فقير ليتزوج ولو كان صالحا خوفا عليها من بؤس الفقر وشطف العيش فيخبرنا عز وجل أن الزواج يسبب الرزق ليستأصل مثل هذه الأفكار الخاطئة التي تدل على عدم اليقين الراسخ بتكلفة الله عز وجل أرزاق العباد فيقول سبحانه (( و أنكحوا الايمى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله واله واسع عليم )) ( ) , وعن أبى هريرة رضي اله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف وفي بعض الروايات هذا الحديث (( ثلاثة حق على الله أن يغنيهم واخبر عليه السلام (( أن الدنيا متاع وخير متاعها المرآة الصالحة فعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أن الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرآة الصالحة )) ( ) وأمر عليه السلام أمته بالزواج من الودود الولود ليكاثر بأمته الأمم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) ( , والإنسان تعتريه عوامل نفسية شتى فيخيل إلية في بعض الأوقات حينما تغمره المشاعر الروحية والسمو النفسي وجب الانقطاع لله سبحانه وتعالى في كل شأن من شؤون الحياة أن الزواج من القواطع الشاغلة للإنسان عن التفاني في العبادة فيقرر الابتعاد عنه كما حصل ذلك مع بغض أصحاب الرسول صلى الله علية وسلم حين قرر أحدهم أن يصلي الليل فلا يرقد وقرر الأخر أن يصوم الدهر فلا يفطر وقرر الثالث أن يعتزل النساء فلا يتزوج فيبن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الصنيع خلاف لسنه صلى الله عليه وسلم ثم قال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله أني أخشاكم لله واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد و أتتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) (11) , وعظم الإسلام شأن الزواج فجعله شطر الدين لأنه يعين على الطهر والتقاء والعفاف فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من رزقه الله أمراه صالحة فقد أعانه على شطر الدينة فليتق الله في الشطر الباقي )) (12).

 من المحرمات :
المشركة وهي التي تعبد الأوثان كمشركات الغرب ومن شابههن .
قال تعالى : (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة المؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدون إلى النار والله يدعو على الجنة والمغفرة بإذنه )) (1) .
بينت الآية لا يجوز للمسلم أن يتزوج من مشركة , كما لا يجوز للمسلمة أن تتزوج من مشرك للاختلاف الشاسع بين الدينين فهؤلاء يدعون إلى الجنة , و أولئك يدعون إلى النار هؤلاء مؤمنون بالله وبالنبوة وبالآخرة وأولئك مشركون بالله منكرون النبوة جاحدون بالآخرة والزواج سكينة ومودة ورحمة فكيف يلتقيان هذان الطريقان المتباعدان ؟
اتفق العلماء على أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية ولا الزندقية ولا المرتدة عن الإسلام , ولا المعتقدة لمذاهب الإباحية كالوجودية ونحوها من المذاهب الملحدة .
سورة البقرة الآية 221وسببب نزولها [1] قال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي مرثد الفنوي , وقيل في مرثد بن أبي مرثد : واسمه كناز بن حصين الفنوي . بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة سرا ليخرج رجلا من أصحابه وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية يقال لها ((عناق)) فجاءته فقال لها : عن الإسلام حرم ما كان في الجاهلية قالت : فتزوجني قال : حتى استأذن رسول الله فأتى إلى الرسول فأستأذنه , فنهاه عن التزوج بها لأنه مسلم وهي مشركة وروى السدي عن أبن عباس رضي الله عنهما قال أمن هذه الآية نزلت في عبد الله بن رواحه وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم أنه فزع فأتى إلى الرسول فأخبره خبرها : فقال له الرسول : (( ما هي يا عبد الله )) ؟ قال : هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا اله إلا الله وانك رسول الله فقال : (( يا عبد الله هي مؤمنه )) قال عبد الله : فو الذي بعث بالحق لأعتقها ولأتزوجها ففعل , فطعن عليه الناس من المسلمين ؛ فقالوا أنكح أمة ؛ وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أنسابهم فأنزل الله (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )) قال في الهفني, وسائر الكفار غير أهل الكتاب كمن عبد ما أستحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم . قال : و المرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت .
لم يقف الإسلام عند إعلان مبادئ العدل والمساواة بين الناس بل أبقاها بالتطبيق العملي وتربيه الأمة عليها وفيها يظهر لون من ألوان هذه التربية الكريمة التي يحطم فيها الإسلام قيم الجاهلية في النفوس علميا ويغرس فيها القيم الإسلامية من خلال تزهيد المسلمين بنكاح المشركة ولو كانت ذات حسب ونسب وترغيبهم في الزواج من المؤمنة واو كانت أمة . كذلك تحريم المؤمنة للمشرك مهما كان حسبة ونسبة والترغيب في التزويج المؤمن ولو كان عبدا وذلك ليغرس في النفوس أن قيمة العقيدة والدين أعظم من قيمة المال و الكسب وشرح أية البقرة 221 إي (( لا تتزوجها أيها المؤمنون المشركات حتى يؤمن بالله واليوم الأخر ولأمة مملوكة مؤمنة بالله ورسوله أفضل من مشركة وإن أعجبتكم المشركة بجمالها ومالها وحسبها ونسبها ولا تزوجوا المشركين من بناتكم المؤمنات حتى يؤمنوا بالله ورسوله ولأن تزوجوهن بعبد مؤمن خير لكم من أن تزوجوهن من مشرك مهما أعجبكم حسبة ونسبة وماله فأن هؤلاء المشركون والمشركات يدعونكم إلى ما يؤدي بكم إلى النار والله يدعوا إلى العمل الذي يدخلكم إلى الجنة .جاء تفسير أية ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من أمة مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آيته للناس لعلهم يتذكرون )) وقد جاء في تفسير أبي السعود على النحو التالي :
(( انتفاء مقدمها ( ولا تنكحوا المشركات ) إي لا تتزوجوهن و قرء يضم النساء من الانكاح أي تزوجوهن من المسلمين ( حتى يؤمن) والمراد بهن أما ما يعم الكتابيات أيضا حسب ما يقتضيه العموم لقولة تعالى : (( وقالت اليهود عزيز أبن الله وقالت النصارى المسيح أبن الله ... إلى قوله تعالى عما يشركون )) فأية منسوخة بقولة تعالى (( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وأما غير الكتابيات فهي ثابتة)) , وروى أن رسول الله بعث مرثد بن أبي مرثد الفنوي إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين وكان يهوى امرأة في الجاهلية أسمها عناق فأتته فقالت ألا تخلو فقال وعيك إن الإسلام حال بيننا فقالت هل لك أن تتزوج بي قال نعم ولكن أرجع إلى رسول الله فستأمره فأمره فنزلت ( ولأمه مؤمنه ) تعليل لنهي عن مواصلتهن والترغيب بمواصلة المؤمنات صدر بلام الابتداء السببية بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الازدجار وأصل أمه ( آمو ) حذفت لامها واو أرجو عنها في الجمع قال الكلابي (( أما الإماء يدعو ولدا إذا تدعى بنو الأموات بالعار وظهورها في المصدر يقال هي أمه بينة الأمومة وأقرت له بالأموه وقد وقعت مبتداء لما فيها من لام الأبتداء والوصف إي (( ولامه مؤمنه )) مع مآبها من خساسه الرق وقلة الخطر (خبر ) يمس بالدين والدنيا ( ومن مشركة ) إي آمراه مشركة مع مسلما من شرف الحرية ورفعة الشأن ( ولو أعجبتكم ) قد مر أن لكلمه في أمثال هذه المواقع ليست لبيان انتقاء الشي في الماضي لانتقاء غيرة فيه فلا يلاحظ لما جواب قد حذف بدلالة ما قبلها عليه من انصباب المعنى على بقديرة بل هي لبيان تحقق ما يفيد للكلام السابق من الحكم على كلا الحال مفروض من الأحوال المقارنة له على الأجمال بإدخالها على أبعادها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشي منى تحقيق مع المنافي في القوى فلأن يتحقق مع غيره أولى و لذلك لا يذكر معه شيء من سائر الأحوال ويكتفي عنه بذكر الواو العاطفة للجملة . ( ولا تنكحوا المشركين ) من الانكاح والمراد بهم الإنكار على الإطلاق لما مرآي , لا تتزوجوا منهم المؤمنات سواء كن (حرائر أو إماء ) ( حتى يؤمنوا ) ويتركوا ما هم فيه من كفر ( ولعبد مؤمن ) مع مآبه من ذلك المملوك ( خير من مشرك ) مع ماله من غز المالكية ( ولو أعجبكم ) بما فيه من دواعي الرغبة فيه الراجعة إلى ذاته وصفاته ( أولئك ) استئناف مقرر لمضمون المتعاليين المارين أي أولئك المذكورون من المشركات والمشركين ( يدعون ) من بقائهم ( إلى النار ) أي إلى ما يودي إلى الكفر والفسوق فلابد من الاجتناب عن مقاربتهم ( والله يدعوا ) بواسطة عبادة المؤمنين يقارنهم (إلى الجنة والمغفرة ) إي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح المواصلين إليهما وتقديم الجنة على المغفرة مع إن حق التحلية أن تقدم على التحلية لرعاية مقابلة النار ابتداء ( بإذنه ) متعلق إي يدعو ملتبسا بتوفيقه الذي جملة بإرشاد المؤمنين لمقارنيهم إلى الخير وتضحيتهم فهم أحقا بالمواصلة ( ويبين آياته ) المتمثلة على الأحكام الفائقة والحكم الرائق (( للناس لعلهم يتذكرون ) أي لكي يتذكروا ويعملوا بما فيها فيقرنونها بما دعوا إلية من الجنة والغفران )) (2) ,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(1) من سورة البقرة الآية (221)
المصادر : كتاب الحلال والحرام في الإسلام ـ تأليف الدكتور شيخ يوسف القرضاوي ـ ص 178 . كتاب فقه السنة .
2- نقل هذا النص من كتاب تفسير أبي السعود ( المجلد الأول الصفحة رقم : 220ـ 221ـ222.



ومن حكم التشريع :
لقد حرم الإسلام زواج المسلم بالمشركة وتزويج المسلمة بالمشرك وذلك راجع إلى حكم عظيمة منها :
(1) أ يتم التعاون بين الرجل والمرآة على إنشاء الأسرة مسلمة وتربية الأولاد تربية إسلامية .
(2) مقاطعة المشركين حتى لا يكون بينهم وبين المسلمين مصاهره ولا تعاون.
(3) تقوية الروابط الإيمانية وإشاعتها في المجتمع .




الأستفاده
- التعاون والتساوي بين الجماعة الإسلامية وهذا ما نتحقق في عمل بحثنا هذا .
- الإسلام يبين اليسر وليس عسر
- كرامة المرأة المسلمة في أعظم منحه وحققها لها الإسلام
- السعادة الدنيوية لدى المسلمين تكون بالتزام كل من الطرفين الوحل والمرأة بحقوقهم وواجباتهم .
- المرأة لؤلؤه مصانة في الدين الحنيف.
- سلامة المجتمع تكون سلامه المرأة ضمان عدم خروجها عن قاعدة هذا الدين الحنيف.
- تقوم المرأة مصانة في ظل النظم الإسلامية
- الحجاب الشرعي هو عنوان المرأة المسلمة في المحافل الدولية .
- ليس المرأة هو كشف عن شخصيتها أو النيل على كرامتها أو حقارتها .
- نكاح المشركات فساد للمجتمع الإسلامي وضياع الأبناء وسط سحابة الفجور الغربي.
- المرأة لا تسافر إلا لعذر شرعي.
- الإسلام حافظ على المرأة في حلها وترحالها.
- الزواج رابط مقدس يربط الرجل والمرأة.
- تحريم زواج الرجل بالمشركة.
- أساس الأسرة المسلمة التقوى والأيمان.
- نور الإسلام حطم قيم الجاهلية وتبين قيمة الإنسان .
- لا يجوز للمرأة المسلمة ولا للمسلم أن يتزوجوا كافر أو كافرة .
- تكريم الإسلام للمسلمين وذلك لأنه فضل على المرأة المسلمة أن تتزوج عبد مملوك وهو مسلم عن ملك كافر .
- اشتراط الله من المسلم أن لا يتزوج كافرة إلا بعد تؤمن ذلك فيه محافظة على الإسلام من الضعف والانقسام : فإذا تزوج المسلم من كافره فإنه سيتأثر بعاداتها وتقاليدها ودينها أيضا أطفاله الذين سيتأثرون بشكل كبير جدا بعادات أمهم الكافرة التي تنافي مع عادات الإسلام وربما النقير حجه السلبية من زواج المسلم من كافره هو أن يترك إسلامه ويلتحق بدين زوجته.
- الله تعالي يخبر المسلم بين الجنه في طاعته وأتباع أوامره سبحانه وتعالي ، أو النار إذا عصى الله تعالي.
- تكريم الله تعالى للمرأة المسلمة فلإسلام بفضل على المسلم أن يتزوج من مملوكة مسلمة خير من ملكة وهي كافره.
- رسالة المرأة الحقيقة في المجتمع في المجتمع تربية الأسرة وتنشئها وفق أحكام الإسلام ومبادئه.
- سفر أعداد وحدها مخالف للإسلام ويترتب عليه أثم يلحق بها .
- الخفوه بالمرأة الأمنية حرام في الإسلام
- النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء لا أساس لها من الصحة .
- تحطيم الإسلام الأفكار الجاهلية الهدامة.
- الزوجية في الإسلام لت مسؤوليات من حيث النفقة وتحمل أعبائه.
- تعظيم الإسلام لشأن الزواج وجعله شطر الدين.
- الزواج السبب في الطهر والنقاء والعفاف.



الختام :
فمع الأسف الشديد فإن الكثير من الذين يسوئون إلى الأدب في المجتمعات الإسلامية يحاولوا أن يسخروا مواهبهم في تضليل المرأة وفي إخراجها من بيتها و أزالتها من مكانتها التي قواها الإسلام أيضاء وذلك لان هذا النوع من الرجال لا هم لهم إلا إرضاء شهواتهم وإشباع غريزتهم وهم يحاولون لأن يضلوا المرأة ليكون هذا التضليل وسيلة من وسائل استقلال المرأة لإشباع شهوة الرجل المنهزم , فما اجدر بنا جميعا أن نقف مواقف الحذر من هولا وما أجدر الفتيات المؤمنات أن يدرسن لينتهن وأن يتمسكن بكتاب ربهن وسنه نبيهن ولهن في نساء المهاجرين و الأنصار أسوة حسنه , وما أجدر الأباء والأمهات أن يراعوا حقوق بناتهن وأن يحفظن لهن شرفهن وكرامتهن وأن يحذرا كل الحذر أن يرزأن في عفافهن وفي شرفهن فذلك الذي ندعو به الأباء والأمهات والمدرسين والمدرسات .

وأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما يحبه و يرضاه وأن يجعل الغيرة في قلوب رجال المسلمين والحياء في نفوسهم وفي وجوه نساءهم وأن يأخذ بأيدينا إلى كل تيسير من أمور الدنيا والآخرة وأن يصرف عنا كل شر من شرورهما وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وصحبه أجمعين .





الخاتمة :
الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الصحة والعافية والعلوم الكافية " أليس الله بكاف عبده"
بلى يا رب فأنت المنعم ومنك النعم لك الفضل والمنه ومنك الخير كله والنعمة وأعظمها من نعمة نعمة الإسلام تليها نعم الصحة والأمان ولكل نعمة ما يحفظها التوحيد واجتناب المعاصي ونعمة الصحة يحفظها الاقتصادي في المأكل والمشرب والحميه عن المعاصي ودوام الرياضة والسعي والحركه فإن فيها الرزق والبركة .

وإن ثمة أمر هام في حياتنا أنه مهما وصلنا إلى أو حتى العلوم فأننا لا نصل إلى القدر ألازم ويبقى الطموح والجد والاجتهاد وهو سبيل الإنسان وغايته في هذه الحياة.
ونحن كذاك مهما عملنا ومهما تعلمنا فأننا بعيدين عن القدر وهو سبيل اللأزم ولن نعطيه حقه وأننا لن نصل إلى ذلك المنصب الذي تعنينا به أنفسنا إلا إذا اجتهدنا وعملنا بجد ومثابرة في كل عمل من أعمال حياتنا وفي كل هدف وطريق تطمح إليه نفوسنا .
وهذا البحث الذي عملنا هو ثمرة من ثمار علمنا واطلاعنا .
أرجو أن ينال على إعجاب كل من قراءه وتصفح صفحاته
وفي الختام لا يسرنا إلا أن نهديكم أصدق تحياتنا وأمنينا لكم بالأستفاده ولأفاده .

هذا ولكم جزيل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابومحمد الشامري
03-04-2005, 01:20 PM
جزاك الله خير يا ابو بدر على هذه الدراسة الرائعة ما قصرت يا السنافي

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:39 PM
المرأة والسياسة وصناعة الحياة
محمد العلي






أهدي هذا الموضوع إلى المرأة التي لم تجد من ينصفها في كل الجاهليات، أهديه إلى الإنسان الذي يبحث عمن يعيد له الحياة، حياة العدل والمساواة والحرية.. حياة الحب والتسامح والتكافل.. حياة التعاون والألفة والمحبة.. حياة السكينة والأمن والاطمئنان والاستقرار، أهديه إلى أحبتي أهل البيت العراقي الذي بات أهله يبحثون عما يعينهم على ترتيب بيتهم على أسس سليمة وصحيحة، أهديه إلى كل من أراد إعادة ترتيب بيته على أساس سليم وصحيح، أهديه إلى أهل الهمة من الناس والأمة، قال تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة: التوبة ]

المرأة والسياسة وصناعة الحياة..

إن كل جاهليات العصور الغابرة كانت تظلم المرأة وتستغلها استغلالاً بشعاً، وتسلب أمنها، وتتكئ على شقائها وتعاستها، وتعمل على تشتيت أمرها وهدر طاقتها، واستغلال جهدها واستغفالها، وعلى رأس ما يسلب منها من أمن، هو (الأمن الفكري)، بل هو على رأس ما يسلب من أكثر الناس في زمن كل جاهلية، فحتى جاهلية هذا العصر تمارس على المرأة تلك الممارسات بصور وأشكال وآليات مختلفة، على الرغم من التطور العلمي والتقني، وهو أوضح دليل على جاهلية هذا العصر، فوضع المرأة في المجتمع هو المؤشر على رقي ووعي المجتمع وتحضره.

والمرأة في دولنا العربية والإسلامية أصبحت بين نارين، نار العادات والتقاليد القبلية التي تحد من نشاطها الاجتماعي والسياسي وتكبل حركتها وتمنعها من أداء دورها وواجبها تجاه المجتمع باسم الدين، وبين نار "العلمانيين" الذين وجهوا المرأة الجهة الخاطئة وظلموها واستغلوها أبشع استغلال، وشغلوها عن نفسها وبيتها وخالقها وعن مصيرها الموعود بعدما حرموها من (الأمن الفكري).

فباسم الحقوق السياسية يراد حرمان المرأة من حقوقها الشرعية وضرورات حياتها الإنسانية، بل وحرمان المجتمع ككل من إمكاناتها وقدراتها وطاقاتها وجهودها وتأثيرها الفعلي ودورها في صناعة الحياة، فأقصى ما يقدمه الساسة للمرأة هي دعوى باطلة خادعة يتم بها استمرار تحييدها عن ممارسة دورها الحقيقي باسم "الديمقراطية" والمشاركة السياسية المزعومة، رغبة في تقليد الدول الغربية المتقدمة تقنياً ومادياً -والذي جعلها البعض مثله الأعلى- توهماً منهم بأن ذلك من أسباب التقدم والرقي ومظهراً من مظاهره ووجهاً من أوجه الحضارة، فالمرأة بالنسبة لسدنة الحضارة الجديدة -وكما يقال- هي (نصف المجتمع!)، إنها مقولة من ينظر إلى أفراد المجتمع كمجموعة من العمال والموظفين، نصفهم من الرجال والنصف الآخر من النساء!، فتلك نظرة "الرأسماليين" والماديين الذين يصب اهتمامهم على مضاعفة الإنتاج وجني الأرباح والمكاسب المادية حتى لو كان على حساب ارتقاء وبقاء النوع البشري وعلى حساب وعي المرأة وصلاح حالها وأحوالها واستقرارها وأمنها، فالمرأة بالنسبة لهم نصف قوة العمل، وفي الحقيقة..

إن المرأة هي من (يصنع المجتمع)، المجتمع الإنساني، وهي من يصنع الحياة. قال تعالى: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (85)}(هود)..

نعم.. إن المرأة هي من يصنع المجتمع والحياة، فلذلك يجب أن تمكن من أداء دورها الاجتماعي والسياسي وبصورة صحيحة وبما يحقق الهدف الصحيح وهو إيجاد أسرة مترابطة مستقرة وإيجاد أبناء لهم بناء فكري وروحي ونفسي وبدني سليم ومجتمع آمن ودولة تسير باتجاه صحيح، فالمرأة إذا ما مكنت من أداء دورها الطبيعي ستساهم بقدر كبير في صناعة وصياغة الإنسان صياغة تجعله أهلاً لأداء الأمانة التي حملها ودور الاستخلاف في الأرض، بل في صناعة وصياغة الحياة، ولا يجب أن تنهك وتشتت جهودها وتهمش وتستغفل وتستغل، فالمرأة في الوقت الحاضر تعيش وهي محرومة من أداء دورها الأساسي الفعال في المجتمع، فلابد من إعادة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية الإسلامية ترتيباً صحيحاً يحفظ للمرأة خصوصيتها ويضع كل جنس في مكانه المناسب والصحيح، ومثلما يجب أن يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كذلك يجب أن توضع المرأة المناسبة في المكان المناسب، وهكذا سيصلح المجتمع وستعدل الموازين المقلوبة وأولها ميزان العقل الذي اختل بسبب ذهاب الدين مروراً بالموازين الأخرى وانتهاءَّ بميزان القوة العالمي ليكون من صالح المسلمين والمستضعفين والإنسانية بشكل عام.. قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً(1)} (النساء).. فساسة هذا الزمن إذا ما أرادوا الارتقاء بالمجتمع الإنساني وبعث الروح فيه لا مفر من تقديم الاعتذار الواضح والصريح للمرأة بعد الاعتراف بسوء تقديرهم وفهمهم لمكانتها ولقيمتها ولقدراتها وإمكاناتها وخواصها وحاجاتها وضرورات حياتها الإنسانية ولدورها في الحياة، فيجب رفع الظلم عنها وإعلان التوبة النصوح (عملياً) من خلال تمكين المرأة من أداء دورها الطبيعي تجاه المجتمع دون حيل فكرية وسياسية ودون استغفال واستغلال، فوضع المرأة في مكانها المناسب والصحيح والاعتراف بدورها المهم والأساسي في صناعة المجتمع وصناعة الحياة هو أحد أهم مفاتيح الإصلاح، فضياع الأمم من ضياع المرأة وتهميشها، ولا إصلاح إلا بصلاح حال وأحوال المرأة "الفكرية والروحية والنفسية والمادية" ولا إصلاح إلا بتمكين المرأة من أداء دورها الطبيعي.

لقد تعرضت المرأة في الجاهلية الحديثة لوجهين رئيسيين من الخداع، [الوجه الأول]: هو صرفها عن العلم الذي سينفعها وسيفيدها في ممارسة دورها الطبيعي وتحقيق ذاتها، وهو الأمومة ورعاية الأسرة وتربية وصياغة الأبناء وصناعة الحياة، فبدلاً من تعليمها من أجل إخراجها من حصنها ومملكتها لجعلها عاملة في آلية وماكينة الإنتاج المادية العالمية وجعل مهمتها الأولى تحصيل المال والشراء والإنفاق والاستهلاك كان من الأجدر تعليمها العلم الذي يعينها على صناعة الحياة من خلال إدارة الأسرة ورسم وتنفيذ سياستها الاقتصادية والغذائية والصحية والفكرية والنفسية والروحية والاجتماعية، فصناعة الحياة وصناعة الإنسان وصياغته بصورة صحيحة بحاجة لأم متعلمة وواعية ومتمكنة من إدارة أسرتها لبناء أبنائها بناءً -فكرياً ونفسياً وروحياً وبدنياً- سليماً، وهو بحاجة لأم متفرغة لتلك المهمة الإنسانية الراقية، و[الوجه الثاني]: هو خداعها بما يسمى المشاركة السياسية باسم "الديمقراطية"، فعند التطبيق الفعلي لن نجد لتلك المشاركة المزعومة أي أثر يذكر على تحسين أحوال المرأة بشكل خاص وأحوال المجتمع بشكل عام، فها هي المرأة في الدول "الديمقراطية" ما زالت تعاني من الاستغلال وسوء الرعاية والاهتمام، وها هي مجتمعات "الديمقراطية" المزعومة تعيش بحالة تفسخ وانحلال. قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71)}(التوبة).. فحاجة المجتمع لجهود المرأة الفعلية تلزمنا استحداث دائرة سياسية نسائية خاصة لإدارة شؤون الفتيات والمرأة والأسرة، بإدارة نسائية صرفة دون وصاية من الرجال وبميزانية مستقلة، وهذا وجه من أحد أوجه تطبيقات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكامل والتعاون على البر والتقوى، وتلك الدائرة السياسية النسائية تكون مهمتها الآتي:

أولاً: إيجاد فتيات متعلمات واعيات متمكنات من رسم سياسة الأسرة وإدارة شؤونها "الاقتصادية والغذائية والصحية والفكرية والنفسية والروحية والاجتماعية" وقادرات على صناعة الحياة، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(21)} (الروم)، فمهمة صناعة الحياة وإدارة شؤون الأسرة ورسم سياستها لضبطها ليست مهمة وضيعة وهامشية، كما يصورها من لا يعيش تفاصيل الحياة بوعيه الكامل، أو من يريد للمجتمع أن يعيش في ظل الفوضى بعد تحييد (الأم المتعلمة الواعية المتمكنة المتفرغة) حتى يتسنى له تصريف بضائعه الفاسدة التي تفسد الحياة، من قيم وأفكار ومفاهيم وغذاء أو سموم ومصنوعات وسلع مختلفة دون رقيب وحسيب، بل إن مهمة إدارة الأسرة ورسم سياستها وصناعة الحياة من أصعب المهمات وأهمها وأشرفها في الدولة الإسلامية، فضبط الأسرة هو ضبط للمجتمع والدولة، فمن الأسرة التي تديرها الأم المتعلمة الواعية المتمكنة المتفرغة يخرج أفراد المجتمع الصالحون المصلحون، يخرج صناع الخير وصناع الحياة، فتلك هي حقيقة دور ومهمة المرأة في المجتمع المسلم المثالي، فإذا صلحت الأسرة والخلية الأولى للدولة صلح النسيج الاجتماعي وصلحت الدولة وصلحت الدنيا والحياة.

{عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأة رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} (صحيح البخاري)

ثانيـاً: تهيئة الكوادر الفنية والإدارية من أجل إدارة شؤون النساء بشكل عام "الفكرية والروحية والنفسية والمادية والصحية والاجتماعية...الخ" وخدمة المجتمع وتوفير فرص عمل مناسبة لمن اضطرتها الظروف للعمل، بما يحفظ كرامتها من الامتهان.

ثالثاً: التنسيق مع مجالس الرجال للاتفاق على آلية التشاور وحدود ومجالات المشاركة في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وأمام هذا الوضع المأساوي للمرأة، وأمام هذا الخلل والاضطراب الذي أصاب المجتمعات بسبب تحييد وتهميش المرأة ومنعها من أداء دورها ومهمتها في صناعة المجتمع وصناعة الحياة، تُـقََََدَمُ حلول تزيد الواقع سوءًا، فالمشاركة السياسية للمرأة لا تكون بدخولها في حلبة الصراع السياسي باسم "الديمقراطية" والتعددية، فهذا الأمر لا يصلح من حال وأحوال المجتمع، ومن المحال ذلك، فالمجتمع الإسلامي الإنساني لا يصلح حاله ولا تصلح أحواله إلا بإعادة ترتيب شبكة العلاقات الاجتماعية السياسية على أساس صحيح، من أجل إيجاد بيئة اجتماعية وسياسية صالحة مربية ومزكية.. واستحداث دائرة سياسية خاصة بالنساء هو جانب من الأسس السليمة والصحيحة التي ستعمل على عودة الروح والحياة للمجتمع.

لقد أصبحنا مخدرين ومسلوبي الإرادة ليس لنا إلا السير على خطى الآخرين في النظرة إلى الحياة والبقاء في أفقهم وجحورهم الضيقة، { قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟}.. ألا يجب أن ننتبه إلى أنفسنا ونتأمل ونتفكر في حالنا وأحوالنا ونتدارس أمرنا ونراجع أفكارنا ومفاهيمنا وتصوراتنا ورؤيتنا للحياة؟.. هل هي رؤية عميقة وصحيحة؟ أم هي رؤية سطحية أثرت بها أعمال المكر والدجل والحيل الشيطانية، إضافةَّ إلى الإلف والعادة وبسبب تسلط "العلمانيين" وقوى التخلف والانحطاط على الأمة بعد تحييد العلماء الربانيين؟..

لنبحث عن الأفق الفكرية والحياتية الرحبة الفسيحة بعيداً عن هذا الجو من الضنك والعنت والمعاناة، لكي نعيد ترتيب شبكة علاقتنا الاجتماعية السياسية الإسلامية وفق المنهج الصحيح ووفق سنن ونظم وقوانين الكون حتى تعود للدنيا الحيـاة.

وبالله التوفيق،،،

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:41 PM
المرأة وملامح الحرب الصليبية الجديدة على عالم الإسلام
كمال السعيد حبيب

الحرب على الحجاب مدخل للتغريب




يمثل القرن الجديد قرناً فاصلاً في التاريخ الإنساني، وفي التاريخ العربي والإسلامي خاصة، فهو أشبه بمذراة كبيرة هائلة قلبت الأمور رأساً على عقب، وأثارت زوابع وعواصف وضباباً محيراً، وكيف يكون هذا القرن فاصلاً، والعالم العربي والإسلامي يواجه وحده دون بقية حضارات العالم وأممه هجمة لا ترحم هي في الحقيقة التي لا مراء فيها هجمة صليبية عاتية وعنيفة يوجهها من يمكن أن نصنفهم بأعلى طبقات الأصوليين الإنجيليين (الصليبيون الجدد المتحالفون مع اليهود) الأمريكيين والبريطانيين؛ متسلحين بقوة عسكرية وتقدم تقني لا مثيل له في التاريخ.

في الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، والتي قادتها بشكل أساسي الكنيسة الكاثوليكية فيما عُرف باسم «حملات الاسترداد»، والمقصود بها استرداد العالم العربي والإسلامي إلى حظيرة الصليبية، هذه الحملات استمرت مائتي عام كاملة في موجات لم تهمد أو تهدأ إلا على يد صمود إسلامي، عبّرت عنه الأمة بكامل قوتها وطاقتها شعوباً وقادة.

وبالمناسبة فهذه الحملات الصليبية كانت موضع دراسة وافرة من قِبَل اليهود لمعرفة الأسباب التي أدت إلى إخفاقها رغم نجاحها في بعض الأحيان في إقامة مواطئ أقدام لها على سواحل البحر المتوسط في فلسطين مركز الصراع بين عالمنا العربي والإسلامي منذ الحملات الصليبية. وانتهى اليهود إلى فهم أسباب إخفاق الحملات الصليبية في أن تكوّن وجوداً استعمارياً استيطانياً ثابتاً لا يتزعزع في هذه المنطقة المقدسة، وإبّان الموجات اليهودية الاستعمارية الجديدة للسيطرة على فلسطين كان المشروع الصهيوني يحاول استكمال المشروع الصليبي؛ أي أن التكامل بين المشروع الصليبي القديم والمشروع الصليبي الجديد هو في جوهره تعبير عن موقف الحضارة الغربية في مواجهة الحضارة الإسلامية، فالمشروع الصهيوني هو بالأساس مشروع غربي في مواجهة العالم الإسلامي، يحاول استكمال المشروع الصليبي القديم[i].

واليوم تأتي الحملة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي تمثل إعادة التكامل والتلاحم بين المشروع الصليبي واليهودي معاً في مواجهة العالم الإسلامي المعاصر[ii]، وهنا نجد المحافظين الجدد المتربعين على سدة الحكم في البيت الأبيض يمارسون الدور القديم نفسه لرجال الكنيسة الكاثوليكية الذين قادوا الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وروجوا لها ولكن بثياب مدنية؛ أي أن الروح الصليبية القديمة لا تزال في حكام العالم الغربي وإن اختلفت الثياب والبزات والموضات والأشكال، إنها الروح القديمة في ثياب جديدة [iii].

ومع انتهاء الحروب الصليبية على عالمنا العربي والإسلامي بالإخفاق الذريع، وقدرة الأمة المسلمة على أن تستعيد زمام المبادرة، وتصمد للتحدي الصليبي؛ بدأنا نسمع عما يمكن أن نطلق عليه بذور الحرب الجديدة على العالم الإسلامي، هذه البذور هي ما أطلق عليه في الأدبيات الإسلامية «الغزو الفكري»، و«الغزو الثقافي»، و«الغزو الحضاري»، بدأ الغرب يكوّن طبقات جديدة، هذه الطبقات لم تنتجها الكنيسة ولا روح التعصب الديني الغربي في العصور الوسطى، أنتج هذه الطبقات عصر التنوير الأوروبي، وعصر النهضة والتقدم والعقل والإنسانية؛ ذلك لأن مرجعية العقل والتنوير والتحديث والتقدم والتطور وكل ما آثاره الفكر الغربي؛ لم ينفصل عن روح الحضارة الغربية التي ورثتها عن اليونان الوثنية، وعن روما الصليبية، وعن أفكار الفترة الكنيسية نفسها، الروح العنصرية البراجماتية التي تنظر للآخر باعتباره موضوعاً وليس ذاتاً. ومن هنا قادت هذه الأفكار الإنسانية إلى الاستعمار وإلى ابتلاء العالم العربي والإسلامي بل والعالم القديم كله ببلاء الحضارة الغربية[iv]، هذه الطبقة الجديدة المستلهمة للأفكار العلمانية؛ أسست قواعد جديدة لإدارة العالم واستعماره، كان على رأسها «تحقيق ما نريد بوسائل جديدة»، هذه الوسائل هي فهم خصائص العالم الإسلامي، واختراقه عبر الجواسيس والسفراء والدراويش والدراسات الاستشراقية، ومن هنا كان فهم روح الشرق أداة لاستلابه واستعماره، وسمعنا عن التبشير والاستشراق ثم الاستعمار[v].

اليوم تمثل الحملة الأمريكية البريطانية على العالم الإسلامي «أعلى» مراحل الموجات الاستعمارية ضد أمة من الأمم، وهي «أعلى» موجات المد الغربي في مواجهة العالم الإسلامي، نقول «أعلى» بمعنى أنها تمتلك خبرة الغزو الفكري الحضاري الثقافي والغزو العسكري الاستعماري الاستئصالي معاً؛ أي أن بذور الغزو الفكري المتخلف القديم بلغت ذروتها اليوم، فالمؤسسات التي تدير معركة الأفكار والعقول والثقافة والحضارة اليوم؛ لا تقارن بالأساليب المتخلفة القديمة ذات الطابع الفردي، لكن القضايا هي نفسها، والاستراتيجية هي نفسها، إستراتيجية عدم الاقتصار على الغزو العسكري كأداة للتطويع والامتلاك والسيطرة والهيمنة، وإنما يسبق ويرافق الغزو العسكري غزو ثقافي وحضاري وعسكري.

بل إن الغزو الحضاري الثقافي هو الأسبق والأهم، وإذا قامت المعارك العسكرية لن تستمر، فإن معركة الأفكار يجب أن لا تهدأ ولا تنام[vi].

السؤال الأساسي في معركة الحضارة الممتدة بيننا وبين الغرب هو: كيف استطاع العالم الإسلامي الصمود في مواجهة الحملات الصليبية القديمة والجديدة دون أن تموت روح المقاومة فيه؟ ما الذي يجعل الناس في هذا العالم وحده يقفون مناوئين للأفكار القديمة التبشيرية الأمريكية ؟

إننا بإزاء أمة لا تموت وحضارة كتب لها البقاء، لماذا؟ إن الإسلام هو الدين الحق، وكلمة الله الخاتمة للبشر، ولذا لا بد من الهجمة عليه، وإعادة تعريفه من جديد بحيث يتسق مع النصرانية، وبحيث لا يكون عاملاً مميزاً للأمة الإسلامية في مواجهة الاكتساح الغربي، لا بد من تفكيك عناصر التمسك في العالم الإسلامي وعلى رأسها الإسلام نفسه، بحيث حين يعرّف المسلم نفسه كمسلم لا يجد فرقاً بينه وبين النصراني أو البوذي أو الهندوسي... لم نسمع مثلاً عن حملة صليبية على اليهود لإعادة هندسة أفكارهم وعقائدهم لتتكيف مع الصليبية الجديدة؛ على الرغم من أن الأفكار اليهودية كلها قائمة على أسس أسطورية عنصرية، وهي ضاربة في أطناب التخلف والرجعية والوثنية.

دعك من الحديث المزيف لبوش أو غيره من العصابة التي تحكم البيت الأبيض عن الإسلام واحترامه، وانظر إلى حقيقة ما يحدث على الأرض... إن السياسة العملية هي تعبير كامل عن فكر طبقة الإستراتيجيين الجدد في دوائر البيت الأبيض، مثل «هنتنجتون، فوكوياما، نيكسون، وولفويتز، كارل روف، كوندوليزا.. وغيرهم كثيرون»، وهذا الفكر في جوهره يقوم على صِدَام ماحق مع الحضارة الإسلامية للإجهاز عليها. والمراقب للعلاقة بين الحضارة الغربية وعالم الإسلام حتى قبل أحداث سبتمبر؛ سوف يلاحظ نمو موجة عدوان وتصعيد على العالم الإسلامي لإخضاعه وتركيعه، وسوف يلاحظ المراقب أيضاً أن الغرب في علاقته بمناطق الدنيا قاطبة يرتب إستراتيجية وفق مصالحه ورؤى أهل هذه المناطق؛ فيما عدا عالمنا العربي والإسلامي، حيث يرتب أوراقه من منظور صهيوني صليبي، يأخذ العمق الحضاري في الصراع مع العالم الإسلامي في اعتباره. وفلسطين وكشمير والشيشان والهجرة والأقليات المسلمة والعلاقة بين الجنوب والشمال؛ كلها شاهدة على أنها حرب صليبية حقيقية.

وتمثل المنظومة العقيدية للإسلام موضوعاً للحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي، فهي منظومة من وجهة النظر الغربية تولد العداء للآخر غير المسلم خاصة، وهم يقصدون بذلك إلغاء صفة الكافر عن غير المسلم، وهم يقصدون إلغاء كل ما يتصل بمفهوم الولاء الإسلامي الذي يجعل من الأمة بنياناً مرصوصاً، وهم يريدون إلغاء كل ما يتصل بمفهومات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبراءة من الكفر وأهله؛ أي أن مفهوم الكوكبة والعولمة (globalization) هو بالأساس مفهوم ثقافي يريد أن يفرض على العالم المفهوم الديني الغربي الأمريكي فقط. وليس شرطاً أن يفرض عليك مفهومات صليبية كما يفعل المنصرون، وإنما يفكك (Dissolution) ما تتمسك أنت به، وهذه معركته الكبرى وأرض المواجهة الحقيقية والمدافعة بين الحق والباطل. وفي متابعة لعلاقة الدين بالدولة في أمريكا وجدت تعبيراً أعتقد أنه صحيح، وهو ما يسمونه الدين المدني الأمريكي؛ أي أن أمريكا ليس لديها دين حقيقي منزل فيه شرائع ونظم كما هو في الإسلام، وإنما هو إطار تملؤه الأفكار والعادات والتقاليد التي لها طابع مدني ثابت.

ومن ثم فالأفكار الأمريكية عن الإصلاح الديمقراطي، وعن حرية المرأة، وعن تغيير مناهج التعليم، وعن الخطاب الديني الجديد، وعن الحجاب والاختلاط ونظم الأسرة والأحوال الشخصية؛ جميعها ذات طابع مدني تحمل روح الأفكار الأمريكية إلى العالم، أو رسالة أمريكا إلى العالم، وبناءً على ذلك؛ فإن أمريكا تريد تفكيك ما لديك لتتبع أنت ما عندها.

والسؤال هو: وما الذي يفيد أمريكا في أن تبقى المرأة محجبة أو أن تمارس تقدمها وتطورها وهي غير مختلطة بالرجال؟ وما الذي يجعل أمريكا تصر على إعادة بناء قوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي؟ لماذا تتدخل السياسة الأمريكية في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لدى المسلمين فقط؟ لماذا تمثل المرأة المسلمة محوراً للاهتمام الأمريكي؟

كل هذه الأسئلة تكشف عن حقيقة يتبناها الفكر الغربي، وهي أنه لكي تغير أمة أو شعباً فإن مفتاح تغييره هو المرأة [vii]، من هنا لاحظنا مؤتمراً عالمياً عن المرأة في المغرب، وقانوناً جديداً للأسرة هناك، وفي مصر مجلس قومي للمرأة، وفي السعودية وهي المنطقة الأساسية الآن، المقصودة بالحملة الغربية على المستوى الفكري والحضاري يراد للمرأة أن تخرج وتختلط وتتبرج كما فعلت في منتدى جدة الاقتصادي الأخير [viii]، ونحن بالطبع لسنا ضد المرأة، فهي أم وأخت وزوجة وبنت، ولكن أن تكون أداة العدو لتحطيم ثوابتنا وهز مجتمعاتنا، وهزيمة قيمنا وثوابتنا؛ فهذا ما نرفضه بقوة. لماذا يفرح الأمريكيون حين تعمل امرأة أفغانية مصففة للشعر، ولماذا يفرحون حين تشارك في فريق كرة القدم؛ هل المرأة العراقية أو الأفغانية تحررت بمجيء الاحتلال الأمريكي لبلادها؟ ولماذا يؤرخ العلمانيون لتحرير المرأة بنزع حجابها في مصر؟ هنا بعد رمزي، فحيث تتخلى المرأة المسلمة عما يربطها بدينها وإسلامها؛ فهذا معناه من المنظور الغربي الدخول إلى عالمي الحداثة والتحديث الغربيين. ألا يمكن للمرأة المسلمة أن تجمع بين الحداثة وبين الإسلام؟ أن تكون مسلمة وقادرة على التعامل مع أدوات العصر وتقنياته؟

لم تعد الحداثة عنواناً لنبذ الدين، وإنما الحداثة في مفهومها التقدمي الغربي هي التي تجمع بين أصول الدين وبين حقائق العصر، ولمن لا يصدق؛ عليه أن يراجع كتاب المفكر الفرنسي الكبير «آلان تورين» (نقد الحداثة)[ix].

إننا في عالمنا العربي والإسلامي نشاهد عن كثب نكسة الغرب وحيرته بسبب فصامه الفكري مع دينه، وهو يريد أن يحقق عندنا هذا الفصام، فليحذر العقلاء وأولو الأمر، خاصة في السعودية، من وسوسة الغرب ونفثه ونفخه الماكر لفرض صيغة حداثية علينا ثبت إخفاقها عنده.

ثم تأتي معركة الحجاب في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهي معركة تكشف عن البعد الحضاري الصليبي العميق في العلمانية الفرنسية، فالعلمانية وفق التعريف العلمي لها هي فصل السياسة عن الدين بحيث لا يكون للدولة أي دور في الموقف الديني أو العقيدي لأفرادها، فالدولة العلمانية هي دولة محايدة تجاه الدين لا يهمها أن يكون لمواطنيها دين معين، كما لا يهمها أن يكونوا بلا دين أصلاً، كما لا يهمها أن يكونوا متدينين، فحرية العقيدة هي من الحريات المكفولة في كل الدساتير الغربية، وهي مأخوذة من أفكار الحق الطبيعي للبشر وهي أفكار ذات طابع مسيحي، وترفع فرنسا شعار الحرية والإخاء والمساواة، وترى أنها مدينة النور والعقل والحرية، لكن ما الذي حدث لها اليوم حتى تضيق بالنساء المسلمات المحجبات في المدارس والمؤسسات العامة وفي الشوارع؟ ما الذي جعل فرنسا التي اتسعت شوارعها وآفاقها لكل شارد مطرود ومتسكع ومتحرر وملحد وهيبز أن تضيق على الحجاب الإسلامي؟

إن المتابع لخطب شيراك الذي أعلن فيه تأييده لمشروع القانون الذي يقضي بمنع الحجاب الإسلامي في المدارس والمؤسسات العامة بدعوى حماية العلمانية؛ يكتشف الوجه الاستبدادي للعلمانية، إن العلمانية هي أيديولوجية الدولة القومية التي تعطي الحرية للبروتستانت لكنها لا تمنحها للمسلمين، فالعلمانية هي التي أعطت البروتستانت الحق في التعبير عن عقائدهم في مواجهة الشمولية الكاثوليكية.

والعلمانية هي التي أعطت اليهود الحق في التعبير عن عقائدهم وأفكارهم ووجودهم، لكنها اليوم تنتفض لمنع المسلمين حقهم في إقامة فرائض دينهم؛ ذلك لأن العلمانية تستبطن التقاليد الكاثوليكية في فرض صيغة كلية ذات طابع شمولي على مواطنيها؛ هي أيديولوجية الدولة القومية الفرنسية. لكن هذه الدولة الفرنسية العلمانية ذات طابع كاثوليكي، فهي تحتفل بأعياد الميلاد وتمول المدارس الكنيسية وتدعم الكنيسة وتستخدمها كأداة أيضاً في السياسة الدولية.

إن بعض المحللين الفرنسيين تحدث عن أن العلمانية لم تكن سوى قلب للكاثوليكية لكنها استلهمت روحها، فهي استبدلت الحرية والإخاء والمساواة بـ(الأب والابن والروح القدس). واستبدلت الطابع الشمولي للكنيسة بالطابع الشمولي للدولة القومية -التي يعبر بعضهم عنها بالدولة الإله- ، واستبدلت طابع الإيمان بالله بالإيمان بالعقل والإنسان، وبقيت الروح العنصرية التي ترفض التسامح كامنة في جذورها، لكن التساؤل هو: لماذا ظلت العلمانية عاملاً محايداً حتى إذا بلغ المسلمون في فرنسا ستة ملايين نسمة، فإذا بها تنصب لتفرض عليهم سلوكاً يتنافى مع حريتهم العقيدية؟ العلمانية الفرنسية اليوم هي تقليد لما يطلق عليه العلمانية النضاليةsecularism Militant [10]، وهي في ذلك مثل العلمانية الكمالية في تركيا وعلمانية بورقيبة في تونس؛ أي هي علمانية استبعادية في مواجهة الإسلام، وعلمانية متحررة مع المذاهب الأخرى.

وأخيراً فإن ملامح الحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي تهدف بشكل وافر إلى تفكيك المحاضن الاجتماعية والعقيدية والحضارية التي حمت الإسلام منذ ظهوره، فلم يعد الأمر متصلاً بما تسميه السياسة «احتلال الدول»، وإنما تغيير التركيبة الحضارية الشاملة لأمة الإسلام بدءًا من الإسلام نفسه وحتى اللحى[x] وأنماط اللبس والأكل.

ومجيء أمريكا إلى المنطقة هو بقصد الإشراف على تنفيذ ما يطلقون عليه «حرب الأفكار ومعارك العقول والعقائد»، وهم في ذلك يريدون البدء بالدول التي تعتبر معاقل للإسلام، وبالمناطق التي حافظت على التقاليد الإسلامية الاجتماعية خاصة الحجاب.

وهذا واضح في منطقة الخليج والسعودية تحديداً، فرغم اقتحام الحداثة الغربية فقد ظلت التقاليد الإسلامية حية فيما يتصل بنمط الملبس سواء بالنسبة للرجل والمرأة، والعلاقات الاجتماعية، وعدم الاختلاط، وهنا فإن أحد أهداف هذه الحرب تفكيك التواصل الاجتماعي مع نمط الحياة الإسلامية في هذه، وعلينا أن نأخذ العبرة من الدولة العثمانية التي أذعنت للضغوط الغربية في فرض أنماط جديدة للعلاقات داخلها وفق النمط الغربي، وهو ما أدى إلى تفكيك الدولة العثمانية فيما بعد، وأيضاً « البروسترويكا» و«الجلاسنوست» اللتان أطلقهما جورباتشوف قبل تفكك الاتحاد السوفييتي؛ هما اللتان أدتا إلى انهياره، ونحن فقط نأخذ العبرة، نحافظ على خصوصياتنا وننفتح للغة العصر وقواعده، دون إهدار لهذه الخصوصية إزاء خصائص العصر، في وسطية عاقلة ورزينة.

المعركة اليوم حول إعادة رسم وبناء أسس الحضارة الإسلامية وفق الرؤية الغربية التي لا تمتلك في الواقع رؤية، لكنها فقط تريد التفكيك لما نملكه نحن؛ لذا فالحرب شرسة وتحتاج إلى يقظة ووعي، الإصلاح والتجديد مطلوبان لكن وفق قواعدنا وليس وفق إملاءات الخارج وشروطه.. بالطبع الحرب لها رجال وأموال، وهذا ما تفعله أمريكا، فهي تنشئ شبكة من المثقفين الموالين لأفكارها، وهو ما يعرف باسم حزب أمريكا في العالم العربي والإسلامي، «وهي تنفق المال لإعادة تغيير المناهج ونظم التعليم وحرية الصحافة والنقابات والمرأة. وبعض هذه القضايا قد يكون مطلوباً وحقيقياً، ولكن بأيدينا نحن ووفق مقتضيات ومطالب مجتمعاتنا لا وفق إرادة الغرب، ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة: 217)، ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) (البقرة: 120)، والملة هنا معنى أوسع من مجرد الدين، فهي تعني نمط حياتهم، ورضا الأمريكان والغرب هو بداية الانهيار والسقوط، من هنا كان قولنا بأن العالم الإسلامي يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه؛ فإما أن يصمد وإما أن يستبدله الله استبدالاً: ((وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) (محمد: 38).

إن بعض الناس يتحدث عن القتال هل هو فرض عين أو كفاية في حال دهم العدو ليلاً لبلاد المسلمين؟ لكن الدهم الثقافي لعقولنا ولأفكارنا ولضمائرنا ولإسلامنا هو الذي عناه الحديث: «وليس وراء ذلك أدنى حبة خردل من إيمان»؛ أي أنه فرض لا يجوز الترخص فيه أو المهادنة أو السكوت؛ لأنه يقصد الإسلام نفسه، ويقصد الأمة نفسها، ويقصد الذكر نفسه.

وعلينا - نحن المسلمين - أن نتمسك بحبل الله ونستعين به، ونرابط على الأمانة التي كلفنا الله بها، ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا)) (آل عمران: 103)، والدفع والدفاع والمرابطة هو سبيل هذه الأمة للبقاء. ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ)) (البقرة: 251).





--------------------------------------------------------------------------------

* المصدر: مجلة البيان، العدد 197.

[i] توافرت النخب اليهودية على دراسة الحضارة الإسلامية بشكل معمق، واستلهمت أدواتها في تسويغ الأسطورة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، كما توافرت هذه النخب على دراسة خبرة الحروب الصليبية ، ووظفت هذه الخبرة لصالح المشروع الصهيوني في فلسطين ؛ بحيث تجنب أسباب إخفاق الصليبيين في إقامة وجود دائم بفلسطين، وعلى سبيل المثال؛ فإن الهجرات اليهودية المتتالية على فلسطين منذ بداية القرن العشرين ؛ كان القصد منها أن تكون نواة إقامة المشروع الصهيوني حين يحين وقت الإعلان عنه سياسياً.

[ii] منذ بدايات عصور التنوير في أوروبا وظهور المذهب البروتستانتي؛ فإن الوجود اليهودي داخل المؤسسات الدينية المسيحية قد تعاظم بشكل مرعب، واستطاع هذا الوجود أن يحول في بنية الأسس الفكرية والدينية للمذاهب المسيحية؛ بحيث لم تعد هذه المذاهب سوى رؤى يهودية عبر مذاهبها هذه، والمدهش أن اختراق المؤسسة الدينية الإسلامية لا يزال هدفاً يهودياً.

[iii] لم تتغير الروح الغربية التي استلهمت التقاليد اليونانية والرومانية والكنيسية من حيث علاقتها بالآخر، فهي تتكلم عن الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية والمدنية لأهل حضارتهم، كما كان يفعل الرومان أي مواطنو الحضارة الغربية، أما الآخرون الذين لا ينتمون إلى هذه الحضارة فهم الـ Hostes؛ أي الأعداء الذين يجب الحمل عليهم وإخضاعهم للدخول في السياق الحضاري الغربي، وأمريكا تستلهم ما كانت روما تسميه (السلام الروماني) لتفرض على العالم (السلام الأمريكي)؛ أي القيم الأمريكية المنتصرة التي لا يجوز لأحد أن يقف خارج مربعها American-box.

[iv] نعم أطلق عليه (بلاء الحضارة الغربية) فالعالم الإسلامي بدون ابتلائه بهذه الحضارة كان أمره سيكون أفضل، لكن التدافع بين حضارتنا والحضارة الغربية هو الذي جلب علينا كل المشكلات التي نعيشها؛ بدءًا بالتخلف ونهب الثورة، وحتى وجود المشروع الصهيوني في فلسطين، وفرض التجزئة والقطرية، وبالطبع نحن لا نعفي أنفسنا نحن المسلمين من (قابليتنا للغزو وللاستعمار) كما عبر مالك بن نبي، لكن هذه سنة الله في خلقه، وهي ما أطلق عليه (ابتلاء الأمم)، فكل مفكري الحضارة الغربية سوَّغوا الاستعمار بمسؤولية الرجل الأبيض تجاه هذه الشعوب لإدخالها في عالم الحداثة الغربية، ولا يمكن فهم نظرية عبء الرجل الأبيض التي سوَّغت الاستعمار إلا من منظور صليبي، أي فرض رؤية كونية واحدة على العالم بحيث يكون الرجل الأبيض هو مركزها، والمسيحية هي عصبها، والغرب قلبها.

[v] هناك كتب كثيرة عن هذه الموضوعات مثل (التبشير والاستعمار) لفروخ والخالدي، لكن أفضل ما كتب في هذا الموضوع على الإطلاق في تقديري رسالة (في الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر.

[vi] معركة الأفكار وتغيير المفهومات والعادات والنظم أي المعركة الحضارية الدينية الثقافية هي الأخطر، وكان العلمانيون الوطنيون في بلدان العالم الإسلامي ركزوا على تفسير الاستعمار كظاهرة سياسية دون تقدير الآثار كظاهرة حضارية، لكن الإسلاميين كانوا هم أول من انتبه إلى خطر المعركة الثقافية والحضارية والدينية، والمعركة الثقافية والدينية هي الأخطر والأهم، والصمود فيها معناه إما أن نكون مسلمين أو لا نكون.

[vii] يعرف المخططون الغربيون أن المرأة هي مفتاح التغيير في أي مجتمع من المجتمعات، ولذا فإنها تمثل قاعدة إعادة هيكلة المجتمعات التي يراد لها أن تتغير، لذا ففي خطابات وتصريحات المراجع السياسية الأمريكية والغربية تجد موضوع المرأة وما يتصل بها هو الموضوع الأول على أجندة أي إصلاح يتم طرحه من المنظور الغربي والأمريكي، ويشق على الغربيين أن تظل المرأة المسلمة في الخليج، خاصة السعودية، محتفظة بلباسها الإسلامي وبقواعد الاجتماع الإسلامي.

[viii] المقصود هو تحويل المرأة في السعودية إلى نمط المرأة الغربية؛ بحيث لا تتميز المرأة المسلمة بشيء عن المرأة الغربية.

[ix] آلان تورين (نقد الحداثة) ، ترجمة أنور مغيب، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1997م - القاهرة.

[x] إن العلمانية الاستئصالية هي العلمانية الأيديولوجية التي تتشابه مع الفاشية والنازية، وحين تتماهي العلمانية مع الروح القومية ؛ فإنها تصبح وجهاً لأيديولوجية ذات طابع قمعي استبعادي، وتوصف علمانية كمال أتاتورك في تركيا بأنها علمانية استئصالية؛ أي Mihtant seclorism، وراجع خطاب شيراك بشأن تأييده لمشروع منع الحجاب، وبيان الخارجية الفرنسية لتجد الوجه الاستئصالي القمعي للعلمانية.

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:45 PM
صورة المرأة المسلمة في الإعلام الغربي
نوره بنت عبد الله بن عدوان






تبرز المرأة المسلمة في الإعلام الغربي كأداة توظف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد ساعد في ذلك اجتماع كل من مصالح الآلة الإعلامية الضخمة التي يسيرها النفوذ الصهيوني مع أهداف المنتميات للحركة الأنثوية الغربية في تقديم صور نمطية مشوهة للمرأة المسلمة.

وفي مناقشتنا لملامح الصورة النمطية للمرأة المسلمة في الإعلام الغربي بهدف التعرف على منطلقاتها ودلالتها الثقافية، وأسباب تعميمها فإننا نريد أن نتعرف:

ما مدى مصداقية هذه الصورة وتمثيلها للواقع؟
ما هي المعايير التي ينطلق منها الإعلام الغربي في تقديم هذه الصورة؟
وفي هذا السياق حول مصداقية الصورة والمعايير التي تسـتند إليــها، أرى أن أستعرض معكم مقالاً للباحثة أرزو ميرالي رئيسة هيئة الأبحـاث لحقوق المرأة المسلمة المنشور في صحيفة GUARDIN حيث تقول: "أصبحت المرأة المسلمة بالنسبة للصحافيات الغربيات نموذج التخـلف ونموذج الاضطهاد" واستشهدت ببعض الكـاتبات الغربيات وهجومهن المكثف على المرأة المسلمة، وتؤكد أن هذه الهجمة تتسم بالمبالغة والطـرح المـتشدد الذي يفـتقد الموضوعية بتصويره تلك المـرأة ضحية لما يسمى بالإرهاب الإسلامي، وتستطرد بقولها: "إن المرأة المسلمة في نظر هؤلاء الصحـفيين يجب أن تخلّص من هذا الـدين وعندما تتخلص منه فسوف تتخلص من الحجاب الذي يغطيها من رأسها إلى قدميها"، وتختتم الباحثة مقالها بتقرير أن هذا الهجــوم من قبل الغرب في الإعلام على المرأة المسلمة غير مبرر، وذلك كون المرأة الغربية تعاني الكثير من المشكلات، وتتساءل لماذا لا توجه الأقلام الغربية لحل مشاكل المرأة الغربية بدلاً من توجيه النقد والهجوم إلى المرأة المسلمة؟ (1)

ومن خلال المعطيات السابقة التي أوردتها هذه الباحثة، حيث تجسد بكل وضوح عدم المصداقية والنمطية، سوف أســتمد بعضاً من المعايير التي ينطلق منها هذا الإعلام في تناوله لقضـايا المـرأة المسلمة، وأرى أن تكون الأساس الذي أستند إليه في تحليلي لهذه الصورة النمطية.

المعيار الأول: الدعوة إلى رفع وصاية الدين عن المرأة:
إن من يطلع على معظم ما يحرر في هذا الجانب يلمس التعدي التام على الإسلام بهدف نقضه كدستور ومنهج وتشريع، واعتبار الدين حجر عثرة في طريق تقدم المرأة، وتزامن ذلك مع الحملة التي تنامت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وضد شعائر الإسلام.

والشواهد على ذلك كثيرة في ذلك الإعلام ومنها انتقاد إدوارد بكنغتون في صحيفة GUARDIN أحكام الشريعة ووصفها بالمتشددة، حيث تتيح للرجل الزواج من أربع في حين لا يُتاح ذلك للمرأة، وانتقـد حد الزنا، وأشار إلى أن منع الاختلاط وارتداء الحجاب يعبر عن الممارسات الخاطئة للعقيدة وذلك ليس من الإسلام وإنما تسلط من الرجال، وعبر عن استيائه من رجـال الحسبة في منعهم الشباب من الاختلاط بالفتيات في الأسواق والأماكن العامة. (2)

كما أعربت باربرا سلافن في صحيـفة يو إس إيه نيوز عن أملها في أن تكون أحداث سبتمبر سبباً في إحـداث تغييرات ثقافية واضحة في المملكة، وأن يعيد السـعوديون النظر في مسألة الفــصل بين الجنسين والقيود المفروضة على المرأة كالحجاب والسفر بدون محرم (3).

ويصف نيكولز كريستوف في صحيفة NEW YORK TIMES تطبيق المرأة للقيم الإسلامية في المملكة بالمعاملة غير الإنسانية(4 ).

كما انتقدت قناة CNN حكومة كشمير في تطبيقها لأحكــام الشريعة وذلك بإغلاق محلات بيع الكحول ودور السينما ومطالبة النســاء بالالـتزام بالـحجاب الشرعي.

والأمثلة السابقة وغيرها العديد، تكشف الدعوة الصريحة لهذا الإعلام في معظم أدبياته إلى إلغاء الدين من حياة المرأة المسلمة (5).

المعيارالثاني: عدم الموضوعية في عرض قضايا المرأة المسلمة:
ولابد من التأكيد على أن معظم ما يقدم من تحقيقات ومقالات حول المرأة المسلمة لا يتجاوز التركيز فيها التبعية الثقافية ومحاربة القيم الإسلامية.

ولعلنا جميعاً لاحظـنا قنوات CNN، وBBC NEWS عندما سلطت الأضواء حول معاملة طالبان للمرأة في أفغانستان حيث كان محور اهتمامها الوضعية الثقافية والاجتماعية للمرأة المرتبطة بدينها وقيمها وتقاليدها حين احتفلت بالمرأة المحررة من الحجاب بعد ذهــاب الطالبان أما ما أفرزته الحرب الأمريكية في أفغانستان من معاناة مريرة لملايين النساء الأفغـانيات والحياة القاسية المثقلة بالخوف والمرض والجوع، وقضــاء فصل الشتاء بأكمله في مخيمات أشبه ما تكون بمخيمات الموت، كل ذلك لم يشكـل محور اهتمام لوسائل الإعلام الغربية، ومن ثم تناوله الأخبار بصورة سريعة وعابرة.

ونضيف شاهداً آخر في هذا السياق، خطاب الســيدة بوش الإذاعي، الـذي أوردته قناة CNN حيث وصفت حياة المرأة في أفـغانسـتان" بالقاسية والمهينة، حتى أن إظهار القليل من المتعة غير مسموح به، فالأطــفال لا ُيسمح لهم باللعب بالطائرات الورقية، والنساء يواجهن بالعقــاب عندما يضحـكن بصوت مرتفع، ولا يستطعن العمل خارج المنزل ولا حتى ترك البيـت بمـفردهن"(6).

ونعلم أن خطاب السيدة الأولى حول المرأة الأفغانية تزامن مع تقرير الحكومة الأمريكية المسمى (حرب طالبان ضد المرأة) المكون من تسع صفحات هو جزء من المعركة السياسة ضد طالبان.

ولنا أن نتساءل أين حقوق الإنسان التي يوظفها الإعـلام الغربي متى شاء ومع من يشاء؟ أين حقوق الإنسان عند تناول قضايا المرأة الأفغانية؟ أين حقوق المرأة الفلسطينية؟ لماذا لا تسلط الأضواء على حقـها في الأرض وحقها في الأمن، وحقها في العيش بكرامة تحت سطوة القهر والظلم الإسرائيلي؟ لمـاذا تستـخدم المرأة المســلمة كمدخـل للاحتلال، وعندما تكون تحت الاحتلال تتجاهل هذه الوسائل أبسط حقوقها المادية في عيش حياة آمنة كريمة.

وتشهد الوقائع المتتابعة أن مسألة الحقوق في المنظور الغربي لا تتجاوز تحقيـق التبعية الثقافية والقضاء على القيم الإسلامية، فهل نجد لدى الإعلام الغربي إجابة على هذه التساؤلات؟

ومن دلالات عدم الموضوعية استخدام المنـهج الانتقـائي في تحرير المقـالات والتحقيقات فهؤلاء الإعلاميون في الغالب يعتمدون المنهـج الانتقائي في اختــيار وتوثيق ما يتفق مع أطروحاتهم الشخصية، وفي حالة إثبات الآراء المخالفة تختتم المقالة أو التحقيق برأي من هو مؤيد للنموذج الغربي.

ويظهر المنهج الغربي الانتقائي غير الموضوعي بكل وضوح في الحالة السعودية عندما تهمل نتائج التنمية التي تحققت للمرأة في المملكة، ويكون التركيز بالدرجة الأولى عـــند الحديث عن الـمرأة على عباءتها دون الإشارة إلى أن هذه العبـاءة لم تمنعها من العمل في التدريس والطب وإدارة البنوك، والتســويق وتقنية المعلومات والتجارة وغيرها مما يشهد به واقع التنمية في بلادنا.

المعيار الثالث: أسلوب الاحتقار والنظرة الدونية:
تنعكس مظاهر الاحتقار والنظرة الدونية للقيم الإسلامية المحافظة في بعض ما يُحرر، وفي هذا السياق تأملوا معي ما سطره نيكولز كريستوف في صحيفةNEW YORK TIMES حيث افتتح تحقيقه بإطلاق لقب (BLACK GHOSTS) الأشباح السوداء على نساء المملكة، وأن المرأة السعودية مصنفة في الغرب بـ(ممســحة الأرجل الأثرية المغطاة بالسواد) وفي ختام تحقيقه يقول: "استمررت في سؤال النساء السعوديات كيف شعورهن وهن ممتهنات، واستمررن في إجابتي باعتزاز وكرامة أنهن غير ممتهنات"، ثم يستطرد بعد ذلك بقوله: "ماذا عسانا أن نفعل في هذا الشأن، نحن في الغرب نريد أن نحرر هؤلاء النسوة، وهن يصررن على أنهن سعيدات بوضعهن، فإذا كانت معظم السعوديات يرغبن في لبس الخيمة، وإذا اخترن أن يقتلن تطورهن الاقتصادي ويضحين بالاحترام الدولي عن طريق تعلقهن بالقـرن الخامـس عشر، وإذا فضلت النساء أن يبقين مواطنات من الدرجة الثانية، إذن أعتقد أن هذا هو اختيارهن، ولكن إذا اخترن أن يتصرفن بغباء إذن لا يتفاجأن عندما يشير إليهن الناس من الخارج ويتحدثون بصوت مرتفع"(4).

وفي سياق تحليلنا لعدد من الأمثلة ذات الصورة الساخرة المغلفة بالاحتقار، نستنتج أن الإعلام الغربي لا يريد أن يعرف عن المرأة المسلمة سوى عباءتها السوداء فمن وصف بالأشباح السوداء، إلى إطلاق لقب النينجا وغيرها من الأوصاف والمشاعر المملوءة بالاستخفاف بثقافة الآخر واحتقار قيمه واتهامه بالانغلاق والتحجر والجمود.

المعيار الرابع: تكريس النموذج الغربي للمرأة وأنه النموذج الذي يحتكم إليه:
وُيعد من أهم المعايير وأبرزها، وأكاد أجزم أنه الهدف الأساس لهذه الوسائل التي تسوق لذات الفكر الواحد، وتشترك جميعها في عرض صورةٍ نمطيةٍ مكررةٍ للمرأة المسلمة. وأساس طرحهم الذي تكاد لا تخلو منه مقالة أو تحقيق أن المرأة في عالمنا الإسلامي ممتهنة ومهضومة الحقوق ومسلوبة الحرية، ومن ثمة فلا عجب أن معظم ما يطرح يأخذ في ظاهره خدمة قضاياها هذا من جانب، وفي المقابل فثمة شبه إجماع من النساء المسلمات على رفض النموذج الغربي والتحذير من النتائج الوخيمة حين تدفع الأمور باتجاهه.

ولنا أن نستعرض في هذه السياق تحقيق مطول في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور The Christian Science Monitor أجرته نيكول جاوتي مع عدد من المسلمات في كل من.. أفغانستان وإيران والمملكة العربية السعودية، أكدن جميعاً أن الدين والثقافة والتراث شكلت حياتهن، وإن كان لديهن أي مشاكل فبالتأكيد الحجاب ليس واحداً منها.

ولا عجب أن تؤكد المحررة أن هؤلاء النسوة يفخـرن بطبيعة الإسلام ومكانة المرأة فيه لاسيما وأن مجموعة من الطبيبات والمعلمات الأفغانيات أكدن أنهن وبعد ذهاب الطـالبان لم يتخلين عن حجابهن، وما تناقلته وسائل الإعـلام الغربية وينضوي تحت تخليهن عن الحجاب غير صحيح، وأن أحكـام الإسلام يتبعها المسلمون في أفغانستان طوعاً رجالاً ونساءً، ولم تفرض بحد السيف كما يصورها الإعلام الغربي (7).

ويعزز ذلك مقابلة نيكول كريستوف في صحيفة نيويورك تايمز NEW YORK TIMES لعدد من الأكاديميات السعوديات عبرن عن رفضهن للصورة النمطية التي تعرض بها المرأة المسلمة، ورفضن وصفهن بالممتهنات من قبل ذلك الإعلام حيث يقول:

"ولكن النساء السعوديات يرفضن وبشدة الصورة النمطية التي تعرض بها المرأة السعودية في الإعلام الغربي" تبين له إحدى الأكاديميات تمسكها بالحجاب بقولها: " نعم إنني لست ممتهنة، أنا أغطي جسدي ووجهي وأنا سعيدة بكوني فتاة تطيع أوامر ربها"، وتؤكد له أخرى أنه يعبر عن ثقافتها: "إنك لا تستطيع الذهاب إلى الهندية وتسألها لماذا تلبس الساري، ولا تستطيع أن تسأل الغربية لماذا تلبس الفستان القصير، إذن هذه هي عـباءتنا وهي جزء من ثقافتنا، ولم تكن مصدر إزعاج لي على الإطلاق" وتتساءل أخرى: "أنا ألبس ما أريد ولكن ليس أمام الرجال غير المحارم، لماذا يفرض عليّ أن أكشف ساقي وصدري؟ هل هذه هي الحرية؟

ويذكر المحرر أن العديد من النساء السعوديات يؤيدن هذا التوجه ويؤكدن أنهن من ينعم بالحرية، فهن المتحررات من التحرش الجنسي، والمتحررات من الاغتصاب والمتحررات من مشاهدة أجسادهن تستخدم في تسويق الكوكاكولا، وأن المرأة الغربية هي التي استغلت لتصبح دمية للرجل (4).

وفي هذا الإطار يؤكد إدوارد بكنغتون المحرر في صحيفة الجارديان Guardin أن معظم النساء في المملكة يفضلن البقاء والاستمرار على هذه العادات الاجتماعية التي يصفها بالمتشددة ويستشهد بمقولة إحداهن: "إن النساء السعوديات سوف يحافظن على العباءة وأنك لو أتيت بعد مليون سنة من الآن ستجد المرأة السعودية محافظة على عباءتها "(2).

وتتوصل نيكولي جاوتي المحررة في صحيفة كريستيان سينس مونيتور TheChristian Scince Monitor إلى حقيقة تؤكدها استشارية سعودية من مدينة جده بقولها: "عليكم أن تعوا أن معظم النساء المسلمات يرغبن في الحجاب، ليس هناك شيء سوى الدين، الحجاب رمز للعقيدة، وهو شكل من أشكال الحماية، إنه لن يتغير إنه مثل الجلد الثاني" (7).

وفي مقابلة مع رائدة من قيادات العمل الخيري في المملكة في موقع GUIDEDONE.com تستنكر فرض النموذج الغربي على المرأة المسلمة: "المشكلة مع الناس الآخرين أنه لديهم نمط معين في الحياة؛ ويعتقدون أنك إذا لم تعش مثلهم فإن هناك خطأ ما لديك، لماذا تطالب المرأة المسلمة في المملكة أن تلبس بالطريقة الأمريكية أو الأوروبية" وترفض المصطلح الشائع في الإعلام الغربي بقولها: "إن ما يسميه الغرب بالمعاناة عند الحديث عن المرأة المسلمة نحن لا نجده كذلك. إن المعاناة الحقيقية تتضح عندما نقارن بين المرأة عندنا والمرأة عندهم". واستشهدت بنسب إحصائية حول المشاكل الصحية والأخـلاقية التي تعاني منها المرأة الغربية. وتساءلت هل نموذج المرأة الغربية هو الجدير بالاحتذاء حقاً؟

واستشهدت بنسب إحصائية حول المشاكل الصحية والأخـلاقية التي تعاني منها المرأة الغربية، وتساءلت هل نموذج المرأة الغربية هو الجدير بالاحتذاء حقاً؟ (8).

وفي هذا السياق تستنكر ناشرة إيرانية في صحيفة كريستيان سينس مونيتورThe Christian Science Monitor الاهتمام الغربي الشديد بالحجاب وأن هذا الأمر يحير العديد من المسلمات. وتضيف "أن الناس من الخارج عندما ينظرون إلينا هم ينظرون فقط إلى جزئية صغيرة منا وهي كوننا محجبات، إنهم لا ينظرون إلى الجزء الأكبر من المرأة والذي يتمثل في كونها متعلمة"، وتؤكد إيرانية متخصصة في تقنية الحاسب "أن المرأة في إيران لديها قضايا أكثر أهمية من العباءة" (7).

تقول رئيسة جمعية خيرية سعودية في صحيفة يو إس أيUSA TODAY: "يقولون إننا متخلفون، ولكنهم لا يرون ما هو موجود تحت العباءة، إننا لا نريد أمريكا أن تأتي وتضع مطالب نيابة عنا، اتركونا وشأننا"(9).

ولا عجب أن نرصد في أدبيات الإعلام الغربي رفض المسلمات للتدخل في شئونهن حيث تذكر نيكولي جاوتي في صحيفة كريستيان سينس مونيتورThe Christian Science Monitor "أنهن يرغبن في التطور ولكن بالشروط والمعايير التي تناسب مجتمعاتهن، ويطالبن أن يكف الغربيون عن التحرش ونسج التخيلات حول من يكنّ؟" وتستشهد برأي إحدى الاستشاريات المسلمات التي تعلق على التدخل الغربي المكثف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي شؤون المرأة الأفغانية بقولها: "إذا كانت المرأة في أفغانستان متضايقة من وضعها فهي التي لها الحق في تغيير هذا الوضع وليس أنتم، نحن كمسلمات نريد أن يكون التغير بطريقة تتماشى مع ثقافتنا ولا يكون التغيير ضدها" (7).

وتؤكد ذلك المفهوم إحدى السعوديات للمحرر إدوارد بكنغتون في صحيفة الجارديان Guardin:

"نعم إننا نريد أن نتطور وأن نتغير للأفضل ولكن لا نريد أن نخسر ديننا" ويعلق المحرر أن السعوديات يرغبن في حل مشاكلهن داخلياً ومن خلال أنفسهن ولا يرغبن في التدخل الغربي في شؤونهن" (2).

وتعلق على ذلك إحدى قيادات العمل النسائي في العالم العربي لقناةBBC NEWS " أنه وعلى الرغم من التعطش للتغيير إلا أن معظم النساء العربيات متمسكات بالنواحي المحافظة في مجتمعاتهن"(10).

وتفسر نيكول جاوتي محررة صحيفة الكريستيان سينس مونيتورScince Monitor Christian رفض المسلمات للتدخل الغربي في شئونهن في سياق أكثر تاريخية بتأكيدها: "إن التاريخ يعطي المرأة المسلمة مبرراً قوياً للشك في نوايا الدول الغربية، فالدول الأوروبية استخدمت دوماً المرأة المسلمة كذريعة للتدخل في شئون الدول الإسلامية بغرض احتلالها، وتمثل على ذلك بطلب المندوبة الإنجليزية إيفلين بارنق عام 1800م من رؤسائها احتلال مصر تحت غطاء تغيير أوضاع المرأة فيها"، وتضيف "أن الهبات الفرنسية للجزائر في أواخر القرن التاسع عشر اشترطت تقديم الزيت والدقيق للفقراء بتخلص نسائهم من الحجاب " (7).

وفي هذا الإطار تؤكد السيدة "باربرا بتزن" منسقة الاتصال الخارجي بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفرد "أن الخطاب الإذاعي الذي ألقته السيدة باربرا بوش حول امتهان المرأة في أفغانستان يعلل بدرجة كبيرة الاستخدام الغربي للمرأة المسلمة كمبرر وسبب للتدخل في الشأن الداخلي للدول الإسلامية، حيث إنه وقبل الحادي عشر من سبتمبر لم يكن هناك اهتمام من الغرب بالمرأة الأفغانية (7). وتضيــف المحررة: "أن الإيرانيات أيضاً لديهن أسبابهن الخاصة بعدم الثقة في التدخل الغربي، فالولايات المتحدة أسقطت الحكومة المنتخبة من الشعب في عام 1950م لتنصب الشاه في السلطة، وفي حين حاول الشاه تحقيق مصالح الغــرب في أن يؤسس لتغيير المرأة، فإن محاولته في نقل النموذج الغربي فشلت" (7).

ومن خلال المعطيات السابقة وبالقدر الذي ندرك معه فشل نقل النموذج الغربي لعالمنا الإسلامي نقرر أن ذلك الفشل يعود إلى منهجيته المرتبطة بمنهج مغاير لمنهجنا فهو دخيل، ومنطلقاته وهمية ومستوردة، ويراد لها أن تُنقل كما هي دون النظر في صلاحيتها ومشروعيتها.

وبالقدر الذي تدرك معه المرأة المسلمة أن التغيير والتطور لا يمكن أن يكون بنقل النموذج الغربي للمرأة، كون هذا النموذج غريباً عن ثقافتها وفكرها وعقيدتها، ولا يمكن أن يكتب له النجاح والاستمرار، هي تدرك أيضاً أن المحاولات المستمرة لنقل هذا النموذج هي في واقع الأمر عملية تغريب لا ينتج عنها سوى المزيد من التبعية والعجز والشلل.

وإن مما يؤسف له أن يوظف الإعلام الغربي أقلام مسلمات توهمن أن ثقافة الغرب هي معيار عام للتقدم والنمو الحضاري للأمم، مهما اختلفت عقيدتها ومرجعيتها، ونظمها الاجتماعية.

المعيار الخامس: المرجعية المستمدة من منهجية وفكر الحركة النسوية الغربية Feminizem)) حركة التمحور حول الأنثى:
ففلسفة هذه الحركة ومنهجيتها وتشريعاتها تتعارض مع الإسلام وشرائعه وقيمه المنظمة لحياة المسلمين.

ونستطيع أن نرصد الحضور الفاعل المنظّم لأقلام المنتميات للحركة النسـوية الغربية في العالم الإسلامي في تبني الأجندة النسوية للقضاء على حجاب المرأة المسلمة وتغيير قوانين الأحوال الشخصية للأسرة المسلمة، وتجسيد مسألة الحقوق بالمعركة والصراع بين الرجل والمرأة.

والحقيقة إننا عندما نتناول بالتحليل على سبيل المثال ما يصدر عن قناة BBC NEWS، فإننا نلاحظ الحضور القوي لهذه الحركة من خلال محررات أخذن على عاتقهن التخصص في قضايا نساء العالم الإسلامي، فمن إشادة بولادة مجلس وطني للمرأة في مصر يملك القوة بإدخال تشريعات جديدة تلغي قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، إلى إشادة بكون عدد الخريجات من النساء في بعض الدول الإسلامية أكثر من الرجال، إلى التنديد بالحجاب الإسلامي والهجوم على الدول الإسلامية التي تفصــل بين الجنسين في التعليم والعمل، إلى تمجيدٍ للناشطات العربيات ومباركة جهودهن وتغطية مناشطهن في مجـال تحرير المرأة العربية وفرض القوانين التشريعية الوضعية.

وناهيك عن الأوصاف التي يطلقها الفكر النسوي في الإعلام الغربي على المرأة المسلمة، من ممتهنة، إلى مواطنة من الدرجة الثانية إلى غير ذلك من الأوصاف الدونية، وكذلك نقل صورة غير صادقة في أن ما تحقق للمرأة في المملكة العربية السعودية في مجالي التعليم والعمل إنما هو نتيجة للضغوط التي وضعتها المرأة السعودية في سبيل الحصول على حقوقها.

ولاشك أن النساء المسلمات عامة، والمرأة في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص اتجهن لرفض المسار التغريبي، فلم تعد إشكالية المرأة بالزي، فحجابها أصبح عنواناً لكرامتها، وتعليمها أصبح طريقاً لرفض مناهج التغريب.

وفي هذا السياق تؤكد رئيسة لجنة الثقافة والتراث في جمعية رائدة في المملكة في مقابلة لها في موقع GUIDED ONES.COM "أن هؤلاء النساء المتحررات لديهن شعوراً بالغرور، ويتحركن من منطلق وهمي، هو أقرب ما يكون إلى الخيال، حيث يقررن ما يجب أن يكون عليه وضع المرأة في المملكة وبقية الدول الإسلامية، عن طريق التركيز على هذه الدول ووضع ضغوط عليها" وتؤكد أن مشاكل المرأة في المملكة أقل مقارنة بالمرأة الغربية، وتستشهد بإحصائيات حول نسب الإصابة بالإيدز والأمراض الجنسية في المجتمعات الغربية بين النساء(11).

المعيار السادس: ازدواجية المعايير (DUBELL STANDAREDS) في التعامل مع القضية الواحدة:
فازدواجية المعايير من الأمور المعروفة على نطاق واسع عند الإعلام الغربي في تعامله مع قضايا المسلمين بصفة عامة، وفي شأن المرأة المسلمة علي وجه الخصوص، ولعلنا نتأمل المفارقات العجيبة في ازدواجية المعايير والتي ُتظـهر تحيز الإعلام الغربي في تعامله مع القضايا عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين فيما وردني من صديقة أمريكية مسلمة تعلق على ذلك بقولها:

لماذا تستطيع الراهبة أن ُتغطي من رأسها إلى قدميها، وتكون في نظرهم محترمة فهي تمتثل لأوامر ربها، ولكن عندما تفعل ذلك المسلمة تعتبر ممتهنة.

عندما تجلس المرأة الغربية في بيتها للعناية بالبيت والأطفال، فهي في نظرهم تقدم تضحية جميلة في سبيل محافظتها علي شئون منزلها، ولكن عندما تفعل المرأة المسلمة ذلك فهي في حاجة إلى أن ُتحرر.

لماذا يستطيع اليهودي أن يطلق لحيته، ويُنظر إلي ذلك ضمن حقه في ممارسة دينه، وعندما يفعل ذلك المسلم يُعد متطرفاً.

عندما يقتل المسيحي شخصاً ما، الدين لا يذكر، ولكن عندما ُيقاضى المسلم بجريمة ما، فإن الإسلام هو الذي يحاكم.

ولماذا وبعد كل ذلك يبقى الإسلام هو الدين الأسرع نمواً وانتشاراً في العالم.

وختاماً: ينبغي أن نعي الأبعاد الحقيقة لاستهداف المرأة المسلمة، لاسيما وقد أصبحت في يومنا هذا تمثل جزءًا رئيساً من مشروع الدول العظمى والهيئات الدولية للتغيير الثقافي والاجتماعي في المنطقة.

ونحن ندرك اليوم أن الهدف مما يقدم في الإعلام الغربي هو توهين قيم الحضارة الإسلامية، وتمكين القيم الغربية باسم الانفتاح والحداثة وتحقيق المشترك الإنساني وغيرها من المصطلحات، كما وأننا ندرك أن الغرب بكافة مؤسساته لن يهدأ إلا بتصدير قيمه وثقافته، وهو ما أشار إليه الله تعالى في قوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

ونحن ندرك اليوم أن ما يحيط بنا من مستجدات يتطلب منا.. أولاً: استيعاب الهجمة وإدراك أبعادها، وثانياً: التبصر بآليات التعامل معها، وثالثاً: التحول من أن نكون موطناً لقيم الحضارة الغربية وترجمتها إلى حياتنا إلى موقف تصدير القـيم والأخلاق للغرب وما تمثله هذه القيم من صلاح واستقامة للإنسانية استجابة لقوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).



Unlimited Guardin june21,2002. They hate women , don,they ) ) (1) Arzu Merali

(2) Edward Pilington(The women that time forgot)july6,2002.Guardin Unlimited

(3) Barbara Slavin(Saudi Arabia ),april 25 USA Today

(4) Nicholas D. Kristof (Saudi Women Argue Merits Behind The Veil) october27,2002 . New York Times.

(5) cover up or else , Kashmir women told . august 29, 2001.CNN.com

(6)First lady blasts Taliban treatment of women. November 17 ,CNN.com

(7)Nicole Gaouette ( Voices From Behind The Veil) october, 2002 .The Chistian Science Monitor.

(8)Oppressed in Islam ..Status of Women Unveiled .www.guidedones.com

(9) Saudi Arabian Women Receive Identity Cards.May 12, 2001.USA Today

(10)Emma Clark ( Arab Women Lift The Veil On Business. October 31, 2002 BBc News

(11) Caroline Hawley ( Egyptian Womens Rights: Century On) october 23, 1999 BBC News.

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:49 PM
إشكالية المرأة الخليجية بين مطالب الداخل وضغوط الخارج
التقرير الاستراتيجي الخليجي






لم يحظ موضوع في غضون الأعوام الماضية، بمثل هذا الكم الهائل من الاهتمام مثلما حظي موضوع المرأة، فبعد مؤتمر بكين 1995م تعددت صور الاهتمام محلياً وإقليمياً ودولياً ما بين جمعيات نسوية ومجالس للمرأة تنشأ، ودراسات تنشر، وندوات تعقد، ومؤتمرات تصدر توصيات متعددة، إن لم تكن متباينة بحسب المواقع الأيديولوجية لمنظمي تلك المؤتمرات والمشاركين فيها، وهو الأمر الذي أحدث وفرة تجاوزت الكم إلى النوع على صعيد الدراسات الخاصة بالمرأة.

وإذا كان جلّ الاهتمام العالمي بالمرأة المسلمة في السابق منصباً على المرأة المصرية والتونسية باعتبارهما النموذجان البارزان عربياً، وعلى المرأة التركية والإيرانية إقليمياً، فإن التركيز قد انصب بشكل ملحوظ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على المرأة الخليجية، إذ أن الولايات المتحدة صارة تنظر إلى المنطقة ككل والسعودية على وجه الخصوص؛ باعتبارها راعية الأصولية مفرخ الإرهاب، وذلك بفضل بيتها الاجتماعية التقليدية المحافظة، ومن هنا فإنَّ قوائم الطلبات الأمريكية، الخفية والمعلنة، قد تخطت للمرة الأولى النظم السياسية الحاكمة واتجهت مباشرة صوب المجتمعات العربية في مسعى منها لتعديل وتحوير هوية الشعوب العربية ومحو خصوصيتها الثقافية، وصار التركيز على العامل الثقافي بغرض إيجاد شرق أوسط مختلف يتبنى قيماً بديلة وأفكاراً جديدة هي في مجملها إفرازات الحضارة الغربية، وفي القلب من هذه القيم يأتي الحديث عن حقوق الأقليات، والديمقراطية، والتعليم الديني، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، وإدماج النساء في عملية التنمية، وهي ما صارت تؤلف ما يعرف باسم قضايا الإصلاح.

ولا يفوتنا التنويه أنَّ هذه القضايا هي مطلب داخلي ملح، وكان يجب معالجتها داخلياً وفق أطروحات تراعي الخصوصية الثقافية، وتأخذ بعين الاعتبار النسق المجتمعي القائم حالياً، إلا أنها صارت قضية ذات حساسية خاصة؛ لأنَّ طرحها أتى من الخارج، وبالتالي ارتفعت نبرة الكبرياء القومي في مواجهتها.

ملاحظات أولية:
وقبل أن نخوض في الحديث عن أهم القضايا المتعلقة بالمرأة الخليجية، والمعالجات المختلفة لها، وآخر المستجدات التي طرأت على هذه القضايا؛ سنحاول تقديم بعض الملاحظات تلقي الضوء على أوضاع المرأة الخليجية بصفة عامة:

1ـ الحديث عن إشكالية المرأة الخليجية لا يعدّ استثناء عن إشكالية المرأة العربية، فهي تقاسمها معظم الهموم باستثناءات أقرب إلى الكم منها إلى الكيف. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أننا حينما نشير إلى "المرأة الخليجية" لا يعني أننا نغفل التباينات النوعية بين امرأة وأخرى، والراجعة إلى الانتماء إلى مجتمعات تختلف من حيث درجة التحضر أو البداوة، ومن حيث معدلات التحديث. إلا أن هذه التباينات لا تنفي وجود خصائص عامة مشتركة تبرر إطلاق مصطلح "المرأة الخليجية" كمصطلح قادر على توصيف نساء هذه المنطقة بشكل عام.

2ـ التحولات الاقتصادية السياسية التي خضعت لها منطقة الخليج منذ اكتشاف النفط قد تركت بصماتها على المرأة التي كسرت عنها طوق العزلة، ومكنتها الوفرة الاقتصادية من الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة ودخول سوق العمل.

3ـ لم تشهد القاعدة البنيوية الاجتماعية القبلية حراكاً نتيجة ازدياد أعداد المتعلمات والعاملات لأسباب سوف نتعرض إليها لاحقاً.

4ـ ترتب على جمود التركيبة المجتمعية تأخر ظهور وعي نسائي بقضايا المرأة، حيث تأخر تكوين الجمعيات والهيئات النسوية المختلفة إلى حقبتي الستينات والسبعينات، وذلك على الرغم من تشابه أوضاع المرأة في البلدان العربية المختلفة، إلا أنَّ المرأة الخليجية لم تواجه وتقابل حركات التغيير التي عاشتها المرأة المصرية على سبيل المثال.

5ـ تعد المرأة البحرينية والكويتية استثناء من هذا التعميم، فقد شاركت الأولى بقوة منذ منتصف الخمسينات في الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وكان لها دور فعال في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البحرين عام 1994م. أما المرأة الكويتية فقد طالبت منذ مطلع السبعينات بحقوقها السياسية والاجتماعية، وعقب انتهاء حرب الخليج الثانية اندلعت تظاهرات نسائية تطالب بمنح المرأة حق المشاركة في انتخابات مجلس الأمة.

6ـ استهدفت برامج عمل الجمعيات النسوية ـ في مستهل عهدها ـ دعم قضايا المرأة الخليجية المختلفة من تعليم وتنمية من خلال المواقع التقليدية للمرأة "عن طريق تحمل المرأة لمسؤولياتها وأداء المهام التي تلائمها باعتبارها أختاً وزوجة وعضواً فعالاً ومؤثراً في المجتمع"، كما اقتصرت اهتماماتها على النشاط الاجتماعي والخيري، وبمرور الوقت وبفضل سيطرة نخبة سياسية اقتصادية متغربة واحتكارها عمل النسوة ثم تغييب قضايا الفئات الدنيا من النساء من برامج هذه الجمعيات، واستعارة قضايا المرأة الغربية وتعميمها باعتبارها قضايا النساء في كل زمان ومكان، الأمر الذي أدى إلى وجود حاجز كبير بين الواقع الذي ترزح تحته غالبية النساء وبين ما تنادي به هذه الجمعيات.

ماهية الإشكالية:
ثمة أفكار وقضايا تنشر لا لأصالتها أو صوابها، وإنما للإلحاح في إعادة طرحها في كل مناسبة وبكل الوسائل، ومن هذه القضايا ما يتعلق بإشكالية المرأة الخليجية والتي لا تنفك الصحافة العالمية والعربية الآن في الحديث عنها، وتطرح من خلالها رؤى متباينة وهي إشكالية ليست يسيرة كما يتوهم البعض، فالقضايا التي تؤسس عليها الإشكالية تأخذ أحد بعدين أحدهما ـ يروج له دعاة التيار النسوة ـ ويتعلق بقضايا إلحاق المرأة بجميع مراحل التعليم دون استثناء، وولوجها مجالات العمل المختلفة جنباً إلى جنب مع الرجل، وأخيراً مشاركتها في الحياة السياسية وإلغاء كافة القوانين والنصوص التي قد تتعارض مع ذلك. أما البعد الآخر المسكت عنه، فلا يتعلق فقط بتلك الصعوبات الخارجية التي تقابلها المرأة، وإنما يتعلق بقضية وعي المرأة الخليجية بذاتها وبإنسانيتها وفاعليتها في الحياة العامة، ووعي المجتمع بهذه الفاعلية.

المنظور الأمريكي لحقوق المرأة الخليجية:
حين تطرح إشكالية حقوق المرأة فإنها تطرح على اعتبار أنها جزء من إشكالية أكبر هي إشكالية حقوق الإنسان ككل، ومن المفهوم أنَّ دعاة النسوية حينما يشيرون إلى مسألة حقوق الإنسان فإنهم يعدون النسق الغربي هو الإطار المرجعي لقضايا حقوق الإنسان في العالم أجمع، وهو اتجاه يزكيه اتجاه الإدارة الأمريكية لاتخاذ مسألة حقوق الإنسان كعصا للضغط على بعض الدول لتغيير مواقفها بشأن قضايا سياسية واستراتيجية.

وموقف الولايات المتحدة الرسمي من حقوق الإنسان في العالم يتحدد من خلال تقارير سنوية تصدرها واشنطن كل عام، وهذه التقارير تعدت كونها مجرد أداة إعلامية ذات فائدة، إلى كونها "أداة سياسية حيوية"، وقد احتلت مسألة حقوق المرأة الخليجية جزءاً كبيراً من عام 2003 وذلك مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام الذي احتلته على سلم أولويات الإدارة الأمريكية. وقد أشاد التقرير بالخطوة القطرية في انتخابات المجلس البلدي وتعيين أول امرأة كوزيرة، كما أشاد أيضاً بالانتخابات الأردنية. أما التقرير الخاص بحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، فقد ركزت أجزاء مطولة من التقرير على إدانة قوانين الشريعة الإسلامية المعمول بها وخاصة باعتبار شهادة المرأة أمام المحاكم الشرعية لا تحمل نفس شهادة الرجل. أما بخصوص الميراث فقد نص على أنَّه "أخضعت النساء أيضاً إلى التمييز بموجب أحكام الشريعة الإسلامية كما تفسرها الحكومة، التي تنص على أنَّ الابنة تحصل على نص مبلغ الإرث الممنوح إلى شقيقها". أما بالنسبة للحجاب فقد عدَّه التقرير أحد أدوات القمع لأنَّه "يفرض على المرأة أن ترتدي في الأماكن العامة عباءة سوداء تغطي كامل جسمها ورأسها وشعرها". وأنَّ هذا يتم فرضه أيضاً على نساء الجنسيات الأخرى حتى إن كن غير مسلمات. وأخيراً تناول التقرير مسألة تعدد الزوجات في فقرة مطولة وأدان تمتع الرجال بهذا الحق، وبأنَّ القانون السعودي لا يشترط أن يبلغ الرجل زوجته بأمر زواجه من أخرى.

أما بخصوص التعليم فقد أوضح التقرير أنَّ المرأة استطاعت الحصول على تعليم مجاني، لكن مفصول عن الرجال حتى المستوى الجامعي، وأنَّ الجامعيات السعوديات استثنين من دراسة مواضيع كالهندسة، والصحافة، وفن العمارة، وأضاف أنَّ القانون ينص على أنَّ بإمكان النساء أن يدرسن في الخارج شرط أن يرافقهن زوج أن قريب ذكر، ومع ذلك لم يطبق هذا التقييد قسرياً في الممارسة الفعلية. أما بالنسبة للعمل فقد أدان التقرير تركز معظم العاملات في قطاعات معينة أهمها التعليم والصحة.

يتضح من استعراضها لأهم ما جاء به التقرير الأمريكي أنَّ جل انتقادات الإدارة الأمريكية كانت موجهة إلى قوانين الشريعة الإسلامية، التي لم تعد متوافقة مع المنظور الأمريكي لحقوق الإنسان، وهو ما يحمل على الاعتقاد أنه لم يعد هناك مجال مطلقاً للتوفيق بين قوانين الشريعة الإسلامية والرؤية الأمريكية لحقوق الإنسان، وأنَّ أي محاولة للإدعاء بإمكانية التقريب بينهما سيكون مآلها الفشل.

أما على صعيد التحرك الفعلي فقد قررت الولايات المتحدة التعامل مع بعض جمعيات حقوق الإنسان والمرأة مباشرة دون الحكومات، حيث يقوم صندوق حقوق الإنسان والديمقراطية الأمريكي بتمويل عدة منظمات محلية غير حكومية وتقديم تدريب لها حول المشاركة السياسية، وتطوير الأحزاب السياسية، وقضايا المرأة.

وفي خطوة عملية ذات أهمية بالغة رعت الولايات المتحدة وقطر ندوة لتدريب المرأة الخليجية في المجال السياسي عرفت باسم مبادرة "حملات النساء الانتخابية" عقدت في الدوحة في الفترة من 14 إلى 18 شباط/ فبراير وهي ما أطلق عليه بشكل غير رسمي اسم "مدرسة الحملات الانتخابية". وقد رعت النشاط مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية التي أطلقها الرئيس بوش لدعم الفرص الجديدة في الشرق الأوسط، ومجلس قطر الأعلى للشؤون العائلية، وشاركت فيها مشاركات من البلاد الخليجية التي لم تتمتع النساء فيها بحقوقهن السياسية، وقد وجهت السيدة لوري بوش خطاباً إلى المشاركات في الندوة، وكذلك السيدة هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخي الأمريكي التي حيت في كلمتها المشاركات بقولها: "نشعر، نحن شريكاتكن في المجتمع الدولي بالإعجاب بقوتكن ومثابرتكن ونقف إلى جانبكن في محاولاتكن تحقيق مساواة أكبر للنساء".

إشكاليات الممارسة السياسية:
هذا التأييد الأمريكي الجارف قد شجع بعض الأصوات النسائية أن ترفع صوتها عبر وسائل الإعلام مطالبة بمنح المرأة الخليجية حقوقها السياسية، فقد دعا مؤتمر "مستقبل المرأة السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي" إلى تعديل القوانين السارية في بعض بلدان المنطقة للنص صراحة على أن حق المرأة في الترشيح والانتخاب في كافة المجالس التشريعية وغيرها. وأكد المؤتمر في بيانه الختامي ضرورة تعديل نصوص القوانين المتعلقة بالمرأة وفقاً للمواثيق الدولية وتم التصديق عليها مع إلغاء التحفظات التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وفي البحرين ذات النشاط النسوي العريق أعدت لجنة نسائية عريضة رفعت لملك البحرين ركزت في معظم مطالبها على تعديل قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية. والواقع أنَّ ربط مطالب منح المرأة حقوقها السياسية بتعديل قوانين الأحوال الشخصية المستمد من الأفعال يبعث الشك في أن جهات خارجية هي التي تقف وراء هذه المطالب.

وبفعل الضغوط الداخلية والإلحاح الأمريكي على ضرورة توسيع قاعدة مشاركة النساء في العملية السياسية دفعت بعض الدول الخليجية في الإسراع باتخاذ خطوات من شأنها الادعاء بأنها تسير في هذا السبيل من ذلك الإعلان عن تشكيل مجالس للمرأة في معظم البلاد الخليجية. أما السعودية التي تبدو أكثر روية في الإقدام على مثل هذه الخطوات، فقد تمَّ الإعلان فيها عن قيام مجلس حقوق الإنسان والذي ضمَّ في عضويته ثلاث نساء، كما شاركت 10 سيدات من أصل 60 مشاركاً في جلسات الحوار الوطني الثاني الذي عقد في أواخر العام الماضي، كما شاركت المرأة بنصيب أوفى في جلسات الحوار الوطني الثالث الذي عقد بالمدينة المنورة قبل عدة أشهر وكان بعنوان" المرأة: حقوقها وواجباتها"!

وفي بادرة جديدة من نوعها أعلنت قطر في شهر مايو 2003 عن تعيين السيدة شيخة المحمود كأول وزيرة قطرية، وتعد بذلك أول وزيرة خليجية على الإطلاق، تبعتها عمان بتعيين السيدة راوية البورسعيدي كأول وزيرة عمانية، وجاء ذلك أثناء الاحتفال بيوم المرأة العالمي لعام 2004م، وتتوقع التكهنات أن تصدر الكويت والإمارات قراراً مماثلاً قريباً. هناك إذن اتجاه رسمي لمنح المرأة حقها السياسي عن طريق سن تشريعات جديدة، إلا أنه يؤخذ على هذه التشريعات أنها "محاولات فوقية" لن تؤتي ثمارها في تفعيل مشاركة المرأة، ولن يتعدى تأثيرها القشرة الخارجية للمجتمع، وسيظل الأمر رهناً بحدوث تغييرات بنيوية في القاعدة الاقتصادية والاجتماعية، وبتغيير أشكال الوعي المجتمعي من عادات وتقاليد وأعراف، إذ ليست العبرة بقوانين تسن، وإنما العبرة بتطبيق هذه القوانين.

ليس أدل على ذلك من أن النظام الأساسي الصادر في قطر عام 1998 قد منح المرأة حق الترشح لعضوية المجلس البلدي، وبلغ عدد المرشحات للانتخاب 6 مرشحات، لم تفز أي منهن في الانتخابات ـ ذكوراً وإناثاً ـ عن التصويت لهن، وتعد الإمارات مثالاً آخر، فقد حاولت القيادة السياسية الضغط في مطلع عام 2003 باتجاه منح المرأة حقها في الممارسة السياسية، فصرح الشيخ زايد أنه "لا توجد أي موانع لمشاركة المرأة في العمل السياسي، باعتباره حقاً كفله الدستور ولم يحرمه عليها الدين" وترددت تكهنات بأن المرأة ستدخل لأول مرة المجلس الوطني الاتحاد (البرلمان)، غير أن حكام الإمارات السبعة كان لهم رأي آخر، فاتفقوا على تأجيل تلك الخطوة، إلى أجل غير مسمى، استناداً إلى معايير قبلية ترفض فكرة ممارسة المرأة لأي دور سياسي. ومن قبل أصدر أمير الكويت مرسوماً أميرياً في مايو1999 يعطي المرأة الكويتية هذا الحق وأقرته الحكومة، لكن مجلس الأمة ردّه في نوفمبر من العام نفسه تحت ضغط نواب العشائر والنواب الإسلاميين.

هناك ملاحظة أخرى بالنسبة لمسألة القوانين والتشريعات، وهي أنها من المفترض أن تكون محصلة واقع اجتماعي وما يسوده من علاقات مجتمعية وإنتاجية، لذا يظل حدوث تطور اجتماعي شرطاً لا بدّ منه لسنّ التشريعات والقوانين، ومن المفارقات أنَّ هناك مجتمعات خليجية قد حققت تطوراً نسبياً على هذا الصعيد كالكويت والبحرين، ورغم ذلك ظلَّت القوانين المعمول بها لا ترقى لمستوى التطور المجتمعي، في حين أن مجتمعات أخرى ليست على ذات الدرجة من التطور الاجتماعي ـ وتعدّ قطر مثال بارز على ذلك ـ ورغم ذلك فإنَّ القوانين المعمول بها تسابق الواقع الاجتماعي. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنَّ القوانين التي تمَّ الإعلان عنها مؤخراً في بعض الدول الخليجية ليست وليدة حاجة مجتمعية، وأنَّ هناك عوامل أخرى، تتعلق بوجود ضغوط خارجية هي التي أملتها.

كل هذه المستجدات الجديدة فرضت نفسها على الساحة السياسية حتمت ضرورة إجراء مراجعة سياسية من جانب القوى السياسية المختلفة لمواكبة هذه التطورات، فقد أعلنت الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، أحد أبرز المعارضين لمنح المرأة حق الانتخاب أنها بصدد تقييم ودراسة موقفها من الحقوق السياسية للمرأة. وأوضحت أنَّ ذلك يأتي في إطار طرح مبادرات إصلاحية ومشاريع تنموية داخلية تساهم في مواجهة المشاريع التغريبية، ومن الواضح أنَّ الحركة قد اضطرت لاتخاذ هذا الموقف في أعقاب زيارة مسؤولة الشؤون الخارجية الأمريكية "جوانا ليفنسون" للكويت لبحث حقوق المرأة، وتصريح رئيس الحكومة الشيخ صباح الأحمد بالتزام حكومته بحقوق المرأة السياسية وتعديل قانون الانتخاب.

إشكالية التعليم والتنمية:
تأتي على رأس أولويات الأجندة النسوية بالنسبة لحقوق المرأة الخليجية مسألة التوسع في إدماج المرأة في التنمية، ويمكن إرجاع ذلك إلى كون معظم فلسفات وأفكار التيار النسوي مستمدة من النظام الرأسمالي وعلاقاته، ولذلك فمنظوره يخضع لمفاهيم اقتصاد السوق كالعرض والطلب، والربحية، والعمل في مقابل أجر، وهي مفاهيم لا تتحقق إلا بخروج المرأة للعمل خارج منزلها، وفي هذا الاتجاه تحتل الجداول الإحصائية مكان الصدارة في التباهي بالتقدم والازدهار الذي لحق بأوضاع المرأة الخليجية من خلال مقارنة أعداد المتعلمات والعاملات حالياً بأعدادهن في فترات سابقة، لإعطاء استنتاجات معينة تؤكد على أنَّ ازدياد نسبة المتعلمات والعاملات، وارتياد المرأة مجالات جديدة لم تكن متاحة لها من قبل يعد دلالة قاطعة على الإنجازات التي حققتها المرأة الخليجية. على جانب آخر فقد لوحظ أنه حتى الآن لا تزال بعض الدول "قطر والسعودية" لا تسمح للفتيات بالتعليم الفني، كما أن بعض التخصصات العلمية في الجامعات لا يزال دخولها قاصراً على الذكور، وهو الأمر الذي يحول دون شك في دخول النساء بعض مجالات العمل، التي تظل قاصرة على الرجال.

ورغم النسب المرتفعة التي تشير إلى ازدياد نسبة النساء العاملات، فالملاحظ أنَّ التغيير الذي طرأ على حياة المرأة الخليجية ورصدته الدراسات هو تطور كمي وليس تطور نوعي، إذ ليس صحيحاً على الإطلاق أنَّ الأعداد الكبيرة للمتعلمات والعاملات يعني تلقائياً وضعاً أفضل للمرأة الخليجية دون النظر إلى الأوضاع الاقتصادية/ الاجتماعية/ السياسية المحيطة، أو أنه يعكس ارتقاء في وعي الخليجية بذاتها ووعي مجتمعها بها. أما من ناحية النوع فغالباً ما ينظر لعمل المرأة لا من زاوية الإنتاج، بل من زاوية شد الشاغر والحديث عن فتح آفاق جديدة أمام المرأة، بغض النظر عن الأعداد الضئيلة التي تلحق بها، والتي لن تكون مؤثرة مطلقاً على عجلة التنمية، وهو ما يرجح أنَّ السماح بارتياد المرأة لمجالات عمل جديدة هو من قبيل التمثيل الرمزي وبغرض تجميل صورة المجتمعات الخليجية أمام المجتمع العالمي والتشدق بما تحققه المرأة من إنجازات، وليس له أية أبعاد معيارية.

تعدُّ السعودية هي الأسبق على صعيد فتح مجالات عمل جديدة أمام المرأة، وليس هذا راجع بالضرورة حسبما هو شائع إلى ضغوط خارجية فقط؛ بقدر ما هو راجع إلى وجود حالة من القلق المجتمعي ناجمة عن تصاعد معدلات العمليات الإرهابية، ووجود ضغوط قوية في الداخل تطالب القيادة السياسية بالإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة وفتح آفاق عمل جديدة أمام المرأة.

وفي إطار هذا التوجه الجديد سمحت السلطات السعودية بمشاركة المرأة إلى جوار الرجل لأول مرة من خلال مؤتمر جدة الاقتصادي والذي افتتحته، للمرة الأولى أيضاً سيدة أعمال سعودية، وقد دعت في كلمتها الافتتاحية إلى توفير فرص عمل للرجال والنساء على حدّ سواء وإدماج المرأة السعودية بشكل علني ومباشر في عملية التنمية. وقد قوبلت تلك الخطوة بمعارضة شديدة من العناصر الدينية، فقد ندد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي السعودية بالمشاركات في المنتدى واصفاً اختلاطهن بالرجال دون حجاب ـ يقصد العزل المكاني "بأنه أمر يستوجب الإنكار".

أما على صعيد المجالات الجديدة التي أعلن عن السماح للمرأة بالعمل، فقد تم الإعلان عن تعيين ثلاث مذيعات سعوديات في القناة الإخبارية الجديدة في خطوة وصفت بأنها "ذات حساسية بالغة" خاصة أن السعودية كانت قد أقدمت على مثل هذه الخطوة عام 1999م، ولكنها تراجعت عنها بفعل معارضة عناصر من داخل المؤسسة الدينية. وفي خطوة إصلاحية مهمة تمَّ تعيين أول امرأة للعمل كمطوفة. كما تم الإعلان عن أنَّ وزارة الخارجية سوف تقبل نساء للعمل بها كدبلوماسيات وموظفات. ومن المفارقات التي تستحق التأمل أنه تم الإعلان عن "أول قائدة طائرة سعودية"، في حين أنَّ السعودية لم تمنح حق قيادة السيارات للسعوديات رغم وجود ضغوط خارجية طالبت بمنحهن هذا الحق.

نحن إذن أمام معالجة تحاول الإفلات ـ بخطة حثيثة ـ من ضغوط خارجية متزايدة لم تعد خفية، تساندها مطالب داخلية بالمسارعة في الإصلاح دون إبطاء، لتلبية الأجندة العالمية، الأمر الذي صار يخشى معه حدوث هزة يمكن أن يتعرض لها مجتمع قبلي عاش في شبه عزلة عما حوله من تيارات وثقافات، وهو ما أدى إلى احتفاظه إلى وقت قريب للغاية ببنية اجتماعية وأعراف وتقاليد كانت مثار تغيير في المجتمعات العربية المجاورة.

الإشكالية الاجتماعية:
نظراً لكون الأسرة هي أولى الوحدات الاجتماعية تأثراً بالتغييرات الاجتماعية الاقتصادية التي أصابت المجتمع الخليجي مؤخراً؛ فقد امتدت إليها ظلال هذه التغييرات فصار التوجه لبناء الأسرة النووية ـ المستقلة من حيث الدخل الاقتصادي والمسكن ـ بديلاً عن الأسرة الممتدة هو الاتجاه السائد حالياً، وهو اتجاه آخذ في الانتشار في معظم البلدان الخليجية وخصوصاً بين فئات الحضر، الشباب المتعلمين والطبقة المتوسطة من السكان. وبعض الباحثين يرى أنَّ سيادة الأسرة النووية "توفر الخلفية الضرورية لتحرير المرأة" أما الشرط الأساسي لتحريرها فهو انفتاحها على التعليم وولوجها سوق العمل.

تفشي نمط الأسرة النووية ليس هو المتغير الوحيد الذي لحق بالنظام المجتمعي، فظواهر مثل الطلاق وتأخر سن الزواج، بل والعنوسة غدت ظواهر شائعة، وتشير الإحصاءات ـ رغم تحفظنا السابق بشأنها ـ أنها في تصاعد مستمر، ففي السعودية وحدها سجلت خلال عام 2003 ما يقرب من 16 ألف حالة طلاق، وهو ما يعكس مدى الاضطراب القائم في العلاقات الاجتماعية المتغيرة في ظل الظروف الجديدة.

وفي دراسة تناولت الطلاق وعوامل تزايده في المجتمع الكويتي، تم التوصل إلى أنَّ دخول المرأة دوائر العمل المختلفة خارج المنزل واستقلالها مادياً ومعنوياً هو أحد الأسباب الرئيسية للطلاق، وهذا الاستنتاج يدعمه أن عدد كبير من المطلقات من العاملات، ولفتت الدراسة الانتباه إلى أنَّ الطلاق في الكويت أصبح من السهولة بدرجة فاقت ما هو عليه في بعض المجتمعات الخليجية بسبب الوفرة الاقتصادية، وتذهب دراسات أخرى إلى أنَّ مؤسسة الزواج كمؤسسة اجتماعية ما زالت تسيطر عليها مفاهيم ما قبل الحقبة النفطية، مثل سيادة زواج الأقارب "زواج التحيير" وعدم مراعاة التوافق الاجتماعي بين الطرفين، والاكتفاء بالتوافق القبلي، وعدم أخذ موافقة الفتاة على الزواج، إلى غير ذلك من المفاهيم التي هي في حاجة إلى تطوير في مضمونها لتتلاءم مع القيم الإنسانية والظروف المجتمعية الجديدة.

ظاهرة أخرى وهي ظاهرة العنوسة أخذت تطل برأسها مع التغيرات الاقتصادية منذ اكتشاف النفط، وازدادت حدتها مؤخراً في ظل الانتعاش وتبني القيم الاستهلاكية، وواجه الشباب صعوبات متعلقة بتوفير السكن ومتطلبات الزواج الأخرى، وهو ما دفع بالكثيرين إلى العزوف عن الزواج تماماً أو الزواج بأجنبيات، وهو اتجاه لم يعد قاصراً على الرجل؛ فهناك إقبال متزايد من المرأة الخليجية على الزواج من شباب الدول العربية المجاورة، في محاولة للفرار من شبح العنوسة. وفي محاولة للحد من التأثيرات القيمية والاجتماعية الناتجة عن تأخر سن الزواج، ولمواجهة خطر العنوسة؛ حاولت الحكومات إيجاد آليات لتسهيل الزواج بإنشاء جمعيات للزواج تساعد الشباب مادياً، وتقديم قروض تعرف باسم قروض الزواج، وتنظيم حفلات الزواج الجماعية، ومحاولة التدخل للحد من ارتفاع المهور، ووصل الأمر إلى حد تدخل الحكومة الكويتية لوضع حد قانوني للمهور. أما في الإمارات فهي في طريقها الآن لإصدار قانون لحصار ظاهرة الزواج من أجنبيات، بحيث يتحتم حصول موافقة وزير الداخلية لإتمام الزواج. أما المخالفين للقانون فسيتعرضون لعقوبات تصل إلى حد الفصل من الوظيفة الحكومية، وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات فإنَّ الظاهرة في تصاعد مستمر، ولا يتوقع انحسارها قريباً، بل ربما سوف تتفاقم حدتها إذا أفلحت الجمعيات النسوية والضغوط الأجنبية في تعديل قوانين الأحوال الشخصية وفرض قيود على تعدد الزوجات.

نظرة عامة:
تبين من العرض السابق أنَّ المرأة الخليجية في العام الماضي كانت محل اهتمام في الداخل والخارج وأنَّ إشكالياتها قد نوقشت بشكل واسع، وقد جرى التعامل بسخاء معها، إذ منحت الكثير من الحقوق الشكلية وبخاصة تلك المتعلقة بالمساواة القانونية في ممارسة الحقوق السياسية، والتنمية، والتعليم، إلا أنَّ إشكالياتها الحقيقية والأكثر عمقاً والمتعلقة بوعيها بذاتها وإنسانيتها وبهويتها الدينية والثقافية لم تشغل حيزاً من النقاش، وهو ما نرغب أن تتم مناقشته وفي أقرب وقت خشية أن ننجرف جميعاً لمواجهة تيار الأطروحات الغربية ونغفل أن وعي المرأة الخليجية بذاتها هو الكفيل وحده بدحض كل هذه الأطروحات.

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:54 PM
المرأة والحقوق المهضومة (1-2)
يحيى بن موسى الزهراني






لقد أتى على المرأة حين من الدهر، لم تقم لها قائمة، فكانت تائهة عائمة، كانت مسلوبة الإرادة، محطمة العواطف، مهضومة الحقوق، مغلوبة على أمرها، متدنية في مكانتها، مُتَصَرَّفاً بشؤونها، فكانت عند الرومان تعد من سقط المتاع، وعند اليهود تعتبر نجسة قذرة، واحتار فيها النصارى أهي إنسان له روح ؟ أم إنسان بلا روح ؟ ثم انتهى بها الأمر إلى دفنها حية عند العرب الجاهليين.

وبعد تلك الويلات، وإثر تلك النقمات التي كانت تعيشها المرأة، جاء الإسلام وأشرق نوره في جميع أصقاع المعمورة، فأعلن مكانة المرأة، ورفع قدرها، وأعظم من شأنها، فأخذت كامل حقوقها، ومن أعظم ذلك الصداق وهو المهر، فالمهر ملك لها وحدها تقديراً لها، ورمزاً لتكريمها، ووسيلة لإسعادها، لها في مهرها حرية التصرف بضوابطه الشرعية، فهو ملك لها، وليس لأحد من أوليائها أن يشاركها فيه، ومن فعل غير ذلك، فأخذ من مهرها ولو شيئاً يسيراً بغير إذنها ورضاها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف، وأكل الأموال بالباطل، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ رواه البخاري ]. وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام. فاتقوا الله أيها الأولياء في بناتكم ومن ولاكم الله أمرهن، أحسنوا إليهن، وأكرموهن، وأعطوهن مهورهن، فهذا هو الشرع المطهر، والبنت على كل حال لن تنسى تربية والديها، ولن تهمل تعبهما ونصبهما، ولن تغفل تعليمها والإنفاق عليها، فقد أوصى الله بالوالدين أيما وصية، فقال تعالى : " وبالوالدين إحساناً " .

المرأة ليست سلعة تباع وتشترى، وليست دجاجة تبيض كل يوم بيضة من ذهب، وليست عنزاً حلوباً يحلبها صاحبها متى شاء، المرأة إنسانة مكرمة، ذات مشاعر وأحاسيس مرهفة، تحمل بين جنباتها قلباً عظيماً، ونفساً طيبة، ولقد أوصى الإسلام بها وصية عظيمة، ورغب في ذلك، وجعل جزاء ذلك دخول الجنة دار الأبرار، والبعد عن النار، قال صلى الله عليه وسلم : " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين " وضم أصابعه [ رواه مسلم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " [ متفق عليه ]، وحذر الشارع الكريم من إهمال حق البنات، أو عدم العناية بهن ، قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة " [ رواه النسائي وغيره بإسناد حسن ]، ومعنى ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً. فالمرأة هي الأم والأخت، والزوجة والبنت، وهي الخالة والعمة، هي صانعة الرجال، ومعدة الأبطال .

لما ضعف الإيمان، وقل اليقين، ولما طغت على الناس الماديات، ولما انجرف الناس وراء المغريات والملهيات، ولما طغى على الناس حب الدنيا، هبت عاصفة المدنية الحديثة، والتحضر الزائف، فأحدث الناس أموراً عجيبة، وعادات غريبة، بعيدة كل البعد عن الدين، ومن هذه العادات الباطلة، التغالي في مهور البنات، حتى وصلت إلى مئات الآلاف من الريالات، والبنت لا حول لها ولا قوة، لقد أعادوا عادات الجاهلية السحيقة، وأحيوا جذوة نار الظلم والجور التي كانت تعاني منه المرأة في الأزمنة الغابرة، سبحان الله العظيم، أنرضى بعادات الجاهلية لنا ديناً وقد أبطلها محمداً صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في مهر بناته وزوجاته أمهات المؤمنين، كلا والله، لسنا بأفضل منه، فهو القدوة والأسوة التي يتحذى به، فقال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق أيسره " [ رواه الحاكم ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها " [ رواه الإمام أحمد ]، قال ابن القيم رحمه الله : " المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " .

أيها الأب الكريم إن من تساوم عليها، ومن تتغالى في مهرها ما هي إلا قطعة من جسدك، ونطفة منك، إنها ابنتك، فكيف تهضم حقها، وتمنع زواجها من أجل التغالي في مهرها، فليس من الإسلام تلك النظرة المادية التي تسيطر على أفكار طائفة من الناس، فيغالون في المهور، حتى وكأنهم في حلبة سباق وسوق مزايدة، فالمرأة ليست سلعة في سوق الزواج تعطى لمن يدفع فيها أكثر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " [ رواه الترمذي وحسنه الألباني ]، وقال صلى الله عليه وسلم : " استوصوا بالنساء خيراً " [ متفق عليه ]، فهذا سعيد بن المسيب رحمه الله التابعي المعروف، كان لديه تلميذاً من تلاميذه ممن يحضرون درسه، ويحرص عليه أشد الحرص، ففقده عدة أيام فلما جاء التلميذ سأله عن سبب غيابه ؟ فأخبره أن زوجته قد ماتت فانشغل بها، فسأله سعيد : هل استحدثت امرأة ؟ أي هل تزوجت بعدها فقال : لا، ومن يزوجني وما عندي إلا درهمان أو ثلاثة ؟ قال له سعيد : أنا، قال : أو تفعل ؟ قال : نعم، فزوجه ابنته لأنه عرف أنه صاحب خلق ودين، ولم ينظر إلى كم يملك من العقارات والأموال، بل المهم أن يطمئن على ابنته وسعادتها .

وعلى النقيض من تلك القصة فهذه قصة حقيقية ذهبت ضحيتها الفتاة، وقاست آلامها بسبب المغالاة، تقدم رجل ثري لخطبة الفتاة، وساوم عليها ودفع فيها مبلغاً مالياً خيالياً من أجل أن يحصل على هذه المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا رأي لها عند جهلة الناس وعوامهم، فقدم ذلك الخاطب مبلغاً يقدر بأربعمائة ألف ريال، فسال لعاب الأب، وتحركت لديه شهوة المال، فأجبرت الفتاة على الزواج الحتمي المغصوبة عليه، وتم الزواج وما هي إلا أيام وليالي ثم يحصل الفراق، ويقع الطلاق، فكانت النتيجة دمار لهذه المسكينة، وتحطيم لباقي حياتها، فهي مطلقة ومن يرغب بالزواج من المطلقة اليوم ؟

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأة من بناته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول كُلفت لكم علق القربة " [ رواه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح ]، ومعنى كلفت لكم علق القربة : يعني يقول لزوجته : تكلفت وتحملت لأجلك كل شيء حتى حبل القربة أحضرته لك، فكلما أخطأت المرأة كالها المكاييل، وأذاقها ألوان العذاب، عندما يتذكر ما سببته له من ديون، وإنفاق أموال. وزواج يكثر مهره، فاشل أوله، ومؤلم آخره، والواقع خير شاهد على ذلك. إن المغالاة في المهور والإسراف والبذخ و التقليد الأعمى والسطو على مهر المرأة، وصرفه في المظاهر البراقة الخداعة الفارغة، كل ذلك وراء عزوف الشباب عن الزواج، ووراء عنوسة البنات، مما ينذر بوقوع شر عظيم في الأمة والمجتمع، من فعل للفاحشة، وانتشار للجريمة، وتعقد بناء الأسرة المسلمة .

نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة، وتدنى فيه مستوى المعيشة، وزاد فيه مستوى البطالة، فقليل من الشباب الجامعي من يجد وظيفة، فضلاً عمن لا يملك الشهادة الجامعية، وإن وجدت الوظيفة، فالراتب لا يفي بالغرض منه، فأجار مرتفع، ومعيشة غالية، ومهر باهض، وأنى للشباب الإتيان بكل تلك التكاليف، فهنا يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا من تسهيل للمهور، وتيسير للزواج، وصيانة لأعراض البنين والبنات، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بأن يطبق الرجال قول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء "، وبتطبيق قوله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ رواه البخاري ]، فالقوامة بيد الرجل، والحل والربط بيد الرجل، أما المرأة فهي تابعة لزوجها، لا تخرج عن رأيه ومشورته قيد أنملة، ولا بأس بمشاورة المرأة في أمر زواج ابنتها من الخاطب حتى تبدي رأيها في ذلك، لكن أن يترك لها زمام التصرف، والتفاوض، فهذا غير مشروع وخصوصاً في وقتنا هذا، الذي طغت فيه الفضائيات وحب تقليد الموضات وآخر الصيحات، وتقمص الأفلام والمسلسلات، حتى تغالت في المهور الأمهات، وأرهق كاهل الشباب بطلبات تنوء بحملها الجبال الراسيات، فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات في أبنائكم وبناتكم، سهلوا المهور، يسروا الزواج، ارضوا بالخاطب الكفء، اخطبوا لبناتكم قبل أولادكم، كونوا قدوة صالحة، ومثالاً يحتذى به، وأنموذجاً طيباً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " من دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة، وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة، فهو جاهل أحمق "

مع قلة الفرص الوظيفية، وكثرة متطلبات الحياة المادية، وضعف ذات اليد عند كثير من الشباب، وحتى لا تقع المفاسد، لا بد من الوقوف مع تحديد المهور وقفة دينية، شرعية صادقة، تنم عن مشاعر المحبة والألفة بين أفراد القبيلة، فأقول : خمسون ألفاً تكون مهراً، وعشرة آلاف للأم، وقصر للأفراح بعشرة أخرى، ووليمة وما يتبعها بعشرين ألفاً أو أكثر، هذا منع للزواج، وكسر للأزواج، وإحجام للشباب، وعنوسة للبنات، فلماذا لا ينقص المهر عن الخمسين، ولماذا لا يقل ما يقدم للأم، ولماذا لا يكون الزواج مختصراً بسيطاً، حتى لا يكلف الزوج إلا أقل القليل.

إن تيسير المهور، وتسهيل أمر الزواج، هو ما يتطلع إليه الشرع، وهو ما يرقبه الدين الحنيف، وتدعو إليه الفطرة السليمة .

وإليكم بعض الصور التي تبين مقدار الصداق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبدالرحمن بن عوف أثر صفرة فقال : " ما هذا ؟ قال : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال : " بارك الله لك، أولم ولو بشاة " [ رواه البخاري ومسلم ]، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عندك شيء تُصْدِقُها إياه ؟ قال : ما عندي إلا إزاري هذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً، فقال : ما أجد شيئاً، فقال : " التمس ولو خاتماً من حديد " [ رواه البخاري ومسلم ]. وعند النسائي وأصله في الصحيحين، أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت : والله يا أبا طلحة ما مثلك يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تُسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها. ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن، فيعلمها ويكون ذلك مهرها. تلكم كانت أمثلة لمهور نساء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع المثل لأمته في شأن المهر والصداق، ولتيسيره لصداق بناته دليل ناصع على رغبته في تقرير هذا المعنى بين الناس، إن الصداق مجرد رمز لا ثمن سلعة، قال العلامة الألباني رحمه الله : " إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني " .

دين الإسلام دين التكافل الإجتماعي ودين الرأفة والشفقة ودين المحبة والإخاء ودين الإيثار والوفاء، جاء الإسلام مرسياً قواعده المحكمة من لدن حكيم خبير، محطماً أسس الشرك والكفر، ومحرماً قواعد الجاهلية الجهلاء والظلمة الدهماء.

دين الإسلام هو الدين المهيمن على جميع الأديان ولن يقبل له من أحد من الناس دينا غيره ولهذا جاء ذلك صريحا في الكتاب العزيز بقول الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين } ( آل عمران 85 )، وقال تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام } ( آل عمران 19) .

المرأة بين الإسلام والجاهلية :

لم يترك الدين الإسلامي الحنيف أمرا يخص الرجال والنساء إلا وبينه ،ولم يدع النبي صلى الله

عليه وسلم شاردة ولا واردة إلا وبين للمسلمين منها حكما وعلما ،فلم يدع حكما يهم الأمة إلا وبينه حتى يكون الناس على بصيرة من دينهم .وإن مما اهتم به الإسلام ودعا إلى تكريمه واحترامه ومعرفة قدرة المرأة، لأنها الأم والبنت والأخت والعمة والخالة والجدة والزوجة، فهي التي تعد بإذن الله تعالى الشعوب، وتنجب الرجال الأبطال الذين يتمسكون بدينهم الإسلامي الحنيف ويذودون عن حماه بالغالي والنفيس، فجاء دين الرأفة والرحمة، ودين الألفة ودين التعاون دين الإسلام جاء معرفا للبشرية جمعاء مكانة المرأة في الإسلام بعد أن كانت توأد في الجاهلية وتدفن حية وتمنع من الميراث إلى غير ذلك من الإجحاف فعرف الناس ما للمرأة من حق في الإسلام وخط لها خطوطا تسير وفق منهجها القويم حتى لا تزل بها الأقدام ،فتنزلق في مزالق الشرك والشيطان ـ والطغيان ـ والعصيان .

ومنذ بزوغ فجر الإسلام عادت للمرأة مكانتها التي سلبت إياها في عصور الشرك والوثنية، فرفعت رأسها شامخة معززة بعزة الإسلام ،مكرمة بكرامة الإسلام لها فأعطيت جميع الحقوق وأوجب عليها جميع الواجبات التي هي من اختصاصها حتى تربعت على مكانة عظيمة في القلوب فكان من النساء العالمة والمجاهدة والمعلمة والمربية والموجهة والمرشدة والداعية إلى الله تعالى إلى غير ذلك من الأمور التي حظيت بها المرأة في الإسلام.

أمور مهمة :

ولكن الإسلام حفظ للمرأة مكانتها وصان عرضها ،فحرم عليها الاختلاط بالرجال ومنعها من التبرج والسفور ،وحذرها من السفر بلا محرم وحرم عليها تقليد الكافرات،والتشبه بالرجال لأن ذلك يفضي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها ،ولاترجى أخراها ،وغير ذلك من الأمور والضوابط والحدود التي حدها الاسلام للمراة ومنعها من تخطيها أو انتهاكها حتى لاتقع في الحرام والعصيان لله الواحد الديان .ولكن وللأسف الشديد مع أن الإسلام حث على احترام المرأة وتقديرها، نجد أن أناساً يدعون الإسلام وهم يغالطون أنفسهم بهضمهم لحقوق المرأة ولعلنا نتحدث عن نقاط جوهرية يجب على المسلم المنصف المتبع للحق أن يعيها ويعمل بها وإلا فإنه سيقع في الظلم لامحالة ،ومن هذه النقاط ما يلي :

1ـ معرفة قدر المرأة ومكانتها في الإسلام وقد تم الحديث عنها فيما سبق فيكتفي به.

2ـ حرية المرأة في اختيار الزوج بضوابطه الشرعية فالمرأة لها الحرية في اختيار الزوج المناسب لها ممن ترضاه ،ويرضاه أهلها ممن تميز بصفات الدين والأخلاق وحسن السيرة والبعد عن المعاصي والذنوب والفسق والإجرام .

فتمنع المرأة من الزواج بتارك الصلاة لكفره وتمنع من المصر على بعض المحرمات كشارب المسكرات والمخدرات والدخان ،والمعروف بالإنحراف الخلقي والجنسي، كسيء الأخلاق والمعروف عنه شدة في طبعه من ضرب وسوء كلام ،وصاحب الزنا واللواط وغير ذلك من الأمور المحرمة شرعا .ففي مثل ذلك لايترك لها الخيار والحرية ،بل تمنع منه منعا حتى لا تورد نفسها المهالك بعد ذلك فتتحطم حياتها الزوجية والعائلية بسبب الاختيار السيئ للزوج.

3ـ راتب الموظفة :

وهذه النقطة هي الركيزة الأساسية التي من أجلها كتبت هذا الموضوع .ففضل الله تعالى واسع، وعطاؤه لا ممسك له وقد منُ الله سبحانه علينا بحكومة رشيدة ألزمت على الجميع ذكورا وإناثا مجانية التعليم فأشرقت القلوب وأنارت العقول ،وظهر العلم واندرس الجهل ،فعلم للأمة قدرها ومكانتها بين سائر الدول بعد أن كانت تغط في نوم عميق ،وبعد أن كانت منزلقة في دياجير الظلمات فلله الحمد من قبل ومن بعد .

فحرص الأباء والأمهات على تعليم الأولاد والبنات ففتحت المدارس والمعاهد والكليات والجامعات هنا وهناك ،وتعلم الناس صغارا وكبارا فكل يكافح ويجد ويجتهد من أجل الحصول على العلم ،فحصل التنافس بين الجميع في هذا المجال ،واقتحمت البنات مجال العلم بقوة واندفاع ،فتخرج منهن الطبيبات والمعلمات وغير ذلك من المهن الشريفة الرفيعة القدر والمكانة ،فأصبحت الموظفة تكد وتتعب من أجل مساعدة الأهل والخلان والوقوف جنبا إلى جنب مع الزوج والأولاد فتساعد الوالدين والزوج في نفقات الأسرة ومتطلباتها وليس ذلك إلزاما عليها فالقوامة للرجل دون المرأة ،والإنفاق واجب الرجل دون المرأة .

لكن تعال بنا ننظر كيف استبد بعض الآباء براتب الموظفة ومنعها من أهم حقوقها من أجل أن يأكل تعبها ونصبها ،والله إن هذا لمن أشد الظلم والجور أن يأكل الأب راتب ابنته ظلما وعدوانا من غير حاجة ماسة إليه إلا بدافع الأشر والبطر .نسأل الله العافية .فقد وجد في مجتمعات المسلمين من يحرم ابنته من الزواج خوفا على راتبها من زوجها أن يقاسمه إياه، فأي تربية هذه ؟ وأي حياة هذه ؟ وأي خوف من الله هذا ؟ وأي أداء للأمانة هذه ؟

قد يقول الأب : وأين الحرام في ذلك وهي ابنتي ؟ ولي الحق في أخذ ما أحتاج إليه من مالها، كما جاءت بذلك السنة النبوية أن الولد والمال للأب، وأن خير ما أكل الإنسان من كسبه وولده من كسبه .

والجواب على ذلك : نعم لك الحق أن تأخذ من ما لها ما يكفيك إن كنت محتاجاً إليه، وثق تماماً أنها لن ترد عنك شيئاً فالبنت تحمل بين جنباتها قلباً جياشاً، وعواطف وأحاسيس كلها رحمة وعطفاً وشفقة ورقة، وحباً لوالديها خاصة، فلا تكاد تسمع لها صوتاً ولا همساً، كل ذلك خجلاً وأدباً، وحياءً وحباً، فانتبه أيها الوالد ! فهناك أمر مهم قد تغفل عنه ألا وهو أنك حرمتها الزواج من أجل أن تأكل مالها وتجتاحه، وهذا هو الحرام، فإن كنت من هذا الصنف من الآباء، الذين لا هم لهم في الدنيا إلا جمع المال، فاعلم أنه لن يملأ فاك إلا التراب، فلو كان لك واد من ذهب لتمنيت واد آخر، ولن يرضيك إلا التراب، فأنت أخذت مالها بطريقة غير شرعية، بل بطريقة أقرب إلى اللصوصية والغصب والإكراه، وكل ذلك حرام، وقد تستخدم معها الكلام الطيب فترات حتى تملك ما تريد من مالها بالحياء، وهذا حرام أيضاً، فما أخذ بسيف الحياء فهو حرام .

خيانة الأمانة :

أيها الأب ! أنت منعتها من أهم حقوقها عليك، وهو أن ترعاها حتى تكبر ثم تزوجها من الخاطب الكفء، وقد منعتها من ذلك بحجج واهية كاذبة، من أجل غاية دنيئة حقيرة، ومن أجل متاع زائل من أمتعة الدنيا الفانية، وقد تدعو ليل نهار وتراه لا يستجاب لك، أتدري لماذا ؟

لأن من موانع إجابة الدعاء أكل المال الحرام، وأنت فعلت ذلك، بأكلك لمال ابنتك المسكينة بغير وجه حق، فالنبي صلى الله عليه وسلم، [ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يارب، يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ] ( رواه مسلم ) .

وياليتك مادمت جموعاً منوعاً لحب المال، أن أحسنت إليها وزوجتها وشرطت مبلغاً شهرياً في عقد نكاحها لكان ذلك مقبولاً، مع العلم أن راتبها حق لها وحدها، فلا دخل لأحد فيه، لا أب ولا زوج ولا أخ ولا أخت، ولكنها لن تنسى تربيتك لها وعطف والدتها عليها، فكل ذلك عندها مرصود، ولكنك جعلت الباب في وجهها موصود، فاتق الله تعالى، واحذر من يوم يشيب فيه المولود .

فهذه المسكينة المحرومة تريد أن يكون لها زوجا وأبناء وأسرة ومنزلا تعيش فيه كيف شاءت وتلبس ما تشاء مما أباح الله لها من اللباس وتتصرف في بيتها كيف شاءت فلا تمنع عنها ما أباح الله لها من زواج وذرية فتكون بذلك مصادما لله ورسوله الذي دعا للزواج بالودود الولود والله تعالى يقول : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون } ( النحل 72 ) .

وقال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } (الروم 21 ) .

فهذه الآيات وغيرها تحث على الزواج لأنه سكن لكلا الزوجين فكيف تأتي أيها الولي وتقول لله لايمكن أن أقبل بهذه الآية ؟فردك للخاطب الكفء الذي ترضاه موليتك مصادم لأمر الله بالزواج وهذا اعتراض منك للآيات القرآنية وهذا ظلم منك لمن ولاك الله أمرها، فالظلم ظلمات يوم القيامة فالله يمهل للظالم كي يرجع عن ظلمه وغيه ولكنه لايهمله، فإذا أخذه فإن أخذه أليم شديد .

قصة وعبرة :

وإليك هذه القصة التي تشيب لها الرؤوس وتندى لها الأفئدة :

كان والد الفتاه الموظفة يمنع كل من يأتي لخطبتها لسبب أو لأخر ،حتى مضى قطار العمر ودخلت في سن قد لايرغب بالزواج منها الشباب فمرضت من جراء ظلم والدها ورفضه المستمر بسبب أو بدون سبب فأدخلت المستشفى وبقيت فتره من الزمن حتى حضرتها الوفاة فاستدعت والدها ،وقالت :ياأبي قل آمين فقال :آمين ،قالت :قل :آمين ،فقال :آمين فكررتها ثلاث مرات ،ثم قالت :

أسأل الله أن يحرمك الجنة ،كما أحرمتني الزواج .ثم فارقت الحياة .إنا لله وإنا إليه راجعون .

فما الفائدة التي جناها ذلك الأب القاسي ؟وهل ستعيد له الأموال تلك البريئة الجريحة ؟

يقول الله تعالى في حق الظالمين : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [غافر 18 ] .

وقال تعالى : ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ابراهيم 22 ]

وقال صلى الله عليه وسلم :{ إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ،ثم قرأ قوله تعالى :

( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [هود 112 ] ( متفق عليه ). وقال صلى الله عليه وسلم : { استوصوا بالنساء خيرا } ( متفق عليه ).

وقال صلى الله عليه وسلم : [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه ). فلا تحسب أنك بأكلك للمال الحرام ستخلد في هذه الدنيا، أم أن العذاب عنك بعيد، فكم من أناس انتفخت بطونهم من الحرام والنار لهم بالمرصاد، فهم حطب لها وحصب، قال تعالى : { والذي كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم } ( محمد12 )، وكل جسد نبت من السحت أي الحرام فالنار أولى به .

وقال صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتين ـ أي بنتين وقام عليهما بالمؤونة والتربية ـ حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه ( رواه مسلم ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : [ من ابتلي ـ أي اختبر ـ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار ] ( متفق عليه )، فهل أحسنت إلى ابنتك أنت ؟ أم أهنتها وأذقتها المرارة ؟ وجرعتها كأس الحرمان من الزواج من أجل تلك الوظيفة والعقبة الدنيئة، قال صلى الله عليه وسلم : [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة ] ( رواه النسائي وغيره وحسن سنده شعيب الأرنؤوط )، ومعنى أحرج حق الضعيفين : أي أن النبي صلى الله عليه وسلم يلحق الإثم بمن ضيع حقهما، وحذر من عاقبة ذلك تحذيراً بليغاً.

وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم ] ( متفق عليه ) ومعنى الحطمة : العنيف برعاية الإبل، فقد ضربه النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لوالي السوء، الذي يظلم من تحت ولا يته من أهل وغيرهم، وما فيه من قسوة وجلافة، وعدم رحمة، وبعده عن الرفق والشفقة .

وهذا حال كثير من الآباء اليوم ـ نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة .

السؤال يوم القيامة :

فأي اتباع لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء والأولياء يحرمون بناتهم وأخواتهم ومن ولاهم الله عليهن من الزواج لأجل متاع زائل ووسخ من أوساخ الدنيا من أجل مال مايلبث أن يموت صاحبه ويتركه وراء ظهره يستمتع به الورثة من بعده ثم يحاسب هو عليه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،وسيطول به الحساب عند شديد العقاب .

فيا ولي الأمر ! إذا سئلت عن مال ابنتك من أين اكتسبته فماذا سيكون جوابك ؟

هل ستقول :يا رب ظلمتها وحرمتها من الزواج من أجل أكل راتبها بغير وجه حق فالويل لك ثم الويل لك ،عند شديد العذاب وسريع العقاب .

فلا إله إلا الله ما أشد العقاب وما أقسى العذاب .فاتق النار ولو بشق تمرة فنار جهنم لو ألقيت فيها الجبال الراسيات لذابت من شدة حرها .

الوصية بتربية البنات :

لقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بتربية البنات وأنه إذا أحسن تربيتهن كن له بإذن الله حجاباً ودرعاً من النار. فأين أنت أيها الولي من ذلك الحديث لقد خنت الأمانة وضيعت الولاية فكانت الخاتمة سيئة وتبدلت الجنة بالنار .

رفقاً بالبنات :

أيها الأب الحنون : يجب عليك أن تحسن إلى موليتك وتكرمها، وتحرص على إعفافها وإحصانها، وإخراجها من الضيق إلى السعة، ومن العنوسة إلى حياة الزوجية، فاختر لها الزوج الكفء، صاحب الدين والأخلاق، وإياك والمفسدين واللاعبين اللاهين، واحذر المنحرفين والمجرمين، ولا يكن المهر هو همك، فالفتاة ليست سلعة تباع وتشترى، وتعطى لمن يدفع فيها أكثر من الآخر، وليست عنزاً حلوباً، تحلبها متى شئت، بل هي إنسانة ذات مشاعر وأحاسيس، لها حق اختيار الزوج المناسب فلا يجوز لك شرعاً ولا عرفاً أن تكرهها على الزواج ممن لا ترضاه، ويحرم عليك ذلك، ثم هنا أمر مهم يجب أن تأخذه بعين الاعتبار، وهو أن المهر كاملاً من حق الفتاة وليس لك فيه شيء من الحق أبداً، فإن أخذته أنت بدون رضىً منها فهو سحت حرام عليك، وإن ساومت على ابنتك من أجل أن تحصل على المال من وراء تزويجها، وإن عرقلت مسيرة زواجها بسبب عنادك وتجبرك للحصول على المال من وراء تزويجها، فأنت آثم وعليك التوبة إلى الله عز وجل قبل أن يفاجئك الموت وأنت على حال كلها ظلم وطغيان من أجل حياة فانية زائلة.

قصة وعبرة :

وهذه قصة من واقع الحال، وليست من نسج الخيال، تقدم رجل ثري لخطبة الفتاة، وساوم عليها ودفع فيها مبلغاً مالياً خيالياً من أجل أن يحصل على هذه المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، والتي لا رأي لها عند جهلة الناس وعوامهم، فقدم ذلك الخاطب مبلغاً يقدر بأربعمائة ألف ريال، فسال لعاب الأب، وتحركت لديه شهوة المال، فأجبرت الفتاة على الزواج الحتمي المغصوبة عليه، وتم الزواج وما هي إلا أيام وليالي ثم يحصل الفراق، فكانت النتيجة دمار لهذه المسكينة، وتطكيم لباقي حياتها، فهي مطلقة ومن يرغب في الزواج من المطلقة اليوم ؟ ما السبب ؟ إنه حب المال، ومن السبب ؟ إنه الأب الآكل للمال الحرام ؟

الخاطب الكفء :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ] ( رواه الترمذي وحسنه الألباني برقم 865 ) .

وروى البخاري في صحيحه قال : [ مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يُستمع، قال : ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال : ما تقولون في هذا ؟ قالوا : حري إن خطب ألا يزوج، وإن شفع ألا يُشفع، وإن قال ألا يُستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ]. وهذا الحديث ليس على ظاهره، فهناك من الأغنياء من هم من الأتقياء الذين يخافون الله تعالى ويخشونه، ويُعمِلون أموالهم في سبيل الله تعالى، وهناك من الفقراء من تراه من معصية إلى معصية، ومن ذنب إلى آخر. فالحاصل أن الأب يسعى جاهداً لنيل الرجل المناسب لابنته فإن كان من الأغنياء الأتقياء فذاك المطلوب، وإلا فعليك بصاحب الدين والخلق الحسن، وهذه بضاعة نادرة في هذه الأزمان، ومن بحث وجد ـ بإذن الله ـ بغيته .

ولقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً بامرأة بما معه من القرآن، فأين الآباء الحكماء العقلاء عن سنة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام .

اخطب لابنتك :

بعض الآباء تجده يجد ويتعب في إيجاد المرأة التي توصف بكذا وكذا من الأوصاف لابنه، وقد يدفع مقابل ذلك مهراً طائلاً، أما ابنته فلا يهمه من خطبها إن كان فاسقاً أو صالحاً فالأمر سيان المهم كم يدفع ؟ وماذا سيدفع ؟ وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالرجل العاقل الذي تهمه ابنته وتهمه سعادتها، هو الذي يسعى جاهداً من أجل اختيار الزوج الصالح لها حتى تعيش في هناء وخير، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة رضي الله عنها على عثمان رضي الله عنه، ثم أبا بكر رضي الله عنه، ثم خطبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها. القصة في صحيح البخاري 10/219 .

فلقد سعى جاهداً في أن يزوجها عثمان فلما لم يكن له بها رغبة، جد في أن يزوجها أبا بكر، فلما علم أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرها تركها له، حتى خطبها ثم تزوجها، أولئكم الرجال الذي لا يهمهم قول قائل من قال، المهم سعادة البنت ومع من تكون، أما اتباع فلان وفلانة واستماع كلام هذا وذاك، فهذا كلام لا يقبله عاقل

وهذا سعيد بن المسيب التابعي المعروف، كان لديه تلميذ من تلاميذه ممن يحضرون درسه، ويحرص عليه أشد الحرص، ففقده عدة أيام فلما جاء التلميذ سأله عن سبب غيابه ؟ فأخبره أن زوجته قد ماتت فانشغل بها، فسأله سعيد : هل استحدثت امرأة ؟ أي هل تزوجت بعدها فقال : لا، ومن يزوجني وما عندي إلا درهمان أو ثلاثة ؟ قال له سعيد : أنا، قال : أو تفعل ؟ قال : نعم، فزوجه ابنته لأنه يعرف أنه صاحب خلق ودين، ولم ينظر إلى كم يملك من العقارات والأموال، بل المهم أن يطمئن على ابنته معه، وهل ستكون سعيدة أم لا بإذن الله ؟ هؤلاء هم الرجال، الذين باعوا الدنيا بالآخرة، الذين طلقوا الدنيا طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، فلله در أولئك الرجال، عرفوا لماذا خُلقوا فاستعدوا للقاء الخالق سبحانه وتعالى.

عقوبة خيانة الأمانة :

واحذر أن تخون الأمانة الملقاة على عاتقك فتزوج ابنتك لصاحب الأموال وكبير السن من أجل المتاع الزائل، فهي والله مسؤولية عظيمة أمام الله تعالى، فتوقعها في المهالك، فتبوء أنت بالإثم والخسارة يوم تعرض على ربك، ووالله لن تنفعك الأموال ولا العقارات ولا غير ذلك من حطام الدنيا، بل لن ينفعك إلا عملك الصالح وأداؤك للأمانة التي وضعها الله بين يديك .

وحذار كل الحذر أن تخون الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، والتي تحملتها أنت، فتزوج ابنتك لصاحب الأموال الفاسق المجرم، الذي لا يعرف لله حقاً، ولا يقدر له قدراً، الذي لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وتجنب كبير السن الذي لا يعرف للفتاة قدرها واحترامها، ويحسبها سلعة بائرة، فلا احترام لها ولا تقدير، ولا مكانة لها ولا رفعة عنده، فتراها ذليلة عنده حقيرة، فتوقع ابنتك في الذل والمهانة، وتبوء أنت بالإثم والخسارة، فتعيش الفتاة المقهورة المجبورة حياة نكدة بائسة، وتذيقها المر بألوانه وأشكاله، وتموت في اليوم الواحد مائة مرة، فتعيش مضطهدة مقهورة .

فاحرص يارعاك الله على أداء الأمانة وبخاصة أمانة البنات فهن ضعيفات، حيلة لهن ولا طاقة، فالله عز وجل يقول : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } ( الأنفال 27 )، وقال ربنا تبارك وتعالى : { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } ( المعارج 32 )، وقال صلى الله عليه وسلم مذكراً الولي بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وعظم خطرها وأنها سبب لدخول الجنة لمن اداها كما أمر الله تبارك وتعالى، وسبب لدخول النار لمن ضيعها فقال : [ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام : [ ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ] ( متفق عليه ) .

فأي غش أعظم من أن تغش ابنتك التي من صلبك أو تمت لك بصلة، وتمنعها من الزواج من أجل أن تأكل حفنة قذرة من أوساخ هذه الدنيا الفانية، واعلم أن خيانة الأمانة علامة واضحة من علامات النفاق، فقال صلى الله عليه وسلم : [ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ] ( متفق عليه ) وفي رواية : [ ولو زعم أنه صلى وصام ]. ولقد توعد الله الخائن للأمانة الذي ضيعها ظلماً وعدواناً، ولم يرعها حق رعايتها توعده بالنار يوم القيامة فقال جل من قائل سبحانه : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } ( النساء 145 ) .

ثم لو بلغت نقودك عنان السماء من وراء تزويج البنات الخاطب السيئ، أو من عدم تزويجهن وأكل مالهن، فهل تعتقد أنك ستخلد في هذه الحياة الدنيا ؟ طبعاً ستقول لا، وهذا هو الصحيح الذي لا مراء فيه ولا جدال، فقم إذاً بحق الله عليك، ثم بحق تلك البنات التي ضيعت حقوقهن، وأد الأمانة كما يجب فأنت مؤتمن ومسؤول .

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:56 PM
المرأة والحقوق المهضومة (2-2)
يحيى بن موسى الزهراني






من الأولياء من يمنع بناته ومن هن تحت ولايته عن الزواج بحجج واهية ضعيفة، خادعة ماكرة، قذرة قبيحة، لأجل غرض محرم لا يمت للإسلام بصلة، ومن هذه الأعذار:

1- حجة إكمال الدراسة:

البنت إذا بلغت سناً تحتاج معه للزواج وجب على وليها أن يزوجها حفظاً لها من الضياع والتخبط في ظلمات المعاصي والذنوب، وتتلطخ بأوحال الفضيحة والعار، والسبب قهر الأولياء الرجال الذين ضيعوا الأمانة، فيتعذر الولي بهذا العذر الكاذب من أجل الحصول على راتب الموظفة، وهو ينتظر تعيينها بفارغ الصبر، فإذا عينت انقض على راتبها انقضاض السبع على فريسته، ولم يدعه في يدها طرفة عين، بل ويتخبط في مالها بغير حق وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] ( رواه البخاري ).

2- صغر السن:

من الأولياء من تعتذر للخاطب بصغر سن ابنته، وهي موظفة ومعلوم أنها لن تتوظف على أقل الأحوال إلا وهي بنت ثماني عشرة سنة أو أكثر من ذلك بقليل، فأين صغر السن في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة رضي الله عنها وعن أبيها وهي في التاسعة من عمرها، وما ذاك الاعتذار إلا من أجل أن يستوفي الدين الذي يعتقده، وأنه في نظره بتربيته لها وإنفاقه عليها أن ذلك دين يجب وفاؤه، وهذا غلط وخلط للحقيقة، وإنما الهدف الأساسي هو ملء البطن براتب الموظفة المسكينة، دون حساب لمشاعرها وأحاسيسها، قال صلى الله عليه وسلم: [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه )، فما أكلت من تلك الأموال ظلماً وجوراً ستسأل عنه عاجلاً أم آجلاً، والله لك ولأمثالك الظلمة بالمرصاد.

3- المن والحياء:

وبعض الأولياء قد يستخدم أسلوباً مغايراً فهو لا يرفض الخاطب، ولكنه بحيلته ومكره ودهائه يجعل الفتاة المسكينة هي التي يؤجل الزواج من أجل غاية خسيسة، ومغزىً فاضح، فتراه يذكرها بما أنفقه عليها طول بقائها وأثناء دراستها ويمن بذلك عليها، ويلاطفها بالكلام العذب ويستعطف قلبها الطيب الرقيق، فيطلب منها أن تبقى معه إلى السنة القادمة، من أجل مساعدة أمها أو تعليم إخوانها، أو غير ذلك من الحيل الماكرة، كل ذلك من أجل الاستيلاء على راتب الموظفة التي تكد وتتعب ويأتي الظلمة ويأكلون ذلك بغير حساب لشعور من تعب من اجل الحصول عليه، وكل ذلك أيضاً حباً في الدنيا وزينتها، فكم ستعيش أيها الأب القاسي، ستين سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، ثم أين المصير؟ إنها حفرة طولها مترين، وعرضه نصف متر، فماذا أعددت لها؟

قال صلى الله عليه وسلم: [ اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام: [ يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ] ( متفق عليه )، فما الفائدة التي جناها الآباء من تلك النقود التي جمعوها من جراء ظلم البنات؟ وأي عمل خرجوا به من هذه الدنيا وهم على تلك الحال المخزية من آكل لأموال البنات؟ وظلم وجور وتعد لحدود الله تعالى بعضلهم للبنات؟ .

وقال صلى الله عليه وسلم: [ تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض ] ( رواه البخاري )، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال: [ ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ] ( رواه بن ماجة وغيره وقال النووي حديث حسن ).

4- عدم كفء الخاطب:

ومن الآباء من يعتذر عن تزويج ابنته بحجة أن الخاطب غير كفء، والحقيقة التي يخفيها هي أن الخاطب سيشاركه في العنز الحلوب، فكيف سيحلبها ومعه من يشاركه، إنه الجهل والظلمة والبعد عن دين الله تعالى، والقسوة التي ملأت قلوب كثير من الآباء، ومن رد الخاطب الكفء فهو مصادم لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك منع لهن عن الزواج وحرمان لهن من أهم حقوقهن على آبائهن ،ودفع لهن لارتكاب الحرام والولوغ في أوحال الفاحشة والرذيلة.

كلمات مضيئة:

وهذه كلمة حق ونصيحة ناصح أمين بإذن الله تعالى أوجهها إلى كل راع ومسؤول عن البنات، أن يتقي الله تعالى فيهن ويحرص على تزويجهن متى رغبن في ذلك وأن يطلب لهن الزوج الصالح، وأن يكون قدوة صالحة يقتدي به من هو معه، ومن يأتي بعده بتسهيله للمهور، فلا يقول بنت فلان تزوجت بكذا وابنتي ليست أقل منها فمهرها كذا وكذا، ويطلب مالاطاقة للشباب به من الأموال وغيرها، فتقبع البنات حبيسات أسيرات لقسوة الآباء والأمهات، وتمسكهم لعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، والقدوة الحسنة هو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حيث قال: [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ] _ رواه أحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم )، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ ألا لا تغالوا في صدق النساء ـ يعني في مهورهن ـ فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل لبغلي بصدقة امرأته ـ بمهرها ـ حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول: كلفت فيك علق القربة ] ( أخرجه النسائي وأبو داود ). ومن هذا تعلم أنه في كثرة المهر تكون العداوة بين الزوجين، حينما يتذكر ضخامة المال الذي دفعه بسبب جشع الأب وطمعه، فيكيلها من الكلمات القاسية، والضربات الموجعة ما تسود به الحياة بينهما ليلاً ونهاراً، ولسان حال الفتاة يقول: سامحك الله يا أبي لقد بعتني وخسرت حياتي مقابل مال سيطول بك الحساب عليه عند من لا تخفى عليه خافية. سامحك الله يا أبي لقد تركتني وحيد حبيسة لا منقذ ولا منجد إلا الله، فحسبي الله فيك ونعم الوكيل. ووالله إن هذه الدعوة دعا بها إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار، فجاءه الفرج مِنْ مَنْ بيده مفاتيح الفرج، فأنجاه الله من النار، وبإذن الله سيأتي هذه المغلوبة على أمرها الفرج عاجلاً أم آجلاً، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

همسة في أذن الفتاة:

أيتها الفتاة الموفقة ! هذه كلمات أبوح بها لك فافتحي العقل والقلب وعيها واعقليها، فلك الحق كل الحق في اختيار من ترضينه من الأزواج بالضوابط الشرعية، فيجب عليك أن تختاري الشاب الصالح الخير، ولا أزكي على الله أحداً، فإذا رأيت من ولي أمرك الجحود والنكران، وعدم التفهم ومنع الإحسان، فعليك بأحد أمرين:

** فإما أن تصبري محتسبة في ذلك الأجر عند الله تعالى، وتحاولين مع ولي أمرك بكل الطرق الممكنة لموافقته على الزواج بطرق غير مباشرة، كأن ترسلين له من يكلمه في ذلك الأمر ممن يقبله هو ويسمع رأيه ويعمل بمشورته حتى يتم المراد إن شاء الله.

** وإما أن ترفعي أمرك إلى المحكمة وهناك بإذن الله ستجدين الحل المناسب الذي يرضيك ويخرجك من دوامة قد تودي بحياتك الشخصية والأسرية، فما عليك إلا أن تشكي بثك وحزنك إلى الله تعالى ثم من يقوم بتنفيذ أوامر الله عز وجل، وولاة الأمر في بلادنا الحبيبة رعاها الله حريصون كل الحرص على أن يعيش المواطن في أمن وأمان، وعز ورخاء، فلا تترددي في عرض قضيتك على المحكمة بعد الاستخارة والمشاورة مع الثقات من أهلك وعرض ذلك على أحد العلماء ليفتيك في مثل هذه الأمر.

كلمة ذات صلة:

هناك بعض الآباء يستبد برأيه في تزويج ابنته ممن لا ترضاه ويرجع ذلك لبعض الأسباب:

الأول: القرابة:

فالأب يصر على ابنته أن تتزوج من ابن عمها أو ابن خالها أو قريبها، والسبب أن العادات والتقاليد تأمر بذلك. فالعادات والتقاليد إذا خالفت الشرع وتصادمت معه يضرب بها عرض الحائط، ولا يعول عليها، أو أنها قد حجزت له وهم صغار أو ما أشبه ذلك من العادات والتقاليد التي يأباها الإسلام، وتأباها النفوس، والضحية البنت البريئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ] ( رواه البخاري )، وقالت عائشة رضي الله عنه: [ يارسول الله، إن البكر تستحي، قال: رضاها صمتها ] ( رواه البخاري).

ما يؤخذ من الحديثين:

أن من الآباء من يزوج ابنته لمن لا ترغبه من أجل مطمع من مطامع الدنيا، وهذا الزواج غير صحيح شرعاً، لأن من شروط النكاح رضى الزوجين، وروي أن الخنساء ابنة حرام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ـ يعني أبطل ذلك الزواج ـ، لعدم رضا الزوجة بذلك.

ومعلوم لدى الناس أن أكثر الزيجات التي تكون عن عدم رضاً بين الزوجين أن مصيرها الفشل الدائم، فليتق الله الولي الذي ولاه الله تعالى هذه المسؤولية العظيمة أن يحرص كل الحرص في اختيار الزواج المناسب لبناته حتى يعشن في سعادة وهناء بعيدات عن التعاسة وضيق العيش وقلة الراحة.

فعموماً ! بالنسبة للثيب فإنه لا بد من إذنها في زواجها، والبكر يكفي سكوتها لأنها قد تستحي أن تقول: أنها موافقة على ذلك الزواج، لكن لا تجبر، فإن أجبرت حرم ذلك.

الثاني: الإغراء:

وهناك من الآباء من لا هم له إلا كم سيُدفع في ابنته، وماذا سيُقدم عند الخطبة وعند الزواج، ولا يهمه من هذا الذي سيدفع؟ أهو صالح أم طالح؟ ولا يعنيه هل ستعيش هذه البنت في سعادة أم تعاسة؟ وكم سمعنا عن زيجات باءت بالفشل، بل وقد وصل الأمر إلى تقاطع وتدابر بين الأسر، من جراء زواج ظالم من جبار متعنت من أجل حفنة من النقود.

واحرص أيها الأب على الزوج الصالح فهو الرفيق السمح، وهو الذي ستجد ابنتك عنده السعادة الحقيقة ـ بإذن الله ـ فإن أخذها ورضيها أكرمها ورفع منزلتها، وإن لم يرغبها أعادها لك معززة مكرمة، هذه هي أخلاق الصالحين، أما أخلاق الطالحين فعكس ذلك تماماً، فهي ما بين ضرب وركل، وشتم وقلة عقل، فانتبه أيها الموفق.

ولقد سئل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، عمن تقدم لها رجل وهو شارب للدخان وهي راضية به، وأبى أهلها أن يزوجوها، فقال: لهم ألا يزوجوها ممن يشرب الدخان لأن ذلك أمر محرم وقد يعيرون به بين الناس ـ أي أن الناس قد يقولون: زوجوا ابنتهم لرجل شارب للدخان ـ وعجباً للناس اليوم فقد تهاونوا في أمر الدخان تهاوناً عظيماً حتى أن بعضهم قد يُعده من الطيبات والعياذ بالله. ولا شك أن ذلك من الجهل المطبق، والغفلة المهلكة.

الثالث: العناد:

فمن الآباء من يعاند ويكابر لا لسبب مقنع أو مُرض إلا ليستبد برأيه، حتى لا يقال إن فلانة تزوجت بفلان وقد عارض الأب في بداية الأمر ثم ضغط عليه فوافق، ومنهم من يبغض فلاناً من الناس، فمن أجل ذلك لا يمكن أن يزوج ابنته من ولده، فأقول: نعم قد تكون تلك الأسرة سيئة السيرة فهذه لا يرغب في مصاهرتها عاقل، أما إذا كان الشاب مستقيماً ومتمسكاً بتعاليم دينه، وحسنة أخلاقه، وطيبة سيرته، فخسارة أن يفرط في مثله، بل الواجب عليك أن تسعى أنت أيها الأب لتزويجه من ابنتك، وتحرص على الوفاق والوئام بين الأسرتين حتى يتم هذا الزواج، واترك عنك وساوس الشيطان وأوهامه، واترك عنك الجهل ولعب الرجال بك، واختر لابنتك الرجل الكفء الذي تعيش معه سعيدة فرحة مستبشرة، وكلما رأتك تذكرت رحمتك لها واختيارك الزوج الصالح لها، فلا تكاد تراها إلا وهي داعية لك بالرحمة والمغفرة. واحرص من عكس ذلك.

الميراث:

لقد كانت المرأة في العصور الجاهلية القديمة تعد من سقط المتاع، بل هي من الميراث، فلا ميراث لها عند أولئك الكفرة الفجرة، أولئك الجهلة الظلمة، إلى أن جاء النور المحمدي الشريف من لدن رب العزة والجلال، فرفعت المرأة رأسها، وأشرفت على الناس أجمعين، شامخة أبية، فقد أنصفها الدين الإسلامي وجعلها مساوية للرجل، إلا فيما فضل الشارع الرجل عن المرأة، كالقوامة، وجعل الطلاق بيد الرجل، وجعل شهادة رجل واحد بشهادة امرأتين، ودية المرأة نصف دية الرجل، وهكذا نرى أن الإسلام حفظ للمرأة مكانتها، وصان عرضها وعفافها، فأعطيت جميع الحقوق، ومن ذلك الميراث، قال تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، فالمرأة في الميراث تأخذ نصف ميراث الرجل، لأن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق، وهو المكلف بجلب المهر للمرأة، أما المرأة فلا نفقة عليها للزوج، ولا مهر عليها، لذا كان نصيبها من الميراث نصف ما للرجل، وهذه حكمة عظيمة بالغة من لدن حكيم خبير، والمصيبة العظمى، والطامة التي لا مثيل لها عندما نجد بعض المسلمين ممن ينتسبون إلى هذا الدين، وهم يغالطون أنفسهم ببعدهم عن خالقهم، وتركهم لسنة نبيهم، وذلك بهضم حقوق المرأة في الميراث، وعدم إعطائها أياً من حقوقها جهلاً بحقوق المرأة التي حفظها الإسلام، وتساهلاً بأوامر الدين، التي أمر بها الشارع الكريم، فالمرأة لها من الميراث ما قضى به الشارع الكريم، فإما أن تكون بنتاً، أو أماً أو أختاً أو زوجة أو غير ذلك، فلكل واحدة نصيبها من الميراث وفق الشرع المطهر، ويحرم هضم حقوق المرأة من الميراث، أو كتابة الوصية للذكور دون الإناث، ويحرم إعطاء البنات جزءاً من أرض، وتخصيص الذكور بالأجزاء الكبيرة من الميراث، ولا ينبغي إشراك بعض البنات مع بعض إخوانهن لما في ذلك من ظلم وهضم لحقوقهن، بل الصواب في ذلك أنه لا وصية لوارث، كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإعطاء المرأة حقها من الميراث وفق الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، والحذر كل الحذر من ظلم الإناث، أو أكل حقوقهن، أو عضلهن، أو منعهن من الميراث، فكل ذلك حرام، لم تحله الشريعة الإسلامية، بل أبطلت مثل تلك العادات الجاهلية القديمة، وعلى الولي والأب أن يتق الله في نفسه، فهو قادم على ربه تبارك وتعالى، فلا يلقى ربه وعليه مظلمة لأحد من الناس، فكيف إذا كان المظلوم والمغبون والمغشوش هي البنت، التي أمر الإسلام بتوقيرها ، ورَفْعِ مكانتها، وإعْلاءِ شأنها، وحَرَّمَ ظُلمها، أو الاستهتار بها، أو أكْلِ حُقُوقِها، الميراث ياعباد الله لا يقسم عن جهل، وتعصب لأحد دون الآخر، فهذا من أعظم الظلم، ومن أشد أنواع الاعتراض على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يوزع الميراث إلا وفق ما جاءت به الآيات الكريمات، ووفق ما جاء في السنة المطهرة، قال تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلماء، أو المحاكم الشرعية، التي تحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتي لا يكون فيها محاباة لأحد دون أحد، أما أن يوزع الميراث عشوائياً، فهذا حرام لا يجوز، وصاحبه معاقب، ومأزور غير مأجور، فعلينا معاشر المسلمين أن نعتز بديننا ونفخر بشريعتنا، التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة مما يحتاجه المسلم والمسلمة في أمور دينه ودنياه إلا وبينته بياناً شافياً كافياً، فلله الحمد من قبل ومن بعد.

اليتيمة:

لقد ألحق النبي صلى الله عليه وسلم الضرر والحرج والهلاك على من ضيع حق اليتيم، بل وألحقه الإثم، لأن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الأيتام في آيات كثير من كتاب الله تعالى، حيث قال تعالى: { فأما اليتيم فلا تقهر } ( الضحى 9 ) يقول بن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: [ أي لا تسيء معاملة اليتيم، ولا يضيق صدرك عليه، ولا تنهره، بل أكرمه وأعطه ما تيسر واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك ]، وقال تعالى: { فذلك الذي يدع اليتيم { ( الماعون 2 ) يقول بن سعدي: [ أي يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه فهو كالحجارة أو أشد قسوة، ولأنه لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً ] ( تيسير الكريم الرحمن 5/414 –441 )، وقال صلى الله عليه وسلم: [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ] ( رواه أحمد وغيره بإسناد حسن ).

وقال صلى الله عليه وسلم: [ أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ] وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما، ( رواه البخاري ). ووالله إن شر البيوت البيت الذي يساء فيه إلى يتيم، وخير البيوت البيت الذي يحسن فيه إلى يتيم، وأخص بذلك اليتيمة لأنه لاحول لها ولا قوة إلا بالله تعالى، فاحذر يا مسكين أن تجعل لك خصماً يوم القيامة، فمن أجل ذلك فليحذر من تولى أمر يتيمة من عاقبة ظلمها أو تزويجها بغير رضاها، فإن ذلك إجحاف بها، وهضم لحقها، وتهاون بأمرها، وعدم اهتمام بحياتها، وكل ذلك من الظلم الذي لا يرضى عنه الله ولا رسوله ولا المؤمنين.

بل هناك من الناس من يحرم اليتيمة من الزواج لأكل مالها إن كانت صاحبة مال، أو يحرمها الزواج من أجل أكل مالها إن كانت صاحبة وظيفة، ومنهم من يجبرها على الزواج من أجل أكل مهرها، وكل ذلك من أكل المال الحرام، قال تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً } ( النساء10 ).

قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: { وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } ( النساء127 ) قالت: هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل، لعلها أن تكون شريكته في ماله، وهو أولى بها فيرغب أن ينكحها، فيعضلها لمالها، ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحد في مالها. ( رواه البخاري )، وقالت في هذه الآية: { ويستفتونك في النساء.. .. . } ( النساء 127 ) قالت: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب أن يتزوجها، ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك.

فيحرم على الولي أن يحرم اليتيمة من الزواج لأجل أكل مالها، وأن ذلك من الذنوب العظيمة التي تودي بصاحبها إلى النار.

ولقد عد النبي صلى الله عليه وسلم آكل مال اليتيم بالعذاب الأليم بقول الله تعالى في الآية التي سبقت، وعُد ذلك أيضاً من السبع الموبقات المهلكات التي تهلك صاحبها، وتورده نار جهنم والعياذ بالله، فقال عليه الصلاة والسلام: [ اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها: وأكل مال اليتيم ] ( متفق عليه ).

كلمة أخيرة:

أيها الآباء لا شك أن الشيطان عدو الإنسان وقد أشعل فتيل نار الحرب منذ القدم لغواية بني آدم، وكل الناس خطاء وخير الخطائين التوابون، وليس عيباً أن يخطئ المرء، ولكن العيب كل العيب أن تعرف الحقيقة ثم تغالط نفسك وتستمر في الخطأ، تعالياً وتكابراً من وسخ من أوساخ الدنيا، فإن حصل منك تعد وجور وظلم لمن ولاك الله أمرها فتدارك نفسك بتصحيح ذلك الخطأ قبل أن تندم ولا ينفعك الندم، وأحسن إلى وليتك ما دمت حياً لعل الله أن يقبل منك إحسانك إليها فيتجاوز عما فعلته بها من هدم لسعادتها وقتل لها وهي حية، وذك بتزويجك إياها من لا ترغبه، أو بمنعك إياها ممن ترغبه، فالحق بقطار التائبين ولندم على ما فعلته، واعزم على ألا تعود لمثل ذلك، واستحلل من أسأت إليها واطلب الصفح منها، ثم عُد إلى الله تعالى وأكثر من التوبة والاستغفار وأكثر من نوافل الأعمال، وتصدق على الفقراء والمساكين والأيتام، وادع الله تعالى ليل نهار، أن يتوب عليك ويمحو حوبتك ويقبل توبتك ويتجاوز عن سيئاتك فهو سبحانه قريب مجيب الدعاء ويفرح بتوبة عبده إذا تاب.

د.فالح العمره
03-04-2005, 01:57 PM
من يوقظ صواحب الحجرات؟
شادي الأيوبي






إذا كانت هناك فئات من المجتمع الإسلامي تنال حظاً دائماً من الإهمال والظلم الصامت فلا شك أن في مقدمتها المرأة المسلمة، تلك التي تقتلها رتابة الحياة اليومية بين تربية الأولاد وشؤون البيت وانتظار عودة الزوج من العمل والأشغال لتحظى منه بلحظات قليلة يطلع فيها على مجريات الأمور في غيابه، ويطمئن أن الأوضاع لا زالت تحت السيطرة.

ولا يهمنا هنا الإهمال في مسائل الخروج والنزهات والزيارات، فهي على أهميتها في الترويح عن النفوس وتجديد عهد المودة بين الطرفين لا تعدو أن تكون ضرراً قاصراً على أمور الدنيا المقدور عليها، لكن نقصد إهمال تربية وتوجيه النساء على أمور دينهن وتعليمهن إتقان العبادات وأسرار التوجه إلى الله، والتفقه في أمور الدين، فقلة قليلة من الرجال يهتمون باصطحاب نسائهم إلى المساجد للصلوات والاستماع إلى الدروس والمحاضرات المفيدة والضرورية، وأقل منهم من يهتم شخصياً بتعليم زوجته تلك الأمور ـ إن كان يعرفها أصلاً - وأقل منهم من يضحي بشيء من الوقت وتحمل المسؤوليات المنزلية ليساعد زوجته على التفرغ البسيط لأمور العلم الشرعي وغيره.

وإنك لتعجب أشد العجب عندما تسمع لرجال بلغوا من العمر عتياً، وهم من المواظبين على الصلوات في المساجد واستماع الدروس فيها، لتعجب منهم عندما يسألون أسئلة من البديهية والبساطة بحيث يعرفها المبتدئ في أمور العلم، مثل: موجبات الغسل ونحوه، وعلى الفور يطرح التساؤل التالي نفسه : إذا كان هذا حال الرجال الذين يستمعون للدروس والخطب والمواعظ يومياً، فكيف حال النساء القابعات في البيوت دون تعلم أو تدبر؟

وهل هناك اليوم من يجادل في أهمية العلم للمسلم والمسلمة أم هل هنالك من لا يدري أن الجهل من المصائب القاتلة للمرء في الدين والدنيا؟؟ "ربنا لا تجعل مصيبتنا في ديننا".

والاهتمام بمسائل العلم الشرعي يفتح جرحاً في أعماق النفس لما ترى من الإهمال والإعراض في هذا المجال، وتفضيل أي شيء على العلم والكتاب، أليس من الغريب أنك ترى المهاجرين يزورون بلادهم ويعودون منها محملين بأوزان من الحلويات والأطعمة المختلفة، ولا ترى في هذه المعمعة واحداً منهم يشتري كتاباً واحداً ليتعلم منه أمور دينه ودنياه ؟ أليس هذا تفضيلاً منا للبطون على العقول وللمتاع واللذة الزائلين على الخير والعلم والفهم ؟

والأنكى من ذلك أن الكثيرين منا استمرؤوا حياة الجهل، وألـفوا مصاحبة التراخي، وصاروا يكرهون الحركة والتعب، وطاب لهم النوم والخمول فصاروا كما وصفهم الشاعر :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

وفي هذه الظروف يعود المرء ليتساءل عن مصير الأسرة المسلمة، وأين يسير بها الرجال الذين جعلوا الدين آخر اهتماماتهم، والنساء اللواتي لا يفقهن من هذا الدين شيئاً؟

إن بلاد الغرب لتزخر اليوم بحالات كارثية نتيجة لإهمال العلم وإهمال الدين، فكم من الأبناء هجرهم آباؤهم وتركوهم لأمهات غير مسلمات أو مسلمات جاهلات، فكانت النتيجة أنك ترى "خالد " السكير و"عبد الله" المقامر و"فاطمة " التي تصحب صديقها إلى بيته والى أماكن اللهو هؤلاء ما كانوا إلا نتيجة طبيعية لإهمال التربية الإيمانية في البيوت وإهمال التوعية الدينية في المساجد وغيرها.

والمرأة المسلمة لا تزال اليوم وسوف تبقى صمام الأمان في البيت المسلم ،وسوف تبقى صاحبة الأثر الأكبر في تربية وتنشئة الأجيال، لذلك كان من الخطأ القاتل أن تهمل بهذا الشكل ،وأن تقصى عن أماكن العلم والتفقه بحجة الاهتمام بالبيوت أو بادعاءات منسوبة للدين تحرم على المرأة الخروج من بيتها ولو كان السبب طلب العلم والتعلم.

إن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان أكثر من نادى بمبادئ الرفق والرحمة بالنساء، وقال في ذلك أقوالاً بالغة الحكمة والجمال، وحسبك منها قوله: «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم» أو قوله: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» أو قوله: «رفقاً بالقوارير»، والناظر في سيرته - عليه الصلاة والسلام - ورفقه بنسائه حتى عند اجترائهن عليه يرى من ذلك العجب الذي لا يكاد أحد يفعل معشاره في أيامنا هذه.

ونحن اليوم نجد أن الكثير من الرجال قد أعمتهم الأثرة ،وقتلهم الإهمال، فلا هم يهتمون بتعليم نسائهم ولا بإشراكهن في وجوه الخير، ويعود المرء ينتظر الرجل المخلص الذي ينتظر أواخر الليل ليوقظ أهله عملاً بقول النبي - عليه الصلاة والسلام:

«من يوقظ صواحب الحجرات، فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة».

د.فالح العمره
03-04-2005, 02:04 PM
رأي علماء الإسلام في عقل المرأة
عزيز محمد أبو خلف






نبرز في هذه المقالة الحاجة إلى الاهتمام بقضية عقل المرأة باعتبارها أمراً يتعلق بالإنسان رجلا كان أو امرأة، وباعتبارها من قضايا المرأة التي تثار حولها الشبهات بسبب تعلقها بكيان الإسلام وامته. ثم نورد الحديث الذي يعتبر لب المشكلة واساسها، ونعرض وجهات النظر المختلفة حوله، ونلخص رأينا في الموضوع، ثم نورد آراء الائمة والعلماء القدامى الذين يمثلون تيارات عريضة وقطاعات واسعة ينتمي إليها أبناء هذه الأمة على مر العصور. وسوف نعرض في سلسلة متتابعة من المقالات لرأي العلماء المعاصرين على مختلف شرائحهم، والمفكرين والمفكرات، والدعاة والداعيات، في عقل المرأة وكذلك لرأي علماء غربيين.

أمر يثير العجب !
الحديث عن عقل المرأة مثير للعجب حقاً! فالذين يناقشون هذا الموضوع يتسترون على فرضية في أذهانهم، مفادها ان عقل الرجل لا اشكالية فيه، بل هو كامل مكمَّل. والحقيقة الصارخة ان عقل الإنسان برمته كان ولا يزال مثار بحث ونقاش وجدل لا ينتهي عند حد. وربما تجد المرأة العزاء والسلوى، بسبب امتهانها في عقلها، في هذه الحقيقة، وفي حقيقة ان الامتهان قد امتد ليصيب الإسلام في عقله كله بمن فيه وبما فيه. فالذين ينتقدون موقف الاسلام من عقل المرأة، ولا سيما من أبناء جلدته، قد بخسوه قدره في عقله كله، من حيث الأساس الذي يقوم عليه. فهم يرون ان التدوين الذي أصّل لحضارة الإسلام وفِكْره قد قام على لغة البداوة والأعراب، لغة الرمل والبعير، لغة الانفصال والربط؛ فالعقل مشتق من عقْل البعير وعِقاله، ومن ربْطه هو وغيره من البهائم التي يعايشها ذلك البدوي الجِلْف. ذلك ما يراه المثقفون العرب الذين يوجهون افواه البنادق والمدافع والصواريخ إلى هذا الدين من الداخل والخارج، من المفكرين والفلاسفة اتباع الحداثة وما قبلها وما بعدها.

نحن لا نبالغ إذا قلنا ان قضايا المرأة هي المسمار ما قبل الأخير في نعش هذه الأمة الميتة، ذلك ان آخر ما يتفكك من عُرى هذا الدين هو الصلاة. فبعد زوال سلطان الأمة السياسي، وتبعية اقتصادها للراسمالية، لم يتبق الا القضايا الاجتماعية والتي تتربع المرأة على سويداء قلبها. فإذا ما امتد التآكل وانتشر في نساء الأمة فهو إيذان بالخراب والانهيار للاسرة بأكملها. فالمرأة هي الام والزوجة والبنت والاخت والقريبة، ولك ان تدرك اثر كل هؤلاء في كيان البيت والمجتمع، من حيث الصلة، والوظيفة العامة. وربما يكون هذا هو النذير والمنبه لإعادة النظر في قضايا المرأة، واحياء ما مات من مفاهيمها القيمة، ونبذ ما تعمق من مفاهيمها البالية. وقضية عقل المرأة من أهم هذه القضايا التي يُثار حولها النقاش، ويعتبرها كثير من الناس أنها أساس التخلف والنظرة القاصرة للمرأة.

حديث ناقصات عقل ودين
هذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن، بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة، فقد روى مسلم في كتاب الإيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )‏يا‏ ‏مَعْشرَ‏ ‏النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن ‏الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن‏ ‏جَزْلة: ‏وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن،‏ ‏وتَكْفُرْنَ‏ ‏العشير، ‏وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي‏ ‏لبٍّ‏ ‏مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين(. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حقه.

ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة، وذلك في قوله تعالى: )(واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى)( البقرة 282.

ليس هناك إشكال كبير في ثبوت الحديث، فقد رُوي من طرق متعددة صحيحة وفي اكثر من كتاب، على الرغم من وجود من ينكر الحديث أو يضعفه أو يخجل من ذكره. يكمن الاختلاف في فهم الحديث وتباين النظرات إليه، بناءً على تفسيرات ونظريات متعددة. فنجد من يقبل الحديث قبولاً تاماً بمعناه الظاهر، ويحتج بحال المرأة في مختلف المجتمعات، وبانجازات الرجال العظيمة. وهناك من يستند إلى نظرية الممازحة باعتبار ان الحديث قد قيل في مناسبة عيد، وهناك من يعتمد نظرية العاطفة لكون المرأة تغلب عليها العواطف بعكس الرجال، ونجد من يعتبر ان الحديث يخبر عن واقع لا بد من تغييره. كما ان هناك من قصر نقصان العقل على الحالة التي وردت في الحديث، ولا يتعداها إلى غيرها.

رأينا في عقل المراة
لقد أوضحت رأيي في موضوع عقل المرأة في اكثر من مقالة على الإنترنت وفي الصحف والمجلات، وتجد في نهاية المقالة إشارة إلى بعض الروابط التي تعرض لهذا الرأي. ويتلخص رأينا في ان نقصان العقل ليس خاصاً بالمرأة، بل ويعم الرجل أيضاً، وذلك وفق نص الحديث ومدلوله، ووفق مفهوم العقل كما ينبغي ان يكون، وكما فهمه سلفنا الصالح في عهد النبوة ومن بعدهم، بعيداً عن تأثير الحضارات الاخرى. وليس أدل على ذلك من ان القرآن الكريم قد وصف الكفار بأنهم لا عقول لهم أو ان أكثرهم كذلك. وهؤلاء فيهم العظماء والعباقرة وعِلْية القوم، أي ان فيهم الرجال والنساء على حد سواء. ولا يتسع المقام هنا لمزيد من التفصيل، وسوف نشير إلى شيء من ذلك بعد الانتهاء من عرض مختلف الآراء في الموضوع في المقالات اللاحقة، كما سنفصل الموضوع برمته في كتاب عن عقل المرأة في طور الإعداد ان شاء الله تعالى.

آراء العلماء في عقل المرأة
سنعرض في الفقرات التالية لآراء العلماء من أئمة الدين من السلف، وسوف نقتصر في هذه المقالة على آراء العلماء السابقين، ثم نعرض في مقالة أخرى لآراء العلماء المعاصرين والجماعات الإسلامية والمفكرين وبعض الدعاة، ونعرض في مقالة لاحقة لآراء المفكرات والداعيات الاسلاميات المعاصرات، وسوف نرى إن كنّ أتين بجديد في هذا الموضوع أم أنهن تبعن آراء الرجال وحسب.

ابن حزم

• يلزم القائل بظاهر الحديث ان يكون أتم عقلاً وديناً من مريم وأم موسى وعائشة وفاطمة. والقول بغير هذا يعني ان من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من النساء.

• نقصان العقل والدين يقتصر فقط على الشهادة والحيض، ولا يتعداهما إلى غيرهما.

• هذا النقصان لا يوجب نقصان الفضل، فنساء النبي وبناته افضل ديناً ومنزلة عند الله من كل تابعي، ومن كل رجل يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة.

ابن تيمية

لخص ابن القيم رأي شيخه ابن تيمية في عقل المرأة وشهادتها كما يلي: قوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط. وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل). فبين أن شطر شهادتين إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه. فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه على نصف رجل. وما يُقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها، من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب. فإن مثل هذا لا يُنسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة.

واضاف إليه ابن القيم: ان شهادة الرجل الواحد أقوى من شهادة المرأتين، لأن النساء يتعذر غالباً حضورهن مجالس الحكام، وحفظهن وضبطهن دون حفظ الرجال وضبطهم.

النووي

اللب هو العقل، والمراد كمال العقل، ونقصان العقل أي علامة نقصانه. وهو تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه، أي قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، ويعني أنهن قليلات الضبط.

ابن حجر

قال في معرض شرحه لسؤال النساء: (وما نقصان ديننا وعقلنا؟)، كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه. ونفس السؤال دال على النقصان، لأنهن سلَّمن ما نُسب إليهن من الإكثار والكفران والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات عقل. وما ألطف ما أجابهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم، وخاطبهن على قدر عقولهن. وأشار بقوله (نصف شهادة الرجل) إلى قوله تعالى (فرجل وامرأتان)، لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها، وهو مشعر بنقص عقلها. وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك، لأنه من اصل الخِلقة، لكن التنبيه على ذلك خوفاً من الافتتان بهن. ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص.

د.فالح العمره
03-04-2005, 02:09 PM
العمل المختلط والمجتمع، من يتجاوز الآخر؟!
عبد الله الحماد






تحتل مسألة الاختلاط بين الجنسين موقعاً بارزاً من مساحة قضية المرأة، وإذا صح كون المرأة نصف المجتمع، وصنوها الرجل النصف الآخر؛ فالقضية اجتماعية من الدرجة الأولى.

كانت مسألة الحجاب والاختلاط، أولى قضايا المرأة في العالم الإسلامي، التي قوبلت برأيين متباينين، حمل لواءهما تياران بارزان: أحدهما مدافع عن الحجاب، رافض للاختلاط. وهو رأي سواد المجتمع الأعظم، الذي قاده العلماء والمصلحون، بدافع أنها قضية شرعية تمس إحدى مقاصد التشريع الإسلامي وهي: حفظ الفضيلة والعرض.

أما التيار الثاني: فقد عرف بمهاجمة الحجاب، والدعوة للاختلاط. وهو رأي نخب التغريب الذي صنع على أعين الغرب المستعمر، بدعوى أنها - أي خلع الحجاب، وفتح الاختلاط - سمة التحرر الذي لا بد للأمة أن تتلبسها كي تصل إلى تحررها المنشود!

اليوم ومع مرور قرابة القرن على نشوء الدولة الحديثة، الدولة القطرية المجتزءة من الكيان الإسلامي القديم، تغير المشهد الاجتماعي بشكل كبير، مع ما تلا ذلك أو سبقه من تغير للأفكار والمفاهيم، فنسبة المحافظة والانفتاح إلى المجتمعات تتفاوت حجماً ومضموناً، إلا أن سمة المجتمع المسلم (المحافظ) مازالت بارزة حتى في أشد الدول التي سعت حكوماتها إلى نزع هوية المجتمع أو تفريغها من محتواها.

أما المجتمعات المحافظة في الدول التي ترفع شعار الإسلام الشامل، فإن الاختلاط يتخطف مسيرة نموها وتطورها بطريقة أقل ما يقال عنها أنها لا تحمل قدراً من الاتفاق المشترك بين أطياف المجتمع المتنوعة، وتظهر بجلاء في قضيتي التعليم والعمل.

هنا ستكون قضية عمل المرأة المختلط هي محور التحليل والتأمل؛ حيث أصبح - في ظل المشروع التغريبي المعلن والمتمثل في دعوات (الإصلاح) و(التغيير) كمشروع الشرق الأوسط الموسع، واتفاقيات التجارة الحرة والمشتركة، وتقرير الإسلام الديمقراطي المدني، وغيرها - أصبح الموقف من العمل المختلط يتماهى من قبل المعنيين به دون رؤية واضحة لتبعاته ومآلاته، فشعار التنمية والإصلاح في عالم الاقتصاد العولمي الرأسمالي، أضحى خلاصاً متوهماً تسعى إليه الحكومات، عن قناعة أو مجبرة، محفوفة بإطراء النخب الثقافية التي قنعت بحتمية الحل المستورد، أو بتثريب النخب الثقافية والاجتماعية التي مازالت ترفع شعار الحل من الداخل و(الإسلام هو الحل) دون أن تسعى ليكون هناك حل شاخص على أرض الواقع.

فصاحب الرأي والقرار المسؤول عن فتح مجالات العمل المختلط، تكتنف خطواته تبريراتٌ، الواقعي منها يصب في خانة الحاجي والكمالي بالنسبة للمجتمع والفرد، مع استثناء صور العمل المختلط المتفق على ضرورتها لدى العقلاء، لا لذاتها بقدر ما هو ضرورة بسب تراكم عقود من غياب خطط العمل والتوظيف المراعية لمسألة خصوصية المجتمع المسلم وغاية اجتماعه، وذلك بسبب التقصير المتبادل بين مؤسسات المجتمع المنوط بها قيادة مسيرة المجتمع، دون إقصاء من أحد الأطراف، الناجم عن تعارض الرؤى والأفكار، والمؤسس بالتالي للعلمنة الجزئية، بقصد أو دون قصد، بسبب التقسيمات الوافدة بين مهام السياسي والاقتصادي والشرعي والاجتماعي، التي هي في الأصل تصب في مجرى واحد، ويكمل بعضها بعضاً وفق التصور الإسلامي.

بعد سنين من الدراسة المماثلة لمدة دراسة الرجل تقف الفتاة على أبواب التخرج حائرة في ما تستقبل من أيام، فهمّ الزواج في صميم تفكيرها، ورغبة جني ثمار ما قضت من جد واجتهاد في الدراسة ماثلة أمامها، لم تعد كما السابق فكرة التدريس الغاية والوسيلة للحصول على وضيفة معلمة، ففرص العمل في مجال التدريس أصبحت لا تتناسب مع مخرجات التعليم كماً ومضموناً، فضلاً عن التغريبة التعليمية التي لابد أن تضطر إليها معلمة اليوم حتى تحين فرصة لنقلها والعودة إلى مدينتها.

خريجة اليوم تتخاطفها إعلانات الدورات التدريبية التكميلية لِما قصرت عنه جامعتها أو معهدها، وهذه الدورات تؤهلها لتحل في إحدى وظائف السكرتاريا الشاغرة في العديد من القطاعات الخاصة أو غيرها من الوظائف المكتبية في القطاعات العامة.

غياب الأرقام والإحصاءات يمنع عن المراقب حقيقة ما يجري لتلك الفئة من الفتيات، فعلى مستوى الحالات الفردية وخلال السنوات الثلاث الماضية، عرفتُ الكثير منهن تركن هذه الوظائف بقناعات بعضها ذاتي أو اجتماعي معلن، والآخر أخفاه الحياء والخجل، لم تكن قضية (التحرش) الغائبة عن لوائح إدارة شؤون الموظفين، أو طول مدة الدوام التي تصل إلى حد العشر ساعات يومية.. إلا بعض المنفرات الطبيعية لكل فتاة تعيش في مجتمع محافظ أريد لها تجاوزه زعماً بانقياده وتسليمه مع مرور الزمن لأرض الواقع.

الواقع الماثل أمامنا اليوم يوحي بأن معادلة تجاوز المجتمع بسن التشريعات والقوانين المناهضة لصميم تكوينه، خرج عنها ناتج عكسي لما هو متخيل من رضوخ المجتمع، إذ بدأ هو بالتجاوز! فضلاً عن القناعات الجمعية الرافضة لكل تغيير تشوبه يد (الخارج) أو إرضائه، فكل رضا أو تشجيع يصدر من الغرب تجاه تغيير في مجتمعنا وفي المرأة خصوصاً، يقابل فيه المجتمع هذا المديح بذم الممدوح! وهذا الموقف وحده كفيل بأن يجعل المجتمع يسير متجاوزاً من أراد تجاوزه، آي ذلك صور من القناعات المسلمة جعلت تنظر لتلك المرأة العاملة في مجال مختلط وتعيد النظر في وضعها وكأنها على مفترق طرق، فالخاطب لن يأتي مثلاً وإن أتى وسأل عن العمل تراجع، هذه الفكرة مع ما تراه من زميلات لها في العمل هي تصفهن بالعوانس، تجعلها تدرك أنها إما أن تكمل مسيرها في العمل أو تعود للمجتمع، فالفرد لا يمكنه أن يتجاوز المجتمع، والمجتمع لا يرحم أحدا!

من الصعب أن ينقاد مجتمع محافظ لتجاوزه ويسلم له بسهولة، وإن حصل ذلك بعد مدة لا يعلم كم تطول، فإن الضحية - في مدة التجافي بين المجتمع العمل المختلط - هي المرأة صاحبة القضية، وحالات النجاح الفردية لا يمكن تعميمها لخصوصية الفردي التي لا تتوافق مع طبيعة الجماعي.

مازال هناك وقت لتدارك ما يحصل في بعض المجتمعات المحافظة، فالتنمية والتطوير لكل مجتمع لا بد أن تكون شاملة متكاملة، فالمسألة جزء من قضية مجتمع، شرطها إعادة النظر في ما يطرح في المسألة النسائية وإعادة ترتيب الأدوار الاجتماعية وفق التشريع الإسلامي كحقيقة لا شعار.

مواضيع ذات صلة:

· هل يؤثر الاختلاط على التحصيل العلمي والابتكار؟

· الرافعي يؤيد مطالبي منع الاختلاط بالجامعة المصرية

· هكذا بدأ الاختلاط.

· المرأة بين التحرير والتغرير

· مجال عمل المرأة في الإسلام.

· قضية أن تكون المرأة أجيرة.

د.فالح العمره
03-04-2005, 02:13 PM
الدور السياسي والاجتماعي والديني للمرأة المسلمة
علاء بيومي






ظروف الحياة في المجتمعات الغربية فرضت أعباء متزايدة على الأسرة المسلمة والعربية، وخاصة على المرأة المسلمة التي بات عليها القيام بعدد من الأدوار التربوية والاجتماعية المتزايدة لمواجهة ما تتعرض له أسرتها من ضغوط وتحديات، وعلى رأس هذه الضغوط عمل الآباء لساعات طويلة بالمجتمعات الغربية وغياب الأسرة الممتدة وغياب شبكات العلاقات الأسرية والاجتماعية الواسعة والوثيقة، وكذلك زيادة الضغوط المجتمعية والثقافية على الأسرة المسلمة والعربية بعد أحداث سبتمبر 2001، هذا إضافة إلى نقص المؤسسات القائمة على رعاية النشء المسلم والعربي دينيا وثقافيا، وأخيرا حاجة الأسرة المسلمة والعربية إلى تنشئة أطفالها بأسلوب جديد قادر على حماية قيمهم المسلمة والعربية وعلى الانفتاح المتوازن على قيم الثقافة الغربية الإيجابية.

وفي مواجهة هذه التحديات كان لزاما على المرأة والأم المسلمة والعربية بالولايات المتحدة أن تنشط للقيام بعدد متزايد من الأدوار والمهام لمساعدة نفسها وأسرتها على مواجهة تحديات الحياة في المجتمع الأمريكي، كما علت الدعوات الفردية والجماعية من داخل التجمعات المسلمة أنفسها مطالبة بدور أكبر للمرأة المسلمة، وكذلك ظهرت دراسات مختلفة ومنظمات مسلمة أمريكية معنية بدراسة قضايا المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية بهدف تقييمها ومساندتها.

وفي ضوء هذه الظروف أصبح من الضروري الوقوف على إجابة عدد من الأسئلة المهمة المتعلقة بحجم الدور الذي تلعبه المرأة المسلمة في الحياة السياسية والاجتماعية والدينية للمسلمين بالولايات المتحدة، وكذلك التساؤل حول ما إذا كان هناك فروق واضحة بين مستوى نشاط المرأة والرجل؟ وما هي الأسباب العامة التي قد تفسر قوة أو ضعف مشاركة المرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة المسلمين بالمجتمع الأمريكي؟

المقال الحالي يسعى إلى الإجابة على الأسئلة السابقة مستعينا بأحدث استطلاع لتوجهات المسلمين الأمريكيين نحو قضية المشاركة في الحياة العامة الأمريكية والذي أجراه مركز أبحاث مسلم أمريكي يعرف باسم (maps) تابع لجامعة جورج تاون الأمريكية في شهري أغسطس وسبتمبر من العام الحالي.

وقد شمل الاستطلاع عينة من 1846 مسلما مقيما في الولايات المتحدة من بينهم 1074 رجلا ( 58%) و772 امرأة (42%)، كما يشير الاستطلاع إلى أن 36 % من المشاركين فيه هم من المولودين في الولايات المتحدة والبقية من المهاجرين، و82% منهم على الأقل يحملون الجنسية الأمريكية، و59% منهم يحملون شهادات جامعية، و70% منهم من المتزوجين، وتزيد دخول نصفهم تقريبا على خمسين ألف دولار أمريكي سنويا، كما أنهم موزعين على الأعراق المسلمة المختلفة كالعرب (26%) والأفارقة الأمريكيين (20%) والجنوب آسيويين (34%).

(أ) التصويت في الانتخابات
فيما يتعلق بمستوى مشاركة المرأة المسلمة في الحياة السياسية لم يكشف الاستطلاع عن وجود فروق واضحة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالتسجيل في السجلات الانتخابية الأمريكية (82% من المشاركين في الاستطلاع) أو الرغبة في التصويت في الانتخابات (95%)، أو التأثر بالهوية المسلمة عند التصويت (69%)، أو الانتماء لإيديولوجية سياسية معينة (كالليبرالية أو التيار المحافظ).

ولكن الاستطلاع أظهر أن أصوات النساء أكثر تأثرا بالقضايا الداخلية (46%) مقارنة بالرجال (42%) ومقارنة بالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (44%)، كما أن أصوات الناخبات المسلمات أقل تأثرا بقضايا السياسية الخارجية (35%) مقارنة بالرجال (42%).

(ب) القيام بأنشطة سياسية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين مستويات مشاركة الرجال والنساء في الأحزاب السياسية (24%) أو في التبرع للحملات الانتخابية (35%) أو في المشاركة في المظاهرات (46%) أو في الكتابة إلى الإعلام والسياسيين (54%).

ولكن النساء بدين أقل نشاطا فيما يتعلق بزيارة المواقع الإلكترونية السياسية للتعرف على مواقف المرشحين (37%) مقارنة بالرجال (44%) وبالمتوسط العام لمسلمي أمريكا (41%).

(ج) تشجيع المشاركة السياسية

أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحمسا لتشجيع الجيل الراهن من مسلمي أمريكا على المشاركة في الحياة السياسية (48%) مقارنة بالرجال (57%) وبالمتوسط العام (53%)، وعلى الخط نفسه أظهر الاستطلاع أن النساء أقل تحفزا لتشجيع مشاركة الجيل القادم (أبنائهن) في الحياة السياسية (56%) مقارنة بالرجال (60%) وبالمتوسط العام (58%).

(د) متابعة الشؤون السياسية والحكومية

لم يعثر الاستطلاع على فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاهتمام بمناقشة قضايا السياسة مع الأسر والأصدقاء (86%)، ولكن الاستطلاع أظهر أن النساء أقل متابعة للشئون العامة والحكومية بشكل دءوب (59%) مقارنة بالرجال (67%) وبالمتوسط العام (64%).

(هـ) تشجيع وحدة مسلمي أمريكا السياسية

تتساوى النساء مع الرجال فيما يتعلق بمستوى مساندتهم لأجندة منظمات مسلمي أمريكا السياسية (81%) وتأثرهم بتأييد هذه المؤسسات لأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية (69%)، ولكن النساء بدين أقل تأييدا لمبدأ تصويت المسلمين ككتلة انتخابية واحدة في انتخابات الرئاسة (50%) مقارنة بالرجال (56%) وبالمتوسط العام (53%).

(أ) المشاركة الفعلية في مؤسسات المجتمع المدني:

لا توجد فروق واضحة بين مستوى مشاركة النساء والرجال في عدد من الأنشطة المدنية والاجتماعية، مثل التبرع بالمال والوقت لمساندة المنظمات الفنية والثقافية (42%)، والنشاط في المساجد والمؤسسات الدينية (71%)، ومساندة المؤسسات العرقية والإثنية (35%)، والمشاركة في عمل المنظمات السياسية والمنظمات المعنية بالشؤون العامة (30%).

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر مشاركة في أنشطة المنظمات الخيرية المتخصصة في مجـال مساعـدة المرضى والفقـراء وكبــار السن (79%) مقارنة بالرجـال (72%) وبالمتوسط العام (75%)، وهن أيضا أكثر تبرعا بأوقاتهن لخدمة المدارس المسلمة وبرامج رعاية الشباب (24%) مقارنة بالرجال (21%) وبالمتوسط العام (22%)، في حين أن النساء أقل تبرعا بالأموال للمدارس المسلمة ولبرامج رعاية الشباب (8%) مقارنة بالرجال (10%) وبالمتوسط العام (9%).

ولكن تبدو النساء أقل مشاركة في منظمات المجتمع المدني (43%) مقارنة بالرجال (49%) وبالمتوسط العام (45%)، وأقل مشاركة في أنشطة المنظمات المهنية (كالنقابات) (42%) مقارنة بالرجال (47%) وبالمتوسط العام (45%)، كما إنهن أقل تبرعا بأوقاتهن أو بأموالهن لخدمة اتحادات التجارة والعمال (13%) مقارنة بالرجال (18%) وبالمتوسط العام (17%).

(ب) التوجه نحو المشاركة في المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بالاستعداد للمشاركة في مختلف المؤسسات المدنية والخيرية غير المسلمة الموجودة بالمجتمع الأمريكية مثل منظمات الخدمات الاجتماعية (97%) والمؤسسات السياسية (95%)، وأنشطة الحوار بين أبناء الأديان المختلفة (90%) ومسـاندة المرشحيـن السياسييـن غير المسلميـن ماليا (87%) والمطالبة بدور أكبر للدين وللقيم الاجتماعية في الحياة العامة الأمريكية (85%).

وإن كان الرجال – كما يوضح الاستطلاع – يبدون أكثر تحمسا مقارنة بالنساء فيما يتعلق بالمشاركة في مؤسسات الخدمات الاجتماعية والمؤسسات السياسية ومساندة المرشحين السياسيين المعتدلين.

(ج) التوجه نحو عدد هام من السياسات الاجتماعية الداخلية

لا توجد فروق واضحة بين النساء والرجال فيما يتعلق بمواقفهن تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الداخلية الهامة وعلى رأسها توفير الرعاية الصحية للجميع (96%)، ومكافحة التصنيف العنصري (95%)، وزيادة الدعم لأنشطة ما بعد انتهاء اليوم الدراسي التعليمية (94%)، وتشديد قوانين حماية البيئة (94%)، وزيادة الدعم للفقراء (92%)، وزيادة الإعفاءات الضريبية على الدخول (65%)، ومعارضة الاعتراف القانوني بزواج المثليين جنسيا (79%).

على الجانب الأخر تبدو النساء أكثر دعما لعدد من السياسات الاجتماعية مقارنة بالرجال وعلى رأس هذه السياسات تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة (85% للنساء – 78% للرجال)، وحظر بيع وعرض المواد الإباحية (79%-74%)، ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب (66%-71%)، ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق (82%-79%).

في حين يبدي الرجال مواقف أكثر تأييدا مقارنة بمواقف النساء تجاه عدد من السياسات الاجتماعية الهامة وعلى رأسها إقرار عقوبة الإعدام على المتهمين بالقتل (66%-54%)، وتشديد قوانين حظر الإجهاض (57%-53%)، ودعم أبحاث الاستنساخ (34%-21%).

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن النساء أكثر مواظبة على أداء الصلوات الخمس (54%) مقارنة بالرجال (45%) وبالمتوسط العام (49%)، وإلى أن النساء يشعرن بأن الدين الإسلامي يلعب دورا شديد الأهمية في حياتهن اليومية بنسبة (85%) أكبر من الرجال (79%) ومن المتوسط العام 82%، كما تشارك النساء الرجال في إدارة الأنشطة التي تقوم بها المساجد بعد الصلوات، ويبلغ المتوسط العام لمشاركة المسلمين في هذه الأنشطة 43%، كما تمتلك النساء نظرة أكثر إيجابية لقيادات المساجد الدينية (66%) مقارنة بالرجال (58%) ومقارنة بالمتوسط العام (61%).

ولكن على النقيض يقل حضور النساء للمساجد بشكل منتظم (مرة واحدة أسبوعيا على الأقل) بدرجة ملحوظة (42%) مقارنة بالرجال (63%) وبالمتوسط العام (54%).

وفقا لمؤشرات مختلفة تبدو النساء المسلمات أكثر تضررا من التبعات السلبية لأحداث سبتمبر 2001 على حقوق وحريات مسلمي أمريكا، كما تبدو المرآة المسلمة أكثر رفضا لسياسات الإدارة الأمريكية بعد تلك الأحداث كما تبدو النساء أيضا أكثر استياء من موقف المجتمع الأمريكي العام نحو الإسلام والمسلمين.

إذ تشعر 66% من النساء المسلمات بعدم الرضا العام عما يدور بالمجتمع الأمريكي مقارنة بنسبة 62% من الرجال، كما ترى 42% من النساء أن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي حرب على الإسلام في حين لا يوافق على هذا الرأي سوى 36% من الرجال ونسبة 38% في المتوسط العام، كما تعارض 60% من النساء الحرب على أفغانستان مقارنة بنسبة 48% من الرجال وبنسبة 53% في المتوسط العام، وترى 12% فقط من النساء أن مكاسب الحرب على العراق تتناسب مع خسائرها مقارنة بنسبة 18% من الرجال.

فيما يتعلق بالتمييز ضد المسلمين ذكرت نسبة أكبر من النساء (64%) مقارنة بالرجال (52%) أنهن يعرفن أصدقاء وأسر تعرضوا للتمييز بعد أحداث سبتمبر، وعلى نفس الخط تقل نسبة النساء اللاتي يعتقدن بأن الأمريكيين يحترمون المسلمين ويتعاملون معهم باحترام لتصل إلى 27% مقارنة بنسبة 36% لدى الرجال.

الإحصاءات السابقة تشير إلى عدد من الحقائق الهامة المتعلقة بمستوى وأسباب مشاركة المرأة المسلمة في الجوانب المختلفة من حياة المجتمعات المسلمة بالولايات المتحدة، وعلى رأس هذه الحقائق ما يلي:

أولا: المرأة المسلمة في الولايات المتحدة هي شريك واضح للرجل ولا توجد فروق واضحة بينهما في العديد من مظاهر المشاركة في الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية، فهما يعانيان معا من نفس أسباب القصور ويتساويان إلى حد كبير في مظاهر المشاركة الإيجابية.

ثانيا: المرأة المسلمة أكثر تمسكا بتعاليم الإسلام مقارنة بالرجل كما أنها أكثر شعورا بما يتعرض له الإسلام والمسلمون من تشويه وتمييز مقارنة بالرجل، وربما يفسر هذا ميل المرأة المسلمة الواضح مقارنة بالرجل إلى التركيز على قضايا الداخل مقارنة بقضايا السياسة الخارجية، كما تميل المرأة المسلمة لدعم السياسات الاجتماعية ذات الطبيعة الليبرالية، وعلى رأسها تشديد قوانين حظر بيع الأسلحة ومعارضة تشديد قوانين مكافحة الإرهاب ومعارضة إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين إلى الحروب.

ثالثا: المرآة المسلمة أقل مشاركة مقارنة بالرجل في مؤسسات المجتمع الأمريكي غير المسلمة، خاصة السياسية والمهنية منها، كما أنها لا تذهب إلى المساجد بنفس نسبة ذهاب الرجل وتفتقد للقدرات المالية التي يمتلكها الرجل، ولكنها في نفس الوقت تشارك بدرجة متساوية في إدارة أنشطة وبرامج المساجد خاصة البرامج المتعلقة بتربية النشء والشباب، وهي أيضا أكثر قدرة على التبرع بوقتها وأكثر مشاركة في الأنشطة ذات الطبيعة الاجتماعية والتعليمية الخيرية.

رابعا: تبرز النتائج السابقة الحاجة إلى تشجيع المرأة المسلمة على القيام بعدد من الأدوار الهامة التي تعاني من القصور فيها وعلى رأسها توعية المرأة المسلمة بأهمية المشاركة السياسية وبأهمية أن تقوم الأم والمرأة المسلمة بتشجيع أسرتها على المشاركة في الحياة السياسية وفي الحياة العامة الأمريكية، فعدم تحفز المرأة المسلمة على القيام بهذه المهمة – والذي كشف عنه الاستطلاع – يمثل مصدرا للقلق، خاصة في حالة تزايد عدم تحفز المرأة المسلمة لقضية المشاركة السياسية وتأثير هذه الظاهرة على الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين.

هناك أيضا حاجة لتشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي غير المسلمة، ويمكن القول بأن هناك فرصة كبيرة لتشجيع مشاركة المرأة المسلمة في عدد من هذه المؤسسات خاصة المؤسسات المعنية بتربية النشء ومساعدة الأسر المهاجرة ومساندة الأقليات.

يجب أيضا تشجيع المرأة المسلمة على المشاركة في الحياة الدينية للمسلمين الأمريكيين خاصة فيما يتعلق بتشجيع المرأة المسلمة على زيارة المساجد وحضور الدروس الدينية والتعلم وتعليم أبنائها، ويجب هنا الإشارة إلى الدور المتزايد الذي تلعبه الأم المسلمة كمصدر أول لتربية أطفالها تربية إسلامية صحيحة، فالأم بطبيعتها تمثل مدرسة أسرتها وأطفالها الأولى، كما أن الأسر المسلمة المقيمة في الغرب تفتقر للمؤسسات والبيئة الإسلامية الكافية التي قد تساعد على تربية النشء، الأمر الذي يزيد من الدور المفترض أن تقوم به الأم المسلمة في هذا المجال.

بقى لنا أن نشير إلى أن التوجه العام في الأوساط المسلمة الأمريكية في الوقت الراهن يدفع باتجاه تشجع مشاركة المرآة المسلمة بشكل أكثر فعالية وكثافة في مختلف أوجه حياة المسلمين الأمريكيين، ويبدو أن النساء المسلمات قطعن شوطا كبيرا على طريق المشاركة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يجعلنا نتوقع أن يشهد المستقبل القريب مشاركة أكبر للمرأة المسلمة في مختلف أوجه حياة مسلمي أمريكا بشكل قد يفوق الرجل على مستويات عديدة.



--------------------------------------------------------------------------------

*مدير الشؤون العربية بكير.

د.فالح العمره
03-04-2005, 02:15 PM
تلبيس مردود عن المرأة في الإسلام
صالح بن عبد الله بن حميد






وصلتني أسئلة* من أحد المراكز الإسلامية في بلاد الغرب أثارتها مؤسسة صليبية تنصيرية تسمي نفسها ((الآباء البيض)).

وحينما اطَّلعت عليها ما وسعني إلا القيام بالإجابة عليها.

وطبيعة الأسئلة وما يقرأ فيها مما بين السطور في الظروف التي تعيشها التوجهات الإسلامية في أوساط الشباب وغير الشباب أشعرتني بلزوم الإجابة.

كما أن هذا التوجه الكنسي في إثارة هذه الأسئلة وأمثالها له أبعاد لا تخفى وحلقة في سلسلة لا تنقطع يدركها القارئ للتاريخ والمعايش للتحركات النصرانية والتطويرات المتسارعة لجهودهم وتنوع أساليب هجومهم على الأصعدة كافة.

فاستعين بالله الكريم رب العرش العظيم على ذلك نصرة لدين الله وغيرة على أهل الإسلام وجهاداً بالقلم واللسان إن شاء الله.

الـمـرأة والتلبيس المردود

الـمـيـراث

الـطـلاق

الحضانةتعدد الزوجات

1- هذه الأسئلة لم تكن وليدة الساعة ولكنها أسئلة وشُبَهٌ قديمة قِدَمَ الهجوم على الإسلام.

وإن المطلع عليها وعلى أمثالها مما هو مبثوث هنا يدرك أن واضعيها على مختلف إعصارهم وأغراضهم لا يريدون الجواب ولا يقصدون تلمس الحق ولكنهم يلقونها في وسط ضجيج كبير يثيرونه في عمق المجتمع وفي ساحاته الفكرية ثم ينطقون بسرعة خاطفة وقد وضعوا أصابعهم في آذانهم خوفاً من أن يسمعوا أو يدركوا جواباً سليماً. فكأن مبتغاهم إلقاء متفجرات موقوتة في أشد الساحات ازدحاماً ثم يفرون على عجل قبل أن تنفجر فيصيبهم شيء من شظاياها.

2- كم هو جميل أن يتفق على مُسلَّمات بين المتحاورين ليكون منها المنطلق وإليها المردّ.

ولكن إحساس الباحث أن المقصد من وراء إثارة هذه الأسئلة هو التشكيك وزرع الشبه بل من أجل استعداء الآخرين باسم الانتصار للمرأة ومحاربة التفرقة العنصرية والدندنة حول المساواة وحقوق الإنسان وغير ذلك من الدعاوي العريضة وأنت خبير بأنها مبادئ بل دعاوي لها بريقها عند المستضعفين والمغلوب على أمرهم ولكنها عند التحقيق والتدقيق سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً بل يجد كبيراً مستكبراً يحتضن صغيراً محقوراً يربّت على كتفه ليأكله حالاً أو يحتفظ به ليسمن رقيقة من القانون والمدنية أفرزتها التقنية المعاصرة في جملة ما أفرزته.

3- عند الحوار يجب أن يتقرر النموذج الأمثل الذي ينبغي أن يحتذى ليكون مرجعاً في التمثيل وهدفاً يسعى إلى بلوغه.

وحيث إن هذه الأسئلة صدرت من مؤسسة تنصيرية اسمها (( الآباء البيض )) فهل تريد هذه المؤسسة أن تكون المبادئ النصرانية هي النموذج المحتذى به ؟ لا أظن ذلك لأن الجميع من النصارى وغيرهم يعلم واقع النصرانية من خلال كتابها المقدس ومن خلال ممارسات البابوات والرهبان في الماضي والحاضر، وفي ثنايا إجاباتي هذه قد أُلمح إلى نموذج من الانحرافات النصرانية والكنيسة.

وإن كانت اليهودية هي الأنموذج فحقيقة النصرانية وبابواتها وأحبارها ومراجعها يرون أن اليهودية محرفة وغير صالحة.

أما إذا كان الأنموذج هو الحضارة الغربية المعاصرة فما شأن البابوات وأتباعهم بها ؟ وإن كانوا معجبين بها وعندهم قناعة ليعرضوها على الناس ويدعوهم إليها فهذه تبعية مخجلة لأن هذه الحضارة – كما يعلم القاصي والداني – من أهم الأسباب المقررة في ازدهارها بُعْدُها عن الكنيسة ورجالاتها وقد شردت هاربة منها هروباً لا رجوع بعده إلا إذا أرادت هذه الحضارة أن تنتكس في رجعية القرون الوسطى كما يقولون.

أما الكاتب هنا فلا يرى نموذج هذه الحضارة صالحاً ليكون المحتذى إذ أن فيه انحرافاً ظاهراً وبؤساً على البشرية يحيط العالم بسببه خوف وإرهاب وتوتر وقلق يوشك أن ينتهي إلى تدمير حقيقي شامل يعم الحضارة وصنَّاعها. وفيه غير الانحراف مبادئ جوفاء من حقوق الإنسان والمساواة لا واقع لها وإن كان لها شيء من الواقعية فهو مختص بالرجل الأبيض أما من عداه فليس إلا. .. قانون الغاب أو مبدأ (( الغاية تبرر الوسيلة )).

وبهذا يتقرر – مع الأسف – أنه ليس ثمة أرضية مشتركة أرضية مشتركة مقنعة ننطلق منها لنصل إلى نتيجة مقنعة.

4- جميع الأسئلة المثارة لا يوجد لها جواب في الديانة النصرانية والعقيدة المسيحية فكيف تثيرها مؤسسة تنصيرية ؟

فقضايا الرق وقضايا المرأة والحروب المقدسة والتفرقة بين معتنقي النصرانية وغيرهم كلها مقررة في الديانة النصرانية ومن حق القارئ أن يعرف ما هو جواب المسيحية على ذلك.

وحيث إن الجواب بالسلب فلماذا لا يتركون الدعوة إلى النصرانية لأنها تتبنى كل هذه القضايا المثارة ؟

ولكنها أثيرت هذه الأيام باعتبارها معايب ونقائص يقصد منها النيل من الإسلام والمسلمين.

5- وأمر أدهى وأمرّ وهو شعور المطلع على هذه الأسئلة بعدم التجرد من قبل واضعيها.

فاتِّباع الهوى فيها هو المسيطر على مجريات الأسئلة مع تبني أحكام وتصورات مسبقة لديهم.

6- إنه ليحزنني أن تكون هذه المقدمة التي أدخل بها إلى هذا الموضوع وأجوبته، ومع هذا فليعلم كل مطلع وليستيقن كل ناظر أني سأبذل قصارى الجهد في قصد الحق والتماسه خوفاً من الله عز وجل ورجاءً فيما عنده وأداءً للأمانة ونصحاً للبشرية كلها.

7- وأنبه المطلع الكريم أن هذه الإجابة قصد بها خطاب غير المسلمين ممن لا يدينون بالاستدلال بالنصوص الشرعية – كتاباً وسنة – ومن ثم جاءت المناقشة والحوار أقرب لمخاطبة العقل ومحاورة الفكر والنظر من أي شيء آخر.

وأقول بكل ثقة واعتزاز إن ديني هو الإسلام وإيماني به لا يتزعزع والقرآن كلام الله حقيقة ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام من أنبياء الله ومن أولي العزم من الرسل. والله قد بعث في كل أمة رسولاً. والإسلام هو دين الله الخاتم الذي لا يقبل ديناً غيره.

ما يقال في الرق يقال في المرأة فليس من حق اليهودية ولا النصرانية الحديث عن المرأة فما في دياناتهم في حق المرأة هو شيء نُكُر، فقد هضموها حقوقها واعتبروها مصدر الخطيئة في الأرض وسلبت حقها في الملكية والمسئولية فعاشت بينهم في إهانة وإذلال واحتقار واعتبروها مخلوقاً نجساً.

وما الزوج عندهم إلا صفقة مبايعة تنتقل فيه المرأة لتكون إحدى ممتلكات الزواج. حتى انعقدت بعض مجامعهم لتنظر في حقيقة المرأة وروحها هل هي من البشر أو لا ؟؟

بل لعل الجاهلية العربية الأولى كانت أخف وطأة على المرأة من هذه النظرة اليهودية النصرانية المنسوبة إلى تعاليم السماء – معاذ الله.

ومن هنا يثور عجبنا من النصارى ليسألوا عن المرأة في الإسلام وموقعها من تشريعه ومجتمعه؟؟

فحضارة الغرب وما فيها من بهارج وبوارق تخدم الناظرين ليس للنصرانية ولا لليهودية صنع فيها.

ومع هذا فنحن المسلمين لا نجري خلف كل ناعق ولسنا بالراضين على ما عليه المرأة المعاصرة

إن المرأة في ديانتنا محل التقدير والاحترام من حيث هي الأم والأخت والبنت.

ونصوص الديانة عندنا صحيحة صريحة في بيان موقع المرأة وموضعها جاءت واضحة جلية منذ أكثرٍ من أربعة عشر قرناً حين كانت الجاهليات تعم الأرض شرقاً وغرباً على نحو مظلم وبخاصة في بخس المرأة حقها بل عدم اعترافه بأي حق لها.

ويتأكد هنا ما قلته في مقدمة الإجابة على هذه التساؤلات ما هو الأنموذج الذي نتفق عليه ؟

اليهودية والنصرانية معلوم ما فيهما وهو غير مرضي من الجميع لأن الأسئلة المثارة ليس في الديانتين إجابة عنهما.

أما الحضارة المعاصرة ففيها وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة شر كثير غير موجود في ديننا وما فيها من أمور مستحسنة فديننا لا يعارضها. ومن أجل مزيد من الإيضاح في ميدان التعليم.

إن من أكثر ما تميزت به هذه الحضارات الاهتمام بالعلم والتعليم والدعوة إلى ذلك والإكثار من البرامج والوسائل مما هو معروف ونقول بكل صراحة إن التعليم في ديننا محمود مطلوب بل منه ما هو فرض عين يأثم تاركه سواء كان ذكراً أو أنثى.

المرأة في التعليم كالرجل مما يحقق وظيفة كل جنس على نحو ما ذكرنا في الكلام على المساواة.

ولكن من حقنا أن نتساءل : ما هي العلاقة بين التعليم والتبرج وإبداء الزينة وإظهار المفاتن، وكشف الصدور والأفخاذ ؟؟

هل من وسائل التعليم لبس الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة ؟

ميدان آخر : أية كرامة حين توضع صور الحسناوات في الدعاية والإعلان وفي كل ميدان ولا يروج عندهم إلا سوق الحسناء فإذا استنفدت السنون جمالها وزينتها أهملت كأي آلة انتهى مفعولها.

ما نصيب قليلة الجمال في هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة والجدة العجوز ؟ ملجؤها دور الملاجئ حيث لا تزار ولا يسأل عنها وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد أو تأمين اجتماعي تأكل منه حتى تموت ولا رحم ولا صداقة ولا ولي حميم ولكن المرأة في الإسلام إذا تقدَّم بها السن زاد احترامها وعظم حقها أي أنها أدت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها وأحفادها وأهلها والمجتمع.

أما حقها في المال والملك والمسئولية والثواب العقاب الدنيوي والأخروي فيستوي فيه الرجال والنساء. وأما ما اختلف فيه الرجل والمرأة في بعض الأحكام فأمر طبيعي متقرر فيما قلناه في الحديث عن المساواة على أننا سوف نفصل هنا في بعض ما أثير من أسئلة في قضايا الميراث والوصاية وغيرهما ؟؟

إن نصيب الذكر في الميراث يختلف عن نصيب الأنثى وذلك يرجع لعدة أمور :

1- الميراث من جملة النظام العام في الإسلام فهو خاضع لعموم المسئوليات والأحكام المناطة بالذكر والأنثى وما اختلف فيه من أحكام فهو راجع إلى القاعدة العامة في عدم لزوم إطراد المساواة بين العاملين لأن لهم حسب أعمالهم ومسئولياتهم فالرجال وهم جنس واحد ليسوا بمتساوي الدخول والمرتبات لدى الجهات الحكومية أو غيرها في جميع الأنظمة وإنما التفاوت راجع إلى طبيعة أعمالهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم ولا تقوم الحياة إلا بهذا ولا يعتبر هذا مؤثراً في أصل المساواة.

2- زيادة الذكر في نصيبه راجعة إلى طبيعة التكاليف المناطة به في النظام الإسلام. فهو المسئول وحده عن تكاليف الزواج من مهر ومسكن ومن أجل مزيد إيضاح لهذا النظام لنفرض أن رجلاً مات وخلف ابناً وبنتاً وكان للابن ضعف نصيب أخته ثم أخذ كل منهما نصيبه وتزوجا فالابن مطالب بالتكاليف السابقة من مهر والسكن والنفقة مدى الحياة.

أما أخته فسوف تأخذ المهر من زوجها حين زواجها وليست محتاجة إلى شيء من نصيبها لتصرفه في زواجها أو نفقة بيتها.

ثم إن دية قتل الخطأ يتحمل الرجال من العصبة والأقارب مساعدة القاتل في دفعها دون النساء. ومن هذا يتضح ما على الرجال من تكاليف مالية ليست على النساء في نظام الإسلام.

من أجل هذا يجب أن نعلم أن الشريعة الإسلامية تختلف عن أنظمة البشر الجائرة التي تحكم كثيراً من بقاع العالم اليوم حيث فيها يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشر لتخرج باحثة عن لقمة العيش وكثيراً ما يكون ذلك على حساب الشرف ونبيل الأخلاق. أما الفتاة في الإسلام فهي مرعية في كنف أبيها أو من يقوم مقامه شرعاً حتى تتزوج.

إن منهج الإسلام أحكاماً وأخلاقاً لا يجوز أن يكون تأمين العيش فيه على حساب العرض والشرف فما ضياع الشرف إلا ضياع للعالم كله ولئن وجد الشاب والشابة في نزواته وصبواته وفترة طيشه لذة عاجلة فإن عاقبتها الدمار والتشتت الأسري وتقطيع الأرحام وانتشار الفساد في الأرض وما نساء الشوارع وفتيات المجلات والأفلام في أوروبا وأتباع أوروبا إلا نتائج ذلك النظام الخاسر فهن إفرازات أخطاء البيوت الخربة والمسئولية الضائعة حينما ألقاها الرجال عن كواهلهم فوقعن حيث وقعن وتبع ذلك التنصل من مسئولية النسل والتربية الصحيحة وأصبح الفرد ذكراً أو أنثى لنفسه لا لأمته ولشهواته القريبة لا للهمم العليا وبهذه يسرع الفساد إلى المجتمع ويعم الخراب الديار.

3- الميراث ملحوظ فيه الجانب المادي فهو مرتب على نظام الزواج فهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج نتيجة صحيحة. أي أن الزيادة في الميراث ليست تفضيلاً ولكنها تعويض مادي بحت.

وبالنسبة للسؤال حول حق المرأة في الزواج من غير المسلم فهذا خاضع لعموم النظام التشريعي الإسلامي وكما قلنا في المساواة أن بعض الفئات من المجتمع قد تمنع من الزواج من فئات أخرى كالعسكري والدبلوماسي لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة فلا غرابة في أنظمة الدنيا أن تشتمل على نوع من التفرقة في الحكم والتي لا تعني الإخلال بعموم مبدأ المساواة كما هو مشروح مفصل في جوابنا عن المساواة.

لم يعد أحد ينازع في العصر الحاضر بفاعلية الطلاق وحاجة الزوجين إليه حينما يتعذر بينهما العيش تحت سقف واحد بعد المحاولات الجادة في الإصلاح والتوفيق.

ويكفي الإسلام فخراً ومنقبة أنه شرع الطلاق وفصل أحكامه وأعطى فرص الرجعة في الطلاق ثلاث متفرقات يتخلل كل طلقة عدة معدودة بحساب مفصل في أحكام الشريعة مما يعجز نظام بشري أن يأتي بمثله حُكماً وحكمة ونظراً في طبيعة البشر والعلاقة بين الزوجين الذكر والأنثى والعيش في البيوت والرابط الاجتماعية.

وكل القوانين المتمدنة المعاصرة قالت بالطلاق وأخذت به رغماً عن النصرانية المحرفة التي زعمت أن الزواج عقد رُبط في السماء فلا يحل إلا في السماء.

إننا لا ننكر أن هناك أخطاءً في التطبيق يزاولها بعض الأزواج و بخاصة في المجتمعات التي يسود فيها الجهل والأمية ولا يجوز أن تنسحب أخطاء التطبيق على أصل النظام وقواعده وأحكامه ألا ترى أن في دنيا الناس من يصف له الطبيب دواءً بمقادير محددة ومواعيد معينة ثم يخالف المريض التعليمات ويسيء الاستعمال والمسئولية حينئذ تقع كاملة على المريض مادام عاقلاً راشداً.

أما ما قيل في الأسئلة بإمكانية هجر الرجل لزوجته دون أن يقدم تبريراً لعمله ومن دون أن يعاني من أية نتائج لعمله هذا فهذا غير صحيح وليس بموجود في الإسلام ولا في تشريعاته وإذا رأت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً فإما أن تعالجه مباشرة مع زوجها بمصالحة أو أي طريق من طرق العلاج الذي يًبقي على الحياة الزوجية ويحفظ للبيت تماسكه وإذا لم تجد كل هذه السبل فتلجأ للقضاء وإذا تبين للقاضي وجهة الحق مع المرأة فإنه يحكم بفسخ النكاح وافتراق الزوجين وإن لم يرض الزوج.

ما ورد في التساؤل من أن للأب حق الوصاية أو الولاية على الأبناء دائماً وإن كان الأطفال في حضانة الأم فهذا غير سديد وليس من حكم الشريعة وذلك لأمرين أساسيين :

أولهما : ليس في القرآن ولا في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم نص عام ينص على تقديم أحد الأبوين دائماً ولا في تخيير أحد الأبوين دائماً.

ثانيها : العلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً

وقد ترتب على ذلك خلاف في المدارس الفقهية مبني على النظر في مصلحة الطفل وعلى صلاحية الأبوين للحضانة والوصاية وقدرتهما على القيام بهذه المسئولية.

وهم متفقون على أنه لو كان أحدهما غير صالح لذلك فلا يجوز أن يتولى الحضانة أو الوصاية.

جاء في التساؤلات أن من مظاهر تفوق جنس على آخر قبول تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج. وإيضاح الموقف من جهتين :

أولاهما : أن اختلاف الجنس البشري إلى ذكر وأنثى ترتب عليه اختلاف في الطبائع والقدرات وهذا الاختلاف الذي لا ينكر لا يجوز أن يكون دليلاً على تفوق جنس على آخر كما قررناه في الكلام على المساواة.

ثانيهما : جاءت الشريعة الإسلامية بإباحة تعدد الزوجات لأنه منسجم مع مجموعة تعاليمها وهو منسجم كذلك مع الطبيعة البشرية في كل من الذكر والأنثى.

أما أنه منسجم مع عموم تعاليم الشريعة فلأنها حرمت الزنا وشددت في تحريمه ثم فتحت باباً مشروعاً من وجه آخر ألا وهو النكاح، وأباحت التعدد فيه ولا شك أن المنع من تعدد الزوجات يدفع إلى الزنا لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال ويزداد الفرق كلما نشبت الحروب وفي وقتنا الحاضر تنوعت الأسلحة بحيث تقضي في المتحاربين بالعشرات بل المئات في هجمة واحدة أو طلقة مدفعية واحدة بل ينال ذلك حتى غير المتحاربين فقصر الزواج على امرأة واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج وحرمان المرأة من الزواج وبقاؤها عانساً ينتج سلبيات كبيرة من الضيق النفسي وبيع الأعراض وانتشار السفاح وضياع النسل.

ومن جهة أخرى فإن الرجل والمرأة مختلفان من حيث استعدادهما في المعاشرة فالمرأة غير مستعدة كل وقت للمعاشرة ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام أو أسبوعين كل شهر وفي النفاس مانع هو في الغالب أربعون يوماً والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً وفي حال العمل قد يضعف استعداد المرأة في ذلك أما الرجل فاستعداده واحد طوال الشهر والعام فإذا منع الرجل من الزيادة على الواحدة كان في ذلك حمل على الزنا في أحوال كثيرة.

ومما سبق يكون التشريع قد قدر الغرائز حق قدرها حسب الظروف من نقص الرجال وزيادة عدد النساء والأحوال التي تعترض المرأة فتقلل من استعدادها واستجابتها.

ومقصد آخر من مقاصد الزواج وهو حفظ النوع الإنساني واستمرار التناسل البشري وتكوين الأسرة المستقرة فإذا تزوج امرأة عقيماً ولم يبح له أن يتزوج غيرها فقد تعطلت الوظيفة عن أداء غرضها وتعطل الغرض من الزواج وإذا كان ذلك كذلك فإن بقاءها معه والإذن له بالزواج من أخرى خير من طلاقها ليتزوج أخرى ابتغاء الولد.

ثم إن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة، فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين من العمر أما المرأة فيقف الإنجاب عندها في حدود الأربعين سنة فلو حرم على الرجل الزيادة على الواحدة لتعطلت وظيفة النسل أكثر من نصف العمر.

هذه هي النظرة في إباحة الشريعة للتعدد جاءت لدفع ضرر ورفع حرج ولتحقيق المساواة بين النساء ورفع مستوى الأخلاق.

ونحن أهل الشريعة نعلم أن القوانين الوضعية الأوروبية لم تعترف بهذا بل أنها جعلته محل تندر واستهجان ومجال طعن على الإسلام.

ولكننا بدأنا نلمس ظهور بعض القبول في نفوس مفكريهم ودعاة الإصلاح منهم. وبخاصة مع انتشار الحروب المدمرة وترمل الأعداد الكبيرة من النساء وزيادة أعداد النساء على الرجال.

ويكفي برهاناً لنا ورداً عليهم انتشار الخليلات فيما بينهم إذ يكون للرجل عدد من الخليلات يشاركن زوجته رجولته وعطفه وماله بل قد يكون لإحداهن في هذا كله أكثر من نصيب الزوجة.

يضم إلى ذلك شيوع الزنا وما ترتب عليه من أمراض وكثرة أبناء السفاح وقتل الأجنة في بطون الأمهات.

بل لقد بنوا علاقاتهم الجنسية على فوضى رهيبة فأولاد الزنا ولقطاء الفواحش تتفاحش نسبتهم حتى قاربوا في بعض أقطارهم نسبة الأولاد الشرعيين.

وحينما يرفعون عقيرتهم في النيل من تشريع التعدد فإن تنقل الرجل عندهم بين لفيف من النساء أمر مفهوم مقبول في أمزجتهم الفاسدة وقد ذكرت امرأة كندي – رئيس أمريكا السابق – أنه كان لزوجها بين / 200 إلى 300 / صديقة.

وطبقة الصعاليك عندهم يستطيعون السطو على المئات من النساء فما بالك بمن فوقهم.

والرجل عندهم يدور بين جيش من العشيقات دون حرج فإذا دار بين بضع زوجات داخل سياج من الأخلاق المحكمة والشريعة الكريمة وضع في قفص الاتهام بل الحرام.

إن جورج كلمنصو نمر السياسة في فرنسا في وقته / 1841 – 1939م / وأحد رجالات أوربا المعدودين له عندهم في السياسة قدم راسخة وتغلب على خصوم كثير حظي بهذه المنزلة الدولية عندهم مع استفاضة خبثة وشهرته في نسبة الخنا إليه وكل ذلك لم يخدش شيئاً من عظمته عندهم.

لقد كانت له ثمانمائة عشيقة وكان له أربعون ابناً غير شرعي. ويقال: إنه عندما علم أن زوجته الأمريكية خانته نهض عند منتصف الليل ورماها في الشارع تهيم على وجهها في الليل البهيم. وتعجبوا لماذا حرم هذا الرجل على غيره ما استباحه لنفسه؟؟ ويقول بعض المعلقين على هذه القصة كلمنصو مثل كل الذئاب البشرية – من أكثر الناس احتقاراً للمرأة ولم يقل أحد في المرأة أسوأ ولا أبشع مما قاله هو سواء على فراش اللهو أو على فراش المرض.

بقي أن نشير في خاتمة هذا الحديث إلى أن الشريعة حين أباحت التعدد اشترطت فيه وجوب العدل بين الزوجات في السكن والنفقة وكل مظاهر العلاقات وإذا لم يقم بالعدل أو خشي الظلم فإنه لا يجوز له أن يقدم على الزواج من أخرى.

كما أنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأكثر من أربع وهذا تحديد ظاهر لفوضى التعدد التي كانت سائدة في عصور الجاهلية.

وأخيراً فإن التعدد لمن استطاع العدل بين الزوجات جائز مشروع وليس بواجب متحتم.



--------------------------------------------------------------------------------

* إمام وخطيب الحرم المكي الشريف

د.فالح العمره
03-04-2005, 02:23 PM
المرأة في المجتمع الإسلامي
عثمان سليم






لست بصدد الدفاع عن إحدى متبنيات المبدأ الإسلامي حين عقدت بحثي هذا حول المرأة في المجتمع الإسلامي؛ لعلمي ابتداء أن أسلوب الدفاع عاد أداة غير مجدية يلتمسها العاجزون والمتبرمون بما حواليهم من ترد وضياع في المجتمعات الغافلة عن الله تعالى، في وقت أصبحت فيه مهاجمة المفاهيم الإسلامية، ومعاداتها من أوليات أهداف الضالعين في ركاب القوى - ذات الإمكانات الهائلة - المعادية للإسلام، والمنتفعين في حياة التيه في صحاري الضياع من المستشرقين وتلامذتهم!

ومن هنا فقد أصبح إشغال أنفسنا - والحالة هذه - بأمور الدفاع عن رسالتنا مسألة -بغض النظر عن عدم جدواها - لا نطيقها نحن كأفراد، ولا تطيقها العصبة أولو القوة فينا، إذ لأعدائنا في كل يوم موضة جديدة، وأسلوب مستحدث في قلب عقيدتنا، والتصدي بالهجوم السافر على مبدئنا العتيد بغية زجنا في معارك جانبية - إذا وضعنا أنفسنا في مستوى الدفاع المجرد - على حساب مهماتنا الأساسية كأمة تصبو لبناء حاضرها، ومستقبلها بناء على ما يقتضيه المنهج الرباني؟ ومرتكزاته، وأهدافه العليا.

وانطلاقا من طبيعة هذا الوعي المحدد لحجم المسؤولية التي ينبغي أن يضطلع بحملها كل مسلم واع لأهداف رسالته العظمى، عقدت هذا البحث متوخيا من خلاله إبراز الإطار العام لدنيا المرأة في المجتمع الإسلامي - بما ييسر الله تعالى لي متخطيا - ما استطعت كافة التجاوزات الطافحة بروح الحقد واللاموضوعية التي تتسم بها الدراسات السائرة على الخط الاستعماري، وسالكا كبديل لذلك أسلوب عرض وجهة النظر الإسلامية في مسألة المرأة والمبررات الأساسية التي وردت من أجلها صيغة النظرية الإسلامية المتبناة.

بيد أني - وقبل خوض غمار هذا الحديث - لابد من أن أشير ابتداء، ولو بصورة عابرة إلى العوامل الأساسية التي ساهمت في حجب وجهة النظر الإسلامية في المرأة عن ذهنية الجيل المعاصر، فاتخذت إطار يكتنفه الغموض، ويلفه ضباب كثيف من التشويه يحول دون رؤيته في إطاره السليم.

فمراجعة علمية للملابسات التي رافقت موضوع البحث نلمح الأمور الآتية كعوامل أسدلت الستار على واقع النظرية الإسلامية في المرأة:

أولا: أن غياب الشريعة الإسلامي عن المسرح الحياتي للإنسان المعاصر قد ساهم في انعدام فهم النظرية الإسلامية الخاصة بدنيا المرأة: في المجتمع الإسلامي من الجيل المعاصر.

ثانياً: أن الأوضاع الشاذة في العالم الإسلامي المغايرة للنظرية الإسلامية في المرأة والتي ألقت بثقلها على دنيا المسلمين منذ أجيال تعاقبت - وغذتها نزعات عشائرية أو إقليمية أو قبلية أو غيرها، وسقوط المرأة تحت وطأة هذه الأوضاع الاجتماعية الشاذة -قد أوحى خطأ - للغالبية العظمى من أبناء جيلنا المعاصر وقوف الإسلام من المرأة موقف الهاضم لحقوقها، المصادر لكرامته، والمغتال لإرادتها.

ثالثاً: تولي جهات مشبوهة، وأقلام مأجورة مربوطة بشكل أو بآخر بالقوة الاستعمارية مهمة التزييف، والدس على الرسالة، ومدلولاتها الرفيعة بما فيها الجانب المتعلق بموقع المرأة في المجتمع الإسلامي، كأسلوب مشبوه من الأساليب التي تهدف إلى تعميق الهوة بين الإسلام والأجيال المعاصرة لحساب القوى المعادية للإسلام.

هذه أهم العوامل التي ساهمت مجتمعة - فيما أرى - في تشويه المعالم الأساسية لوجهة النظر الإسلامية في مسألة المرأة، ومكانتها في دنيا المسلمين.

غير أننا لأجل أن نتخطى الصيغ المعادية للإسلام في نظرية المرأة - بما فيها من تجاوزات، وتضليل ـ لابد لنا من أن نستقي وجهة النظر الإسلامية (موضوع البحث) من خلال النصوص الإسلامية الأصيلة الواردة بين دفتي الكتاب العزيز، وسنة المعصوم عليه السلام، وتراث السلف الصالح رضوان الله عليهم.

على أننا حين نمارس دور المتتبع لهذه المسألة في ثنايا ينابيعها الصافية ندرك ابتداء أن الرسالة الإسلامية المباركة تدشن موقفها من المرأة بالهجوم السافر المركز على الحضارات، والمناهج الاجتماعية التي تنكرت لهذا المخلوق الكريم، ونصبت له العداء بسبب وعي تبلد، ولم يعد مدركا لدور المرأة الكبير في معركة بناء الحياة!!

فالرسالة الإسلامية قد وضعت نفسها على الخط الأمامي لمواجهة أعداء المرأة والغافلين عن دورها حين مارست دور المدافع العنيد عن المرأة وحقوقها، وإرادتها وشرفها، في الوقت الذي شنت فيه حملة من التنديد الصارخ بأعداء المرأة، كاشفة عن مظلوميتها، ومعرية كل الممارسات المعادية التي سلكت معها عبر الأجيال، والقرون التي غمرها طوفان الجاهلية قبل بزوغ شمس الرسالة الغراء.

أولاً- (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ). [التكوير8-9]

ثانياً- (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل 58 – 59].

ثالثاً- (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا) [الإسراء 31].

فهذه النصوص الإسلامية وغيرها فوق مما تصوره من روح المكابرة، والاستعلاء والامتهان لجنس المرأة من قبل الحضارات، والمناهج الاجتماعية التي سبقت بزوغ شمس الرسالة الإلهية، والتي تجسدت على شكل مواقف، ومعاملات، وتصورات يعافها العقل السليم، والذوق الرفيع، واندرجت تحت عناوين كالحة، ومخزية من الوأد للبنات، أو التبرم من ولادتها -على الأقل - أو منعها من حقوقها دون الرجل، أو التمييز بينها، وبين الرجل حتى في تناول بعض أنواع الطعام أو مصادرة إرادتها في اختيار زوجها، فضلا عن تمتع الرجل بحق الزواج بما يشاء من النساء دون النظر إلى مفهوم العدالة أو المساواة، أو نحوهما من مفاهيم إنسانية.

أقول: إن هذه الممارسات العلمية المجافية لروح التجمع الإنساني السليم في الوقت الذي تشجبها الرسالة الإسلامية بقوة تعمد من جانبها إلى وضع المنطلقات الأساسية الواضحة لإسقاط كافة القيود والتجاوزات على حقوق المرأة الثابتة تحت أقدامها.

وهكذا تكون إطلالة الإسلام الحنيف على دنيا الإنسان بمثابة انعطاف تاريخي هائل لا نظير له في حياة العنصر النسوي على الإطلاق، استعيدت لها فيه كرامتها الممتهنة، وحقوقها المهدورة قرونا طويلة.

فلأول مرة في تاريخ إنسان هذا الكوكب تمنح المرأة تأثير الدخول في دنيا الكرامة ويمنح لها حق العيش مع صنوها الرجل جنبا إلى جنب، الأمر الذي يبدو جلياً من خلال المفاهيم العملية التي جسدها الإسلام الحنيف في مجتمعه الكريم، متجاوزا بها كل سمات الامتهان التي يتعاطاها الرجل في علاقاته مع المرأة، وعاملا ما من شأنه على إنهاء كل حالات الشذوذ التي خلفتها المناهج الجاهلية التي كبلت هذا الإنسان.

وهذه بعض المبادئ الحيوية الأصيلة التي حملتها الأطروحة الإسلامية المتبناة في مسألة المرأة:

اولاً- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].

ثانياً- (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء:23-24].

ثالثاً- (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].

رابعاً- ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء: 124].

خامساً- (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

سادساً- (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

سابعاً- (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)(البقرة/187).

هذه بعض الأطر الفكرية التي قضى الإسلام الحنيف من خلالها بردم الهوة السحيقة التي حفرتها المناهج الجاهلية بين الرجل، والمرأة محققاً بذلك أرقى مظاهر التلاحم الروحي والمصيري بينهما، حيث أعاد للمرأة اعتبارها، ودورها في معركة الحياة لتكون وصنوها الرجل جنباً إلى جنب.

فها هي الشريعة الإسلامية تبوىء العنصر النسوي مكانه العلي في رحاب المجموعة الإنسانية دون إفراط أو تفريط، كما ترجمته النصوص القرآنية التي عشنا ظلالها -قبل قليل - والتي تصور الرجل، و المرأة، وقد انبثقا من مصدر واحد، وجنس واحد، خلافا للنظرية القديمة التي ترى في المرأة مخلوقاً يرتدي أهاب شيطان.

ثم أن الإسلام بعد ذلك - وعلى لسان نصوص كتابه المجيد - يعتبر المرأة سكن للرجل الذي يأوي إليه في جو من المودة والدفء والحنان والرحمة حتى يعود الرجل وفقا لهذه النظرة الواقعية لباسا لها وتعود المرأة لباسا له، فتتحقق بذلك أعلى مستويات التلاحم، والتراحم والتكافل في جو مفعم بالود والجمال.

والمتتبع - بعد ذلك - لتلك المبادئ والأطر التشريعية التي حملها القرآن الكريم لتكون أطروحة المجتمع الإسلامي المتبناة في قضية المرأة - والتي قضى الإسلام من خلالها بتجسيد أرقى مظاهر التلاحم الروحي والمصيري بين الرجل و المرأة -يدرك ببعد رؤية ووضوح أن المنطلقات الدستورية الإسلامية لم تسلك مجرى الأحداث العفوية اللاواعية التي لا تدري كيف تسير، ولا إلى أين تسير، وإنما انطلقت في شكلها ومضمونها من خلال المواصفات البيولوجية التي يتمتع بها كل من الجنسين، حيث حسبت الرسالة الإسلامية لطبيعة التركيب النفسي والعضوي لكلا العنصرين حسابه الدقيق الواعي بغية تخطي كل غبن أو حيف ينال أحدهما حين إغفال ذلك التركيب الطبيعي لكليهما لتسند الوظائف، والمسؤوليات، وتمنح الحقوق لكل منهما وفقا لما يتمتع به من طاقات، وما يمتاز به من إمكانات طبيعية بالشكل الذي يحقق أعلى مستويات الإنتاج، والتلاحم والانسجام، والمعطيات أثر في دنيا الإنسان.

وهي مسألة تعد بديهية بالنسبة للرسالة الإسلامية، وإمكاناتها الضخمة لتحقيق ذلك بالدرجة المطلوبة نظرا إلى أن الإسلام - كمنهج رباني متكامل - يعلو فوق كل اجتهاد أو تخمين أو تصورات، باعتباره صادرا من خالق الإنسان جلّ وعلا الذي يعلم أدواء الإنسان وعلاجاتها، والوقاية منها.

وهكذا فإن النظرة الإسلامية المتبناة في مسألة المرأة تبتنى على أساس استيعابها للجانب التكويني للإنسان بكلا شطريه: الرجل والمرأة، إلا أنه يبدو للمتتبع للنظرية الإسلامية في المرأة من خلال نصوصها الأصيلة: أن اهتمام الإسلام بالتركيب البيولوجي قبل إقرار منطلقاته النظرية لتحديد مسؤوليات كل من الرجل و المرأة في هذه الحياة يعليه عن كونه عملية واعية لتحديد المواقف، وإنضاج الظروف الموضوعية لتكافؤ الفرص، وتوزيع المهام توزيعاً منسجما والقابليات الفكرية والاستعدادات البيولوجية، فإنه من جهة أخرى يعكس روح المجتمع الإسلامي في إطاره الفني الرائع.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:27 PM
اسم الكتاب:

أثر العرف في فهم النصوص.. قضايا المرأة أنموذجاً
الرياض
المؤلف:

د. رقية طه جابر العلواني.

الطبعة:

الأولى هـ1425 -2004م

الناشر:

دار الفكر

تحتل الأعراف والعادات حيزاً واسع النطاق في مجال القوانين والتنظيمات البشرية. فبمرور الزمن ومضي الوقت تتخذ الأعراف قوة ملزمة في التعامل والاجتماعي، سرعان ما تصطبغ بمسحة القانون الإلزامي.

إلا أن بعض هذه الأعراف قد تشتمل بطريقة أو بأخرى على أنواع من التجاوزات على تعاليم الشرع وآدابه. وبرغم ذلك التجاوز والانحراف فيها عن غايات الشارع ومقاصده، إلا أن كثرة تكرارها وممارساتها، ومن ثم الاعتياد على التعامل بمقتضاها، يولد لدى المجتمع شعوراً عاماً بإمكانية تقبلها وإضفاء الشرعية عليها.

تستهدف هذه الدراسة محاولة الكشف عن أثر العرف في فهم المجتهد للنصوص الشرعية المتعلقة بقضايا المرأة نموذجاً. أوضحت الدراسة الأثر الهام البالغ الخطورة، الذي تلعبه الأعراف السائدة في تكوين تصور مسبق لدى المجتهد حال تناوله النصوص. كما استهدفت الدراسة محاولة استنباط بعض الضوابط والمعالم التي يمكن أن تساهم في ضبط تعامل المجتهد مع النصوص، دون الإخلال بمقاصدها وغاياتها، الناجم في كثير من الأحيان عن تأثره الواضح بالبيئة التي يعيش فيها، والأعراف السائدة في مجتمعه.

ولئن غاب عن العديد من الدراسات المعاصرة تناول أثر الأعراف والعادات على توجهات واجتهادات العلماء والكتاب وفي مختلف العصور، فقد حرصت هذه الدراسة على البحث في موضوع العرف من هذه الزاوية الحرجة. وأوضحت أثر العرف في تكون الآراء والاجتهادات المختلفة الخاصة بقضايا المرأة، من خلال تتبع واستقراء العديد من المظاهر والسلوكيات الاجتماعية السائدة في المجتمع المسلم في مختلف العصور، وتقديم بعض النماذج التطبيقية التي تعكس كيفية تأثر المجتهد بأعراف بيئته وظروفه الاجتماعية حال إقباله على النصوص وتأويلها. وهي إذ تقدم تلك النماذج، لا تستبعد إمكانية وجود عوامل أخرى مؤثرة في توجه تلك الآراء والاجتهادات البشرية كذلك. كما كشفت النقاب عن خطورة النظر من خلال دائرة الأعراف والظروف الاجتماعية إلى النصوص، دون تقيد ببعض المعالم والضوابط الهامة للتمييز بين النصوص الشرعية المطلقة، والاجتهادات والتأويلات البشرية النسبية المحدودة لتلك النصوص.

تنقسم هذه الدراسة إلى أربعة أبواب بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة والفهارس.

ضمن المقدمة عنون لدراسة أهم مصطلحاتتها، التي هي العرف، والنصوص، فبعد مناقشة مستفيضة لدلالة المصطلح في اللغة والاستعمال الشرعي لها ذكرت استعمالها الاصطلاحي لدى الأصوليين، وخلصت بعد العرض إلى أن العرف: هو ما استقر الناس عليه من قول أو فعل مطلقاً. والنصوص المرادة في الدراسة في آحاد نصوص الكتاب والسنة. حسب اعتبار الأصوليين.

أما الباب الأول، فقد تم تخصيصه للبحث في موقع العرف في الدراسات الأصولية والاجتماعية. كما تم تقسيمه إلى أربعة فصول:

يبحث الأول في أركان العرف وشروطه: حيث الركن أساس الشيء، فيوجد بوجوده وينعدم بعدمه، وهو ما يعبر عنه بشروط اعتبار العرف؛ حيث له بهذا الاعتبار ركنان: ركن مادي وهو المعروف لدى الأصوليين باستقرار العرف أو اطراده واستمراريته. وركن معنوي: اعتبره المعاصرون بأن المراد به: شعور جماعة بضرورة اتباعه وإحساسهم داخلياً بوجوب احترامه، واعتقادهم بخطأ من يخالفه من الناحية السلوكية في التعامل مع الآخرين، وأن هذا الركن هو مصدر احترام العرف، وذلك بازدراء الناس من يخالفه.

ويركز الفصل الثاني على تقسيمات العرف و أنواعه المختلفة في أربعة مباحث: حسب اعتبار كل قسم، فالأول منها باعتبار الموضوع: العرف القولي (الحقيقة العرفية)، والعرف العملي. والثاني باعتبار الشيوع: حيث ينقسم إلى عرف عام، وعرف خاص. والثالث منها: من حيث اعتبار الشارع له: فهو ينقسم من حيث موافقته لنصوص وقواعد الشريعة إلى عرف صحيح (المعتبر) وعرف فاسد (غير المعتبر)، وعرف مرسل (المسكوت عنه) الذي انفردت الدراسة بذكره عن غيرها من كتب أهل الاختصاص. أما في التقسيم الرابع للعرف من حيث استمراره وتغيره، فالدراسة لا ترى لتقسيم العرف إلى ثابت ومتغير وجها معتبرا.

أما الفصل الثالث الواقع في ثلاثة مباحث، فقد تم فيه مناقشة موقع العرف في الكتابات الأصولية من خلال عرض أهم الأدلة التي احتج بها المكثرون من الاعتماد على العرف ومناقشتها، وشرح نماذج لأهم القواعد الفقهية المبنية على اعتبار العلماء للعرف، كقاعدة: العادة محكمة، وقاعدة: لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمان والأحوال والأعراف، ومناقشتهما باستفاضة. وطرح مسألة تداخل العرف مع غيره من أدلة: كعلاقة العرف بإجماع أهل المدينة، وبما جرى عليه العمل.

أما الفصل الرابع فقد تم فيه طرح مفهوم العرف في الدراسات الاجتماعية: حيث استنتجت الباحثة من خلال عرضها لهذا المفهوم لدى مصادر علم الاجتماع، وعلم الإنسان، ومن خلال التعاريف التي مضت في المقدمة، إلى أن "الأعراف أنماط علمية وسلوكية يقوم بها الأفراد بناءً على شرعيتها المكتسبة لديهم، من تراث يحملها ويقرّها. وعلى هذا تتم ممارستها من قبل الأفراد والجماعات دون استنكار أو رفض".

الباب الثاني تم تخصيصه للبحث في محاولة جادة لتوصيف الأعراف والحالة الاجتماعية للمرأة عبر العصور المختلفة. وقد تم التمهيد له بالبحث في أهميته لموضوع الدراسة وأهم المراجع المعتمدة فيه. وقد تم تقسيمه إلى ستة فصول حسب تقسيم العصور المختلفة الذي سارت الدراسة عليه:

الفصل الأول: للعصر الجاهلي.

الثاني: لعصر الرسالة والتشريع.

الثالث: للعصر الراشد.

الرابع: عصر الأئمة المجتهدين والمذاهب الفقهية: (عصر التنوع في الفهم والتفسير).

الخامس: عصر التقليد والركود الفكري (عصر النظرة الأحادية المذهبية واستعادة وحدة الفهم والتأويل).

السادس: عصور التقليد المتأخرة (عصر التنوع الثاني).

حيث شكل هذا الباب نوعاً فريداً من التحليل العميق، مستدعياً شتى أدوار النظر والبحث الإنساني، بنمط موضوعي عز مثيله، أمام السيل العرم من الدراسات النسوية التي تكتسح اليوم قضية المرأة، سيماها التحيز الغربي. فقد منّ الله على الباحثة أن توظف تخصصها الأصولي، وعميق نظرتها لتطور المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ منذ الجاهلية الأولى حتى اليوم، مستحضرة التغييرات الاجتماعية والتربوية مع أسبابها السياسية والتاريخية، ولم تغفل خلالها مناقشة ما اشتهر استعماله من قبل الدراسات الغربية على سبيل الذم أو المدح للمرأة المسلمة، منذ نظام الحريم حتى حركات تحرير المرأة المعاصرة!

الباب الثالث تم فيه عرض لبعض النماذج والأمثلة لأهم القضايا المطروحة المتعلقة بالمرأة في الوقت الراهن، وذلك في محاولة للكشف عن أثر الأعراف في تشكيل الآراء والاجتهادات المختلفة الدائرة حول النصوص والمتعلقة بتلك القضايا.

وقد تم تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: قضية ميراث المرأة في الإسلام، وقد تم التمهيد له بلمحة عن نظام الميراث. ففي المبحث الأول تم فيه توضيح مفهوم الميراث عند العرب قبل الإسلام.

أما الثاني فقد تم تخصيصه للبحث في فلسفة الميراث في الشريعة الإسلامية.

أما المبحث الثالث فقد تم تخصيصه للكشف عن أثر الأعراف والظروف في تأويل النصوص المتعلقة بميراث المرأة.

أما الفصل الثاني فقد تم تخصيصه للبحث في شهادة المرأة من خلال تمهيد لذلك مع مباحث ثلاثة رئيسية. تم في الأول تحديد مفهوم الشهادة، والثاني خصص للحديث عن شروط الشهادة، أما الثالث فقد تم فيه عرض لأثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة.

أما الفصل الثالث فقد جاء الحديث فيه عن ولاية المرأة القضاء كنموذج آخر يتم من خلاله بيان أثر الأعراف والظروف الاجتماعية في تناول المجتهد وطرحه لآرائه واجتهاداته. وفي المبحث الأول تم تناول مفهوم ولاية القضاء، أما الثاني فقد خصص للبحث في حكم تولي القضاء. أما الثالث فقد تم فيه تبيان أثر العرف والظروف الاجتماعية في طريقة طرح المجتهدين قديماً وحديثاً لمسألة قضاء المرأة.

أما الباب الرابع والأخير فقد خصص للبحث في محاولة التوصل إلى وضع وصياغة قانون لتأويل النصوص وفهمها وكيفية التعامل معها من خلال عرض بعض الضوابط والمعالم المستنبطة.

ويقع الباب في ثلاثة فصول:

الأول: تم فيه عرض تاريخ التأويل في الأديان.

وأما الثاني فقد تم فيه عرض إشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام.

والثالث خصص للبحث في الضوابط الأساسية التي وقفت الدراسة على أهميتها وهي: شهادة المركز الواقعة في ثلاث مباحث: فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية والاستعانة بعلم قواعد اللسانيات الحديث، دلالة السياق، رد المتشابه من النصوص إلى المحكم. أما الضابط الثاني فيكمن في مراعاة مقاصد النصوص وضبطها، ويتم توضيحها في مبحثين: مراعاة ضبط مفهومي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل. أما الضابط الثالث فهو مراعاة موقع العقل من النص.

وتضمنت الدراسة في الخاتمة أهم النتائج والتوصيات، ومنها:

· أن للأعراف والظروف الاجتماعية أثرا بالغ الأهمية والخطورة في تأويلات المجتهدين للنصوص، متمثلاً في إقبالهم في بعض الأحيان على النصوص، برؤى مسبقة وأفكار جاهزة، ومن ثم تأويلهم وفهمهم للنصوص من خلال تلك الرؤى، وتزداد خطورة ذلك الأثر في العصر الحاضر الذي منيت به الأمة بالضعف والوهن ومواجهة مختلف التحديات الفكرية الوافدة.

· ضرورة التمييز بين النصوص الشرعية المطلقة ذات الوحي الإلهي المعصوم، التي لا تخضع بحال لتقلبات الزمان وتغيرات الأحوال، وبين اجتهادات العلماء ومحاولاتهم في فهم تلك النصوص. فالنصوص مطلقة مفارقة لكل عوامل الزمان والمكان والظروف الاجتماعية والعرفية، أما التأويلات فهي نسبية محدودة بعوامل ظهورها وخلفية قائلها. فلا ينبغي فهم تلك الاجتهادات والآراء البشرية بمعزل عن ظروف نشأتها التاريخية والأسئلة الاجتماعية التي أفرزتها، والأعراف والعادات السائدة في بيئتها.

· أهمية التقيد ببعض الضوابط والمعالم العامة أثناء إجراء عملية فهم النصوص وتأويلها، ومن ثم محاولة استنباط الأحكام وتقريرها من خلال ذلك، ومن تلك الضوابط:

1- شهادة المركز من خلال فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية، مع الاستعانة بقواعد علم اللسانيات الحديثة، ورد المتشابه إلى المحكم.

2- مراعاة مقاصدية النصوص وضبطها، من خلال مراعاة ضبط مفهومي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل.

ضرورة الإفادة من مختلف الإمكانيات المتوافرة لتحقيق الفهم السليم المنضبط للنصوص الشرعية مع مراعاة عدم التكلف في استعمالها، والتوغل فيها دون ملاحظة الضوابط الأخرى.

· النصوص الشرعية جاءت لتكون حاكمة على واقع الناس وأعرافهم، مهذبة ومصححة لها. فمراعاة المجتهد لأعراف بيئته ومجتمعه لا ينبغي أن يحيد به عن أهمية المحافظة على إطلاقية النصوص، ونسبية أعراف بيئته المتغيرة.

· أهمية توظيف التحليل المقارن في الفكر الديني في الإسلام، والمساهمة في حل العديد من الإشكاليات الناجمة عن عدم الإفادة من عثرات الآخر، مع استحضار الضوابط والمعالم لأي مشروع اجتهادي.

· أهمية احترام الموروث الفقهي والوقوف منه موقف التقدير للجهود والهائلة التي بذلها العلماء السابقون رحمهم الله، مع الإيمان بإنسانية تلك الجهود، وإمكانية جريان الصواب والخطأ عليها، فالعصمة والإطلاقية للنصوص المطلقة المفارقة للمكان والزمان.

· أهمية آليات الفهم والتأويل للنصوص من خلال الإفادة مما توصل إليه العلم الحديث من منجزات وتقنيات مع استذكار نسبية التأويلات البشرية مهما علت منزلة أصحابها.

· أهمية مراجعة وتصحيح المواقف الاجتهادية القائمة على منهجيات التبرير والتعليل، ومحاولة تجاوز تحديدات الفكر الغربي في قضايا المرأة على وجه الخصوص، وضرورة وقف الاسترسال في الخوض في القضايا المطروحة من قِبله، التي باتت أقلام كثير من المفكرين المسلمين وقفاً عليها في العصور الراهنة، خاصة تلك القضايا التي أنجبتها فلسفة عصر الحداثة السالفة.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:29 PM
المرأة المسلمة.. أزمة واقع أم أزمة تفكير؟
سعاد عبد الله الناصر






في خضم الهجمات الشرسة التي تستهدف وجود الإنسان المسلم وهويته وقيمه وأسس مبادئه، يصبح استقراء واقع المرأة المسلمة ومكانتها في مجتمعاتنا الإسلامية ضرورياً وملحاً؛ لأنه جزء مهم من الواقع الذي نتخبط فيه.

والناظر لأحوال المرأة المسلمة اليوم، سواء كانت متعلمة أو أمية، غنية أو فقيرة، بدوية أو حضرية، يرى أنها تعيش واقعاً مزرياً في معظم الأحيان، إلا من رحم الله.. وإذا حاولنا تقصي ذلك ورصده نجد أنه ينبع بالأساس من عدم وعيها واستعمال عقلها في ما يصون كرامتها وشخصيتها وحقوقها، وما يكفل لها إنسانيتها بالدرجة الأولى، أي أنها تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الواقع الذي ترزح تحت وطأته، بغض النظر عن الظروف المعيشية والمادية التي يمكن أن تفرض عليها هذا الواقـع، والتي بإمكانـها التغلب عليها أو السيطرة على قسوتها، أو رخائها، إذا اكتسبت شروط الوعي بالإيمان الحقيقي وبمقومات العمل الصالح.

ويرجع عدم وعيها إلى أنها فرضت على نفسها، أو فُرض عليها، أن تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة، استسلمت فيها لمختلف مواقف الجمود والتخلف أو التمييع والانحلال، وأسلمت قيادها لجاهليتين تقودها بعيداً عن درب الله تعالى: جاهلية التقليد الأعمى أو جاهلية التغريب، فإما نجدها ترسف في أغلال تراكمات سنين طويلة من الجهل والتهميش والغياب، أو ترسف في أغلال الفكر التغريبـي الذي يستنـزف طاقاتها، إما بالتركيز على انحناءات الجسد والانشغال المسـتمر بمواطن الجمال فيه وإبرازه، وإما بخوض قضايا لا تمس جوهر قضيتها وواقعها، الأمر الذي أدى إلى فرض واقع مزيف ومهيمن، بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي الذي بسطت معالمه الشريعة الربانية وسيـرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسـلوكيات السلف الصالح، لأنه واقع يتغذى من مفاهيم وتصورات معينة أسقطتها في التخبط في ظل أزمة التفكير التي أشرنا إليها، وتتجلى مظاهر هذه الأزمة في سلوكياتها وممارساتها، ابتداءً من اختيارها لزوجها وتربية أولادها، وانتهاءً بالانغماس في علاقات منحرفة واتخاذ قرارات اجتماعية معينة.

ويمكن حصر المفاهيم والتصورات التي تحدد واقع المرأة المعاصرة في ثلاثة مفاهيم:

1- مفهوم ينبع من التصور الشعبي الخرافي للدين مع معلومات ناقصة ومغلوطة عن أحكامه، وما يتبع ذلك من استكبار وسقوط في الشرك، في بعض الأحيان، أي أن وضعية المرأة في ظل هذا المفهوم تتحدد بالعادات والتقاليد الموجودة في المجتمع دون محاولة وضعها في محك الضوابط الشرعية والقواعد التفسيرية الموحدة. وغالباً ما يكون ذلك بحسن نية، بل قد يكون باعتزاز وتبجح وإصرار على أن هذا المفهوم هو التصور الصحيح للإسلام.

ومن أبرز السلوكيات التي تتجلى عند أصحاب هذا المفهوم ارتباطهم الوثيق بالتحليل الخرافي للدين، ونجد المرأة ترتبط بهذه الدائرة ولا تحاول الخروج منها، وكل ممارساتها وسلوكياتها وعلاقاتها متساوقة معها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة مستمدة من هنا أو هناك أو بالوراثة كافية لاسـتيعاب دينها وتطبيقه في واقعها، ناسية أن ممارسـة التدين الحقيقي لن يتم عـلى وجهـه الأكمل إلا بالتفقه في المصادر الشرعـية: القرآن الكريـم والسنة النبوية الشريفة، وكل اجتهاد بعد ذلك يؤخذ منها ويترك حسب ظروف الواقع المعيش، فتسقط في تأدية العبادات تأدية آلية مقلدة ما وجدت عليه آباءها.. ويؤدي جهلها بأحكام الإسلام إلى تصرفات واتخاذ مواقـف منافية للشريعة.

ويمكن أن نأتي بصور عديدة لوضعية المرأة المتقوقعة في إطار هذا المفهوم، منها: التجاؤها إلى السحر والشعوذة في تصريف الأمور الصعبة التي تواجهها من مثل العنوسة، أو عدم الإنجاب، أو محاولة تطويع الرجل لرغباتها.. ومنها الخضوع المذل للتقاليد والعادات المستشرية في المجتمع، كبعض تقاليد الزواج مثلاً، وغير ذلك من الممارسات والسلوكيات التي تسقطها أكثر في الشرك والجهل والتخلف، كما تزيد من تعميق الاختلال الناتج عن عدم التوازن بين قانون التطور والواقع وبين ما تعتقده من عقيدة تواكلية محرفة.

2- مفهوم يعتبر الدين سـلوكاً شخصـياً بيـن المرء وربه، ولا علاقة له بضبط الحياة وتنظيمها وفق القانون الرباني، وهذا المفهوم يتبنى الفكر الغربي الذي يفصل بين الدين والحياة، ويعتبر التدين ظاهرة اجتماعـية تقوم على الوهم وتعبر عن وعي زائف، كما ينظر إليه بوصفه وسيلة لإضفاء الشرعية على الواقع القائم، ويفرض على المرأة (والرجل أيضاً) أن تمارس حياتها في معزل عن الدين وأحكامه، على أن ما لله فهو لله، وما لقيصر فهو لقيصر، وأن اتباع النموذج الغربي هو السبيل للخروج من واقع التخلف والجهل. لكن مثل هذه التبعية تجعلها تنخرط في واقع أشد خطورة وأكثر فتكاً، يحولها من موقعها الذي كانت فيه مجرد عقل مهجور وجسد متخصص في التفريخ إلى موقع أشد فتكاً بها، يتاجر بجسدها، ويستغل حاجتها لترويج بضاعته، أو لاستخدامها في الكسب المادي، وهذه المرأة في معظم الأحيان لا تنكر أنها تنتمي إلى الإسلام، بل قد تمارس بعض الشعائر وخاصة في المناسبات الدينية، أي أنها لا تجاهر بمروقها عن الدين وإنما تغلف ذلك باسم الحضارة والتقدم والتحرر، وتعتبر أن علاقتها مع ربها شأن شخصي بينها وبينه، لتكرس بذلك الفهم السلبـي للدين، الذي لا يرى فيه سـوى طقوس وعبادات لها أهداف فردية لا علاقة لها بالمجتمع أو تنظيمه أو تنظيم علاقاته، متناسية قولـه تعالى: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)) (البقرة:85)، فتقع في ازدواجية الفكر والشخصية، التي يعاني منها معظم المثقفين، نساء ورجالاً، الذين لم يستطيعوا أن يحصنوا أنفسهم بثقافتهم الإسلامية، وتسقط، كما يسقطون، في هوة التنكر للهوية الحضارية، لينعكس ذلك كله على ممارسـتها الحياتية في الواقع، ويخل بتوازنـها الذي قد يدخلها - والعياذ بالله - في دائرة الفسق المقابل للإيمان، كما في قول الله تعالى: ((أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـالِحَـاتِ فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ)) (السجدة:18-20).

والمرأة كلما اقتربت وانغمست في حمأة هذا المفهوم التغريبـي فإنها تسعى حثيثاً نحو دائرة الفسق، والعياذ بالله؛ لأنها تعمل على تعطيل الشريعة في الحياة وتهميش أحكامها، مما يؤدي إلى إعاقة دورها الحضاري الحقيقي الذي يجب أن تمارسه بوصفها امرأة مثقفة.. وتظل تدور في حلقات مفرغة من الاستغلال والتشييء والعنف والعنف المضاد، وفي مجتمعاتنا نماذج متعددة تقدم صوراً مختلفة عن وضعية المرأة نتجت عن هذا المفهوم لا مجال فيها للاحترام أو المساواة التي كثر المناداة بها، بل قد لا ترى ذرة من التحرر الذي من أجـله قامت الحركات النسـائية التحررية في هذه الوضعية، وإنما عبوديات في أشكال مختلفة وبمسميات شتى، أغلبها تنصب على جسدها لتجميله وتقديمه لكل ناظر، ومعظم، بل ربما الإنتاجات كلها التي قدمت في إطاره، سواء في ميدان الفن أو الأدب أو التجارة أو غير ذلك، تصب في ميدان صناعة الجسد وفرض حضوره بشكل مقزز ومهين للمرأة المعتزة بأنوثتها وإنسانيتها.

وهذا الواقع، الذي يفرزه هذا المفهوم، تعيش فيه المرأة (والرجل) مصابة بالاستلاب والتمزق والعقم، وتمارس الدين بصورة مجزأة بشكل يفصل بين المقاصد والغايات والأحكام الشرعية وحدودها، الأمر الذي يفقد الشعور الديني فعاليته، وتتحول الممارسات الدينية إلى مجرد طقوس وعادات وليس قوة فاعلة ومحركة لبناء توازن حقيقي بين الذات والواقع المتطور.

وفي كلا المفهومين (الأول والثاني) يتعطل الفكر، ويعيش في تبعية مطلقة، إما لما توارثناه من عادات وتقاليد تلصق بالدين وهو منها بريء، أو ممارسات ومواقف مستمدة من الفهم المبتور لعقيدتنا ولنصوص شرعية فهمت خطأ على غير حقيقتها، وإما لكل ما يأتينا من الضفة الأخرى دون تمييز أو فرز، فتنبذ المرأة كل ما يمت بصلة لجذورها وحقيقة وجودها، وتعيش ازدواجية فكرية وفصاماً أخلاقياً يقومان عائقاً في وجه أي تغيير أو تقدم أو رقي تتطلع إليه، ويصبح الدين وكأنه مجموعـة من الإكراهات يواظب عليها المسلم بدون روح أو شعور بطمأنينة وسـلام، ولعل هذا ما أشـار إلى جانب منه ابن عباس رضي الله عنـهما في حـديث موقوف عـليه: "من لم تأمره صلاته بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً" وربما كان هذا تفسيراً لامتلاء المساجد بالمصلين وفي الوقت نفسه ازدياد عدد الساقطيـن في أحضان المعاصي والسيئات بجرأة ولا مبالاة بلدت الحس والشـعور، وقوقعـت الأمـة في أسفل الركب الحضاري.

وهناك مفهوم ثالث يجاهد للخروج من هذه الأزمة يصيب أحياناً ويقع في الخطأ والتشدد أحياناً أخرى، لكن عذره عذر المجتهد الذي قد يخطئ وقد يصيب شرط إخلاص النية لله عز وجل.

3- وهذا المفهوم نابع عن فقهٍ بالذات الحضارية والواقع المعيش وعن إحساس متجذر بالمسؤولية عن الأعمال الدنيوية والجزاء الأخروي، وموجه بوعي بأحكام الإسلام ومبادئه ومقوماته ومقاصده، بغض النظر عن تفاوت هذا الوعي بين السطحية والعمق، ينتج عنه استخدام المرأة للفكر والعقل، ولو بشكل نسبي، والأخذ بأحكام الشريعة ومحاولة تطبيقها باعتبارها كلاً واحداً لا يتجزأ، وفي أغلب الأحيان تكون ممارساتها الحياتية متزنة، تقوم على أسس صلبة، رغم الإحساس بالغربة.

لكن في بعض الأحيان، قد ينتج عن سوء فهم المقاصد التشريعية والتشدد في مواجهة الواقع، السقوط في التصلب والتحجر وعدم سلوك أسلوب الليونة والمدافعة في اتخاذ المواقف، الأمر الذي يدفع المتعاطفين معها إلى النفور منها، والخوف من اقتحام منبع قناعاتها، خشية السقوط معها في جب الضيق والتحجر، وهذا لا شك يضر بمبدأ الوسطية التي يجب أن تتمسك به، كما يجنح بها إلى تبني ممارسات بعيدة عن الإسلام وروحه.

لكن يظل هذا المفهوم أقرب إلى الفطرة السوية والمعرفة الحضارية، وأدعى إلى تبني أطروحته وتعميقها في ضوء الوعي بأحكام الدين ومبادئه وقيمه وفقه الواقع والاجتهاد فيه؛ لأنه يدعو ويعمل على تأصيل قضية المرأة بإرجاعها إلى القرآن والسنة.

وانطلاقاً من هذه المفاهيم، التي تتحكم في تفكير المرأة وتوجيهها بصفة عامة، يمكن القول: بأن الأزمة التي تعاني منها هي أزمة تفكير تنسحب على واقعها.. أزمة تفكير ناتج عن الأزمة الأساس التي تعاني منها الأمة برمتها، وهي أزمة الهوية وما يسفر عنها من استلاب للشخصية واهتزازها أو محوها أحياناً، قد لا ينجو منها إلا من يتشبث بالوحي بوصفه مرجعاً رئيساً لإثبات هوية الإنسان المسلم، وبوصفه مرجعاً أولياً من مراجع المعرفة الإنسانية؛ لأنه يقوم على أساس متين وعميق من الصدق والموضوعية والواقعية في بناء الإنسان المتحرر من شتى العبوديات، التي تقيد عقليته وتصوراته، وتنتج مختلف أشكال التخلف والتبعية، التي تشل طاقات الأمة وتنأى بها عن مصادر القدرة على الإبداع والنهوض والتغيير.

فالوحي هو محرر العقل البشري من كافة الأوهام والخرافات، والداعي في مختلف الآيات إلى استكشاف الكون، والنظر في الآفاق، واستعمال العقل فيها. ولذلك لا يمكن أن يُقبل الوحي إلا بالعقل المتيقن من الحقيقة الإلـهية، والإيمان وإن انطـلق من القلب إلا أنه لا يصبح يقيناً ثابتاً إلا في العقل، وعبر الثقة العقلية المستندة إلى أدلة محسوسة من الواقع والكون والإنسان ومن الوحي نفسه.

فكيف لا يكون المنقذ من أزمة التفكير المنسحبة على أزمة الواقع، التي تعاني ويلاتها المرأة في المجتمعات الإسلامية، هو الوحي؟

كيف لا نثق يقيناً بأن الوحي يزخر بكنوز المعاني الدالة على التفكر والاستدلال واستعمال العقل والفكر في النفس والكون، وهو الذي يفتتح أول اتصاله بالأرض عبـر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى القراءة ((اقْرَأْ))؟

أليس قابليتنا لنبذ أهم دعائم وجـودنا ((اقْرَأْ)) في واقع حياتنا ما يدل على جهل وعقم في التفكير المؤدي إلا الانحطاط والتقهقر وكل أشكال التخلف؟

أليس الانفتاح العشوائي أسقطنا في مستنقعات لم نستطع التخلص منها؛ لأننا لم نقنن الانفتاح، ولم نعد نحدده في نهل المعرفة المسيجة بدوائر الإيمان والإخلاص والإحسان؟

إن واقع المرأة الـيوم في حاجـة، أكثر من أي وقـت مضى، إلى تجاوز أزمة التفـكير التي تقعـد به في مسـتنقعات الجهل والتقليد والتبعية والشعوذة، وترشيده بالفكر المستنير بنصوص القرآن والسنة الصحيحة حتى ينهض بدوره الأكمل، وتضع المرأة فيه أولى خطواتها نحو التدبر والتفكر والإصلاح: ((يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاء لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:57-58).

من هنا يجب عدم نسيان حقيقة مهمة وهي أن الإسلام أحدث انقلاباً شـاملاً في الحياة البشرية، سـواء على مسـتوى السـلوك أو التصور، واستطاع الإنسان من خلاله أن يتحرر من عالم القيود الذي كان يكبله.

كما يجب التذكير أن هذا الانقلاب كان بمشاركة فعلية من المرأة، بل كانت، بالإضافة إلى المشاركة، سباقة إلى الخيرات كلها، منها أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأم المؤمنين خديجة ـ رضوان الله عليها ـ أخذت على عاتقها نصرة الدين الإسلامي ومؤازرة نبي الله بكل ما تملك من قوى مادية أو معنوية، كما أن المرأة كانت "أول شهيد" في الإسلام.

وإذا تتبعنا المبادرات الإسـلامية الأولى، التي غيرت الحياة البشرية والواقع الإنساني، لا شـك أننا سوف نعثر على المرأة الواضعة لأولى لبناتها، وطبعاً لا يمكن أن يكون ذلك صدفة، وإنما لحكمة ربانية تشير إلى أهمية المسؤولية الملقاة على عاتق المرأة في كل عقود الحضارة الإسلامية.





* أكادمية مغربية، والمادة جزء من كتاب " قضية المرأة.. رؤية تأصيلية " صدر لها ضمن سلسلة كتاب الأمة، في قطر.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:32 PM
المرأة المسلمة..بين (موضات) التغيير وموجات التغرير
فؤاد بن عبدالكريم العبدالكريم






بدأ الاهتمام بقضايا المرأة على المستوى العالمي بشكل واضح ابتداءً من عام 1975م [1]، حيث اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك العام (عام المرأة الدولي)، وأقيم في ذلك العام المؤتمر العالمي الأول للمرأة [2]، ثم في عام 1979م عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، وخرج المؤتمرون باتفاقية تتضمن ثلاثين مادة وردت في ستة أجزاء، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بالمفهوم الغربي، وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها، إما بتصديقها وإما بالانضمام إليها.

وتعدُّ هذه الاتفاقية من أخطر الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة؛ أولاً لأنها تعدُّ الدين شكلاً من أشكال التحيز ضد المرأة؛ وثانياً لأن فيها رسماً لنمط الحياة في مجالاتها المختلفة (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والفكرية.. وغيرها من مجالات الحياة) بالمنظور الغربي لحقوق المرأة القائم على ركيزتي الحرية التامة والمساواة المطلقة؛ ولذلك كانت توصيات مؤتمرات المرأة اللاحقة تنطلق من هذه الاتفاقية وتعدُّها دستورها الأعلى؛ وثالثاً لأنها الاتفاقية الوحيدة الملزمة للدولة التي توقِّع عليها بتنفيذ بنودها كما تمت لإشارة إلى ذلك، وعدم التحفظ على أي بند منها.

وحيث إن المرأة المسلمة لم تتطبع بالأنموذج الغربي بالسرعة المطلوبة وبالتواريخ التي كانت المؤتمرات السابق ذكرها تضعها في أجندتها؛ فقد اتُخذت عدة خطوات من أجل سرعة تفعيل تغريب المرأة المسلمة، ويمكن تأريخ هذه الخطوات ابتداء من عام 2000م، وهو العام الذي حددته الأمم المتحدة موعداً نهائياً لتوقيع جميع الدول على اتفاقية « القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ».

ومن تلك الخطوات:

- عقد مؤتمرات قمة للمرأة على مستوى قرينات رؤساء وملوك الدول العربية: وقد أقيمت قمتان؛ الأولى في القاهرة بمصر، والثانية في عمان بالأردن.

وقد انبثق عنها عدة مؤتمرات إقليمية ناقش كل منها موضوعاً خاصاً، كالمرأة والإعلام، والمرأة والتعليم، والمرأة والتنمية.. إلخ.

- إنشاء مؤسسات خاصة بشؤون المرأة على أعلى مستوى: مثل: المجلس القومي للمرأة بمصر، والمجلس الأعلى لشؤون المرأة في بعض دول الخليج، كالبحرين وقطر.

وبعد أحداث 11/9/ 2001م، وما تلاه من تداعيات؛ حدثت تحولات عالمية كبيرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حيث سعت إلى إحداث تغييرات واسعة، كان لها الأثر الواضح في تدخلها على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي للمنطقة العربية والإسلامية أفغانستان مثال ظاهر في هذا الشأن، إلا أن الأمر لم يقتصر على المجالات السابقة، بل شمل أيضاً المجال الاجتماعي متمثلاً بالمرأة وقضاياها، فالولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد في العالم هذه الأيام استغلت ما أسمته « حرب الإرهاب »، واستلمت زمام الترويج لما يسمى حقوق المرأة، وأخذت تبشر دول المنطقة وشعوبها بالديمقراطية الأمريكية، والتي تقوم - في جانبها الاجتماعي - على المساواة بين الجنسين، والتحرر الجنسي، والمثلية الجنسية - الشذوذ الجنسي -، وإباحة الإجهاض، كما أشار إلى ذلك « رونالد إنغلهارت » [3] في مقال له بعنوان: « الصدام الحقيقي بين الحضارات » في

مجلة (fp) الأمريكية [4].

وقد كانت هناك تصريحات أمريكية نادت وما زالت إلى هذا اليوم تنادي بوجوب حصول المرأة المسلمة على حقوقها بالمفهوم الغربي المخالف للإسلام، وهذه التصريحات على مستوى الرئاسة الأمريكية؛ بدءاً من بوش ومروراً بوزير خارجيته، وكبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية.

وسأنقل الآن بعض هذه التصريحات، مرتبة ترتيباً زمنياً، وإن كان في بعضها شيء من التفصيل؛ وذلك لبيان صفاقة هؤلاء القوم في عزمهم فرض مفهوماتهم وقيمهم الاجتماعية على دول المنطقة، مستغلين هيمنتهم على العالم من جهة، وضعف حال الأمة الإسلامية، ووجود طابور من المنافقين والمنافقات الذين يستجدون هؤلاء القوم لتحقيق أهوائهم وشهواتهم من جهة أخرى.

أولاً: « إبريل بالمرلي » كبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية:

حيث ألقت كلمة بعنوان: « النساء في مجتمع عالمي »، وذلك في مؤتمر بإستانبول بتركيا بتاريخ 19/9/2002م.

وكان مما قالته: « كما أسهم سقوط نظام طالبان وما كان له من تأثير فوري على حياة النساء والبنات في أفغانستان في زيادة وعي الناس لأهمية الحكم التمثيلي الواسع القاعدة، وأهمية صيانة حقوق الإنسان لجميع المواطنين. ومن الناحية السياسية، ركزت الانتخابات التي شكلت معلماً فاصلاً في أماكن مثل البحرين والمغرب الانتباه على مشاركة المرأة في الحياة السياسية ».

وقالت أيضاً: « وصيانة حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من المجتمع العالمي، وحقوق المرأة حقوق إنسانية. وعليه فإننا نستطيع، عبر الترويج لحقوق المرأة، تحسين حياة النساء وعائلاتهن ومجتمعاتهن. ولكن ضمان حقوق المرأة لا يفيد أفراداً وعائلات فقط. بل هو يعزز الديمقراطية، ويدعم الازدهار، ويزيد الاستقرار، ويشجع التسامح. وهو في صميم بناء مجتمع مدني متقيد بالقانون يشكل شرطاً لا غنى عنه للديمقراطية الحقيقية. وقد أعربت الولايات المتحدة عن التزامها بالترويج لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم؛ عبر إنشائها مكتب (كبير منسقي قضايا المرأة الدولية) التابع لوزارة الخارجية، وهو المكتب الذي أرأسه.

وكما قال وزير الخارجية، كولن باول، (إن دفع عجلة قضايا المرأة في جميع أنحاء العالم ليس فقط أمراً متناسقاً مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأميركي إيماناً عميقاً، وإنما هو أيضاً في مصلحتنا القومية إلى حد كبير أيضاً). ويجتهد مكتبي في إعلام الناس في الولايات المتحدة وفي الخارج بالحاجة الملحة إلى الاعتراف بحقوق المرأة حول العالم.

أما أهدافنا فهي:

- دفع عجلة مفهومات حقوق المرأة الإنسانية، وتمكين النساء ومنحهن سلطة؛ كعنصرين مهمين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

- دمج هذا الهدف في السياسات، وتحويله إلى جزء من مؤسساتها عن طريق الدبلوماسية العامة، وبرامج التبادل المحلية والدولية، وتدريب العاملين في السلك الخارجي (الدبلوماسي).

- تشجيع الحرية والإيمان والأسواق الحرة عبر برامج تروّج لقضايا المرأة.

- إنشاء شراكات وتحالفات مع الحكومات الأخرى، والمؤسسات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية والخارجية، والقطاع الخاص؛ لصيانة هذه المصالح.

ويعمل مكتب (كبير منسقي قضايا المرأة الدولية) على تحقيق مزيد من الترابط والجلاء لهذا البرنامج السياسي، فنحن نروج لمجموعة كبيرة من المشاريع بالتعاون مع المكاتب المختلفة في وزارة الخارجية وغيرها من الكيانات الحكومية الأميركية، بإسهامات من المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية وحتى القطاع الخاص. وقد كان بعض أهم ما قمنا به حتى الآن دورنا القيادي في قضايا المرأة الأفغانية البالغة الأهمية، والتي تحظى باهتمام واسع عن طريق العمل مع الحكومة الأفغانية، وإنشاء المجلس النسائي الأميركي الأفغاني.

وعلاوة على ذلك؛ زودنا المشرعين الأميركيين بمعلومات حيوية عبر تقريرنا الشامل للكونجرس عن دعم الولايات المتحدة للنساء والأطفال واللاجئين الأفغان.

وقد عانت النساء الأفغانيات بشكل مؤلم أثناء الحرب، وأثناء قمع نظام طالبان القاسي أيضاً. وتقوم الحكومات المانحة حالياً بدعم المرأة الأفغانية الشجاعة أثناء سعيها إلى المشاركة في إعادة إعمار بلادها. وينبغي أن تكون قضايا المرأة في طليعة جهود إعادة الإعمار في أي مجتمع يمر بفترة ما بعد النزاع ».

وقالت أيضاً: « وعلى نطاق أوسع، حدد مكتبي ثلاثة مجالات عامة للسياسة سوف نستهدفها في جهودنا القادمة. وهذه المجالات هي:

- المشاركة السياسية للمرأة.

- المشاركة الاقتصادية للمرأة.

- الاتصال والتواصل مع النساء في الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها.

وقد حددنا تحديات مختلفة حول العالم نقوم حالياً بدراستها وإجراء الأبحاث حولها، كما نعمل على إقامة اتصالات لمساعدة الحكومة الأميركية في التشجيع على اتخاذ إجراءات في هذه المجالات ».

ومما قالته: « وأذكر على سبيل المثال أن نصف عدد النساء العربيات اليوم لا يستطعن القراءة أو الكتابة. وهذا يعني في الواقع أن تلك الدول تحرم نفسها من إبداع وإنتاجية نصف سكانها. ولا يمكن لأي بلد أن ينعم بالازدهار في مثل هذه الظروف، وقد ربط تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العالم العربي فعلاً، وإلى حد ما، بين تخلف الاقتصادات العربية وإخفاق الدول في تطوير طاقات نسائها. ونحن ملتزمون بالمساعدة في معالجة هذا الهدر للإمكانيات البشرية.

وكما قال الوزير باول: « إن الأمر ليس مجرد الرأي العام، بل هو حقيقة واضحة: إن الدول التي تعامل النساء بكرامة، وتمنح المرأة حرية اختيار الطريقة التي تريد أن تعيش حياتها فيها، وتمنحها حصولاً متساوياً (مع الرجل) على الخدمات الأساسية، وتمنحها فرصة متساوية للإسهام في الحياة العامة.. إن هذه الدول هي الدول الأكثر استقراراً وقابلية للحياة والنمو، وقدرة على مواجهة تحديات القرن الجديد، وإن هذه الدول هي الدول التي سندعمها ».

ولهذا السبب خاصة أُعلن اليوم أن مكتبي سيعقد اجتماعاً في العام القادم لجميع وزراء شؤون المرأة في كل أنحاء العالم لتناول تحدياتنا المشتركة، وتشاطر الحلول الخلاقة، وتعزيز وصيانة القضايا التي تهم المرأة. وسوف ندعم أولئك الذين يتوقون إلى حكومات تمثيلية عريضة القاعدة. ولن تجد الدول صديقاً أفضل من الولايات المتحدة أثناء تقدمها نحو مستقبل يتصف بقدر أكبر من الحرية، وقدر أكبر من التسامح » انتهى [5].

فكبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية؛ أبانت بشكل واضح أهداف السياسة الأمريكية تجاه نساء المنطقة، ووضعت برامج العمل، وحددت الوسائل لتنفيذ هذه الأهداف، وضربت بعض الأمثلة على ذلك.

ثانياً: « ستفين جي هادلي » نائب مستشار الرئيس بوش للأمن القومي:

حيث استعرض في واشنطن بتاريخ 19/2/2003م الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس بوش لأجل بناء عالم أكثر أمناً وأفضل من وجهة نظره، وعلى الأخص في الشرق الأوسط، وأفغانستان، والعراق.

فكان مما قاله: « إن الرئيس بوش أعاد تأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى جانب ما سماه (مطالب الكرامة الإنسانية غير القابلة للمساومة)، وهي: حكم القانون، وتحديد سلطة الدولة، وحرية التعبير، وحرية العبادة، والمساواة أمام القضاء، واحترام المرأة، والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة ».

وأضاف هادلي: « إن هناك بدايات واعدة بالإصلاح والانفتاح في العالمين العربي والإسلامي، وبنوع خاص في البحرين، والأردن، والمغرب، وقطر، وأفغانستان » [6].

ثالثاً: « كولن باول » وزير الخارجية الأمريكي:

فقد أصدر بياناً بمناسبة صدور تقارير حقوق الإنسان السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية، وذلك في واشنطن بتاريخ 4/3/2003م، حيث قال في هذا البيان: « إن الرئيس بوش والكونجرس والشعب الأميركي متَّحدون في قناعتهم بأن الدعم الفعال لحقوق الإنسان يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية الأميركية. والولايات المتحدة ستكون صديقاً ثابتاً للرجال والنساء حول العالم الذين يتجرؤون على السعي إلى تحسين الامتثال إلى معايير دولية لحقوق الإنسان داخل بلدانهم خاصة وفي العالم أجمع.

إن حكومة الرئيس بوش تعمل بالتعاون مع الحكومات والمنظمات ما بين الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والأفراد، للمساهمة في جعل أداء الحكومات حيال حقوق الإنسان منسجماً مع الأعراف الدولية.

إننا نتبنى بإقدام جدول أعمال عريض لحقوق الإنسان على الأصعدة الدولية والإقليمية والثنائية، وينطوي ذلك على تعزيز المجتمع المدني، ونشر مبدأ الحكومات الخاضعة للمحاسبة، والعدالة المتكافئة، والإصلاح القضائي، وحرية الصحافة، والحرية الدينية، والتسامح، وحقوق العمال، وحماية الأطفال، وحقوق النساء والأقليات ».

إلى أن قال: « وفي الوقت ذاته، فإننا لن نتراخى في التزامنا بترويج قضية حقوق الإنسان والديمقراطية. فالعالم الذي يمكن فيه لكل رجل وامرأة من كل قارة، وكل ثقافة، وكل معتقد، وكل عرق، وكل ديانة، وكل منطقة أن يمارسوا حرياتهم الأساسية هو عالم لا يمكن للإرهاب أن يروج فيه » [7].

رابعاً: « رتشارد وول » العضو الشعبي في الوفد الأميركي إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وهو محام يعمل في المعهد الجمهوري الدولي:

حيث ألقى خطاباً في الدورة السنوية التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان حول موضوع « البند [ 10 ]: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية » بجنيف، وذلك في 7/4/2003م، قال فيه [8]: « إن الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير الأوضاع الملائمة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الداخل والخارج ».

إن نسبة مئوية كبيرة من المساعدات الخارجية الأميركية تستهدف استراتيجيات التنمية الخاصة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ومما قال في هذا الخطاب: « ينبغي ألا تكون هناك أي فكرة خاطئة عن موقف الولايات المتحدة من هذه القضية، فنحن كأمة ملتزمون بتوفير الأوضاع المناسبة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الداخل والخارج. فنحن ندرك أهمية القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاستراتيجيات التنمية الشاملة، ولذلك فإن نسبة كبيرة من المساعدات الخارجية تصب في هذا الاتجاه. فقد طلب الرئيس للسنة المالية التي تبدأ في تشرين أول / أكتوبر ما يزيد على ألفي مليون دولار لبرامج المساعدات الجديدة. وكان الرئيس قد أعلن العام الماضي حساب تحدي الألفية الذي يتعهد بزيادة إجمالي مساعداتنا المخصصة للتنمية إلى خمسة آلاف مليون دولار خلال ثلاث سنوات للدول التي تحقق معايير الحكم الجيد والاستثمار في صحة مواطنيها ورعايتهم الاجتماعية ».

* مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية:

هذا وقد صدر عن وزارة الخارجية الأميركية خطة مبادرة شراكة أميركية شرق أوسطية، سميت « بيان حقائق عن وزارة الخارجية » [9]، وذلك بتاريخ 3/4/2003م؛ تتكون هذه المبادرة من موجز وثلاث محاور أساسية، هي: التعليم - الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص - تقوية المجتمع المدني، وكان لنساء الشرق الأوسط في هذا البيان نصيب من التدخل الأمريكي.

جاء في موجز هذه الشراكة أنها ستعمل مع حكومات وشعوب العالم العربي؛ لزيادة الفرص الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية للجميع.

وستتضمن المبادرة أكثر من ألف مليون دولار من المساعدات التي تقدمها الحكومة الأميركية للدول العربية سنوياً.

كما أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بتخصيص 29 مليون دولار كتمويل مخصص لبرامج المبادرة لدعم الإصلاح في كل مجال من المجالات الثلاث التي سبق ذكرها.

جاء في موجز هذا البيان ما نصه: « إن المبادرة شراكة، وسنعمل بصورة وثيقة مع حكومات العالم العربي والمانحين الآخرين والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.

وسنقوم كجزء من هذه المبادرة بمراجعة برامج المساعدة الأميركية الحالية في المنطقة لضمان كون مساعداتنا تصل إلى أكبر عدد ممكن من الناس في جميع أنحاء المنطقة، مع تأكيد خاص على النساء والأطفال.

كما أننا نريد ضمان كوننا نقدم أكثر الإعانات الممكنة تأثيراً وفعالية. وسنستخدم التسعة والعشرين مليون دولار لإقامة برامج رائدة جديدة في كل من مجالات المبادرة التي تحظى بالأولوية. وعلاوة على ذلك، سنطور في كل مجال من المجالات التي تحظى بالأولوية مشاريع تهدف بشكل محدد إلى تمكين النساء وزيادة الفرص المتاحة للشباب. وسيشغل نائب وزير الخارجية، « رتشارد آرميتيج » منصب منسق المبادرة. وسيدير المبادرة مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية ».

وأما ما يتعلق بمحور التعليم فأبرز ما يمكن ذكره أن هذه المبادرة ستوفر برنامج «شراكات في سبيل العلم » لتشاطر المعرفة مع جميع شرائح المجتمع في الشرق الأوسط عن طريق برامج مثل: ورشة عمل جامعة ولاية جورجيا لقادة المنظمات غير الحكومية من المملكة العربية السعودية، والكويت، واليمن، والإمارات العربية المتحدة.

وكذلك سيكون هناك برامج تركز على تحسين حياة البنات والنساء من خلال التدريب على القراءة والكتابة، وتقديم المنح للبقاء في المدارس، وتعليم اللغة الإنجليزية.

وسيكون هناك منح للحصول على شهادة البكالوريوس في الولايات المتحدة وفي الجامعات الأميركية الموجودة في المنطقة، مع التركيز على التخصص في حقول كالاقتصاد والتربية والتعليم وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والعلوم.

وأما محور الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، فأبرز ما سيقدمه للمرأة: « مِنَح وزارة التجارة الجديدة الخاصة للتدرُّب في مؤسسات أعمال أميركية، وهي المنح التي ستؤمن تدريباً في شركات أميركية، وستركز أيضاً على إنشاء شبكات وفرص تدريب لسيدات الأعمال من الشرق الأوسط ».

* أبرز التغيرات التي طرأت في قضايا المرأة المسلمة:

كان للتدخل الأمريكي السافر في شؤون المرأة المسلمة عموماً والعربية خصوصاً، بالإضافة إلى نشوء بعض المجالس العليا الخاصة بالنساء في بعض البلاد العربية ـ التي تمت الإشارة إليها في بداية المقال ـ أثر في ظهور متغيرات سريعة ومفاجأة ومتتابعة في تنفيذ بعض القضايا والتوصيات التي نصت عليها الاتفاقيات والمؤتمرات الصادرة عن الأمم المتحدة.

وسأشير إلى أهم القضايا التي حدث فيها التغير في بعض الدول العربية، ودور الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المنظمات الغربية في هذا التغير وتشجيعه، حسب ما يتيسر:

أولاً: المشاركات السياسية:

أشرت في بداية المقالة إلى المادة السابعة والثامنة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي فيها إشارة إلى الحقوق السياسية للمرأة.

وقبل أن أتحدث عن مدى ما تحقق من مشاركة سياسية للمرأة في بعض البلدان العربية، ومدى تشجيع ودعم الأمم المتحدة وأمريكا لهذه المبادرات الجريئة؛ أحب أن يطلع القارئ الكريم على اتفاقية صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل حوالي خمسين عاماً [10]، وتحديداً بتاريخ 20/12/1952م؛ وذلك لالتصاقها الوثيق بموضوعنا.

وعنوانها: (اتفاقية خاصة بشأن الحقوق السياسية للمرأة)، جاء فيها: « إن الأطراف المتعاقدة، رغبة منها في إعمال مبدأ تساوي الرجال والنساء في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافاً منها بأن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، ورغبة منها في جعل الرجال والنساء يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفي ممارستها؛ طبقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قررت عقد اتفاقية على هذا القصد، وقد اتفقت على الأحكام التالية:

المادة الأولى: للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات؛ بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثانية: للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.

المادة الثالثة: للنساء أهلية تقلد المناصب العامة، وممارسة جميع الوظائف العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز ».

وقد ركزت الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية على هذه القضية كثيراً، فصدرت عدة تصريحات من مسؤولين أمريكيين تدعو إلى المشاركة السياسية للمرأة، وتشجع على المبادرات التي طبقت في بعض البلاد العربية.

وفي مؤتمر، عقد بالعاصمة الأمريكية واشنطن، تم دعوة 50 سيدة من الشخصيات النسائية العربية [11]؛ من الناشطات في العمل النسائي والصحفي من 14 دولة عربية. وقد تقدمت ابنة نائب الرئيس الأمريكي تشيني إليزابيث في هذا الجانب بفكرة حازت إعجاب الإدارة الأمريكية التي تحاول ليس السيطرة على المنطقة العربية فحسب، بل تسعى إلى السيطرة على العقول وفرض ثقافتها بالقوة على الدول العربية، حيث تم إقرار البرنامج تحت عنوان: « الإصلاح الديمقراطي بمنطقة الشرق الأوسط » رصدت له الإدارة الأمريكية خمسة مليارات دولار تشرف عليه إليزابيث بنفسها؛ بزعم تحسين أوضاع المرأة والديمقراطية والتعليم، بالإضافة لما هو معلن إلى برنامج آخر رصدت له عشرين مليون دولار بهدف توسيع هامش الديمقراطية والمشاركة في الإصلاح بالمنطقة والذي يعتمد على استضافة شخصيات عربية معروفة بانتمائها النقابي والحزبي والثقافي وتبادل الآراء بينها وبين الخبراء والمستشارين بالإدارة الأمريكية، آخرها جولة بين 19/10/ 2002 م و7/11/2002م، تم فيها دعوة سيدات عربيات.

وقد نظم للمدعوات رحلات على مدى 14 يوماً بخمس ولايات، كما وزعن على مجموعات عمل صغيرة، وجرى إطلاعهن على الدور الذي تقوم به المرأة الأمريكية في عملية الانتخابات، في الترشيح وتنظيم الحملات الانتخابية وإدارتها.

كما عملن بعض الوقت مع المعهد الديمقراطي الوطني، ونظيره المعهد الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية.

وعقد لقاء في واشنطن بين المدعوات وبين إليزابيث تشيني وعدد من زوجات نواب الكونجرس من المنتميات إلى جماعات الضغط الصهيونية في حضور شارلوت بيرس مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للعلاقات العامة. وقد قامت السيدات العربيات بسرد حالات الإحباط السياسي والقهر التي يعانين منها في بلادهن.

وتناولت وسائل الإعلام الأمريكية اللقاء خاصة صحيفة « الواشنطن بوست » في عددها الصادر في الرابع من نوفمبر، حيث كتب بيتر سلفين مقالاً بعنوان « الإعداد للديموقراطية » لخص فيه الهدف من الندوة، وجاء فيه أن قرابة خمسين امرأة عربية تحدثن في واشنطن عن إحباطهن من السياسات في دولهن، ويشعرن بالإحباط والقهر في ظل الأنظمة العربية القائمة؛ زاعمة أنه يتم قمع رغباتهن في العمل السياسي، وأعربت السيدات عن استيائهن من سياسة بلادهن التي تمنعهن من مزاولة أي نشاط، وابتكار حكوماتهن العراقيل بينهن وبين وصولهن للسلطة.

وهذه (إلين سوربري) ـ سفيرة الولايات المتحدة ومندوبتها إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع المرأة [12] ـ تصرح في كلمة ألقتها في الدورة التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف في 10/4/2003م، بأن: « توسعة مشاركة النساء السياسية في جميع أنحاء العالم هدف مهم آخر؛ ذلك أن تعزيز حقوق النساء من خلال المشاركة السياسية يحسن ليس فقط حياة النساء وإنما حياة عائلاتهن أيضاً، ويحسن المجتمعات المحلية والمجتمع الكبير في جميع أنحاء العالم، ولا يمكن لأي دولة أن تصبح ديمقراطية حقة إن كان يتم تعمد إخماد صوت أكثر من نصف سكانها. فبناء مجتمعات جيدة التنظيم يستدعي الإصغاء إلى آراء القطاع النسائي كمجموعة وأخذها بعين الاعتبار في العملية السياسية ».

* ومن الدول التي كانت للمرأة فيها مشاركات سياسية:

بعض دول الخليج - دولة قطر -، فقد جاء تعيين أول امرأة وزيرة في قطر [13] بل أول امرأة في الخليج تتبوأ حقيبة داخل مجلس الوزراء بعد أيام على الاستفتاء الشعبي الذي أُقر أول دستور لقطر في 29/4/2003م.

وأكد الدستور القطري الأول منذ عام 1971م الذي أُقر بعد استفتاء عام، حق المرأة القطرية بأن تَنتخِب وتُنتخَب، وحقها بإقامة حياة برلمانية؛ عبر إنشاء مجلس شورى من 45 عضواً يُنتخب ثلثاه بالاقتراع المباشر.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عيَّن أمير قطر شقيقته نائبة لرئيس مجلس إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدرجة وزير، إلا أنها لم تتسلم أي منصب حكومي.

كما وصلت امرأة إلى المجلس البلدي في قطر في إثر الانتخابات التي جرت في أبريل عام 2002م. وشاركت النساء للمرة الأولى في الانتخابات البلدية في مارس عام 1999م.

وقد حازت هذه التغييرات السياسية للمرأة في قطر على إعجاب الرئيس الأمريكي جورج بوش [14]، حيث أثنى على أمير قطر، أثناء زيارته للبيت الأبيض في 8/5/2003م، فقال: « وقد أعطى الأمير أيضاً مثلاً قوياً على ما هو ممكن في ذلك الجزء من العالم الذي ينتمي إليه، إنه مصلح، وقد طور دستوراً جديداً يسمح للمرأة بأن تدلي بصوتها، وأدخل النساء في وزارته، إنه زعيم عظيم، وهو يؤمن بقوة بالتعليم، فالمواطنون المتعلمون هم الأكثر احتمالاً بأن يحققوا أحلامهم ».

أما في البحرين: فقد نص تقرير وزارة الخارجية الأميركية [15] عن حقوق الإنسان في مملكة البحرين للعام 2002م الصادر عن الوزارة في 13/3/2003م على أن الملك عيّن ست نساء في مجلس الشورى، ويحق للنساء التصويت والترشح للمراكز المنتخبة، وبعض النساء ترشحن في العمليتين الانتخابيتين، لكن لم تفز واحدة منهن بمقعد، ورغم أن أي امرأة لم تنتخب في المجالس البلدية أو النيابية، إلا أن الدستور يمنح المرأة حق المشاركة، وكان هذا موضوعاً تردد مراراً في البيانات العامة للملك وولي العهد. وقد جاءت نسبة الاقتراع في الانتخابات البلدية في مايو بحدود 51%؛ كما أن حوالي 52% من الذين اقترعوا كانوا من النساء. أما نسبة الاقتراع في انتخابات تشرين الأول / أكتوبر، فكانت بحدود 53%، حسب الأرقام الحكومية؛ ولم تنشر الحكومة عدد النساء اللواتي اقترعن. علماً أن الحكومة البحرينية لا تضم أي امرأة.

أما في دولة عُمان [16]؛ فإن للمرأة حق المشاركة الانتخابية إذا بلغت 21 عاماً، حيث سيتم فتح المجال كاملاً أمام المرأة في المشاركة في العملية الانتخابية دون تقييده بنسبة معينة.

وقد عين السلطان قابوس بن سعيد في مارس من هذا العام رئيسة للهيئة العامة لشؤون الحرفية [17]، بدرجة وزير. وتشغل امرأتان مقعدين في المجلس الاستشاري العماني، وقد انتخبتهما هيئة مؤلفة من رؤساء القبائل والأعيان من كل أنحاء السلطنة.

وأما في دولة الكويت فقد أصدر أميرها في شهر مايو من عام 1999م مرسوماً أميرياً [18] يمنح المرأة الكويتية حقوقاً سياسية كاملة بحلول عام 2003م، لكن البرلمان المكون برمته من الرجال لم يوافق على الإجراء حين صوت 32 عضواً ضده مقابل 30 عضواً صوتوا إلى جانبه في وقت لاحق من ذلك العام.

ولا يوجد في الكويت مناصب سياسية كبيرة تشارك فيها المرأة إلا منصب سفير، رغم المحاولات المستميتة من قبل بعض الكويتيات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية؛ ولأجل ذلك كان هناك تنسيق بين بعض أولئك النسوة وبين جهات أمريكية من أجل التدرب وتلقي الدعم الأمريكي في هذا الجانب.

فقد توجه وفد نسائي يضم عشر كويتيات [19] إلى « واشنطن » لحضور ما يسمى بالبرنامج المكثف لتطوير المهارات القيادية والشخصية واتخاذ القرارات لدى النساء اللائي يتبوأن مناصب مهمة.

وقالت عضو الوفد الدكتورة « رولا دشتي » إن البرنامج استمر لمدة عشرة أيام بدأ من 26/1/2003م حتى 7/2/2003م.

وأوضحت أن البرنامج منظم من قِبَل « معهد قيادة الأصوات الحيوية العالمي » في واشنطن برئاسة السيناتور « هيلاري كلينتون » قرينة الرئيس الأمريكي السابق « بيل كلينتون » وزميلتها السيناتور « كاي هيوتشيسون » من الحزب الجمهوري بالتعاون مع برنامج الزائرين الدوليين في وزارة الخارجية الأمريكية.

وقد نُظمت حلقة النقاش التي حملت عنوان « وضع المرأة في الكويت: تحديات وتغيرات تلوح في الأفق » بالتعاون مع « أصوات حيوية [20] » voices vital، وتهدف إلى هذه الحلقة إلى مساعدة نساء الكويت في إنجاز حقهن في التصويت والترشيح للانتخابات النيابية، وإلى زيادة إشراك النساء في الحياة العامة ومؤسسات المجتمع المدني عبر تدريب الزعامات النسائية في المنظمات غير الحكومية.

هذا وقد أقيمت في شهر مارس من هذا العام الميلادي ندوة في الدوحة [21] تحت عنوان « دور المرأة الخليجية في الحياة البرلمانية والسياسية » شاركت فيها كل من الإماراتية الدكتورة « موزة غباش »، والكويتية الدكتورة « بدرية العوضي »، والبرلمانية الأردنية « توجان الفيصل ».

وقد تحدثت الندوة عن قضية المرأة الخليجية من عدة أوجه كمشكلات دخولها الحياة السياسية، والعراقيل ومكمن الخلل، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على الجانب التاريخي القانوني والدستوري لدول مجلس التعاون الخليجي، ومدى دعم هذه الدساتير لحقوق المرأة.

أما بالنسبة لمصر فإن مشاركتها النسائية السياسية متقدمة على مستوى الدول العربية: فقد أصبح حقل الدبلوماسية المصرية حافلاً بالموظفات من النساء، بعد أن صارت هناك امرأة دبلوماسية بين كل ستة رجال، الأمر الذي بات معه الرجال يخشون من احتكار النساء للوظائف الدبلوماسية!!

ووفقاً لإحصاءات وزارة الخارجية المصرية [22]؛ فإن النسبة في ازدياد مستمر؛ فقد التحق بالسلك الدبلوماسي مؤخراً 15 امرأة مقابل 21 رجلاً فقط، وهي النسبة الأعلى من نوعها منذ نحو نصف قرن، الأمر الذي يفسر بأنه يشكل تقدماً نسائياً مقابل تراجع الرجال في هذا المضمار.

وتشير هذه الإحصاءات إلى وجود 12 رئيس بعثة دبلوماسية من النساء، بينما تزيد النسبة في الدرجات الأقل؛ إذ إن سدس العاملين في السلك الدبلوماسي نساء، كما أن هناك سفيرة فوق العادة ضمن 11 سفيراً لمصر على مستوى العالم.

وتمضي إحصاءات الخارجية المصرية إلى القول إن عدد الدبلوماسيات بلغ 161 امرأة من أصل 900 دبلوماسي يشكلون واجهة مصر أمام دول العالم، وأن هناك 14 سفيرة و7 قناصل يشكلون 15% من مجمل رؤساء البعثات بالخارج، مشيرة إلى أن هناك 37 سفيرة من الفئة الممتازة، و17 وزيراً مفوضاً و23 مستشاراً، و18 سكرتيراً أول، و30 سكرتيراً ثانياً وثالثاً و45 ملحقاً.

وتجدر الإشارة إلى أن الدكتورة « فايزة أبو النجا » تشغل منصب وزيرة الدولة للشؤون الخارجية، وهو منصب وزاري مستحدث في التشكيل الحكومي الأخير في مصر، وهو خلاف منصب وزير الخارجية، وإن كان هناك من يرى تداخلاً في الأمر، غير أن « فايزة أبو النجا » تنفي ذلك مؤكدة أنها تعاون « ماهر » في القيام بمهام العمل الدبلوماسي الخارجي في ختام مشوارها الدبلوماسي الذي كلل بأول حقيبة وزارية من نوعها عربياً. كما أن هناك عضوات بمجلس الشعب المصري.

كما أنه صدر قرار رئيس الجمهورية المصرية بتعيين الأستاذة « تهاني الجبالي » أول قاضية في مصر في العصر الحديث، وقد حدث هذا الأمر بعد محاولات استمرت أكثر من 50 عاماً من تقديم أول طلب لتولي منصب القضاء من الدكتورة عائشة راتب آنذاك، وقد تم رفض طلبها وتقدمت برفع دعوى لمجلس الدولة لشرح هذا الموضوع.

ويأتي هذا القرار بتعيين أول قاضية في مصر بالمحكمة الدستورية العليا كقاضي جالس.

هذا وقد أقام المركز المصري لحقوق المرأة احتفالاً بهذه المناسبة شاركت فيه مؤسسات دولية، مثل مؤسسة « كونراد أديناور »، واللجنة الفرعية للدول المانحة وممثليها « أ / آرلت أوزاريان ».

وعلى الرغم من ذلك فما زالت الحركات النسائية ومراكز المرأة في مصر تسعى إلى تمثيل أكبر في الانتخابات والمشاركات السياسية، وذلك من خلال إقامة المنتديات والمؤتمرات الداخلية والخارجية حول هذا الأمر.

وأذكر مثالاً واحداً على مؤتمر أقامته « جمعية نهوض وتنمية المرأة المصرية » [23] بعنوان « المشاركة السياسية للمرأة: الواقع والتحديات » وذلك بتاريخ 6/2003م، حيث حضر المؤتمر د. « فرخندة حسن » الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، ود. « أمينة الجندي » وزيرة الشؤون الاجتماعية، ود. « مؤمنة كامل » أمينة المرأة بالحزب الوطني الديمقراطي.

ويهدف المؤتمر إلى التأكيد على أهمية ما يسميه المشاركة السياسية للمرأة ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، مع إلقاء الضوء على النماذج الناجحة للنساء في العمل العام والعمل السياسي.

وقد صرَّحت د. « إيمان بيبرس » ـ رئيسة الجمعية ـ أنه تم من خلال المؤتمر تكريم عضوات مجلس الشعب، وعرض تجاربهن، ورحلة وصولهن للمجلس، كما تم تكريم بعض عضوات المجالس الشعبية المحلية، ورئيسات المراكز والقرى.

كما أشير في مثال واحد أيضاً إلى التعاون الأمريكي مع نساء المنطقة، فقد بدأ « المركز المصري لحقوق المرأة » بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية usaid بالقاهرة التحضير لعقد ورشة عمل تحت عنوان: « ملتقى المرأة العربية »، والمزمع انعقادها في الفترة من أول مايو 2003م بالقاهرة.

وتهدف الورشة كما ينص الخبر [24] إلى دراسة أوضاع المرأة العربية، ووضع خطة عمل عملية لتطوير ودعم جهود المرأة في كل دولة عربية؛ وذلك بهدف تعزيز مشاركة المرأة في جهود التنمية على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وخاصة أن تقرير التنمية الإنسانية العربي الصادر عن الأمم المتحدة قد أكد على أن أسباب تراجع معدلات التنمية في المنطقة يعود لأسباب عدة، أهمها غياب الحرية وغياب تمكين المرأة.

وسوف يتم الحوار في هذه الورشة على محورين أساسيين:

المحور الأول: قانوني، ويكون ذلك بما يلي:

- مناقشة البيئة التشريعية التي تضع قيوداً على المرأة وتحد من مشاركتها، وتدريب مؤسسات المجتمع المدني على حشد الرأي العام؛ لتغيير السياسات والقوانين التي تنطوي على تمييز ضد المرأة، فضلاً عن القوانين التي تعوق عمل المؤسسات الأهلية.

- وضع استراتيجيات للتشبيك كخطوة للتغيير. وكخطوة أولى يمكن التركيز على المرأة والمواطنة، مثل: قانون الجنسية، الحق في تولي القضاء، حقوق التصويت وقانون الشرف « العقوبات ».

- وضع آليات تقييم ومتابعة التقدم على الصعيد القانوني للمرأة العربية.

المحور الثاني: سياسي، وذلك على النحو التالي:

- سوف يتم التركيز على مناقشة آلية زيادة مشاركة المرأة في مراكز صناعة القرار، مثل: تدريب القيادات، إدارة الحملات، وتنظيم الحملات الانتخابية.

- التركيز على تدريب مؤسسات المجتمع المدني على تطوير وتنفيذ برامج التعليم المدني وتشجيع النساء على المشاركة في التأثير على السياسات لتصبح مدعمة لحقوق المرأة.

- وضع آلية للرصد والتقييم للتطورات على الصعيد السياسي وتأثيرها على المرأة العربية.

ثانياً: ما يتعلق بالأحوال الشخصية:

وأبرز مثالين فيما يتعلق بالتغيير في أحكام الأحوال الشخصية، التي بقيت لم تطلها - إلى حد ما - يد القوانين الوضعية، ما حصل بالمغرب ومصر، من محاولات مستميتة؛ من أجل تغيير هذه الأحكام المبنية على الأحكام الشرعية، وإلباسها لباس الاتفاقيات والتوصيات الأممية المخالفة للفطرة، فضلاً عن مخالفتها للشريعة الإسلامية، من باب التحديث وحقوق المرأة ومسايرة العالم الغربي.

وأشير الآن بشيء من الاختصار إلى التغييرات التي حصلت في هاتين الدولتين المسلمتين، فيما يتعلق بهذا الأمر.

* المغرب:

وأبرز حدث في هذا الشأن ما يسمى: « الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية » [25] التي أعلنت في 19/3/1999م، وهذه الخطة جزء من مخطط دولي يهدف إلى فرض النموذج الغربي العلماني في العلاقات الاجتماعية والأسرية، وتعديل قوانين الأسرة (مدونة الأحوال الشخصية) لتتماشى معه.

ومما دعت إليه هذه الخطة: رفع سن الزواج لدى الفتيات من 15 إلى 18 سنة، وتقاسم الممتلكات في حالة الطلاق، وإلغاء تعدد الزوجات، وإضفاء الاختيارية على وجوب حضور ولي أمر المرأة عند الزواج.

وقد تم تنزيل هذه الخطة وبشكل متزامن في الكثير من الدول العربية والإسلامية (المغرب، النيجر، مصر، اليمن...)، هذا المشروع أعدته في المغرب وفي تكتم شديد (كتابة الدولة) المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة بالتعاون مع الجمعيات النسوية والأحزاب والمنظمات الحقوقية اليسارية، ودون استشارة باقي مكونات المجتمع المدني المعنية بقضايا الأسرة وعلى رأسها العلماء.

وقد هاجم الإسلاميون بشدة هذه الخطة، ورأوا فيها طريقة لنسف الأسس الإسلامية للمجتمع، وقد صدرت بيانات استنكارية لهيئات العلماء وبعض الجمعيات الأخرى.

وفي شهر أكتوبر من عام 2001م، طالبت « مجموعة ربيع المساواة » المغربية المكونة من تسع جمعيات نسائية الحكومة بإدخال تعديلات شاملة على مدونة الأحوال الشخصية بما يخدم حقوق المرأة في نظر هذه الجمعيات فتقدمت بمذكرة للحكومة كما ذكرت ذلك مسؤولة إحدى الجمعيات التسع [26] تتضمن تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية، تقوم بالأساس على نبذ علاقة « الطاعة مقابل الإنفاق » التي تشكل جوهر المدونة الحالية، وتهدف إلى قيام علاقة الندية بين الرجل والمرأة عبر مراحل ثلاث، تبدأ عند الإقدام على الزواج، وتستمر أثناء الحياة الزوجية، وتنتهي بانتهاء تلك الحياة، وهي مجموعة مقتضيات مترابطة.

وأضافت المسؤولة أن مرحلة الإقدام على الزواج تنص على توحيد السن الدنيا للزواج، وهي 18 سنة كاملة بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، وتمتع كل من المرأة والرجل بكامل الأهلية القانونية لإبرام عقد الزواج بنفسيهما، والنص على منع تعدد الزوجات.

وفيما يتعلق بمرحلة العلاقة الزوجية؛ فإن المذكرة تنص على تساوي الزوجين في الحقوق والواجبات، وتولّي الزوجين الإنفاق المشترك على الأسرة كل حسب إسهامه بما في ذلك العمل المنزلي، وتولي الزوجين معاً الإشراف المشترك على شؤون البيت، وتربية الأطفال، والولاية عليهم.

وعند وقوع الطلاق؛ فإن الجمعيات تقترح أن يحكم القاضي بالطلاق بعد تراضي الزوجين عليه، أو بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ضرر متبادل، ثم التصرف المشترك في الممتلكات بأن يتم اقتسام الممتلكات التي امتلكها الزوجان أثناء الحياة الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في تلك الممتلكات، وتوحيد شروط الحضانة وذلك بضمان حرية زواج الحاضن من الأبوين: رجل أو امرأة، وبقاء الحاضن من الأبوين في بيت الزوجية، وتوحيد سن المحضون ولداً أو بنتاً في 15 سنة.

وكانت مجمل التعديلات سالفة الذكر موضع خلاف شديد بين حكومة اليوسفي والقوى السياسية المحافظة، تتقدمها المجموعات الإسلامية، وذلك خلال عام 1999م، فحكومة اليوسفي عرضت آنذاك مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تضمنت بنوداً تقضي بإدخال جل التعديلات السابقة على مدونة الأحوال الشخصية، إلا أن المجموعات الإسلامية في المغرب تصدت لهذا المشروع.

وقد عاشت البلاد آنذاك أجواء مواجهات بين عشرات الأحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات الحقوقية والمنتديات، والتيارات الإسلامية وأطراف محافظة أخرى، حول تحديد السن الدنيا للزواج بـ 18 سنة، وأحقية المرأة في تزويج نفسها، وهو ما يعني الاستغناء عن شرط الولي هذا الاستغناء يجيزه الأحناف لا المالكية، واقتسام الممتلكات التي كونها الزوجان أثناء الحياة الزوجية، وتمكين المرأة من حق طلب الطلاق، والسماح للمرأة الحاضنة بالزواج، ومنع تعدد الزوجات صراحة.

وفي ضوء تصاعد الأمور، حيث قام ما يربو على أربعين ألفاً من المطالبين بتنفيذ هذا المشروع بتظاهرة يطالبون فيها بإقراره، فهرع مليون ونصف من الشعب المغربي المسلم الغيور في تظاهرة مضادة يطالبون بوأد هذا المشروع المخالف للشرع والعرف المغربي [27]، عند ذلك بادر العاهل المغربي إلى استقبال جميع المنظمات والجمعيات النسائية من مختلف التيارات، وتم الاتفاق على تكوين لجنة من الخبراء والعلماء لتقدم إليه مقترحات في هذا الشأن، غير أنه حتى الآن لم تُقدّم أي حلول للقضايا محل الخلاف بين المنظمات النسائية والقوى الإسلامية.

يذكر أن الملك الحسن الثاني كان قد أدخل تعديلات مهمة على مدونة الأحوال الشخصية في مطلع التسعينيات الميلادية، دون أن يثير ذلك هذا المستوى من الخلاف، ومن أهم تلك التعديلات: منع زواج الشخص المتزوج إلا بإذن صريح ومكتوب من زوجته، وتوفر وثيقة طبية تثبت سلامة الشخص من أي مرض... وغيرها، وهي تعديلات جاءت تلبية لجزء من المطالب التي تقدمت بها الحركات النسائية آنذاك، كما كوّن الحسن الثاني لجنة من العلماء رفعت إليه اقتراحات في هذا الشأن، تبناها مباشرة، وقدمتها الحكومة في إطار مشروع قانون صادق عليه البرلمان.

وما زالت هذه الخطة مثار جدل إلى هذا اليوم، بين المغربيات المستغربات، والحركات النسائية الإسلامية، حيث نظمت مجموعة من الفتيات المؤيدات للخطة في الثامن من مارس لهذا العام 2003م (وهو الموافق ليوم المرأة العالمي) تجمعاً أمام البرلمان، نظمته لجنة التنسيق الوطنية للجمعيات النسائية، والتي تضم في عضويتها كل الحركات النسائية المشبوهة، ومجموعة من الجمعيات الحقوقية، وقد طالبن في هذا التجمع من خلال شعارات رفعنها بالحرية والمساواة في الحقوق مع الرجل، والإسراع بالمدونة الجديدة للأحوال الشخصية، وإخراج قانون جديد للأسرة ينص على احترام المرأة، ويدعو إلى التكافل، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وإلغاء فصول التمييز الخاصة بالولاية في الزواج وأحكام الطاعة والخلع، والعودة القسرية لبيت الزوجية، وإلغاء تعدد الزوجات، واعتماد الطلاق القضائي، والحق المتساوي للطرفين في طلبه، وإلغاء الفصل الذي يقضي بإسقاط الحضانة عند زواج الحاضنة، واعتبار ممتلكات الأسرة المتراكمة خلال الحياة الزوجية ممتلكات مشتركة وخاضعة للقسمة المتساوية عند الطلاق أو الوفاة، واحتفاظ المطلقة أو المتوفى عنها ببيت الزوجية.

واتهمت الجمعيات النسائية الحكومة بالتراجع عن التزاماتها لتحسين أوضاع النساء الاجتماعية والاقتصادية والقانونية؛ لذلك ألحّت على الدولة المغربية بالتصديق على المواثيق الدولية، خاصة « العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية » في مواده [ 3 ] و[ 23 ]؛ قصد تحقيق المساواة في جميع القطاعات، مع توفير الآليات والإجراءات العملية لتفعليها.

كما دعت هيئات شبابية يسارية إلى القيام بوقفة جماعية صامتة في اليوم العالمي للمرأة [28]، لمدة نصف ساعة، وبلباس موحد أسود اللون!! أمام قبة البرلمان، تحت شعار « لا لمدونة رجعية، لنتحد شابات وشباباً؛ من أجل قانون حداثي، يضمن للنساء كامل الحقوق » !!

* مصر:

وأما ما يتعلق بمصر؛ فإن أبرز ما حدث في هذا الشأن يتعلق بتعديل قانون الأحوال الشخصية، فقد ناقش مجلس الشعب المصري في منتصف شهر يناير من عام 2000م إدخال تعديلات جوهرية على بنود القانون الذي يحكم قواعد الزواج والطلاق، والمعروف باسم قانون الأحوال الشخصية.

والتعديلات الواردة في قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية متعلقة بما يلي:

- الخلع.

- النزاع حول السفر للخارج.

- الطلاق من الزواج العرفي.

- عدم جواز إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق.

- محكمة الأسرة.

- إلغاء المعارضة كطريقة من طرق الطعن.

وقد أتاحت هذه التعديلات للزوجات حق الطلاق بناء على عدم التوافق مع الزوج، شريطة أن تتنازل عن حقها في النفقة الشهرية، أو ما يعرف بالخلع، وأن ترد قيمة المهر الذي قدم لها عند الزواج.

وأما في السابق، فإن الزوجة لا يحق لها الطلاق إلا إذا أثبتت أمام المحكمة سوء معاملة زوجها لها، وفي المقابل فإن الزوج يحق له طلاق زوجته متى شاء.

وقد اعترض بعض النساء المصريات على التعديلات المقترحة على أساس أنها لن تحقق كل ما وضعت من أجله، إذ لن يستفيد منها سوى الثريات من النساء ممن يقدرن على الوفاء بالشروط المالية المرتبطة بالحصول على الطلاق [29].

وأكثر هذه التعديلات الذي أثار نقاشاً طويلاً بين المؤيدين والمعارضين، يتركز على قضية الخلع، فبالنظر إلى التعديل حول موضوع الخلع؛ نجد أن هناك مخالفة صريحة للشرع، فقد جاء في قانون الأحوال الشخصية المصري بعض المواد المخالفة للشرع صراحة ولا تمت إلى أي مذهب فقهي معتبر بصلة، وخاصة المادة رقم [ 20 ] والتي تنص على أنه: « إذا افتدت الزوجة نفسها، وخلعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي دفعه لها؛ حكمت المحكمة بتطليقها منه طلقة بائنة، ويكون الحكم الصادر بالتطليق في هذه الحالة غير قابل للطعن عليه بأي طريقة من طرق الطعن ». والمخالفات الشرعية في هذه المادة كثيرة ليس هذا مجال بيانها ! [30].

يذكر أنه منذ أن أُقر قانون طلاق الخلع في آذار/ مارس من عام 2000م، فإنه قد تم التقدم بعدد إجمالي من قضايا الطلاق يبلغ 11.714 قضية أمام المحاكم المصرية في أكبر ست محافظات في مصر، ومعظم هذه القضايا تقدمت بها نسوة في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وذلك وفقاً لأرقام إحصائية صادرة عن مركز المساعدة القانونية للنساء.

وقد تم إصدار 220 قراراً بطلاق الخلع لصالح زوجات في عام 2000م، ولكن ليس هنالك أرقام إحصائية بعد عن القرارات الصادرة في السنوات التالية [31].

وقد شهد عام 2002م إنشاء (مكتب لشكاوى المرأة) ضمن المجلس القومي للمرأة؛ لتلقي أي شكوى في نطاق العمل أو الأسرة أو أي مشكلة عامة أو شخصية تعاني منها أي امرأة يزيد عمرها عن 18 عاماً، وكانت أبرز الشكاوى التي أخذت شكل الشكوى العامة هي شكوى المطلقات من عدم استطاعتهن تنفيذ حكم النفقة في الحالات التي لا يكون فيها الزوج موظفاً حكومياً. وكان قانون الأحوال الشخصية الذي صدر عام 2000م يسمح للمطلقة أو الزوجة بالتوجه إلى بنك ناصر الاجتماعي لصرف هذه النفقة ويتولى البنك تحصيلها من الزوج، لكن هذا لم يحدث.

كما درس مجلس الشورى المصري مشروع قانون لتخصيص محكمة خاصة للنظر في قضايا الأحوال الشخصية مثل: النفقة، ورؤية الطفل أو الحضانة، أو الطلاق.. أو غيرها؛ بهدف حماية الأسرة والأطفال، واشترطت أن تتضمن المحكمة اختصاصيين اجتماعيين من بينهم امرأة، والمشروع ينظر أمام مجلس الشعب، وينتظر أن يُعمل به في أكتوبر القادم من هذا العام الميلادي 2003م [32].

ثالثاً: بعض القيم الاجتماعية:

أ - دمج ونشر مفهوم « الجندر »:

مصطلح « الجندر » يعدُّ من المصطلحات الجديدة، وأول ظهور لهذا المصطلح كان في وثيقة مؤتمر المرأة الرابع في بكين، وقد اعترضت كثير من الدول والوفود على هذا المصطلح؛ لعدم معرفتها بدلالة هذا اللفظ، وطلبت تفسيراً لمعناه من الجهات التي أعدت وثيقة المؤتمر، ولم تكن هناك إجابة واضحة في ذلك الوقت. إلا أنه اتضح فيما بعد أن « الجندر » (gender) يعني « النوع »، وهو بديل عن كلمة () التي تشير إلى الذكر والأنثى. وهذا التحريف في اللغة والمفهوم؛ يهدف إلى تمرير ما أسمته مؤتمرات الأمم المتحدة « التنوع الجنسي » أو « المثلية الجنسية » الذي يعني الاتصال الجنسي بين رجلين (ويسمى الاتصال المثلي) وهو اللواط، أو بين امرأتين (السحاق)، أو بين رجل وامرأة (الاتصال الفطري)، ذلك أن كلمة « » لا تشمل هذه المعاني كلها.

وقد كانت هناك جهود حثيثة إلى نشر مفهوم « الجندر » في الدول العربية من قِبَل المنظمات والحركات النسائية الغربية، بمساعدة من اللجان والمنظمات النسائية العربية، عن طريق ورش وحلقات نقاش تعقد بين حين وآخر قي بعض البلاد العربية؛ وذلك من باب إدماج الشواذ جنسياً في المجتمع، وعدم اعتبارهم منبوذين كما نصت على ذلك المؤتمرات الدولية.

ومن ذلك ما عقد في دولة « قطر »، فقد أقيمت ورشة عمل بعنوان [33] « مأسسة النوع الاجتماعي في المؤسسات »، والتي نظمتها « الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة »، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة « اليونيفيم » في معهد التنمية الإدارية. في إطار فعاليات الاستراتيجية الوطنية « لتقدم المرأة » التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة.

تهدف هذه الورشة التي حاضرت فيها (خبيرة تدريب في اليونيفيم) إلى تعريف المشاركين والمشاركات بآليات دمج مفهوم « الجندر » في المستويات كافة داخل الوزارات والمؤسسات المختلفة بإطارها النظري والعملي، وتعريف « المأسسة » والعمليات المرتبطة بها، وتقديم بعض الأدوات التحليلية المختلفة التي تصف الوضع الراهن في المؤسسات، وتحديد أساليب وآليات دمج مفهوم « الجندر » في المؤسسات، وتحديد الخطوات اللازمة لدمج مفهوم الجندر في المؤسسات على كل المستويات، ومناقشة بعض المعوقات التي من الممكن أن تواجه عملية دمج مفهوم الجندر في المؤسسات وكيفية التعامل معها.

شارك في هذه الورشة جهات مختلفة في « قطر »، كالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، ووزارة التربية، والتعليم، والداخلية، وشؤون الخدمة المدنية، والإسكان، والصحة العامة، والعدل، والخارجية، والأوقاف، والمجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية، ودار تنمية الأسرة، وقطر للبترول، ومؤسسة حمد الطبية، وجمعية مرضى السكري، وجمعية الهلال الأحمر القطري، وجامعة قطر، والجمعية القطرية لمكافحة السرطان.

كما أقيمت في « اليمن » حلقة نقاش حول الأمر ذاته، فقد نظمت « اللجنة الوطنية للمرأة اليمنية » حلقة نقاش حول « بناء القدرات من منظور النوع الاجتماعي » بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان [34].

وركزت الحلقة التي استمرت يومين في العاصمة « صنعاء » على عديد من القضايا المتعلقة بأوضاع المرأة بشكل عام في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تقوم به من دور فعال في تنمية المجتمع.

وناقش المشاركون من الجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني، مفهوم التخطيط الاستراتيجي التنموي، وأهمية إشراك المرأة في التخطيط، وكذا إدماج النوع الاجتماعي في التنمية، وتقليص الفجوة بين الجنسين، إضافة إلى تحديد الاحتياجات الخاصة بالنساء، ودور التنمويين بتوعية المجتمع بالأدوار الفعالة للمرأة، وتحديد المشكلات التي تعوق وصولها إلى مواقع العمل، ومواقع صناعة القرار وإدماجها في عملية التنمية.

وأوضحت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان أهمية حلقة النقاش التي تدخل في إطار منهجية عمل علمية وعملية من أجل دمج النوع الاجتماعي في عملية التخطيط التنموي.

وأشارت الخبيرة إلى تجربة اليمن في إطار الخطط التنموية لدمج المرأة.

وقالت: « إن الحكومة واللجنة الوطنية للمرأة والمنظمات الأخرى المعنية بصدد المباشرة في إعداد خطط جديدة في هذا الاتجاه ».

ب - مفهوم الصحة الإنجابية:

وهو مفهوم يشتمل على حق وباطل، فمما تشمله « الصحة الإنجابية »:

الأمومة الآمنة، وكل ما يتعلق بصحة المرأة من حيث التغذية الصحيحة للحامل والولادة والنفاس، وكذلك الإرضاع الطبيعي، وصحة المرضع.. إلخ. فهذه الأمور حق لا جدال فيها، والإسلام يدعو إلى ما فيه صحة وسلامة الإنسان وبدنه.

أما الأمور الباطلة التي يشتمل عليها هذا المفهوم فهي: التنفير من الزواج المبكر، والحد من الإنجاب، وتناول حبوب منع الحمل للمراهقات، وإباحة الإجهاض.. إلخ. وهذه القضايا دعت إليها مؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة والسكان والتنمية الاجتماعية، وتعتبرها الوسيلة الرئيسة للنهوض بالمرأة !!.

وفي الوقت الذي تُحذَّر فيه نساء العالم العربي والإسلامي مثلاً من الزواج المبكر، وتدعى إلى تحديد النسل؛ نجد ميزانيات دعم إنجاب الأطفال والتشجيع عليه في الدول الغربية تعادل عشرات أضعاف ميزانيات ما يوصف بالمساعدات الإنمائية.

فالمنظمة الدولية لرعاية الطفولة (يونيسيف) مثلاً اختارت قضية « الزواج المبكر » للتركيز عليها في يوم المرأة العالمي، داعية إلى مكافحته عالمياً [35]، مع ذكر أمثلة من النيبال وبنجلادش وسواها؛ دون أن تتعرّض إلى حقيقة ما تقول به الدراسات الطبية، من أن الإنجاب في سن مبكرة، هو الكفيل (بإذن الله) برعاية أسرية أفضل للطفل، أو أن المرأة التي تنجب الأطفال بعد بلوغها الثلاثين عامًا، أشدّ عرضة أثناء الحمل والوضع للمشكلات الصحية والنفسانية والاجتماعية.

كذلك لم تتعرّض منظمة رعاية الطفولة لانحسار ظاهرة الزواج المبكر في الدول الغربية، والتي أدت مع أسباب أخرى إلى انحسار ظاهرة الزواج نفسها في نهاية المطاف، وإلى انتشار العلاقات الجنسية دون زواج على أوسع نطاق؛ مما هبط بنسبة الزواج إلى نصف ما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً، ورفع نسبة الطلاق من تلك الزيجات المحدودة العدد من حوالي 30 إلى ما يناهز 50 في المئة حالياً.

كما أنه كانت هناك محاولات عديدة لإدخال مفاهيم الصحة الإنجابية إلى مناهج التعليم في بعض البلاد العربية، وهنا مكمن الخطورة؛ حتى ينشأ الجيل الجديد من المراهقين والمراهقات على هذه المفاهيم الغربية ويتشربها منذ الصغر، ومن ثَمَّ تصبح جزءاً من ثقافته.

ومن هذه الدول: الأردن، وسوريا، حيث بيّن مسؤول في وزارة التربية والتعليم بسوريا [36]، أنه سيتم تضمين مفهومات « الصحة الإنجابية » و« النوع الاجتماعي: الجندر » في المناهج.

(1) قبل ذلك التاريخ كانت هناك اتفاقيات ومعاهدات لها تعلق بالمرأة، ولكنها غير ملزمة مثل: اتفاقية المساواة في الأجور بين العمال والعاملات 1951م، والاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة 1952م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، والإعلان الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة 1967م، وإعلان طهران لحقوق الإنسان 1968م.

(2) وهو المسمى مؤتمر مكسيكو لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، ثم تلاه ثلاث مؤتمرات خاصة بالمرأة، هي: المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم في (كوبنهاجن) عام 1980م، والمؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم عام 1985م في نيروبي بكينيا، والذي عُرف باسم (استراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض بالمرأة من عام 1986 حتى عام 2000م)، وأخيراً المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين بالصين عام 1995م.

(3) مدير البرامج لمركز الدراسات السياسية بمعهد البحث الاجتماعي التابع لجامعة ميشغان، ومدير استطلاع القيم العالمية.

(4) مجلة: (foreign policy) الصادرة في واشنطن - عدد مارس / أبريل 2003م.

(5) انظر: الشبكة العنكبوتية / موقع وزارة الخارجية - مكتب برامج الإعلام الخارجي -، وعنوانه:

http://usinfo.state.gov/arabic/wfsub.htm

(6) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(7) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(8) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(9) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(10) انظر: منظمة مراقبة حقوق الإنسان (human rights watch) على الشبكة العنكبوتية:

http://www.hrw.org/arabic/un-.htm

(11) منهن: 4 من الجزائر، 5 من مصر، 4 من الأردن، 5 من لبنان، 5 من المغرب، 3 من سوريا، 5 من فلسطين، 4 من اليمن، 3 من تونس، 12 من دول الخليج، انظر الخبر وأسماءهن على موقع: (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية، وهو موقع خاص بالمرأة، وعنوانه:

http://www.lahaonline.com/

وجريدة الأهرام العدد 15324 بتاريخ 19/11/2002م.

(12) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(13) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية:

www.amanjordan.org/arabic

، وهو موقع خاص بأخبار المرأة.

(14) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(15) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(16) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(17) اسمها: عائشة بنت خلفان بن جميل، انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(18) انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(19) انظر أسماءهن ومناصبهن في موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية، وانظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(20) وهي منظمة دولية للدفاع عن حقوق المرأة مقرها في واشنطن (تزعم أن) هدفها المساعدة في بناء الديمقراطيات والاقتصادات القوية وفي تعزيز السلام، تمولها جزئياً الحكومة الأمريكية، انظر: موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الشبكة العنكبوتية.

(21) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(22) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(23) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(24) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(25) انظر: موقع (الإسلام اليوم)، وموقع (لها أون لاين)، وموقع (مركز الأخبار - أمان)، وموقع (الخيمة) على الشبكة العنكبوتية.

(26) في تصريح لها لموقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(27) انظر: موقع (الأسرة المسلمة) على الشبكة العنكبوتية.

(28) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

(29) انظر: موقع (الأسرة المسلمة)، وموقع bbc الإخباري على الشبكة العنكبوتية.

(30) انظر: موقع (الأسرة المسلمة) على الشبكة العنكبوتية.

(31) انظر: موقع bbc الإخباري على الشبكة العنكبوتية.

(32) انظر: موقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(33) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(34) انظر: موقع (لها أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(35) انظر: موقع (إسلام أون لاين) على الشبكة العنكبوتية.

(36) انظر: موقع (مركز الأخبار - أمان) على الشبكة العنكبوتية.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:33 PM
المرأة بين التحرير والتغرير
نهى قاطرجي






لقد أخذت قضية تحرير المرأة حيزاً مهماً من تفكير الناس في العصر الحالي حتى عُقدت من أجل هذه القضية المؤتمرات والندوات التي تطالب برفع الظلم عن المرأة وإعطائها حقوقها التي حرمتها منها الأديان والأعراف والتقاليد.

وقد استفحل هذا الأمر حتى خرج عن إطار اللهو والتسلية لبعض النساء الفارغات عن أي عمل لتنعكس آثاره الخطيرة على المرأة بالدرجة الأولى، وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا، فإن الأمر خرج عن إطار التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها.

إن الأمر لم يعد لعبة ومزحة تتسلى بها الفتاة التي تخرجت من الجامعة لتثبت للناس أنه لا فرق بينها وبين الرجل في الذكاء والعطاء فتنافس الرجل في وظيفة وتتساوى معه في أجر أو حتى تسلبه وظيفة بأجر أقل لتنفق ما تقبضه على الزينة والتبرج والترف بينما يكون الرجل الذي نافسته مسؤولاً عن أسرة، أو على الأقل يسعى لبناء أسرة.

إن العمل بالنسبة للفتاة يبقى في إطار تمضية الوقت وإثبات الذات فترة طويلة من الزمن، حتى تصبح ذات يوم فتجد أن الوظيفة التي كانت تتسلى بها أصبحت تأخذ منها كل وقتها (من الفجر إلى النجر) فلا حياة اجتماعية ولا أصدقاء ولا فرصة حتى للتعرف على فتى الأحلام، فهي تعود من العمل متعبة فتنام كالقتيل، هذا الأمر لم يعد يرضي أحداً! كيف ستمضي بقية عمرها! وكيف ستتعرف على فتى أحلامها الآتي على حصان أبيض! الأمر قد يطول على هذه الحالة! ولكن لا بديل آخر، فهي لا تستطيع أن تترك العمل وقد اعتادت أن تجد المال بين يديها ولا تستطيع أيضاً أن تعيش الفراغ في المنزل تنتظر فارس الأحلام الذي قد يتأخر في المجيء أو حتى لا يجيء! أما إذا جاء فانه يجيء بشروط، ففيما كان هو الذي يأتي على حصان أبيض لينقذ المرأة من وضعها الأسري، اختلف الوضع اليوم فأصبحت المرأة هي التي تأتي على حصان أبيض لتقدم للرجل حلولاً لمشاكله المادية، فيعملان معاً (من الفجر إلى النجر) لكي يصبح العمل بالنسبة للمرأة واجباً وليس تطوعاً.

ما ورد كان نموذجاً عن وضع من أوضاع المرأة المتحررة اليوم، ذكرتها كمقدمة للحديث عن قضية تحرير المرأة.

بدأت القضية مع المرأة الغربية، وهذا لا يعني أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من المشاكل والهموم، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لما وجد هؤلاء الغربيون ثغرة يدخلون بها إلى مجتمعاتنا، ولكن الفرق بين الشرق والغرب شاسع، ذلك أن المرأة في العالم الإسلامي لم يكن لها قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي تخلف المجتمع وانحرافه عن حقيقة الإسلام،"وما نتج عن هذا التخلف في جميع مجالات الحياة، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وصفها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام".

إن الصورة الحقيقية للإسلام ممكن أن تُقرأ واضحة في كتب السِّيَر والتاريخ الإسلامي التي ذكرت كيف كان للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كيان مستقل عن الرجل تطالب بحقها الذي أعطاها إياه الإسلام بكل جرأة، فها هي تقف في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطالب بحقها في صلاة الجماعة في المسجد كما فعلت عاتكة بن زيد، وها هي تمارس حقها بإدارة أموالها بمعزل عن زوجها كما فعلت ميمونة أم المؤمنين بجاريتها دون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكما فعلت أم سليم بنت ملحان التي أهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرسه هدية باسمها لا باسم زوجها، فقالت: "يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرؤك السلام وتقول: إنّ هذا منّا قليل يا رسول الله".

هذا في الإسلام،أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة، إذ إها كانت "في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مئتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان، وهي الأفعى التي تنفث السم الرعاف... في أوروبا (أيتها الأخوات) انعقد مؤتمر في فرنسة عام 568م، أي أيام شباب النبي صلى الله عليه وسلم، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان؟ وأخيراً قرروا: إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب!

والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها، والقاصرون في عرفها: الصبي والمجنون والمرأة، واستمر ذلك حتى عام 1938 م، حيث عُدِّلت هذه النصوص لصالح المرأة".

إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح، وهذا ما حصل "في مؤتمر "ماكون macon" وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح".

إن أصل القضية إذن بدأ من الديانة النصرانية حيث أساءت الكنيسة كمؤسسة في فهم الدين المسيحي في روحيته وأخذت تطبقه وفقاً لذهنية القائمين عليها، ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال: إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة بعد العبيد.

ولقد استمرت الكنيسة النصرانية في تغيير التعاليم الدينية وَفْقاً للمفاهيم والاعتبارات السائدة في البلدان التي كانت تريد السيطرة عليها فقدّست "مفهوم الأمومة مثلاً عندما أرادت السيطرة على الحضارة اليونانية، وألغت هذا التقديس عندما انتقلت إلى السيطرة على الحضارة الجرمانية، واستبدلته بالاعتبارات المعمول بها في هذه الحضارة حيث كان التقديس للملكية الخاصة ولاعتبار المرأة ملك الرجل وفي مصاف القاصرين" .

من هنا يمكن أن نستشف أن الفرق بين المرأة الغربية والمرأة المسلمة يعود إلى الجذور، ومن هنا عدم صحة إسقاط الحلول الغربية على الوضع الإسلامي، فالوضع بين الحضارتين مختلف، والمرأة هنا غير المرأة هناك، وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ"هذا الاختلاف بين ماضي المرأتين بما يلي: "إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت إنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون لهن وَيَرَوْنَ الخطيئة والغواية كامنة فيهن، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديراً لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حَرَماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق".

إن هذا الاختلاف لم يفهمه دعاة التحرر الذين حاولوا إسقاط حلول المجتمع الغربي على المجتمع الإسلامي، فلم يفهموا حرص الرجل على زوجته وحمايته لها، بل اعتبروا أن حجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجل يعود إلى عدم ثقة الرجل بالمرأة وخوفه منها، الأمر الذي جعلهم يرون أن المرأة مظلومة قد ظلمها الرجل عندما فرض عليها الحجاب وحرمها من إنسانيتها وقد تناسوا أنه "لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادله سبحانه فيما أمر به، ويكونَ لها الخِيَرَةُ من الأمر".

ساعدت الثورة العلمية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص على المطالبة بالتحرر من الظلم الذي وقع عليها من الكنيسة، حيث كان لاستعانة الثورة الصناعية بالنساء من أجل التحرر من مطالب الرجال المالية دور مهم في خروج المرأة من قمقمها وسعيها لتغيير واقعها المعاش، فلم تجد عدواً تواجهه وتعتبره سبباً مباشراً لمعاناتها إلا الكنيسة التي كانت تحمي الرجال وتحثهم على ظلم النساء، مما جعل عدو النساء الأول هو الدين، فالمرأة هي التي "تدفع ضريبة الانتماء الديني في هذا الواقع وتتحمل مآسيه أكثر من الرجل". ومن هنا جاءت ضرورة نبذ الدين وتأييد النظريات العلمانية الحديثة التي تعتبر أن "الدين هو أفيون الشعوب"، وأن السبيل للنهوض بالأمم يكون بفصل الدين عن الدولة، هذا الأمر الذي دعا إليه المسيح عليه السلام نفسه عندما قال: " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله".

فالعلمنة إذن هي نبذ الدين و"إحلال العلم، في نموذجه الطبيعي، محل النص والإله في تفسير كل ما يختص ويتصل بالإنسان"، وقد بالغ كثير من العلماء في تقديس العلم إلى حد أَن اعتبروه ديناً جديداً، فقال أحدهم : "العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة"، وقال آخر: "العلم الصحيح، أي العلم الاختياري، دين أيضاً" .

وهكذا وجاءت نظرية التطور لـ "دارون" لتقول إن أصل الإنسان قرد تطور مع الزمن إلى أن وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن، لتعتمد على إيحاءين خطيرين كان لهما أثر في نصر نظرية المرأة الغربية الداعية إلى نبذ الدين، وهذان الإيحاءان هما:

1-الإيحاء بالتطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات.

2- الإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته وإرجاعه إلى الأصل الحيواني وإغفال الجانب الروحي إغفالاً تاماً.

وهكذا أصبح الإنسان الغربي بعد هذه النظرية العلمانية "لا يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً" كما أصبح "التفسير التطوري لكل شيء هو العقيدة الجديدة للغرب".

وقد استفادت المرأة ومن تبعها من دعاة التحرر من الرجال من هذه العقيدة الجديدة استفادة كبيرة،فاعتبرت أن النصوص التشريعية التي تختص بها لم تعد تصلح لهذا الزمن المتطور، وقالوا بنسبية القوانين والتشريعات والأخلاق مما يعني عدم صلاحية هذه التشريعات للتطبيق في هذا الزمن، لذلك كانت الدعوة من أجل الثورة، هذه الثورة التي وإن كانت ممكنة بالنسبة للمرأة النصرانية التي تدرك تماماً أن التشريع الكنسي تابع لأقوال العلماء إلا أنها صعبة بالنسبة للمرأة المسلمة التي تدرك أن التشريعات الإسلامية مستمدة من النصوص القرآنية، لذلك دعا أنصار تحرير المرأة إلى رفع راية التطور التاريخي في حال أرادت المرأة مهاجمة النصوص الدينية، تقول إحدى دعاتهن: أنه "إذا ثارت المرأة اللبنانية وتعاونت المرأة المسيحية مع المرأة المحمدية استطاعتا رفض الدين الأولى باسم الدين نفسه والثانية بموجب الإيمان بسنة التطور التاريخي".

وهذه الدعوة إلى الإيمان بالتطور التاريخي لوضع المرأة ذكره أحد دعاتهم وهو سلامة موسى مخاطباً المرأة: "أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور".

وبناء على ذلك كان "طبيعياً أن يفسر حجاب المرأة وعدم مخالفتها للرجل بأنه أثر من آثار الأمم الوحشية ونتيجة لتطور وظهور نظام العائلة ودخول المرأة فيه، ووقوعها بذلك تحت سيطرة الرجل، وهو التفسير الذي ذكره كل من تكلم من رواد تحرير المرأة".

هبط الغرب على العالم الإسلامي بجيوشه وعساكره وهو يعلم بتجربة الحروب الصليبية أن تطويع هذا العالم لن يكون بالحروب، بل يكون بإيجاد جيل جديد ينتمي إليه فكراً وعقيدة، فعمدوا من أجل ذلك إلى إنشاء المدارس الغربية التي تدرِّس اللغة والتاريخ والثقافة الغربية، وبعد ذلك عمدوا إلى إرسال خريجي هذه المدارس في بعثات خارجية إلى الجامعات التي تكفلت بما بقي من العقول الإسلامية كما تكفل الفساد المنتشر في البلاد التي سافرت إليها العقول بتضييع البقية الباقية من جيل شباب عاد ليخرب الأمة ويعمل على تحويل المجتمعات العربية الإسلامية إلى صورة من المجتمعات التي عاد منها.

وكان من بين الخريجين "قاسم أمين" المخرب الأول الذي عاد من الغرب بكل مفاهيمه ليطبقها على مجتمع لا يمت إليه بصلة، فطالب بتعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه الغرب لهدم الإسلام،"وقاسم أمين شاب نشأ في أسرة تركية مصرية فيه ذكاء غير عادي، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين ... ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا... اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني، وغلى الدم في عروقه، كما يصف في مذكراته، وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام. ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيراً بالغاً في كيانه كله، فعاد إلى مصر بفكر جديد ووجهة جديدة، عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المستشرقون وهم يخططون لهدم الإسلام".

عاد ليطالب بنزع حجاب المرأة...

عاد ليطالب بتعليم المرأة وخروجها من بيتها...

عاد ليطالب باختلاط المرأة بالرجل...

لقد أدرك قاسم أمين أن الوصول إلى الغاية لن تأتي مرة واحدة، لذلك عمد هو ومن تبعه إلى أسلوبين:

1- أسلوب التدرج حيث إنه لم يطالب في البداية بنزع حجاب الرأس كلياً، بل نادى بسفور الوجه فقط، ولم يطالب بتعليم المرأة لتصل إلى مستوى جامعي بل نادي بالتعليم الابتدائي، ولكنه كان حريصاً في كل ما يكتب على أن يضع كلمة "الآن" التي تعني الاكتفاء بهذا الحد من المطلب وقت مطالبته به إلى آن آخر، فيقول: "ربما يتوهم ناظر أنني أرى (الآن) رفع الحجاب بالمرة.. إنني لا أقصد رفع الحجاب (الآن) دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم.. وإنما أطلب (الآن) ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي".

وهكذا تتطور الدعوة مع الزمن فمن المطالبة "بالمساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث، ومن المطالبة بحريتها في الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة، وافق زوجها أو لم يوافق، ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد ثم حقها أن يكون لها الصديق التي ترتضيه".

2- التشكيك في النصوص القرآنية والدعوة إلى اللحاق بركب التطور ومن هنا كانت دعواهم إلى إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة مراعين مبدأ تاريخية النصوص ونسبيتها، حيث أن كثيراً من الأحكام لم تعد تلائم العصر المتطور الحالي، فكما كان هناك رجال فقهاء اجتهدوا وفهموا النصوص القرآنية فهماً يوافق عصرهم يوجد في عصرنا الحالي رجال "بل ونساء" ممكن أن يجتهدوا بالنصوص اجتهاداً معاصراً، لذلك كثيراً ما رفع هؤلاء شعار "هؤلاء رجال ونحن رجال" لرفض اجتهادات مثل اجتهاد الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء واعتماد فتوى معاصرة مثل فتوى محمد شحرور الذي يرى أن الجيب الذي ورد في القرآن هو شِقُّ الإبط.

ومن النماذج المعاصرة عن هجومهم على النصوص القرآنية قول أحدهم: "اعتبرت الشريعة المرأة نصف إنسان، فشهادة امرأتين بشهادة رجل ونصيب الرجل من الميراث نصيب امرأتين، كان ذلك طفرة في العصر الذي نزلت فيه الشريعة الإسلامية، بل إنه أكثر من طفرة، غير أن 15 قرناً من الزمان كافية في الواقع أن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة".

هذا باختصار السبيل الذي سلكوه من أجل الوصول إلى ما سَمَّوْهُ تحرير المرأة تحريراً كاملاً يجعلها متساوية مع الرجل في كل المجالات دون مراعاة للفروقات البيولوجية بين الاثنين، ودون مراعاة لشرع أو دين، لأن الشرائع تتطور أحكامها كما سبق أن أسلفنا.

أما أبرز ما دعا إليه هؤلاء فيكمن في نبذ كل ما يمنع هذه المساواة بين الجنسين ويكرس التفرقة على أساس الجنس، لهذا رَأَوْا في بنود المساواة رفع حجاب المرأة، اختلاطها بالرجال، وتعليمها.

إن أصل هذا المطلب بدأ أيضاً مع الثورة النسوية في أوروبا حيث كان للمرأة بالفعل قضية، قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وفي ساعات العمل نفسها بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر.

هذا المطلب كان في البداية يمثل منتهى العدل، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، أما بعد ذلك فقد تطور هذا المطلب ليشمل المساواة في كل شيء، وهذا أمر، كما تعلمون مستحيل، هذا ببساطة لأن بينهما اختلافات حقيقية جسمية ونفسية، حتى ولو نجحت بعض النساء في تبوء المراكز العالية وفي القيام بأعمال جسدية شاقة إلا أن هذا لا يعني أن كافة النساء يمكنهن أداء ذلك العمل أو يرغبن فيه. فمهما ارتقت "المرأة في مستواها العلمي والثقافي ومهما كانت دوافعها النفسية أو الاقتصادية للخروج إلى العمل، تبقى رغبة المشاركة في تكوين أسرة إحدى أهم مكونات فطرتها الأصلية، كما يشير الاستبيان الذي أُجْرِي بين الفتيات في بعض الدول العربية".

وقد أكدت الدكتورة إلهام منصور، إحدى مناصرات تحرير المرأة، على هذا الأمر فقالت: "إن الثقافة كما لم تفعل بعد في الرجل اللبناني فهي كذلك لم تفعل بعد في المرأة اللبنانية التي تعتبر مثقفة لأن أغلب النساء المثقفات هن راضيات بوضعهن، ويعملن على ترسيخه، وينادين بوجوب إعطاء حقوق للرجل تفوق حقوق المرأة، وهذا الواقع يدلنا دلالة مباشرة واضحة أن العلم بالنسبة للمرأة اللبنانية ليس سوى وسيلة للحصول على الزوج الأفضل وذلك لأن أغلب الشبان قد أصبحوا اليوم مثقفين ويفضلون الزوجات المثقفات، والثقافة هنا تأخذ طابع الزيادة الخارجية عند المرأة فهي لا تنصهر مع شخصيتها كي تغيرها من الداخل".

هذه الحقيقة في تباين أهداف المرأة والرجل أكد عليها الفيلسوف "أوجست كونت" أحد فلاسفة الغرب المعاصرين حيث يقول: "إن الرجل والمرأة يهدفان إلى آيات متباينة في الحياة، فمرمى الرجل هو العمل وآية المرأة الحب والحنان"، ويقول الفيلسوف أيضاً: "حتى في الزواج لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة، لأن لهما حقوقاً وواجبات مختلفة فالرجل قَوّامٌ على البيت وهو الذي يعول المرأة، لأن المرأة يجب أن تجرّد من هموم المادة".

هذا الكلام الذي ورد على لسانهن ولسان فلاسفتهن يعتبر أكبر دليل على أن ما يطالبون به مخالف لفطرة الله سبحانه وتعالى، والإسلام إنما جاء ليثبت هذه الحقيقة لا ليدعُوَ إلى أمر لا أساس له من الصحة، فالإسلام كدين لا يهتم بمصالح فرد دون آخر، وهو عندما بيَّن للمرأة حقوقها وواجباتها فرض على الرجل أيضاً حقوقاً وواجبات مغايرة تتناسب مع تركيب كل منهما البيولوجي والنفسي والجسدي، كما تتناسب مع قواعد العدل والتوازن لا المساواة المطلقة، فالمساواة المطلقة كما قلنا عدوة الفطرة، "بينما العدل هو الذي يضع الموازين القسط لكل شيء، ولكل علاقة، فيعطي لكل شيء حقه، حسب فطرته وأهليته ووظيفته التي وجد من أجلها .

فللمرأة إذن وظيفة تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها، "وعناصر تكوينها أنها ذات بطن يلد وحضن يربي، ومكانتها الفذة هي فيما فُطرت عليه فقط، ومن الممكن توفير المساواة المطلوبة بينها وبين الرجل.. ولكن ذلك يكون على حساب امتيازاتها.. والنتيجة تحويلها إلى نوع جديد من الرجال".

ويمكن أن أختم فكرة المساواة بلطيفة وردت في القرآن الكريم تدل على قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بين المرأة والرجل حيث وردت كلمة رجل مفردة 24 مرة، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضاً، قمة المساواة.

إن أول حاجز حاول الغربيون وأتباعهم من أنصار تحرير المرأة اختراقه هو حاجز الحجاب، إذ اعتبروا أن في ستر الرأس إهانة للمرأة ولكرامتها الإنسانية وعائقاً يمنعها من مشاركة الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية، ودعموا مزاعمهم بحالة التخلف الفكري والثقافي عند المرأة المتحجبة اليوم في بعض أقطار الجزيرة العربية والخليج العربي، والواقع أنه لا تلازم بين الاثنين فلا مجال للربط بين حجاب المرأة وتخلفها لأن ما حصل لهؤلاء النسوة ليس سببه الإسلام بل يعود إلى "ظروف استعمارية وفكرية معينة، وليس أسهل على المصلحين إذا أرادوا الإصلاح الحقيقي من أن يفصلوا بين الواقعين بوعي إسلامي سديد، يؤيد الستر والاحتشام ويدفع إلى التزود من العلوم والثقافة النافعة، ويجعل من كل منهما عوناً للآخر".

وأكبر دليل على هذا الفصل هو تفوق كثير من فتياتنا الجامعيات المتحجبات بحجاب الإسلام، المستمسكات بحكم الله عز وجل، وهنّ مع ذلك " أسبق إلى النهضة العلمية والثقافية والنشاط الفكري والاجتماعي من سائر زميلاتهن المتحررات... وإن كل مُطَّلِع على التاريخ يعلم أن تاريخنا الإسلامي مليء بالنساء المسلمات اللواتي جمعن بين الإسلام أدباً واحتشاماً وستراً، وعلماً وثقافة وفكراً، وذلك بدءاً من عصر الصحابة فما دون ذلك إلى عصرنا الذي نعيش فيه ".

أما ثاني مزاعمهم فهو رفضهم الربط بين الحجاب والعفة، فيقولون: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة متحجبة عن الرجال في ظاهرها هي تمارس معهم البغي والفجور في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها وسلوكها. إن هذا الكلام فيه شيء من الصحة فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة، ولا أن تخلق له استقامة معدومة، وربّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها، ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة لتخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟ ومن هذا الذي يزعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلاناً بأن كل من تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟

إن الله عز وجل إنما فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، لا حفاظاً على عفتها من الأعين التي تراها….

فالمرأة عندما تستر زينتها بالحجاب ولا تتبرج تبرج الجاهلية تكون بذلك قد سدَّت باب الفتنة من ناحيتها ويكون لغض بصر الرجل دور في إخماد الفتنة ومنع تأجج الشهوات التي تؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات، ثم لنتساءل: هل المرأة التي لا تلتزم بالشرع وتخرج من بيتها سافرة قد غطت وجهها بالمساحيق، هل هي حقاً حرة؟ "أم أنها أسيرة من حيث لا تدري، وإلا فبماذا نفسر عدم قدرتها على مغادرة المنزل إلا بعد أن تسحق بشرتها بأنواع السحوق...".

وبماذا نفسر العري الإباحي الذي يأبى أن يستر إلا مساحة قليلة من الجسد، هل يدل تصرف مثل هذا على التحرر الفكري لمن تمارسه، أم يدل على سعي حثيث للفت نظر شباب يجدون في اتباع موضة رخيصة تحرراً وعصرنة؟ ويعتبرون من تحافظ على حشمتها مثالاً للرجعية والتخلف؟

إن مثل هذا النوع من النساء نوع جاهل إذ تعتقد الواحدة منهن أن ما تفعله من تبرج وزينة يمكن أن يجلب إليها الأنظار أو يجلب لها الأزواج، لا، إن الواقع غير هذا تماماً، فالرجل الشرقي قد يعجب بالشكل واللباس الإباحي لمتعة النظر واللمس أحياناً أما عند الزواج فإن الأمر يختلف، وقد وصف د. "محمد سعيد رمضان البوطي" حال رجل اليوم بقوله: إن الرجال اليوم "نظروا فوجدوا فرص المتعة الخلفية المستورة قد كثرت أمامهم بفعل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع، وأعجبهم الوضع.. فازدادوا تثاقلاً وزهداً في الزواج، لتزداد النساء بحثاً عنهم وسعياً وراءهم، وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزوج أهم سبب من أسباب فقدها له".

كلمة اختلاط لفظ مستحدث في عصرنا، فهذه الكلمة لم تستعمل في أي موضع من القرآن الكريم سواء بلفظها أو مدلولها، ولم ترد في أي حديث نبوي ولا في أي كتاب من كتب الفقه والتشريع، ولكن بدأ الكلام يكثر عن الاختلاط بعد أن رأى رجال الإصلاح من المسلمين ما هي عليه المرأة الأوروبية من زينة وتجمل "وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في الاجتماع الغربي، ولما رَأَوْا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضاً، حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب، ثم أثّرت فيهم النظريات الجديدة من حرية المرأة وتعليم الإناث ومساواة الصنفين".

إن المطالبين بحرية المرأة واختلاطها بالرجل هم أحد فريقين، "فريق يعلم جيداً أن الطريق الذي تسير فيه القضية سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهداً لأنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وفريق آخر مخدوع مستغفَل لأنه مستعبَد للغرب لا يرى إلا ما يراه الغرب … وهذا وذاك مسخران معاً لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي، وخدمة اليهودية العالمية كذلك".

إن مخطط الغرب في تدمير الإسلام ليس مخططاً حديثاً، فقد شرح "شكيب أرسلان" في مقالة نشرتها المنار 1925 م. هدف دعاة الحرية والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل بقوله: "عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 م قال أحمد رضا بك ـ من زعماء أحرار الترك ـ: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر "غلطة" وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية".

لقد عمل هؤلاء منذ تلك الفترة على تنفيذ مخططاتهم التدميرية فنجحوا، بعد أن أبعدوا المسلم عن دينه وعقيدته، في بث الشكوك والتساؤلات حول القضايا الاجتماعية مستعينين بالنصوص الإسلامية من ناحية وبالجدل من ناحية أخرى.

أما النصوص الإسلامية فقد اعتبروها حجة على المعارضين للاختلاط بحجة أن الإسلام أباح للمرأة الخروج للصلاة في المسجد كما سمح لها بالجهاد مع الرجال ومداواة الجرحى. إن الرد على هذا الأمر بسيط، ذلك أن مفهوم الاختلاط المباح في الإسلام هو ذلك الاختلاط "المأمون، وهو الذي يكون لأسباب طبيعية. وتتحقق خلاله مصالح اجتماعية أو اقتصادية، وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها في طلب هذه المصالح في ظل الآداب والأخلاق، وليس هو الاختلاط العابث الماجن المستهتر الذي من شأنه مضيعة الوقت والعبث بالفضيلة والانطلاق العابث بغير حدود وقيود" ، فإن مثل هذا النوع من الاختلاط لا يقره أي دين مهما بلغت درجة تقدمه وانفتاحه.

أما أسلوب الجدل فاستخدموه لإثبات نظرياتهم النفسية الجنسية الحديثة التي لا ترضى عنها الشرائع ولا الأخلاق، فيقولون : "إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة تهذبت طباع كل منهما وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء! أما إذا ضُرب بينهما بسور من الاحتجاب فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كُلاًّ منهما بصاحبه! فتُشيع في ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع".

و(الجواب على هذا القول): إنه صحيح أن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع، ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها خلال فترة طويلة من الزمن، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها، وبديهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا بها بل لأنهم يشبعون كل يوم منها.

من هنا نؤكد على أهمية اجتناب الاختلاط بغير سبب، خاصة في الحفلات العامة والحفلات الخاصة، والابتعاد عن مواطن الشبهات ومزالق الشهوات، خاصة أن كثيراً من حفلات الاختلاط تشوبها الخلوات، والإسلام لا يجيز أن تخلو المرأة برجل أجنبي عنها ولو كانت محتشمة في لباسها ومظهرها، وفي ذلك جاء الحديث الشريف "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".

لم يكن الذين يدعون إلى تحرير المرأة في بداية القرن يحلمون بالوصول إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم من العلم، بل إنهم كانوا يعترفون أن أقصى ما يطالبون به هو تعليم المرأة العلم الابتدائي الذي يساعدها على تربية أولادها ومساعدتهم على التعلم، أما ما وصلت إليه المرأة الآن من الثقافة والعلم فهذا أمر لم يكن بالحسبان، خاصة أن طموح المرأة لا يقف عند حد، فهي تسعى لإزالة كل ما يمكن أن يؤدي إلى التفرقة في المساواة بينها وبين الرجل، لهذا ليس من المستغرب أن نجد في بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بنوداً تتعلق بواجب الدول الموقعة على الاتفاقيات في إيجاد المساواة بين الرجل والمرأة عبر تهيئة " نفس الظروف للتوجيه الوظيفي والمهني، وللوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية في جميع الفئات، في المناطق الريفية والحضرية على السواء".

والواقع أن هذه الاتفاقيات إذا كان يمكن أن تتماشى مع المجتمعات الغربية الأخرى فإنها لا تتماشى مع المجتمعات العربية التي لا زالت الفطرة تغلب على شريحة كبيرة من نسائها، حيث لازالت الفتاة تتعلم لمجرد أن تنال شهادة ما تؤمن لها الزوج المناسب وتقيها عثرات الأيام، هذا ما تؤكد عليه الدكتورة إلهام منصور حيث تقول عن المرأة اللبنانية: "إذا سألنا الأهل عن فائدة العلم بالنسبة للفتاة نسمع، في أغلب الأحيان، الجواب التالي: إن واجب المرأة الأول هو الزواج، وإن لم توفق المرأة بزوج كما تريد، أو إذا افتقر هذا الزوج أو إذا انقطع عن العمل لسبب من الأسباب فالمرأة المثقفة تستطيع العمل لتأمين العيش فقط، فالعلم والعمل عند المرأة اللبنانية هما قوة احتياطية أكثر الأحيان لا تُستغل".

لقد أنكر دعاة التحرر رغبات المرأة وحاجاتها الفطرية إلى تكوين الأسرة وإنجاب الأولاد، وحاولوا الإثبات أنه ليس هناك فروق بيولوجية تمنع المرأة من العلم والعمل وإثبات الذات، إنما الموانع هي موانع خارجية تتمثل في الإسلام الذي يقف حاجزاً في سبيل تعلم المرأة، مع أن هذا مناف للحقيقة، فالإسلام "لن يمنع المرأة من طلب العلم، فهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها، ولكن الإسلام يشترط في تعليمها وفي نشاطها كله شرطين اثنين: أن تحافظ على تربيتها وأخلاقها، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال، وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها".

هذا هو المطلوب فقط، المطلوب التعامل مع الأولويات ومع حاجات المرأة بصراحة لا كبتها كما تطلب إحداهن من زميلاتها المتحررات حيث تقول: "المتحررة حقاً هي التي تستطيع أن ترفض أي تدبير يتنافى مع اكتمال شخصيتها وتحقيق استقلالها، وبين الاستقلال والزواج تختار المرأة المدركة الواعية الاستقلال حتى ولو ضحت بحياتها الاجتماعية، لأنها تعلم أن حياتها الحالية في حياة لا تحمل مقومات استمرارها إلا من حيث الناحية الحيوانية فقط".

هل هذا الكلام مقبول؟ لا، إن الإصلاح لابد أن يراعي حاجات الإنسان والمجتمعات، ولا يفكر في مصلحة فرد دون آخر، فما ينفع النساء إن حصلن على الشهادات العالية وحُرمن من نعمة الأمومة، التي لا تكتمل كيان المرأة إلا بها، وصَدَقت يمان السباعي حين قالت: "ويل لأمة تفخر بنسائها في كليات الهندسة ورجالها على الأزقة لا يجدون عملاً، ولا يفكرون في قضية، ولا يحملون مسؤولية، ويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات".

ما هو مفهوم الحرية؟ ومن هو الإنسان المتحرر (رجلاً كان أم امرأة)؟ هل هو ذلك الإنسان الذي أطلق العِنان لنفسه وشهواته يفعل ما يشاء متى شاء وفي أي وقت شاء؟ وهل الحرية تعني تفلت الإنسان من المسؤوليات والواجبات كي يصبح كالحيوان هدفه من الحياة إشباع غرائزه وشهواته؟

لا، إن معنى التحرر هو ذلك "التفكير العقلي والمنطقي في التخطيط للحياة بعيداً عن غول المؤثرات الخارجية مثل الأجواء والبيئة والعادات والتقاليد ومتطلبات العصر وغيرها، أو الداخلية مثل النفس، والشهوات والغرائز وما شابه، والتحرر أيضاً يعني العمل قدر الإمكان والمستطاع لإعطاء كل ذي حق حقه فللنفس حق.. وللغرائز حق.. وللمجتمع حق.. وحدود كل ذلك هو عدم تجاوز حقوق النفس والآخرين، وعدم الإسراف في ذلك" .

هذا المعنى لم يفهمه بعض دعاة التحرر من المسلمين الذين اعتبروا التحرر إطلاق العِنان للغرائز والشهوات دون اعتبار لمصلحة المرأة أو مصلحة عائلتها، لقد فهموا التحرر بأنه التهجم على القيم والأخلاق والإسلام الحامي لهذه القيم، لذلك اعتبروه العدو الأول للمرأة دون تفكير أو دراسة لتاريخه وتشريعه مكتفين بترداد ما نقله المستشرقون الحاقدون دون تمحيص، مما يسهل على المطلعين على أقوالهم انتقادهم بسهولة لما فيها من كذب وتدجيل، من هؤلاء أتباع الحركة النسوية العربية حيث تقول إحداهن: إن المرأة في الجاهلية كانت تتمتع بمزايا وحقوق سلبها منه الإسلام (السعراوي، 1982) وتقول أخرى أن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها منحت الرسول أول عمل له ليتاجر في دمشق وكان عمره 12 عاما (الحبري،82).

إن المشكلة التي تعاني منها المرأة العربية المعاصرة هي الفجوة الزمنية التي تفصلها عن العالم الغربي حيث تخطت الحركة النسوية العالمية feminism مرحلة تحرير المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل لتصل إلى مرحلة جديدة تسمى "مرحلة ما بعد الفمنزم" تحول فيها عمل المرأة العالمية إلى معالجة المشاكل الاجتماعية التي تسببت بها خروج المرأة إلى العمل وإهمالها لأسرتها.

لقد كان من آثار اتجاه المرأة نحو العمل: ذلك التفكك الأسري الكبير الذي ترك بصماته على وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، فكانت أولى هذه النتائج غياب نموذج الأسرة التقليدية التي تشير الإحصائيات الغربية إلى أن نسبتها المئوية في تناقص كبير، فنسبة الأسر التي يعمل الأب فيها بينما تبقى الأم في البيت لرعاية الأطفال، أصبحت تمثل 30% من العوائل في أميركا و 11% في بريطانيا، كما ارتفع في الوقت نفسه نسبة الذين يعيشون حياة زوجية دون رابطة قانونية، ففي بريطانيا ازدادت نسبة النساء اللاتي يعشن مع رجل دون رابطة رسمية من 8 % علم 1981 إلى 20% عام 1988 .

وكان من هذه النتائج أيضاً: تقليل معدلات الولادات، ورفع نسبة الطلاق وانتشار ظاهرة الأمومة المنفردة والعنف المنزلي الذي كثيراً ما يستدعي تدخل الدولة لتخليص المعنفة، وظهور مشكلة المسنين التي أصبحت أحدث مظهر من مظاهر تحلل روابط الأسرة التي لا تكن للمشاعر العائلية أي اعتبار.

أخيراً.. هل المرأة عندنا متخلفة؟ نعم، قد يكون ذلك واقعاً جزئياً وليس وهماً، المرأة عندنا مهضومة الحقوق؟ نعم، فإنه في مجتمعات ابتعدت بصورة أو بأخرى عن هدي الإسلام لا بد أن يحدث مثل ذلك، ولكن هل هي وحدها التي تعاني؟ والرجل ما شأنه؟ إنه أيضاً متخلف في عديد من مجالات الحياة، إنه أيضاً مهضوم الحقوق في كثير من الصور (ويعاني)... فليست مشكلة المرأة عندنا في حجابها... ولا في قضية عملها، ولا في قضية التزامها ببيتها وزوجها وأولادها... إن مشكلة المرأة ومشكلة المجتمع بعامة عندنا تتلخص بأنه من الضروري أن يتنور كل من الرجل والمرأة وأن يتعلّما، وينفّذا قواعد الإسلام، وعندئذ يستطيع المجتمع المؤلَّف من الرجل والمرأة تحديد ما يريد بناء على بصيرة ونور من هدي رب العالمين.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:35 PM
صور من ظلم المرأة
زيد بن إبراهيم الخثلان






تعاني المرأة صنوفاً من الظلم والجور، الذي يقع عليها تعدياً لأحكام الله، وعصياناً لأوامره، والله - جل وعلا - قد بين الحلال والحرام، وحد الحدود بقوله، وقوله الفصل وحكمه العدل قال - تعالى -: "وكان الله على كل شيء رقيبا " وهو - سبحانه - أعلم بصالح عباده وإليه يرجع الأمر كله، وهو القائل - سبحانه وتعالى-: "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم"{النساء: 176} أي: لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان، ومن أعظم هذه الأحكام: المواريث التي أمر الحق جل ذكره بالمحافظة على ما فصله فيها، وأمر بلزوم ما حده فيها، ونهى عن تعدي ذلك بتوريث من لا يرث، وحرمان من يرث.

ولا شك أن الجور على أحكام الله انتهاك لأمره، ورضا بغير حكمه، ونشر للظلم ليكون مشاعاً بين المجتمع - عياذاً بالله من هذا الحال - والله - سبحانه - يقول: "من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم" {النساء: 12}، قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي لتكن وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم الورثة أو ينقصه أو يزيده على فرض الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمه وشرعه".

وهذا من عظيم الإخلال بالأمانة وتضييعها، والله - تعالى - يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" {النساء: 58} ويقول - عليه الصلاة والسلام - محذراً من خيانة الأمانة: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان"(1) فأي نهاية تلك التي يكون الإنسان بها مغادراً عن الدنيا بعمل سيئ تترتب عليه المظالم في حق المخلوق؟! ولقد قسم الله - تعالى - حق النساء في الميراث، والتساهل في ذلك وإبطاؤه، والمماطلة من الإثم العظيم، فما بالكم بمن يحرمهن من حقهن البتة!!

إن هذا الجور والتعدي حاصل ممن امتزج في قلوبهم البعد عن أحكام الله - تعالى-، وأطماع الدنيا، والحب الجم للمال، حتى علت الغشاوة السوداء على بصرهم وبصيرتهم، وأصبحت الدنيا لديهم مفضلة على الآخرة، فظلموا المرأة، وسلبوا حقها؛ بل منهم من ارتبط لديه هذا المفهوم بعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، فزعموا زوراً أنه لا ميراث للمرأة؛ متخطين شرع الله الحكيم العليم، فشربوا أهواءهم، وعملوا بها، وإن مما أوصى به الحبيب المصطفى في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن الرسول أنه قال: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" رواه ابن ماجه والنسائي.

وإن من الظلم الواقع على المرأة أيضاً أخذ صداقها معرضين عن أمر الله - تعالى-: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"{النساء: 4} وهذا أمر بالأداء، ونهي عن الاستيلاء، فالصداق - المهر - من حقوقهن الخاصة ليس لأحد فيه حق إلا بطيب نفس منها، قال - تعالى -: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"{النساء: 4}.

ومن الظلم أيضاً: المضارة في العشرة، وذلكم هو الرجل تكون عنده المرأة فيضرها ويؤذيها لتتخلى له عن مالها أو مهرها ظلماً واستعلاءً، ويمارس معها صنوفاً من القهر والإيذاء لتترك له ما تبقى من مهرها في ذمته، أو تعيد له ما دفعه لها، هل هذه هي المعاشرة بالمعروف؟ قال - تعالى -: "وعاشروهن بالمعروف" {النساء: 19} أم هذا هو التسريح بإحسان الذي بينه الحق - جل وعلا - في قوله: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه"{البقرة: 231} ويقول أيضاً: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا"{النساء: 20}.

ومن الظلم الواقع على المرأة: منعها من الزوج الصالح التقي، يقول رسول الله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد"(2).

وإن على أولياء الأمور النصح لمولياتهم، واختيار الأكفاء، والسؤال عنهم، وإعلام المرأة صاحبة الشأن بأمر الخاطب؛ إذ لا يجوز تزويجها بغير رضاها؛ عملاً بقول المصطفى: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، وإذنها الصموت"(3) رواه الترمذي.

كذلك من الظلم الواقع على المرأة: عدم تعليمها شؤون دينها، وتركها هملاً لا تعرف أوامر ربها، وسنة نبيها محمد، فلا تعلم الوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وأمور الحج، وغير ذلك مما يلزم تعلمه؛ لينشرح صدرها بنور الإسلام، وفيض تعاليمه المباركة.

ومن الظلم: عدم تعليمها أخلاق الإسلام الفاضلة كالصدق والبر وحسن الكلام، بل تركهن لمجالس الغيبة والنميمة وسيئ الآداب، وعدم حمايتهن من النظر المحرم، والمخالطة المحرمة. وكل هذا من غش الرعية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"(4).

إن الواجب على ولي أمر المرأة تبصيرها بدين الله - تعالى - والحث على المعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد أهله إلى ما فيه خير لهم، وأن يكون بيته مشرقاً بالنور والهداية والتربية القويمة على هدي كتاب الله وسنة رسوله، فلا يلهيهم ويصدهم عما خلقوا من أجله، ألا وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن من أعظم ما يصرفهم عن الله والدار الآخرة الملهيات المحرمة، وسماع الغناء الذي يبث النفاق في القلب، والمناظر الفاتنة التي تصرفهم إلى الشهوات، وما يحصل من تهيئة جو المعاصي لهم، وتزيين الفتن والشهوات، وإحاطتهم بسياج المعاصي، وذلك هو بذل أسباب المعصية والضياع، قال جل ذكره: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" {التحريم: 6}.

إن الدلالة على الخير من أوجب الواجبات، وهو إيفاء بحق المرأة، وحفظها من الشرور والآثام. وأما تقريبها من الشهوات فهو الظلم المتعدي، حيث يمتد هذا الظلم إلى أبنائها التي هي راعية لهم، يقول - عليه الصلاة والسلام -: "والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها"(5).

1- رواه البخاري، كتاب الأدب، باب 69، ص623، رقم الحديث 6095.

2- رواه الترمذي في النكاح: باب 3، ح1091، ص173.

3- رواه الترمذي، النكاح: باب 17، ح1113، ص203.

4- رواه مسلم، الإمارة: ك33، ب5، ص419، رقم الحديث 4706.

5- رواه البخاري، النكاح، باب 81، 82، حديث 5188، ص 316.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:37 PM
قضايا المرأة.. رؤية جديدة
رحمة بنت مالك بن نبي






ازداد الحديث في الآونة الأخـيرة حول المرأة، وكثرت المؤلفـات التي تناولتهـا وجعلتها ساحة لدراستها، فتفننت في وصف المعاناة التي تواجهها المرأة اليوم.. ومع هذه الظاهرة وهذا الاهتمام ظهرت مصطلحـات جديدة قُرنت بموضوع المرأة، منها: مشكلة المرأة، أزمة المرأة، إشكالية المرأة، قضية المرأة، كل هذه تعبـير وتعريف عن هذا العصر الذي عُرف أيضاً بعصر الجنس اللطيف.

ومع هذا فإن "المشكلة" وواقعها يسير معاكساً لهذا الترويج، وكأن واقع المرأة لا يزال هو الواقع نفسه التي تحاول هذه المؤلّفـات التغيير فيه، هذا إذا لم يكن قد ازداد تدهوراً.

فالمرأة على الرغم مما نقـرأ من نصوص الكتاب والسنة، وعلى الرغم مما منحهـا الإسلام من مكانة لا تقل عن مكانة الرجل (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71)، وعلى الرغم مما أوصى بها من خير، لا تزال مهزومة من الداخل ومن الخارج، ولا تزال تشعر بالضعف والانكسار وبعدم تحقيق الذات.

وقد يضيق صدر البعض بهذا الذي أتقـدم به، ولا بأس في ذلك فقد يرى بعض الرجال أن شريكته أو أمه أو أخته لا تعاني من هذه المشـاعر وهذه الآلام، وهي تحظى داخل الأسرة وخارجها بطائل من الاحترام والكرامة.

ويحسن هنا أن نذكر أن هنـاك عاملاً مشتركاً بين النسـاء جميعهن، يقرب بينهن ويربط بعضهن ببعض، وهو أن الله وهب المرأة من الأحاسيس والشفافية ما يؤهلها للقيام بوظيفتها كمربية وزوجة على أحسن وأكمل وجه. إنها تحنو على رضيعها؛ فتستوحي من بكائه وابتسامته ما يزعجه وما يسعده، وتتعامل مع زوج قد لا يعبر عن أحاسيسه على النمط الذي تعبر به هي. ومع هذا لا تعجز عن تلبيته والتعاون معه.. إذن فإن طبيعة تكوينها وتركيبها تجعلها عرضة للتأثر بما تشعر به غيرها من النساء، أو بما تروجه الثقافة من حولها، وذلك على الرغم مما يقدمه لها الزوج أو الأسرة من تقدير واحترام.

بعد هذا يبدو أن الأسئلة التي لا بد أن تتـبادر إلى الأذهـان - حتى نلقي بعض الضوء على أسباب هذه المعاناة، وربما على بعض معالم الحل - هي: لماذا لم تؤتِ هذه الكتابات أُكلهـا؟ وما هي العوامل التي جعلت هذه الآيات الـكريمة وهذه الأحاديث الشريفة واقعاً انتفع به أسلافنا في صدر الإسـلام؛ واقعـاً انبثقت منه نساء تركن بصماتهن على وجه التاريخ؟ وما هي الجسور التي هُدّمت فحالت بيننا وبين هذا الواقع المشرق؟

عند المراجعة للكتابات التي اهتمت بموضوع المرأة نلمس منها صنفين:

الصنف الأول: اهتم بتجميع الآيات الكريمة، والأحـاديث الشريفـة التي تـدل وتوضح منزلة المرأة في الإسـلام، وما تحظى به من حقوق وامتـيازات. وينبغي لنا أن ندرك هذه الحقائق، وأن نقدر هذه الأعمال خير تقدير؛ حيث إنها تمثل قاعدة لا بد منها للانطـلاق لدراسة واقع المرأة، ولفهم هذه النصوص وتخليصها من رواسب التقليد والعادات.

غير أن هذه الأعمال تبدو أحياناً وكأنها للتباهي والتفاخر، أو أنها مجرد سرد بهدف رفع معنويات هذا المخلوق الرقيق - المرأة - التي كثيراً ما تُظلم، عن فهم أو عن جهل، على الرغم من الخدمات العظيمة التي تقدمها لمن حولهـا.

إنها تمر خلال أطوار حياتها بأدوار عظيمة من ابنة بارة، إلى زوجة صالحة؛ ومن ثم إلى أم تتحلى بأجلّ خصال، تمنحها القدرة على العطاء لمن حولها، وتخلصها من الأثَرة حتى تُشرف على إعداد إنسان متوازن فعّال، وقد كان من الأجدى لو أن هذه المؤلفات اهتمت أيضاً برسم التطورات التي مر بها واقع المرأة منذ بداية رسالة الإسلام إلى يومنا هذا، الذي أصبحت المرأة فيه واحدة من اثنتين: إما جـاحدة لمعنى مكانتها ورسالتها، وإما امرأة "رَجِلة"، أي صارت رجلاً مشوهاً، كما أطلق عليها الشيخ "محمد الغزالي" رحمه الله.

وعلينا أن نلاحظ أن رسم هذه التطورات يستلزم توضيح أن الإنسان تكون قيمته الذاتية انطلاقاً بين قيمتين:

أما القيمة الأولى: فثابتة لا تتغير، لا عبر الزمان ولا عبر المكان، قيمة كرمه الله بها منذ خلق آدم - عليه السلام - وتتمثل هذه القيمة في الامتيازات التي متَّعه الله بها من حرية عقيدة، وكرامة نفس وعقل، وحفظ لأسرته إلى جانب ماله، إضافة إلى الحدود التي رسمها حتى لا يعتدي على هذه الامتيازات.

وأما القيمة الثانية: فهي قيمة اجتماعية، تتغير بتغير الزمان والمكان، أي من عصر إلى عصر، ومن أمة إلى أخرى، فهذه القيمة يستلهمها الفرد من ظروف الحياة التي يعيشها، ومن مدى حماية مجتمعه للامتيازات التي منحه الله إياها.

وخلاصة هذه العلاقة ما بين القيمتين: أنه كلما ارتفعت القيمة الاجتماعية للفرد زادت الضمانات التي تدافع عن امتيـازات الفرد، لتقـارب القيمة الثابتة كلما استشعر هذا الفرد، رجلاً كان أم امرأة، ارتفاعاً لقيمته الذاتية والنفسية والمادية، والعكس صحيح.

وللتوضيح نذكر أن الله تعالى ضمن الامتيازات التي كرم بها آدم، أن حرّم دمـه بغير الحق، فهو بذلك وضع قيمة ثابتة للنفس البشرية، غير أن القيمة الاجتماعية لهذه النفس قد تهبط في ظروف معينة - من استبداد وغيره - لدرجة أن يصبـح القتل أداةَ لذة، أو أداة لتحقيق مصلحة مادية.

وهنا يبدو جلياً أن سبب شعور المرأة بالانهزام، وعدم تحقيق الذات، ليس راجعاً إلى قبول أو رفض النصوص التي كرمتها فحسب، بل أيضاً إلى طبيعة العلاقة بهذه النصوص، وأن رصد هذه العلاقة هو الذي سييسر على الدارس تصحيح الواقع طبقاً للمبادئ القرآنية.

وأما الصنف الآخر من الكتابات: فهي تلك التي تناولت المرأة وكأنها عنصر مستقل عن باقي المجتمع. ويبدو أن هذا الصنف الأخير يمثل قطبين في صفة صراع ظاهري: قطب أراد انفتاحاً كاملاً وتقليداً أعمى للغرب، وقطب شدّد على المرأة حتى كاد أن يخنقها، وبرهن على أن الغُلُوّ يولد الغلو، أي أنه دفعها في كثير من الأحيان إلى مثل ما أراد لها الطرف الأول، وجعلها بذلك تهرب من واقعها وتلهث وراء الغرب

فإن دققنا النظر وأمعناَّ أدركنـا أن معاناة المرأة إنما تنبع من معاناة مجتمع بأكمله، فما الرجل والمرأة إلا صورتان لموضع واحد وهو الإنسان. إن أمراضنا متعددة، ومن طور إلى طور قد تختلف الأعراض التي تبدو على الرجل والمرأة من فكر عقيم واضطرابات أسرية، وأزمات أخلاقية، غير أن الجرثومة واحدة.

إذن، يجب أن يكون الحل لمعاناة المرأة منسجماً مع الحلول للمشكلات الاجتماعية الأخرى، ضمن برنامج حضاري شامل. فما أفلست المرأة إلا عندما أفلس المجتمع بأكمله.

ولن يكون الحل حلاً إلا إذا بعثنا الأمة جمعاء وسرنا في الاتجـاه الصحيح، ويقول والدي وأستاذي "مالك بن نبي" في هذا الإطار: "يجب أن لا تكون نظرتنا إلى هذا الموضوع بدافع رفع المستوى المرأة ذاتها، أي بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري".

وقد فهم الغرب هذا الأمر، بعد أن ظل يتحاور عقوداً طويلة حول موضوع المرأة ويتساءل: هل المرأة كانت مثل الرجـل؟ هل لديهـا روح؟ هل يحق لها ما يحق للرجل؟ هل تحتاج إلى مثل ما يحتـاج إلى الرجل؟ ووصل مؤخـراً إلى قناعة بأن النظرة إلى المرأة على أساس أنها عنصر مستقل عن جوهر المجتمع لم تعد تخدم غاياته ومصالحه؛ لذلك أراد بصفة متسرعة أن يمنحها مساواة صورية، بغض النظر عن مدى صلاحية أو بُطلان هذه النتيجة، وقد دفعته هذه المساواة الصورية إلى عرقلة أو منع الدراسات الدقيقة التي تبحث عن طبيعة الفروق بين المرأة والرجل واعتبرها فروقاً نوعية لا وزن لها في توزيع الأدوار.

ويكفينا هنا أن نذكر مثـالاً على أن الحـل الذي يكون هدفه رفع مستوى المرأة فحسب - دون النظر في البعد الاجتمـاعي لهذا الحل - يصبح حـلاً قاصراً عن خدمة ورعاية مصالح المجتمع. لقد عرض التلفاز لقطات لنساء استطعن أن ينتسبن إلى فرقة الإطفاء بعد أن أصبح الرأي العام - بسبب ضغوط الحركات النسائية - يشجع مثل هذه الأدوار للنساء أيضاً. غير أن هؤلاء الفتيات على الرغم من الرغبة التي تغلي في دمائهن للمسـاواة مع الرجال، وعلى الرغـم مما يعتقدن ويقدرن قواهن، فإنهن فشلن في إثبات جدارتهن وصلاحيـاتهن لمثل هذه المسؤولية، وقد كشفت هذه اللقطات عن بعض هذه المثالب، فتاة تسقط وهي تحمل سُلم الإنقاذ أو أنبوب الماء لتطفئ النيران.

إذن فإن قبول الفتيات في مثل هذه المدارس - بهدف رفع مستوى المرأة في المجتمع - كان لا بد أن يفرز نتيجة سالبة في حق المجتمع، وقد اضطرت هذه المـدارس إلى التخفيف من مستوى التدريب المطلوب، والتغاضي عن ضعف الفتيات الوظيفي "الفسيولوجي" والنفسي، من أجل منحهن حقاً موهوماً؛ حق المساومة في أن تلج كل الميادين، وفي هذه الظروف تنعكس النتائج على سلامة المجتمع بأكمله، بحيث يصبح مستوى رجال ونسـاء المطافئ دون المقتضيـات التي تتطلبهـا مثل هذه المسؤولية؛ فيتحول هذا الحل إلى تهديد ضد مصلحة المجتمع.. فالأجـدى إذن، رعاية لمصلحة المجتمع، الاعتراف بعدم صلاحية النساء لمثل هذه المسؤوليات من أجل المحافظة على مستوى الاستعدادات اللازمة لمجابهة النيران المشتعلة.

ومن هنا فإن مشكلة المرأة ستبقى قائمة ما بقينا ننظر إليها على أساس أنها عنصـر مستقل، ما لم نبحث عن حـل ينسجم وباقي الحلول الاجتماعية، ولبيـان هذا الأمر نقول:

إن الكتب التي لم تتصور، ولم تصّور، المرأة على أساس أنها جزء من جوهر المجتمع تكون كمثل الذي يعالج اليد وكأنها ليست عضواً من أعضاء كيان واحد، إن سلامة اليد - وإن كان لها بعض الحاجات الخاصة بها، كتقليم الأظفار أو غير ذلك من الحاجات - تعود إلى ممارسـات أسباب سلامة الجسد كله. فإن ضعف الجسد، أو ضعفت الصلة التي بينها وبين باقي الأعضاء، فإنها بدورها تهن وتضعف.

لهذا فإن أردنا أن تنتصر المرأة في المعركة ضد الشعور المحبط بعدم تحقيقها لذاتها، فإن علينا أن نجابه الوضع على أساس نظرة شمولية، أي على أساس أنه أزمة مجتمع، وليس أزمة عنصر أو جنس دون الآخر، ومن ثم فإن عليـنا أن ندرك الجـانب الفكري والثقافي المتسلط على المجتمع عامة، ومن ثم متسلطاً عليها، وأن نعي ما أوضحه الشيخ "الغزالي" - رحمه الله - عندما قال: "إن التخلف النفسي والذهني لا تُصـاب به الأمم بغتة، وإنما يجيء بعد أمراض تطول، ولا تجـد من يُحسن مداواتها"، ولعل من المهم أن نذكر هنا أن هذه العوامل - المسيطرة على المجتمع ومن ثم على المرأة - ليست منفصلة. ولكننا نفصلها لكي نبين أهميتها على حدة، وقد يحتاج بيـان هذه الأمور إلى تفصيل طويل، ولكن حسبنا أن نذكر هنا بعض المعالم المهمة التي جعلت المرأة تفقد ثقتها بنفسهـا؛ الأمر الذي حـال بينها وبين شعورها بتحقيق ذاتها.

ونشير هنا إلى أن اهتمام هذه الدراسة بإبراز تدخل تلك العوامل التي جعلت المرأة تشعر بعدم تحقيق ذاتها لا يهدف إلى تحديد معاناة المرأة؛ فإن أوجه القلق والتخبط الذي تعيشه المرأة كثيرة ومتعددة، ولكننا تناولناه على سبيل المثال فقط.

فما هي إذن هذه العوامل التي سيطرت على البناء الفكري والثقافي للمجتمع؟

علينا أن نستوعب أن الجهل ألوان، جهل بمعناه السهل، وجهل مركب.

فأما الأول: فإن مكافحته والتغلب عليه أقل صعوبة من النوع الثاني؛ لأن صاحبه يدرك هذا النقص الذي يحمله، أما الثاني: فإن صاحبه لا يدرك حقيقة وضعه؛ إما لأنه يحمل أوهاماً يظنها علماً، أو أنه مصاب بآفة "تكديس المعلومات" أو "غمر الدماغ"، أي أنه يحمل جرثومة تجعله عاجـزاً عن تحويل معلومـاته إلى برنامج تطبيقي، ومن ثم تؤدي به إلى مضاعفات أشد خطورة من عدم امتلاك المعلومات. إنه باكتسابه لهذه المعلومات التي أُفرغت من فاعليتها يصل إلى تناقض داخلي يفرز عدم ثقته بنفسه وبالعلم، فتسيطر عليه الأوهام التي تجعله أداة لخدمة أهوائه ومطية لغيره.

إن مثل هذا الجاهل يغيب عنه الفرق بين الجهل وحقيقة العلـم، فينسى أن العلم إنما هو من أجل الإذعـان بالعبودية لله، وتسخير الكون لأداء رسالة، وليس من أجل تحصيل ورقة أو شهادة يطبع منها نسخـاً كثيرة، بينما يربط صاحبها بالعلم خيط واهٍ ضعيف، ينقطع يوم تنقطع صلته بالكلية، ومن ثم يخرج منه العلم دون أن يهضمه، فيتشبع به عقله، أو يتمثله سلوكه.

وهذا النوع من الجهل المركب هو الذي تسرب إلى المرأة، فهي تطمح إلى تحصيل شهادة يقدرها مجتمع لم يعد يعي مسؤولياته. وكثيراً ما يشجع حركة لا تتقدم به إلى الأمام، بل وكثيراً ما تسير به إلى الوراء.

فالفتاة اليوم كثيراً ما تجهل طبيعة أدوارها، ورسالتها في رعاية المجتـمع، فتخطط - إن خططت - لحياتها، دون مراعاة إمكانياتها وغاياتها، ولكن طبيعة الحياة ترفض هذا التحدي، فيصدمها الواقع بخسـائر حين لا تستطيع تحقيق أهداف كانت قد بنتها على أساس من الخيال والأوهام، ومن ثم تصـاب بخيبة أمل ترهقها بالشعور بعدم تحقيق ذاتها.

لن نبحث هنا فيما إذا كانت هذه الأفكار تصدَّر إلينا من خلال غزو فكري شديد وبأساليب شتى من مسارب جلية أو خفية، أو أننا نحن بمحض إرادتنـا - المسيّرة في كثير من الأحيان - نختار أن نستعير أفكاراً من خارج إطارنا الفكري والثقـافي لنسد به فراغاً لا بد أن يملأه شيء ما.

ومن المؤسف أن الكثير من هذه الأفكار المستعارة لا يمكن أن تتعـايش أو تتفاعل إيجابياً مع باقي الأفكار السائدة، فينتج عن هذا خليط غير متجانس يحمل جاهليات وأمراض شعوب أخرى، تزيد رؤية الأمة والمرأة - التي هي محور دراستنا - غبشاً وضعفاً، ونشير هنا إلى أن فشل هذه الأفكار المستوردة قد يعود إلى أحد سببين: إما أنها أفكار لم تلق نجاحاً في أرضها، فتُوّج فشلها بإعلان موتها، واستبدال أفكار جديدة بها، غير أن غيابنـا عن ساحة الأفكـار حال بيننـا وبين حضور موكب جنازتها، فبقينا مفتونين بها. وإما أنها أفكار صالحة داخل أجوائها الأصلية، حيث تحظى بعلاقات تغذيها وتحميها، بينما تتحول إلى أفكار ميتة أو مُميتة في بنية جديدة تحرمها من تلك العلاقات الأساسية.

إذن.. فلكي تقوم الاستعـارة على أسـاس سليم لا بد أن تتم وفق منهج يحمي علاقات أساسية ثلاث، أي أن تكون هذه الفكرة المستعارة ذات ترابط إيجابي:

أولاً: مع باقي الأفكار التي تشكل الإطار الفكري والثقافي في هذه البيئة الجديدة، بحيث لا يكون هناك تعارض يؤدي إلى انعدام فاعلية الفكرة أو تأثيرها تأثيراً مضاداً.

وثانياً: مع الأشياء التي تخدم هذه الفكرة، وتساعد على تحقيق نجاحها.

ثالثاً: مع الأشخاص، أي أنها تكون فكرة تخدم غايتهم، وتحترم قيمتهم.

وعلى سبيل المثال: نذكر أن المرأة المسلمة عندما استعارت من المرأة الغربية زيها الذي يُبدي العورة - بدل أن يبدي إنسانيتها - قامت باستعارة مشؤومة تتحدى هذه العلاقات الأساسية الثلاث. وهذا الزي إنما يخدم غايات العـالم الغربي الذي يبحث عن المتعة الآنية، والذي يعاني من أنانية جعلت المرأة تطرق باب رزقهـا، مستعينة على ذلك بمفاتنهـا، وفي المقـابل فإن هذا الزي يشكل خطـراً على الامتيازات التي تتمتع بها المرأة، داخل الأسرة وفي المجتمع الإسلامي، الذي زاده هذا الزي تدهوراً وانحلالاً.

ومن ثم فإن الاستعارات التلقائية التي لا تقوم على أساس من التخطيط والدراسة والبحث السابق تشكل خطراً يهدد الأفراد بالقلق، والأمة بالتقاعس، إن هـذه الحقيقة، مهما كانت واضحة، فإنها لا تزال غائبة عن أذهان حبيـسة التبـعية، والمرأة وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الأفكـار المستوردة - التي لا تحتوي لا الغايات ولا الوسائل - لن تجني سوى خسائر مادية ومعنوية، حينما تحاول تطبيق هذه الأفكار؛ فيكون الفشل حليفها، فتشعر أنها لم تحقق ذاتها، بينما تجهل الواقع وهو أن الأفكار تحمل سبب فشلها.

إن الحديث عن الواجبات والحقوق أصبح قاسمـاً مشتركاً بين المرأة والرجـل، فكلاهما يحفظ مجموعة شعارات تستهويه بكلمات رنانة، وتعده بأمنيات بعيدة عن الواقع.

والحقوق في الحقيقة ليست إلا ثمـرات تأتي نتيجة حتمية لأداء الواجبات، وهذه العلاقة هي التي أوضحها الله عز وجل في كتابه الكـريم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) (النور:55).

و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).

ومن هاتين الآيتين وغيرهما يبدو جلياً أن الله أمر الناس بتكاليف إن صدقوا فيهـا تكفل الله لهم بها حقهم.

وهذا أيضاً ما يقوله "ابن عطاء الله السكندري" في العـلاقة التي تربط بين الواجب والحق: "اجتهادك فيما لك، وتقصيرك فيما طُلب منك دليل على انطماس البصيرة منك"، أي أن انشغال الإنسان بحقوقه عن واجباته لن يثمر أبداً، وتلك هي سنة الله في عباده.

وهكذا كان مبدأ الأنبياء، وهكذا كان مبدأ سيدنا "محمد" - صلى الله وعلى آله وسلم - الذي بشّر أصحابه بالجنة إن أدوا واجباتهم وأخلصوا فيها.

ومن المؤسف أن منطق العصر قلب هذا المفهوم، وأذاب مبدأ الواجبات، بينما أقر مبدأ السهولة؛ مبدأ المطالبة بالحقوق.

ولعل من هذا القبيل منطق الانتخابات الذي يعتمد نجاح المرشحين فيها على وعود قلما تتحول إلى واقع، وفي ظل هذا المنطق أيضـاً ظهرت في العـالم وفي البـلاد الإسلامية "الحركات النسائيـة" التي تزعم السـعي لتحرير المرأة، والتي استهوت المرأة، وسلكت بها سبيل الأماني، فأغرتها بحقوق موهومة، وأنستها واجباً أساسياً ألا وهو ممارسة حرية الإرادة والقرار ممارسة سليمة، تراعي مصالحها ضمن مجتمع بأكمله، وتضمن لها الطمأنينة التي تخلصها من القلق.

ومما يشهد على ما نقوله: أن المرأة حين خاضت غمار هذا المنطق الأعوج، وآمنت به؛ خسرت أكثر مما ربحت، ووقعت في الاضطراب، مثلها في ذلك كمثل قرينتها في الغرب، التي تطالب بأن تعامل في ساحة العمـل على أساس كفـاءتها لا على أساس أنوثتها، وأن تُمنح مقابل عملها ما يُمنح الرجل.

ومن الثابت أنها لن تنال هذا الحق كاملاً إلا إذا انتقص منها في مجـال آخر، ما دامت تُبدي مفاتنها، وما دامت لم تقم بواجبها، فتصلح من حالها، وتخرج ضمن حدود زي يجعل العمل إلى جانبها يراها على ضوء ما تقدمه من خدمات، لا على أساس ما تعرضه من زينتها ومفاتنها.

إن الواجبات والحقوق سلسـلة متواصلة، فمسؤولية الزوج هي حـق الزوجة، ومسؤولية الزوجة هي حق الزوج، وهذه السلسلة هي التي تمكّن من بُنيان مجتمع راسخ، على أيدي أفراد يوازنون بين الواجبات والحقوق.

وما دامت المرأة تسلك طريق المطالبة بالحقوق، فإن خسائرها ستتفاقم، حتى إنها ربما أضاعت ما تتمتع به من امتيازات؛ فزادها ذلك شعوراً بالقهر والانكسـار وبعدم تحقيق ذاتها.

من المؤسف أن الثقافة في اتجاهها إلى العالمية - أو نحو ما أطلق عليه "القرية العالمية" - أصبحت ثقافة يطغى عليها طابع الغرب الغالب، فكما يقول "ابن خلدون":

"المغلوب يتبع الغالب"، ولقد سيطر على واقع العالم اليوم المذهب المادي الذي يسعى لتحقيق المتعة الآنية، ولامتلاك الرفاهية.

والغرب اليوم - بانصراف المسلمين عن ساحة الأحداث التاريخية - أصبح يدعم هذه الثقافة، ثقافة اللذة والرفاهية، بكل ما لديه من وسائل دعائية، من إعلام ومجلات وأفلام ومغنين ومغنيات.. وغير ذلك، فقد غيرت هذه الثقافة المرجعية من مرجعية قيم أخلاقية، إلى مرجعية استهلاكية، حتى إن الفرد - نفسه - تحوّل - ضمن هذه الثقافة - إلى سلعة استهـلاكية، فلم يعد الكون يسخَّر لخدمة الإنسان، وإنما الإنسان يسخَّر لخدمة الماديـة التي تقوم على المنفعة والرغبـات النفسية. لم يعد الفرد يقاس بما لديه من قيم، وما يتماثل من سلوك، أي أنه لا يقاس وفق مبدأ (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات:13)، بل أصبح يتصور واقعه وقيمته وفق ما يمتلك أو يستهلك من منتوجات.

وقد أفرزت هذه الرؤية المادية - القائمة على أساس المنفعة - عواقب خطيرة أهمها بالنسبة لموضوعنا تغيير مفهوم العمل. إن كلمة "عمل" - بمفهومها اليسير - تعني أن يسلط الإنسان جهداً للقيام بنشاط ما، ولكي ندرك هذا التعريف وعلاقتـه بموضوعنا، علينا أن نحلل العناصر التي يجب أن تتوافر من أجل القيام بعمل ما، إيجابياً كان أم سلبياً:

أولاً: الإنسان الذي سيقوم بالجهد.

ثانياً: الأداة التي يستخدمها من أجل تحقيق نشاطه.

ثالثاً: الخبرات والمعارف التي ستساعد في تحقيق النشاط، أي الطريقة لتحقيق العمل

رابعاً: المبرر والدافع للقيام بالعمل.

فإن اختفى واحد من العناصر الثلاثة الأولى أصبح العمل مستحيلاً، وإن انعدم المبرر، أو نقص، أصبح العمل عبثاً.

والمرأة اليوم - بسبب الغزو الثقافي - تعاني من نقص العنصر الرابع، الذي هـو المبرر؛ وذلك لأنها تعيش ثقـافة مادية طغت على العقائد والأخـلاق؛ فأحالت العمل إلى مفهوم ضيق المساحة، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعائد المادي، بعد أن كان مفهوماً واسعاً، أي كما ورد في القرآن الكريم: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ). (التوبة: 105).

فبعد أن كان الفرد يبحث عن عمل صالح يجمع بين بُعدين، البعد الأُخروي الذي يمنحه المبرر، ويرسي له دعائم التوازن، والبعد الاجتماعي، أصبح اليوم لا يبحث إلا عن عمل يضمن له بعـداً فردياً مادياً، إن لم يحصل عليه وقع في الاضطراب، وأرهقه شعور الفشل وعدم تحقيق الذات.

وهذا ما يلخص شعور المرأة، خاصة إذا لم تساهم في الدخل المادي للعائلة بسبب طبيعة مسؤولياتها الأخرى كأم وزوجة معطاء.

وأخيراً فقد أردنا من خـلال هذا البحث أن نرد موضـوع المـرأة إلى أبعـاده الاجتماعية الصحيحة، وربما كان هذا الجهد خطوة في اتجاه الحل السليم، كما أردنا أن لا ينُظر إلى المرأة على أساس من التبرئة والاتهام؛ فالواقع يصرخ بأن كل فرد من أفراد المجتمع يحمل بعض المسؤولية فيما نعيشه اليوم. فلا شك أن الأفراد يؤثرون في الثقافة، كما أن الثقافة تؤثر في تكوين الأفراد.

والمرأة - لأهميتها وخطورتها الاجتماعية - أصبحت تشغل مساحة كبيرة من اهتمام أولئك الذين يخططون لتوجيه أمة بأكملهـا، بقصد تسخيرها لخدمة مصالحهم، وهذا لا يعني أن ننغلق على أنفسنا، وأن نحرم أنفسنا من تجارب الآخرين "الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها"، بل أن ننظم العلاقات التي تربطنـا بالتجارب الأخرى.

وواضح أن هذا لن يتحقق إلا بإعادة تنظيم طاقة المسلم وتوجيهها، وذلك بإعادة قراءة القرآن، أي قراءة سنن الله في الكتاب، وقراءة ممارسة البشر لهذه السنن، ومن ثم بإعادة تحديد دور المسلم ورسـالته، فإن أدركنا هذه الحقـائق نكون قد أدركنا معنى قول الإمام مالك رحمه الله حين قال: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موضوعات ذات صلة:

هل يميز الإسلام ضد المرأة؟

الأنوثة في نصوص الوحيين

نقص العقل أم نقص الثقافة؟

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:40 PM
الدلالة المحكمة لآية الزينة على وجوب غطاء الوجه
لطف الله خوجة







هذا هو المبحث الثالث في سلسلة مباحث الحجاب.. وقد كان عنوان المبحث الأول والثاني كما يلي:

- الدلالة المحكمة لآية الحجاب على وجوب غطاء الوجه.

- الدلالة المحكمة لآية الجلباب على وجوب غطاء الوجه.


وفي هذا نسير وفق الطريقة نفسها، التي سرنا بها في عرض المبحثين السابقين.

* * *

- قال الله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}.

في هذه الآية دلالة واضحة على وجوب الحجاب الكامل، وبيان ذلك من وجوه:

- الوجه الأول: العفو عما ظهر بغير قصد.

إذا حصل الفعل باختيار: أسند إلى الفاعل، وإلا لم يسند.. مثل على ذلك: فعل "ظهر"..

- إذا كان عن اختيار، قيل: "أظهر"؛ أي فعل ذلك بإرادة وقصد.

- وإذا كان عن غير اختيار، قيل: "ظهر"؛ أي بغير بإرادة من الفاعل.

وفي الآية جاء الفعل "ظهر"، وليس "أظهر"، فالاستثناء إذن في قوله: {إلا ما ظهر منها}، يعود إلى ما يظهر من المرأة، من زينتها، بدون قصد.

ولننظر الآن: ما الزينة التي تظهر منها بغير قصد؟.

يقال هنا: قوله: {ما ظهر منها}، ضابط يندرج تحته كل زينة المرأة: الظاهرة، والباطنة. الوجه والكف، وما دونهما، وما فوقهما، فكل ما ظهر منها بغير قصد، فمعفو عنه؛ لأن الشارع لا يؤاخذ على العجز والخطأ.

وبيان هذا: أن ما يظهر من المرأة بغير قصد على نوعين:

- الأول: ما لا يمكن إخفاؤه في أصل الأمر: عجزا. وذلك مثل: الجلباب، أو العباءة، أو الرداء. [بمعنى واحد]، ويليه في الظهور: أسفل الثوب تحت الجلباب، وما يبدو منه بسبب ريح، أو إصلاح شأن، وكل هذه الأحوال واقعة على المرأة لا محالة.

- الثاني: ما يمكن إخفاؤه في أصل الأمر، لكنه يظهر في بعض الأحيان: عفوا دون قصد. مثلما إذا سقط الخمار، أو العباءة، أو سقطت المرأة نفسها، فقد يظهر شيء منها: وجهها، أو يدها، أو بدنها.

ففي كلا الحالتين: حالة العجز، وحالة العفو. يصح أن يقال: "ظهر منها"[1]. وحينئذ فالآية بينت أنها غير مؤاخذة؛ لأنها عاجزة، ولأنها لم تتعمد، وبمثل هذا فسر ابن مسعود الآية، وجمع من التابعين، فذكروا الثياب مثلا على ما يظهر بغير اختيار، قال ابن كثير في تفسيره [6/47]: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وقال ابن مسعود: كالرداء والثوب. يعني ما كان يتعاناه نساء العرب، من المقعنة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثوب، فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها، وما لا يمكن إخفاؤه".

وهذا التفسير يطابق معنى الآية، ولا يعارضه بوجه، أما قول من فسر الآية: {ما ظهر منها}، بالوجه واليد، فإن فيه إشكالا: فأصحاب هذا القول، يصرحون بجواز إظهارهما مطلقا، دون قيد، ولو أنهم جعلوا مناط الجواز: حال العفو. لكان موافقا لمعنى الآية، لكنهم قصدوا حال الاختيار والتعمد، وهذا ينافي معنى وتفسير الآية, كما تقرر آنفا.

إذن في الآية قرينة تبين أن المراد: ما ظهر منها بعفو؛ من دون قصد، وتعمد، واختيار. وغير هذا القول يتعارض كليا مع لغة العرب، الذي نزل به القرآن، ومن شروط التفسير ألا يعارض كلام العرب.

- استطراد في بيان موقف الشيخ الألباني رحمه الله من هذا الوجه:

هذا الإحكام في الدلالة: حمل الشيخ الألباني، رحمه الله وأعلى درجته، على ترجيح أن الآية دلت على صراحة على وجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب، إلا ما ظهر بغير قصد، واستدل بقول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسيره: {إلا ما ظهر منها} بالثياب. وقد كان ذلك رأيه، رحمه الله، في أول الأمر.. ثم إنه تراجع عنه، ومال إلى قول من رجع بالاستثناء على الوجه والكف، قال:

" ففي الآية الأولى [آية الزينة] التصريح بوجوب ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب، إلا ما ظهر بغير قصد منهن، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره..".

فذكر المنقول من كلامه آنفا، ثم قال: "وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير: {إلا ما ظهر منها}، هو المتبادر من سياق الآية، وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها: فمن قائل: إنها الثياب. ومن قائل: إنها الكحل، والخاتم، والسوار، والوجه. وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في تفسيره عن بعض الصحابة والتابعين، ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء: الوجه والكفان. قال:...".

ومضمون ما ذكره ابن جرير: أن ما ظهر منها هو الوجه واليد. باعتبارهما ليسا بعورة في الصلاة؛ أي أنه قاس عورة النظر على عورة الصلاة. لكن الشيخ تعقبه فقال:

"وهذا الترجيح غير قوي عندي؛ لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني، وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي، وهو غير لازم هنا، لأن للمخالف أن يقول: جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة، أمر خاص بالصلاة، فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة، لوضوح الفرق بين الحالتين.

أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها، لدليل، بل لأدلة أخرى غير هذه، كما يأتي بيانه، وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه، لا في صحة الدعوى، فالحق في معنى هذا الاستثناء، ما أسلفناه أول البحث، وأيدناه بكلام ابن كثير، ويؤيده أيضا ما في تفسير القرطبي: قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ما ظهر} على هذا الوجه، مما تؤدي إليه الضرورة في النساء، فهو معفو عنه.

قال القرطبي: قلت: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين، ظهورهما عادة عبادة، وذلك في الحج والصلاة، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما..".

وبعد أن نقل كلامه بتمامه قال الشيخ: "قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضا، لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة، فإنما ذلك بقصد من المكلف، والآية حسب فهمنا، إنما أفادت استثناء ما ظهر منها دون قصد، فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا، لما ظهر بالقصد؟! فتأمل".

وكما قلت آنفا، فقد كان هذا رأيه في دلالة هذه الآية، في أول الأمر، فلم ير فيها ما يدل على كشف الوجه واليد، وإن كان يرى جواز كشفهما، لكن لأدلة أخرى. وبغض النظر عن إمكان الجمع بين قوليه:

- القول بأن الآية دلت على ستر الزينة كلها، وعدم إظهار شيء منها للأجانب، إلا ما ظهر بغير قصد.

- والقول بجواز كشف الوجه واليد، لكن بأدلة أخرى.

فإن الشيخ مال بعد إلى القول الذي كان رده أولاً، فقال:

"ثم تأملت؛ فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء [من فسر الآية بالوجه والكف] هو الصواب، وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله، وبيانه: أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها}، يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة، غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا، فيما تظهره بقصد منها، فابن مسعود يقول: ثيابها؛ أي جلبابها. وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول: هو الوجه والكفان منها.

فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر منها عادة بإذن الشارع وأمره".

ثم استدل لهذا الرأي، بأن كشف الوجه والكف هو عادة النساء في عهد النبوة وبعده، فقال:

"فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها، سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما، فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد؛ لأنه مأذون فيه، كإظهار الجلباب تماما، كما بينت آنفا.

فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا: إن المراد بالاستثناء في الآية: الوجه والكفان. وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده".

قال: "قلت: فابن عباس, ومن معه من الأصحاب، والتابعين، والمفسرين: إنما يشيرون بتفسيرهم لآية: {إلا ما ظهر منها}، إلى هذه العادة، التي كانت معروفة عند نزولها، وأقروا عليها، فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود". [جلباب المرأة المسلمة 39-53].

فهذا كلامه بالتفصيل، ويلاحظ ما يلي:

1- صريح الآية استثناء ما ظهر بغير قصد، فلا يدخل فيه الوجه والكف؛ لأنهما يظهران بقصد، وهذا ما أقر به الشيخ في أول كلامه، ودعا للتأمل فيه.

2- لا يصح صرف هذا المعنى الصريح [استثناء ما ظهر بغير قصد] إلى غيره [استثناء ما ظهر بقصد] إلا بقرينة صحيحة، والقرينة التي استدل بها الشيخ هنا هي: عادة النساء في عهد النبوة. وهذه قرينة غير مسلمة، فللمنازع أن يرد ذلك، بأن عادة النساء لم تكن في الكشف، بل في الستر، ويسوق على ذلك آثارا صريحة، لا ينكرها الخصم، بل يثبت أن الكشف كان عادتهن في أول الأمر، حتى أمرن بالتغطية، كيلا يتشبهن بالإماء، كما في آية الإدناء، وحينئذ فقوله هو الراجح، أو لا أقل من أن يكونا متساويين، وحينئذ، في الحالين، لا تصح القرينة هنا، فإن القرينة لا بد أن تسلم من المعارضة. ثم كيف يكون عادتهن، في عهد النبوة: الكشف. والتغطية مستحبة في أدنى أقوال العلماء..؟!!.. أفكان ذلك الرعيل الأول من المؤمنات مفرطات في هذا الثواب الجزيل، مع ما نقل عنهن من تسابق للخير، يوازي مسابقة الصحابة رضوان الله عليهم؟!

3- إذا بطلت القرينة، بقيت الآية على حالها، صريحة في استثناء ما ظهر بغير قصد، ومن ثم تبطل دلالتها على جواز كشف الوجه الكف.

4- تشبيه الوجه والكف بالجلباب باطل، لأن الوجه والكف يمكن إخفاؤه، والجلباب لا يمكن.

5- ثمة نزاع في فهم كلام الصحابة، كابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد بالوجه والكف؟. فالآثار عنه تبين أنه أراد جواز إظهارهما للمحارم غير الزوج، وليس الأجانب، وسيأتي تفصيله بعد قليل.

6- يبطل بذلك قول الشيخ أن معنى الآية: "إلا ما ظهر منها بإذن الشارع وأمره"؛ الوجه والكف، إلا في حالة واحدة، هي: إذا ظهرا بغير قصد.

* * *

- الوجه الثاني: الزينة ليست المتزين.

الزينة في كلام العرب هي: ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها، كالحلي. وكذلك استعملت الزينة في القرآن للشيء الخارج عن أصل خلقة المتزين، من ذلك قوله تعالى:

- {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، أي الثياب.

- {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها}، فالزينة على الأرض، وليس بعض الأرض.

- {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}، فالكواكب زينة للسماء، وليست منها.

وهكذا، فلفظ الزينة يراد بها ما يزين به الشيء، وليس من أصل خلقته.

وعلى ذلك فتفسير الزينة ببدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يحمل عليه إلا بدليل، فقول من قال: إن الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها هو: الوجه والكف. خلاف المعنى الظاهر، فإذا فسرت بالثياب استقام في كلام العرب ولغة القرآن. [انظر: أضواء البيان 6/198-199].

ويؤيد هذا ما رواه ابن جرير [التفسير 17/257] بسنده:

- عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب. قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".

فاستدل أبو إسحاق على صحة تفسير الزينة بالثياب بالقرآن، ففسر القرآن بالقرآن، وهذا أعلى درجات التفسير؛ لأن الله تعالى أعلم بمراده.

فإن قال قائل: قد علمتم أن من الأقوال التي قيلت تفسيرا للزينة في الآية أنها: الكحل والخضاب. وهما من الزينة، لا شك في ذلك، وليسا من أصل الخلقة، فلم لا يكون الاستثناء عائدا إليهما، فيجوز للمرأة حينئذ إظهار الكحل في العين، والخضاب في اليد، وإذا حصل ذلك، لزم منه كشف الوجه واليد؟

فالجواب أن يقال: لا يلزم من جواز إظهار الكحل في العين: إظهار الوجه.

ثم لا نسلم لكم أن ابن عباس رضي الله عنهما قصد بذكر الوجه والكف، أو الكحل، والخاتم، والخضاب: إظهارهما للأجانب. فإن هذا هو محل النزاع: ماذا عنى ابن عباس؟، وسيأتي بيان هذه المسألة.

* * *

- الوجه الثالث: هو قول طائفة من السلف.

القول بأن الذي يتسامح في ظهوره للأجانب هو الثياب، هو قول طائفة من السلف:

- روى ابن جرير بسنده عن ابن مسعود، قال: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب".

- وروى أيضا بسنده إبراهيم النخعي قال: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب".

- وروى بسنده عن الحسن في قوله: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب.

- ومثله عن أبي إسحاق السبيعي. [التفسير 17/256-257]

- وقال ابن كثير في تفسيره [6/47]: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه. وقال ابن مسعود: كالرداء والثوب. يعني ما كان يتعاناه نساء العرب، من المقعنة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثوب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها، وما لا يمكن إخفاؤه. وقال بقول ابن مسعود: الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النخعي وغيرهم".

فهذه أقوال جمع من السلف، كلها دلالتها صريحة على وجوب تغطية الوجه، فعلى الرغم من أن الآية عمدة عند القائلين بجواز الكشف، إلا أن هؤلاء الأئمة لم يفهموا هذا الفهم بوجه ما.

وبهذه الأوجه يثبت من غير شك: أن دلالة الآية قاطعة، على وجه الحجاب الكامل على المرأة.


* * *

استطراد: اعتراض، وجواب.

فإن قال قائل: فما تصنعون بالآثار الواردة عن الصحابة، ومن بعدهم من الأئمة في تفسير: {ما ظهر منها}، بالوجه والكف. وهي آثار منها الثابت، ومنها ما دون ذلك، والحجة في الثابت منها.

فالجواب ما يلي:

- (جواز كشف الوجه واليد للمحارم، لا الأجانب).

ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية بالوجه والكف: مفسر بما جاء عنه في الرواية الأخرى، التي رواها ابن جرير فقال:

- "حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم. فهذه تظهر في بيتها، لمن دخل من الناس عليها". [التفسير 17/259][2].

من هم الناس في كلام ابن عباس؟ أهم الأجانب؟..

كلا، فإن تحريم دخول الأجانب على النساء، لا يخفى على أحد، فضلا عنه، وقد قال رسول الله صلى الله وسلم: (إياكم والدخول على النساء)، والآية: {وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب}. إذن فقصده إذن: من دخل عليها من محارمها غير الزوج. فهذه تبدي لهم ما ظهر منها، مما يشق عليها إخفاؤه في بيتها، فعلى هذا يحمل قول ابن عباس، لا على نظر الأجانب إليها.

وهذا يوافق ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}، فقد روى ابن جرير بسنده إلى ابن عباس في الآية قال: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة" [التفسير 19/181]، فهذا صريح في تغطية الوجه، وقد تقدم.

ومن المعلوم المقرر عقلا: أنه إذا وردت عن الصحابي رواية صريحة في المعنى، وأخرى محتملة للمعنيين، كان حملها على المعنى الصريح هو المتوجب، فكيف إذا كانت هذه الأخرى أقرب إلى معنى الرواية الأولى؟

* * *

مع يقيننا أن هذا الوجه قاطع للنزاع في معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما، فهو أحرى من فسر لنا كلامه، وقد بين أنه أراد إظهار الوجه والكف للمحارم، لمن دخل منهم البيت، وهو الموافق لقوله في آية الجلباب، إلا أنه تنزلا وجدلا نقول: هب أن ابن عباس لم يرد عنه ما يفسر كلامه، فهل تفسيره الآية بالوجه والكف ليس له إلا احتمال واحد هو: جواز إظهارهما للأجانب؟

والجواب: كلا، بل ثمة احتمالات أخر، هي:

أولا: استثناء أم نهي؟

في الآية نهي واستثناء، فقوله: {ولا يبدين زينتهن} = نهي. وقوله: {إلا ما ظهر منها} = استثناء.

فقول ابن عباس وغيره، إما أن يحمل على: النهي، أو الاستثناء.

فأكثرهم نظر إلى الاستثناء، ولم ينظر إلى النهي، مع أنه محتمل، ففي الاستثناء: المعنى أنهن نهين عن إبداء زينتهن، ومنها الكف الوجه، وربما يكون سبب تخصيصهما حينئذ بالذكر: لأنهما أكثر ظهورا. بالنظر إلى كشفها في الصلاة والإحرام، وحينئذ يكون تفسير ابن عباس لقوله: {ولا يبدين زينتهن}، لا قوله: {إلا ما ظهر منها}، وهو محتمل. وقد أورد ابن كثير هذا الاحتمال فقال:

- "وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها"، إلى أن قال: "ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه: أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور"[التفسير6/47].

فإن احتج المخالف بأن هذا الوجه غير مشهور عند العلماء، قلنا: هو كذلك، لكن ليس هذا موضع الاحتجاج من إيراد هذا الوجه، إنما في وجود احتمال آخر غير المشهور، له ذكر عند العلماء، يوافق المشروع وغير باطل عقلا، ومعلوم أنه إذا تطرق الاحتمال بطل الاستدلال، ومن ثم لا تكون هذه التفسيرات من الصحابة رضوان الله عليهم حجة قاطعة على الكشف، بل محتملة غير ملزمة.

وإذا كان هذا هو حال هذا التفسيرات، فكيف يعارض بها الدلالة المحكمة لآيات: الحجاب، والجلباب، والزينة؟!

- ثانيا: العفو عما ظهر بغير قصد.

تقدم في الوجه الأول: أن الآية تسامحت فيما ظهر من المرأة بغير قصد. ومعلوم أن المرأة قد يظهر منها الوجه والكف بغير اختيارها، وهذا يحصل كثيرا، بخلاف غيرهما، وعلى هذا يمكن حمل كلام ابن عباس وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم على ما ظهر من المرأة بغير قصد، مما هو من زينتها، أو بدنها، كالوجه والكف، والخضاب، ونحو ذلك.

ثالثا: التدرج في الحجاب.

ثمة جواب هنا ورد عن ابن تيمية هو: أن الحجاب هكذا شرع في بداية الأمر، ستر البدن كله، إلا الوجه والكفين، ثم لما نزلت آية الجلباب أمرن بستر الوجه والكف أيضا. قال:

"(فصل في اللباس في الصلاة) وهو أخذ الزينة عند كل مسجد، الذي يسميه الفقهاء: (باب ستر العورة في الصلاة)، فإن طائفة من الفقهاء ظنوا أن الذي يستر في الصلاة، هو الذي يستر عن أعين الناظرين، وهو العورة، وأخذ ما يستر في الصلاة من قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، ثم قال: {ولا يبدين زينتهن}؛ يعنى الباطنة: {إلا لبعولتهن}الآية. فقال يجوز لها، في الصلاة، أن تبدى الزينة الظاهرة دون الباطنة، والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين:

- فقال ابن مسعود ومن وافقه هي: الثياب.

- وقال ابن عباس ومن وافقه هي: فى الوجه واليدين؛ مثل الكحل والخاتم.

وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية، فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها. وهو مذهب أبى حنيفة والشافعي وقول في مذهب أحمد.

وقيل: لا يجوز. وهو ظاهر مذهب أحمد، فإن كل شيء منها عورة، حتى ظفرها، وهو قول مالك. وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة. وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج، وذوى المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره.

ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}، حجب النساء عن الرجال، وكان ذلك لما تزوج زينب بنت جحش، فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن، ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك، عام خيبر، قالوا: (إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه)، فحجبها.

فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب، وأمر: أزواجه، وبناته، ونساء المؤمنين. أن يدنين عليها من جلابيبهن، والجلباب هو: الملاءة. وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره: الرداء. وتسميه العامة: الإزار. وهو الإزار الكبير الذي يغطى رأسها وسائر بدنها، وقد حكى أبو عبيد[3] وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها. ومن جنسه النقاب، فكن النساء ينتقبن، وفى الصحيح: (أن المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين)، فإذا كن مأمورات بالجلباب، لئلا يعرفن، وهو ستر الوجه، أو ستر الوجه بالنقاب، كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقى يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة.

فابن مسعود ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين". [الفتاوى 22/109-111]

رابعا: عورة النظر غير عورة الصلاة.

هذه الآية ليست في عورة النظر، بل عورة الصلاة. وذلك أن العورة عورتان:

- عورة في النظر، وهذه تعم جميع البدن.

- وعورة في الصلاة، وهذه تعم البدن إلا الوجه والكف.

وطائفة من العلماء يقولون بأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفها. ومقصودهم أن ذلك في الصلاة؛ لأنها مأمورة به الصلاة، ويدل على هذا أن كلامهم في جواز كشف الوجه يأتي عند الكلام على ستر العورة في الصلاة، وقد نص طائفة من أهل العلم على التفريق بين عورة النظر وعورة الصلاة:

- قال البيضاوي في تفسيره قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن..}: "والمستثنى هو الوجه والكفان، لأنهما ليستا من العورة، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن بدن الحرة كلها عورة، لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها، إلا لضرورة، كالمعالجة وتحمل الشهادة".

- قال الشهاب في شرحه تفسير البيضاوي [عناية القاضي وكفاية الراضي 6/373، انظر: عودة الحجاب 3/228،231]: "ومذهب الشافعي رحمه الله، كما في الروضة وغيرها، أن جميع بدن المرأة عورة، حتى الوجه والكف مطلقا، وقيل: يحل النظر إلى الوجه والكف، إن لم يخف فتنة، وعلى الأول: هما عورة إلا في الصلاة، فلا تبطل صلاتهما بكشفهما"، قال: "وما ذكره [البيضاوي] من الفرق بين العورة في الصلاة وغيرها، مذهب الشافعي رحمه الله".

- وقال ابن تيمية: "التحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر، إذ لم يجز النظر إليه". وقال: "فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا" [الفتاوى الكبرى 4/409].

- وقال ابن القيم: "العورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة في النظر، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك" [إعلام الموقعين 2/80].

- وقال الأمير الصنعاني في سبل السلام (1/176): "ويباح كشف وجهها، حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها، بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة".

- وقال عبد القادر الشيباني الحنبلي في نيل المآرب بشرح دليل الطالب 1/39 [عودة الحجاب 3/230]: " والوجه والكفان من الحرة البالغة عورة خارج الصلاة، باعتبار النظر، كبقية بدنها".

- يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي: "الفرق كبير جدا بين الحجاب وسترة العورة، فالعورة ما لا يجوز كشفه حتى للمحارم من الرجال، وأما الحجاب فهو شيء فوق ستر العورة، وهو ما حيل به بين النساء والأجانب من الرجال" [تفسير سورة النور ص158، انظر: عودة الحجاب 3/232].

وليس المقصود استقصاء هذه الأقوال، لكن المقصود بيان أنه لا يصح أن يفهم من مجرد قولهم: والمرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها. أو بقولهم في الآية: {إلا ما ظهر منها}، هو الوجه والكف. أن مذهبهم جواز الكشف أمام الأجانب. إذ قد يكون مقصودهم أن هذا في الصلاة، فلا بد إذن من دليل آخر يدل صراحة على أن مذهبهم جواز كشف الوجه أمام الأجانب.

إذن كل الأدلة تفضي إلى وجوب تغطية الوجه والكف وسائر البدن، وعلى هذا كلام جماهير أهل العلم.

* * *

- لا يعارض القطعي بالظني.

لو فرضنا جدلا أن هذه الآثار تخالف الدلالة القطعية للآية، فالحجة فيما أثبتته الآية، فقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مقدم على قول كل أحد، وكم من النصوص فسرت بما يعارضها، وكان الواجب طرحها والإعراض عنها.. فلو قدرنا أن هذه الآثار المفسرة للآية بكشف الوجه ثابتة السند والمعنى، فلا ريب أن الحجة فيما قطع بدلالته، وآية الزينة بينة الدلالة على وجوب التغطية، كما أثبتنا، وقد أثبتنا قبل ذلك قطعية دلالة آية الحجاب، وكذا آية الجلباب، على وجوب الحجاب الكامل، فكيف تطرح هذه القطعيات لبعض الأقوال، وبعضها لا تثبت، وبعضها ليست قطعية الدلالة، لها تأويل؟! كما قد تبين بالبيان السابق.

فإن قيل: هل أنتم أعلم أم ابن عباس ومن وافقه، وقد فسروا: {ما ظهر منها}، بأنه الوجه والكف؟.

فيقال: بل هم أعلم، إنما النزاع في معنى ما ورد عنهم، فقد تبين بالأوجه السابقة: أن توجيه كلامهم نحو جواز كشف الوجه واليد مطلقا، فيه نظر !! ولا يسلم للمخالف به، والذي حملنا على هذا الرأي:

1- ما ورد عنهم من قول خلاف ذلك، حيث تقدم قول ابن عباس أنها في الذي يدخل على المرأة بيتها، والمقطوع به أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن ليجيز لغير محرم دخوله على امرأة أجنبية، فضلا أن يجيز لها كشف وجهها ويديها أمامه، في بيتها، كيف وهو الذي فسر الإدناء، بأن تغطي المرأة وجهها، فلا تبدي إلا عينا واحدة، أفكان يأمرها بالتغطية خارج البيت، ويأذن لها بالكشف داخل البيت؟!

2- أن أصل الحجاب مشروع، ونصوصه الدالة عليه عديدة، فهي شعيرة، ومن المحكمات، فليس من السهولة تجاوز هذا الحكم الواضح لأجل آثار، بعضها لا تثبت، وبعضها لها تأويل سائغ، فتكون من المتشابهات التي يجب ردها إلى المحكمات.

3- أن من الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ابن مسعود رضي الله عنه، من صرح في الآية بغير هذا المعنى، فقال هو: الثياب. وتبعه على ذلك جمع من التابعين.

* * *

- القول في قوله تعالى: وليضربن بخمرهن على جيوبهن{.

قال الإمام البخاري: "باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}"، ثم ذكر سنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرت الأول، لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، شققن مروطهن، فاختمرن بها). [فتح الباري 8/489]

يرى الشيخ الألباني، رحمه الله وأعلى درجته، أن الخمار عند الإطلاق هو غطاء الرأس فقط، دون الوجه، وقد يستعمل أحيانا في غطاء الوجه، يقول:

- "الخمار غطاء الرأس فقط، دون الوجه" [الرد المفحم ص13].

- "كما أن العمامة عند إطلاقها، لا تعني تغطية وجه الرجل؛ فكذلك الخمار عند إطلاقه، لا يعني تغطية وجه المرأة"[الرد المفحم ص18].

- "وجملة القول: إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق؛ إنما يعني: تغطية الرأس، فمن ضم إلى ذلك تغطية الوجه، فهو مكابر معاند، لما تقدم من الأدلة".[الرد المفحم ص25].

- "لا ينافي كون الخمار غطاء الرأس، أن يستعمل أحيانا لتغطية الوجه" [الرد المفحم ص23].

وقد بنى رأيه هذا على أمور ثلاثة هي:

- الأول: نصوص من الكتاب والسنة دلت على أن الخمار: غطاء الرأس.

قال: " وأما مخالفته للسنة فهي كثير؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) وهو حديث صحيح، مخرج في الأرواء (196) برواية جمع؛ منهم ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.

فهل يقول الشيخ التويجري، بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة ؟!.

ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي نذرت أن تحج حاسرة: (مروها فلتركب، ولتختمر، ولتحج)، وفي رواية: (وتغطي شعرها)، وهو صحيح أيضا، خرجته في الأحاديث الصحيحة (2930).

فهل يجيز للمحرمة أن تضرب بخمارها على وجهها، وهو يعلم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة..)؟!

ومثل ذلك أحاديث المسح على الخمار في الوضوء" [الرد المفحم 16-17].

- الثاني: أقوال المفسرين والفقهاء في معنى الخمار.

قال رحمه الله : "فمن المفسرين: إمامهم ابن جرير الطبري، والبغوي، والزمخشري، وابن العربي، وابن تيمية، وابن حيان الأندلسي، وغيرهم كثير، وكثير ممن ذكرنا هناك".

ومن المحدثين: ابن حزم، والباجي الأندلسي..".

قال: "ومن الفقهاء: أبو حنيفة، وتلميذه محمد بن الحسن، في الموطأ، وستأتي عبارته في ص (34)، والشافعي القرشي، والعيني" [الرد المفحم 18،21].

- الثالث: كلام أهل اللغة في معنى الخمار.

قال: "ومن ذلك قول العلامة الزبيدي في (شرح القاموس) 3/189، في قول أم سلمة رضي الله عنها: إنها كانت تمسح على الخمار. أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) 1/22: أرادت بـ(الخمار): العمامة؛ لأن الرجل يغطي بها رأسه؛ كما أن المرأة تغطيه بخمارها".

وكذا في (لسان العرب). وفي المعجم (الوسيط)، تأليف لجنة من العلماء، تحت إشراف (مجمع اللغة العربية)، ما نصه: (الخمار): كل ما ستر. ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي به رأسها. ومنه العمامة؛ لأن الرجل يغطي بها رأسه، ويديرها تحت الحنك" [الرد المفحم 17-18].

* * *

كان ذلك رده رحمه الله على من فسر الخمار بغطاء الوجه، في قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، حيث يرى رحمه الله: أن الآية لا تدل على غطاء الوجه، بل الرأس؛ لأن معنى الخمار كذلك.

وقد استنكر كل قول يفسر الخمار بغطاء الوجه، ووصف كل ما ورد عن الأئمة بهذا المعنى أنه: إما زلة، أو سبق قلم، أو تفسير مراد. فقال [الرد المفحم ص13]:

"وتشبث في ذلك ببعض الأقوال، التي لا تعدو أن تكون من باب: زلة عالم، أو سبق قلم، أو في أحسن الأحوال: تفسير مراد، وليس تفسير لفظ؛ مما لا ينبغي الاعتماد عليه في محل النزاع والخلاف".

* * *

وتعليقا على ما أورده الشيخ يقال هنا:

- أولا: ليست الآية هي الحجة في وجوب غطاء الوجه.

هذه مسألة مهمة، وهي: أن آية الخمار ليست العمدة في وجوب غطاء الوجه، فدليل الوجوب قد تقدم في الآيات الثلاثة: آية الحجاب، وآية الجلباب، وآية الزينة. ودلالتها محكمة على الوجوب.

وعلى ذلك: فعدم قطعية دلالة هذه الآية على وجوب غطاء الوجه، لا يسقط الحكم أو يلغيه.

ومعلوم أن الآية وردت نهيا عن تشبه النساء المؤمنات بالجاهلية، حيث كانت المرأة تلبس الخمار على رأسها، ثم تسدل من الخلف، فينكشف الصدر والعنق، كما يفعل نساء النبط، فأمرن بالسدل من الأمام، حتى يغطين كل ذلك، وهذا يحتمل:

- أن يغطى معه الوجه، وهو الأقرب، والموافق للأمر في نصوص: الحجاب، والجلباب، والزينة.

- أن يدور حول الوجه، مغطيا الأذن، ثم العنق، ثم الصدر. والمعنى يحتمل هذا الوجه.

ولأجله فإن الآية ليست قاطعة الدلالة في الجهتين. فإذا كان لا يحق لمن يقول بالتغطية الاحتكام إليها، فكذلك من يقول بالكشف، لا يحق التحكم بمعناها، والقول بأنها تدل على الكشف بالقطع.

بل إذا فسرت بتغطية الوجه، فهو تفسير معتبر؛ لأنه تفسير في ضوء نصوص الحجاب الأخرى، فتتلاءم، وفي كلام العلماء وأهل اللغة تفسير الخمار بغطاء الوجه.

ولو فسرت بتغطية العنق والصدر وما جاور الوجه، فهذا لا يمنع من وجوب غطاء الوجه، لكن بالنصوص الأخرى، فتكون هذه الآية نصت على تغطية العنق والصدر، وخصت بالذكر لشيوع كشفها في الجاهلية.

- ثانيا: العلماء الذين فسروا الخمار في النصوص الشرعية بغطاء الوجه.

نص بعض العلماء على أن الخمار في المصطلح الشرعي هو: غطاء الوجه. منهم ابن تيمية، والعيني صاحب عمدة القاري، وابن حجر.

- فأما ابن تيمية فقال: "الخمر التي تغطي: الرأس، والوجه، والعنق. والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس، حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان". [الفتاوى 22/147].

- وأما العيني فقال: " قوله: (نساء المهاجرات)؛ أي النساء المهاجرات، قوله: (مروطهن)، جمع مرط، بكسر الميم، وهو الإزار. قوله: (فاختمرن بها)، أي غطين وجوههن بالمروط التي شققنها". [عمدة القاري 10/92، انظر: عودة الحجاب3/287].

- وأما ابن حجر فقال:"قوله: (فاختمرن)؛ أي غطين وجوههن؛ وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار، والخمار للمرأة كالعمامة للرجل". [الفتح8/498].. فكلامه هنا صريح في أن الخمار غطاء الرأس والوجه، وله نص آخر صريح، قال فيه: "ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها" [الفتح 10/48، الأشربة، باب: ما جاء أن الخمر ما خامر العقل] يؤكده قوله في التخمير: "وهو التقنع"، فالخمار هو القناع عنده، وقد عرف القناع فقال:

- "قوله: (باب التقنع) بقاف ونون ثقيلة، وهو: تغطية الرأس، وأكثر الوجه، برداء أو غيره" [في الفتح، باب اللباس، باب: التقنع. 10/274].

- وقال: "قوله: (مقنع) بفتح القاف والنون المشددة: وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب" [الفتح 6/25].

إذن الخمار: غطاء الرأس والوجه، وهو القناع، والقناع ما يغطي الرأس والوجه، هكذا يقول ابن حجر.

فهل يسوغ بعد هذا أن يقال: إنما ذلك سبق قلم منه، أو خطأ من الناسخ، أو أنه أراد معنى مجازيا..؟!

هذا ما ذهب إليه الشيخ الألباني، أعلى الله درجته، فقال [الرد المفحم ص19-21]:

"وهنا لا بد لي من الوقفة - وإن طال الكلام أكثر مما رغبت - لبيان موقف للشيخ التويجري، غير مشرف له، في استغلاله لخطأ وقع في شرح الحافظ لحديث عائشة الآتي في الكتاب (78) في نزول آية (الخُمُر) المتقدمة، وبتره من شرح الحافظ نص كلامه المذكور لمخالفته لدعواه! فقال الحافظ في شرح قول عائشة في آخر حديثها:( فاختمرن بها) (8/490): ( أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار، و (الخمار) …) إلى آخر النص.

فأقول: لقد ردّ الشيخ في كتابه (ص 221) قولي الموافق لأهل العلم ـ كما علمت- بتفسير الحافظ المذكور: (غطين وجوههن)، وأضرب عن تمام كلامه الصريح في أنه لا يعني ما فهمه الشيخ، لأنه يناقض قوله: (وصفة ذلك …) فإن هذا لو طبَّقه الشيخ في خماره، لوجد وجهه مكشوفاً غير مغطى!. ويؤكد ذلك النص الذي بتره الشيخ عمداً أو تقليداً، وفيه تشبيه الحافظ خمار المرأة بعمامة الرجل، فهل يرى الشيخ أن العمامة أيضاً- كالخمار عنده- تغطي الرأس والوجه جميعاً؟!. وكذلك قوله: (وهو التقنع)، ففي كتب اللغة: (تقنّعت المرأة؛ أي: لبست القناع وهو ما تغطي به المرأة رأسها)، كما في (المعجم الوسيط) وغيره، مثل الحافظ نفسه فقد قال في (الفتح 7/235 و 10/274):( التقنع: تغطية الرأس).

وإنما قلت: أو تقليداً. لأني أربأ بالشيخ أن يتعمد مثل هذا البتر، الذي يغيّر مقصود الكلام، فقد وجدت من سبقه إليه من الفضلاء المعاصرين، ولكنه انتقل إلى رحمة الله وعفوه، فلا أريد مناقشته. عفا الله عنا وعنه. وبناءً على ما سبق فقوله: (وجوههن)، يحتما أن يكون خطأ من الناسخ، أو سبق قلم من المؤلف، أراد أن يقول: (صدورهن) فسبقه القلم! ويحتمل أن يكون أراد معنىً مجازياً؛ أي: ما يحيط بالوجه. من باب المجاورة، فقد وجدت في (الفتح) نحوه، في موضع آخر منه، تحت حديث البراء رضي الله عنه: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ بالحديد …) الحديث. رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في (الصحيحة) (2932) فقال الحافظ (6/ 25): (قوله: مقَنَّع. بفتح القاف والنون المشددة: وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب).

فإنه يعني ما جاور الوجه، وإلا لم يستطع المشي فضلاً عن القتال كما هو ظاهر".

هنا ثمة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: جزم الشيخ بأن وصف ابن حجر لطريقة وضع الخمار: يلزم منه كشف الوجه. وهذا لا يسلم له به، فالمرأة إذا وضعت خمارها على رأسها، ثم لفت طرفه الأيمن على وجهها، ثم ألقت الذيل على العاتق الأيسر، كان ذلك غطاء للوجه، وهذا ما عناه ابن حجر، ولذا جعل التخمير تغطية الوجه.

الملاحظة الثانية: استدل الشيخ لرأيه بقول ابن حجر: "وهو التقنع"، وجزم أنه يعني بالتقنع غطاء الرأس فحسب، وساق تعريفا له قال فيه: "التقنع: تغطية الرأس"، لكن فات الشيخ رحمه الله أن ينقل التعريف بتمامه، وفيه ذكر الوجه، وهو كما تقدم، قال ابن حجر: "قوله: (باب التقنع) بقاف ونون ثقيلة، وهو: تغطية الرأس، وأكثر الوجه، برداء أو غيره" [في الفتح، باب اللباس، باب: التقنع. 10/274].

الملاحظة الثالثة: أبى الشيخ إلا أن يوجه قول ابن حجر في المقنّع: "وهو كناية عن تغطية الوجه بآلة الحرب". بأنه: "يعني ما جاور الوجه، وإلا لم يستطع المشي".!!.. هكذا قال، لكن كل من عرف قناع الحرب، أدرك أن منه ما يغطي الوجه كاملا، وله فتحات عند العين للرؤية، فلا يدخل إذن هذا التعريف من ابن حجر دائرة المحال، حتى يصح اللجوء إلى المجاز.!!.

إذن، ابن حجر، يرى الخمار هو القناع، ومعناهما: تغطية الوجه والرأس. فإنه يقول:

- "قوله: (فاختمرن بها)؛ أي غطين وجوههن".

- "ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها".

ويفسر الخمار بأنه القناع، ويقول عن القناع:

- "تغطية الرأس، وأكثر الوجه، برداء أو غيره".

- وعن الرجل المقنع: "هو كناية عن تغطية الوجه بآلة الحرب".

وبعد: فهل كل هذا سبق قلم، أو خطأ من الناسخ، أو معنى مجازي ؟!!

ولنا أن نسأل: هل يستحيل عقلا أن يقول ابن حجر: الخمار غطاء الوجه والرأس؟!.

إن صنيع الشيخ هذا، من الحكم بالخطأ والتأويل بالمجاز، لو كان مع نص شرعي، يرى دينا تأويله، بقصد الجمع بين النصوص ومنع تعارضها، كما هو مذهب أهل السنة في النصوص المتشابهة، لكان سائغا.

لكن الذي لا يسوغ أن يصنع كذلك بنص بشري غير معصوم، فإلزام ابن حجر أنه لا يقصد بالخمار غطاء الوجه، ولا بالقناع، يحمل على التساؤل: ولم لا يكون ابن حجر أراد ما قاله ظاهرا؟

هل ما قاله يستحيل أن يقول به إنسان أو عالم؟

لا نظن أنه من المحال أن يقول أحد من الناس: إن الخمار غطاء الوجه. حتى ولو فرض أنه خطأ، فإذا ثبت عدم الاستحالة، فلم لا يترك قوله على ظاهر، ويعقب بالقول بأنه أخطأ، دون اللجوء إلى المجاز ونحوه؟!

الملاحظة الرابعة: استنكر الشيخ أن تغطي العمامة الوجه مع الرأس. وأن يكون معنى الاعتجار: تغطية الوجه. ولا وجه لاعتراضه رحمه الله وأعلى درجته، فإن العمائم قد تستخدم لتغطية الوجه، والأدلة ما يلي:

1- قال محمد بن الحسن: "لا يكون الاعتجار إلا مع تنقب، وهو أن يلف بعض العمامة على رأسه، وطرفا

منه يجعله شبه المعجر للنساء، وهو أن يلفه حول وجهه".[ المبسوط 1/31. انظر: عودة الحجاب 3/288]

2- قال ابن الأثير: "وفي حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار: (جاء وهو معتجر بعمامته، ما يرى وحشي منه إلا عينيه ورجليه)، الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه". [النهاية في غريب الحديث والأثر 3/185]، فالعمامة إذن تستعمل في تغطية الرأس وحده، وقد يكون معه الوجه. كالخمار، فلا وجه إذن للمنع من دلالة على غطاء الوجه. ومع هذا فإن الشيخ قال: "هو صفة كاشفة للاعتجار، وليست لازمة له". [الرد المفحم ص25] فالشيخ لايرى غطاء الوجه لازما للاعتجار، خلافا لابن الأثير.

3- ما قاله ابن الأثير مؤيد بأشعار العرب، حيث قال الشاعر النميري [المصون في سر الهوى المكنون 40]:

يخبئن أطراف البنان من التقى

ويخرجن جنح الليل معتجرات

فإذا كن يغطين أطراف أصابعهن تقى، فهذا دليل على أن اعتجارهن كان بتغطية الوجه مع الرأس، فلم يكنّ ليخبئن الأطراف، ويظهرن الوجه.

4- ثمة قبيلة معروفة، شعارها تغطية الرجال وجوههم بالعمائم، وهم قبيلة الطوارق، الساكنون في موريتانيا على الحدود، فإنهم يعتجرون العمائم، فيغطون بها وجوههم، فلا يرى منه إلا العين.

فإذا قيل: اعتجرت المرأة. دل ذلك على غطاء رأسها ووجهها، ولا يمُنع من ذلك إلا بقرينة صحيحة، ولاوجه للقول إنها زلة عالم، فتفسير هذه الكلمات بهذا المعنى ليس غريبا، ولا شاذا، ولم يقل أحد إنها كذلك، والشواهد السابقة دليل على صحة هذا المعنى، ولم نر أحدا من علماء اللغة، أو التفسير، أو الحديث، أو الفقه حط على من قال بذلك، ووصف قوله بأنها زلة، لم نر ذلك إلا من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.!!.

* * *

- ثالثا: الخمار غطاء الرأس والوجه.

من ينظر في كتب اللغة يجد عامة أهل العربية قد اصطلحوا على تفسير الخمار بالغطاء، وخمار المرأة بغطاء رأسها، ثم إن الشيخ رحمه الله أخذ هذا المعنى اللغوي، وحكمه على نصوص شرعية، وفيه نظر من جهتين:

- الأولى: من جهة الفرق بين المصطلح الشرعي واللغوي.

- والثانية: من جهة حقيقة قول من فسر الخمار بغطاء الرأس.

- الجهة الأولى: الخمار بين المصطلح الشرعي واللغوي.

من المعلوم أن ثمة فرقا بين المصطلح الشرعي واللغوي للكلمة الواحدة، وأضرب مثلا:

الإيمان في كلام أهل اللغة هو التصديق. لكنه في اصطلاح الشارع أعم من ذلك، حيث يشمل: التصديق بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح. فإن ورد لفظ الإيمان في نص شرعي، كان هذا معناه، وخطأ المرجئة أنهم قصروا المعنى على الاصطلاح اللغوي، ولم ينظروا في الاصطلاح الشرعي.

ثم إن الإيمان نفسه قد يرد في نص شرعي، ويراد به المعنى اللغوي، أو قريبا منه، وذلك إذا اقترن بالإسلام، فيكون دالا على الباطن، والإسلام على الظاهر.

وبالنظر والتأمل نجد أن للخمار الحكم نفسه، ففي اللغة هو خمار الرأس. لكن جاء الاصطلاح الشرعي فزاد فيه الوجه، والدليل مركب من مقدمات ثلاثة ونتيجة:

- أن غطاء الوجه مشروع، لا يجادل في هذا عالم، إما وجوبا أو استحبابا.

- أن المؤمنات أمرن بالتخمير: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.

- يصح في الخمار أن يكون غطاء الوجه والرأس معا، وهذا أمر أقر به الشيخ رحمه، حيث قال عنه: "لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانا، أن ذلك من لوازمه عادة، كلا" [جلباب المرأة المسلمة ص73].

- والنتيجة: أن الخمار الشرعي: هو غطاء الوجه والرأس، سواء كان وجوبا أو استحبابا.

لكن قد يأتي الخمار في مصطلح شرعي، ويراد به الرأس فحسب، إذا وجدت القرينة، كما في حديث صلاة المرأة بخمار، وغيره من النصوص التي استدل بها الشيخ الألباني، فالقرينة حاكمة، فإنه من المقطوع به أن المرأة إذا صلت أمرت بتغطية رأسها، دون وجهها وكفيها، فهذا قرينة تدل على أن المقصود بالخمار في الأثر هو غطاء الرأس، لكن إذا خلت من القرينة، فالمصطلح الشرعي للخمار هو غطاء الوجه والرأس.

إذن الأمر عكس ما ذهب إليه الشيخ الألباني: فالخمار إذا أطلق في النصوص الشرعية: دل على غطاء الرأس والوجه معا، سواء على جهة الوجوب، أو الاستحباب [على قول من يقول به]، ليس غطاء الرأس فحسب.

- الجهة الثانية: حقيقة قول من فسر الخمار بغطاء الرأس.

يلاحظ في كلام العلماء في تفسير الخمار أنهم قالوا: غطاء الرأس. ولم يذكروا الوجه، ولم ينفوه.

أفلا ينم هذا على عدم ممانعتهم: أن يكون الخمار شاملا الاثنين، وإن اكتفوا بذكر الرأس؟.

قد يقال وما الداعي لهذا الاحتمال؟.

الجواب: أن الوجه من الرأس، ودخوله في المعنى وارد، وإذا أضيف إلى ذلك أمر الشارع بغطاء الوجه، سواء على جهة الوجوب، أو الاستحباب [لمن قال به]، فهذان وجهان يؤيدان دخول الوجه في المعنى، ويكون العلماء ذكروا الرأس، واستغنوا عن الوجه، لأنه يدخل ضمنا فيه، ونضرب ابن حجر مثلا:

تقدم رأيه رحمه الله في الخمار أنه: غطاء الوجه والرأس. بنصوص صريحة، ومع ذلك وجدناه يقول:

- "والخمر، بضم الخاء والميم، جمع خمار، بكسر أوله والتخفيف: ما تغطي به المرأة رأسها" [الفتح 10/296، اللباس، باب: الحرير للنساء].

فنحن إزاء هذا بين أمور:

- فأما أن نحكم عليه بالتناقض، ونعرض عن قوله كليا.

- وإما أن نرجح أنه أراد غطاء الرأس، ونبطل قوله الآخر، كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى.

- وإما نرجح أنه أراد غطاء الوجه والرأس، ونحمل قوله الآخر على الأول.

فأما التناقض فلا وجه له، وذلك لأن التناقض يكون عند تعذر الجمع، وهنا غير متعذر، فالوجه من الرأس، فالاكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر وارد، ولو أنه قال في الأول الرأس، وفي الآخر القدم، لصح التناقض.

وأما ترجيح غطاء الرأس دون الوجه فلا وجه له أيضا: وذلك لأننا أمام نصوص عديدة له، كلها يفسر فيها الخمار بغطاء الوجه والرأس، فلا يمكن تجاهل هذه النصوص، وترجيح أن الخمار غطاء الرأس فحسب.

إذن ليس أمامنا إلا ترجيح أنه أراد بالخمار غطاء الوجه والرأس جميعا، ونحمل قوله الآخر على هذا الأول، ولا نعارضه به؛ لأمور:

1- لأنه صريح كلامه، في أكثر من موضع.

2- لأن الوجه من الرأس، فيصح أن يكون مع تغطية الرأس تغطية الوجه، ولا يمتنع ذلك شرعا ولا عقلا، كما يقر الشيخ نفسه بهذا، لما ذكر أن الخمار قد يكون يغطى به الوجه.

3- لأنه لو أخذنا بقوله أن الخمار غطاء الوجه والرأس، لم نبطل قوله الآخر، لكن لو أخذنا بظاهر قوله أنه غطاء الرأس، ورجحنا أنه أراد الرأس فحسب. نكون أبطلنا قوله الأول. وإذا أمكن إعمال القولين، من غير مانع عقلي أو شرعي، فهو أولى من إبطال أحدهما، ولا مانع عقلي أو شرعي.

ومما يدل على أن العلماء لا يمانعون من دخول الوجه في معنى الخمار، ولو اقتصروا على ذكر الرأس: أنهم عرفوا النصيف، فقالوا: "والنصيف: الخمار" [لسان العرب14/166]، ومعروف أن النصيف غطاء الوجه، يدل على هذا:

- ما جاء في لسان العرب [14/166]: "قال أبو سعيد: النصيف ثوب تجلل به المرأة فوق ثيابها كلها، سمي نصيفا، لأنه نصف بين الناس وبينها، فحجز أبصارهم عنها". والأبصار لن تحجز إلا بغطاء كامل يدخل فيه الوجه.

- وما جاء في قصة المتجردة زوجة النعمان، فقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتابه (الأغاني 11/11) "أن النابغة الذبياني كان كبيرا عند النعمان، خاصا به، وكان من ندمائه وأهل أنسه؛ فرأى زوجته المتجردة يوما، وغشيها بالفجاءة، فسقط نصيفها، واستترت بيدها وذراعها، فكادت ذراعها أن تستر وجهها لعبالتها وغلظها".. قال [11/14]: "وقال في قصيدته هذه، يذكر ما نظر إليه من المتجردة، وسترها وجهها بذراعها:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد".

إذن ذكر العلماء غطاء الرأس معنى للخمار، لا ينفي دخول الوجه تبعا، كما أن ذكرهم التصديق معنى للإيمان، لا يلزم منه نفيهم دخول العمل فيه.! إذ قد يقصدون المعنى اللغوي فحسب، وقد يقصدون التصديق الشامل للقلب، واللسان، والجوارح[4]، فمن أراد نسبة أحد إلى الإرجاء، فعليه أن يأتي بكلام صريح عنه، يخرج العمل من الإيمان، أو يفسر الإيمان شرعا بأنه: التصديق، أو المعرفة، أو يضيف النطق باللسان. وكذلك في معنى الخمار، لا بد من كلام صريح، فيه نفي دخول الوجه، وإلا فلا.

هذا مع أنه قد جاء في أشعار العرب ما يدل على اندراج الوجه في الخمار، حيث قال القاضي التنوخي:

قل للمليحة في الخمار المذهب

أفسد نسك أخي التقي المذهب

نور الخمار ونور خدك تحته

عجبا لوجهك كيف لم يتلهب

وقد نقله الشيخ الألباني، وعقب عليه بقول:

"لا يلزم من تغطية الوجه به أحيانا، أن ذلك من لوازمه عادة، كلا". [جلباب المرأة المسلمة ص73].

إذن موضع الخلاف مع الشيخ أعلى الله درجته: أنه يرى أن الخمار إذا أطلق دل على غطاء الرأس فحسب.

وبينما الرأي الآخر يقول: بل إذا أطلق الخمار دل على الرأس أصالة؛ لأن الخمار يوضع عليه أولاً، وعلى الوجه تبعا، لأن الوجه من الرأس.. وفي الاصطلاح الشرعي: الوجه يدخل أصالة.

- لأن التغطية مشروعة، سواء على جهة الوجوب أو الاستحباب، لمن قال به.

- ولأن الخمار يصح إطلاقه على غطاء الوجه والرأس معا.

* * *

ومما يجدر لفت النظر إليه: أن الشيخ ذكر:

- عن جمع من المفسرين، كابن جرير، والبغوي، والزمخشري، وابن العربي، وابن تيمية، وابن حيان.

- وعن جمع من الفقهاء، كأبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، والشافعي، والعيني.

أنهم يقولون: الخمار هو غطاء الرأس.

وهنا ملاحظة: فبالإضافة إلى ما تقدم من تفصيل في معنى الخمار، ودلالته على الرأس والوجه جميعا، يقال:

- من هؤلاء العلماء من مذهبه تغطية الوجه، كابن العربي وابن تيمية.

- ومنهم من صرح بوجوبها في بعض الآيات، دون بعضها، كابن جرير والبغوي في آية الحجاب. والزمخشري وابن حيان في آية الجلباب.

- من هؤلاء من نص صراحة على أن الخمار: غطاء الرأس والوجه. كما تقدم عن ابن تيمية، والعيني.

هذا ولم أتتبع قول كل من ذكر من العلماء، بل كان هذا مما مر بي من أقوالهم عرضا.

* * *

وفي كل حال لنا أن نسأل سؤال نراه مهما:

- إذا كان الخمار ليس غطاء الوجه.

- وإذا كان القناع ليس غطاء الوجه.

- وإذا كان الاعتجار ليس غطاء الوجه.

- وإذا كان الجلباب ليس غطاء الوجه.

فهذا الذي تغطي المرأة به وجهها: ماذا يكون، وبماذا يسمى؟

* * *

وبعد: فالنتيجة المهمة التي نخرج بها من هذا المبحث هي:

- أنه إذا كانت الآية قطعية الثبوت، وهذا بإجماع المسلمين، لأنها من القرآن، والله تعالى حفظه.

- وإذا ثبتت قطعية دلالتها على وجوب حجاب الوجه، بما سبق من الوجوه والأدلة.

فنخرج من ذلك: أن الآية محكمة الدلالة، فتكون من المحكمات، التي يصار إليها حين الخلاف، فما عارضها، وكان ثابتا بسند صحيح، بدلالة صريحة على الكشف، فهو متشابه، كأن يكون قبل الأمر بالحجاب، أو لعذر خاص، وحالة خاصة،، فيرد هذا المتشابه إلى هذا المحكم، ويفهم في ضوئه، وبذلك ينتفي التعارض، فهذا سبيل التعامل مع المحكمات، لا يصح ولا يجوز تعطيلها لأجل متشابه.

هذا لو كان هذا المتشابه بهذا الوصف من الثبوت والدلالة، فكيف إذا كان باطل السند، كحديث أسماء؟ أو محتمل الدلالة غير قطعي في الكشف، كحديث الخثعمية؟

وهذا حال الآثار التي استدل بها الذين أجازوا الكشف، فحينئذ فلا ريب أن الواجب طرحه، وعدم الالتفات، ولا يجوز بحال تقديمه على نص محكم.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - ظاهر سياق الآية ورد في حالة العجز عن إخفاء الزينة، ولا يمنع أن يتضمن المعنى حالة العفو، فكلها يجمع بينها عدم القصد لإظهار الزينة.

[2] - سند هذه الرواية صحيح، كما تقدم من كلام الإمام أحمد وابن حجر في مبحث آية الجلباب.

[3] - هذا القول مشهور عن عبيدة السلماني، وليس أبا عبيد، فيبدو ثمة تصحيف هنا.

[4] - قراءة متفحصة لأقوال العلماء في لسان العرب [مادة: أمن] تعرف القارئ وتوقفه على هذه الحقيقة.


*عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:41 PM
إلى أي مدى تطبق الآداب الشرعية في المجالس النسائية
سميحة بنت علي مراد






د. سميحة بنت علي مراد

تواصل الباحثة في هذه الحلقة الأخيرة ما شمله بحثها من الآداب الشرعية في المجالس العامة والخاصة، حيث تكمل الجزء الرئيس من البحث - الجزء العلمي - بذكر المتعين على المرأة اعتباره في المجالس النسائية، ثم تختم بحثها بعرض نتيجة الجزء العملي من البحث، الاستبانة التي وزعت على جمع من النساء لمعرفة مدى تطبيق هذه الآداب.

آداب المجالس (1)، (2)


آداب المجالس النسائية:

1- استئذان الزوج: قال ابن الجوزي رحمه الله: ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها إن سَلِمَت في نفسها لم يسلم الناس منها. فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة. وجعلت طرقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق، واحترزت من سماع صوتها، ومشت في جانب الطريق لا في وسطه. وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة ولو كان لزيارة والديها المريضين.

2- صفات اللباس الشرعي:

أ- أن لا يصف الجسم ولا يشف عنه. قال - صلى الله عليه وسلم - : "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها توجد من مسيرة كذا وكذا".

ب-أن لا يكون ثوب شهرة: قال- صلى الله عليه وسلم - : "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة"

ج-أن لا يكون به طيب: لقوله- صلى الله عليه وسلم - :" إذا حضرت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا ".

د-أن لا يشبه لباس الكافرات: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - :"من تشبه بقوم فهو منهم".

هـ- أن لا يشبه لباس الرجل: قال - صلى الله عليه وسلم - "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال "

و- أن لا يكون به صور ما فيه روح أو صلبان: قال- صلى الله عليه وسلم - :"لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة "

3 - مرافقة المحرم: إن كان ذهابها إلى المجلس لا يتم إلا بالسفر فلابد من مرافقة المحرم لها؛ لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم"، وإذا كان هذا الخروج يعرضها للخلوة مع الرجال فلابد من المحرم لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم".

4-تحريم مصافحة المرأة للرجل - إذا لم يكن زوجاً أو ذا محرم.

5- المصافحة والتقبيل والانحناء: السنة التعبير الترحاب بالمصافحة. أما المعانقة والتقبيل فهي عند القدوم من السفر فحسب. وعند تباعد اللقاء أو الأولاد رحمة بهم. وليس من السنة ما جرى عليه العرف بين النساء من التقبيل عند اللقاء والوداع بغير سبب ذي بال. بل يعتبر التقبيل عند البعض آكد من السلام، فيسارعن إليه ويكتفين به مستهينات بتحية الإسلام؟!

6- حسن الاستقبال والبشاشة وإظهار المودة: فالكلمة الطيبة والوجه الباش واللقاء الحسن تعدل أضعاف أضعاف لقاء جاف جلف، ولو تبعته ضيافة مكلفة. ويستحب أن يرحب بالضيوف بقول: مرحباً. [فالمسلمة فيها اللطف والبشاشة ابتسامتها المشرقة تزين وجهها، وتطوي هموم صاحبتها وتشيع التفاؤل في نفسها].

7- الضيافة: إكرام الضيف من مستلزمات الإيمان الحق والتي بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه). يستحب الترحيب بالضيف وحمد الله تعالى على حصوله ضيفاً عنده وسروره به وثناؤه عليه لجعله أهلاً لتضييفه.

8- الاعتدال في الضيافة: هذا الإيثار والكرم لا يعني أن نتكلف فوق طاقتنا "لايكلف الله نفساً إلا وسعها". فلا تحتقر المسلمة ما في بيتها أن تقدمه لأخواتها.

9-الهدية بلا تكلف: من المشاركات الطيبة، أن تصل صاحبتها بالهدية المناسبة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة" ومن صفات الهدية المناسبة: أن لا تكون غالية الثمن، فهي هدية رمزية تعبر عن المحبة والوداد، وأن تكون فيها فائدة للمهدي إليها.

10- الحذر من دخول المخنثين عند النساء: عن عبد الله بن عميرة قال: عن أم سلمة أن مخنثا كان عندها ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في البيت فقال لأخي أم سلمة: يا عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. قال: فسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم فقال: "لا يدخل هؤلاء عليكم".

11 - إشاعة الأنس بالنكتة الطريفة والمزاح الوقور: لابد من الاستجمام بعد الجد وإلا كان الملل. ولا بأس بالحكاية النادرة، والطرفة الممتعة، والفكاهة النظيفة. قال - صلى الله عليه وسلم - :"لا تحقرن منالمعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". رواه مسلم.

12- دعاء كفارة المجلس: وردت أحاديث كثيرة تحث على دعاء كفارة المجلس منها: عن عبد الله بن عمرو قال: ((كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلس لغو أو مجلس باطل، عند قيامه، ثلاث مرات، إلا كفرتهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر، إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)). عن رافع بن خديج قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض قال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. فقلنا: يا رسول الله هذه كلمات أحدثتهن قال: أجل جاءني جبرئيل فقال لي: يا محمد هن كفارة المجالس. وعن الزبير قال: قلنا: يا رسول الله إنا إذا خرجنا من عندك أخذنا في أحاديث الجاهلية، فقال: "إذا جلستم تلك المجالس التي تخافون فيها على أنفسكم فقولوا عند مقامكم: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، يكفر عنكم ما أصبتم فيها". عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من جلس في مجلس كثرة فيه لغطه، ثم قال قبل أنيقوم: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك)).

13- المجالس بالأمانة: عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن لكل شيء شرفاً وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة وإنكم تجالسون بينكم بالأمانة". ومن الأمانات: صفة المرأة فلا يجوز للمرأة أن تنعت صديقتها للرجل إلا لضرورة -كالخطبة مثلا- سواء كان نعتها مدحاً فلا تمدحها خشية الفتنة بها. أو قبحاً فيكون ذلك غيبة لها. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها". ومن أعظم الأمانات: العلاقات الزوجية فيجب سترها وعدم البوح بشيء منها، وكبر مقتاً ما تفعله بعض التافهات من تسلية الأخريات بنشر دقائق الحياة الزوجية. وحذار حذار من الاستهانة بأمانة المجلس كشأن ذوي النفوس المريضة الذين يذيعون أسرار الآخرين.

تطبيق الآداب الشرعية في مجتمع الأخوات هذه الأيام

قمن بعمل استبيان لنتعرف على مدى تطبيق الأخوات الصالحات اللاتي يرجى منهن الخير لبعض هذه الآداب الشرعية التي ذكرتها في البحث فكانت النتائج التالية:

في الإجابة عن سؤال عن استئذان الصديقات قبل زيارتهن أجابت 100% من الأخوات أنهن يخبرن الأخت المضيفة قبل الذهاب إليها.

وفي الإجابة عن سؤال: هل تخبري صديقتك أنك تحبينها في الله؟

أجابت 70%من الأخوات أنها تخبرها.

وفي آداب الاستماع للمتحدثة في المجلس أجابت 78% أنهن ينصتن ويدونّ النقاط المهمة، وأجابت20% أنها تشرد بذهنها بعيداً أثناء الحديث في بعض الأحيان، وأجابت 2% أنها تمل من التطويل في الحديث.

وفي سؤال عن الحديث في الهاتف وما يستغرقه من الوقت، أجابت 40% أنه يأخذ أكثر من 20% من أوقاتهن. وقالت 30 % أن الهاتف لا يستغرق إلا وقتا قليلا. وقالت 1% أنه يأخذ نصف أوقاتهن. والباقيات ليس عندهن هاتف أصلاً.

وعن سؤال عن الاستعداد لحضور الأفراح أجابت 87% أنها تلبس أحسن ما عندها من ملابس لحضور الأفراح.

و أجابت 3% أنهن يشترين ملابس جديدة مع كل زواج.

وأجابت 23% أنهن لا يهتممن بالتكلف في الملبس.

وعن معانقة الصديقات عند اللقاء أجابت 20% من الأخوات أنها تعانق صديقاتها عند اللقاء والوداع بصفة مستمرة، وأجابت 10% أنها تعانقهن أحياناً، وقالت 70% لا.

وعن القيام بإعداد الطعام للضيوف أجابت 81% أنها تعد الطعام بنفسها.

و19% يشترينه من السوق.

وعن سؤال عن التكلف في إعداد الطعام في الولائم أجابت 50% بنعم و50% بلا.

وفي سؤال عن إكرام الضيفة التي لا تكرمك إذا ذهبتِ إليها قالت 99% أضيفها.

و1% امتنعن عن الإجابة.

وسؤال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات في المجالس أجابت 97%أنهن يأمرن بالمعروف في المجالس.

و أجابت 1% أنها لا تفعل، و2% امتنعن عن الإجابة. وأجابت 95% أنهن يخبرن صاحباتهن عن مواعيد مجالس العلم إذا عرفنها، و5% قالت إذا رغبن هن في ذلك.

ولإجابة سؤال عن الحديث مع واحدة دون الأخرى في حالة كونكن ثلاثة: أجابت 98% لا أفعل وقالت 2% أحياناً إذا كان الموضوع شخصيا.

وفي سؤال عن أخذ هدية للصديقات عند الزيارة أجابت52% بلا. . لا آخذ، وقالت 28%أحضر هدية معي، وقالت 20 %أحيانا.

* * ***** * *

ختاماً:

الله سبحانه وتعالى قد وعدنا وعداً حقاً ونحن على الطريق نتلمس الحق لنسير عليه ونكون أهلا لوعد الله:"إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعنابا * وكواعب أترابا* وكأساً دهاقا"، "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين".

وقبل أن نختم الحديث عن المجالس، نستعرض ذكر المجالس التي نحلم بها جميعاً، ونتمنى أن نلقى فيها أحبابنا جميعاً: ألا وهي مجالس أهل الجنة:

فعن أنس رضي الله عنه:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا دخل أهل الجنة الجنة فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض قال فيسير هذا إلى سرير هذا وسرير هذا إلى سرير هذا حتى يجتمعا جميعاً فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبه يوم كنا في موضع كذا وكذا فدعونا الله فغفر لنا".

و عن الحسن بن علي عن علي قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل ومن أسفلها خيل من ذهبمسرجة ملجمة من در وياقوت لا تروث ولا تبول لها أجنحة خطوها مد بصرها فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاؤوا فيقول الذين أسفل منهم درجة: يارب بما بلغ عبادك هذه الكرامة؟ قال: فيقال لهم كانوا يصلون في الليل وكنتم تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون".

وبعد.. فمن وفقه الله إلى اتباع دينه وسنة نبيه يعيش في سعادة وطمأنينة لو علمها الملوك لقاتلوه عليها. ومما لا شك فيه أن أفضل المجالس على الإطلاق تلك التي تقربنا إلى الله وتدعونا إلى معرفة الحقيقة، وتزيل أدران الجهل من عقولنا، ولا تحسن اليوم المجالسة إلا لكتاب يحدثك عن أسرار السلف، أو إلى معلم يعلمك ما لا تُعذر في جهله من العلوم الشرعية الأساسية، أو إلى أخ لك في الله يعينك على أمور دينك، وتذكرك رؤيته بالله سبحانه وتعالى.

ولعل ما تم استعراضه في هذا البحث المختصر قد ألقى الضوء على موضوع حيوي في حياة الناس جميعاً، إذ لا يوجد أحد على وجه البسيطة يستغني عن مجالسة الآخرين فكان لابد من معرفة الآداب التي يجب مراعاتها في هذه المجالس المختلفة حتى يعمل بها الناس فلا يضايق بعضهم بعضاً، ولا يعتدي أحدهم على حق مشروع للآخر عليه، ولا يقصر أحدهم في ترك واجب، ولا سنة مؤكدة.

وقد حرصت في بحثي على الاختصار غير المخل بالمعنى المراد توضيحه، وعلى الاستشهاد بالأدلة من القرآن والسنة وفعل الصحابة والتابعين، واعتمدت في بحثي على الكتب الموثقة.

وأدعو الله أن يكون ما كتبت حجة لي لا حجةعلي، وأن ينفع به كاتبته وقارئيه.

وإن المتأمل في حال كثير من الناس في هذه الأزمان وما هم فيه من تضييع الأوقات في المجالس التي تكون عليهم بلا فائدة، بل ويحصل فيها من المنكرات والموبقات الشيء الكثير، من تأمل في هذا كله وفي مجالس النساء على وجه الخصوص علم يقيناً مدى حاجة المجتمع المسلم لبث الوعي فيه بكل وسيلة إعلامية كانت أو مكتوبة حتى يعرف الناس ما هم فيه من التقصير والتفريط؛ وليعلموا عظم مجالس الخير فيحرصوا عليها، وخطر مجالس السوء فيحذروا منها.

والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواهاوتمنى على الله الأماني.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:44 PM
حقوق المرأة في ظل المتغيرات المعاصرة
مسفر بن علي القحطاني






تعد الأسرة أقدم وأهم المؤسسات الاجتماعية التي عرفها الإنسان، وليست الأسرة أساس وجود المجتمع فحسب؛ بل هي مصدر الأخلاق والدعامة الأولى لتربية النشء والمحافظة على قيم المجتمع ومبادئه الثابتة.

والأسرة المسلمة تستمد حياتها من قيم الشريعة الإسلامية وأحكامها الراسخة ولذلك بقيت حجر الأساس في كل تطور اجتماعي يشهده المسلمون ومصدر القوة لهم والوحدة بينهم، والظاهرة التي تميزهم عن بقية شعوب الأرض المختلفة.

وأعداء الإسلام لما بدؤوا هجمتهم ضد بلاد المسلمين سلطوا معاولهم وسهامهم نحو بناء الأسرة، وقد علموا أنه بانهدامه ينهدم المجتمع وتتفكك أواصره، ويدبّ الضعف والخور بين أفراده، والمسلمون قد ردّوا كثيراً من تلك الهجمات في أزمان مضت، إلا أن أعداء الإسلام قد نالوا من المسلمين في القرنين الأخيرين منالاً عظيماً من خلال حملات التشويه، ونشر الأفكار الهابطة، وإشاعة الفاحشة، وزرع الشبهات المضللة.

وقد ازدادت شراسة هجومهم على الأسرة المسلمة بقدوم العولمة المعاصرة التي بدأت تغزو كل فرد بعينه، وتحقق غرض المستعمر من الهيمنة على مجتمعاتنا بتغيير الحقائق، وهدم الثوابت، وربط الشعوب والأفراد بالأنموذج الغربي بكل سلبياته وأمراضه من خلال البث الفضائي، وشبكات الاتصال العالمية، والأسواق المفتوحة، والاقتصاد الحر ّ.

وأمام هذه التحديات الكبيرة انهار بناء الأسرة في كثير من البلاد الإسلامية، وسقطت المرأة وهي العماد الأهم لذلك البناء؛ لمّا استجابت لنداءات التغريب والتحرير، وانساقت نحو السفور والاختلاط والتقليد الأعمى لنساء الغرب الكافر.

ومازالت هناك فئات من نساء المسلمين يقفن صامدات أمام هذا المدّ التحرري، ملتزمات بكتاب الله عز وجل وهدي سيد المرسلين الذي لن يضلوا أبداً ما داموا به مستمسكين، يقول الله تعالى:

) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِين(َ الأعراف 170.

ولكن مع تنوع أساليب أعداء الإسلام وتغيرها وتطورها في إغراء المرأة بالخروج والسفور والاختلاط، كانت الحاجة لكتابة هذه الرسالة من أجل تحصين المرأة من سيل الشبهات التي تثار حول حقوقها المهددة في الإسلام، وبيان الحيل والمكائد التي يحوكها أعداؤها المدعون تحريرها بغية استرقاقها والتمتع بها.

وقد جعلتها في ثلاثة مباحث على النحو التالي:

المبحث الأول : حقوق المرأة في الإسلام.

المبحث الثاني: تاريخ الحركة النسائية لتحرير المرأة في البلاد الإسلامية.

المبحث الثالث: الرد على شبهات دعاة تحرير المرأة.

والله تعالى أسأل أن يجعلها إسهامة مباركة في حفظ مجتمعنا وتوطيد أمنه بالمحافظة على الأسرة من الهدم أو الذوبان وصيانة المرأة من الضياع والانحراف في ركب التغريب المدمر.

هذا ما أسعفني به الخاطر، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، فما أصبت فيه فمن الله وحده، وما أخطأت فيه فمن نفسي والشيطان، والله تعالى أعلم.

جاء الإسلام وبعض الناس والأمم ينكرون إنسانية المرأة، وآخرون يرتابون بها، وغيرهم يعترف بإنسانيتها، ولكنه يعتبرها مخلوقاً خلق لخدمة الرجل.

وإذا استعرضنا تاريخ المرأة في الأمم والمجتمعات الأخرى تبين لنا من خلالها علو شأن المرأة في الإسلام ورفعة قدرها وأنها نالت في ظله حقوقاً لم تنلها في مجتمعات أخرى.

كانت فاقدة الحرية، مسلوبة الإرادة، ليس لها حقوق ولا أهلية. فقد كانت تباع وتُشترى في الأسواق، فشاعت الفواحش وعم الزنا وسقطت مكانتها، وكان هذا إيذاناً بانهيار دولة اليونان.

لا حق لها في شيء، وللرجل كل شيء، حتى إنه يستطيع أن يحكم على زوجته بالإعدام في بعض التهم، وليس ملزماً بضم أبنائه إلى أسرته، وقد يضم غير بنيه من الأجانب إلى الأسرة، وللأب سلطة نافذة حتى ليمكن أن يبيع أولاده، أو يقتلهم، والزوجة وما ملكت ملك لزوجها يتصرف في كل أمورها بما شاء.

لقد عبر أحد الكتاب الاجتماعيين عن ذلك بأن عقد الزواج عند الرومان كان عقد رق بالنسبة للمرأة، وقبل ذلك كانت في رق أبيها.

كانت ظلاً للرجل تحيا بحياته، وتُحرق بعد مماته، وهي حسب الشرائع المستمدة من أساطير (مانو) لا تعرف السلوك السوي ولا الشرف ولا الفضيلة، وإنما تحب الشهوات الدنسة والزينة والتمرد والغضب.

كانت خادمة ليس لها حقوق أو أهلية، وكانوا لا يورثون البنت أصلاً حفظاً لقوام العائلات على التعاقب، ويرون المرأة إذا حاضت تكون نجسة تنجس البيت وكل ما تلمسه من طعام أو إنسان أو حيوان يكون نجساً، لذا فإنهم يعتزلونها عند الحيض اعتزالاً تاماً، وبعضهم يفرض عليها الإقامة خارج البيت حتى تطهر، وكان بعضهم ينصب لها خيمة ويضع أمامها خبزاً وماءً ويجعلها في هذه الخيمة حتى تطهر.

هي باب الشيطان وسلاح الإغراء والفتنة، يقول تونوليان ـ وهو من كبار القساوسة ـ عن المرأة: إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله.

وقد أصدر البرلمان الإنجليزي قراراً في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد لأنها تعتبر نجسة. وفي عام 1586م عقد بعض القساوسة مجمعاً لبحث قضية المرأة، وبعد محاولاته الطويلة والعريضة قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها خلقت لخدمة الرجل.

كانت خاضعة للتيارات الدينية الثلاثة، فمن الزرادشتية إلى المانوية إلى المزدكية، وقد تركت كل ديانة من هذه الديانات بصماتها الواضحة على كيان الأسرة والمجتمع.

ولقد ذهب مزدك وأصحابه إلى أن الله تعالى إنما جعل الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتساوي، ولكن الناس تظالموا فيها، لذا فمن كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى من غيره، فشاعت الفوضى وعم الدمار حتى كان الرجل يدخل على الرجل في داره فيغلبه على منزله ونسائه وأمواله، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صار لا يعرف الرجل منهم ولده ولا المولود يعرف أباه. وكان ذلك من أسباب انهيار دولة فارس وترديها.

فكان ينظر إليها في العصور الجاهلية نظرة ازدراء، وكان الرجال يتشاءمون من المرأة، ويعتبرونها سلعة تباع وتشترى لا قيمة لها ولا مقام، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((والله إنا كنا في جاهلية ما نعير للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم)).

وكان هناك في الجاهلية ما يعرف بنكاح الاستبضاع، فكان الرجل يقول لامرأته ـ إذا طهرت من طمثها، أي حيضها ـ: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، أي اطلبي منه الجماع لتحملي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي استبضعت منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، وكانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة والكرم.

كما كان هناك نوع آخر من النكاح يسمى بنكاح المقت، والمقت لغة البغض والكراهة، واصطلاحاً أن يتزوج الولد امرأة أبيه، وكان من عادات العرب في الجاهلية إذا مات الرجل قام أكبر أولاده فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن فيها حاجة يزوجها بعض إخوته بمهر جديد، فكانوا يتوارثون النكاح كما يتوارثون المال، وإن شاءوا زوجوها لمن أرادوا وأخذوا صداقها، وإن شاؤوا لم يزوجوها بل يحبسونها حتى تموت فيرثوها أو تفتدي نفسها. ([1]) هذه بعض الصور الجزئية لحال المرأة في تلك المجتمعات الكافرة ([2]).

أما المرأة في الإسلام فكان من فضل الإسلام عليها أنه كرَّمها، وأكَّد إنسانيتها، وأهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنساناً كريماً، له كل ما للرجل من حقوق إنسانية، لأنهما فرعان من شجرة واحدة،وأخوان ولدهما أب واحد هو آدم، وأم واحدة هي حواء. فهما متساويان في أصل النشأة، ومتساويان في الخصائص الإنسانية العامة، ومتساويان في التكاليف والمسؤولية،متساويان في الجزاء والمصير،ولا قوام للإنسانية إلا بهما.

ويشهد على ذلك آيات عدة منها قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعـَلْنَاكُمْ شُـعُوبًا وَقَبَائِلَ لِـتَعَارَفُوا إِنَّ أَكـْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتـْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ الحجرات 13

ـ و قوله تعالى: ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً [ النساء1.

ـ وقوله تعالى:] هُوَ الَّذِي خَلـَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا[ الأعراف 188.

ـ وقوله تعالى ]: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسـِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً[ النحل 72.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما النساء شقائق الرجال)) ([3]).

إن عبودية المرأة لله كعبودية الرجل له سواء بسواء، وهما مطالبان بالإيمان وإقامة الواجبات وهذا أمر مجمع عليه. يقول تعالى:]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النحل 97.

ولهذا جمع الله تعالى بينهما في الوصف المترتب على أعمالهما ووعد الجميع بالجزاء الواحد في الآخرة يقول تعالى: ] إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[ الأحزاب35 .

إن المساواة التي جعلها الشرع بين المرأة والرجل، ليست على وجه العموم والإطلاق، بل اقتضت حكمة الشارع سبحانه وتعالى بأن يُفَضَّلَ الرجلُ عليها في بعض المواقف والأحوال، ويُمَيَّز في بعض الأمور والأحكام.

وهذا التمييز بين الرجل والمرأة اقتضته طبيعة الخلقة والفطرة لكلٍ منهما كما في الشهادة، والميراث، والدية، وقوامة المنزل، ورياسة الدولة، وحتى في بعض الأحكام المتعلقة بالصلاة والصيام والجهاد وغيرها ([4]).

أما التفضيل الحقيقي فإنه يرجع إلى حقيقة التقوى والالتزام بها:]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ الحجرات 13.

يقول تعالى: ]وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى ولا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [ البقرة 282.

فشهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين كما هو في الأمور المالية والمعاملات المدنية. أما في الحدود والقصاص فذهب الجمهور إلى أن شهادتها لا تقبل، وطبيعة النساء بعيدة جداً عن تلك المواطن، ويصعب عليها الوصف والتدقيق في مثل الجرائم والحدود.

ـ ونجد كذلك أن الفقهاء يعتبرون شهادتها فيما هو من شأنها واختصاصها، كشهادتها في الرضاع والبكارة والثيوبة والحيض والولادة وغيرها.

علماً بأن شهادة المرأة كالرجل سواء بسواء في شهادات اللعان ([5]).

يقول تعالى: ] يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ[ النساء 11. لقد تفاوت الميراث في الشرع الإسلامي بين الذكر والأنثى، وهذا راجع إلى طبيعة التفاوت في التكاليف الملقاة على كاهل كل منهما، فالرجل يلزم بدفع المهر، وينفق لتأثيث بيت الزوجية، ويستمر في الإنفاق على الزوجة والأولاد لإطعامهم وكسوتهم وتأمين الاستقرار لهم. أما المرأة فتأخذ المهر وليست مطالبة بالإسهام بشيء من نفقات البيت على نفسها ولا على أولادها ولو كانت غنية، ومن هنا كانت العدالة أن يكون نصيبها من الميراث أقل من نصيب الرجل.

إلا أن هناك حالات يستوي فيها الميراث للذكر والأنثى، كمثل مَن مات وله أبوان وأولاد فإن نصيب الأبوين سيكون متساوياً قال تعالى:]وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ[ وهذا فيه مساواة بين الأب والأم في الميراث.

وكذلك إذا ماتت امرأة عن (زوج وأم وأخوين شقيقين وأخت لأم) فإن نصيب الزوج يكون النصف وتأخذ الأم السدس وكذلك الأخوان الشقيقان يأخذان السدس وتستقل الأخت لأم بالسدس أيضاً. وفي هذه المسالة تأخذ الأخت لأم نصيباً مساوياً لنصيب اثنين من الأخوة الأشقاء.

يقول المفكر الغربي غوستاف لوبون عن ميراث المرأة في الإسلام: ((ومبادئ الميراث التي ينص عليها القرآن على جانب عظيم من العدل والإنصاف. ويقول: ويظهر لي من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنجليزية أن الشريعة منحت الزوجات حقوقاً في الميراث لا تجد مثيلاً لها في قوانينا)) ([6]).

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ دية المرأة هي نصف دية الرجل ([7]).

والأحاديث الواردة في دية المرأة لم يصح لها سند متصل، ولكن قضى بها كثير من الصحابة.

بينما ذهب الأصم وابن عُلية على أن ديتها مثل دية الرجل استدلالاً بالنصوص العامة مثل:((في النفس مائة من الإبل)) ([8]).

يقول الله تعالى: ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [ النساء34.

وقد كانت القوامة للرجل من أجل أمرين:

فطري: بما فضل الله به الرجل على المرأة من التبصر في العواقب والنظر في الأمور بعقلانية أكثر من المرأة التي جهزها بجهاز عاطفي دفاق من أجل الأمومة.

كسبي: حيث إن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس الأسرة، ولذلك سيكون أكثر خسارة إذا ما تهدمت، فلا يتخذ قراراً بتفكيكها إلا وقد فكر في الأمر ألف مرة ([9]).

* الأصل أن كل ما هو للرجل فهو للمرأة من أحكام وتشريعات وحقوق إلا ما جاء النص على خلافه فالنساء يدخلن في خطاب الرجال عند جمع من الأصوليين ([10]).

لقد كفل الإسلام للزوجة كافة حقوقها المادية والمعنوية بما يحقق لها السعادة إن التزم كل فرد بما فرض عليه. وقد نصت آيات كثيرة وأحاديث على ذلك منها:

ـ يقول الله تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[ النساء 19.

ـ ويقول تعالى: ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف [ البقرة 228.

ـ ويقول r: ((استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان)) ([11]).

ـ وقال r: ((خياركم خياركم لنسائهم)) ([12]).

ـ وذهب الجمهور إلى أن العشرة بالمعروف مندوبة مستحبة، بينما اختار المالكية وجوب العشرة بالمعروف ديانة. ([13])

يقول الجصاص ـ رحمه الله ـ في معنى العشرة بالمعروف: ((أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب)) ([14])

1- اعتبار إذنها في الزواج وعدم إكراهها على الزوج للحديث الصحيح: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن))([15]).

وحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن فتاة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي أبيها أنه زوجها من غير إذنها فجعل الأمر إليها ([16]).

ومن حقوقها أيضاً:

وذلك لقوله تعالى: ]وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً[ النساء4. والنِّحلة هنا (الفريضة). ولا يحل له أن يأخذ من مهرها إلا بطيب نفس منها لقوله تعالى: ]وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا[ البقرة 229.

هناك الكثير من شعوب العالم غير المسلمة من تفرض على المرأة دفع المهر للزوج مما يجعلها تخرج للعمل والكدح تحصيلاً للمال المطلوب في المهر فلربما تأخرت عن الزواج حتى يفوتها أو تذهب أنوثتها.

وفي شريعة اليهود لا تملك المرأة المهر إلا إذا مات زوجها أو طلقها ([17])

لقوله تعالى: ] لـِيُنفِقْ ذُو سـَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قـُـدِرَ عَلَـيْهِ رِزْقـُهُ فَلْيُنفِقْ مـِمَّا آتـَاهُ اللَّهُ[ الطلاق 7. وقال النبي r: ((فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))([18]) يقول المستشرق اندريه سرفيه في كتابه (الإسلام ونفسية المسلمين): ((من أراد أن يتحقق من عناية محمد بالمرأة فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء))([19]). والنفقة على الزوجة تشمل كل ما يحقق لها الحياة الكريمة، وقد جعلت هذه النفقة من قبل الزوج على زوجته وأهله من أفضل النفقة لقوله r: ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك))([20])

وفي ذلك ذهب الجمهور غير الشافعية على وجوب أن يطأ الزوج زوجته ([21])فيعفها ويحقق الوئام والمحبة في العشرة معها، ومن حقوقها البيات عندها و القسم لها إذا كان عنده أكثر من زوجة.

لقد عالج الإسلام موضوع نشوز المرأة علاجاً تدريجياً.

يقول الله تعالى: ]وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا[ النساء 34

فجعل تقويم المرأة وتأديبها عند النشوز على مراتب تدرجاً معها، ورفقاً بها فيبتدأ معها بالوعظ الحسن ثم يهجر فراشها، فإن لم يجدِ معها الوعظ والهجر فإنه يضربها ضرباً غير مبرح فسّره ابن عباس بأنه الضرب بالسواك ونحوه بحيث لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة وإنما للتأديب، أما أن يقصد الانتقام أو تفريغ غضبه فهذا لا يجوز،وقد قال r:((أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العـبد ثم يضـاجعها في آخر اليوم))([22]) وقال للذين يضربون أزواجهم: ((ليس أولئك بخياركم))([23]) فنجد أن الشرع لم يبح الضرب إلا عند عدم الفائدة من الوعظ والهجر حينها جوّز له الضرب غير المبرح عند تحقق المصلحة الراجحة منه، ومع ذلك فإن النبيr نفى الخيرية عن من يضرب زوجته. وفي عصرنا الحاضر كثر الحديث حول انتهاك الإسلام لحقوق المرأة لما شرع جواز ضربها من قِبل بعض المستشرقين الكائدين والمستغربين الجاهلين متغافلين الحقوق الكثيرة التي كفلها الإسلام لها والظلم الكبير الذي ترزح تحته المرأة الغربية من غير ضابط ولا رادع.

فهناك (79% من الأمريكيين يضربون زوجاتهم) هذه الإحصائية عام 1987 ([24]).

بينما نجد 100 ألف ألمانية يضربهن الرجال سنوياً ([25]).

وفي فرنسا تتعرض حوالي مليوني امرأة للضرب ([26]).

ـ يروى أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. فقال اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهنّ مما علَمه الله ([27]).

ـ وقد ثبت من عدة طرق أن الشفاء بنت عبد الله المهاجرة القرشية علَّمت حفصة الكتابة ([28]).

ـ وجاء في السنة المطهرة ما يحث على التعليم والتأديب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران))([29]).

ـ وهناك الكثير من الفقيهات والمحدثات والأديبات المسلمات على مر التاريخ الإسلامي. كأمهات المؤمنين، وأم عمار، وأم سليم، وأسماء بنت عميس وغيرهن كثير([30]).

أما النساء قبل الإسلام أو في بعض الشعوب الأخرى فلم يكن لهن حظ من التعليم أو اهتمام رسمي بذلك. و يدل على ذلك ما أصدره البرلمان الإنجليزي في عصر هنري الثامن ملك إنجلترا من قرار يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد. فأين هذا من وضع الصحابة للمصحف الأول الذي كتب في عهد أبي بكر عند امرأة هي حفصة([31]).

يقول الله تعالى: ]وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا[ النساء 32.

لقد أثبت الإسلام للمرأة حق الملك بأنواعه والتصرف بأنواعه المشروعة من البيع والإجارة والوصية وغيرها.

و فرض لهن المهر والنفقة وإن كانت غنية.

وجعل لها حق الدفاع عن مالها كالدفاع عن نفسها بالتقاضي وغيره.

بينما نجد المرأة الفرنسية لا تزال مقيدة بإرادة زوجها في جميع التصرفات المالية والعقود القضائية ([32]).

في حين أننا لا نجد في كتب الفقه تفريقاً بين أجر المرأة والرجل في العمل الواحد. أما المرأة الغربية فإنها تعاني في ظل الدعوة إلى حقوقها من تفاوت كبير في الأجور والمرتبات المالية التي تتقاضاها من خلال عملها المساوي للرجل يصل هذا التفاوت من 59% إلى 78% كما أشارت إلى ذلك إحدى الدراسات الغربية.

بل كانت بعض النساء رائدات في بعض المهن. كالمرأة التي صنعت المنبر من خلال غلامها النجار، والرُّبيع بنت معوذ كانت تبيع العطر وتتجر به([33]).

وكذلك أم شريك الصحابية كان لها دار ضيافة ([34]).

يقول الله تعالى ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُـونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعـُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ التوبة 71.

فللنساء في الإسلام حق المشاركة في العبادات الاجتماعية كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين وقد أُذِنَ للحيَّض منهن بحضور اجتماع العيد في المصلى دون الصلاة.

كذلك لهن المشاركة فيما يتعلق بإصلاح المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأعمال الاجتماعية الأخرى، يدل على ذلك فعل نساء النبي r فقد كُنّ يخرجن معه يسقين الماء ويجهزن الطعام ويضمدن الجراح، فهذه أم عطية تقول إنها غزت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات تخلف الرجال في رحالهم،وتصنع لهم الطعام ([35]).

وذكر الحافظ ابن حجر أن امرأةً اسمها رفيدة الأسلمية كانت خبيرة بمداواة الجرحى، وكان لها يوم الخندق خيمه عرفت باسمها حمل إليها سعد ابن معاذ لما أصيب ([36]).

ومن الحقوق كذلك أنها إذا أجارت أو أمَّنَت أحد الأعداء المحاربين نفذ ذلك. فقد قالت أم هانئ للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ((إنني أجرت رجلين من أحمائي)) فقال صلى الله عليه وسلم: ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ))([37]).

يقول ابن المنذر: إن المسلمين أجمعوا على صحة إجارة المرأة و أمانها ([38]).

بدأت الدعوات التي تتبنى قضايا المرأة ومشكلاتها منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.

وبدأت بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها ولهذا يقول المنصر (جب):

((إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها)) فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان ([39])

ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي سنة 1873م. ووضع كتابه (المرشد الأمين لتربية البنات والبنين).

و يعتبر رفاعة الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.

وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية. ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي للعالم العربي والإسلامي.

ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو (المرأة في الشرق) صدر عام 1894 م. ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق.

وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، ثم

(المرأة الجديدة) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته: رفع الحجاب، و منع التعدد، وتقييد الطلاق، وتعليم المرأة، والعمل المطلق للمرأة، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية.

وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسـم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً.

وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول، ثم تبعتها هدى شعراوي، وشيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م.

في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا.

وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان قانون منع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات.

وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي.

فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدان مغلقان محافظان كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان؛ لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة ([40]) !!.

وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.

وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي. وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية.

فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية.

واليوم تواجه الأسرة والمرأة جميعاً محاولات إفساد دولية ومنظمة، لا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية والعمرية؛ لإفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.

وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:

ابتداء من نيروبي عام 1985

ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م

ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م

ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م

ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م

ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997

وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية ([41]).

ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل؛ بسبب ما يبث إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات، و ما تبثه القنوات الفضائية، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها.

ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض مواد إباحية، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية, و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة ([42]).

كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية، وربما من الرجال أكثر من النساء، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية كما سيأتي معنا...

ويمكن الرد على هذه الشبهات من خلال النواحي التالية:

إن فتاوى هيئة كبار العلماء في أكثر من قطر إسلامي وقرارات المجامع الفقهية قد ضبطت لنا نوعية المشاركة وحدودها العملية وفق الأطر الشرعية والعلمية، فضلاً عن أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة قد أصّلت لنا حقوق المرأة وواجباتها ودروها في المجتمع مما لا يوجد في أي ملة أخرى. ونجد في الآونة الأخيرة أن دعاة التحرير اتجهوا إلى لبس الجبب وعمائم العلماء والتنقير والبحث عن أقوال الفقهاء قديماً وحديثاً وتلبيسها على الناس بما يوافق أغراضهم ويحقق مقصودهم في هدم ثوابت الدين بالشاذ من الأقوال والآراء. يدل على ذلك مئات المقالات و الكتب المنشورة لتضليل الناس.

و من الفتاوى التي ضبطت نوعية المشاركة وحدودها العملية وفق الأطر الشرعية والعلمية:

بيان من اللــجنة الدائــمة للبـحوث العلمية والإفتاء حول ما نشر في الصحف عن المرأة والذي جاء فيه:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:

فمما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه ما تعيشه المرأة المسلمة تحت ظلال الإسلام ـ وفي هذه البلاد خصوصاً ـ من كرامة وحشمة وعمل لائق بها ونيل لحقوقها الشرعية التي أوجبها الله لها، خلافاً لما كانت تعيشه في الجاهلية، وتعيشه الآن في بعض المجتمعات المخالفة لآداب الإسلام من تسيب وضياع وظلم وهذه نعم نشكر الله عليها، ويجب علينا المحافظة عليها إلا أن هناك فئات من الناس ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب لا يرضيهم هذا الوضع المشرف الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء، وستر، وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة والبلاد العلمانية فصاروا يكتبون في الصحف، ويطالبون باسم المرأة بأشياء تتلخص في:

1- هتك الحجاب الذي أمرها الله به في قوله: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [ وبقوله تعالى:]وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [ وبقوله تعالى: ] وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [الآية وقول عائشة رضي الله عنها في قصة تخلفها عن الركب ومرور صفوان بن المعطل رضي الله عنه عليها وتخميرها لوجهها لما أحست به قالت: وكان قد رآني قبل الحجاب، وقولها: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات فإذا مر بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه)، إلى غير ذلك مما يدل على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة من الكتاب والسنة، ويريد هؤلاء منها أن تخالف كتاب ربها وسنة نبيها وتصبح سافرة يتمتع بالنظر إليها كل طامع وكل من في قلبه مرض.

2- ويطالبون بأن تمكن المرأة من قيادة السيارة رغم ما يترتب على ذلك من مفاسد، وما يعرضها له من مخاطر لا تخفى على ذي بصيرة.

3- ويطالبون بتصوير وجه المرأة ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي ويطمع فيها كل من في قلبه مرض، ولا شك أن ذلك وسيلة إلى كشف الحجاب.

4- ويطالبون باختلاط المرأة بالرجال، وأن تتولى الأعمال التي هي من اختصاص الرجال، وأن تترك عملها اللائق بها والمتلائم مع فطرتها وحشمتها، ويزعمون أن في اقتصارها على العمل اللائق بها تعطيلاً لها.

ولا شك أن ذلك خلاف الواقع، فإن توليتها عملاً لا يليق بها هو تعطيلها في الحقيقة، وهذا خلاف ما جاءت به الشريعة من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنع خلو المرأة بالرجل الذي لا تحل له، ومنع سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب على هذه الأمور من المحاذير التي لا تحمد عقباها. ولقد منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في مواطن العبادة، فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال، ورغب في صلاة المرأة في بيتها، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن) كل ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة وإبعادها عن أسباب الفتنة.

فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على كرامة نسائهم، وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضللة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات، وانخدعت بها، من عواقب وخيمة، فالسعيد من وعظ بغيره، كما يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء ويمنعوا أفكارهم السيئة، حماية للمجتمع من آثارها السيئة وعواقبها الوخيمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال عليه الصلاة والسلام: (واستوصوا بالنساء خيراً) ومن الخير لهن المحافظة على كرامتهن وعفتهن وإبعادهن عن أسباب الفتنة.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

قد يستغرب القارئ كيف يكون خروج المرأة من بيتها والمشاركة المطلقة للرجال في الإدارة والأعمال أمراً مرفوضاً حضارياً في حين نجد الغرب المتحضر قد أشرك المرأة في العديد من المجالات ومنذ سنوات طويلة ؟

وأقول: إن التعجب والاستغراب وارد على الذهن خصوصاً أن منظارنا للتقدم الحضاري منظار سينمائي براق لا يظهر إلا الجوانب الجميلة، ويخفي العيوب والتشوهات الداخلية. وأعتقد أن لغة الإحصائيات أبلغ وأقدر على التصوير الدقيق لذلك المجتمع الغربي، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ جاء ضمن تقرير رفع إلى وزير الشؤون النسائية الكندي تضمن دراسة واقع المرأة الكندية في العمل؛ تبين خلاله أن 40% من النساء هناك تعرضن إما للضرب وإما للاغتصاب مرة على الأقل، وفي الولايات المتحدة الأمريكية قامت جامعة كورفل باستفتاء بين عدد من العاملات في الخدمة المدنية جاء فيه أن 70% منهن قد تعرضن لمضايقات واعتداءات جنسية ([43]) !! وحتى لا أبتعد كثيراً عن واقعنا العربي فقد أثبتت دراسة علمية في بلد عربي شقيق اتجه نحو إخراج المرأة حذو المجتمعات الغربية أن 70% من واقع (1472) فتاة وسيدة يعملن في أماكن متعددة ومهن مختلفة جرت عليهن هذه الدراسة يتعرضن للمضايقات والإهانة في أماكن عملهن، وأن 54% من هذه المضايقات تأخذ طابعاً جنسياً !! ومن العجيب أيضاً أن مجموعة من الطالبات البريطانيات بجامعة إكسفورد العريقة قمن بمظاهرة خوفاً من السماح بالاختلاط في إحدى كلياتهن بالجامعة ؟! وأعتقد أن لهن ما يبرر هذا الخوف فرياح الاختلاط لم تذر شيئاً أتت عليه إلا أفسدته وجعلته حطاما.ً تقول الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك: ((إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهنا البلاء العظيم على المرأة))([44])

يؤكد ذلك الإحصائيات التي تثبت كثرة أولاد الزنا في المجتمعات الغربية ففي الولايات المتحدة الأمريكية تصل نسبتهم إلى الثلث. بينما تصل في الدول الإسكندنافية إلى 50% من نسبة الأطفال ([45]) . أما عن انتشار الزنا فحدث ولا حرج حيث التقارير تثبت أن ما لا يقل عن 40% من نساء إيطاليا من أعمار (14) إلى (59) عاماً هن ضحايا الاغتصاب الجنسي ([46])، وفي أمريكا تسجل كل ست دقائق جريمة اغتصاب، ونصف النساء العاملات في الولايات المتحدة الأمريكية والبالغ عددهن 40 مليون امرأة يتعرضن لمضايقات جنسية كثير منها لاتسجل من حالات الشكوى والتظلم خوفاً من أن يفقدن عملهن، هذا مع انتشار الزنا ووفرته في مجتمعاتهم !!([47]) ولهذا لا نستغرب أن يصل عدد النساء المصابات بمرض الإيدز في العالم نحو 14 مليون امرأة مع تزايد مذهل في أعدادهن وكل ذلك بسبب الدعوة إلى الاختلاط المنفلت بين الجنسين([48]).

وإذا ناقشنا مشروع مشاركة المرأة للرجل من الناحية العقلية، فلا يمكن إبراز محاسن شيء أو مساوئه إلا بالمقارنة بين سلبياته وإيجابياته، ولا أعتقد أن أحداً يخالف أن العمل المطلق للمرأة وقيادتها للسيارة فيه العديد من الإيجابيات والمحاسن، ولكن بالمقارنة بين السلبيات والمساوئ المترتبة عليه في مجتمعنا يصعب أن يسمح به عاقل أو غيور، فالخمر والميسر على سبيل المثال حُرِّما في القرآن بدلالة القطع والثبوث وبأسلوب المقارنة بين المصالح والمفاسد كما في قوله تعالى:] قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[ البقرة 219 فلم يمنع وجود بعض المنافع فيها واتساع الشريحة التي تتعاطاها من أن تحرم، حتى عند العقلاء من أهل الكفر والإلحاد. وفي الآونة الأخيرة بدأنا نسمع صيحات عديدة لعقلاء الغرب تدعو إلى العفة والاحتشام وعدم الاختلاط بالرجال يشهد على هذا كتاب لمدير مركز البحوث بجامعة هارفارد بعنوان (الثورة الجنسية) يقرر المؤلف أن أمريكا سائرة إلى كارثة في الفوضوية الجنسية، وأنها تتجه إلى نفس الاتجاه الذي أدى إلى سقوط الحضارتين الإغريقية والرومانية في الزمن القديم ويقول: ((إننا محاصرون من جميع الجهات بتيار خطر من الجنس يفرق كل غرفة من بناء ثقافتنا وكل قطاع من حياتنا العامة)) ([49]). وبينما هناك من يغمض عينيه ويسير إلى النار وخلفه قطعان من البشر، فإن هناك أيضاً من أبصر حقيقة تلك المجتمعات وبدأ يدعو إلى العفة والاستعفاف، ففي فرنسا تشكلت مجموعة من الشبان وأسست جمعية للعفة، ومثلها في أمريكا انضم تحت لوائها أكثر من 250 ألف شاب وشابة ([50]).

أما من الناحية الفطرية والخلقية للمرأة فليس كل عمل يناسب طبيعتها العاطفية وأنوثتها الرقيقة، والدراسات التي تؤكد ذلك كثيرة وقطعية وليس هناك عمل أولى وأنسب وأهم وأجدر من أن تقوم المرأة بأعمال بيتها وتربية أبنائها التربية الصالحة، ولو قامت المرأة في العالم أجمع بمثل هذا الدور لخففنا الكثير من الظواهر الخطيرة التي تنذر بدمار كامل للأسرة في المستقبل كجنوح الأحداث، وحمل المراهقات وإدمانهم المخدرات، وغيرها من الظواهر الخطيرة، في حين نجد أن دعاة التحرر والمساواة للمرأة أخرجوها من عملها الأساسي في التربية وإصلاح المنزل إلى مجالات ثانوية في غالب قطاعات العمل التي توجد بها من دون عدل أو مساواة مع الرجال كن يطمحن به، وقد أشارت إلى ذلك دراسة غربية تبين أن الفارق بين أجور المرأة والرجل يصل من 59% إلى 79% وأضيف أيضاً أن هناك دراسة أوربية حديثة أثبتت أن المواقع القيادية بالمؤسسات الأوربية لا تزال مقصورة على الرجال، فقد أكدت دراسة تضمنت استطلاعاً لواقع 1500 شركة أوربية حقيقة غياب المرأة في أعلى السلم الإداري للمؤسسات، وتبين أن أكثر من نصف الشركات الألمانية ليس لديها أي امرأة في مواقعها القيادية العليا ([51]).وهذا يدل على أن تلك المجتمعات لم تعط المرأة الثقة الكاملة والصلاحية المطلقة للقيام بأعمال الرجال في كل المجالات..

وأعتقد أن من الجدير المناسب ذكره في هذا المقام أن الجانب الإنساني يفرض علينا أن نرحم المرأة من وطأة مشكلات العمل الخارجي واحتياجاته، وأن نقدر لها دورها الذي تقوم به في المنزل والتربية بالمحافظة على نشاطها وحيويتها من الهدر فيما لا يفيد، وأن يقوم رجال المجتمع بتوفير احتياجاتها وتلبية طلباتها لتبقى (امرأة) بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالة ومعنى، وكم هو مؤسف حقاً أن ترى المرأة في المجتمعات المتحررة أشبه بالرجال في أشكالهن وطبائعهن وكأن الأنوثة والعفاف رمز تراثي ذهب وانقرض.

.. ولا أدري بعد هذا العرض الموجز كيف نسمح بإخراج المرأة للمشاركة المطلقة مع الرجال وفي جميع المجالات والدلائل الدينية والعقلية والاجتماعية والإنسانية والحضارية تأبى هذا الطرح من نشازه المتوقع في أرض الواقع، وإن كان هناك حجة بقي أن نناقشها فهي الشهوة والهوى التي تدفع الكثير إلى مثل هذه الأطروحات المفبركة، والحوادث المثيرة بغية الوصول إلى الحق المزعوم في هذه القضية، وصدق الله عز وجل حيث قال:] وَلَوْ اتَّبــَعَ الْحـَقُّ أَهــْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المؤمنون 71 .

فيا دعاة التحرير.. اربعوا على أنفسكم، فحجاب المرأة المسلمة مهما حاولتم لن يسقط، وقيمتها وحقوقها من ثوابت مجتمعنا لا نفرط فيها أبداً، ودعواتكم حول حقوق المرأة في العمل والمشاركة والقيادة تزييف مفضوح والتفاف قبيح حول تغيير الحقائق بغية استرقاقها.. لا تحريرها.



--------------------------------------------------------------------------------

* قسم الدراسات الإسلامية والعربية

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

الظهران 31261 ص. ب. 1516

(1) انظر: تفسير الطبري 4 / 319، تفسير القرطبي 5 / 105.

(2) ماذا بعد سقوط المرأة لبدرية العزاز ص 17ـ 19، المرأة المسلمة والتغريب للرماني ص 23 ـ 26.

(1) رواه أحمد في المسند 6 / 256، وأبو داود في السنن 1 / 61

(2) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 410، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 384.

(1) يرى بعض الفقهاء الأخذ بشهادتها في الجنايات المتعلقة بمجتمعات النساء الخاصة كحمامات النساء والأعراس. انظر: المغني 14 / 134، فتح القدير 7 / 357، الأحكام السلطانية للماوردي ص 280.

(1) المرأة بعد السقوط ص 53.

(2) انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 289، المبسوط 26 / 79، المغني 12 / 58

(3) انظر: نيل الأوطار 7 / 224.

(1) أحكام القرآن للجصاص 2/ 236، زاد المسير 2 / 46، تفسير ابن السعدي 2 / 60.

(1) البحر المحيط 3 / 178.

(2) رواة الترمذي وقال حديث حسن صحيح 3 / 467.

(3) رواة الترمذي وقال حديث حسن صحيح 3 /457.

(4) انظر: فتح القدير 3 / 410، حاشية الدسوقي 2 / 238، مغني المحتاج 4 / 425، المغني 10 / 220.

(5) أحكام الجصاص 2 / 132.

(1)رواه البخاري 5 / 1974 (4843)

(2) رواه النسائي 6 / 86، ورواه ابن ماجه 1 / 602.

(3) انظر: حقوق النساء في الإسلام لسيد محمد رشيد رضا ص 17.

(1) رواه مسلم 2/889-890.

(2) الأسرة شوال 1417 هـ.

(3) رواه مسلم 2 / 692.

(4) انظر: بدائع الصنائع 2 / 331، كشاف القناع 5 / 192، مغني المحتاج 4 / 353.

(1) رواه البخاري 3 / 262 ومسلم 4 / 2191.

(2) رواه أبو داود في سننه 2 / 245 (2146).

(3) جريدة القبس 15/ 2 / 88م .

(4) جريدة الرأي العام 28 / 5 / 1990م.

5)) وكالة الأنباء فرانس برس نقلاً من كتاب (من أجل تحرير حقيقي للمرأة) ص 9 ـ 28 انظر: آداب الخطبة والزفاف في السنة المطهرة لعمرو عبد المنعم ص 180 ــ 196، رسالة إلى العروسين لسيد الصبيحي ص 131ـــ158، المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني للبوطي ص 93 ـ 114، مركز المرأة في الحياة الإسلامية للقرضاوي ص 9 ــ 30.

(1) رواه البخاري 6 / 2666، ورواه مسلم 4 / 2028.

(2) رواه أبو داود في سننه 4 / 11 (3887)

(3) رواه البخاري 2 / 900.

(4) انظر:ج8 من طبقات ابن سعد،ج8 من الإصابة لابن حجر ففيه كثير من ترجمات من لهن فضل وعلم وسابقة في الإسلام.

(1) انظر: حقوق المرأة في الإسلام لمحمد رشيد رضا ص 46، المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني للبوطي ص83 ــ 85، المرأة في الإسلام لمحمد رشيد رضا ص 15.

(2) حقوق المرأة في الإسلام لمحمد رشيد رضا ص 15.

(1) طبقات ابن سعد 8 / 447.

(2) المرجع السابق 8 / 274.

(3) رواه مسلم 3 / 1447.

(4) فتح الباري 1 / 260

(1) رواه أبو داود في سننه 3 / 84 (2763).

(2) الإجماع ص 27.

(1) انظر: المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56.

1)) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26.

(1) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـــ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرمانيص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404)، الأسرة 1417هـ، المنار (32).

(1) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هــ.

(1) مجلة الأسرة صفر 1420هــ.

(1) ماذا بعد سقوط المرأة لبدرية العزاز ص 76.

(2) مجلة المجتمع (1399).

(3) مجلة الأسرة (70) محرم 1420هــ.

(4) من أجل تحرير حقيقي للمرأة للعويد ص 164، 165.

(5) جريدة الحياة 8 / 3 / 1321هــ.

(1) مركز المرأة في الحياة الإسلامية للقرضاوي ص 55.

(2) جريدة المسلمون (662).

(1) مجلة المجتمع (1399).

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:47 PM
الدلالة المحكمة لآية الجلباب على وجوب غطاء الوجه
لطف الله خوجة






قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..}.

في هذه الآية دلالة محكمة على وجوب الحجاب الكامل على سائر المؤمنات، وبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: الأمر واحد للجميع، فالصفة واحدة.

في الآية مقدمة ونتيجة:

المقدمة: أن الأزواج والبنات ونساء المؤمنين أمرن بأمر واحد، بلا فرق، هو: إدناء الجلباب.

النتيجة: أن صفة الإدناء في جميعهن واحدة.

فالجمع إذا خوطب بشيء، فالأصل أن فحوى الخطاب واحد في حق الجميع، ما لم يرد استثناء. وهنا لا استثناء في الآية، فيبقى الخطاب واحدا، فبالنظر إلى دلالة الآية: فإنها صريحة الدلالة في تساوي الأزواج والبنات ونساء المؤمنين، في صفة الإدناء، بغير فرق بين أحد.

لكن السؤال الوارد هنا: ما صفة الإدناء؟

والجواب: أن إحدى الفئات التي ذكرت في الآية وهم: الأزواج. قد عرف صفة إدنائها بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، وبالإجماع الآية تدل على الحجاب الكامل.

وفقا لهذين الأمرين نخرج بنتيجة هي: أن صفة الإدناء في حق الجميع هو: الحجاب الكامل.

ويمكن تصوير المسألة بمقدمتين ونتيجة:

المقدمة الأولى: الجميع: الأزواج، والبنات، ونساء المؤمنين. خوطبن بخطاب واحد هو: إدناء الجلباب.

المقدمة الثانية: أن صفة الإدناء في حق بعض هذا الجميع (الأزواج) هو الحجاب الكامل بالإجماع.

النتيجة إذن: صفة الإدناء في حق الجميع واحد، هو: الحجاب الكامل.

ففي الآية نفسها قرينة واضحة على التغطية، قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان 6/586:

"فإن قيل: لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع على استلزامه، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه. معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه. وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.

فالجواب: أن في الآية الكريمة قرينة واضحة على أن قوله تعالى فيها: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، يدخل في معناه ستر وجوههن، بإدناء جلابيبهن عليها، والقرينة المذكورة: هي قوله تعالى: {قل لأزواجك}، ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن، لا نزاع فيه بين المسلمين. فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين، يدل على وجوب ستر الوجوه، بإدناء الجلابيب، كما ترى".

فإن نازع منازع فقال: كلا، لا نسلم بأن فحوى الخطاب في حق الجميع واحد هنا، فالأمر واحد، هو إدناء الجلباب، لكن صفة الإدناء يختلف، فالأزواج عليهن الحجاب الكامل، والمؤمنات لهن كشف الوجه.

وهذا مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فالجميع رجس محرم، لكن الصفة تختلف، فالخمر حرمته في شربه، والميسر في اللعب به، والأنصاب في التقرب إليها، والأزلام في الاستقسام بها، وهكذا فالتحريم واحد، وصوره مختلفة.

فالجواب من أوجه:

الأول: أن هذا القول يتضمن الإقرار بدلالة الإدناء على التغطية؛ وإن كان يخصه بالأزواج، وبهذا ينتقض قولهم الأول: أن الإدناء في الآية لا يدل على التغطية بوجه.

الثاني: أن أصحاب هذا القول ترددوا في تفسير الإدناء بين التغطية والكشف، وبالتالي لن تكون دلالة الآية، عندهم، قاطعة على الكشف، وهذا يلزمهم، أما نحن فنقول: الآية لا تدل إلا على التغطية. ومن ثم دلالتها عندنا قاطعة على التغطية، وينتج عن هذا: أنه ليس لهم القول بأن الآية لا تدل على التغطية.

الثالث: قد علمنا بطلان تخصيص الأزواج بالحجاب الكامل، كما سبق بيانه في آية الحجاب. وإذا بطل التخصيص رجع فحوى الخطاب واحدا في حق الجميع، دون استثناء أو اختلاف.

الرابع: ما قولهم في بنات النبي صلى الله عليه وسلم، هل الإدناء في حقهن بالكشف أم بالتغطية؟.. إن قالوا: التغطية. لزمهم ذلك في سائر النساء، إذ لا موجب للتفريق بين البنات وسائر النساء. وهم لا يقولون بالكشف، لأنهم يساوونهن بالأزواج رضوان الله عليهن.

لكن إن سلموا بأن الخطاب واحد للجميع، لزمهم أن يقروا بأن الصفة واحدة للجميع أيضا.

الوجه الثاني: تفسير الإدناء بالكشف يلزم منه جواز كشف الأزواج وجوههن.

الإدناء، عموما، إما أن يكون بتغطية الوجه، وإما بدونه.

فإن فسر بكشف الوجه، لزم منه كشف الأزواج وجوههن، وهذا باطل، لوجوب التغطية في حقهن.

وإن فسر بتغطية الوجه لم يلزم منه أية لوازم باطلة، بل يكون موافقا لأمر الله تعالى الأزواج بتغطية وجوههن في الآية الأخرى، وليس في تغطية البنات ونساء المؤمنين وجوههن ما ينكر أو يعترض عليه.

فإن قيل: الصفة متفاوتة، فالأزواج عليهن التغطية، وسائر النساء ليس عليهن، والإدناء يتضمن المعنيين.

فالجواب: أن هذا الإيراد وجوابه تقدم في الوجه السابق.

الوجه الثالث: أن صفة الإدناء لغة هو التغطية.

قال تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، فعل الإدناء عدي بـ "على"، وهو يستعمل لما يكون من أعلى إلى أسفل، فدلالة الآية: أن الإدناء يكون من فوق الرأس. وحينئذ ينزل بعض الجلباب على الوجه. فهذا شاهد على أن الإدناء هنا متضمن تغطية الوجه، بنزول بعض الجلباب عليه.

قال الزمخشري في تفسيره الكشاف [3/274]:

" ومعنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك".

وقال الإمام النحوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط [7/240]:

"(من) في (جلابيبهن) للتبعيض، و(عليهن) شامل لجميع أجسادهن، أو (عليهن) على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".

فهذان إمامان في اللغة، قد فسرا الإدناء بإرخاء الجلباب على الوجه.

وقال النسفي في تفسيره [3/315]: "و (من) للتبعيض؛ أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها".

الوجه الرابع: سبب النزول يشير إلى أن المعنى وجوب التغطية.

قال ابن جرير: "حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..}، إلى قوله: {وكان الله غفورا رحيما}، قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء أن يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ، وإدناء الجلباب: أن تقنّع وتشد على جبينها".

وساق سنده إلى قتادة ومجاهد وأبي صالح بمثل هذا المعنى والسبب في نزول الآية[التفسير 19/182-183].

فقد كان من علامة الحرة منذ الجاهلية تغطية وجهها، بخلاف الأمة فكانت تكشف وجهها، ولا يعني ذلك أن كل الحرائر كن يغطين، بل كان مشهورا عنهن، قال النابغة الذبياني، وهو من شعراء الجاهلية، يصف المتجردة زوجة النعمان، لما فجأها بالدخول، فسقط خمارها، فعمدت، فغطت وجهها بذارعيها، وكانت ضخمة، فاستترت بهما:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد[1]

فلما حصل الأذى من الفساق والمنافقين حين خروج النساء ليلا، أمرهن الله تعالى أن يتشبهن بالحرائر في تغطية الوجه، حتى يعرفن بذلك فلا يتعرضن للأذى.

قال الإمام النحوي المفسر أبو حيان الأندلسي في تفسيره: البحر المحيط [7/240]:

"(من) في (جلابيبهن) للتبعيض، و(عليهن) شامل لجميع أجسادهن، أو (عليهن) على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".

وروى ابن سعد في طبقاته [8/176،177] عن محمد بن كعب القرظي قال: "كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المسلمين ويؤذيهن، فإذا قيل له، قال: (كنت أحسبها أمة)، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها، يقول: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}"[2].

وهذا المعنى تتابع المفسرون على حكايته في تفسير هذه الآية، فكلهم ذهبوا في قوله تعالى: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}؛ أي يعرفن أنهن حرائر، بتغطية وجوههن وأجسادهن بالجلباب، حتى يتميزن عن الإماء، وبهذا يعرف أن الأمة لا يجب عليها حجاب وجهها، فالفرق بينهما ثابت بهذه الآية، وتظاهر المفسرين، من الصحابة والتابعين، على هذا التفريق، كما أنه قد ثبت في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب، قال الصحابة: "إن حجبها فهي امرأته، وإلا فأم ولد". رواه البخاري ومسلم[3].

الوجه الخامس: تفسير الجلباب بتغطية الوجه ورد عن جمع من الصحابة والسلف.

وبهذا المعنى جاءت الأقوال عن السلف، فقد روى ابن جرير في تفسيره [19/181]، فقال:

"حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}: أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".

وروى أيضا فقال: "حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..}. فلبسها عندنا ابن عون، قال: ولبسها عندنا محمد، قال محمد: ولبسها عندي عبيدة. قال ابن عون: بردائه، فتقنع، فغطى أنفه وعينه اليسرى، وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه، أو على الحاجب".

وساق الأثر نفسه من طريق يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال سألت عبيدة عن قوله: الآية. قال: "فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه".[التفسير 19/181-182]

وفي الدر المنثور [5/415]: "وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: سألت عبيدة رضي الله عنه عن هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} فرفع ملحفة كانت عليه، فقنع بها، وغطى رأسه كله، حتى بلغ الحاجبين، وغطى وجهه، وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، مما يلي العين".

فهذا قول جمع من السلف في صفة الإدناء: ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومحمد بن سيرين، وابن عون، وابن علية، وغيرهم.

الوجه السادس: أقوال المفسرين في تفسير الإدناء بتغطية الوجه.

تظاهر المفسرون وتتابعوا على تفسير الإدناء في الآية بتغطية الوجوه والأبدان، ولم يمر بي مفسر قال إنها تدل على الكشف، غاية ما هنالك بعض الأقوال أن من صفته: ستر معظم الوجه. وهذه أقوال هؤلاء الأئمة:

1- ابن جرير [19/181] قال: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا يتشبهن بالإماء في لباسهن، إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ؛ لئلا يعرضن لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من القول". وهذا النص صريح في صفة إدناء نساء المؤمنين، وأنه يعم تغطية الوجه.

2- قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن في تفسير الآية [5/245]: "في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن".

3- قال: إلكيا الهراس في تفسيره [انظر: عودة الحجاب 3/184]: "الجلباب هو الرداء، فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن، ولم يوجب ذلك على الإماء".

4- قال الزمخشري في تفسيره الكشاف [3/274]: " ومعنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك. وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية، متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار، لا فصل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون إذا خرجن بالليل، إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان، للإماء، وربما تعرضوا للحرة، بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة. فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف، وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن، ويهبن، فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن}؛ أي أولى وأجدر بأن يعرفن، فلا يتعرض لهن، ولايلقين ما يكرهن. فإن قلت ما معنى {من} في: {من جلابيبهن}؟، قلت: هو للتبعيض، إلا أن معنى التبعيض محتمل وجهين:

- أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار، كالأمة والماهنة، ولها جلبابان فصاعدا في بيتها.

- والثاني: أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها، تتقنع حتى تتميز من الأمة، وعن ابن سيرين: (سألت عبيدة السلماني عن ذلك، فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب، ثم تديره حتى تضعه على أنفها)، وعن السدي: (أن تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين)، وعن الكسائي: (يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن) أراد بالانضمام معنى الإدناء".

5- قال البغوي في تفسيره [3/469]: "قال ابن عباس وأبو عبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة، ليعلم أنهن حرائر"، ذكر هذا وما ذكر غيره.

6- قال القرطبي في تفسيره [14/243]: "لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن، كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن، إذا أردن الخروج إلى حوائجهن".

7- قال البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل [4/386]: " {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}: يغطين وجوههن وأبدانهن بملاحفهن، إذا برزن لحاجة".

8- قال الإمام النسفي في تفسيره مدارك التنزيل [3/315]: "{يدنيهن عليهن من جلابيبهن} يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن وأعطافهن، يقال إذا زال الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك. و (من) للتبعيض، أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها، تتقنع حتى تتميز من الأمة".

9- قال ابن جزي الكلبي في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل [534]: "كان نساء العرب يكشفن وجوههن، كما تفعل الإماء، وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجال لهن، فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن، ويفهم الفرق بين الحرائر والإماء، والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وقيل: هو الرداء. وصورة إدنائه عند ابن عباس: أن تلويه على وجهها، حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها. وقيل: أن تلويه حتى لا ينظر إلا عيناها. وقيل: أن تغطي نصف وجهها".

10- قال ابن تيمية [الفتاوى 22/110]: "قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب، بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..} حجب النساء عن الرجال".

11- وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية، في تفسيره [6/471] أثر علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وأثر عبيدة السلماني، كما أورد قول عكرمة: "تغطي ثغرة نحرها بجلبابها، تدنيه عليها".

12- قال أبو حيان في تفسيره [7/240]: "وقال أبو عبيدة السلماني حين سئل عن ذلك، فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب، ثم تديره حتى تضعه على أنفها. وقال السدي: (تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين). انتهى، وكذا عادة بلاد الأندلس لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة. وقال الكسائي: يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن. أراد بالانضمام معنى الإدناء. وقال ابن عباس وقتادة: وذلك أن تلويه فوق الجبين، وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه... و{من} في {جلابيبهن} للتبعيض، و{عليهن} شامل لجميع أجسادهن، أو {عليهن} على وجوههن، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه".

13- قال أبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم 7/115]: "الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها، وتبقي منه ما أرسله على صدرها، وقيل: هي الملحفة، وكل ما يستر به؛ أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن، إذا برزن لداعية من الدواعي، و{من} للتبعيض، لما مر من أن المعهود التلفع ببعضها، وإرخاء بعضها".

14- قال: السيوطي: "هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن" [عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/158، اللباس، باب قول الله تعالى: {يدنين عليهن..}].

15- قال الألوسي في روح المعاني [11/264]: "الإدناء: التقريب. يقال: أدناني. أي قربني، وضمن معنى الإرخاء أو السدل، ولذا عدّي بـ (على)، على ما يظهر لي، ولعل نكتة التضمين: الإشارة إلى أن المطلوب تستر، يتأتى معه رؤية الطريق إذا مشين، فتأمل. ونقل أبو حيان عن الكسائي أنه قال: أي يتقنعن بملاحفهن، منضمة عليهن، ثم قال: أراد بالانضمام معنى الإدناء، وفي الكشاف معنى {يدنين عليهن} يرخين عليهن، يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة، أدني ثوبك على وجهك. وفسر ذلك سعيد بن جبير بيسدلن عليهن، وعندي أن كل ذلك بيان لحاصل المعنى، والظاهر أن المراد بعليهن على جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن، أو على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه". ثم أورد أثر عبيدة السلماني، وأثر ابن أبي طلحة عن ابن عباس في إبداء عين واحدة، والأثر الآخر عنه وقتادة في ليّ الحجاب فوق الجبين وشده ثم عطفه على الأنف، وإن ظهرت العينان، مع ستر الصدر ومعظم الوجه، ثم ذكر أثر أم سلمة عند عبد الرزاق وعائشة عند ابن مردوية في صنيع نساء الأنصار بعد نزول الآية، ثم قال:"ومن للتبعيض، ويحتمل ذلك على ما في الكشاف؛ لوجهين:

- أحدهما: أن يكون المراد بالبعض واحدا من الجلابيب، وإدناء ذلك عليهن، أن يلبسنه على البدن كله.

- وثانيهما: أن يكون المراد بالبعض جزءا منه، وإدناء ذلك عليهن: أن يتقنعن، فيسترن الرأس والوجه بجزء من الجلباب، مع إرخاء الباقي على البدن".

16- قال الشوكاني في فتح القدير [4/304]: "من للتبعيض، والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، قال الجوهري: الجلباب: الملحفة. وقيل: القناع. وقيل: هو ثوب يستر جميع بدن المرأة. كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية أنها قالت: (يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال: لتلبسها أختها من جلبابها)، قال الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر، فلا يعرض لهن بأذى. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها. وقال قتادة: تلويه فوق الجبين، وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه".

17- قال القاسمي تفسيره محاسن التأويل [انظر: عودة الحجاب 3/201]: "أمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه ليحتشمن ويهبن، فلا يطمع فيهن طامع".

18- قال الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان [6/586]: "ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها حتى وجهها: قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}":

19- جاء في تفسير الجلالين [560]: "أي يرخين بعضها على الوجوه، إذا خرجن لحاجتهن، إلا عينا واحدة، {ذلك أدنى}؛ أقرب إلى أن يعرفن بأنهن حرائر، {فلا يؤذين}، بالتعرض لهن".

- وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود [12/158، اللباس، باب في قوله الله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} : "أي يرخين بعضها على الوجوه، إذا خرجن لحاجتهن، إلا عينا واحدة، كذا في الجلالين. وقال في جامع البيان: الجلباب: رداء فوق الخمار، تستر من فوق إلى أسفل؛ يعني يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن وأبدانهن".

- وإلى هذا القول ذهب الشيخ أبو الأعلى المودودي، والجزائري، والدكتور محمد محمود جحازي، والشيخ عبد العزيز بن خلف، وعبد الله الأنصاري وغيرهم. [انظر: عودة الحجاب: 3/200-211].

***

هؤلاء هم أئمة التفسير المشهورون، لم نر فيهم من فسر الإدناء بكشف الوجه بلفظ صريح، بل جلهم تتابعوا على التصريح بالتغطية، كما رأينا، وبعضهم ذكر هيئات أخرى، بعضها صريح في تغطية معظم الوجه، وبعضها غير صريح في الكشف، بل إلى التغطية هو أقرب، فمن ذلك ما جاء عن ابن جرير قال [التفسير 19/182]:

"وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن"، ثم ساق سند إلى ابن عباس قال: "كان الحرة تلبس لباس الأمة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ، وإدناء الجلباب: أن تقنّع وتشد على جبينها".

وهذا ليس فيه نص على الكشف، بل فيه شاهد على التغطية وهو التقنع. وسيأتي مزيد بيان لمعنى القناع.

وذكر الشوكاني في تفسيره فتح القدير قال:

"قال: الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى. وقال: الحسن: تغطي نصف وجهها. وقال قتادة: تلويه فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه".

فنحن بين تفسيرات:

· منها تغطية الوجه إلا العين.

· ومنها تغطية نصف الوجه.

· ومنها إبداء العينين وبعض الوجه، مع ستر معظمه.

والأول منها هو المشهور، وهو قول ابن عباس، وجمع من التابعين، وعليه جل المفسرين، وأكثرهم يذكره، وليس فيها نص صريح يقول بكشف الوجه، بل حتى هذا الذي اعتمدوا عليه في جواز الكشف، فيه ما يدل على التغطية، وهو ذكر التقنع.

ومما يجدر لفت النظر إليه: أن أولئك الذين صرحوا بجواز الكشف، في آية الزينة، كالقرطبي، والبغوي، وابن عطية، لما جاءوا إلى هذه الآية فسروها بتغطية الوجه، وليس في قول أحد من أهل العلم والمفسرين أن هذه الآية خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في وسع أحد أن يدعي ذلك، فهي عامة، حيث ذكر: الأزواج، والبنات، ونساء المؤمنين. معا، تحت أمر واحد.

وبعد كل هذه الدلائل، والتظاهر والاتفاق بين المفسرين: كيف يصح الاستدلال بهذه الآية على الكشف؟!

***

منع الشيخ الألباني من دلالة هذه الآية على التغطية، وذهب إلى أنها دليل على الكشف، واستدل بأمور:

1. أن الإدناء في اللغة هو التقريب، وليس تغطية الوجه [الرد المفحم ص7].

2. الآية وحدها ليست نصا صريحا في التغطية، بل لا بد من مرجح [الرد المفحم ص7].

3. الاستدلال بأثر لابن عباس فيه: "تدني جلبابها إلى وجهها، ولا تضرب به" [الرد المفحم ص8].

4. الاستدلال ببعض الآثار عن قتادة ومجاهد وسعيد بن جبير [الرد المفحم ص51].

5. رد وتضعيف أثر ابن أبي طلحة عن ابن عباس وأثر عبيدة السلماني [جلباب المرأة المسلمة ص88].

والجواب على إيرادات الشيخ، رحمه الله تعالى، وأعلى درجته، يكون بما يلي:

قال الشيخ: "يصر المخالفون المتشددون على المرأة، وفي مقدمتهم الشيخ حمود التويجري حفظه الله، على أن معنى {يدنين}: يغطين وجوههن. وهو خلاف معنى أصل هذه الكلمة: الإدناء، لغة، وهو التقريب".

الإدناء في اللغة هو التقريب بين الشيئين، فالدنو هو القرب، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة [2/303]: "دنى: الدال، والنون، والحرف المعتل، أصل واحد، يقاس بعضه على بعض، وهو المقاربة.. ودانيت بين الأمرين: قاربت بينهما".

فهذا معنى الإدناء، فهل فيه ما يمنع أن يكون معناها تغطية الوجه؟

هل يلزم من إدناء الجلباب كشف الوجه، وعدم تغطيته؟

الجواب: كلا، لا يلزم، بل العكس هو الصحيح، فإن كل الدلائل الشرعية، واللغوية، وأقوال المفسرين تشير إلى أن الإدناء يلزم منه تغطية الوجه، والأدلة ما يلي:

1. أن هذا هو قول أهل اللغة من المفسرين، كما هو قول الزمخشري، قال: "يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك"، وعن أبي حيان مثله، وقد تقدم.

2. أن الفعل عدي بـ (على): {يدنين عليهن}، فهذا دليل على أن الإدناء يكون من فوق الرؤوس، وحينئذ ينزل بعض الجلباب على الوجه، فيغطيه.

3. تفسير ابن عباس رضي الله عنهما الإدناء في الآية بتغطية الوجه، كما في رواية علي بن أبي طلحة.

4. تطبيق التابعين لهذا المعنى عمليا، كما ورد عن عبيدة السلماني، وابن سيرين، وابن عون، وابن علية.

5. تتابع المفسرين على ذكر رواية علي بن أبي طلحة، في تفسير الآية، وهي صريحة في التغطية، وتصريحهم بأن معنى الإدناء هو تغطية الأبدان والوجوه، حتى إنك لا تجد مفسرا فسر الآية بالكشف.

كل هذه الأمور تدل على رجحان التغطية، إذن دلالة الكلمة في اللغة هي التغطية، وليس الكشف.

***

يقول الشيخ: "وبينت أنه ليس نصا في تغطية الوجه، وأن على المخالفين أن يأتوا بما يرجح ما ذهبوا إليه".

يقال هنا: لو سلمنا، جدلا، أن الآية تحتمل المعنيين، وتحتاج إلى مرجح، فالمرجحات هي ما سبق من وجوه:

· الأول: ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الآية: مرجح على أن المراد هو التغطية.

· الثاني: أن تفسير الإدناء بالكشف، يلزم منه كشف الأزواج وجوههن، ولا قائل به، وهذا مرجح آخر.

· الثالث: أنه قال عليهن: {يدنين عليهن}، والإدناء من أعلى دليل على التغطية، وهذا مرجح ثالث.

· الرابع: سبب النزول أن النساء كن يكشفن الوجه والشعر، فأمرن بالتغطية. وهذا مرجح رابع.

· الخامس: تفسير ابن عباس وعبيدة السلماني وجمع من التابعين الآية بالتغطية. مرجح خامس.

· السادس: تتابع المفسرين على تفسير الآية بالتغطية، فلا تجد من يقول بالكشف. مرجح سادس.

· السابع: قول المفسرين من أهل اللغة، كالزمخشري وأبي حيان. مرجح سابع.

***

ذكر الشيخ أن هذا الأثر أخرجه أبو داود في مسائله (ص110) بسند صحيح جدا [الرد المفحم51].

ونص الأثر هو كما يلي: قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد، في باب: ما تلبس المرأة في حرامها:

"حدثنا أحمد، قال حدثنا يحيى وروح، عن ابن جريج، قال أخبرنا، قال عطاء، أخبرني أبو الشعثاء، أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به)، قال روح في حديثه: قلت: وما: لا تضرب به؟، فأشار لي، كما تجلبب المرأة، ثم أشار لي ما على خدها من الجلباب، قال: تعطفه، وتضرب به على وجهها، كما هو مسدول على وجهها".

والشيخ حكم بالشذوذ على زيادة روح، فقال:

"وهذه زيادة شاذة لا تصح؛ لأن يحيى جبل في الحفظ؛ قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت في البصرة"، وقال: هو أثبت من هؤلاء. يعنى: ابن مهدي وغيره. فإذا قابلت هذه الشهادة منه بقوله في روح: لم يكن به بأس. عرفت الفرق بينهما، ولم تقبل زيادته على يحيى، ولم يدر التويجري هذا الفرق، ورجح رواية روح واحتج بها! ذلك مبلغه من العلم بهذا الفن" [الرد المفحم ص51].

فمخلص رأي الشيخ هنا يدور حول أمرين:

· الأول: الجزم بأن معنى: "لا تضرب به" هو المنع من غطاء الوجه، أو هو دليل على الكشف.

· الثاني: بنى على هذا المعنى الحكم بالشذوذ على زيادة روح، كونها تدل صراحة على التغطية.

وتعليقا يقال:

"الشذوذ" مصطلح يطلق على زيادة تفرد بها ثقة، خالف به غيره، ولا يطلق على ما رواه ولم يروه غيره، وبهذا عرفه الشافعي، حيث قال: "هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره". قال ابن كثير: "الذي قاله الشافعي أولاً هو الصواب: أنه إذا روى الثقة شيئا، قد خالف فيه الناس فهو الشاذ، يعني المردود، وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، بل هو المقبول، إذا كان عدلا، ضابطا، حافظا، فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل" [الباعث الحثيث 56].

وإذا طبقنا هذا التعريف على زيادة روح فهل هو من قبيل رواية الثقة حديثا يخالف ما روى الناس؟ أم أن الراوي روى ما لم يرو غيره؟.

الجواب: قد علمنا أن الشيخ بنى حكمه بالشذوذ: على الجزم بأن معنى "لا تضرب به" هو: الكشف. وهذا ما لا يسلم به، فللمنازع أن يقول: هذه مصادرة على المطلوب. وعلى القائل الدليل على ما ذهب إليه.

فهذه الكلمة غامضة المعنى، لا تفهم لأول وهلة، فيُحتاج إلى مفسر، فتعين معنى ما، والجزم به، دون الاستناد إلى دليل مرجح، هو ما لا يقبل، وهذا ما فعله الشيخ.

بل لنا أن نقول عكس ذلك؛ إن معنى: "لا تضرب به"؛ أي تغطي وجهها، لكن بصورة معينة، إذ صور التغطية متعددة، فمنها ما يكون بالجلباب، ومنها ما يكون بالقناع، ومنها ما يكون بالخمار. والأدلة ما يلي:

1. أن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو القائل، قد فسر كلامه بالتغطية، وخص نوعا منه هو السدل، فهو أدرى بما قال، وليس لنا أن نتحكم في كلامه، فنفسره بغير ما فسره هو به، خاصة إذا لم يكن لدينا دليل يبطل هذا التفسير.

2. أن هذا الأثر ساقه أبو داود في باب: "ما تلبس المرأة في حرامها"، وهذا فيه قطع للخلاف، وذلك: أن المحرمة ممنوعة من النقاب، غير ممنوعة من السدل؛ لأن النقاب فيه شد على العضو، وهو الوجه، وهذا ما تمنع منه، كما تمنع من القفاز، للعلة ذاتها، أما السدل فليس فيه الشد، ولذا جاز، ومن هنا ورد عن عائشة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، ونساء المؤمنين، السدل حال الإحرام، فابن عباس إذن كان يقصد بقوله: "لا تضرب به" أي النهي عن الشد على الوجه، بالنقاب ونحوه، ولذا لما سئل عن المعنى فسره بما يباح للمحرمة، مما لا يكون ضربا به، ففسره بالسدل. وعكس السدل هو الضرب به.

3. أن الإمام أحمد رحمه فهم هذه المسألة عن ابن عباس، فكان يفتي المحرمة بالسدل للمحرمة، ويمنع من الضرب به، وهو الشد على الوجه، لما فيه من ملابسة العضو[4].

4. أن القول بأن الكلمة معناها: الكشف. فيه إشكال؛ إذ مقتضاه أن ابن عباس أطلق النهي عن تغطية الوجه، ومعلوم أن أقل أحوال التغطية الاستحباب، ومن المستبعد جدا أن ينهاهن عن التغطية، هذا إن كان حكما عاما، وأما إن كان خاصا بالمحرمة، فكذلك بعيد أن يطلق المنع من التغطية لأمرين:

· الأول: أنه بلا ريب، كان يرى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابيات يغطين، بمرأى منه صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة، فكيف يمنعهن من شيء رأى وشاهد إباحة الشارع لهن؟!

· الثاني: أن حمل كلامه على المنع من التغطية، يلزم دخول الأزواج رضوان الله عليهن في هذا الحكم؛ لأن حكمهن في الإحرام حكم سائر النساء.

ومن هذا يتبين لنا أنه لا وجه للحكم على هذه الزيادة بالشذوذ؛ لأنه لا شذوذ هنا، ولا دليل عليه، بل هي زيادة ثقة، يروي ما لم يرو غيره. وهذا على فرض أن هذه الزيادة من قول ابن عباس!!

فإن من المحتمل أن تكون من سؤال روح لشيخه، حيث جاء في النص: "قال روح في حديثه: قلت.."فالنص فيه احتمال الأمرين: أن يكون المسؤول ابن عباس من تلميذه أبي الشعثاء، وقد يكون المسؤول شيخ روح، يسأله روح. فلو قدر أن الاحتمال الثاني هو الوارد، فالحكم على الزيادة بالشذوذ خطأ لا يصح، إذ ليس كلاما لابن عباس، بل تفسير الراوي كلامه، وتفسير الراوي لا يخضع لقاعدة القبول والشذوذ، بل لقاعدة الخطأ والصواب، والذي يبدو أن الشيخ رحمه الله تعالى عدّ الزيادة من كلام ابن عباس، فلذا أجرى عليها قاعدة الشذوذ والقبول، لكن قد تبين لنا: أن الزيادة إنما هي من قبيل رواية الراوي ما لم يرو غيره.

إذن الخطأ وقع في أمرين:

· الأول: استعمال مصطلح الشذوذ في هذا الموضع، وليس محله.

· الثاني: الجزم بأن معنى الكلمة عدم التغطية، دون تقديم دليل يدل عليه، وبنا الحكم بالشذوذ عليه.

***

استدل الشيخ الألباني ببعض الآثار لدعم قوله في الكشف، وهي كما يلي [الجلباب 85، الرد المفحم51]:

· في الدر 5/222: وأخرج بن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ}، قال: يسدلن عليهن من جلابيبهن، وهو القناع فوق الخمار، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار، وقد شدت بها رأسها ونحرها".

· ونقل الجصاص في أحكام القرآن (3/372) عن مجاهد وابن عباس: "تغطي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها".

· وعن ابن جرير عن قتادة: "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب".

ويقال هنا: هذه النصوص، وقد مضى ذكرها عند سرد أقوال المفسرين، ليس فيها القول بكشف الوجه، وإنما قال الشيخ ذلك، من رأيه في معنى القناع، أنه غطاء الرأس دون الوجه [انظر: الرد المفحم 20]، لكن يشكل عليه تتابع العلماء على تفسير القناع بما يدل على أنه غطاء الوجه، والأدلة ما يلي:

1. في البخاري: ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد..)، قال الحافظ في الفتح (6/25): "قوله: (مقنع) بفتح القاف والنون المشددة، وهو كناية عن تغطية وجهه بآلة الحرب". ومع صراحة هذا التفسير، غير أن الشيخ رحمه الله أبى إلا أن يقول: "فإنه يعني ما جاور الوجه، وإلا لم يستطع المشي، فضلا عن القتال، كما هو ظاهر" [الرد المفحم 21]. والواقع أن كل من رأى الأقنعة، علم أنها غطاء الوجه. فالقناع يغطي الوجه، حتى لا يبدو إلا العين، للنظر، كهيئة النقاب، وحينئذ يمكن المشي والقتال، وكلام ابن حجر واضح أنه يعني بالقناع غطاء الوجه، فهذا صريح كلامه، فتأويل هذا الصريح بعدئذ، لينقلب فيغدو: "ما جاور الوجه".. أمر غير سائغ بمرة..؟!!

2. مر معنا سابقا قول الزمخشري: "أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها، تتقنع، حتى تتميز من الأمة"، وهو من أئمة اللغة العربية، وها قد فسر القناع بما يفيد تغطية الوجه.

3. فيس أثر عبيدة، وقد رواه ابن جرير، كما مر سابقا: "قال ابن عون: بردائه، فتقنع، فغطى أنفه وعينه اليسرى، وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه، أو على الحاجب". وهنا كذلك فسر التقنع بما يفيد تغطية الوجه.

والقناع عند العرب معروف بكونه غطاء الوجه، وهاكم أدلة على هذا:

1. المقنع الكندي، إنما عرف بهذا اللقب، لأنه كان يغطي وجهه ببرقع من حرير، كما ذكر البغدادي في كتابه [ الفرق بين الفرق ص243]، وزعم أنه إله، وأنه لو كشف وجهه لم يحتمل أحد رؤيته [الموسوعة الفلسفية 2/323 ].

2. ذكر اليعقوبي في تاريخه [2/315]: "وكانت العرب تحضر سوق عكاظ وعلى وجوهها البراقع، فيقال: إن أول عربي كشف قناعه ظريف بن غنم العنبري".

3. المثل السائر: "ألقى عن وجهه قناع الحياء" [لسان العرب 11/323، مادة: قنع].

ولعل كذلك مما دعا الشيخ ليتبنى هذا الرأي، هو ما جاء في الآثار من ذكر الرأس والجبين، دون الوجه.

وإذا تأمل المرء القناع، عرف أنه لا بد فيه من شد على الجبين والرأس، فبدونه لا يكون، وإذا كان كذلك فليس بعيدا أن يذكر الشد على الرأس والجبين، ويستغنى به عن ذكر الوجه، لأن هذا لازم لهذا.

فأقوال هؤلاء الأئمة ليس فيها المنع من تغطية الوجه، وذكرهم القناع دليل على أنهم أرادوا تغطية الوجه. فإذا اعترض أحد فقال: ليس في هذه الأقوال التصريح بتغطية الوجه.

قيل: وليس فيها التصريح بكشف الوجه، فيبقى محتملا، وعندنا ما يرجح التغطية، وهو ذكر القناع، فيحمل عليه إذن.

مضى ذكر الأثرين، وهما صريحان في التغطية، غير أن الشيخ مال إلى تضعيفهما، فقال في أثر ابن عباس:

"لا يصح هذا عن ابن عباس، لأن الطبري رواه من طريق علي عنه، وعلي هذا هو ابن أبي طلحة، كما علقه عنه ابن كثير، وهو مع أنه تكلم فيه بعض الأئمة، لم يسمع من ابن عباس، بل لم يره، وقد قيل: بينهما مجاهد، فإن صح هذا في هذا الأثر فهو متصل، لكن في الطريق إليه أبو صالح، واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف". [جلباب المرأة 88]

فالشيخ إذن رد هذا الأثر من جهتين: من جهة علي ابن أبي طلحة، ومن جهة عبد الله بن صالح.

فأما علي بن أبي طلحة، فقد ذكر الشيخ أنه إن صح أخذه التفسير من مجاهد فهو متصل، وهذا هو ما كان، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (3/134):

"أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدا، بل أرسله عن ابن عباس".

فهذه شهادة باتصال تفسيره إلى ابن عباس، هذا وإن رواية علي هذه من الروايات المقبولة والمعتبرة عند المحدثين، قال السيوطي [في الإتقان في علوم القرآن 2/241]:

"وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي، عنه قال أحمد بن حنبل:

بمصر صحيفة في تفسير، رواها علي ابن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر، قاصدا، ما كان كثيرا.

أسنده أبو جعفر في ناسخه. قال ابن حجر:

وهذه النسخة كانت عند أبي صالح، كاتب الليث، رواها معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرا، فيما يعلقه عن ابن عباس، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح.

وقال قوم: لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عباس التفسير، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير. قال ابن حجر: بعد أن عرفت الواسطة، وهو ثقة، فلا ضير في ذلك"[5].

وذكر ابن حجر في كتابه [العجاب في بيان الأسباب ص57-58] فقال: "ومن طريق: معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. وعلي: صدوق. لم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، يعتمدون على هذه النسخة".

وابن حجر نفسه يحتج بهذه الرواية ويصححها، ففي الفتح [13/271] قال:

"وأخرج الطبري بسند صحيح عن عاصم، عن أبيه عن ابن عباس... ثم أخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بسند صحيح، قال: الأب: الثمار الرطبة".

إذن لا وجه للطعن في هذه الرواية، فهي ثابتة، عمل بها الأئمة، واحتجوا بها، وليس بعد قول الإمام أحمد والبخاري وابن حاتم وابن حجر فيها قول.

أما عبد الله بن صالح، فقد نقل الذهبي أقوال الأئمة فيه، بين مجرح ومعدل (ميزان الاعتدال 2/440-442)، فالشيخ قال: فيه ضعف، وهذه إشارة إلى أن ضعفه ليس بالشديد، وهكذا قال أبو زرعة:

"لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب، وكان حسن الحديث".

"وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد".

قال الذهبي: "وقد روى عنه البخاري في الصحيح، على الصحيح، ولكنه يدلسه، يقول: حدثنا عبد الله، ولا ينسبه، وهو هو، نعم علق البخاري حديثا فقال فيه: قال الليث بن سعد، حدثني جعفر بن ربيعة، ثم قال في آخر الحديث: حدثني عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، فذكره. ولكن هذا عند ابن حمّويه السرخسي دون صاحبيه، وفي الجملة ما هو بدون نعيم بن حماد، ولا إسماعيل بن أبي أويس، ولا سويد بن سعيد، وحديثهم في الصحيحين، ولكل منهم مناكير تغتفر في كثرة ما روي".

فإذا كان هذا رأي الذهبي فيه، وابن عدي، وأبي زرعة، والبخاري، فكيف يرد حديثه جملة وتفصيلا؟

ثم إن ثناء الإمام أحمد وقبوله، والإمام البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حجر:

ما في صحيفة علي بن أبي طلحة تعديل وقبول ضمني لرواية أبي صالح عبد الله بن صالح، إذ هو أحد رواة هذه الصحيفة.

وأمر أخير هو: أن هذه الرواية معتضدة بأثر عبيدة السلماني، الذي بنفس معناها، لكن الشيخ كذلك ضعفها، من وجوه هي [الرد المفحم 55-57] ما يلي:

1- قال الشيخ رحمه الله تعالى: "إنه مقطوع، موقوف، فلا حجة فيه؛ لأن عبيدة السلماني تابعي، اتفاقا، فلو أنه رفع حديثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكان مرسلا، لا حجة فيه، فكيف إذا كان موقوفا عليه كهذا، فكيف وقد خالف تفسير ترجمان القرآن: ابن عباس، ومن معه من الأصحاب؟".

هنا يقال:

· أولا: هذا الأثر سنده كالشمس، لا مطعن فيه بوجه.

· ثانيا: ليس رفع الأثر محل الاحتجاج، فهذا لم يدعه أحد، بل في كونه حكاية قول جماعة من السلف في معنى الآية، وهذا ثابت بثبوت سنده.

· ثالثا: لو فرض جدلا مخالفته رأي ابن عباس، فليس دليلا على ضعفه، إذ هو أثر مستقل، وليس رواية عن ابن عباس، فكيف وهو موافق تمام الموافقة لقول ابن عباس رضي الله عنهما؟.

2- قال: "إنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه، فقيل: (اليسرى)، كما رأيت، وقيل: (اليمنى)، وهو رواية الطبري (22/33)، وقيل: (إحدى عينيه)، وهي رواية أخرى له".

يقال: الاضطراب في المتن هو: الاختلاف بين ألفاظ الروايات، على وجه لا يمكن الترجيح بينها. والاختلاف هنا ليس من هذا القبيل ألبتة، بل هو متصور، أن يقول أحدهم: اليمنى. والآخر: اليسرى. فالغلط هنا وارد، لكنه ليس بالغلط القادح في الرواية.[6]

هذا والشيخ نفسه قد قبل مثل هذا الاختلاف في حديث أسماء المشهور في كشف الوجه، ولم يرده بدعوى الاضطراب، بل شنع على من رده، فقال [الرد المفحم ص109]:

" نعم لقد شغب العنبري على المتن من ناحية واحدة، فقال: نرى الرسول صلى الله عليه وسلم في الطريق الأولى يشير إلى الوجه والكفين، وفي الطريق الثانية لم يبد إلا أصابعه.

فأقول: نعم، ولكن ما بالك كتمت اتفاق الطريق الثالثة، الصحيحة إلى قتادة باعترافك، مع الطريق الأولى؟! أليس هذا مما يرجح لفظ: (الكفين) على (الأصابع)".

فالشيخ هنا لم يحكم على الحديث بالاضطراب، مع كونه ورد في رواية بلفظ: (الوجه والكفين)، وفي الأخرى بلفظ: (الأصابع)، لكنه حكم بالاضطراب على أثر عبيدة السلماني بالاضطراب؛ لأنه روي من طريق بلفظ: (العين اليمنى)، وفي أخرى: (اليسرى)، وفي ثالثة: (إحدى عينيه)..!!.

الذي نعلمه أن الغلط في تحديد العين وارد، ومن ثم فلا وجه للحكم على الأثر بالاضطراب.

وانظر بعد هذا إلى كلام الشيخ، وهو يعلق على حديث عبيدة [الرد المفحم 56]:

"وإذا عرفت هذا، فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها، حتى ولو كان شكليا كهذا؛ لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها".

ويقال هنا: على هذا الميزان يجب كذلك إسقاط حديث أسماء؛ لأن العلة ذاتها موجودة فيه ..!!.

مع ملاحظة أن الشيخ أبلغ الجهد في تصحيحه، حتى إنه استغرق قرابة 50 صفحة في الكلام عنه في الرد المفحم [من ص79-127].

3- قال: "ذكره ابن تيمية في الفتاوى (15/371) بسياق آخر يختلف تماما عن السياق المذكور، فقال: "وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره: إن نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن، حتى لايظهر إلا عيونهن، لأجل رؤية الطريق".

يقال: من الواضح أن شيخ الإسلام كان يروي الأثر نفسه، لكن بالمعنى، وليس من طريق آخر، ويحكي تاريخا واقعا، فلا أدري كيف يكون هذا دليلا على ضعف الرواية الأصل وبطلانها؟!!

والعجب أن الشيخ نفسه قد ذكر هذا فقال [الرد المفحم ص56]:

"على أن سياق ابن تيمية ليس شكليا، كما هو ظاهر؛ لأنه ليس في تفسير الآية، وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول، وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في أخبار كثيرة، كما سيأتي في الكتاب بعنوان: (مشروعية ستر الوجه) ص104، ولكن ذلك لا يقضي وجوب الستر؛ لأنه مجرد فعل منهن".

فإذا كان الأمر كذلك، فكيف صار هذا وجها لتضعيف أثر عبيدة السلماني؟!

4- قال: "مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه، فما خالفه مطرح بلا شك".

يقال: تقدم ثبوت أثر ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة، بشهادة الأئمة: أحمد، والبخاري، وابن أبي حاتم، وابن حجر. وهي موافقة تماما لما جاء في أثر عبيدة السلماني، وعليه فلا حجة لهذا الوجه.

وبعد بيان هذه الاعتراضات من الشيخ ـ رحمه الله ـ والجواب عليها، يتبين بوضوح أنه لا حجة في هذه الآية على القول بالكشف. والأمر الملفت للنظر:

تظاهر المفسرين على تفسير الآية بالتغطية، فلا تجد مفسرا صرح فيه بكشف الوجه، وهذا بخلاف ما جاء عنهم في آية الزينة: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، لأمر سنذكره في موضعه.

ويلاحظ أن الشيخ لم يلتفت إلى هذا التظاهرة، وتصريح جماهير المفسرين بدلالة الآية على تغطية الوجه، فلم يذكرها، ولم يتطرق إليها، كما لم يلتفت إلى كلام أهل اللغة، من المفسرين، كالزمخشري وابن حيان، في تفسيرهم الإدناء بالتغطية!!

أنه إذا كانت الآية قطعية الثبوت، وهذا بإجماع المسلمين؛ لأنها من القرآن، والله تعالى حفظه.

وإذا ثبتت قطعية دلالتها على وجوب حجاب الوجه، بما سبق من الوجوه والأدلة.

فنخرج من ذلك: أن الآية محكمة الدلالة، فتكون من المحكمات، التي يصار إليها حين الخلاف، فما عارضها، وكان ثابتا بسند صحيح، بدلالة صريحة على الكشف، فهو متشابه، كأن يكون قبل الأمر بالحجاب، أو لعذر خاص، وحالة خاصة، فيرد هذا المتشابه إلى هذا المحكم، ويفهم في ضوئه، وبذلك ينتفي التعارض، فهذا سبيل التعامل مع المحكمات، لا يصح ولا يجوز تعطيلها لأجل متشابه.

هذا لو كان هذا المتشابه بهذا الوصف من الثبوت والدلالة، فكيف إذا كان باطل السند، كحديث أسماء؟ أو محتمل الدلالة غير قطعي في الكشف، كحديث الخثعمية؟

وهذا حال الآثار التي استدل بها الذين أجازوا الكشف، فحينئذ فلا ريب أن الواجب طرحه، وعدم الالتفات، ولا يجوز بحال تقديمه على نص محكم.

مواد ذات صلة:

الدلالة المحكمة لآية الحجاب على وجوب غطاء الوجه.



--------------------------------------------------------------------------------

* عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.

[1] - الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 11/14.

[2]- يرى الشيخ الألباني، رحمه الله تعالى وأعلى درجته، أن هذا الأثر لا يصح، وأعله بثلاثة أمور: إرسال ابن كعب، فهو تابعي لم يدرك عصر النبوة، وضعف ابن أبي سبرة، والواقدي. [انظر: جلباب المرأة المسلمة 90-91]، والروايات التاريخية قد لا تعامل بالصرامة نفسها، التي تعامل بها الروايات الحديثية. [انظر: السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري1/20]، ثم إن هذا الأثر ليس الوحيد في هذا المعنى، بل الآثار كثيرة.

[3] - البخاري في المغازي، باب: غزوة خيبر.

[4] - قال الإمام أحمد: " إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل"، قال ابن قدامة: " كأنه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها"، وقال الخرقي: "والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها"، قال ابن قدامة: " إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها". [المغني 3/305-306، 1/638]، وقال ابن تيمية: " والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه، جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع، لأن أحمد قال: تسدل الثوب"، قال: " ولأن في مجافاته مشقة شديدة، والحاجة إلى ستر الوجه عامة، وما احتيج إليه لحاجة عامة أبيح مطلقا، كلبس السراويل والخف... ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة، لأن النبي قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا، فمن ادعى تحريم تخميره مطلقا، فعليه الدليل، بل تخصيص النهي بالنقاب وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن، فعلى هذا: يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه، وأن تخمره بالملحفة وقت النوم" [العدة شرح العمدة 2/270-271]، أي أن المرأة ممنوعة من الخمار المفصل المشدود على الوجه المصنوع على قدره، كما يمنع الرجل من السراويل المصنوعة على قدر الأرجل، والقميص المصنوع على قدر البدن، ولعلي أذكر هنا بعض الآثار المتعلقة بهذه المسألة:

عن عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه"، رواه أبو داود في الحج باب في المحرمة تغطي وجهها.

وعن فاطمة بنت المنذر: " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق فلا تنكره علينا" رواه مالك في الموطأ في الحج، باب: تخمير المحرم وجهه.

فهذه الآثار وغيرها صريحة في تغطية الوجه، حال الأحرام، والله أعلم.


[5] - وانظر مزيد كلام في هذه الرواية في كتاب: التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي 1/78

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:49 PM
تطور خطاب دعاة التحرر في قضية المرأة المعاصرة
غازي التـوبة






تناول دعاة التحرر قضية المرأة بالبحث والتحليل، ونادوا بتحريرها، وقد تطور خطابهم خلال القرن الماضي، وسأرصد تطور هذا الخطاب من خلال بعض رموزهم، ثم سأدوّن في النهاية بعض الملاحظات العامة المشتركة حول هذا الخطاب.

قاسم أمين ودعوة تحرير المرأة:

تناول قاسم أمين قضية المرأة في عدة كتب ومقالات، وأبرز ما كتبه عن المرأة كتابان (تحرير المرأة) أصدره عام 1899م و(المرأة الجديدة) أصدره عام 1900م، وقد أثار الكتابان جدلاً واسعاً وما زالا إلى الآن، تحدث فيهما عن عدة أمور مثل التربية، والتمدن، ووضع المرأة المصرية، والاستبداد السياسي، وحال المرأة الغربية... إلخ. ودعا في هذين الكتابين إلى عدة أمور، منها: تغيير الحق الممنوح للرجل في إنهاء الرابطة الزوجية بالطلاق، وتغيير نظام تعدد الزوجات، وتعليم المرأة... إلخ. وقد أشار الدكتور محمد عمارة في كتاب "الأعمال الكاملة لقاسم أمين" إلى مساهمة الشيخ محمد عبده في تأليف كتاب (تحرير المرأة)، وليس من شك بأن قاسم أمين قد أصاب في بعض آرائه التي تحدث فيها عن واقع المجتمع المصري وأخطأ في بعضها الآخر، ولا أريد أن أتعرض إلى الآراء المختلفة التي طرحها الآن بالنقد والتحليل؛ لأن المقام لا يتسع لذلك، ولكني أريد أن أتساءل عن أصل الموضوع وعن أصل المعركة التي أثارها حول المرأة، والتي أسماها (تحرير المرأة)، أريد أن أتساءل عن المبررات الموضوعية لإثارة مثل هذه الضجة وعن الجذور التاريخية لهذه المسألة، وهل كان يقرأ واقع أمتنا أم أنه كان يحاكي واقعاً آخر؟ وهل يمكن فصل قضية المرأة عن بقية قضايا الأمة في النظر والدراسة والحلول؟ وما السمات الخاصة التي ميزت قضية المرأة عن بقية قضايا الأمة؟ وهل أنكر الدين الإسلامي حقوق المرأة؟ وهل حقّر إنسانيتها؟ هل كبّلتها الشريعة حتى ندعو إلى تحريرها؟ لكن الذي يبدو لي -والله أعلم- أن قاسم أمين عندما كتب داعياً إلى تحرير المرأة كان يحاكي واقعاً آخر، هو واقع أوروبا المسيحية في القرون الوسطى، فما الذي كانت عليه أوروبا حتى نشأت فيها قضية مستقلة ذات سمات متميزة هي قضية (تحرير المرأة)؟

كانت تنظر أوروبا إلى المرأة على أنها ينبوع المعاصي وأصل السوء والفجور، وهي باب من أبواب جهنم، وهي التي تحمل الرجل على الإثم والمعصية، وهي سلاح إبليس الذي لا يوازيه سلاح، وعليها أن تكفّر عن خطيئتها ولا تنقطع عن أداء الكفارة أبداً؛ لأنها هي التي جاءت بالشقاء لأهل الأرض، وقد قال ترتوليان "tertullion" أحد أقطاب المسيحية مبيناً نظرية المسيحية في المرأة: "إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله" وكذلك يقول كراي سوستام (chry sostem) الذي يعد من كبار أولياء الديانة المسيحية في شأن المرأة: "هي شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتّاكة".

وكانت تنظر أوروبا المسيحية أيضاً إلى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة على أنها نجس في ذاتها، يجب أن يتجنبها الإنسان، ولو كانت عن طريق نكاح وعقد رسمي مشروع، وجاءت هذه النظرة من الرهبانية التي كانت تدعو إليها المسيحية والتي كانت تمجد حياة العزوبة وتجعلها مقياساً لسمو الأخلاق، وعلامة من علامات التقوى والورع. كما وضعت أوروبا المسيحية المرأة تحت سلطة الرجل الكاملة من الناحية الاقتصادية، وكان كل ما عندها ملك لزوجها، ولم يكن الطلاق والخلع مباحين بحال من الأحوال مهما بلغ البغض والتنافر بين الزوجين، ومهما بلغ الشقاق بينهما، بل كان الدين والقانون يحتمان عليهما دوام العشرة وبقاء حبل الزوجية متصلاً بينهما، وكان من أقبح العار أن يتزوج الرجل أو المرأة ثانية إذا توفي عن أحدهما زوجه، بل هو عند رجال الدين المسيحي من كبائر الإثم، وكانوا يعبرون عن الزواج الثاني بكلمة (الزنى المهذب).

هذه أوضاع المرأة الأوروبية في القرون الوسطى، وهي أوضاع ـ كما رأينا - شاذة ومخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي ظروف استدعت الثورة عليها فقامت حركت (تحرير المرأة).. فهل هناك شيء مشابه لذلك عندنا؟

الجواب: لا؛ لأن القرآن أقر بالخلقة المتساوية بين الرجل والمرأة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)(النساء،1)، ولأن القرآن الكريم بيّن أن كلاً من آدم وحواء تعرضا للوسوسة، ووقعا في الذنب وأكلا من الشجرة، واستغفرا لذنبهما، ولم يحمّل المعصية لحوّاء وحدها، قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف،20-23)، وقد وضّح القرآن الكريم أن الله ساوى بين الذكر والأنثى في الأجر الأخروي وأنه لا يضيع عمل أي منهما فقال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران،195)، وقد بيّن القرآن كذلك أن المؤمنين والمؤمنات يشتركون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) (التوبة،71)، وبيّن الرسول – صلى الله عليه وسلم - ندية النساء للرجال فقال: "إنما النساء شقائق الرجال" إلخ..

لذلك نقول إن الفرق بين واقعنا وواقع الغرب كبير فإن الإسلام أقر بإنسانية المرأة وحقوقها وأهليتها لممارسة كثير من الأعمال الاقتصادية والواجبات الدنيوية، في حين أن الغرب في القرون الوسطى أنكر إنسانية المرأة، بل نظر لها نظرة ازدراء واحتقار وأهمل كثيراً من حقوقها، لذلك كان عليها أن تثور لتسترد إنسانيتها وكرامتها وحقوقها. أما المرأة المسلمة فإننا نعترف بأن حيفاً أصابها لكن هذا الحيف نتيجة أمراض أصابت جسم الأمة بشكل عام، وإذا عوفيت الأمة فإنه يكون من السهل على المرأة نيل حقوقها المقررة لها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، هذا الفرق، الذي تجاهله دعاة التحرر في اختلاف الواقعين، جعل قاسم أمين يضخم بعض الأمور ويعطيها أكثر من حجمها من مثل قوله إن سبب انحطاط الشرق هو الحجاب وسبب تقدم الغرب هو نزع الحجاب! فقد قال بالحرف الواحد: "بل الكل يتفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وأن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب".

ساطع الحصري والفكر القومي العربي:

لا نستطيع أن نتحدث عن تحرير المرأة دون التوقف عند الفكر القومي العربي، فالفكر القومي العربي هو الذي قاد المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وأثّر في مختلف شؤون الأمة: فوجّه التربية والإعلام، ورسم السياسة، وحشد العقول والعواطف، ووجّه الاقتصاد، وقنّن التشريع... إلخ. ثم ازداد تأثيره بعد الحرب العالمية الثانية. ويعتبر ساطع الحصري رائد الفكر القومي العربي بدون منازع، لذلك يعتبر أنسب مفكر يمكن أن نرصد من خلاله خطاب الفكر القومي العربي في قضية المرأة.

لقد ألّف "ساطع الحصري" عدة كتب عن القومية بشكل عام وعن القومية العربية بشكل خاص، واعتبر أن الأمة تقوم على عاملين: هما اللغة والتاريخ، واعتبر أن اللغة روح الأمة، والتاريخ ذاكرتها، وكان الحصري في اعتباره عنصري اللغة والتاريخ أساس تشكيل الأمم معتمداً على النظرية الألمانية، ولم يكن الحصري منظّراً قوميّاً فحسب، بل كان تربوياً، عمل في صياغة المناهج التربوية وتأليف الكتب المدرسية ووضع الخطط التربوية وإدارة المعاهد التربوية أثناء فترة مكوثه في استامبول وبغداد ودمشق، ثم عمل أخيراً في الجامعة العربية في القاهرة وفي معهد التربية العالي ثم أنشأ متحف الثقافة العربية ثم أنشأ معهد الدراسات العربية العالمية، ومع كل هذا الإنتاج الغزير في التربية لا نجد له كتاباً عن المرأة يتحدث فيه عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ولا عن مشاكلها، ولا عن تصور لبعض ما تعانيه ولا عن حلول لهذه المشاكل، والشيء المفاجئ أن مفكراً قومياً بارزاً آخر هو "قسطنطين زريق" ليس له كتاب مخصوص عن المرأة مع أنه اشتغل وألّف في التربية بمقدار ما ألّف في الفكر القومي، والسؤال الآن:

لماذا لم يؤلف ساطع الحصري وقسطنطين زريق أي كتاب عن المرأة؟
الجواب: أن ذلك يعود إلى الفقر الثقافي للفكر القومي، وسطحية تحليله لواقع أمتنا، وعدم موضوعيته في النظر إلى مسيرة الأمة، ويؤكد ذلك أن الدراسة الموضوعية لواقع أمتنا تبيّن أنها قامت على عنصرين آخرين غير اللذين تحدّث عنهما ساطع الحصري وهما: القرآن والسنة، ومما يؤكد ذلك أننا نرى أثرهما في مختلف مجالات حياة الأمة من عقائد وعادات وتقاليد وتطلعات وآمال وسلوك وفنون... إلخ، فهما اللذان شكّلا ثقافة الأمة، وهما اللذان رسما تصورها عن الكون والحياة والإنسان، وهما اللذان وضعا قواعد مشاعرها، وهما اللذان دفعاها إلى المزاوجة بين عمارة الدنيا والتطلع إلى الآخرة، وهما اللذان أسسا عاداتها وتقاليدها، وهما اللذان ساهما في إنشاء أوقافها الغنية، وهما اللذان شكّلا منظومتها الأخلاقية، وهما اللذان كوّنا مصدر تشريعاتها، وهما اللذان رسّخا قواعد الأسرة فيها، وهما اللذان رسما ملامح فنونها، وهما اللذان وضعا أسس اقتصادها، وهما اللذان صاغا بناءها النفسي، وهما اللذان كوّنا بناءها العقلي... إلخ.

ومن الصعب أن نفهم العنصرين اللذين جعلهما ساطع الحصري والفكر القومي العربي الأصل في بناء الأمة وهما: اللغة والتاريخ، إلا في ضوء القرآن والسنة، فقد كانت هناك عدة لهجات عربية في الجزيرة العربية قبل نزول القرآن الكريم، وكان يمكن أن تتطور كل لهجة لتكون لغة مستقلة، وبالتالي كان يمكن أن تنشأ عدة لغات عربية في الجزيرة العربية نتيجة وجود اللهجات المختلفة للقبائل، لكن القرآن الكريم عندما كتب بلسان قريش، جعل الديمومة والهيمنة لهذه اللهجة على غيرها من اللهجات مما أنشأ لغة عربية واحدة وقضى على إمكانية نشوء عدة لغات عربية، وقد أكد عثمان رضي الله عنه هذا المعنى عندما قال للرجال الذين نسخوا عدة نسخ من المصحف الذي كان موجوداً عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وأرسلها إلى مختلف الأمصار، عندما قال لهم : "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم" (رواه البخاري).

ثم إن الرعاية التي رعاها المسلمون للغة العربية كانت انطلاقاً من ظروف دينية، فعندما وضع أبو الأسود الدؤلي قواعد النحو وأتم ذلك سيبويه في مصنفه "الكتاب"، وعندما نقّط حروف العربية وشكّلها كلٌّ من أبي الأسود الدؤلي ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم الليثي، وعندما وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي أصول معاجم اللغة، وعندما جمع العلماء مفردات اللغة ومعانيها في معاجم لغوية، إنما قاموا بكل تلك هاتيك الأعمال من أجل إبعاد التحريف واللحن عن آيات القرآن الكريم، ومن أجل فهمهما الفهم الصحيح.

ومما يؤكد الدافع الديني وراء تلك الخدمات الجلّى التي قدّمها أولئك الرجال النوابغ الذي ألممنا بذكر طرف بعض منهم وأغفلنا في الوقت نفسه الكثير، مما يؤكد الدافع الديني وراء جهودهم أن قسماً كبيراً منهم ليسوا عرباً وليس لسانهم العربية، إنما اهتموا بالعربية وأفرغوا جهودهم للمحافظة عليها وضبط ألفاظها انطلاقاً من دينهم وإسلامهم.

أما التاريخ وهو العنصر الثاني من عناصر تكون الأمم حسب قول الحصري فمرتبط بالقرآن والسنة، فقد ثار الصراع بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركين في الجزيرة العربية حول حقائق القرآن والسنة، وقامت الأمة بالفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين من أجل نشر الإسلام القائم على القرآن والسنة، ونشأت الفرق الدينية والسياسية نتيجة الاختلاف حول أحكام القرآن والسنة، وقامت الدول المتعددة من أجل خدمة القرآن والسنة، ونشأت العلوم من أجل المساعدة في استنباط الأحكام من القرآن والسنة ومن أجل إثبات الحقائق التي تحدث عنها القرآن والسنة، ونشأت مؤسسة الحسبة لتنفيذ حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المقرّر في القرآن والسنة... إلخ.

ماذا كانت نتيجة هذا الفقر الثقافي، وسطحية تحليل واقع الأمة، وعدم الموضوعية في النظر إلى مسيرة الأمة، واستبعاد الإسلام من عوامل تكوين الأمة إزاء قضية المرأة؟

كانت النتيجة انفتاح باب التغريب على مصراعيه أمام المرأة العربية المسلمة بصورة لم نعهدها من قبل، وولوجها له، وأصبحت قيم المرأة الغربية وعاداتها وتقاليدها هي الرائجة، وصدرت تشريعات تقنن ذلك في بعض البلاد العربية، ومنها تشريعات توجب عليها خلع الحجاب وزاد الأمر سوءاً في المرحلة الاشتراكية حيث اعتبر الدين الإسلامي العامل الرئيسي في التخلف والانحطاط والهزيمة لذلك يجب اقتلاعه من حياة الناس ووجودهم، واعتبرت الاشتراكية على لسان "انجلز" ستر العورة طريقة صريحة لامتلاك النساء، واعتبرت كذلك بأن ولادة الحجاب جاءت مترافقة مع ولادة الملكية الفردية، لذلك سينتهي الحجاب عند انتهاء الملكية الفردية، وستعود العلاقات الجنسية مشاعة كما كانت في المجتمع القديم: كل النساء لكل الرجال.

الدكتور محمد شحرور وبعض آرائه في قضية المرأة:

لقد دعا الدكتور "محمد شحرور" في كتابه (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة) الذي صدر عام 1990م إلى فقه جديد في مجال المرأة، وفهم جديد للقرآن الكريم، لكن ما يهمنا الآن آراؤه المتعلقة بالمرأة فقد تحدث عن تعدد الزوجات، والإرث، والمهر، ولباس الرجل والمرأة وسلوكهما الاجتماعي، والعلاقة العائلية بين الرجل والمرأة، وحق العمل السياسي، وعقدة النكاح، والطلاق، والعلاقة بين الرجل والمرأة... إلخ.، ففي مجال تعدد الزوجات دعا محمد شحرور إلى أن تكون الزوجة الثانية من الأرامل مع التكلف برعاية أولادها، وفي مجال الإرث دعا شحرور إلى المساواة بين الرجل والمرأة، وفي مجال العورة اعتبر شحرور أن الزينة الظاهرة في قوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور،31) هي الزينة الظاهرة من جسد المرأة بالخلق، أي ما أظهره الله ـ عز وجل - في خلقها كالرأس والبطن والظهر والرجلين واليدين، واعتبر أن الزينة التي يجب أن تخفيها هي الجيوب وهي: ما بين الثديين وتحت الثديين وتحت الإبطين والفرج والإليتين، وهذه الجيوب هي العورة، لذلك إذا ظهرت البنت أمام والدها عارية فهذا ليس حراماً بل عيباً فقط، واعتبر أن تغطية الوجه خروج عن حدود الله.

والسؤال الآن: ما المنهج الذي اتبعه الدكتور محمد شحرور في إصدار أحكامه تلك؟

اعتمد الدكتور شحرور على المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ، ومال إلى نظرية أبي علي الفارسي التي تقول بعدم وجود ترادف في اللغة، والتقى الدكتور شحرور في هذا المنهج مع المعتزلة الذين قالوا بأن المعني الشرعي لأي لفظ تحدده اللغة؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وأن الله أنزل الأنبياء والرسل بلسان أقوامهم؛ لكي يبينوا لهم، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم،4) فأوقعهم هذا المنهج في أخطاء متعددة، أبرزها حصرهم معنى الكلمة الشرعي بالمعنى اللغوي وحده، وقد ردَّ بعض علماء الأمة عليهم معتمدين على المنهج الديني في النظر إلى هذه الألفاظ، فبيّنوا أنّ بعض الألفاظ مثل: الزكاة، الإيمان، الوضوء، الإسلام، الشرك، الصلاة، الكفر... إلخ. نقلها الشرع من معناها اللغوي وأعطاها معنى آخر، فأصبحت مصطلحاً محدّداً وضّحه القرآن والسنة توضيحاً كاملاً، فمثلاً لفظ الإيمان يعني لغة: التصديق؛ لقوله تعالى: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا) (يوسف:17) بمعنى: وما أنت بمصدّق لنا، لكنه يعني في الشرع: الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، ويعني الإيمان بالله بصفاته التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وكذلك قل بالنسبة لبقية الأركان التي دخلت في مسمّى الإيمان، وقد أجمل بعض علمائنا تعريف الإيمان فقالوا: الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان.

وقد نتجت فروق رئيسية بين الإيمان عند المعتزلة وعند أهل السنّة نتيجة الخلاف في منهج التعامل مع كلمة الإيمان، أبرزها: إدخال أهل السنّة العمل في مسمّى الإيمان، وبالمقابل عدم إدخال المعتزلة له. فشتان ما بين الإيمان لغة واصطلاحاً.

وكذلك الصلاة في اللغة تعني الصلة والدعاء، لكن الصلاة في الشرع أصبحت مصطلحاً يدل على أعمال منها: القيام، والركوع، والسجود، وقراءة الفاتحة، والتسبيح... إلخ. ويجب أن يسبق تلك الأعمال شروط، منها: طهارة البدن، وطهارة الثياب، وطهارة المكان، ودخول الوقت... إلخ.، ويجب أن يرافق ذلك أعمال قلبية، منها: الخشوع، والاطمئنان، والتعظيم، والتذلّل... إلخ. فشتان ما بين الصلاة لغة واصطلاحاً.

إذن.. اعتمد الدكتور محمد شحرور بشكل عام على المنهج اللغوي في تحديد معاني الألفاظ الشرعية، لكنه زاوج في تحديد معاني بعض الألفاظ بين المنهج اللغوي وبعض العلوم الرياضية والاقتصادية والفلسفة، فهو اعتمد في توضيح معنى الحد الشرعي كحد السرقة والزنا والحرابة على المعنى اللغوي لكلمة الحد وعلى مفهوم "التوابع المستمرة" في نظرية نيوتن، كما اعتمد على ديالكتيك هيجل في رسم نظرية للمعرفة الإسلامية.

الدكتور نصر حامد أبو زيد وكتابه الجديد حول المرأة:

نشر الدكتور نصر حامد أبو زيد كتاباً تحت عنوان "دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة" عام 1999م، وتناول فيه عدة موضوعات متعلقة بالمرأة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، وأبرز الموضوعات التي تحدثت عن المرأة بشكل مباشر هي: حقوق المرأة في الإسلام، والإسلام والديمقراطية والمرأة، والمرأة والأحوال الشخصية، وتعرض في هذا الكتاب – أيضاً - بالنقد لخطاب النهضة، وللخطاب الديني في مجال المرأة، ولقضايا متعددة أخرى.

وقد اعتبر الدكتور أبو زيد عند دراسته لآية تعدد الزوجات أنها آية تشريع مؤقت لمعالجة موقف طارئ، وبناء عليه يدعو إلى أن تقنن الدولة تشريعات تلزم المسلمين بالزواج من واحدة، كما يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في حق طلب الطلاق، كما يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، كما يدعو إلى اعتبار شهادة المرأة مثل شهادة الرجل على الإطلاق، كما يعتبر أن كل هذه الضجة المفتعلة حول الحجاب لا تستحق كل الجهود المبذولة في مناقشتها، ويعتبر أن انتشار الحجاب في السنوات الأخيرة كان رد فعل على الهزائم التي وقعت سواء حرب 1967م أو حروب البوسنة والهرسك، وهو يعتبر أن مفهوم العورة ليس مفهوما كلياً ثابتاً في وعي الجماعة البشرية، لذلك ينتهي من خلال النظر في السياق القرآني أن العورة هي الأعضاء الجنسية فقط بالنسبة للأحياء، وهي جثة الشخص الميت. ويمتدح نصر حامد أبو زيد قانون الأحوال الشخصية الذي صدر في تونس عام 1957م، والذي يقنن معظم الأمور السابقة مثل: منع الزواج من ثانية ووضع العقوبات على ذلك بالحبس لمدة سنة وبغرامة مالية أو بإحداهما، وربط الطلاق بالقاضي، وجعل شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل بعد بلوغ سن العشرين، وجعل ميراث المرأة مثل ميراث الرجل، وإقرار التبني وحصول المُتبنّى على ميراث مساو للابن الشرعي.

علام استند الدكتور أبو زيد في كل الأحكام السابقة التي أصدرها أو التي امتدحها؟ وما المنهجية التي حكمت إصدار آرائه؟

اعتباره القرآن الكريم نصاً تاريخياً ودعوته إلى ضرورة فهم النصوص في سياق إنتاجها الاجتماعي والتاريخي.

سأمثل على منهج الدكتور أبو زيد في كيفية تطبيقه القاعدة السابقة بحديثه عن الآية الكريمة: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (النساء،11)، فقد علّل الدكتور نصر حامد أبو زيد الحكم السابق الوارد في الآية السابقة بأن الواقع الذي يخاطبه الوحي ويتوجه إليه النص يقوم على الاعتداد بعلاقات الدم والنسب الأبوية على وجه الخصوص، إنه مجتمع العصبية الذكورية، وهو من جهة أخرى مجتمع يقوم على الصراع على منابع المياه والكلأ. في مثل هذا المجتمع يتحدد دور الأنثى ومكانتها في الخلفية، لذلك عندما أعطاها الوحي نصف حظ الذكر اعتبرت هذه الخطوة تقدمية؛ لذلك علينا أن نمضي في السياق نفسه وبعد مرور أربعة عشر قرناً على ذلك الحكم، فنجعل الآن ميراث المرأة مساوياً لميراث الرجل.

ويمكن أن نعلق على دعوته تلك بالأمور التالية:

1- إن المرأة التي أعطاها الشرع نصف حظ الرجل في الميراث، إنما أعطاها ذلك وهي ليست مسؤولة عن الإنفاق في كل أحوالها، سواء أكانت بنتاً أم زوجاً أم أمّاً.

2- يعتبر الشرع أن مؤسسة الأسرة ثابتة، وهي المؤسسة التي يجب أن تقوم من خلالها علاقة الرجل بالمرأة، والذكر بالأنثى، لذلك يفترض الشرع أن تبقى هذه النسبة ثابتة.

3- إن ظلم المرأة وإنصافها لا يكون المؤشر الحقيقي عليه تعديل نصيبها في الميراث، بل في جملة التوجيهات والقيم والمبادئ التي رافقت نشأتها ووجودها وتربيتها وحقوقها والتي حفلت بها آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة المشرفة، وهي التي نعرفها ويعرفها الدكتور أبو زيد وأشار لها في كتابه "دوائر الخوف".

4- إن المرأة التي أعطاها الشرع نصف حظ الذكر تحصل في بعض حالات توزيع الميراث أكثر مما يحصل عليه الذكر.

اعتبر نصر حامد أبو زيد الألفاظ مثل: الملائكة والجن والشياطين والسحر والحسد... إلخ. ألفاظاً مرتبطة بواقع ثقافي معين، ويجب أن نفهمها على ضوء واقعها الثقافي، واعتبر أن وجودها الذهني لا يعني وجودها العيني، وقد أصبحت ذات دلالات تاريخية، ويمكن أن نفهمها الآن على ضوء واقعنا الثقافي الجديد وهو يعتمد في كل ما يروج له على نظرية عالم اللغة دي سوسير.

وفي الرد على الدكتور أبي زيد نسأل: لماذا اعتبر الدكتور أبو زيد تلك الألفاظ ذات دلالات تاريخية؟ وهل نفى العلم بشكل قطعي وجود حقائق عينية لتلك الألفاظ حتى نعفي عليها ونعتبرها ألفاظاً لا حقائق لها وذات وجود ذهني فقط؟ لم نسمع بذلك حتى الآن. وإنني أدعو الأخ المسلم إلى تصوّر وتخيّل وتقدير الاضطراب الذي سيصيب ديننا عندما نفسر الألفاظ حسب الثقافة الموجودة في كل مرحلة تاريخية.

اقترح الدكتور أبو زيد منهجاً جديداً لاستنباط الأحكام من النصوص الدينية سمّاه "منهج القراءة السياقية" وهو في اقتراحه ذلك متأثر ببعض العلوم اللسانية التي أنتجتها الحضارة الغربية، ويقوم ذلك المنهج على النظر إلى مجمل السياق التاريخي والاجتماعي لنـزول الوحي وهو القرن السابع الميلادي، والتمييز في إطار التشريعات والأحكام بين ما هو من إنشاء الوحي أصلاً وبين ما هو من العادات والأعراف الدينية والاجتماعية السابقة على الإسلام، وهناك مستويات أخرى عديدة للسياق يجب مراعاتها في المنهج المقترح ومنها السياق الوصفي والسياق السجالي، المهم أنه ينتهي من كل ذلك إلى أحكام جديدة، منها أن القوامة الواردة في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) (النساء،34) وقول أم مريم عليها السلام باختلاف الذكر عن الأنثى في قوله تعالى: (ولَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) (آل عمران،36) ليست تشريعاً بمقدار ما هي وصف للحال.

ملاحظات عامة على آراء دعاة التحرر في قضية المرأة المعاصرة:

يعتبر دعاة التحرر المرأة الغربية نموذجهم المحتذى، وهم عندما يفعلون ذلك يبرزون الجوانب الإيجابية في قضية المرأة الغربية ويغفلون الجوانب السلبية ـ التي ربما تكون أكثر بكثير من الجوانب الإيجابية ـ من مثل: تحطيم الأسرة، وكثرة الطلاق، والعلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج، وتفشي اللواط والسحاق، وكثرة الولادات غير الشرعية، واتخاذ بعض الأزواج خليلات لهم بمعرفة المجتمع وإقراره...إلخ، ويغفلون كذلك عن تطورات الحضارة الغربية التي لم تقف عند العلمانية الجزئية التي تعني فصل الدين عن الدولة، وهي صفة تقبل الحضارة الغربية أن تتعايش الدولة مع قيم إنسانية ودينية وأخلاقية مطلقة مادامت لا تتدخل في عالم السياسة بالمعنى المباشر والمحدّد، وقد ساد هذا الاتجاه لفترة من الزمن، لكن حدثت تحولات تاريخية حوّلت العلمانية الجزئية إلى علمانية شاملة أودت بالإنسان كمقولة مستقلة عن عالم الطبيعة وبدأت هذه العملية بانفصال المجال الاقتصادي عن القيم الأخلاقية والدينية والإنسانية، وأصبح يحكم على عالم الاقتصاد بمقدار ما يحققه من الأهداف الاقتصادية بغض النظر عن أية قيمة دينية وأخلاقية وإنسانية، ثم شملت عملية الانفصال بقية المجالات الحياتية: السياسة والعلم والحب والجنس... إلخ. فيحكم على نجاح العلم أو فشله بمقدار ما يحقق من أهداف علمية محضة مثل مراكمة المعلومات وإجراء التجارب الناجحة، بعيداً عن أية قيم أخلاقية وإنسانية ودينية، ويتحرر الجنس من سائر المعايير والقيم ليستمد معياريته من ذاته، ويحكم على مقدار نجاحه أو فشله بمقدار ما يحققه من أهداف جنسية محضة، مثل اللذة، خارج أي نطاق اجتماعي أو أخلاقي. إذن انتهت العلمانية الشاملة لا لتفصل الدين عن الدولة فقط، وإنما لتفصل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية جميعها عن الدولة وعن جوانب الحياة العامة والخاصة كافة، أي أنها تفصل سائر القيم عن الطبيعة والإنسان وتنـزع عنهما أية قداسة، فكلاهما مكتف بذاته، ومرجعية لذاته.

يطعن دعاة التحرر في الفترة الأخيرة في أدوات الاجتهاد التي تساعد على استنباط الأحكام من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، من مثل: علوم أصول الفقه، وعلوم القرآن الكريم، وعلوم اللغة العربية... إلخ، وقد وصفها الدكتور حامد نصر أبو زيد بأنها علوم بائسة، ورفض الدكتور محمد شحرور التعامل معها منذ البداية واخترع أدوات خاصة به، ولا يتسع المقام الآن لاستعراض طعونهم والرد عليهم، ولكن نتساءل: لماذا يطعنون بها وهي العلوم التي تدل على عبقرية هذه الأمة؟ أيطعنون بها لأنها لم تساعدهم على إقرار التأويلات والمعاني التي يريدون أن يفرضوها على الدين والمسلمين؟ نحن يمكن أن نقرّهم فيما يذهبون إليه في حالة واحدة عندما يثبتون بالدليل والبرهان عجز هذه الأدوات عن استنباط المعاني بالصورة الصحيحة والسليمة، وطالما أنهم لم يفعلوا ذلك مسبقاً، فإن طعنهم فيها وتجاوزها يدخل في إطار الهدم والتخريب. ليس معنى ذلك أننا نرفض أي تطوير لها أو استفادة من علوم الغرب اللسانية في تطويرها، فذلك ما نقره وندعو إليه؛ لأن التطوّر سنّة الحياة، وهو ما حدث خلال القرون السابقة، فهي لم تكن مقننة أصلاً ووجدت متتالية في عهود وأزمان مختلفة، فبدأت بعلم النحو، وعلم الصرف، وعلوم البيان، والبديع والمعاني، مروراً بعلم فقه اللغة، وأصول الفقه، وانتهت بعلم مقاصد الشريعة، لكن الذي نرفضه هو التجاوز النهائي، والطعن فيها دون حجة علمية وبرهان علمي.

يدعو دعاة التحرر إلى أن نفهم النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة التي جاءت في مجال الزواج والطلاق والشهادة والميراث والعورة واللباس... إلخ.. فهماً جديداً على ضوء واقعنا الجديد، وأن لا نقف في فهمها عند العصر الذي نزلت وهو القرن السابع الميلادي، ويبرّرون ذلك بأن هذه النصوص هي نصوص لغوية نزلت في حقبة تاريخية معينة، وعندما يقف دعاة المحافظة في فهم تلك النصوص عند مستوى معيّن، فليس ذلك رغبة في الجمود وإنما نتيجة فهم لطبيعة النفس البشرية التي تحتوي على جوانب ثابتة من مثل: علاقة التجاذب بين الذكر والأنثى، وعبادة الله، وحب التملك... إلخ. فجاءت الشريعة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة توازي الثبات في النفس البشرية كالنصوص التي تتعلق بالزواج والطلاق والميراث... إلخ. وكالنصوص التي تبين صفات الله وتدعو إلى عبادته وتحدد صور العبادة، وكالنصوص التي تبيح التملك وتقرّه... إلخ.

والسؤال الذي يرد في هذا المجال هو: من أين جاءت كل هذه الضجة المفتعلة حول النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة؟ جاءت من نسبية الحقيقة التي تقوم عليها الحضارة الغربية، والتي تتصادم مباشرة مع النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة، فيجب إذن تطويع هذه النصوص وتفسيرها تفسيراً يخرجها عن ثباتها لتصبح متفقة مع نسبية الحقيقة التي تقوم عليها الحضارة الغربية.

وإنني أختم ورقتي بعبارة لبرنارد لويس وهو مستشرق إنكليزي يهودي قارب الثمانين من عمره، وهو مختص بشؤون العالم العربي والإسلامي والشرق الأوسط، ويقيم الآن في أمريكا، وطُلب منه أن يكتب عن رأيه في مستقبل الشرق الأوسط، قال: "سنحسم التغريب في الشرق الأوسط من خلال ثلاثة عوامل: إسرائيل وتركيا والمرأة".

وأنا أقول له: أخطأت التقدير، فإن المرأة العربية المسلمة أكثر ارتباطاً مما تظنّ بقيم أمتها ومبادئ شريعتها، وخير دليل على ذلك دور المرأة الأساسي في الصحوة التي أفشلت مخططات التغريب في القرن العشرين، وسيكون لهذه المرأة العربية المسلمة - بإذن الله - دور أساسي في إفشال التغريب في القرن الحادي والعشرين.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:50 PM
نفقة الزوجة.. حدودها وصورها
نوال الطيار






نفقة الزوجة حق شرعي لها، واجبٌ على زوجها، تعرضه الباحثة ـ التي سبق لها نشر بحث "نفقة الزوجة العاملة" - وفق منهج البحث العلمي مجموعة من العناصر الشاملة لمفردات موضوع النفقة من الناحية الفقهية، فتعرض التعريف بأنواعه، والصور التي تشملها النفقة، ومن ثم تسرد أدلة المشروعية والتي تضم جميع أنواع الأدلة المتفق عليها لدى جمهور الأصوليين مع بيان وجه الدلالة من كل دليل، ثم تختم البحث بالشروط الواجب توفرها لثبوت النفقة على الزوج.. وهي بذلك تكون قد سارت على المنهج الفقهي، المقتصر على التعليل والتدليل، دون ذكر الِحكم والتوجيهات التربوية والأخلاقية التي لا تشمل منهج البحث الفقهي، عناصر البحث:

o تعريف النفقة

o ما تشمله نفقة الزوجة.

§ أولاً : الطعام.

§ ثانياً: الكساء.

§ ثالثاً: المسكن.

§ رابعاً: الخادم.

§ خامساً: العلاج.

o أدلة مشروعية نفقة الزوجة.

§ أولاً: الأدلة من الكتاب.

§ ثانياً: الأدلة من السنة النبوية.

§ ثالثاً : الإجماع.

§ رابعاً: المعقول.

o شروط وجوب نفقة الزوجة.



تشتمل مادة (نفق) على حروف النون والفاء والقاف على أصلين صحيحين.

1-مصدر مأخوذ من النفوق، يقال: نفق الفرس، والدابة، وسائر البهائم، ينفق، نفُوقأ، أي: ماتت، وفي حديث جابر بن سمرة: فأبى، فنفقت.."(1) الحديث، أي: ماتت.

2-مصدر مأخوذ من الإنفاق، وهو صرف المال وفناؤه، ومنه قوله تعالى{إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق}(2). أي: خشية الفناء والنفاد(3).

3-مصدر مأخوذ من النفاق، يقال: نفق البيع نفاقاً، أي راج، ونفقت السلعة، أي: غلت ورغب فيها. ونفقة الزوجة والأقارب والمماليك مأخوذة من هذا الأصل، فالنفقة: ما أنفقت واستنفقت على نفسك وأولادك(4).

مأخوذ من النفق، وهو السرب في الأرض له مخلص إلى مكان ومنه قوله تعالى: {فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض..}(5) الآية

والنفق في الأرض: المدخل وهو السرب(6) والجمع أنفاق، والنفقة، والنّافقاء: جحر الضب.

ومن هذا الأصل اشتقاق النفاق، لأن صاحبه يخفي خلاف ما يظهر، فكأن الإيمان يخرج، أو هو يخرج من الإيمان في خفاء، لذا فالأصل في الباب واحد وهو الخروج(7).

النفقة في اصطلاح الفقهاء:

اختلفت آراء الفقهاء – رحمهم الله – في تعريف النفقة،

لكن لعل أقربها إلى الصواب ما ذكره علماء الحنابلة، وهي أن النفقة:

"كفاية من يمونه خبزاً وأُدماً وكسوة وسكنى وتوابعها"(8).

1-كفاية: بيان بأن الواجب بالنفقة هو قدر الكفاية للمنفق عليه، ويخرج ما زاد عن الضرورة والحاجة فلا تسمى نفقة وإنما هي من باب التبرعات والهبات.

2-من يمونه: بيان لمن تشمله النفقة من زوجة أو قرابة ومن في حكمهم.

3-خبزاً وأدما وكسوة وسكنى: بيان لأنواع النفقة، وهي الحاجات التي لا يقوم حال الإنسان إلا بها.

4-وتوابعها: بيان لتوابع النفقة كثمن الماء، وتكاليف الوقود ونموهما.

العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

بالنظر إلى المعنى اللغوي والاصطلاحي للنفقة، فيظهر بينهما عموم.

وخصوص، فاللغوي عام في الإخراج، والمعنى الاصطلاحي خاص بإخراج كفاية من يمونه في حال الحياة، لذا فيكون التعريف الاصطلاحي للنفقة أخص من التعريف اللغوي.

لما كانت النفقة من ضروريات حفظ الحياة، وبها يقوم حال المنفق عليه، فقد أوجب الله تعالى للزوجة ما يقوم به حالها من مستلزمات الحياة الضرورية، وهي:

للزوجة على زوجها قدر الكفاية، لقول الله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}(9)، والمعروف هو: قدر الكفاية. ولقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لهند بنت عتبة رضي الله عنها: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(10)، فذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم الإنفاق مطلقاً دون تقييد ولا تحديد ورده للعرف(11).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية(12): "الصواب المتطوع به ما عليه الأمة علماً وعملاً، قديماً وحديثاً، أن تأخذ الزوجة قدر الكفاية، ولم يقدر لها نوعاً ولا قدراً، ولو تقدر ذلك بشرع أو غيره لبين القدر والنوع، كما بين فرائض الزكاة والديات".

الكساء الواجب للزوجة هو الكساء الكامل الكافي لها بحسب العرف، وهو ما جرت به العادة في البلد من ثياب البدن بلا تقتير أو إسراف.

وهو مقدر بكفايتها، لأن الشرع أوردها غير مقدرة، وليس لها أصل يرد إليه، فيرجع في عددها وقدرها إلى العرف(13).

لما كانت حاجة الزوجة قائمة للإيواء، وحفظ النفس والمتاع، فقد جعل الله تعالى سكنى الزوجة حقاً من حقوقها، على أنه يشترط فيه ما يلي:

1-أن يكون على قدر حالهما يسارا أو إعسارا(14).

2-أن يكن المسكن آمناً، بحيث تأمن على نفسها فيه، كإسكانها بين جيران صالحين(15).

3-أن يسكن الزوج زوجته في دار مفردة ليس فيها أحد من أهله، وقد اختص علماء الحنفية(16) والمالكية(17) بهذا الشرط وزاد المالكية أنه خاص بالشريفة.

وبناء على هذا القول فإذا اشترطت الزوجة على الزوج عند العقد أن تكون في بيت مستقل، فيتعين الوفاء بهذا الشرط لخبر "المسلمون على شروطهم"(18) وأما إذا لم تشترط عليه فالعرف جار على إسكانها مع أهله دون نكير. والله أعلم.

ذهب جمهور الفقهاء على أنه يجب على الزوج أن يخدم زوجته إذا كانت مريضة عاجزة عن القيام بأمور نفسها، وكذلك إذا كانت غير مريضة ولكنها ممن لا يخدم نفسه في العرف، بأن كان لها خادم في بيت أبيها، فإن على زوجها في هذه الحال إخدامها بخادم واحد لا يزاد عليه، وذهب أبو يوسف إلى أن لها أكثر من خادم إذا كانت ممن يستحق ذلك في العرف.

فإذا كانت معافاة وهي ممن يخدم نفسه في العرف، لم يجب عليه إخدامها، لأن العرف في حقها خدمة نفسها(19).

ذهب الأئمة الأربعة(20) على أن العلاج لا يجب على الزوج لزوجته، ولكنه واجب عليها في مالها، فإذا لم يكن لها مال وجب على من تجب عليه نفقتها لولا زوجها كالأب والأبن، لأن الواجب على الزوج النفقة العادية، وهذه نفقة طارئة فلا تجيب عليه. لكن هناك من قال بوجوب تكفل الزوج بنفقات علاج الزوجة وهو قول لبعض علماء الحنفية وبعض علماء المالكية(21) وهو الراجح – إن شاء الله – للأدلة التاليــة:

1-أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لهند بنت عتبة "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وهنا أمر بأخذ الكفاية بلفظ عام، باعتبار لفظ ما، ومن كفايتها: القيام بعلاجها.

2-قوله ـ صلى الله عليه وسلم -: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"(22). فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – برزق الزوجات، وهو لفظ عام، ومن الرزق: القيام بعلاجها.

3-لأن علاج الزوجة مراد لحفظ الروح، فكأن شبيها بالنفقة(23).

4-لأن الحاجة إلى الدواء والعلاج أشد من الحاجة إلى المأكل والمشرب، فإذا وجبت النفقة وجب الدواء وهو أولى.

5-لأنه ليس من مكارم الأخلاق التخلي عن الزوجة في حال مرضها، حيث لا يخلوا حالها من أن تكون غنية فتستطيع القيام بأمر نفسها، وإما فقيرة لا مال لها، فمن أين لها المال لعلاج نفسها، هل من إكرامها ردها لأهلها ليداووها وقد قال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}(24) ومن تمام الأخلاق القيام بعلاجها.

لقد ثبت وجوب النفقة للزوجة بالكتاب العزيز والسنة المطهرة والإجماع والمعقول.

1-قال الله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}(25).

أمر الله – عز وجل – بنفقة وسكنى المطلقة المعتمدة، فيجب لمن هي في صلب النكاح بطريق الأولى(26).

2-قال الله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}(27).

3-قال الله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}(28).

فرض الله تعالى فرائض للزوجات وما ملكت الأيمان، ومن تلك الفرائض النفقة(29).

4-قال الله تعالى: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(30).

خص الله تعالى وجوب النفقة في حالة الولادة وهي تتشاغل بولدها عن استمتاع الزوج، ليكون ذلك أدل على وجوبها عليه في حال استمتاعه بها"(31).

1-قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".

2-عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال" "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"(32).

3-قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".

اتفق أهل العلم – رحمه الله تعالى – على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن البالغين إلا الناشز منهن، والممتنعة عن الطاعة، أو من حبس زوجها بدعوى منها"(33).

أن الزوجة محبوسة المنافع عليه، وممنوعة من التصرف لحقه في الاستمتاع بها، فوجب عليه مؤنتها من طعام وكسوة وسكنى، لقول – صلى الله عليه وسلم –: "الخراج بالضمان"(34) كالعبد الموقوف على خدمة السيد، وكما يلزم الإمام في بيت المال نفقات أهل النفير، لاحتباس نفوسهم على الجهاد"(35).

يشترط لوجوب نفقة الزوجة على زوجها ما يأتي:

1-أن يكون عقد زواجهما صحيحاً.

فإذا كان عقد النكاح فاسداً كالعقد بلا شهود، أو كان باطلاً كالعقد على المجوسية والمرتدة ومن لا دين لها، لم تجب النفقة لها على العاقد مطلقاً؛ لأن سبب وجوب نفقة الزوجة على زوجها عامة الاحتباس، ولا احتباس على المعقود عليها فاسداً، أو باطلاً، لوجوب التفرق عليهما، فلا تجب النفقة لها عليه لذلك.

وهذا الشرط محل اتفاق بين أهل العلم(36).

2-أن تسلم المرأة نفسها لزوجها أو وليها.

وذلك لأن مقصود النكاح لا يتم إلا بالتسليم، ويحصل ذلك بأن تصرح أو يصرح الولي باستعدادهما للتسليم، أو أن يظهروا بما يجري به العرف.

وكذا أن يطلب الزوج التسلم بدون ممانعة، أما إذا رضي الزوج ببقاء الزوجة عند أهلها فهذا في حكم التسلم، لأن فوت حقه في الاحتباس باختياره.

أما لو تساكتا، ومضت مدة معتبرة أو امتنعت الزوجة أو الولي من التسليم، فلا تجب لها النفقة، والدليل هو فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قصة عائشة فإنه عقد عليها لسبع سنين وبنى بها لتسع و بقيت في بيت أبيها ولم يدفع نفقة ما مضى.

3-أن يكون الرجل والمرأة من أهل الاستمتاع.

والمعنى بأن يكون الرجل ممن يطأ مثله عادة، وكون المرأة ممن يوطأ مثلها عادة.

فإذا كانت الصغيرة لا تقدر على المعاشرة الزوجية ولا إيناس الزوج أو القيام بمهام بيت الزوجية فهذه لا تستحق نفقة على زوجها.

وإن كانت تقدر على مصالح بيت الزوجية وإيناس الزوج وإمتاعه نفسياً، ولكن لا تقدر على إشباع رغبته الجنسية وجبت النفقة لها.

وبالأولى تجب النفقة لها لو كانت تقدر على إشباع رغبته الجنسية حيث لا فرق بينها وبين الكبيرة حينئذ.

هذا رأي أبي يوسف بن الحنفية(37) ورأي لبعض الشافعية(38) والحنابلة(39) والظاهرية(40) لأن الزوج بتسلمه للمرأة قد رضي بحقه ناقصاً وهو الوطء والحق له، ثم إننا لا نسلم أن الاستمتاع مقصوراً بالوطء فقط، لتحققه فيما دون الوطء، فيمكن الاستئناس والسكن إليها وهذا قدر من الاستمتاع، وهو الراجح –إن شاء الله.

وأما إن كان الزوج صغيراً لا يصلح للمعاشرة الجنسية، فالصحيح من أقوال العلماء أن هذه المرأة لها النفقة، لأن المانع من كمال الاستمتاع ليس من جهتها بل من جهته، فيقاس على ما إذا كان كبيراً وسافر وتركها أو كان كبيراً ورضي ببقائها في بيت أهلها، فلا يمكنه الاستمتاع ومع ذلك عليه النفقة.

4-ألا يفوت حق الزوج في احتباس الزوجة من أجله إلا بمسوغ شرعي أو بسبب من جهته؛ لأن الاحتباس في الجملة حق للزوج، فإذا فات حقه فات ما يقابله وهو النفقة.

1-لو امتنعت من تسليم نفسها، كما إذا امتنعت عن الانتقال إلى بيت الزوجية دون مبرر شرعي وقد دعاها الزوج، فإن كان لها مبرر شرعي في امتناعها فلا تعتبر ناشزاً، وبالتالي لا يسقط حقها في النفقة، وذلك كما لو كان امتناعها بسبب مطالبتها الزوج في دفع معجل صداقها، وكما لو كان بيت الزوجية مشغولاً بأناس يضرها ويؤذيها وجودهم معها فيه.

2-إذا امتنعت عن السفر والانتقال معه إلى بلد آخر اضطرته ظروف عمله إلى الانتقال إليه وكان مأمونها عليها.

أما لو كان سفره بقصد الإضرار بها والكيد لها فلا يعتبر امتناعها نشوزاً ومن ثم لا تسقط نفقتها.

3-إذا خرجت من بيته بلا أذن أو عذر شرعي، فإذا أذن لها وكان خروجها بسبب عذر يحتم ذلك لا تكون ناشزاً ولا تسقط نفقتها.

4-إذا فات حق الزوج بسبب من جهته، كأن يسافر فيتركها، فتجب لها النفقـة، فكأن الزوج تنازل عن حقه.

قال العلامة ابن سعدي رحمه الله:

"والصحيح وجوب النفقة لكل زوجة غير ناشز - حتى الصغيرة والمسافرة لحاجتها بإذنه ونحوهما - لأن الأصل وجوب النفقة لكل زوجة، كما تجب بقة أحكام الزوجية، ولا نسلم أن النفقة علتها إمكان التمكين فقط، بل العلة الأصيلة كونها زوجة غير ناشز، ويؤيد هذا وجوب النفقة على الزوج الصغير، وللزوجة المريضة، والحائض، المحرمة، ونحوهن، مع أن التمكين من الوطءِ غير ممكن حساً أو شرعاً. والله أعلم"[41].

مواضيع ذات صلة:

· الداعية المغربية: ندية ياسين، تتحدث عن مشاكل النفقة في المغرب

· اعتراف الإسلام بإنسانية المرأة

· ضمانات حقوق المرأة الزوجية
· القوامة.. دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟


--------------------------------------------------------------------------------

(1)رواه الإمام أحمد في مسنده 5/140، ورواه أبو داوود في سننه، كتاب كتاب الأطعمة، باب: المضطر إلى الميتة 3/358 (6/38) وفيه سماك بن حرب، قال ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق، 1/230، ومسنده صحيح، ورجاله ثقات.

(2)سورة الإسراء: آية (100)

(3)لسان العرب 12/235.

(4)ينظر: معظم مقاييس اللغة 5/454-455، لسان العرب 11/236.

(5)سورة الأنعام، آية (35)

(6)تفسير غريب القرآن ص53

(7)معجم مقاييس اللغة 5/4540455، لسان العرب 12/36م،37م.

(8)المبدع 8/185، كشاف القناع 5/460، الروض الندي 1/432. وعندي أن الأولى تقييد التعريف (بالمعروف) فيكون على ما يلي : (كفاية من يمونه بالمعروف من الطعام والكسوة والسكنى وتوابعها".

(9)سورة البقرة: آية (233)

(10)رواه الإمام البخاري في صحيحه، ينظر: البخاري في صحيحه، ينظر: البخاري مع الفتح، كتاب النفقات، باب: إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف 9/507 (5364)، ورواه الإمام مسلم، ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الأقفية، باب قضية هند رضي الله عنها12/ن.

(11)زاد المعادة/ 492.

(12)مجموع الفتاوى 34/85، 86

(13)ينظر: الاخيار لتعليل المختار 4/4، جواهر الأكليل 1/402، الحادي الكبير 15/22، المغني م/159.

(14)ينظر : البحر الرائق 4/211، مواهب الجليل 3/232، روضة الطالبين 9/52، المغني 8/160، نيل المآدب 1/113.

(15)نظر: بدائع الصنائع 4/23، الشرح الكبير للدردير 2/512، 513 2، 513، الاختيار لتعليل المختار 4/8.

(16)ينظر : بدائع الصنائع 4/23، حاشية ابن عابدين 3/600.

(17)ينظر : الشح الكبير للدردير 2/512، 513، حاشية الدسوقي 2/513.

(18)رواه أبو داوود، كتاب الأقفية، باب : في الصلح 3/304 (3594) والدار قطني فس سنن (69)، والحاكم في المستدرك 2/49، والبيهقي في السنن الكبى 6/79، وابن عدي في الكامل 6/68، وقال: "كثير بن زيد الأسلمي لم أر بحديثه بأساً، وأرجوا أنه لا بأس به". وقال الألباني: حديث صحيح (إرواء الغليل 5/142).

(19)ينظر : بدائع الصنائع 4/24 البحر الرائق 4/190/191، المدونة الكبرى 2/268، بداية المجتهد 2/86، ففي المحتاج 3/434، نهاية المحتاج 7/197، المغني 8/160 / المحرر 2/114.

(20)ينظر : فتح القدير 4/387، الفواكه الدواني 2/104، مغني المحتاج 3/431، المغني 8/159، الفروع 5/579.

(21)منح الجليل للشيخ عليش 2/425، الفقه على المذاهب الأربعة 4/558.

(22)رواه الإمام مسلم في صحيحه، ينظر صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الحجج، باب : حجةالنبي – صلى الله عليه وسلم 8/ 149.

(23)الروضة الندية 2/79.

(24)سورة البقرة : آية (237)

(25)سورة الطلاق: الآية (6)

(26)المبدع 8/186

(27)سورة الطلاق: الآية (7)

(28)سورة الأحزاب: الآية (50)

(29)الحاوي الكبير 15/4

(30)سورة البقرة، الآية 233.

(31)الحاوي الكبير 15/4

(32)رواه الإمام احمد في مسنده، انظر: الفتح الرباني، كتاب النكاح، أبواب حقوق الزوجين 16/231 (258)، وكتاب النفقـات، باب: وجوب نفقة الزوجة باعتبار حال الزوج وأنها مقدمة على الأقارب وثواب الزوج عليها 17/57 (26)، ورواه أبو داوود في سننه، كتاب النكاح، باب: في حق المرأة على زوجها 2/244 0 245 (42/2)، ورواه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب: حق المرأة على الزوج 1/341 (1855) ورواه ابن حبان، انظر، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، باب معاشرة الزوجين 6/188 (4163)، والحاكم في المستدرك 2/187، 188، والبيهقي في السنن الكبرى 7/295، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال الألباني: حديث صحيح (إرواء الغليل 7/98).

(33)ينظر : الإشراف على مذاهب أهل العلم 1/119، بدائع الصنائع 4/16، الهداية 2/39، بداية المجتهد 2/86، الفواكه الدواني 2،104، نهاية المحتاج 7/187، المغني 8/156، العدة شرح العمدة ص398، المملى 10/88.

(34)رواه الإمام أحمد في المستند 6/60، 183، 237، 269، ورواه أبو داود في البيوع، باب: فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً 3/284 (3508)، والإمام الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب: ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيباً 4/422 (1303) والنسائي في البيوع، باب: الخراج بالضمان 7/254، 255، وابن ماجه في التجارات، باب: الخراج بالضمان 2/23 (2261)، والحاكم في المستدرك 2/15 والدارقطني في سننه 3/53 (213)، والشافعي في مستنده 9/438، والطيالي في مسنده (14641) وقال الترمذي: "حديث صحيح غريب" وقال الألباني رحمه الله: حديث حسن (إرواء الغليل 5/158).

(35)ينظر: بدائع الصنائع 4/16، الحاوي الكبير 15/7.

(36)المبسوط 5/113 مثنى المحتاج 3/ 438، المغني 8/960.

(37)بدائع الصنائع 4/20.

(38)مغنى المحتاج 3/438.

(39)المغنى 8/

(40)المحلى 7/88

[41] المختارات الجلية من المسائل الفقهية، تأليف العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص 137

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:53 PM
هل يميز الإسلام ضد المرأة؟
صالح بن عبد الرحمن الحصين






يقصد بالتميز هنا معنى الكلمة الإنجليزية discrimination ويفسرها قاموس اكسفورد الوجيز بأنَّها تعني (unfavouable treatment based on prejudice, esp. regarding race, colour or ) أي: معاملة أدنى على أساس التحيز والإجحاف، وبخاصة فيما يتعلق بالعرق أو اللون أو الجنس. كما يفسر كلمة يميز أو يميز ضد discriminate بأنها تعني make adistinction esp. unjustly and on the basis of race, colour or أي التفريق في المعاملة بغير عدل على أساس العرق أو اللون أو الجنس.

ولا يعني العنوان بالضرورة المضمون الذي حددته اتفاقية الأمم المتحدة أو أي نصوص أخرى، وإنَّما يتعلق بهذا المضمون بطريق غير مباشر، أي من حيث التفريق بين التصور الإسلامي وتصور الثقافات الأخرى، فيما يعتبر التمييز ضد المرأة وما لا يعتبر كذلك.

ليس غير المسلمين هم فقط من يجيب على هذا السؤال بنعم، بل إنَّ من علماء المسلمين من يرى أنَّ الإسلام يعتبر الرجل من حيث هو رجل أفضل وأكرم وأرقى منزلة من المرأة من حيث هي امرأة، وأنّ جنس النساء أدنى من جنس الرجال، ويؤسسون في التمييز في الأحكام الشرعية أو بعضها بين الرجال والنساء على هذا التمييز في الفضل والتكريم وشرف الرتبة.

يقول عالم جليل معاصر (توفى رحمه الله) في تفسير الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}: أشار (أي القرآن) إلى أنَّ الرجل أفضل من المرأة؛ وذلك لأنَّ الذكورة شرف وكمال، والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأنَّ الأنثى يجعل لها جميع الناس الزينة والحلي، وذلك إنما لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة. بخلاف الذكر، فجمال الذكورة يكفيه عن الحلي وغيره. اهـ.

وأصل هذه الفكرة نجد التعبير عنه (وإن لم يكن مثل هذا التعبير الغالي) لدى غيره من المفسرين عند تفسيرهم بعض النصوص التي تحمل ألفاظها تفضيل جنس الرجال على جنس النساء.

فمثلاً في تفسير الآية الكريمة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.

جاء في تفسير الزمخشري: (درجة) زيادة في الحق وفضيلة.

وفي تفسير الرازي: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور العقل والدية والمواريث، وصلاحية الإمامة والقضاء، والشهادة، وأن يتزوج عليها، وأن يتسرى عليها، والتطليق، وإذا ثبت فضل الرجل على المرأة، ظهر أنَّ المرأة كالأسير العاجز في يد الرجل.

وعند تفسير الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

قال الزمخشري: والضمير في (بعضهم) للرجال والنساء جميعاً، وإنما كانوا مسيطرين عليها بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء.

وقال الرازي: لما أثبت للرجال سلطة على النساء ونفاذ أمرهم عليهن بين أنَّ ذلك معلل بأمرين: بما فضل الله بعضهم على بعض، يعود التفضيل إلى صفات خلقية منها القدرة والعقل والحزم، وأما تفضيل عائد للأحكام الشرعية فإنَّ فيهم الإمامة الكبرى وكونهم مأمورين بالجهاد وزيادة النصيب في الميراث وتحمل الدية وبما أنفقوا من أموالهم، وهو السبب الثاني في التفضيل. والمراد هنا بالإنفاق ما يقدمه الرجال من مهور وما يبذلونه من نفقة.

وقال أبو السعود: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي قوامون عليهم بسبب تفضيل الله تعالى إياهم عليهن، أو متلبسين بتفضيله دون تصريح بما فيه التفضيل من صفات ككمال العقل وحسن التدبير والرزانة والقوة. ولذلك خصوا بالنبوة والجهاد.

ويقول الرازي عند تفسير قوله تعالى: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}. المراد من قوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ}لتنبيه إلى نقصانها (أي المرأة) وهو أنَّ الذي يربي في الحلية يكون ناقص الذات؛ لأنه لولا نقصان ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية.

ويقول الزمخشري: فيه أنَّه جعل النشأة في الزينة والنعومة من المعايب والمذام، وأنه من صفات ربَّات الحجال.

(قد غفل الرازي والزمخشري ـ رحمهما الله ـ عن أنَّ المقربين في الجنة يحلون بأساور من ذهب ولؤلؤ، وأنَّ الحلية تبلغ من المؤمن مبلغ الوضوء).

ويقول الرازي: بين نقصها (المرأة) من وجه آخر، وهو قوله تعالى: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} يعني: أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين، وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها. فهذه الوجوه دالة على كمال نقصها.

ويقول الزمخشري: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} وهو إذا احتاج مجاثاة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين، ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان يحتج به على من يخاصمه؛ وذلك لضعف عقول النساء ونقصهن عن فطرة الرجال، ويقال: قلما تكلمت المرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

(الرازي والزمخشري ـ رحمهما الله ـ هنا أيضاً غفلا عن قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}، {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ}، والمرأة إنسان. كما غفلا عن قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} والمرأة مخلوق).

لئلا يتوهم القارئ أنَّ مثل هذه الأحكام هي الطابع العام لعلماء التفسير عند تفسيرهم كل النصوص القرآنية، أسارع بالاعتراف بأنني كنت انتقائياً في تلقط هذه الآراء التي تخفض من مرتبة المرأة، وقد أردت بإيرادها التنبيه إلى أنه حتى العلماء الكبار، مثل الرازي والزمخشري، قد لا يستطيعون التخلص من تأثير البيئة والثقافات السائدة.

كما أردت إيضاح أنَّ العادات والتقاليد والموروثات الثقافية لدى الشعوب التي اعتنقت الإسلام، وما بقي لدى العرب أيضاً من تقاليد، كل ذلك صار له تأثير على تفكير المسلمين في مختلف العصور، وفي مختلف الأمكنة. بحيث بَعُدَ هذا التفكير بدرجات متفاوتة عن التصورات الإسلامية المتفقة مع القرآن والسنة الصحيحة.

ولا شك أنَّ صراحة النصوص ووضوحها فيما يتعلق بالتصور عن المرأة وعلاقتها بالرجل كانت في أغلب الأحيان تتغلب على التأثير الضاغط للتقاليد والعادات والموروثات الثقافية الغربية عن الإسلام.

ولكن ممَّا لا شك فيه أيضاً أنه بقي لهذا التأثير الضاغط عمله في عقل المسلم.

كما أردت بالإشارة إلى هذه النصوص في كتابات المفسرين إيضاح مدى قابلية التراث الإسلامي المكتوب في هذا الموضوع للاستغلال من قبل الباحث المتحيز، وكذلك قابليتها لخداع القارئ المتعجل الذي لا يعنى بالمقارنة بين الآراء المختلفة والمقارنة بين النصوص التي أشير إليها فيما سبق، ونصوص الوحي الأخرى صريحة الدلالة التي تعارض مثل تلك المعاني.

مثل الآراء السابقة التي أشرنا إليها في كلام المفسرين يوجد في كلام غيرهم من العلماء، كما شاعت تصورات تخفض من منزلة المرأة في البيئات والثقافات المختلفة في العالم الإسلامي، وقد ساعد على شيوعها ركام من الأحاديث الموضوعة وغير الصحيحة وردت في كتب الحديث أو غيرها من الكتب مثل: "طاعة المرأة ندامة"، "شاوروهن وخالفوهن"، "لولا النساء لعبد الله حقاً"، "لولا النساء لدخل الرجال الجنة"، "لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف"، فكل هذه أحاديث موضوعة.

ومن الأحاديث غير الصحيحة:

ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: "أي شيء خير للمرأة؟ قالت: أن لا يراها رجل ولا ترى رجلاً، فضمَّها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض".

"إنما النساء لعب فمن اتخذ لعبة فليحسنها أو ليستحسنها" ،"هلكت الرجال حين أطاعت النساء"، "استعينوا على النساء بالعري"، "أعروا النساء يلزمن الحجال"، "واروا عوراتهن بالبيوت".

وهذه الأحاديث كما نرى بالإضافة إلى كونها أو غير صحيحة فهي تخالف الأحاديث الأخرى الصحيحة. وهذه الأحاديث في الغالب مثل بعض التفاسير لنصوص القرآن، كانت نتيجة بيئات ثقافية تنظر إلى المرأة نظرة دونية، ولكن هذه الأحاديث ـ في الغالب أيضاً ـ ساهمت في تركيز التقاليد والتصورات التي تجسد النظرة الدونية للمرأة.

ولكن ما موقع الحقيقة في الآراء السابقة، هل حقاً إنَّ الإسلام يميز ضد المرأة، بمعنى أنه يقدر أن الرجل من حيث هو رجل أفضل وأكرم وأشرف منزلة من المرأة من حيث هي امرأة؟

الواقع أنه عند تأمل النصوص الأخرى من القرآن والسنة وعندما نحاكم إليها النصوص والآراء السابقة فإنَّ الإجابة على السؤال الوارد في عنوان المقال تكون بالنفي. إيضاح ذلك:

أولاً: إنَّ المعيار في التمييز بين الناس بنص القرآن (التقوى) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وفي الحديث الشريف: "لا فضل لعربي على عجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى"، وفي حديث آخر: "إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" فالأكرم والأشرف منزلة من الرجال والنساء الأتقى.

ودلَّت النصوص على المساواة بين الجنسين، ولعلَّ من أبلغها وأدقها في التعبير عن المساواة عبارة {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} في الآية الكريمة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}.

قال الزمخشري في تفسير {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}: أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر، أي من أصله، أي كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم.

وقال الرازي: فيه وجوه أحسنها أن يقال "من" بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض.

وقال أبو السعود: قوله {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} بيان لسبب انتظام النساء في سلك الرجال في الوعد، فإن كون كلّ منهما من الآخر لتشعبهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال بينهما أو لاتفاقهما في الدين والعمل مما يستدعي الشركة والاتحاد في ذلك.

وقال سيد قطب في "في ظلال القرآن": العمل الذي يعتبره الإسلام الثمرة الواقعية (للعبادة) والذي يقبل من الجميع ذكراناً وإناثاً بلا تفرقة بين الجنسين فكلهم سواء في الإنسانية بعضهم من بعض وكلهم سواء في الميزان.

وقد تكرر في القرآن النص على خلق الله ذكورهم وإناثهم من نفس واحدة، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}. كما تكرر النص على المساواة في الجزاء، مثل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. وقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ..} الآية.

ويؤكد فكرة المساواة بين الجنسين النص على وحدة طبيعة العلاقة بينهما كما في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ}. وفي الحديث الشريف: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وفيه "إنما النساء شقائق الرجال".

ومن جهة أخرى نعى القرآن على أهل الجاهلية تمييزهم بين الجنسين كما في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. وربما ألمح لهذا المعنى قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} حيث قدم الإناث في الذكر. فكأنه يشعر بالتنبيه إلى بطلان مذهب الجاهلية في تحقيرها للإناث وكراهيتها لولادتهن.

وقد وردت نصوص ربما يفهم منها تفضيل جنس النساء في الرعاية، مثل ما جاء في الحديث الشريف: "من أحقّ الناس بصحابتي قال أمك قال ثمَّ من قال أمك قال ثمَّ من قال أمك قال ثمَّ من قال أبوك" ومن الأحاديث الواردة في فضل رعاية البنات، ولكن الداعي للتوصية بالأم والبنات هو حاجتهن أكثر للرعاية، وليس المقصود تفضيل جنس النساء على جنس الرجال.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أنَّ المقصود بالمساواة بين الجنسين في المسؤوليات والوظائف الاجتماعية مساواة التكامل وليس مساواة التماثل، وهذا ما يتفق مع الطبيعة والفطرة، إذ إن الجنسين غير متماثلين في الصفات والوظائف الفسيولوجية والبيولوجية والسايكولوجية، فالمثل من المعقول أن لا يكونا متماثلين في الوظائف السيوسيولوجية، والعدل هو المماثلة بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين.

إنَّ فكرة مساواة التماثل التي وجدت في الجاهلية المعاصرة بالإضافة إلى أنها شذوذ عن الطبيعة والفطرة فهي فكرة ظالمة ضحية الظلم الأولى فيها المرأة.

1ـ الاستدلال بالنص الكريم (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) استدلال في غير محله، فمع أنَّ عدم التماثل بين الجنسين على نحو ما أوضح سابقاً، حقيقة طبيعية، إلا أنَّ النص لا يدل على أنَّ جنس المذكور أسمى أو أرقى أو أفضل من جنس الإناث.

فشيخ المفسرين الطبري رحمه الله في رأيه نفسه، وفيما نقله عن المفسرين الآخرين، يرى أنَّ هذه العبارة من كلام امرأة عمران وليست من كلام الله، ومقصودها أنها بعد أن نذرت مولودها محرراً للمعبد وفي تصورها أنه سيكون ذكراً فوجئت بأنَّ مولودها أنثى، فعبرت عن أنَّ الذكر في التحرير للمعبد وخدمته ليس كالأنثى. فالعبارة لفظ امرأة عمران، والمقصود منها نفي التماثل بين الذكر والأنثى في التأهيل لخدمة المعبد ولا صلة لها بالتمييز ضد المرأة.

2ـ النص الكريم {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} جاء هذا النص مباشرة بعد قوله تعالى: {وَإِذَابُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌٌ}، وهذه الآية مثل قوله تعالى في موضع آخر: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}. اختلف المفسرون في المقصود في النصّ الكريم بمن ينشؤ في الحلية، فرأى بعضهم أنَّ المقصود به الأنثى، وأنَّه تقرير من الله معناه عيب الموصوف بصفتي ذم وهما التنشئة في الحلية، وعدم الإبانة في الكلام والجدل، ورأوا تبعاً لذلك أنَّ النص يعني ذم الأنثى وعيبها وتقرير أنَّها دون الرجل، وفي منزلة أدنى من منزلته.

ويردّ على هذا التفسير ما يأتي:

أ ـ إنَّ هذا التفسير يعارض في الظاهر ما ذكر الله في موضعين من القرآن من أنه خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين، والمرأة إنسان مخلوق فهي مشمولة بصفة الإبانة في الخصومة.

ب ـ إذا لم تكن الآية تقريراً من الله بمضمونها فلا يظهر من الواقع ما يدلّ على أنَّ المرأة عندما يتاح لها أن تناول مستوى من التربية والتثقيف مثل ما يناله الرجل تكون أقلّ منه في القدرة اللغوية. فالقدرة اللغوية في الغالب ـ وباستثناء حالات الإعاقة ـ تكتسب بالتربية والتعليم.

ج ـ أنَّ وصف المقربين من عباد الله بأنهم يحلون من أساور من ذهب ولؤلؤاً في الجنة، ينفي أن يكون التحلي في ذاته صفة ذم، ولا يعترض على هذا بأنَّ الخمر ـ وهي مذمومة في الدنيا ـ موجودة في جزاء الصالحين في الجنة؛ لأنَّ ما هو موجود منها في الجنة نفى عنه ما كانت به مذمومة في الدنيا، وهو التصديع والنزف.

د ـ إنَّ الجاهليين لم ينسبوا إلى الله الإناث من البشر، وإنَّما سموا الملائكة إناثاً ونسبوهم إلى الله.

ربما لأجل هذه الإيرادات وغيرها فسَّر آخرون المراد بمن ينشؤ في الحلية بالأصنام التي تصنع من الذهب أو تحلى بالذهب والجواهر، ولكن هذا تفسيربعيد جداً، ولا يساعد عليه السياق؛ لأنه لم يسبق النص الكريم كلام عن الأصنام، ومع بُعد هذا التفسير وغموضه فالغالب أنَّ الذي ألجأ المفسرين له هو أنه امتنع عليهم التسليم بالتفسير الأول للإيرادات التي ذكرناها.

وكلا التفسيرين ألجأ إليها افتراض أنَّ النص الكريم تقرير من الله وليس حكاية عن غيره.

ولكن السياق لا يمنع من افتراض آخر يبدو أقرب، وهو أن يكون النص الكريم حكاية عن لسان الحال أو لسان المقال لموصوف قبله، وهو من يظل وجهه مسوداً وهو كظيم إذا بشر بولادة أنثى. فكأنه يقول: {وَإِذَابُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌٌ} يقول بلسان الحال أو المقال: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}. وبهذا يتفق هذا النص مع النص المشابه في سورة النحل. وهذا النص الأخير صريح في التشنيع على من يظل وجهه مسوداً وهو كظيم إذا ولدت زوجته أنثى وليس ذكراً، والإعلان عن سفاهة عقله وسخف مذهبه.

وإذا أخذ بهذا التفسير فيكون النص في تقدير "يقول" مشابهاً للنص الكريم الوارد في قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} فقوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} حكاية عن لسان الحال أو لسان المقال لمن يتفكرون في خلق السموات والأرض، وكذلك مشابه لقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

قال الإمام الطبري في تفسيرها: يعني أنهم يقولون بما ينالهم من ذلك الكرب والجهد هذا عذاب أليم.. وترك من الكلام (يقولون) استغناء بمعرفة السامعين معناه عن ذكره. اهـ.

في القرآن أشبه كثيرة لهذا السياق لا تكاد تحصى، مثل قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. قال الطبري: وتأويل الكلام: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله يقولون لا نفرِّق بين أحد من رسله، وترك ذكر (يقولون) لدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكره في قوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم..} بمعنى: يقولون سلام عليكم.

3ـ أنَّ القول بأنَّ الذكر والأنثى عندما يجتمعان سوياً في مستوى واحد من القرابة ـ من ناحية درجة القرابة وقوتها (شقيق أو لأب أو لام) ـ يكون دائماً للأنثى نصف نصيب الذكر من الميراث، فكرة وهمية غير صحيحة، وإن شاعت على الألسن. فالقرآن تضمَّن سبع حالات في الحكم بالميراث عندما يجتمع الذكر والأنثى في مستوى واحد من القرابة.

ثلاث منها يكون نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر.

وثلاث منها يكون نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر.

وحالة سابعة يختلف المفسرون في تفسيرها وفي إحدى صورتيها يرى بعضهم أنَّ للذكر نصف نصيب الأنثى.

فإذاً الحكم بتصنيف نصيب الأنثى غير مطرود على خلاف فهم كثير من الناس، ووجود حالة واحدة ينخرم فيها الاطراد يدل على أنَّ العامل المؤثر ليس محض الذكورة والأنوثة، وإنما الظروف المختلفة التي يراعيها الشارع في الاختلاف في تحديد أنصبة الوارثين.

أما عندما لا يكون الذكر والأنثى في مستوى واحد من القرابة للموروث سواء من ناحية درجة القرابة أو قوتها، فتوجد حالات كثيرة يكون فيها نصيب الأنثى أكثر من نصيب الذكر، بل أحياناً لا يكون للذكر نصيب مع وجود الأنثى.

4ـ فكرة أنَّ وزن شهادة المرأة نصف وزن شهادة الرجل على الدوام أيضاً فكرة وهمية، ذلك أنَّ النصّ الكريم: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} وارد على شهادة التحمل وليس على شهادة الأداء، ووارد فقط على الشهادة في توثيق الدين، وقاس عليها العلماء توثيق المعاملات المالية الأخرى. والحديث الشريف: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل" يشير إلى هذا النص كما في فتح الباري (ج1، ص484).

أما شهادة الأداء فالغالب أنَّ الأحكام الفقهية التي نظمتها مصدرها المباشر الاجتهاد وليس النص، وهي تخضع لاعتبارات مختلفة، ومن ذلك مثلاً أن هناك حالات تقبل فيها شهادة امرأة واحدة، ولا تقبل فيها شهادة الرجال.

وتحسن الإشارة هنا إلى أنَّ شهادة المرأة الواحدة تقبل في نقل النص الشرعي، بدون تفريق بينها وبين الرجل. بل الملفت للنظر أنَّ نسبة من ضعفه علماء الجرح والتعديل أو كذبوه من النساء في رواية الحديث أقلّ بكثير من نسبة الرجال، بل إنَّ الإمام الذهبي (هو حجة في الرواة) يقول: لا أعلم من النساء من تركوه ـ أي علماء الحديث ـ.

5ـ فكرة أن دية المرأة نصف دية الرجل، هذه الفكرة أيضاً لا علاقة لها بالتمييز ضد المرأة، إذ إن المنتفع بالدية ليس الميت أو الميتة، بل الوارث عنه أو عنها، وإذا لحظ معنى التعويض عن الضرر في تشريع الدية، فإنَّ العدل يوجب التمييز بين الأضرار، بحسب أثرها على المضرور، وهذا ما تذهب إليه كلّ الشرائع.

ولا شك أنَّ الضرر المادي الذي يلحق بالورثة بموت مورثهم إذا كان رجلاً ـ في الغالب ـ أكبر منه إذا كان الميت امرأة؛ لأنَّ الغالب أنَّ الموروث يكون هو العائل للورثة. والأحكام الشرعية والقانونية تبنى دائماً على الغالب. يوضح هذا الأمر أنَّ الدية عندما يكون المنتفع المصاب نفسه أي عندما تكون جزئية كدية الأعضاء فإنَّ الأمر يختلف حينئذٍ، وتستوي دية المرأة والرجل إلى حدود يختلف اجتهاد الفقهاء في تعيينها.

6ـ النص الكريم {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} جاء في سياق النص {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فإما أن يكون هذا الحكم وارداً على حالة الرجعة أن يكون وارداً على نطاق أوسع وهو علاقة الزوج بزوجته، ولكنه بدلالة السياق ليس وارداً على علاقة الرجل بالمرأة من حيث هو رجل وهي امرأة، ويبدو أنَّ القول بأنَّ الحكم وارد على العلاقة بين الزوجين هو الأرجح عند المفسرين.

ثمَّ يختلف المفسرون في المقصود بقوله سبحانه: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فبالإضافة إلى التفسيرات التي أشير إليها فيما سبق، يذكر شيخ المفسرين الطبري أنَّ بعض المفسرين يرى أنَّ المراد بها الإمرة والطاعة، وأنَّ آخرين يرون أنَّ المراد بها أفضاله عليها (أي الرجل)، وأداء حقها إليها وصفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه.

قال الطبري: وأولى هذه الأقول بالتأويل ما قاله ابن عباس وهو أنَّ الدرجة التي ذكرها الله جلّ ثناؤه في هذا الموضع: الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب له عليها، واغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه، وذلك أنَّ الله جلَّ ثناؤه قال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} عقب قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فأخبر أنَّ على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحقوقها مثل الذي عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهن، وغير ذلك من حقوقه، ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل فقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} بتفضلهم عليهن وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى يقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}. ومعنى الدرجة: الرتبة والمنزلة، وهذا القول من الله جلَّ ثناؤه وإن كان ظاهره خبرا فمعناه ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ليكون لهم عليهن فضل درجة. اهـ.

ويقول سيد قطب في تفسير {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: أحسب أنها مقيدة في هذا السياق بحق الرجال في ردهن إلى عصمتهم في فترة العدة.. وهي درجة مقيدة في هذا الموضع وليست مطلقة الدلالة كما يفهمها الكثيرون ويستشهدون بها في غير موضعها اهـ.

على أنه إن قيل أنَّ النص الكريم: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِوَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليس خاصاً بحالة الفرد في فترة العدة، بل هو عام يحكم العلاقة بين الزوجين، وإذا تجاوزنا المعنى الذي اختاره الطبري ـ رحمه الله ـ فالظاهر أنَّ المقصود بالدرجة "القوامة" التي تضمَّنتها الآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وعلى كل الأحوال فليس في الآية يما يتضمَّن التمييز ضد المرأة.

7ـ النص الكريم {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} لقد فسرت لفظة {قَوَّامُونَ} بما يرجع للإمرة وقيادة المجتمع الصغير (الأسرة)، وفسرت بتحمل مسؤولية الإنفاق والرعاية. ولعلّ الأرجح أنَّها لا تعني الأمرين معاً.

ويلاحظ أنَّ هناك فرقاً في التعبير وبالتالي في المعنى بين أن يقال {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وأن يقال: بما فضل الله الرجال على النساء. فقوله {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يحتمل أن يكون المراد منه بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء، وهو الغالب في الصفات المؤهلة للإمرة في الأسرة وتحمل مسؤولية الإنفاق عليها والرعاية لها. كما يحتمل اللفظ أن يكون المراد: بما تميز به كل من الجنسين من ميزات توجب أن تكون القوامة للرجل، بمعنى أنَّ ما فضل الله به الرجال من صفات وما فضل الله به النساء من صفات جعل الرجل أكثر أهلية لقيادة الأسرة وجعل المرأة أكثر أهلية لإدارتها "الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".

ولعلّ الأولى تفسير {بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} في هذه الآية بالمعنى المراد بعبارة (بعضكم على بعض) في الآية قبلها {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} فهنا الواضح أنَّ المعنى: لا يتمنى الرجال ما فضل الله به النساء ولا النساء ما فضل الله به الرجال، فالآية لا توجب القول بتمييز الرجل من حيث هو رجل على المرأة من حيث هي امرأة، كما لا توجب القول بأنَّ هذا التمييز هو سبب اختصاص الرجل بتلك المسؤولية.

وعلى كل فإذا فسرنا القوامة بالإمرة فإنَّ هذا بالطبع يوجب الطاعة على المأمور. ولكن الطاعة هنا ـ كما هي الطاعة في حالة كل أمير مجتمع ـ صغير أو كبير ـ ليس طاعة مطلقة، وإنما هي الطاعة بالمعروف، كما جاء في حديث الحكم بن عمرو الغفاري "إنما الطاعة بالمعروف" وهذا الحديث صحيح، بل هو أصحّ حديث في الباب، وقال تعالى في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال المفسرون: علم الله أن نبيه صلى الله عليه وسلم لن يأمر بغير المعروف ولكن أراد أن يعلم الأمراء أنَّ طاعتهم غير مطلقة، والواضح أنَّ الطاعة المطلقة ـ في حكم الإسلام ـ من خصائص الإلهية.

وقد روت الأحاديث الصحيحة بترغيب المرأة في طاعة زوجها وتحذيرها من معصيته، وكلها مقيدة كما أشير بأن تكون الطاعة بالمعروف.

والإمرة والطاعة لا تعني الاستبداد والخضوع، سواء في المجتمع الكبير أو الصغير، بل إنَّ الشورى يجب أن تطبق في كل مجتمع بما في ذلك مجتمع الأسرة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، بل إنَّ القرآن نصَّ على أنه حتى بعد انفصام علاقة الزوجية يكون فطام الرضيع برضا وتشاور من الوالدين {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}.

أ ـ أنه ينظم حالة ومرحلة في علاقة الزوجية تنشأ قبل مرحلة الشقاق بين الزوجين التي نظمت بالآية بعدها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} فالنص الكريم {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ..} الآية، ينظم مرحلة في الحالة الزوجية، تكون المرأة فيها راغبة في البقاء زوجة ولم تبلغ المرحلة من الشقاق التي ترغب المرأة فيها في فراق زوجها.

ب ـ أنَّ معنى النشوز في اللغة: الارتفاع والعلو، ويلاحظ أنَّ القرآن يجعل إرادة العلو في الأرض والفساد وسفك الدماء أسوأ الصفات في علاقة الإنسان بالإنسان، وكما جعل القرآن النشوز في جانب الزوجة حالة مرضية تستوجب العلاج بنص الآية الكريمة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} جعل بالمثل النشوز في جانب الزوج حالة مرضية استوجبت العلاج بنص الآية الأخرى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الآية. ففي حق المرأة جعل العلاج بالتأديب الذي توجبه طبيعة العلاقة بين الآمر والمأمور، وهو يتدرج في العظة، والهجر، والضرب غير المبرح.

وفي حق الرجل جعل العلاج بالخلع.

وهذا العلاج التأديبي هو أكثر ما شغب به أهل الأهواء في دعواهم أنَّ الإسلام يميز discriminate ضد المرأة، وإنما يشغب بهذا من لا يعترف بأنَّ الله الحكيم الخبير أعلم بما يصلح عباده، ولا يستقرئ طبائع النفس البشرية ويستبطن سايولوجية الإنسان.

وعلى كل فهذا الإجراء ـ كما هو واضح ـ إنما يطبق في حالة نشوز المرأة واستعلائها على زوجها وبالتالي انتهاكها لمتطلبات القيادة في الأسرة. ولا صلة لهذا الأمر بالعنف الجنسي، أو التجاوز abuse في السلطة. وبالتالي فلا صلة له بالتمييز ضد المرأة أو بالنظرة الدونية لها. (يراجع في هذا المعنى تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب ـ رحمه الله ـ عند تفسير الآية).

9ـ الزواج على المرأة، والتطليق: من كلام الرازي في تفسير {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}: الرجل أزيد في الفضيلة من النساء بأمور.. أن يتزوج عليها. وأن يتسرى عليها والتطليق. ربما لا يقصد الرازي إنَّ إباحة زواج الرجل على المرأة وحقه في تطليق زوجته شرعاً بسبب أنَّ جنس الرجال أرقى وأسمى من جنس النساء، وإنما يرى أنَّ ذلك مظهر من مظاهر تفضيل الرجل على المرأة.

ولكن قضية تعدد الزوجات، وبدرجة أقل قضية الطلاق، كانت من أكثر القضايا التي استخدمها المحاربون للإسلام لنقده والشغب عليه.

وفيما يتعلق بالغربيين من هؤلاء فإنَّ الأمر يجد تفسيره في الموروث الثقافي لديهم culture إذ إن جزءاً من تكوين هذا الموروث مستمد من المسيحية التي ترى أنَّ الزواج في ذاته ليس مرغوباً، إذ إنه ينزل بدرجة الإنسان روحياً، وأنَّ الطلاق محظور في الشريعة. أمَّا غيرهم ممَّن ليس لهم هذا الموروث الثقافي فإنَّ الأمر يجد تفسيره في التقليد الببغائي، والنظر إلى الغرب بأنه المثال الذي يجب أن يحتذى في التقاليد والقيم وفلسفة الحياة.

إنَّ النظرة الغربية لتعدد الزوجات أو الطلاق ليست مبنية على التفكير العقلاني، والموضوعي، أو التجارب العملية التي تهدي إلى ما يصلح البشر، وتسعد به المجتمعات، وإنما مبنية على مجرَّد الموروث الثقافي.

ولو تأملنا التنظيم الإسلامي لتعدد الزوجات أو الطلاق ونظرنا إليه بموضوعية وتخل عن الهوى الجامح والعاطفة الطائشة؛ لظهر لنا أنَّ هذا التنظيم يحقق مصلحة المرأة أولاً ثمَّ مصلحة الرجل، وشرع لإيجاد مجتمع سليم، وأنه لا صلة له إطلاقاً بالتمييز ضد المرأة.

توضيح ذلك أنه بقراءة الآية الوحيدة في القرآن المصرَّحة بإباحة تعدد الزوجات، في ضوء الواقع العملي والتاريخي، يلاحظ أنَّ نصّ الآية الكريمة يقضي بأنَّ تعدد الزوجات عامل محقق للفاعلية في ضمان عدل المجتمع تجاه اليتامى، وفي هذا إشارة غير مباشرة إلى الدور الذي يؤديه هذا التنظيم في مصلحة المرأة والمجتمع.

إنَّ المجتمع لا يمكن أن يعدل في اليتيم بإيداعه دار الأيتام أو بتوفير غذائه وكسائه، إذ إن لليتيم وراء ذلك حاجات عاطفية ونفسية لا تحقق إلا بتنشئته في جو الأسرة، وهذا لا يتحقق إلا إذا تزوجت أمه فصار له أب بديل ومشاركون في الحياة من إخوة وأخوات، وهذا الأمر لا يتحقق على نطاق معقول إلا إذا زاد طلب الرجال على النساء، وهذا إنما يتم فقط في مجتمع تكون فيه الفرصة متاحة لتعدد الزوجات.

وإذا لاحظنا من ناحية أخرى أنَّ للمرأة حقوقاً أساسية يعترف بها الإسلام وتتجاوز الحقوق التي تضمَّنتها وثيقة حقوق الإنسان الدولية، وتشمل هذه الحقوق حقها في الأمومة، وحقها في أن يكون لها زوج تتبادل معه معاني السكن والمودة والرحمة، وحقها في أن يكون لها بيت تكون مليكته وتمارس فيه وظائفها الطبيعية.

إذا تأملنا ذلك أدركنا مدى الظلم والإجحاف الذي يلحق بالمرأة إذا عاشت في مجتمع يحدد بالتقاليد أو بالقانون فرصتها في الحصول على هذه الحقوق.

ولا شك أنَّ المجتمع الذي يقلّ فيه طلب الرجال على النساء كما في المجتمعات التي يتحدد فيها تعدد الزوجات، تتحدد فيه فرصة المرأة في الحصول على تلك الحقوق، والواقع شاهد بذلك.

من ناحية أخرى فإنَّ المجتمع التي يتحدد فيه تعدد الزوجات يصبح فيه الطلاق بالنسبة للمرأة المتزوجة شبحاً مرعباً؛ لأنها تعلم أنها بالطلاق سوف تفقد حقوقها التي حصلت عليها بالزواج مما أشير إليه مما سبق، وسوف يكون من الصعب عليها التعويض بزواج آخر في مجتمع تتحدد فيه فرص المرأة في الزواج.

وهذا الوضع يحمل المرأة على الصبر على ظلم الرجل لها واضطهاده إياها ويقيد حريتها في الحركة. وإذا أردت صورة توضيحية لهذا الأمر فما عليك إلا أن تقارن بين المرأة في مجتمعات شبه القارة الهندية والمرأة في مجتمعات غرب أفريقيا، لترى أيهما أقدر على حماية حقوقها ومقاومة ظلمها وامتلاك حريتها.

ليس أوضح في الدلالة على أنَّ الغرب في نظرته لتعدد الزوجات يقاد بالهوى والعاطفة وغلبة الموروث الثقافي وليس بالتفكير المنطقي، أو الاختبار العملي للمصالح، ليس أوضح في الدلالة على ذلك من أنَّ الغرب يقبل بسهولة (قانوناً وسلوكاً اجتماعياً) أن تقوم خارج العلاقة الزوجية علاقة بين الزوج وامرأة أخرى (خليلة) أو امرأتين أو أكثر تماثل علاقة الزوجية في كل شيء عدا عدم وجود عقد الزواج الشكلي، وعدا أنَّ الخليلة أو الخليلات أو ثمرة علاقة الزوج بها أي الأولاد محرومون من الحقوق التي للزوجات أو للأولاد، باستثناء ما يحاول القانون بين وقت وآخر أن يحفظه.

ومن ناحية أخرى فليس هناك ما يدل على رفض الغرب لتعدد الأزواج أو الزوجات في حالات الزواج الجنسي الشاذ (اللوطيين والسحاقيات) الذي شاع واعتبر قانونياً في عدد من بلدان الغرب.

وكل ما سبق يدل على أنَّ نظرة الغرب لتعدد الزوجات ليست مبنية على المنطق أو على التجارب العملية واختبار المصالح، وإنما على مجرَّد الموروث الثقافي calture.

لا شك أنَّ لتعدد الزوجات سلبيات ككل شيء في الحياة، وحتى الزواج بواحدة له سلبيات، ولا شك أنه لا أكره للزوجة في الغالب من أن يتزوج عليها زوجها أو يطلقها، ولكن النظم الاجتماعية لا تبنى على عواطف الرغبة والكراهية، وإنما تبنى على المصالح العامة.

منذ بداية الاستعمار تتركز حملة المستشرقين الغربيين على الحجاب بدعوى أنه مظهر تخلف ورمز لاضطهاد الإسلام للمرأة أو نتيجة اضطهاد المسلم للمسلمة، ولم يخب أوار هذه الحملة مع مرور الزمن الطويل.

وكان من الملفت للنظر حقاً تركيز أعداء الإسلام على الحجاب من بين المظاهر الإسلامية الأخرى، سواء من الغربيين أو المتشدقين بالعلمانية من المثقفين والحكام في العالم الإسلامي، وفي العشرينيات من القرن العشرين كان اهتمام أتاتورك في تركيا ونادر شاه في أفغانستان وظاهر شاه في إيران بمنع الحجاب، واتخاذ الإجراءات المؤلمة والعقابية في سبيل إلغائه، يطغى ـ ربما ـ على كل اهتمام آخر.

وفي السنوات الأخيرة، وبالرغم من تحاشي الدول الغربية في أوربا وأمريكا عن الظهور داخلياً بمظهر من ينتهك الحريات الشخصية، فقد اقتحم الغرب هذه العقبة، وما زالت تظهر أمثلة على اضطهاد المسلمات انتهاك حرياتهن بسبب الحجاب.

وفي أواخر القرن الماضي، اهتدت طالبة للإسلام وكانت تدرس في جامعة تورنتو ـ كندا، للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وتحجبت، وبسبب مرورها بهذه التجربة العملية وما واجهته من ردود أفعال المجتمع، أدركت أهمية قضية الحجاب فطلبت من الجامعة تغيير موضوع أطروحة الدكتوراه إلى موضوع الحجاب، بالرغم من أنها كانت قد أمضت سنة ونصف السنة في الإعداد للموضوع الأول، وفي أثناء بحثها اطلعت على قدر كبير جداً مما كتب باللغة الإنجليزية عن الحجاب، وأجرت مقابلات مع مسلمات متحجبات في كندا، واستطاعت في أطروحتها المعنونة "الحجاب في السياسة" أن تحلل دوافع الحرب على الحجاب وصلتها بالصراع السياسي والثقافي، وأثبتت أن لا صلة للحجاب باضطهاد الرجل للمرأة ولا بالتمييز ضد المرأة. وكل ذلك من خلال التزام صارم بالمنهجية العلمية والبحث الموضوعي الذي لا يدع لذي لب شكاً في صحة ما انتهت إليه من نتائج.

معيار التفاضل بين الناس عند الله، وعند عباده الصالحين: "التقوى" فلا تمييز في الإسلام بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الموقع الجغرافي. وفيما يتعلق بالجنس فإنَّ عدم التماثل بين الرجل والمرأة فسيولوجيا وبيولوجيا وسايكولوجياً، يجعل من المعقول عدم تماثلهما في الوظائف السوسيولوجية، وقد راعى الإسلام ذلك في توزيع الوظائف والمسؤوليات بين الرجل والمرأة، ففي هذا المجال أقام بين الجنسين مساواة التكامل وليس مساواة التماثل.

وفي تاريخ البشرية في أغلبه تعرضت المرأة للظلم وانتهاك حق المساواة بينها وبين الرجل.

وبين وقت وآخر تجرى محاولات لتحقيق مساواة التماثل في الوظائف والمسؤوليات بين الرجل والمرأة. ولعلّ أهم هذه المحاولات وأشملها وأوسعها نطاقاً وأطولها عمراً: تجربة الاتحاد السوفيتي التي استمرت أكثر من سبعين سنة.

لقد كانت البداية الشعار الذي أطلقه الزعيم الشيوعي "لينين" حين قال: "إنَّ المجتمع لا يمكن أن يتقدم ونصفه في المطبخ"، فخرجت المرأة في الاتحاد السوفيتي إلى سوق العمل المأجور، فشاركت الرجل في عمله على اختلاف أنواعه، عملت مهندسة، ورائدة فضاء، وباحثة في مراكز البحوث، وميكانيكية في المصنع، وعاملة في مجال البناء، ورصف الطرق وكنس الشوارع.

وكان نصيب المرأة الأكبر في الأعمال الشاقة بدنياً والمكروهة.

ثم كانت النهاية في كلمات معبرة للزعيم الشيوعي "جورباتشوف" في كتابه "البروسترويكا" حين كتب: "لقد وضعت الدولة السوفيتية حداً للتمييز ضد المرأة الذي كان سائداً في روسيا القيصرية.. كسبت المرأة.. نفس الحق في العمل كالرجل والأجر المتساوي للعمل المتساوي.. ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق عجزنا عن أن نولي اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة واحتياجاتها الناشئة عن دورها كأم وربة منزل ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال. إنَّ المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي وفي مواقع البناء، وفي الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي، لم يعد لها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل ـ العمل المنزلي، وتربية الأطفال وإقامة جو أسري طيب ـ لقد اكتشفنا أنَّ كثيراً من مشاكلنا ـ في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وفي الإنتاج ـ تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسرية، والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية، وهذه نتيجة مناقضة لرغبتنا المخلصة والمبررة سياسياً لمساواة المرأة بالرجل في كل شيء. والآن في مجرى البيرسترويكا بدأنا نتغلب على هذا الوضع. ولهذا السبب فإننا نجري الآن مناقشات جادة في الصحافة وفي المنظمات العامة، وفي العمل والمنزل بخصوص مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة العودة إلى رسالتها النسائية البحتة" اهـ.

إذا سلمنا بأنَّ تصور الإسلام للعلاقة بين المرأة والرجل مساواتها له مساواة التماثل في معنى الإنسانية، وقيمة الشخصية والكرامة البشرية، وكمال الأهلية القانونية، وجزاء العمل، ومساواة التكامل معه في الوظائف والمسؤوليات الاجتماعية، المساواة التي تتناغم مع ما بينهما من اختلافات فسيولوجية وبيولوجية وسايكولوجية، وتتناسق مع القوانين الطبيعية..

إذا سلمنا بذلك فينبغي أن نسلم بأنَّ جزءاً كبيراً من تراثنا المكتوب والتقاليد والعادات السائدة في المجتمعات الإسلامية، تبتعد بدرجات متفاوتة عن التصور الإسلامي للعلاقة بين الرجل والمرأة. ويبدو في مقارنة التراث المكتوب أنَّه كلما تأخر الزمن عن زمن النبوة يزيد هذا الابتعاد.

وهذا يوجب أن نقرأ التراث ونحكم على التقاليد، مستحضرين في الذهن ما يلي:

أ ـ مضمون الآيتين الكريمتين: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..}، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. وما يوجبه هذا المضمون من التخلي عند قراءة النصوص عن التأثير السلبي للأفكار السابقة، والأهواء، والانقياد لسلطان العادة، وكذلك توقي التأثير السلبي لتصورات وأفكار الجاهلية المعاصرة.

ب ـ إنَّ من عوامل الترجيح بين الآراء والتفسيرات: تقديم الرأي والتفسير الذي تتوافق فيه النصوص وتتناغم، وتأخير الرأي والتفسير الذي تختلف فيه النصوص أو لا تتوافق إلا بتمحل أو تحكم.

ج ـ حقيقة أنَّ المفسر أو الفقيه عاش في بيئة ثقافية ليس من السهل عليه أن يتخلص من تأثيرها الضاغط على عقله، وتوجيه تفكيره، وما يوجبه الوعي بهذه الحقيقة من وزن للرأي والتفسير، وتمييز ما هو منها نتيجة التفكير المجرَّد، وما هو نتيجة تأثير البيئة الثقافية التي عاش فيها صاحب الرأي أو التفسير.

د ـ أنَّ الأعراف والتقاليد الاجتماعية قد تراعى في تعيين العلاقة بين الجنسين؛ بشرط أن لا يترتب على ذلك ظلم لأحد أو انتهاك لحقه أو معارضة للصالح العام.

وفي الختام.. فلقيام المجتمع الإسلامي الصحيح والمحافظة عليه ولتثبيت التصور الإسلامي لعلاقة الرجل بالمرأة؛ تقع المسؤولية الأولى على من تناط بهم تربية الناشئة، وخصوصا الوالدين، ولا سيما الأم، إذ إن لطريقة معاملتهما الأولاد من الذكور والإناث الأثر الباقي الذي سيحدد في المستقبل تصورات المجتمع، وأساليب سلوكه، ولعلَّ هذا ما حرص عليه الشارع الحكيم عندما أكَّد الحديث الشريف على أهمية التسوية في المعاملة بين الأولاد "من كان له بنت فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها دخل الجنة"، "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه.

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:54 PM
المرأة في السعودية والوعي بأخطار التغريب1ـ2
علي التمني






إنَّ المرأة السعودية ترفض رفضاً باتاً هذه الدعوات والتحركات واللقاءات والبيانات التي تدعو إلى انسلاخ المرأة المسلمة في بلادنا السعودية من قيمها وأحكام شرعها، وتعتبر كلّ هذه الأراجيف والألاعيب والمؤامرات ضد دينها، ومن ثم ضد سلامتها وأمنها واستقرارها، وهي تطالب بوقف هذا العبث بمكانتها وحشمتها وكينونتها ودينها.

هذا ما شعرنا به وعلمناه من واقع المرأة في بلادنا خلال الوقائع والتدبيرات والأحداث المتتابعة قديماً وحديثاً ضدّها وضدّ المجتمع برمته.

ولقد بيَّن ولاة الأمر في هذه البلاد ـ وفقهم الله ـ أنَّ تنميتنا ونظمنا كلها من وإلى الإسلام غدوَّاً ورواحاً. وأنه لن يكون إلا ما أراده الإسلام، وأنَّ افتعال القضايا لن يغير من الأمر شيئاً.

إننا نعلم.. وكل عاقل من ذكر وأنثى يعلم.. أنَّ دعوات تغريب وجرّ المرأة إلى حتفها في الدنيا والآخرة بدأت في كل الأقطار، والإسلامية منها على وجه الخصوص، بداية فيها استحياء، وأخذ بمبدأ التدرُّج، فقد فطن دعاة الفساد إلى أنَّ الدعوة إلى كل ألوان الفساد المتعلق بالمرأة دفعة واحدة أمر غير حكيم، وقد يجرّ إلى ردود أفعال تقضي عليهم وعلى دعوتهم على السواء؛ ولذلك أخذوا بمبدأ التدرج، فدعوا أول ما دعوا إليه في البلاد الإسلامية إلى نبذ غطاء الوجه، وقالوا: فيه قولان، ثم الخروج للعمل، وهذا ما يفعله المتأخرون منهم في هذه الأيام: دعوة للعمل لتحقيق الاستقلال المعنوي والمادي، مدعين أنَّ ذلك لا يناقض الشريعة وقد افتروا: إذا ما أخذنا في الاعتبار ما حدث للمرأة المسلمة من تدهور وانحدار على كل صعيد في الأقطار الإسلامية التي وجدت فيها دعوة هؤلاء نجاحاً، وإذا ما أخذنا في الاعتبار مناهج هؤلاء المخرِّبين وأهدافهم القريبة والبعيدة، وسلوكياتهم في حياتهم الخاصة والعامة ونظرتهم إلى الشريعة، وهي أمور تبين عن أهدافهم الحقيقية ومقاصدهم القريبة والبعيدة.

لقد وصلت دعوات الإباحية والفساد إلى منتهاها في بلد كالسويد (وحرية المرأة في السويد شملت الحمل، فالمرأة السويدية لا تريد أن تفقد حريتها في المتعة والانطلاق، ولا تريد أن تقاسي من الحمل والولادة، فهي تريد طفلاً جاهزاً، لهذا فإنَّ الفتاة السويدية التي تريد أن تتخلص من الولادة لا تتعب ولا تحتار، بل تختار فتاة أخرى تتقاضى أجراً؛ لأنها قامت بمهمة الحمل بالنيابة عن الزوجة!) (تحرير المرأة ممن؟ شوقي أبوخليل ص30).

وهكذا وصل الأمر بالمرأة السويدية التي ذهبت إلى آخر الشوط في طلب المساواة بالرجل، وليست المرأة السويدية هي التي سعت إلى ذلك، بل فئة من الرجال الذين يريدون أن تصبح المرأة لعبة في أيديهم، وتصبح في العراء لا يحميها من ذئاب الشهوة البشرية شيء سوى أن تخضع لشهواتهم وقد كان. وقد يقول قائل: إنَّه لا مقارنة بين المرأة المسلمة والمرأة الكافرة في السويد، ونقول فعلاً لا مقارنة بين الاثنتين من حيث الدين، ولكن ما تفسير هؤلاء لخروج المرأة المسلمة وسيرها في ركاب المرأة السويدية وغير السويدية في أمور كثيرة مخالفة للشرع مثل الاختلاط؟ ألأم يحدث الاختلاط في كثير من بلاد المسلمين والاختلاط محرَّم في الإسلام؟ بل من أين جاءنا الاختلاط؟ أليس من الغرب والشرق الكافرين؟

ومثل التمثيل، وتمثيل المرأة حرام في الإسلام؛ لأنَّ فيه كل المحاذير الشرعية والمحرَّمات القطعية فيما يتعلق بالمرأة كالاختلاط والتبرج والتنكر للحياء والعفة والخلوة مع الممثلين والمخرجين والغمز واللمس والغزل والتقلب على فراش النوم والحب وتمثيل الحياة الزوجية، والاستهتار بالقيم الإسلامية كاللعب بعقود النكاح تمثيلاً وغير ذلك كثير، وكلّ ذلك محرَّم، فمن أين جاء كل ذلك؟ أليس بتقليد المرأة السويدية وغير السويدية من النساء الكافرات ومن سار في ركابهن ممن خلعن رداء الإسلام ومضين في طريق الفساد إلى آخره؟

واللباس القصير الذي يظهر كثيراً من جسد المرأة الذي يجب أن تستره تماماً عن الرجال، وكذا لبس البنطلون الذي لم تعرفه المرأة المسلمة، وفيه تشبّه بالرجال وبالنساء غير المسلمات، من أين جاء كل ذلك؟ هل خروج المرأة المسلمة بالملابس الفاضحة من الإسلام؟ أم هو ناتج عن التأثير بالثقافة الجاهلية المعاصرة؟ ثقافة الغرب والشرق غير المستضئين بنور الإسلام الحنيف؟ فهل بعد كل ذلك وغيره من صور الانحراف والانجراف وراء المرأة غير المسلمة، نقول إنَّ المرأة المسلمة غير متأثرة بالمرأة الكافرة شرقاً أو غربياً في كثير من سلوكياتها وأحوالها؟ لقد سارت كثير من نساء المسلمين وراء كل فاسد مفسد، وكان لكثير من الرجال الذين يزعمون الانتماء لهذا الدين الحنيف أثر بالغ في تغيير مفاهيم وأخلاقيات المجتمع الإسلامي حول المرأة، جاحدين وجوب التمسك بهدي الإسلام في كلّ شأن من شؤون الحياة، وداعين في الآن نفسه إلى التعلق بكلّ ما هو غير إسلاميّ تحت دعاوى المعاصرة والتقدم والتحضر، وليت شعري هل علم هؤلاء أنَّ كثيراً من الغربيين بدؤوا يدعون إلى العودة إلى قيم الأسرة والمحافظة، ويدعون إلى عودة المرأة إلى بيتها، وإلى محافظتها على عفتها؟ بل لقد أخذ الأمريكيون ممن أدركوا خطورة التبرج والاختلاط إلى فتح الكليات والجامعات المخصصة بالكلية للنساء ولا يدخلها الرجال، وقد بلغ عدد هذه الكليات حوالي المئة كلية في أمريكا وحدها، وأثبتت التجربة نجاحها المنقطع النظير سواء من ناحية المحافظة على العفة والأخلاق، أو من ناحية التحصيل العلمي.

ونعود للمرأة السويدية التي بلغت آخر المدى في حريتها وفسادها، فقد اختارت الأمم المتحدة القاضية السويدية (بريجيدا أولف هامر) لدراسة مشكلات المرأة الشرقية على الطبيعة، ومدى تمتعها بحقوقها وفق موازين هيئة الأمم المتحدة القائمة على المفاهيم الغربية العلمانية، وقد زارت القاضية السويدية أربعة أقطار إسلامية، فزارت قرية أبي طشت في صعيد مصر، وسيدي تمراز في تونس، ومصراتة الليبية، والسلمانية في العراق، فماذا خرجت به القاضية السويدية التي نالت كلّ ما تحلم به من حرية على الطريقة السويدية طبعاً؟ كتبت القاضية السويدية في دراستها: (المرأة القروية في صعيد مصر، والمرأة البدوية في أعماق فزان بليبيا على الرغم من عزلتها عن المجتمع فإنَّها تمارس وضعاً ينتمي إلى القداسة لا إلى العبودية، وتتسلَّط على الرجل تسلطاً فعلياً، ابتداء من شؤون النهار، وانتهاء بشجون الليل)، وقالت بريجيدا: (إنَّ للمرأة الشرقية عالمها الحالم الخاص، وبعبارة أخرى فإنَّ المرأة الغربية والاسكندنافية بوجه خاص قد (داخت سبع دوخات) لكي تنال حريتها في المساواة بالرجل، ولم يتحقق لها ما أرادت إلا بعد أن جرَّدتها من صفاتها الأنثوية، وحقوقها الأنثوية، وحرّيتها الأنثوية، لتجعل منها كائناً أقرب إلى الرجل، إنَّها حرية ساكن الجنة الذي يسعى للنزول إلى الأرض، أو حرية الطاؤوس الذي سعى إلى أن يكون غراباً،

وباختصار: هي حرية المرأة في أن تكون رجلاً!

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:56 PM
المرأة في السعودية والوعي بأخطار التغريب 2ـ2
علي التمني






إنَّ نعم الله تعالى على الإنسان لا تحصى، ولكنها على المسلم الموحد أعظم وأجزل وأشمل، قال تعالى: " وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" فالإسلام أعظم نعمة وأكمل رحمة بما يمنحه للعبد المسلم المؤمن من اليقين والإيمان ومن السعادة والاطمئنان، حيث يستيقن العبد لِمَ خُلق، وما الغاية من وجوده في حياته وما مصيره بعد مماته، ولم يترك الخالق تبارك وتعالى عباده هكذا هملاً، بل أرسل إليهم رسولاً خاتماً صلى الله عليه وسلم، بعثه بالقرآن والسنة ليعبد العبد خالقه على هدى وليمضي المسلم في حياته على بصيرة ونور، وهذه السعادة والطمأنينة لا يجدها غير المسلم ولا تتحقق في أمة غير أمة الإسلام، ولا تكون في مجتمع إلا إذا أطاع ربه ومضى وفق شريعته الكاملة الخاتمة، ولقد نالت المرأة المسلمة من هذا الخير مثل ما ناله الرجل، ومثل ما ناله الطفل الصغير والكبير، والعبد والأمة، فالكل تحققت له النعمة، حتى الحيوان والجماد نالته رحمة هذا الدين وسعته وشموله.

لقد بحث الغرب والشرق عن السعادة واليقين في غير الإسلام فلم يجداها، ونتج عن ذلك تخبط تلك المجتمعات غير المؤمنة بالله تعالى حق الإيمان، فقد جرتها الفلسفات المادية والأفكار الإلحادية الشكية إلى الشقاء ومفاوز الضياع، وما حال المرأة والرجل في تلك المجتمعات ـ وهو حال شقاء وعذاب وضنك وفساد وخواء ـ إلا دليل على ما ذهبنا إليه من تردي تلك المجتمعات وتصحر في قيمها ويباس في يقينها.

تقول القاضية السويدية المجربة والمثقفة والمدركة لعواقب الأمور بريجيدا: (إنَّ حرية المرأة العربية تعايش حرية الرجل دون أن تمسه، فكل منهما حر في ميدانه، وبطريقته الخاصة، أما المرأة الغربية المنعمة فإنَّها تمارس حرية تنقص حرية الرجل وتخنقها وتزاحمها، كما أباح القانون الحرية الجنسية للمرأة إلى أقصى حد، لدرجة جعلت الرجل هو الفريسة، والمرأة هي الصياد).

والنتيجة ـ على مستوى الأمة ـ مذهلة حقاً، ففي تقرير رسمي خطير لوزارة الشؤون الاجتماعية السويدية، تعلن الحكومة أنَّ 25% من سكان السويد مصابون بأمراض عصبية، وأنَّ 30% من مجموع المصروفات الطبية في السويد تنفق على علاج الأمراض العصبية والنفسية.

وتسفر ظاهرة انتشار الأمراض العصبية عن نفسها على هيئة ارتفاع مذهل في نسبة حوادث الانتحار، ففي الفترة ما بين: 1951ـ 1968م تضاعفت حالات انتحار السويديات، وخصوصاً النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 25 و 29 سنة، إذ زادت من 602 حالات من كل ألف امرأة، إلى 12.1 حالة في حين لم تسجل حالات انتحار الرجل أي ارتفاع.

وتقول بريجيدا معلقة: (من المستحيل تجاهل الربط بين هذه النسبة المتضاعفة بهذا الشكل الغريب، واضطراد الحرية التي تمارسها المرأة السويدية في الحقبة الزمنية ذاتها.

ومن مشكلات السويدالتي نجمت عن حرية المرأة، مشكلة المسنين، فالمسنون في السويد أتعس خلق الله! على الرغم من الرعاية الأسطورية التي يضفيها عليهم المجتمع، فالإحساس بالوحدة والاغتراب، يضفي نوعاً من القتامة والجهامة على المجتمع السويدي لارتفاع نسبة المسنين فيه، فالأولاد والبنات حين يكبرون يفترقون ـ بشكل طبيعي ـ عن عائلاتهم، وانخفاض نسبة الإنجاب تزيد قساوة الوحدة، التي تكاد تقضي على معنويات الآباء، وليس للمشاعر العائلية في مجتمعاتهم قداسة تشبه قداستها في المجتمعات الشرقية، ومن هنا يمكن تصور الآلام النفسية المفزعة التي يشعر بها المسنون في السويد).

وتقول القاضية السويدية: (إنَّ نسبة الطلاق في السويد هي أكبر نسبة في العالم، طبقاً للإحصاءات التي أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالسويد، فإنَّ أي سبب يقدمه أحد الزوجين يمكن أن يتم به الطلاق، وهذا التخبط في حياة الأسرة والزوجية يسود النرويج والدنمارك، والحال في عدد آخر في من دول العالم، لا تقل عن هذه الحال) هذا ما قالته القاضية السويدية بمناسبة عام المرأة العالمي 1975م.

(تحرير المرأة ممن؟ وفيم حريتها؟ د. شوقي أبوخليل ص32ـ36 نقله من الأسبوع العربي العدد 820 الاثنين 24 شباط 1975م).

وأقول: كل هذا بدأ بالدعوة للخروج والعمل والاختلاط بالرجال وترك البيت والقرار فيه، وسبحان الله القائل: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" (الأحزاب/32)، فيوم أن تترك المرأة بيتها تكون كالريشة في مهب ريح الضياع والفساد، ووحشية الرجل الذي تحلل من دينه، وإن تظاهر بالأناقة والرقة والتحضر، فالزمي يا ابنة الإسلام دينك، ومن التزام أوامر دينك أن تلزمي بيتك في ظل أحكام الإسلام الخالدة التي تبيح لك الخروج مع المحرم والتمتع بمتع الحياة السامية النظيفة، وانتبهي جيداً لأهل الفساد من الشهوانيين الذين يريدونك رهن إشارتهم لقضاء أوطارهم النتنة المحرَّمة، واعلمي أنَّ عزتك وكرامتك وأمنك النفسي والبدني والإيماني إنما يكون في التزامك بشرع الله الذي هو الحصن الحصين من الضياع الذي لا ريب أنك قد تحققت منه مما قد رأيت وسمعت عن النساء التعيسات اللائي أطعن شياطين الإنس والجن، فخرجن من سعادتهن وأمنهن إلى الشقاء والخوف القاتلين، فاحذريهم، واحذري دعواتهم.

وأختم بما قرأته للعلامة بكر بن عبدالله أبي زيد في كتابه (حراسة الفضيلة) ص91، حيث قال: (وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيته) متفق عليه، وقرارها في بيتها فيه وفاء بما أوجب الله عليها من الصلوات المفروضة وغيرها، ولهذا فليس على المرأة واجب خارج بيتها، فأسقط عنها التكليف بحضور الجمعة والجماعة في الصلوات، وصار فرض الحج عليها مشروطاً بوجود المحرم، وقد ثبت من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته (هذه ثمَّ ظهور الحصر) رواه أحمد وأبوداود، قال ابن كثير رحمه الله في التفسير: (يعني الزمن ظهور الحصر ولا تخرجن من البيوت).

أقول: وفي هذا تشريف كبيرومسؤولية عظيمة حين تكون المرأة راعية لبيت زوجها بكلّ ما يعنيه من تربية الأبناء والبنات ليكونوا قدوة وذخراً لأمتهم ومجتمعهم، وحين تكون الزوجة عاملاً حاسماً وراء نجاح زوجها، وقد قيل: وراء كل رجل عظيم امرأة، أي عظيمة، قال الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"(الأنعام/82).

د.فالح العمره
03-04-2005, 03:58 PM
الدلالة المحكمة لآية الحجاب على وجوب غطاء الوجه
لطف الله خوجة






قال الله تعالى:

{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.

ذكر في سبب نزول هذه الآية، آية الحجاب، بعض الآثار المفسرة:

- منها ما روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده: عن أنس قال: " قال عمر رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب". [التفسير، باب قوله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي}].

- وروى عنه قال: "أنا أعلم الناس بهذه الآية: آية الحجاب. لما أهديت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت، صنع طعاما ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج، ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} إلى قوله: {مِن وَرَاء حِجَابٍ}، فضرب الحجاب، وقام القوم". [المصدر السابق].

هذه الآية تضمنت أربعة أمور، هي:

1- مسألة، هي: الحجاب.

2- خطابا متجها إلى الأزواج ( = أزواج النبي صلى الله عليه وسلم).

3- وحكما، هو: وجوب الحجاب الكامل (= سائر البدن مع غطاء الوجه والكف).

4- وعلة للحكم، هي: تحصيل طهارة القلب.

فأما الثلاثة الأولى فلا يختلف قول عالم فيها.. لكن الخلاف في الرابعة:

- فمنهم من اعتبرها (= العلة)، فبنى عليها عموم الحكم لجميع النساء، بما فيهن الأزواج، لحاجة الجميع إلى طهارة القلب، وهم الموجبون تغطية الوجه على الجميع.

- ومنهم من أهملها (= العلة)، فجعل الحكم خاصا بمن خوطب بها، وهم الأزواج، وهم المبيحون كشف الوجه لسائر النساء، سوى الأزواج، وحجتهم أمران:

- الأول: توجه الخطاب إليهن ( = الأزواج).

- الثاني: نصوص وآثار متشابهة، توهم جواز الكشف.

وأما القائلون بوجوب الغطاء للجميع، فكانت حجتهم الأوجه الخمسة التالية:

إذا ثبت أن الحكم في الآية معلل، فمتى وجدت العلة، فثم الحكم.. وهذا هو القياس المستعمل في الفقه.

والقياس هو: حمل فرع على أصل، في حكم، بجامع بينهما. فلا بد في كل قياس من: أصل، وفرع، وعلة، وحكم. وهذه أركان القياس[1].

وأركان القياس موجودة في هذه الآية:

1. فالأصل: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، حيث الخطاب متجه إليهن.

2. والحكم: الحجاب الكامل عن الرجال.

3. والعلة: تحصيل طهارة القلب مطلوب لهن، وللرجال.

4. والفرع هو: سائر نساء المؤمنين.

فهل العلة موجودة فيهن؟. الجواب: نعم. تحصيل طهارة القلب مطلوب لهن، وللرجال.

إذن فالعلة واحدة في الجميع، وعليه فالحكم واحد للجميع.

فمدار الحكم على العلة، ولا يمكن أن يدعي أحد استغناءه عن تحصيل طهارة القلب، ولا أن نساء المؤمنين لسن في حاجة إلى تحصيل طهارة القلب، ولا يصح إبطال هذه العلة الظاهرة من الآية؛ لأمرين:

- الأول: لوضوحها علة للحكم.

- الثاني: لأن الكلام حينئذ يكون معيبا، حاشا كلام الله تعالى.

قال الشنقيطي في تفسيره [6/584]: "في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} هو علة قوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته: هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيبا عند العارفين".

فالعلة في الآية هي: طهارة القلب. وإذا لم تكن هذه علة الحكم، فالكلام حينئذ معيب، بحسب هذا المسلك الأصولي: مسلك الإيماء والتنبيه. كما ذكر الشيخ رحمه الله، وحاشا لكلام الله تعالى أن يكون معيبا، بل كونها علة الحكم، شيء ظاهر ليس خفيا، فإذا ثبتته علتها، انتفى التخصيص؛ لأن العلة حيثما وجدت وجد الحكم، وحينئذ فالحكم هو العموم.

وبهذا القياس يثبت عموم الحكم، وهذا القياس الذي يستعمله الفقهاء يسمى قياس التمثيل، الذي يستوي فيه الأصل والفرع في الحكم، وثمة قياس أعلى منه رتبة، لا يستعمل إلا في تفضيل شيء على شيء، وهو قياس الأولى، ولهذه الآية حظ من هذا القياس العالي، وفحواه: أن الخطاب إذا توجه إلى فئة معينة، بحكم معين؛ لأجل علة معينة، فإذا وجدت العلة في فئة أخرى، فهي مخاطبة بنفس الحكم، فإن وجدت فيها العلة بصورة أقوى، فهي أولى بالخطاب.. فكلما كانت العلة آكد، كان الحكم آكد.

فالآية خاطبت فئة معينة هي: أمهات المؤمنين. بحكم معين هو: الحجاب. لأجل علة معينة هي: تحصيل طهارة القلب. وإذا سألنا: من أحوج إلى هذه الطهارة: آلأمهات، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، المصطفيات المبرءآت من كل سوء، بشهادة الله تعالى لهن: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.. أم سائر المسلمات، اللاتي فيهن المحسن، والمقتصد، والظالم؟

لا ريب أن الجواب: أن سائر المسلمات أحوج إلى هذه الطهارة، فالعلة فيهن أقوى، فهن إذن أولى بالحكم.

ومثل هذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ}.

فإذا كان هذا تحذير الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من الشرك، مع علو منزلته ورفعة درجته عند الله تعالى.. فمن لم يعرف منزلته ولا درجته، ولم يدر مآله وعاقبته، فأولى بالتحذير، وأحرى بالحذر منه.

ومثل أمره تعالى في بر الوالدين بقوله: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}.. فإذا كان الله تعالى نهى الولد عن إظهار التذمر والضجر بقول: أف. لهما، وانتهارهما، فالنهي عن السب والضرب من باب أولى، لأنه أسوأ وأردأ.

تقرر في علم الأصول: أن الخطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة؛ لاستوائهم في التكليف، إلا بدليل خاص.

وأهل الأصول متفقون على هذا، وما يبدو من خلاف بينهم، فهو صوري أو حالي.

- فإن منهم من يرى خطاب الواحد نفسه، من صيغ العموم.

- ومنهم من يرى أن خطاب الواحد لا يعم، إنما الذي يعم حكمه، بدليل آخر: نصا، أو قياسا.

ويدل على هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم:

"إني لا أصافح النساء، وإنما قولي لمئة امرأة، كقولي لامرأة واحدة" [رواه النسائي في البيعة، باب: بيعة النساء، من حديث أميمة بنت رقيقة. صحيح النسائي 3/875]

يقول الشنقيطي [أضواء البيان 6/589-591]: "ومن الأدلة على حكم آية الحجاب عام: هو ما تقرر في الأصول من أن خطاب الواحد يعم جميع الأمة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة الحج، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا ذلك لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من أمته يعم حكمه جميع الأمة؛ لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص، يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد: هل هو من صيغ العموم، الدالة على عموم الحكم؟

خلاف في حال، لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعم، لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لا يشمله وضعا، فلا يكون من صيغ العموم، ولكن أهل هذا القول موافقون، على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر، غير خطاب الواحد، وذلك الدليل بالنص، والقياس.

أما القياس فظاهر؛ لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه، بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف، من القياس الجلي، والنص، كقوله صلى الله عليه وسلم في مبايعة النساء: "إني لا أصافح النساء، وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمئة امرأة"...

وبهذه القاعدة الأصولية التي ذكرنا، نعلم أن حكم آية الحجاب عام، وإن كان لفظها خاصا بأزواجه صلى الله عليه وسلم؛ لأن قوله لامرأة واحدة من أزواجه، أو من غيرهن، كقوله لمئة امرأة".

ويقول الشيخ الألباني: "إذا خاطب الشارع الحكيم فردا من الأمة، أو حكم عليه بحكم، فهل يكون هذا الحكم عاما في الأمة، إلا إذا قام دليل التخصيص، أو يكون خاصا بذلك المخاطب؟

اختلف في ذلك علماء الأصول، والحق الأول، وهو الذي رجحه الشوكاني وغيره من المحققين، قال ابن حزم في أصول الأحكام 3/88-89: وقد أيقنا أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى كل من كان حيا، في عصره، في معمور الأرض، من إنس أو جن، وإلى من يولد بعده إلى يوم القيامة، وليحكم في كل عين وعرض يخلقها الله إلى يوم القيامة، فلما صح ذلك بإجماع الأمة المتيقن المقطوع به، المبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبالنصوص الثابتة، بما ذكرنا من بقاء الدين إلى يوم القيامة، ولزومه الإنس والجن، وعلمنا بضرورة الحس أنه لا سبيل لمشاهدته عليه السلام من يأتي بعده، كان أمره صلى الله عليه وسلم لواحد من النوع، وفي واحد من النوع، أمرا في النوع كله، وللنوع كله، وبين هذا أن ما كان في الشريعة خاصا لواحد، ولقوم، فقد بينه عليه السلام نصا، وأعلمه أنه خصوص، كفعله في الجذعة بأبي بردة بن نيار، وأخبره عليه السلام أنه لا تجزئ عن أحد بعده، وكان أمره عليه السلام للمستحاضة أمرا لكل مستحاضة، وإقامة ابن عباس وجابر عن يمينه في الصلاة، حكم على كل مسلم ومسلمة يصلي وحده مع إمامه، ولا خلاف بين أحد في أن أمره لأصحابه رضي الله عنهم وهم حاضرون، أمر لكل من يأتي إلى يوم القيامة..

ثم شرع في الرد على من خالف في ذلك، تأصيلا، أو تفريعا".[2]

فالشيخ إذن يقر بهذا القاعدة، لكنه يبدو أنه أخذ بالاستثناء؛ لقيام الدليل عنده على تخصيص حكم غطاء الوجه بالأمهات. لكن إذا ثبت بطلان هذا التخصيص، بما تقدم من عموم العلة، وما سيأتي من أوجه، فحينئذ يلزمه القول بعموم غطاء الوجه لجميع النساء.

وبيان هذا الوجه: أنه لما لم يكن لخصوصية الحكم وجه، استنبط المدعون الخصوصية علة عجيبة، فقالوا:

إنما جاء الحكم خاصا بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأجل حرمتهن، فحرمتهن أعظم من حرمة سائر المسلمات، لذا تحجبن.!!

فانظر كيف غيروا العلة، فبعد أن كانت في الآية هي: تحصيل طهارة القلب. جعلوها: الحرمة والمنزلة ؟!!

والحرمة والمنزلة ثابتة لهن رضوان الله عليهن، لكن لنا أن نقلب المسألة فنقول: بل حرمتهن موجب لعدم حجابهن (= غطاء الوجه)؛ لأن الحجاب شرع للمرأة لصونها، وأمهات المؤمنين لا مطمع فيهن؛ لأمرين:

- أولاً: لأن الله تعالى حرم نكاحهن: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}.. فإذا حرم نكاحهن، فلا يطمع فيهن طامع، فلا موجب لغطاء الوجه حينئذ.

- ثانيا: لأن زمانهن كان خير الزمان وأطهره، ففيه أشراف الرجال وأعظمهم إيمانا: الصحابة رضوان الله عليهن. وقد كانوا هم الخلفاء، فبذلك صيانتهن متحققة حتى بدون حجاب الوجه.

ثم مع كل ذلك نقول: إذا كان وجوب الحجاب الكامل في حقهن لأجل حرمتهن ومنزلتهن.. فلم لم تؤمر بناته صلى الله عليه وسلم بالحجاب الكامل كذلك؟! أليست حرمتهن أعظم من حرمة سائر المسلمات؟

إن قالوا: ليست لهن حرمة كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد غلطوا، بل حرمة بعضهن أعظم من بعض الأزواج، كفاطمة رضي الله عنها، فهي سيدة نساء الجنة.

وإن قالوا: لهن حرمة كالأزواج.

لزمهم أن يقولوا بوجوب الحجاب الكامل في حقهن كالأزواج.. ولو قالوا كذلك لم يعد الحكم خاصا بالأزواج، ومن ثم نقضوا مذهبهم في خصوصية الحكم في الآية بالأزواج، فهاهم أدخلوا البنات فيه.

فهم بين أمرين أحلاهما مر، فليس أمامهم إلا القول بعموم الحكم، ولو كان الخطاب خاصا، وهو الحق.

وبيان هذا الوجه: أن الآية نصت على أن الرجال إذا سألوا النساء شيئا فلا بد أن يكون بينهما حجاب، والحجاب هنا على نوعين:

- الأول: إذا كن في بيوتهن، فالحجاب حينئذ: ستار، أو جدار، أو باب. والآية جاءت في هذا السياق.

- الثاني: إذا كن خارج البيوت، فالحجاب حينئذ الجلباب، الذي يغطي سائر البدن، بدون استثناء شيء.

فمن قال بعموم الآية في حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا نساء المؤمنين، فلا إشكال حينئذ، فإنهن مأمورات بالاستتار عن الرجال في كل حال:

- إن كن في البيوت، فبالستائر، والجدر، والأبواب.

- وإن كن خارج البيوت، فبالجلباب الساتر لجميع البدن.

لكن إذا قيل الآية خاصة بالأمهات، فالأقسام ثلاثة:

1- أن يكون التخصيص في البيوت دون خارجها.

2- أن يكون التخصيص خارج البيوت دون داخلها.

3- أن يكون التخصيص في البيوت وخارجها.

فأما القسمان الأولان فباطل، من وجه اجتمعا فيه، وهو: التخصيص في حال، والتعميم في حال.

فهذا التخصيص والتعميم: إبطال للتخصيص من أصله.

لأن مبنى التخصيص هنا هو قولهم: أن الخطاب توجه إلى الأزواج رضوان الله عليهن.

فالقول بعدئذ بعموم بعض أجزاء الخطاب، فيه الإقرار:

بأن مجرد توجه الخطاب إليهن، ليس كافيا في إثبات التخصيص، ولا دليلا عليه.

وهذا إبطال للتخصيص، فللمنازع أن يقول: ما دام بعض الخطاب عاما، فلا مانع من عموم بعضه الآخر. وليس لأهل التخصيص دفع هذا الاعتراض، أو نقضه.

فإن قالوا: الدليل أصله التخصيص، ولا يلغى هذا إلا بدليل يدل على العموم، ففي حال البيوت: دل الدليل على العموم. وفي حال خارج البيوت: لم يدل دليل على العموم، فبقي على أصله.

فيقال: هذا تسليم منكم، بأن مجرد توجه الخطاب إلى الأزواج، ليس دليلا على التخصيص، وهذا مطلوب. وأما دعواكم وجود ما يلغي التخصيص خارج البيوت فمردود بما سبق من الأوجه الثلاثة:

- الأول: عموم العلة يلزم عنه عموم الحكم، وتأكد العلة يلزم عنه تأكد الحكم.

- الثاني: خطاب الواحد يعم الجميع.

- الثالث: التعليل بالحرمة يوجب إلغاء الخصوصية.

وبهذا يثبت العموم، فالآية قطعية الثبوت، ودلالتها على غطاء الوجه قطعية، كما أثبتنا، والقطعية والعموم يثبت وجوب تغطية الوجه على سائر المؤمنات، بلا استثناء.

- وللقسم الأول وجه آخر، ينفرد به، يدل على بطلانه، فإنه معناه:

جواز دخول الأجانب على سائر النساء، سوى الأزواج أمهات المؤمنين، وهذا باطل، لا يقول به أحد، حتى أهل التخصيص؛ لورود النهي عن ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء" [رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم].

كما أن معناه: أن تغطية الوجه واجب على الجميع: الأزواج، وسائر النساء. وهذا وإن كان صحيحا، لكن لا يقول به أهل التخصيص. فهذا القسم ليس قولا لأهل التخصيص.

- وأما القسم الثاني فباطل، وإن كان يقول به أهل التخصيص، فإن معناه:

أن الحكم عام في البيوت، فلا يدخل أجنبي على المسلمات، ولا الأزواج، لكنه خارجها خاص بالأمهات، دون النساء. وهو باطل، كما تقدم؛ لأن في الإقرار بعموم الخطاب: إبطال للتخصيص.

- وأما القسم الثالث فهو باطل أيضا، وذلك أنه يتضمن أمرين:

- أولا: أن لسائر النساء كشف الوجه والكف خارج البيوت.

- ثانيا: أن لسائر النساء أن يأذنّ للأجانب، بالدخول عليهن بيوتهن، لسؤال متاع.

وهذا التخصيص المطلق، في الحالين، وإن لم يقل به أهل التخصيص، فهو لازم القول بالتخصيص.

إذن النتيجة:

1- القسم الأول باطل عند الجميع.

2- القسم الثاني قول أهل التخصيص، وهو باطل؛ لأن فيه إبطال للتخصيص، بتعميم بعض الخطاب.

3- القسم الثالث باطل عند الجميع، ويلزم أهل التخصيص.

4- القسم الرابع وهو العموم في الحالين، هو القول الحق والصواب، الخالي من المعارضة.

للعلماء مذاهب في هذه الآية:

- فبعضهم نص على التخصيص صراحة، وهم قلة، ولم أقف، من هذا الصنف، إلا على اثنين، هما: ابن جزي الكلبي في تفسيره، والطاهر ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير". هذا من حيث من المفسرين، أما غيرهم، فالمجزوم به: أن كل من يقول بالكشف، فإنه يقول: الآية خاصة بالأزواج.


- وبعضهم لم ينص صراحة على التخصيص، وكلامه محتمل، وحمله على العموم أرجح؛ لأن التخصيص لا يستفاد إلا من صريح القول، ومن هذا الصنف الرازي وأبو السعود.

- والصنف الثالث نص صراحة على عموم حكم الآية، منهم: ابن جرير، وابن العربي، والقرطبي، وابن كثير، والجصاص، والشوكاني، والشنقيطي، وكذا الشيخ حسنين مخلوف، مفتي الديار المصرية، وذهب إلى هذا أيضا: محمد أديب كلكل، وسعيد الجابي، ووهبي سليمان غاوجي، وأبو هشام عبد الله الأنصاري، وعبد العزيز بن خلف [انظر أقوالهم في: عودة الحجاب 3/240-247] وبالعموم فكل من قال بوجوب غطاء الوجه على الجميع، فهو يقول بعموم هذه الآية، حتى من يقول بأن آية الحجاب في المساكن، وآية الجلباب في البروز، كابن تيمية، لا يمنع من دلالة هذه الآية على الحجاب، كما سيأتي قوله، وهذه أقوال طائفة من المفسرين الذين صرحوا بعموم حكم الآية:

1- قال ابن جرير في تفسيره جامع البيان عن تأويل آي القرآن [19/166]: "يقول: إذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج: متاعا: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن".

2- قال ابن العربي في تفسيره أحكام القرآن، في تفسيره الآية [3/1579]: "هذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتى فيها، والمرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، فلا يجوز كشف ذلك إلا لضرورة، أو لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعن ويعرض عندها".

3- قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن [14/227]: "في هذا الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة: بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين وعندها".

4- قال ابن كثير في تفسيره [6/446] في تفسير الآية المتممة لآية الحجاب: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ..}: "لما أمر الله تعالى النساء بالحجاب من الأجانب، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم، كما استثناهم في سورة النور، عند قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ..}".

5- قال الجصاص في أحكام القرآن، في تفسيره الآية [5/242]: "هذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنا مأمورين باتباعه والاقتداء به، إلا ما خصه الله به دون أمته".

6- قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير [4/298]: "{ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، أي: أكثر تطهيرا لها من الريبة، وخواطر السوء، التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال، وفي هذا أدب لكل مؤمن، وتحذير له، من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له، والمكالمة من دون حجاب لم تحرم عليه".. قال: "ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه، فقال: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ ولا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ..}، فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهن من النساء الاحتجاب منهم".

7- قال الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن" [6/584]: "في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} هو علة قوله تعالى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته: هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيبا عند العارفين".

8- قال الشيخ حسنين مخلوف مفتى الديار المصرية [انظر: عودة الحجاب 3/240، نقلا عن صفوة البيان لمعاني القرآن 2/190]: " وحكم نساء المؤمنين في ذلك حكم نسائه صلى الله عليه وسلم".

أما العلماء الذين نصوا على الخصوصية من غير المفسرين، فمنهم:

1- القاضي عياض، قال: [الفتح 8/530]: " فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز".

2- قال أبو جعفر الطحاوي [ شرح معاني الآثار 2/392-393. انظر: الرد المفحم ص34]: "أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء، إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".

3- قال ابن بطال [الفتح 1/10]: "فيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، إذ لو لزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل. قال: فيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا، لإجماعهم على أن المرأة تبدي وجهها في الصلاة، ولو رآها الغرباء، وأن قوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} على الوجوب في غير الوجه".

- اعتراض، وجواب.

قال بعضهم: لما كان على الأمهات ستر شخوصهن، ولم يكن ذلك على سائر المؤمنات، صح حينئذ القول بأن ثمة حجاب خاص للأمهات، يفترق عن سائر المؤمنات، فإذا ثبت التفاوت، فالقول بأن الأمهات عليهن تغطية الوجه، دون غيرهن، فمن هذا الباب، فهذا أساس في المسألة.

ويقال: هذا المذهب باطل، يخالف الآثار، وهو مذهب القاضي عياض، وقد رده ابن حجر، حيث قال تعليقا على حديث الحجاب الآنف [الفتح 8/530]: "وفي الحديث من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين، قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها. انتهى.

وليس فيما ذكر دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة من بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟، قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب".

وفي كل حال: هذه المسألة خارج محل النزاع، فليس النزاع في ستر الشخوص، بل في ستر الوجوه، فلو ثبت وجوب ستر الشخوص للأزواج واختصاصهن به، لم يكن ذلك دليلا على أن ستر الوجوه خاص به، بل قد يقال: هو دليل على عموم حكم غطاء الوجه، وإنما الذي اختصت به الأمهات ستر الشخوص.

- استطراد آخر: اعتراض، وجواب.

قال الشيخ الألباني في كتابه [ الرد المفحم ص10]: "يزعم كثير من المخالفين المتشددين: أن الجلباب المأمور به في آية الأحزاب هو بمعنى الحجاب المذكور في الآية الأخرى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، وهذا خلط عجيب، حملهم عليه علمهم بأن الآية الأولى لا دليل على أن الوجه والكفين عورة، بخلاف الآية الأخرى، فإنها في المرأة ودارها، إذ إنها لا تكون عادة متجلببة ولا متخمرة فيها، فلا تبرز للسائل، خلافا لما يفعله بعضهن اليوم ممن لا أخلاق لهن، قد نبه على هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في الفتاوى 15/448: (فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن). قلت: فليس في أي من الآيتين ما يدل على وجوب ستر الوجه والكفين".

من هذا يتضح أن للشيخ رأيا خاصا في الآية، فهو يرى عموم حكمها جميع النساء، لكنه يخصها بالبيوت، وكأنه أعمل قاعدة: "خطاب الواحد يعم الجميع"، لكنه نظر إلى سياق الآية، فحكم بأنها في البيوت، دون الخارج، لكن في قوله ثمة إشكال مبني على مذهبه في جواز كشف الوجه، وهو: إذا كان يقصر آية الحجاب على المساكن، ويمنع دلالة آية الجلباب على تغطية الوجه، فمن أين أوجب على الأزواج التغطية؟!

من أجاز كشف الوجه، فلا دليل لديه يوجب تغطية الأزواج الوجه إلا آية الحجاب، وليس في الآثار أمر للأزواج بالتغطية، بل غاية ما فيها تطبيقهن لهذا الحكم، فإذا قصر القائلون بالكشف آية الحجاب على المساكن، حينئذ لا يبقى لديهم دليل يوجب التغطية على الأزواج وجوههن خارج البيت، فيلزمهم القول بجواز كشف الأزواج وجوههن. وهذا لم يقل به أحد، ولا الشيخ نفسه.

فليس ثمة طريق إذن، للقول بوجوب تغطية الأزواج وجوههن، إلا التسليم بشمول حكم آية الحجاب البيت وخارجه، وإذا فعل فقد أقر بأن الآية تدل على وجوب التغطية داخل البيوت وخارجها، وحينئذ يلزمه القول بعموم الحكم نساء المؤمنين، لبطلان التخصيص، كما تقدم، ولأن الشيخ كذلك لا يقول بتخصيص الحكم.

وينتبه هنا: إلى أنه على قول من يوجب التغطية على الجميع، فلا إشكال في تخصيص آية الحجاب بالمساكن، وآية الجلباب في البروز من المساكن؛ لأن هؤلاء يستدلون بآية الجلباب على التغطية، وحينئذ فهي دليل وجوب التغطية في حق الأزواج، كما هو في حق سائر النساء، وهذا هو مذهب ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وإذا كانت هذه هي صورة المسألة، فما كان للشيخ أن يستدل على ما ذهب إليه بشيخ الإسلام ابن تيمية، دفعا للإيهام، من أنه يقول بالكشف، فإنه من القائلين بوجوب تغطية الوجه على عموم النساء، ويستدل على ذلك بآية الجلباب، وإذا كان كذلك وجب أن يفهم قوله المنقول في ضوء هذا المذهب، يقول:

"وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة، وزينة غير ظاهرة. وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة، لغير الزوج وذوى المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذا ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب، بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} حجب النساء عن الرجال" [الفتاوى 22/110].

على أنه يقال: إن القول بقصر دلالة آية الحجاب على البيوت مطلقا يعارض علة الآية، التي هي: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}، فالطهارة مطلوبة في الحالين، ومن ثم فالقصر ممتنع، وكون سياق الآية جاء في البيوت، فلا يمنع ذلك من تعميم الحكم خارجه لوجود العلة، والقاعدة معروفة: "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب".

كذلك لم نجد في أقوال المفسرين التصريح بالقصر، بل ظاهر كلامهم شمول الحكم البيوت وخارجها.

وقد ذهب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إلى أنه لا نص صريح الدلالة، على وجوب ستر الوجه واليدين، ومن ثم فلا يصح حمل النصوص المبيحة على ما قبل الأمر بالحجاب.. قال [الرد المفحم ص122]:

"الشبهة الخامسة: قال أحد الفضلاء: وعلى التسليم بصحة الحديث، يحمل على ما قبل الحجاب، لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم. فأقول: لا يصح الحمل المذكور هنا لأمرين:

الأول: أنه ليس في تلك النصوص، ما هو صريح الدلالة، على وجوب ستر الوجه واليدين، حتى يصح القول بأنها ناقلة عن الأصل.

الثاني: أن نصوص الحجاب المشار إليه تنقسم إلى قسمين من حيث دلالتها:

- الأول: ما يتعلق بحجاب البيوت، حيث المرأة متبذلة في بيتها، فهذا لا علاقة له بما نحن فيه، على أنه ليس في إلا آية الأحزاب: {وإذا سألتموهن متاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}، وقد قدمنا عن ابن تيمية أنها في البيوت.

- والآخر: ما يتعلق بالمرأة إذا خرجت من بيتها، وهو الجلباب...".

ويفهم من كلامه، أنه لو وجد نص صريح الدلالة على الوجوب، فإنه يكون ناسخا لكل نص يبيح الكشف.

وبما سبق من تفصيل وأوجه، يتبين أن هذه الآية نص صريح الدلالة، في وجوب تغطية الوجوه، لعموم النساء، ويمتنع أن يكون حكم الآية قاصرا على البيوت، لأنه الدليل الوحيد، الذي يوجب تغطية الأزواج وجوههن، عند من يخصهن بالتغطية، فقصر دلالته على البيوت، يعطل دلالته على هذا الحكم، ولا قائل بهذا أحد، ولا الشيخ نفسه.

فإذا ثبت عموم الحكم في آية الحجاب: {وإذا سألتموهن متاعا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}.. فلم يعارضه معارض صحيح يقصر الحكم على الأزواج، فنخرج من ذلك بنتيجة مهمة هي: أن الشارع يؤصل للحجاب الكامل، بتغطية الوجه وسائر البدن. بصريح هذه الآية، التي لم يجد أحد طريقا لصرف معناها وحكمها في حق سائر المؤمنات إلا دعوى الخصوصية بالأزواج..

وقد علم بطلان هذه الخصوصية بما سقنا من أدلة شرعية وعقلية وأقوال للعلماء.

والنتيجة المهمة هنا هي:

- أنه إذا كانت الآية قطعية الثبوت، وهذا بإجماع المسلمين؛ لأنها من القرآن، والله تعالى حفظه.

- وإذا ثبتت قطعية دلالتها على وجوب الحجاب الكامل، بما سبق من الوجوه والأدلة.

فنخرج من ذلك: أن الآية محكمة الدلالة، فتكون من المحكمات، التي يصار إليها حين الخلاف، فما عارضها، وكان ثابتا بسند صحيح، بدلالة صريحة على الكشف، فهو متشابه، كأن يكون قبل الأمر بالحجاب، أو لعذر خاص، وحالة خاصة، فيرد هذا المتشابه إلى هذا المحكم، ويفهم في ضوئه، وبذلك ينتفي التعارض، فهذا سبيل التعامل مع المحكمات، لا يصح ولا يجوز تعطليها لأجل متشابه.

هذا لو كان هذا المتشابه بهذا الوصف من الثبوت والدلالة، فكيف إذا كان باطل السند، كحديث أسماء، أو محتمل الدلالة غير قطعي في الكشف، كحديث الخثعمية، وهذا حال الآثار التي استدل بها الذين أجازوا الكشف، فحينئذ فلا ريب أن الواجب طرحه، وعدم الالتفات، ولا يجوز بحال تقديمه على نص محكم.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] [انظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص243]

[2] [تمام المنة 41-42].



* عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة بجامعة أم القرى.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:05 PM
المرأة بين صيانة الإسلام وعبث اللئام
حسين آل






لم تعرف البشريةُ ديناً ولا حضارةً عُنيت بالمرأة أجملَ عناية وأتمَّ رعايةٍ وأكملَ اهتمام كالإسلام. تحدَّث عن المرأة، وأكّد على مكانتها وعِظم منزلتها، جعلها مرفوعةَ الرأس، عاليةَ المكانة، مرموقةَ القدْر، لها في الإسلام الاعتبارُ الأسمى والمقامُ الأعلى، تتمتّع بشخصيةٍ محترمة وحقوقٍ مقرّرة وواجبات معتبرة. نظر إليها على أنها شقيقةُ الرجل، خُلِقاَ من أصل واحد، ليسعدَ كلٌّ بالآخر ويأنس به في هذه الحياة، في محيط خيرٍ وصلاح وسعادة، قال : ((إنما النساء شقائق الرجال))[1].

المرأةُ في تعاليم الإسلام كالرجل في المطالبة بالتكاليف الشرعية، وفيما يترثّب عليها من جزاءات وعقوبات، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124].

هي كالرجل في حمل الأمانة في مجال الشؤون كلها إلا ما [اقتضت] الضرورةُ البشرية والطبيعة الجِبليّة التفريقَ فيه، وهذا هو مقتضى مبدأ التكريم في الإسلام لبني الإنسان، وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].

لقد أشاد الإسلام بفضل المرأة، ورفع شأنَها، وعدَّها نعمةً عظيمةً وهِبةً كريمة، يجب مراعاتها وإكرامُها وإعزازها، يقول المولى جل وعلا: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ {42/49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا [الشورى:49،50]، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي قال: ((من كان له أنثى فلم يئدها ولم يُهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة))[2].

المرأةُ في ظل تعاليم الإسلام القويمة وتوجيهاتِه الحكيمة تعيش حياةً كريمة في مجتمعها المسلم، حياةً مِلؤها الحفاوةُ والتكريم من أوَّل يوم تقدُم فيه إلى هذه الحياة، ومُرورًا بكل حال من أحوال حياتها.

رعى حقَّها طفلةً، وحثَّ على الإحسان إليها، ففي كتاب مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي قال: ((من عال جاريتين حتى تبلُغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين)) وضمّ أصابعه[3]، وفي مسلم أيضاً أن النبي قال: ((من كان له ثلاث نبات وصبر عليهن وكساهن من جدته كُن له حجابا من النار))[4].

رعى الإسلام حقَّ المرأة أمًّا، فدعا إلى إكرامها إكرامًا خاصًّا، وحثَّ على العناية بها، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَـاناً [الإسراء:23]. بل جعل [حقَّ] الأمّ في البرّ آكدَ من حقِّ الوالد، جاء رجل إلى نبينا فقال: يا رسول الله، من أبرّ؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أمّك))، قال: ثم من؟ قال: ((أبوك)) متفق عليه[5].

رعى الإسلامُ حقَّ المرأة زوجةً، وجعل لها حقوقاً عظيمة على زوجها، من المعاشرة بالمعروف والإحسان والرفق بها والإكرام، قال : ((ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم)) متفق عليه[6]، وفي حديث آخر أنه قال: ((أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلُقاً، وخيارُكم خياركم لنسائه))[7].

رعى الإسلامُ حقَّ المرأة أختًا وعمَّةً وخالةً، فعند الترمذي وأبي داود: ((ولا يكون لأحد ثلاثُ بنات أو أخوات فيُحسن إليهن إلا دخل الجنة))[8].

وفي حال كونِها أجنبيةً فقد حثَّ على عونها ومساعدتها ورعايتها، ففي الصحيحين: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم الذي لا يفتُر، أو كالصائم الذي لا يفطِر))[9].

والمكانةُ الاجتماعية للمرأة في الإسلام محفوظةٌ مرموقة، منحها الحقوقَ والدفاعَ عنها والمطالبةَ برفع ما قد يقع عليها من حرمان أو إهمال، يقول : ((إن لصاحب الحق مقالاً))[10].

أعطاها حقَّ الاختيار في حياتها والتصرّف في شؤونها وفقَ الضوابط الشرعية والمصالح المرعية، قال جل وعلا: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ [النساء:19]، وقال : ((لا تُنكح الأيم حتى تُستأمَر، ولا البكر حتى تستأذَن في نفسها))[11].

المرأةُ في نظر الإسلام أهلٌ للثقة ومحلٌّ للاستشارة، فهذا رسول الله أكملُ الناس علما وأتمُّهم رأيًا يشاور نساءَه ويستشيرهن في مناسبات شتى ومسائل عظمى.

في الإسلام للمرأة حريةٌ تامة في مناحي الاقتصاد كالرجل سواءً بسواء، هي أهلٌ للتكسُّب بأشكاله المشروعة وطرقه المباحة، تتمتّع بحرية التصرف في أموالها وممتلكاتها، لا وصايةَ لأحدٍ عليها مهما كان وأينما كان، وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ [النساء:6].

بل إن الإسلامَ يفرض للمرأة من حيث هي ما يسمَّى بمبدأ الأمن الاقتصادي مما لم يسبق له مثيلٌ ولا يجاريه بديل حينما كفل للمرأة النفقةَ أمًّا أو بنتاً أو أختاً أو زوجةً وحتى أجنبية، لتتفرّغ لرسالتها الأسمى وهي فارغةُ البال من هموم العيش ونصب الكدح والتكسُّب.

هذه بعضُ مظاهر التكريم للمرأة في الإسلام، وذلك [غيْضٌ من فيض] وقبضةٌ من بحر.

و إن أعداءَ الإسلام تُقلقهم تلك التوجيهاتُ السامية، وتقضّ مضاجعهم هذه التعليمات الهادفة، لذا فهُم بأنفسهم وبمن انجرّ خلفهم في حديث لا يكلّ عن المرأة وشؤونها وحقّها وحقوقها، كما يتصوّرون وكما يزعمون، مما يحمل بلاءً تختلف الفضائل في ضجَّته، وتذوب الأخلاق في أزِمّته، دعواتٌ تهدف لتحرير المسلمة من دينها والمروق من إسلامها، مبادئُ تصادم الطفرةَ وتنابذ القيمَ الإيمانية. دعواتٌ من أولئك تنبثق من مبادئَ مُهلكةٍ ومقاييسَ فاسدة وحضاراتٍ منتنة، تزيِّن الشرورَ والفساد بأسماء برّاقة ومصطلحات خادعة. وللأسف تجد من أبناء المسلمين من في فكره عِوَجٌ وفي نظره خلل ينادي بأعلى صوتٍ بتلك الدعوات، ويتحمّس لتلك الأفكار المضلِّلة والتوجُّهات المنحرفة، بل ويلهج سعياً لتحقيقها وتفعيلها. لذا تجد أقلامَهم تُفرز مقتاً للأصيل من أصولهم والمجيد من تراثهم.

لقد عرف أعداءُ الإسلام ما يحمله هذا الدين للمرأة من سموّ كرامةٍ وعظيم صيانة، علموا في مقرراته المأصَّلة أن الأصلَ قرارُ المرأة في مملكة منزلها، في ظل سكينة وطمأنينة، ومحيط بيوتٍ مستقرةٍ، وجوِّ أسرة حانية. رأوا حقوقَ المرأة مقرونةً بمسؤوليتها في رعاية الأسرة، وخروجها في الإسلام من منزلها يؤخَذ ويمارَس من خلال الحشمة والأدب، ويُحاط بسياج الإيمان والكرامة وصيانة العرض، كما قال تعالى: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱالْجَـاهِلِيَّةِ ٱالأولَى [الأحزاب:33]، وكما قال : ((وبيوتهن خير لهن))[12]. حينذاك ضاقوا من ذلك ذرعاً، فراحوا بكلِّ وسيلة وسعوا بكل طريقة ليخرجوا المرأةَ من بيتها وقرارِها المكين وظلِّها الأمين، لتطلق لنفسها حينئذ العنانَ لكل شاردةٍ وواردة، ولهثوا لهثاً حثيثاً ليحرّروها من تعاليم دينها وقيم أخلاقها، تارةً باسم تحرير المرأة، وتارةً باسم الحرية والمساواة، وتارةً باسم الرقي والتقدم الكاذب. مصطلحاتٌ ظاهرها الرحمة والخير، وباطنُها شرٌّ يُبنى على قلبِ القيم، وعكس المفاهيم، والانعتاق من كل الضوابط والقيم والمسؤوليات الأسَرِية والحقوقِ الاجتماعية، وبالتالي تُقام امرأةٌ تؤول إلى سلعةٍ تُدار في أسواق الملذَّات والشهوات.

فالمرأةُ في نظر هؤلاء هي المتحرِّرةُ من شؤون منزلها وتربية أولادها، هي الراكضةُ اللاهثة في هموم العيش والكسب ونصب العمل ولفْت الأنظار وإعجاب الآخرين، ولو كان ذلك على حساب تدمير الفضيلة والأخلاق, وتدمير الأسرة والقيم، فلا هي حينئذ بطاعة ربٍّ ملتزمةٌ، ولا بحقوق زوجٍ وافية، ولا في إقامة مجتمع فاضلٍ مُسهِمة، ولا بتربية نشءٍ قائمةٌ.

تلك نظراتُهم تصبُّ في بواثِق الانطلاق التامِّ والتحرُّر الكامل، الذي يُغرق الإنسانَ في الضياع والرذيلة وفقدان القيمة والهدف والغاية. أما في الإسلام فالمرأة أهمُّ عناصر المجتمع، الأصلُ أن تكون مربِّيةً للأجيال، مصنعاً للأبطال، ومع هذا فالإسلام ـ وهو الذي يجعل للعمل الخيِّر منزلةً عظمى ومكانةً كبرى ـ لا تأبى تعاليمُه عملاً للمرأة في محيط ما تزكو به النفس، وتُقوَّم به الأخلاق، وتحفظ به المرأة كرامتَها وحياءها وعفَّتها، وتصون به دينها وبدنَها وعرضها وقلبَها، وذلك من خلال ما يناسب فطرتَها ورسالتَها، وطبيعتَها ومواهبَها، وميولها وقدراتِها. ومن هذا المنطلق فالإسلام حينئذ يمنع المرأة وبكلِّ حزم من كلِّ عمل ينافي الدين، ويضادُّ الخلقَ القويم، فيشرط في عملها أن تكون محتشمةً وقورة، بعيدةً عن مظانِّ الفتنة، غيرَ مختلطة بالرجال، ولا متعرّضةٍ للسفور والفجور. ولئن أردنا حقيقةَ الواقع الذي يخالف ذلك المنهج الإسلامي فاسمع ـ يا رعاك الله ـ لأحد كُتَّاب الغرب وهو يقول: "إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجتَه كانت هادمةً لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكلَ المنزل، وقوَّض أركانَ الأسرة، ومزَّق الروابط الاجتماعية"، وتقول أخرى وهي دكتورةٌ تحكي أزماتِ مجتمعها، تقول: "إن سبب الأزماتِ العائلية وسرَّ كثرةِ الجرائم في المجتمع هو أن الزوجةَ تركت بيتَها لتضاعفَ دخلَ الأسرة، فزاد الدخلُ وانخفض مستوى الأخلاق"، إلى أن قالت: "والتجاربُ أثبتت أن عودةَ المرأة إلى المنزل هو الطريقةُ الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي [هو] فيه" انتهى.

* إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، والمادة المنشورة جزء من خطبة ألقها في المسجد النبوي.

[1] أخرجه أحمد (6/256)، وأبو داود في الطهارة (236)، والترمذي في الطهارة (113)، وابن الجارود في المنتقى (91) من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو في صحيح الترمذي (98)، وانظر السلسلة الصحيحة (2863).

[2] أخرجه أحمد (1/223)، و كذا ابن أبي شيبة في المصنف (5/221)، وأبو داود في الأدب (5146)، والبيهقي في الشعب (8699) من طريق ابن حدير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الحاكم (7348)، وابن حدير لا يعرف كما في الميزان الاعتدال (7/449)، وقال الحافظ في التقريب: "مستور لا يعرف اسمه"، والحديث في ضعيف أبي داود (1104).

[3] أخرجه مسلم في البر (2631).

[4] هذا الحديث أخرجه أحمد (4/154)، والبخاري في الأدب المفرد (76)، وابن ماجه في الأدب (3669)، وأبو يعلى في مسنده (1764)، والطبراني في الكبير (17/299)، والبيهقي في الشعب (8688) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وصحح إسناده البوصيري في الزوائد، والألباني في السلسلة الصحيحة (294).

[5] أخرجه البخاري في الأدب (5971)، ومسلم في البر (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

[6] أخرجه البخاري في النكاح (5186)، ومسلم في الرضاع (1468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه ((فإنهن عوان عندكم))، وإنما هي عند الترمذي في الرضاع (1163)، وابن ماجه في النكاح (1851) من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: ((عوان عندكم)) يعني: أسرى في أيديكم"، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (929).

[7] أخرجه أحمد (2/250)، وأبو داود في السنة (4682) مختصرا، والترمذي في الرضاع (1162)من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (4176)، والحاكم (2)، وهو في السلسلة الصحيحة (284).

[8] أخرجه أبو داود في الأدب (5147)، والترمذي في البر (1912) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أحمد (3/42)، والبخاري في الأدب المفرد (79)، وصححه ابن حبان (446)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب (59).

[9] أخرجه البخاري في الأدب (6007)، ومسلم في الزهد (2982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[10] أخرجه البخاري في الهبة (2609)، ومسلم في المساقاة (1601) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] أخرجه البخاري في النكاح (5136)، ومسلم في النكاح (1419) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه عندهما قوله: ((في نفسها)).

[12] أخرجه أحمد (2/76)، وأبو داود في الصلاة (567) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة (1684)، والحاكم (755)، وابن عبد البر في التمهيد (23/395)، وهو في صحيح أبي داود (530).

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:06 PM
الخطاب النسوي المعاصر .. صورة من قريب
فاطمة أحمد حافظ






خلال ما يربو على قرن كامل مرت الحركة النسوية بمراحل عديدة من التطور التاريخي وقد اقترن تطورها بتطور مماثل في الخطاب النسوي المصاحب لها والذي بدأ بالحديث عن حقوق المرأة الإنسانية والاجتماعية على استحياء وانتهى به المطاف إلى الحديث عن المساواة والندية المطلقة الآن مع تجاوز تام للرجل في بعض الأحيان ومن غير المستبعد أن يفاجئنا الخطاب في الغد بالحديث عن "الشعب النسائي" مثل نظيره النسوي الغربي الآن .

والمتابع لما يطرحه الخطاب يمكنه أن يلحظ أنه يدور في فلك عدة موضوعات لا يتجاوزها- بل ويمكن حصرها- فالحديث عن مظلومية المرأة والهيمنة الأبوية الذكورية والتمكين الاقتصادي للمرأة والعنف ضد النساء وغيرها كلها من ثوابت الخطاب النسوي.

وأما أبرز ملامح الخطاب النسوي المعاصر فهي ازدراؤه لكل ما هو ثابت ومتفق عليه بحكم الشريعة فيرى أن تعدد الزوجات ونصيب المرأة من الميراث وعدة المطلقة أمور تكشف عن انحياز الإسلام للرجل وانتقاصه من حقوق المرأة وفي أحسن الأحوال فإنها أمور لم تعد تتمشى مع عصرنا الحالي !

ويخص الخطاب النسوي الحجاب على وجه الخصوص بنصيب وافر من الهجوم فهو من وجهة دعاة النسوية يلخص المرأة التي ترتديه إلى مجرد "شيئ" حيث تفقد خصوصيتها وتكوينها الذاتي وتتحول إلى مجرد رقم بين مجموع النساء. ومن المفارقات أن النسويات العربيات يتشددن في مسألة الحجاب بدرجة تفوق أحياناًُ تشدد أساتذتهن من النسويات الغربيات فعلى سبيل المثال ذكرت "جرمان جرير" النسوية البريطانية صاحبة الكتاب المثير للجدل "المرأة بأكملها" بأنها تقبل الحجاب باعتباره جزء من الهوية الثقافية للشعوب العربية .

وفي الوقت الذي يحمل فيه الخطاب النسوي على الحجاب باعتباره رمزا للستر والعفاف نجده لا يألو جهدا في الترويج لأطروحات المنظمات النسوية الغربية المتعلقة بالحرية الجنسية للمرأة ومشروعية ممارستها للجنس بدون زواج إلى غير ذلك من الأفكار الخارجة عن السياق الديني والقيمي والخلقي لعالمنا العربي والإسلامي .

وما الحرب التي خاضتها النسويات المصريات قبل فترة حول ضرورة تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس إلا خطوة أولى في سبيل تعميم مثل هذه الأفكار.

والباحث المدقق فيما يطرحه الخطاب النسوي من قضايا وإشكاليات لا يجد صعوبة في أن يقف على مدى حالة التغريب التي يعيشها الخطاب الذي لم يكتف بأن يقتبس من الغرب طرقه في معالجة قضايا المرأة بل إنه سحب القضايا التي تعاني منها المرأة الغربية وأسقطها على المرأة العربية المسلمة.

ولا شك أن تركيز الخطاب على مثل هذه القضايا الوافدة الوهمية وإحجامه عن التصدي للقضايا الحقيقية التي تواجهها القاعدة النسائية العريضة قد باعد بينه وبين هذه القاعدة وأدى إلى تحوله إلى خطاب نخبوي وليس إلى خطاب جماهيري.

ومنذ فترة ليست بالبعيدة بدأ الخطاب النسوي يعاني من إشكالية عدم تمكنه من التوفيق بين ما هو وطني وما هو نسوي وفي مثل هذه الحالة فإن الخطاب غالباً ما ينحاز إلى جانب النسوي على حساب الوطني وقد اتضح ذلك بصورة عملية في موقف الخطاب المعارض للعمليات الاستشهادية وإحقاقاً للحق فإن بعض تيارات الحركة النسوية قد أعلنت أنها تؤيد مثل هذه العمليات إلا أن صوتها كان ضعيفاً وظلت الغلبة للمعارضين لها

وقد أدهش الخطاب النسوي الجميع حين أعلن رفضه للعملية الاستشهادية التي نفذتها الشهيدة وفاء إدريس وقد كان من المفترض والبديهي أن يحتفي الخطاب بمشاركة المرأة الفلسطينية في حركة التحرر الوطني لبلدها أما عن مبررات هذا الرفض فقد ساقتها إقبال بركة بشجاعة تحسد عليها قائلة (إن آلاف المنظمات الأهلية النسائية في أنحاء العالم لن تتعاطف أبداً مع الرجل العربي الذي يدفع زوجته أو ابنته أو شقيقته لتفجر نفسها دفاعاً عن وطنهما ) .

ورفض الخطاب لعملية وفاء إدريس بصفة خاصة يلقي بظلال من الشك حول ما يدعيه الخطاب من أنه يستهدف تفعيل مشاركة المرأة في قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنه يعمل على تغيير الصورة النمطية التقليدية عن المرأة والتي تحصر دورها في أداء أعمال معينة محكومة بعامل الجنس .

وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الخطاب النسوي فالخطاب يقع في أخطاء منهجية عديدة حينما يحاول معالجة قضايا المرأة بمعزل عن قضايا المجتمع ككل وحينما يعادي الرجل لأسباب غير مفهومة وحينما يفشل في استحضار الهوية العربية والإسلامية في أدبياته .

أما أبرز تجليات فشل الخطاب النسوي بصورته الراهنة فهي عجزه عن تحقيق ما يدعو إليه رغم مرور ما يربو عن قرن من انطلاق مسيرته فما زالت المرأة العربية تعاني من الأمية وما زالت تواجه صورًا عديدة من القهر والظلم أما عن آية فشل هذا الخطاب الحقيقية فهي إخفاقه في تشكيل قوة نسائية حقيقية تعبر عن مطالب المرأة العربية لا الغربية !

وختاماً فإننا حين ننتقد القائمين على الخطاب النسوي لمحاولتهم إسقاطهم الثوابت الدينية والخلقية ومراعاة الخصوصية الثقافية فإننا ننحي أيضاً باللائمة على الإسلاميين الذين عجزوا عن بلورة مشروع خطاب إسلامي بديل يعبر عن القضايا الحقيقية التي تعاني منها المرأة ويوائم بين ما هو ثابت بحكم الشريعة وما هو متغير بحكم العصر الذي نحيا فيه وإن كنا لا نُغفل بعض الجهود الفردية.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:08 PM
الحركة النسوية الغربيةوأثرهافي المجتمعات الإسلامية
محمد الأحمري






كانت ليلة عاصفة من النقاش مع غير المسلمين. كان النقاش في الكنيسة عن الإسلام وموقفه من قضايا عدة، وقد دعت لهذا اللقاء إحدى كنائس "البروتستانت" في أمريكا. كلفت باللقاء، وتهيبت ما أمامي منه أيما تهيب، وسيحضر اللقاء معي مسلم واحد -حديث العهد بالإسلام - وهذا امتحان لدينه أمامه وأمامهم، وأمامنا لقاء مفتوح مع شخصيات كنسية رغبت في التعرف والنقاش، وهم كثرة ونحن قلة، ومعهم قسيسة متخصصة في الإسلام والعالم الإسلامي، رأيت - قبل قدومي - بعض ما درسته، وعرفت من لقاء سابق، أنها مهتمة جداً بالإسلام ودراسته من شتى الجوانب، عقيدة وسلوكاً وتاريخاً, وبدا ذلك واضحاً من ورقة البرنامج.

وما إن بدأت الحديث، حتى ثارت إحدى الجالسات في لهجة مندفعة وصوت عال وسلوك نزق، تشتم الطريقة التي أجبرها أهلها فيها على اعتناق المسيحية ودراستها؛ فقد أجبروها على ما تكره، وألزموها ديناً، فيه الكثير من غير المعقول، فتورمت أنوف الشيوخ الكبار والعجائز المشاهدات، وضاقوا بها وبتعرضها وتشويهها للمسيحية أمام المسلمين، وفي موجة غضب، كانت تهجو المسيحية وتسأل المسلمين وتنتقد الموجودين.

ثم هدأ الموقف - بتهدئة ذوي الأحلام - ليأخذ السياق طابع الجد والنقاش المباشر، وقد هيأ الله لنا باباً في الحديث - هم فتحوه - وكان موضوع (المرأة). ولا يأتي ذكر الإسلام عند الأمريكان خاصة، إلا مرتبطاً بالحديث عن أمر المرأة. وكيف أن الإسلام يمنعها من التعليم والحياة، وموقف الإسلام من المرأة يحدده سلوك "طالبان" في أفغانستان؛ فهو تجهيل للمرأة وحرمان. كما أن السلوك الإسلامي للرجل، يحدده صدام والقذافي والخميني، فهو كراهية للأجناس الأخرى، وحقد وفشل وحصار.. وما شابه.

ومشكلة المرأة في المجتمع الغربي، عقدة حقيقة في الثقافة الأوروبية القديمة، ثم حملتها المسيحية معها عندما تنصرت الشعوب المتوحشة المتخلفة؛ فقد كانت هذه الشعوب - قبل تنصرها - تشرب الخمر, وتتزوج زوجة واحدة يمتلكها الرجل مدى الحياة ويخونها، ويزني بمن صادف من زمان التوحش إلى زمان "كلنتون".. ثقافة يتوارثها الآباء عن الأجداد، في البيوت والمكاتب والمدارس والكتب.. وغيرها.

ذكرت لهم: أن عقدة المرأة لم تكن في المجتمع الإسلامي كما هي في ثقافتهم، وأننا اليوم قد استوردنا المشكلة مع مطاعم "مكدونالد والكوكاكولا", وأصبح همهم في هذه "الكنيسة" هو همّ الشارع "المسلم"، فيكفي أن تطلقوا نكتة أو تحدث مشكلة؛ فتصبح مشكلتنا! يكفي أن تنشر عندكم صورة امرأة "بلباس غريب" أو "موضة حديثة" فتكون - هذه - موضة المغلوبين على أمرهم، ولم تسمعوا ولم تروا ولم تكبر عندكم كما كبرت عندنا.

وقرأت "لشريعتي" في مقارنته بين أسلوب تقدم المرأة في البلاد المتخلفة والدول القوية "أن المرأة تقدم في "فرنسا" على أنها بطلة من أبطال المقاومة ضد "ألمانيا" وتحرير باريس من النازيين، وضمن الأساتذة والكتاب والمترجمين والمكتشفين والمخترعين والمناضلين السياسيين والقائمين بخدمة البشر.. وأمور وتخصصات من هذا القبيل، أي الجهاد والمشاركة الفعالة بأكثر ما يمكن، من المفاخر التي كانت - في الغالب - قاصرة على الرجال، أما المرأة العصرية - هنا في إيران- فإن الإحصائية الوحيدة التي تقدمها كدليل دقيق لمعدل التقدم والتطور والحرية لديها, وأكثر الأناشيد الحماسية التي ينشدنها إيقاعاً، ويعتبرنها من الانتصارات التي اكتسبنها في طريق الحرية والتقدم، إنه منذ سنة 1957 حتى 1976 - وفي فترة لا تزيد عن عشر سنوات تضاعفت - مؤسسات التجميل والزينة وبيع لوازم الزينة والرموش والأظافر الصناعية في (طهران) خمسمائة ضعف، مما أسعد أصحاب محلات من أمثال كريستين ديور" اهـ بتصرف، (العودة إلى الذات ص 80). ثم يشير - في مكان آخر - إلى أن النساء الجاهلات أو الأقل تعليماً ومدنية وفي ريف إيران - أشد تعلقاً بالموضات الفرنسية وإنفاقاً عليها، من ساكنات طهران. وكانت إيران تستورد من مساحيق الزينة، أضعاف ما تستورده من المنتجات الثقافية.

ولما وهب الله المرأة من الحساسية الاجتماعية العالية, وسرعة التقليد، والتي تتمثل في تعلم الأشكال والأصوات، بل والبراعة في تعلم اللغات أكثر من الرجل، وهي أمور تساهم سلباً، كما تساهم إيجاباً. فعلى مجتمع الرجل المنهار- التابع لغير المسلمين - ألا يصب اللوم على المرأة وحدها، ولكن الحل أن يبرز الرجال منهم أساتذة ومن النساء يكن قدوات؛ فينقلب الأمر, كما حدث في "مجتمع النبوة" الأول، وكما يمكن أن يحدث في أي مجتمع بشري. فالنخبة الواعية قادرة على قلب الموازين الثقافية.

ولما عرجت على أن المرأة المسلمة لم تعرف عقدة الكراهية والشتم - التي امتلأت بها كتب النصارى، وأنها تملك حق الزواج والطلاق والميراث، وأن تكون لها تجارتها وعملها ومالها الخاص، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، وأن خديجة - رضي الله عنها - كانت صاحبة مال وأعمال، عمل عندها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تجارتها. وكان للنساء حضور في الحركة الجهادية والعلمية والسياسية في الإسلام، وما هند بنت عتبة، وعائشة وخطبتها يوم الجمل، بغريبة في الثقافة الإسلامية. قال الذهبي: - ناقلاً عن (الأحنف بن قيس) لقد استمعت لأبي بكر وعمر، فما سمعت مثل عائشة يوم الجمل أفخم كلاماً1. إن مجتمع خفت فيه العقد الداخلية، ولم يستورد أمراض الشعوب الأخرى - كحالنا اليوم -، تمرضه كل هبة ريح، أمل القوي فيستقوي بالوافد، ويضع الصالح لبنة في بنائه الضخم.

ثم أخذنا نستشهد جاء في الإنجيل: "وكما تصمت النساء في جميع كنائس الاخوة القديسين فلتصمت نساؤكم في كنائسكم، فلا يجوز لهن التكلم، وعليهن أن يخضعن كما تقول الشريعة, فإن أردن أن يتعلمن شيئا, فليسألن أزواجهن في البيت, لأنه عيب على المرأة أن تتكلم في الكنيسة2" فليس لها أن تتكلم أو تتعلم في الكنيسة. ودع هذا النص، للتالي العجيب؛ يقول الإنجيل: "فالمرأة المتزوجة تربطها الشريعة بالرجل ما دام حياً, فإذا مات تحررت من رباط الشريعة.. هذا وإن صارت إلى رجل آخر وهو حي فهي زانية3" وهنا جاء السؤال هل ترون - معشر الحاضرين - هذا عدلاً؟ وضجوا.. لا؟!

لقد كان النقاش والتعقيب منا ومنهم، لنا نصراً، وشعرنا بالانشراح والابتهاج؛ لأنهم اعترفوا بهذه الحقيقة، وليست هناك مشكلة عندها أن تسوق الأمثلة - بلا نهاية - على الشك والتناقض في أصولهم. وختاماً أقرت خبيرتهم فقالت: "بكل بساطة ووضوح، إن المرأة في المسيحية ما هي إلا جزء من ممتلكات الرجل والمسلمون منذ 14 قرناً، أعطوا للمرأة ما ترون. حقاً إنه عدل مبكر جداً".

كنت قبلها بفترة يسيرة، اطلعت على كلمة لأحد الكتاب الأمريكان، قال فيها: "إن تعاملنا مع مسألة المرأة هذه الأيام، يدمر مجتمعنا". فالمرأة التي تصبح وتمشي على ثقافة الحركة النسوية المتطرفة، والتي تطالب بأن يخاطب الله - عز وجل - بضمير المؤنث أيضاً "عز وجل عما يفترون" لأنهم إن وصفوا الله بضمير التذكير؛ ففي هذا امتهان للمرأة. بل لا بد من الإشارة بالضميرين بالتساوي. وجعل كلمة "هي" و"هو" في كل مكان سواء. وأيضاً - يقول: "والأسرة التي تسمع، والأطفال.. هذه الحروب الثقافية، كيف يمكن أن تصنع هذه الثقافة أسرة سعيدة؟ بل وكيف يشعر الأطفال والآباء أن بينهم مودة ومحبة؟ إن الأصوات الصاخبة بحقوق المرأة، لم تعد عليها إلا بالتدمير والكراهية والطلاق والمضايقة في مواقع العمل والشوارع، والامتهان والسخرية. إن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة "قانونية" مجردة، إنها حب ووئام وألفة وإنصاف ومشاركة، يدخل القانون وقت المشكلة فقط.. وكم كانت الحياة سعيدة هادئة، قبل الحركة النسوية؟

إن سياق الحزازات والمماحكات بين الرجل والمرأة - والتي أدت لحصول المرأة على نصف ممتلكات الرجل عند الطلاق أو الانفصال - هي التي تجعل الرجل يكره الزواج، ما دام الزنى سهلاً، ويصون عليه ماله، ويتهرب به حتى من المسؤولية عن أطفاله. بل أوجدت هذه القوانين نوعاً جديداً - بدأه شياطين الأفلام - وهو "زواج العقود" وهو (عقد يظهر فيه الرجل على أنه زوج للمرأة ولكن لا يسجل زواجاً)، ويكتب عقداً يبين فيه أنه في حال الانفصال - لكثرته عندهم -؛ فليس له عندها شيء، وليس لها عنده أي التزام؛ لأن الحيلة - بأن توقعه في الزواج أو يوقعها - سادت في المجتمع المنحرف، ليخرج - بعد أيام - بنصف مالها، أو هي بنصف ذلك؛ فكانت هذه الحيلة - التي تجعل العلاقة علاقة نفاق وعدم ثقة وحرب - مبطنة بالابتسامات للمصورين، والتظاهر بالسعادة والحياة الجميلة. وأكثر من نصف الزيجات تنتهي بالطلاق4 في عامة المجتمع، أما بين هذه الطبقات فلا تكاد النسبة تذكر، للباقين على زواجهم. على الرغم من أن الرجل يعاشر المرأة وتعاشره مدة أطول قبل الزواج، منها بعده.

إن النقمة العارمة من التاريخ المسيحي والعرف الوثني الغربي - الذي يحقر المرأة ويجعلها من سقط متاع الرجل -؛ هو من أسباب سن القوانين المناصرة للمرأة، والتي تفضلها على الرجل، ولكن.. ماذا جاءت به هذه القوانين؟ بالمزيد من الكراهية والاستهتار. فالأمريكي العنيف، لم يزل يفكر بالفتوة، والرجولة، والقوة، والغلبة على المرأة والهندي والملون. ولا أنسى قول أستاذنا - لزميل لنا عربي حصلت له مشكلة مع رئيسة التسجيل في الجامعة - قال له الأستاذ: "اذهب وقل لها كذا؛ فرد الطالب بما يوحي بخوفه منها أو تمسكها برأيها، قال له منتهراً: أنت تخاف من امرأة؟ حدثنا فيما بعد بالقصة.. يتعجب من أسلوب أستاذه في الاستهتار بصاحبة المنصب الرفيع، التي تهتز لقولها فرائص طلاب العالم الثالث (المتخلف)، إذ يقلبون القوانين والثقافة - دائماً - لتكون ضدهم. صحيح.. إنه قول جريء وغريب في ذلك المجتمع؛ فهم يمارسون قهر المرأة دون صراحة، والعمل الذي يسندونه لها، يعطونها أقل مما يعطون الرجل، وقد تعمل عملاً أكثر وأشق.

ولكن المجتمع الأمريكي إلى الآن مجتمع رجولي، وعندما يضعف وينهار سوف تأتي المرأة على رأسه، كما جاءت (تاتشر) عند غروب ونهاية بريطانيا؛ لتعلن ضياع الأدوار وسقوط همم الرجال، وتواري بأسهم. لقد كان أمراً يستحق الملاحظة أن الدول الإسلامية التي تمت فيها انتخابات حرة؛ قد تزعمت فيها المرأة أول الحكومات الانتخابية. في تركيا, والباكستان، وبنغلادش، وأندونيسيا.. لماذا؟ بل وفي الهند والفلبين - إذا ألحقنا دولاً أخرى ضعيفة أو متخلفة بمقاييس العصر -، بينما هذه المرأة الفرنسية، لم تصل في الانتخابات الحرة بعد الثورة، ولا بعد العلمانية المتطرفة، ولا زمن قوة فرنسا، ولم تصل أمريكا بعد، مع كونها أطول الديموقراطيات الرئاسية عمراً، وهذه اليهودية (مادلين ألبرايت) أول امرأة تتولى منصباً مهماً، في تاريخ أمريكا؛ بسبب مال اليهود ونفوذهم. ولكنها لا تحلم بالرئاسة، ولو كانت هناك من امرأة قريبة أمل بالرئاسة في أمريكا؛ فهي المترجلة (إليزابيث دول). ولكن أمريكا القوية لم تصل بعد إلى عهد النساء، واختلاط المهمات. ولماذا المرأة في الدول الإسلامية فازت؟ سأل أحدهم هذا السؤال في مجلس؛ فقال أحدهم: "هذه شعوب مريضة ومعقدة تحب أن تثبت أنها متطورة فيهرب رجالها للخلف وتتظاهر الشعوب المقهورة بالتقدم والحرية واختيار المرأة !!". وقال بعضهم: "إن هذا هو موقع المرأة الحقيقي في هذه الشعوب هي الزعيمة وهي صاحبة القرار في البيت والشارع، ولا يغرك تظاهر الرجال, ولذا لم يفلحوا". ولكن فترة حكم هذه النساء، في تركيا والباكستان؛ قد تكشفت عن فساد مالي ووساطات وقرابات، نهبت ميزانية دولهم في عهدهن، فأين القوة والأمانة؟!

لم تكن تلك الحوادث التي تقال على الألسن كافية لأن أعرف سر تطرف بعض العربيات في الحركة النسوية العربية، والتي جاوزت الخلق والأدب والمعقول، وأضحت كتابات مشبعة بالفجور ومستفزة، حتى كان ذات يوم، وأعطاني زميل كتاب (نوال السعداوي).. "مذكرات طبيبة"، وهي نسخة مترجمة للغة أجنبية, إذ لا مناص من إثبات الولاء والحضور في لغتهم، والتماثل. ومن الصفحات الأولى في الكتاب تظهر لك (العقدة) وعين الأزمة، بلا ستار. لقد كانت عقدتها أنها في أول سنوات بلوغها - وكما تقول هي -؛ فقد تعرضت لتحرش مؤذ من حارس العمارة - التي كانت تسكن فيها - وهربت منه - كما تقول - وكانت صغيرة جاهلة. وأنشب الخوف والحقد مخالبه فيها منذ ذاك. ثم تبعه - فيما بعد - أزمة علاقات صعبة في البيت مع إخوانها ووالديها، ثم تطورت العقدة إلى زواج فاشل، فنمى الخوف والعقدة، وأزمة البيت والشارع، والجامعة والذكاء والنجاح في الدراسة، والفشل في الحياة؛ لتخرج بأزمة وأفكار "مريضة" موغلة في الانتقام ممن رأت أنهم "سر" فشلها ومرضها وعقدها المزمنة.

إن الصدمات الموجعة، والتجارب الفاشلة، والعلاقات القاسية في الطفولة والشباب المبكر؛ تحفر- في النفس والعقل - حفراً كبيرة، يظهر خللها في يوم من الأيام. وتظهر آثار تلك الأزمات في تصرفات غير يسيرة، بل وبأشكال مثيرة ومستفزة، لأن النفس لم تكن سوية، ولم تستطع أن تخفي تلك الحفر (العميقة)، ولا أن يدمسها الزمن !. لقد كانت مذكرات "هذه المرأة" جواباً لسؤال كبير أحاط بكتابتها، وتفسيراً لعقدة عتيدة، فقد جاوزت الحد، الذي يقال له "شكوى"، وأحرجت النساء؛ بما وصل له أسلوبها من طريقة تقضي على الود والرحمة التي فطر الله عباده عليها، وجعلها رباط الزوجين.

إن كنتم تريدون أن يكون الغربي مثالاً، أو الشرقي- الصيني والياباني - مثالاً؛ فلا بأس، وإن أردتم أن يكون "الشيوعي" - المتظاهر بخدمة الطبقة الكادحة - قدوة، فلكم ما أردتم. أنكم لن تجدوا عندهم - وبلا وصاية من كاتب أو ممل لفكرة - غير رجال يعددون النساء في كل أمة وتحت كل قانون، وأنهم يغيرون زوجاتهم، أو يخونونهن، أو يقتلونهن. ومن قرأ "دعاية السياحة" في بريطانيا - في وسط التسعينيات -؛ فقد كانت مضحكة ومعبرة !!، إنها تقول: "تعالوا إلى بريطانيا فقد مات هنري الخامس منذ زمن طويل". لماذا "هنري".. هذا؟ إنه هو الذي ساق نساءه للمقصلة في برج لندن، فقد كان كلما عاشر زوجة ثم أعجبته امرأة أخرى, اتهمها، ثم قتلها وجاء بالأخرى.. لم كل هذا؟ لأن هناك رجالاً لا يستطيعون الاكتفاء بواحدة، وهناك قوانين أو أعرافاً سنها الناس، خلاف سنة الله في عباده؛ فكان لابد للناس أن يدوروا حول هذه القوانين بالحيل، أو يحطموها، أو أن يعبثوا بها.

في الحوار تلك الليلة معهم أشرنا إلى الأنبياء الذين ورد ذكرهم في التوراة والإنجيل، وأنهم كانوا يعددون الزوجات والجواري، أما (عيسى) فقد رفعه الله في نحو الثالثة والثلاثين, أما قادتهم وقادة الإلحاد المعاصر (الحداثة الشيوعية وغيرها)، فهم معددون في أسوأ نماذج التعدد. ولأضرب لذلك مثلاً بأربعة، من شر صناع الفكر والسياسة في القرنين الأخيرين وهم: هيجل، وماركس، ولينين، وماوتسي تونج.

عاش "ابن هيجل" مع الأسرة، من صديقة كان يزني بها؛ وسبب هذا مشاكل للأسرة بلا نهاية5. أما "ماركس" فقد كان له - أيضاً - ولد من شبه قصة أستاذه "هيجل"، ومات الابن في بريطانيا في نحو عام 1924 بعد انتصار "فلسفة والده" في روسيا6. أما "لينين" فقد كانت "عشيقته" السويسرية، تساكنه شقته، مع زوجته "كروبسكايا" قبل الثورة وفي الكرملين، حتى مات7. أما "ماوتسي تونج"، ففي مذكرات "طبيبه الخاص" من القصص ما لا يحسن ذكره في هذا الجانب. لكن المنحرفين الذين أعماهم التقليد والجهل؛ لا يجدي معهم شيء؛ فهم يقولون: إنهم لا يعددون، ولكنهم يفعلون ما هو أسوأ. والمهزوم بالسلاح النووي، يتوقع أن غالبه متميز في كل شيء !! ولله الأمر من قبل ومن بعد.

لقد كنت قبيل محاكمة "كلينتون"، من سامعي البرنامج الذي قدمته شبكة (سي إن إن)، وقد لفت انتباهي، قول أحد الضيوف الكبار, على التلفاز للعالم كله "كلنا نفعل هذا" يقول ذلك عن الرجال الأمريكان، أما الأوروبيون فقد عدوا السؤال والنقاش في الأمر، سخافة وتخلف؛ فمن عندهم الذي بقي مهتما بمثل هذا الأمر!

ألا ترى المرأة المسلمة، أن التعدد والاعتراف بالفطرة والوضوح والكرامة، خيراً لها. فلنقل إنها هي الزوجة (الأولى)، فكيف ترضى لأختها أن تكون عاهرة، وكيف ترضى أن تكون باقية على نار الشك وعدم الثقة في الرجل سنوات وهي تتوقع منه الانحراف؟. ألم تكن هي من يدعو للانحراف، بإصرارها على تحقيق قوانين الشعوب الأجنبية المتضاربة، التي جاءت من مخلفات الهراطقة والمتوحشين؟. بلاد بلا دين ولا خلق، والتصقت بالمسيحية، التي قال الله - عز وجل - عنهم، أنهم سنوا لأنفسهم الالتزامات، ثم إنهم لم يرعوها حق رعايتها. ليس أفراداً منهم فقط، بل الأغلب منهم لم يرعوها، فقال الله - عز وجل - عنهم "فما رعوها حق رعايتها". لأنه لو كان خرقاً فردياً، لما كان الحكم للمجموع، ولا كان اللوم عليهم، فإما أنهم خرقوا، أو وافقوا، أو سكتوا عن كسر حدود الله. وفي قصة (أصحاب السبت).. دليل. قد نجد في بلاد المسلمين، رجالاً ونساء لا يرعون حدود الله، ولكن ليست بهذه الطريقة الشمولية التي ساقها الله عن غالب أولئك، أو كلهم.

وهل أمنت المرأة - التي تكره وتحارب التعدد - أن تكون هي بحاجة - ذات يوم - أن تكون ثانية، أو ثالثة، أو رابعة لرجل آخر، خير لها من الإهمال والعزوبة والتفرد؟ وقد تكون نهاية زواجها؛ بسبب منع زوجها لحقه في الزواج من أخرى، أو بسبب موت أو غيره، فكيف تفكر المسلمة في إلزام الشعوب المسلمة بشرائع الوثنية، التي لم يوقروها ذات يوم؟ رأيت في المجتمع الغربي - من معايشة طويلة - كيف تتمنى المرأة الغربية - في أحوال عديدة - أن تكون زوجة "ثانية" لمسلم، يكف عنها حياة العدم، والوحدة، والأنانية الطاغية، ولكن المسلمين هناك أيضاً، يقل بينهم من يعدد بسبب الأحوال المادية والقانونية، وبسبب تسرب أفكار الوثنيين للإسلاميين رجالاً ونساء؛ فيقدسون قوانين، أو يخشونها، أو يفكرون في صحتها رغم فرار أهلها منها. والأبشع من ذلك أن تنشر مجلة (التايمز) - مقابلة مع إحداهن - وهي تروي كيف سمح لها زوجها بمعاشرة رجال آخرين؛ لأنه هو لديه نساء أخريات، ويبقى التسجيل القانوني أنهما زوجان، حتى لا تأخذ البيت أو نصفه أو ما جمع من مال؟

وفي ولاية "يوتا" تقوم طائفة حديثة من النصارى "المورمن" بالسماح بالتعدد إلى حد تسع زوجات، وذات يوم جاءت إحدى الزوجات لمذيع لتقص عليه "قصة" هذه الأسرة المكونة من رجل وتسع زوجات (كبرى النساء فوق الخمسين وصغراهن عمرها ثلاثة عشر عاماً)، صورت المقابلة، وأعيد إذاعتها على التلفاز عدة مرات، وما هذه الأسرة إلا واحدة من عشرات الألوف - في تلك الولاية وحدها - من المعددين، ومستوى المشكلات الاجتماعية، أقل من غيرهم, ويحرمون الخمر أيضاً، إلا في أيام قليلة في السنة. جاء المذيع لمحطة الإذاعة التي تعمل فيها هذه الزوجة؛ وتبين أنها قد تمكنت من أن تقنع زميلتها المذيعة الأخرى لتكون زوجة للرجل نفسه، ثم ذهب المذيع للبيت وقابل الأسرة كاملة، ورأى النساء والأطفال وقد وضع لكل زوجة غرفة، ويرأس النساء وينظمهن أقدمهن وهي "أكبرهن سناً"، أما الصغيرة - التي كانت في الثالثة عشرة - فقد كان أمرها أغرب، لذا ذهب المذيع إلى والدها ووالدتها اللذين زوجاها من هذا العجوز الستيني. وأبو البنت وأمها أصغر من زوج ابنتهما. وقد قال الأب والأم: "إنه كانت لنا بنت أكبر منها، وقد ذهبت مع عشيق أو عشيقة وفسدت، ولا نعرف مصيرها، وقد عرضنا عليه الزواج من ابنتنا، وحببنا لها الأمر، وقبلت وقبل، فهي الآن زوجة لرجل نعرفه في بيت نعرفه. وليس لديها مشكلات، كالتي تعاني منها أختها الهاربة". قد تكون أمثال هذه الحادثة قليلة أو نادرة، ولكن يبقى أن من الناس - وإن كفروا - أناس قريبين من الفطرة، تهمهم كرامتهم وصيانة أعراضهم، ويواجهون مشكلاتهم بأسلوب عملي، مهما بدا للغرباء غريباً.

وقد يمط أحدهم شفتيه، مستغرباً لنماذج الحياة الأمريكية هذه؛ فأمريكا – عنده - والغرب قوة، وفحش، ومسرحيات، وسيارات، وطائرات، وحرية، حتى لا يشعر أن الإنسان بقي هناك - قابعاً مقهوراً - تحت فحش وتفسخ الحداثة وميراث الوثنية، وصرامة العمل، وغياب العاطفة، ورغبة عارمة في التدين.

وهناك من يدأب للبحث عن البدائل، في الهروب من كل أشكال الحضارة المعاصرة، ففي مقاطعات "الآمش" هناك اللذين لا يستخدمون أيا من الوسائل الحديثة، فلا يستعملون السيارات، ولا الطائرات، ولا الكهرباء، ولا الهاتف، في استسلام عجيب لمبادئ "كالفن" الدينية، تغطي النساء رؤوسهن إلى اليوم والغد - غالباً - بغطاء أزرق، ويزرعون زراعتهم دون كيماويات ولا مخصبات، مما جعل اللذين يسعون إلى الطعام الطبيعي يقبلون على منتوجاتهم، مما عاد عليهم بالأرباح الكبيرة، مع أنهم لم يغادروا تلك الحياة القديمة جداً، في شمال أوروبا، في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين..

هذه نماذج ليست لتكون هنا سنة أو بديلاً، ولكنها محاولة للهروب من نمط هذه المدنية الغربية وأخلاقها الجشعة. فقد نما لدى العديد من المفكرين والمؤرخين، مقدار ما أساء به مفكرو اليهود وفلاسفتهم للحياة الغربية، في تدمير الروابط وحل المجتمعات، ووضع المال معيار الحياة الجديدة فقط. وسحق ما عداه.

واستطاع اليهود أن يخرجوا الأفلام السياسية والعقائدية، التي تمجدهم وتهون من غيرهم، فيصورون الإسلام على أنه دين مؤذ ومخيف، ودين رجال بلا خلق ومروءة. ويزيد الحال سوءاً، بعض من يحاول - من العرب - أن يحسن الصورة؛ فيرمي نفسه عليهم، بشكل بعيد عن احترام النفس والهوية والذات, يتملقهم الفرصة. وكأنه يستجديهم أن يعترفوا به إنساناً من البشر على الأرض. ولكن أنى له - بعد كل الجهود اليهودية -، والواقع العربي المحزن.. وقد أشار (صلى الله عليه وسلم).. أن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وهكذا هي مكرورة اليوم، ولكن اليهود استطاعوا أن يجعلوها "مشكلة العالم" فتنة الناس.. كل الناس، وكل العالم، وهذه الحروب بين الجنسين، من يوقدها كل يوم في الصحف والمجلات والتلفزيون والمدارس والجامعات، إن هذا الشّرَك، أبعد خطراً مما يخطر، لمن يرى تبسيط المسألة.

ولا أبتعد بك بعيداً في الحديث هنا، فشيء من النقاش، والمزاح، ودراسة الخلل الذي يسيء به الرجال للمرأة.. مطلوب، وصحيح وطبيعي ولم يعش البشر دون هذه الملاطفات والمعاتبات والسخريات المتبادلة، واللوم أحياناً، ولكن الذي نعيبه هنا - وهو الداء الدوي - أن يستلحقنا غيرنا، وأن نحارب في معركة ليست لنا من بدايتها إلى نهايتها، وأن تفرض علينا المواقف في المعركة، ويفرض علينا السلاح.. فأي قيمة لشعوب تسقط في هذه الأحابيل وأي استقلال؟!

ولأزيد هذه المسألة بياناً وأمثلة؛ لعل من قومنا من يفتح عينيه على المشكلة، فقد شاهدنا مئات الآلاف من المسلمين يجندون في الجيش البريطاني، من مسلمي الهند وبدو الجزيرة العربية، والأردن، وسوريا، ورأينا العرب المسلمين يجندون في الجيوش البريطانية والفرنسية والإيطالية، يحاربون لمصالح بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا، ويموتون في سبيل التراث الفرنسي والبريطاني والإيطالي، مقابل دراهم قليلة، أو مقابل شيء من الزاد لبطونهم، لم يكن ذلك بعيداً، فرجال من رجال هذه الحروب، أحياء اليوم في عالم الناس، فكيف لا تجد رجالاً ونساء متعلمين أو جاهلين، يحاربون في مدارس الفكر الغربي، ويحاربون إسلامهم وفكرتهم، دون وعي منهم. وأنصاف المتعلمين - ممن حصلوا على شهادات غربية أو زاروا أمريكا أو أوروبا عدة سنوات أو أيام - جهلهم فاضح بأنفسهم وبغيرهم، جهلهم بنظم الحضارات وصراع الأفكار.. فاحش، وغرورهم بشهاداتهم كبير، وبكلمات لقطوها - دون عمق - أكبر. وبعضهم لا يزيد عن كونه "وسيلة اختراق" ناجحة لمجتمعه دون وعي منه.

المرأة المسلمة إن سارت في الطريق؛ فستكون الأسوأ حظاً بين الجميع، فلديها ما تنوء به من مشكلات المجتمع الذي تخلف وفارقته الحيوية الحضارية، وأثقلته مشكلات الجهل والعزلة والاستبداد، لقد هدت مشكلاتنا العويصة المرأة والرجل، وألقت على الطرفين سلوك الخوف والتردد، والسطحية والسلبية في الحياة، وذلك هو الاستجابة الطبيعية للإنسان المقهور، والمقهور إذا سنحت له فرصة تفلت وتخلص؛ لم يحسن التعامل معها، أياً كان جنسه، رجلاً أو امرأة.

غير أنني أشير هنا.. إلى أن لكل مجتمع - نساءً ورجالاً - مشكلاته, وليس بحاجة إلى أن تفد عليه مشكلات الآخرين وأفكارهم. فكيف إذا أرهقنا الإنسان المسلم المجروح، بل المحطم، وحملناه أفكار ومشكلات غيره؟ بل، وما هي أفكار الآخرين - سوى مشكلات ومحاولات حلول - فننقل مشكلاتهم إلى مجتمعنا، ونطالبه بحلول لمشكلات عويصة على المجتمع الغربي نفسه، غارق فيها بلا نهاية، ونطالب أنفسنا أيضاً، بحل مشكلاتنا؟!

إن هذا لضرب من العبث والسذاجة، وإهلاك للقوى دون جدوى. إن هؤلاء الذين يفترضون، أو يرون أن يحملوا المرأة والرجل، ثقل الغرب والشرق ومشكلات حضارتين، لا يزيدون قومهم إلا خساراً ووبالاً، وستكون المرأة الغربية أخف حملاً لأنها تعاني مشكلة، تكاد أن تكون واحدة، مشكلتها الثقافية أو عقدتها مع ثقافات اليهود - الذين مارسوا دورهم من داخل المجتمع الغربي - فهي تواجه أزمة معروفة، أو شبه معروفة الأسباب والحدود في أذهانهم، أما "المسلمة" فسيكلفها عدوها ما لا تطيق؛ فلن يتحول المجتمع الإسلامي ليكون نصرانياً، ولن يتبنى فلسفة اليهودية، ولا الحداثة، ولا العلمانية، فتحل مشكلاته - كما يتخيل المتغربون من هناك - بفلسفة الغرب نفسه بعد استيطانها.

بل شهد عصرنا هذا، وأيامنا هذه، على خلاف ما كان يتوقعه المتغربون (الاستلحاقيون)، فمن شاهد صور (النساء العراقيات قبل حرب 1990) ومن شاهدها عام 1999؛ يرى الفارق الكبير ! فما كنا نرى صورة امرأة "محجبة" آنذاك.. أما اليوم - وفي زمن قصير جداً - ترى عكس ذلك تماماً. مست أمتنا آلام الغرب، وإفساده وقتله، وتشريده بالمسلمين؛ فهرب منه من كان يأمل منه خيراً أو تقدماً. عادوا للدين عادوا للإسلام. بل إن شياطين "حزب البعث" نفسه، غادروا ثقافته؛ لما كان فيها من سموم القومية "الغربية" لا العربية. وعند "صدام" اليوم، درجات الترقي حسب حفظ القرآن. وكم لله في خلقه عجائب؟ فهذا وزير عربي، درس في "جامعة القاهرة" في بداية الستينيات، ثم عاد لها بعد ثلاثين سنة قال: "عدت لأتذكر تلك الأيام؛ فكان أشد ما شدهني، تحجب النساء، فقبل ثلاثين سنة كانت - ربما - واحدة فقط.. في كل الكلية، تتحجب، أما اليوم، فيقول: "حتى النصرانيات هل يتحجبن"؟ إن مخلفات الفكر المهزوم والنفوس المبتورة؛ ستبقى مادام الغرب قوياً لديه السلاح النووي والإعلامي.. هوليوود وما شابه. ولا نتوقع أن تنقطع فصيلة المهزومين والمستلحقين، ولكن علينا أن لا نغرق في بحر بلا ساحل، وفي معارك ليست لنا.

يبدو أن هذا الكتاب، مكتوب من قبل إحدى العاملات مع الحركات النسوية المتطرفة، ينحي باللائمة على الرجال في ما وصل له وضع المرأة في العالم، وقد لخصت ما رأيت أن له علاقة بالموضوع، في الأرقام التالية:

1- في أمريكا نسبة "إمكان اغتصاب المرأة" ما بين واحدة إلى خمس، والتقديرات المحافظة، واحدة إلى سبع، أي أنه من بين كل (خمس نساء) إلى (سبع نساء) تكون إحداهن تعرضت للاغتصاب، أو ستتعرض له في حياتها. ص 56.

2- عدد المغتصبات اللاتي سجلن حوادث اغتصابهن عند الشرطة في عام 96 كان90430, أما اللاتي لم يسجلن حادثة الاغتصاب فيقدرن بـ 310000 حالة. وسبب عدم الشكوى؛ اليأس من إمكان الشرطة أن تعرف أو تساعد، وعدم جدوى التقرير, كما أن عدداً كبيراً، لا يحببن أن يسجل عليهن في البوليس ذلك. هناك نوع آخر من الجرائم، وتسمى "الجريمة المسكوت عنها"، وهي تحرش أرباب العمل أو المديرين أو المدرسين بالنساء، اللاتي يقعن تحت نفوذ رجال متنفذين, وفي العادة لا تسجل هذه الجرائم؛ بسبب خوف المرأة على وظيفتها، أو طمعها في تعويض, أو صعوبة الإثبات، وأشهر الحوادث التي كشف عنها - منذ نحو ثلاثة أعوام - فقدت اشتكت إحداهن رجلاً من رجال (الكونجرس) من "أوريجون"، وحين اشتهر أمره سجلت عليه 26 امرأة، شكاوى من هذا النوع، ممن سبق أن عملن معه في الكونجرس وخارجه.

3- عدد حالات الاغتصاب في كندا: المسجلة (20530) وليس هناك إحصاء لغير المسجلات، ولكن في كندا (150) مركزاً لمساعدة المغتصبات اللاتي يأتين لطلب المساعدة، بعد الاغتصاب. ورقم المراكز في (أمريكا) لا تتوفر له إحصائية، وذلك أن منه الرسمي، والتطوعي.. ومن يعرف المجتمع، يعرف مدى انتشار هذه المراكز, فهي خدمة اجتماعية منتشرة في الأحياء، والجامعات.

4- في أستراليا (75) مركزاً لمساعدة المغتصبات، وفي نيوزيلاندا (66).

5- حالات الاغتصاب المسجلة في ألمانيا (5527) - لم تشر الكاتبة لتقدير الأرقام غير المسجلة".

6- في جنوب إفريقيا (2600) حالة مسجلة، وغير المسجل يقدر بـ386000

7- إسرائيل بها سبعة مراكز لمساعدة المغتصبات

8- بنغلاديش بها مركز واحد

9- روسيا سجل فيها (14000) أما التقدير للحالات فهو من أعلى دول العالم:

(700000).

يقتل كل يوم عشر نساء من قبل الزوج أو الصديق، من هذه الحالات (75%) يتم القتل بعد أن تترك المرأة صديقها، فينتقم منها بالقتل. أو تطلب الطلاق من زوجها، أو تعصي زوجها. ص 26.

في روسيا: عام 1995 نصف حالات القتل في روسيا، تمت ضد النساء من قبل أزواجهن، أو أصدقائهن, وفي عام 93 قتل (14000) امرأة، وجرح (54000 ) جراحات شديدة. ص27

في الولايات المتحدة فقط 1400 ملجأ للنساء المضروبات، أو الهاربات من أزواجهن، وهن اللاتي لا يجدن ملجأ عند أهل أو أقارب. ص 26

- في كندا 400 ملجأ

- في ألمانيا 325

- في بريطانيا 300

- في أستراليا 270

- في نيوزيلندا 53

- في هولندا 40

- في استراليا 19

- في ايرلندا 10

- في اليابان 5

- في الباكستان 4

- في تونس 1

- في بنغلاديش

نسبة حالات العنف ضد النساء في المجتمع

أعلى الأرقام سجلت - وللأسف - في الباكستان80 % ثم تنزانيا 60 %. ثم اليابان 59 % بنما 54%. أمريكا 28 %. وكندا 27 % نسبة الطلاق في أمريكا كانت في عام (1970 - 42%) ووصلت في 1990 إلى (55%) وفي فرنسا 32 %، وفي بريطانيا 42%. ص 23 وفي السويد إلى 44%، وفي كندا إلى 38%، وتأخر سن الزواج عن عام 1970 في نيوزيلندا، ليزيد ست سنوات، وثلاث سنوات في أمريكا، وعامين في كل من كندا، وبريطانيا. ص 23

المواجهات محتدمة بين أنصار الإجهاض وخصومه في أمريكا، ولذلك أثره الكبير ونقاشه العام، حتى على مستوى من يفوز في الانتخابات، قد يساعد على أن يحدد مصيره، موقفه من الإجهاض؛ فالمحافظون المتدينون، ضده، ويتهمون المجهضين والموافقين بأنهم قتلة للأطفال، والمعارضون يسمون أنفسهم أنصار الاختيار, والأزمة أغلبها حول أطفال من السفاح، وقد اشتدت المواجهات بالسلاح بينهم. وإليك هذه الإحصائية: بين عامي 1990 و1995 تم اغتيال خمسة من العاملين في عيادات الإجهاض، و12 حادثة، محاولة أخرى، و196 حالة تهديد بالقتل، و65 حادثة مسلحة أو تفجير، تمت للعيادات، و30 محاولة غير ناجحة، و 115 تهديداً بالتفجير, و372 محاولة تخريب و إضرار بالعيادات التي تنفذ الإجهاض. ويموت في العالم ما يزيد عن 200000 امرأة، تموت سنوياً؛ بسبب محاولات الإجهاض غير المسموح به، أغلبهن في آسيا ص 38 - 39 وقد كان شعار أنصار "عدم" الإجهاض.. (أوقفوا القتل) ولكن لما زادت محاولاتهم في قتل الأطباء وتخريب العيادات؛ بدأت تظهر دعايات ضدهم، وكاريكاتيرات تقول: "أوقفوا القتل أنتم أيضاً"، وهناك أحد هؤلاء الذين فجروا عيادات في "كارولاينا"، لم يزل هارباً - منذ ما يزيد عن عام - وينشر الرعب، هو وأنصاره، ولم يقبض عليه إلى الآن، وهو هارب في الغابات، ويتهم مجموعة من "المتدينين" أنهم يناصرونه.

في عام 1993، كان هناك 13000 ألف شخص، يصاب يومياً في العالم. والمتوقع أن يصاب بالإيدز هذا العام 1999، ما يقدر بـ60 إلى سبعين مليوناً من البشر. ومناطق العالم الإسلامي هي الأقل إصابة به في العالم، فيقدر في منطقة المشرق العربي، وإيران، والباكستان، وتركيا، وإسرائيل، والمغرب العربي.. بنحو 76000 في عام 1995. في أمريكا وكندا - رغم التوعية الصحية والإعلامية - ما يزيد على مليون وثلاثمئة. وأعلى الأرقام في (إفريقيا - جنوب الصحراء) يصل إلى 3 ملايين و360000.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:09 PM
مأزق الليبرالية المحلية..!
بكر بصفر






من العلل المزمنة التي يعاني منها ليبراليونا (متحررونا) المحليون، بخلاف أصحابهم ليبراليي العالم العربي: وصولهم المتأخر أو وصولهم في المكان والزمان الخطأ دائماً.. وهي الظاهرة التي قل أن يلتفت إليها المراقبون والدارسون لحراكنا الثقافي والاجتماعي المحلي. وأزعم هنا أن عنصري المكان والزمان الخطأ قد لازما الليبرالية المحلية منذ نشأتها الأولى في بدايات النصف الثاني من القرن الهجري الماضي، فالليبرالية الأدبية والاجتماعية الضيقة "الخجولة" التي ظهرت عند بعض النخب تقليدا لليبرالية المصرية آن ذاك أعاقها اختيارها للمكان الخطأ والمجتمع الخطأ؛ حيث البيت الحرام رمز التدين والمحافظة، وحيث المجتمع الحجازي المتعلق بالنبوة التي مازال عبقها مقيما في أحياء مكة وشعابها، ومازال سناها في سمائها وقراها. كما أعاقها اختيارها للزمان الخطأ حين جاءت مفارقة للانبعاث الثقافي السلفي الذي أطلقه الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ من خلال المدارس والمعاهد التعليمية التي أسسها في مكة والطائف، وما كلية الشريعة ودار التوحيد وشيوخهما السوريين والمصريين السلفيين عن ذاكرتنا ببعيد، رحمهم الله أجمعين .

ثم استمرت هذه المتلازمة في إعاقة نموها وإجهاض جميع حملاتها السياسية والثقافية والاجتماعية حتى اليوم، واستمرت هي في تكرار ذات الخطأ، رحمة وحفظاً من الله لهذه البلاد الطيبة وأهلها، فقد اختار فصيلها الثقافي الحداثي الوقت الخطأ لدخول ساحتنا المحلية في العقد الأول من هذا القرن الهجري الخامس عشر ( 1404/1408 ) فحاول بأسلوب فج ونزق مراهق أن ينشر الحداثة الثقافية والفكرية متأخراً أكثر من ثلاثين سنة عن أول ظهور عربي لها على يد أدونيس ويوسف الخال وأنسي الحاج والسياب، مهيجاً لها بعد أن انفض سامرها وذبلت، فجاء إصدارها المحلي متكلفا سمجا في الزمان والمكان الخطأ ثانية؛ لتنتهي حداثتنا الليبرالية مع حلفائها اليساريين نهايتها البائسة المعروفة على يد الشيوخ والمثقفين الأصاليين، برضا ومباركة عاقلة من المجتمع ومؤسساته الأهلية والرسمية. ولن أطيل في سرد الشواهد المؤيدة لرؤيتي هذه عن تاريخنا الثقافي القريب؛ حفاظا على ما بقي لي من بياض هذه السطور!

فلأتجاوز الجيوب القومية والبعثية المعزولة التي ظهرت ثم بادت غير مأسوف عليها، مع ما اصطبغت به من تحررية اجتماعية متوحشة نفاها جيل الثمانينيات الهجرية الذي مازال يذكر الملك "فيصل بن عبد العزيز" الملك البطل الحكيم الذي أذهب ريحها وأخمد فتنتها، أسأل الله له الرحمة والقبول..

وها نحن أخيراً في هذه الأيام بالذات أمام هوجة أخرى من هوجات الليبرالية الحلية الملازمة أبدا للقدوم المتأخر وخطأ المكان والزمان! فبعد أن انهارت الدعوة إلى سفور المرأة ونزعها لجلباب حشمتها وحيائها في العالم العربي الإسلامي كله، أو كادت وما بقي منها إلا ما هو مدعوم من الخارج أو من أصحاب الشهوات الذين ضمرت لديهم جينات الغيرة العربية المسلمة، إضافة إلى المصابين بفوبيا التدين، يأتي هؤلاء ـوياللخزي - فيدعون إليها في الأرض التي انطلقت منها الدعوة الأولى للحجاب والحياء من سيد البشر صلى الله عليه وسلم...

ثم بعد أن رأى هؤلاء بأعينهم الانتكاسة المخجلة التي تعانيها الليبرالية الاجتماعية وظاهرة السفور في مصر بالعودة الواسعة للحجاب على جميع المستويات، وبعد أن رأوا بأعينهم صور بنات ونساء غزة والضفة المقاومات المعتزات بحجابهن وأرضهن في الصحافة وعلى شاشات الفضائيات. وبعد أن رأوا عشرات الآلاف من بنات ونساء المسلمين في أسيا وإفريقيا وأوروبا يدافعن عن أخواتهن المحجبات في فرنسا، يأتي ليبراليونا المحليون ليطلقوا ألسنتهم وأقلامهم بلا خجل على المدافعين والداعمين للطالبات المسلمات هناك، بل وصل بهم الأمر إلى أن يفضحوا النهايات المخجلة التي يأملون أن تصل إليها نساؤنا بفرحهم المخزي بنزع بعض نساء مترفيها لحجابهن وحيائهن عن وجوههن، بل حتى بتطويحهن لبقية طرحة كانت رمزاً على رؤوسهن لبقايا الحجاب..

يا أيها المساكين.. بنات الجامعة الأمريكية في القاهرة؛ قلعة الليبرالية الأمريكية ومحجة الفئات المترفة في المجتمع المصري، صعقن إدارة الجامعة في القاهرة وصناع سياستها في نيويورك بعودتهن الكاسحة للحجاب والحياء! أو تظنون أيها المساكين أن تستجيب لكم أرض الإسلام الأولى؟!

ها أنتم مرة أخرى في الزمان والمكان الخطأ، وستبقون كما يعجبكم أن تكتبوا دائما عن "سيزيف الخرافي"؛ تصعدون بصرختكم إلى قمة "الأولمب"؛ لتعود بكم إلى السفح أبداً.. إلا أن يمن الله عليكم بهدايته.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:11 PM
مبررات منع المرأة من قيادة المركبات
عدنان حسن باحارث






إن ظروف الحياة الاجتماعية المعاصرة تختلف عن فترات زمنية ماضية في العديد من جوانبها، فقد أصبح التجديد، والتطور، والتغير سمات بارزة لطبيعة الحياة المعاصرة، ولم تعد لدى غالب فئات المجتمع تلك القناعات السابقة التي كانت تحدُّ من عنف تيار التغيير الجارف. وقد أسهمت الطبيعة المتسارعة للحياة المعاصرة في زعزعة كثير من الثوابت الأخلاقية والعرفية، وشارك في ذلك التقدم التقني الهائل، وما رافقه من الإنتاج الصناعي المذهل، الذي انفتحت أمامه أسواق العالم التجارية ـ رغبة ورهبة ـ في الوقت الذي لم يكن للأمة المسلمة ـ ضمن هذه المنظومة العالمية المتسارعة، والتطور العلمي والتقني ـ أيُّ دور جاد في هذا البناء الحضاري المعاصر يُخوِّلها فرضَ معاييرها الاعتقادية والأخلاقية، أو حتى لاحترامها والاعتراف بها ضمن ثقافات الأمم المتغلبة، مما أوقع الأمة المسلمة في شباك مصالح الآخرين المادية والفكرية، وزاد بالتالي من تمزُّقها وتفككها.

ولقد عاشت الأمة زمنًا ليس بالقصير تقاوم رياح التغريب، وتدفع عن نفسها موجات التغيير، إلا أن هذا الصمود وتلك المقاومة لم تدم طويلاً، حتى أخذت حصون الأمة تتداعى، ومعاقلها تتهاوى أمام قوى الغزو الفكري الجارف. حتى بلغت الأمة عصر العولمة، والانفتاح الثقافي العالمي الذي لم يكن ليبقي للأمة خصوصية تتميز بها، أو أصلاً تلوذ به، حتى وصل الداء إلى أخصِّ خصوصيات الأمة الاجتماعية، وأهم ما يُميِّزها ـ اجتماعيا ـ عن غيرها، وهي قضية المرأة، ونوع الحياة التي يجب أن تحياها.

لقد أدرك الغربيون أن تغيير نمط الحياة الاجتماعية للأمة المسلمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال تغيير أسلوب وأهداف تربية المرأة المسلمة، فكانت الهجمة ـ منذ فترة ليست قصيرة ـ على الوضع الاجتماعي للمرأة المسلمة في غاية القسوة، توَّجتها ـ في السنوات الأخيرة ـ مجموعة من المؤتمرات العالمية والندوات المحلية تُؤصِّل من خلال توصياتها توجهات عالمية عامة توحِّد نهج تربية المرأة في جميع أقطار العالم، وتُذيب الفوارق الثقافية، والأنماط الاجتماعية لتصب نساء العالم في قوالب ثقافية من شكل واحد، لا يفرِّق بينهن سوى ما تفرضه الجينات الوراثية من الألوان والأشكال.

ولقد عانت المملكة العربية السعودية منذ زمن ـ ولا سيما في الفترة الأخيرة ـ من هجمات شرسة تستهدف الشريعة الإسلامية، ونمط الحياة الاجتماعية المحافظ، مما جعلها مقصودة من الدول الغربية ومنظماتها الإنسانية بالنقد والإساءة، تحت ستار حقوق الإنسان، مستهدفة بذلك وضع المرأة في بلاد الحرمين، وحقوقها المسلوبة ـ حسب زعمهم ـ في شكل لباسها، وأسلوب سفرها، ونوع ارتباطها الأسري، ومجالات عملها، وغيرها من قضايا المرأة المسلمة الحيوية.

وقد كان من بين هذه الانتقادات الموجهة إلى بلاد الحرمين: حرمان المرأة من حق قيادة المركبات أو ما يسمى اليوم بالسيارات، بحجة أنه أصبح حقا عاما تستمتع به كل امرأة راغبة في الدول الأخرى. دون نظر جاد لعواقب الأمور، وطبيعة المرأة، والخصوصية التي تتميز بها بلاد الحرمين الشريفين.

ولقد كان هذا الموضوع موضع اهتمام الباحث منذ زمن, ولا سيما بعد أن احتدم الصراع عبر وسائل الإعلام بين المشجعين والمانعين؛ رغبة في بيان وجه الصواب ضمن المنهج التربوي الإسلامي، الذي يعتمد الكتاب والسنة أساسا للانطلاقة الفكرية والعلمية.

مدخل.

أولاً: المبرر الفقهي لمنع المرأة من قيادة المركبات.

ثانيًا: المبرر الأخلاقي لمنع المراة من قيادة المركبات.

ثالثًا: المبرر الصحي لمنع المرأة من قيادة المركبات.

رابعًا: المبرر الفطري لمنع المرأة من قيادة المركبات.

خامسًا: المبرر الاقتصادي لمنع المرأة من قيادة المركبات.

سادسًا: المبرر التاريخي لمنع المرأة من قيادة المركبات.

الخاتمة.

نتائج البحث.

تعتبر المواصلات من أهم المشكلات التي تواجه المرأة العاملة في هذا العصر، ولا سيما بعد التوسع الهائل في تشغيل النساء الذي شهده سوق العمل ضمن خطط التنمية المتعاقبة التي توصي بمشاركة النساء في التنمية الشاملة؛ ولهذا يضيق بعض النساء العاملات والمتحمسون لهن في البلاد المحافظة بالمنع من مزاولة المرأة قيادة السيارة، ويشعرن بالضيم، فلا يزلن يطالبن بذلك، دون نظر جاد لعواقب الأمور.

ورغم أن مهارة قيادة المركبات الصغيرة من حاجات هذا العصر المهمة: فإنها لا تبلغ عند المرأة المسلمة درجة الضرورة التي تبلغها عند رب الأسرة، بل ولا تبلغ درجة الحاجة التي تبلغها عند الشاب العَزَب الذي لا يقوم على أسرة، فهي في حقها في الأعم الأغلب من باب التحسينيات التي لا تتضرر بنقصها، والنادر ـ كما هو معروف ـ لا حكم له؛ ولهذا يُلاحظ في البلاد التي تسمح للمرأة بالقيادة توافر السيارات لدى الشباب أكثر بكثير من توافرها لدى الفتيات، كما أن إتقان مهارتها يكاد يكون عاما لدى غالب طلاب المرحلة الثانوية وكثير من طلاب المرحلة الإعدادية، حتى إن الشاب منهم يشعر بأن السيارة جزء من حياته، وعدم امتلاكها يمثل له نوعًا من الحرمان.

ورغم أن غالب دول العالم تسمح للنساء بممارسة هذه المهارة دون حرج، ورغم إتقان كثير منهن لها بصورة كبيرة، ورغم ممارسة جمع منهن لهذه المهارات في بعض الأرياف خارج المدن : فإن المختار في هذه القضية المنع، حتى في البلاد التي سمحت بها، واعتادها بعض النساء، فإن الأولى تركها، وإفراغ الوسع في تجنُّبها، لا لكون مهارة القيادة محرمة في ذاتها ولكن لما يمكن أن تفضي إليه من المحظورات المتعددة. ولعل فيما يلي من المبررات ما يجلي هذا التوجه ويقوي اختياره:

ويظهر هذا المبرر في كون الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، فما غلبت مصلحته أباحته، وما غلبت مفسدته منعته. فالمأمورات والمنهيات في الشريعة تشتمل كل منهما على مصالح ومضار، والحكم في كل منها على الأغلب. يقول ابن عبد السلام: "المصالح المحضة قليلة وكذلك المفاسد المحضة، والأكثر منها اشتمل على المصالح والمفاسد... والإنسان بطبعه يؤثر ما رجحت مصلحته على مفسدته، وينفر مما رجحت مفسدته على مصلحته". وهذه المسألة في تقديم الجهة الغالبة: من مسائل الإجماع عند العلماء، الثابتة بالكتاب والسنة والعقل، خاصة في هذا العصر الذي اختلطت فيه المصالح بالمفاسد بصورة كبيرة.

ومن هنا جاء باب سد الذرائع المفضية إلى المفاسد، أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع، أو التحايل عليها ولو بغير قصد، فإن "سد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يُتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات... ولا يقتصر ذلك على مواضع الاشتباه والاحتياط؛ وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام"، فالشارع الحكيم إذا حرَّم أمرًا حرَّم الوسائل المفضية إليه؛ فإن "الوسائل تبعٌ للغايات في الحكم"، و"وسائل الحرام حرام"، و"ما أفضى إلى حرام حرام".

والمسألة الفرعية التي يختلف في حكمها الناس: يُؤخذ فيها بالإجماع، فإن لم يُوجد، أخذ بالأحوط، ثم بالأوثق دليلاً، ثم يُؤخذ بقول من يُظن أنه أفضل وأعلم. ولا شك في أن ترك المرأة لقيادة السيارة في هذا العصر هو الأحوط على أقل تقدير؛ فإن"فعل ما يُخاف منه الضرر إذا لم يكن محرماً فلا أقَلَّ أن يكون مكروهاً"، حتى وإن تكلف رب الأسرة مهام نقل نسائه، أو اضطر لجلب الرجل الأجنبي لتولي هذه المهمة ـ كما هو حاصل في بعض البلاد ـ فإن هذا في العموم أهون الشرين، وأخف الضررين؛ لأن الضرر الخاص الذي يتكلفه هذا الأب وأمثاله، وما يمكن أن يحصل من الرجل الأجنبي يُتحمل في سبيل دفع الضرر العام الذي يمكن أن يعم المجتمع بتوسيع دائرة قيادة النساء للسيارات، فإن المفسدة العامة المنع فيها أشد من المفسدة الخاصة.

كما أن الفقهاء لا يعتبرون الطريق خلوة، فإنما الخلوة: الأمن من اطلاع الناس؛ بحيث يجتمع رجل بامرأة "في مكان لا يمكن أن يطلع عليهما فيه أحد، كغرفة أغلقت أبوابها ونوافذها وأرخيت ستورها"، أو في فلاة لا يصلهما فيها أحد. ويُستأنس في هذا المقام بما نقله المروزي عن الإمام أحمد رحمهما الله حين سُئل عن: "الكحال يخلو بالمرأة وقد انصرف من عنده النساء، هل هذه الخلوة منهي عنها؟ قال: أليس هو على ظهر الطريق، قيل: بلى، قال: إنما الخلوة تكون في البيت". ثم إن مبدأ خدمة الرجل الأجنبي في السفر حين يركب النساء الهوادج كان أمرًا معلومًا منذ القديم، وقد كانت النساء زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحملن في الهوادج، ويقوم الرجال على خدمتهن وحمل هوادجهن. ولا يفهم من هذا التهاون في مسألة خلوة السائق بالمرأة، فإن المفروض تقليل مثل هذه الفرص، وضبطها قدر المستطاع؛ بل إن بعض العلماء يرى أن ركوب المرأة وحدها مع السائق الأجنبي أخطر من الخلوة به في البيت؛ لكونه يستطيع أن يذهب بها حيث شاء. وقد عالجت بعض الأسر في البلاد التي يُسمح فيها بقيادة المرأة للسيارات مشكلة الخلوة بطريقة عجيبة حيث جلبت من بعض البلدان الأجنبية نساء سائقات يتولين هذه المهام بدلاً من الرجال الأجانب.

وتظهر قوة هذا المبرر من حيث المفاسد الكثيرة التي يمكن أن تترتب على انطلاق النساء والفتيات بهذه المركبات الخاصة، من: هجران المنزل، والسفر بغير محرم، والتعرض للمضايقات، والاختلاط بالأجانب، والتوسع في مجالات عمل المرأة المتعلقة بشؤون النساء السائقات، إضافة إلى مشكلات صيانة مركباتهن ضمن أجواء لا تناسب المرأة المسلمة، مع الاضطرار لكشف الوجوه، إلى مفاسد كثيرة يمكن أن تحدث إذا استمرأ المجتمع صورة المرأة السائقة؛ فإن غالب التغيرات الاجتماعية التنازلية تبدأ باليسير ثم تنتهي بما لا قِبَل للمجتمع به، وكما قيل: معظم النار من مستصغر الشرر؛ ففي بريطانيا قبل خمسين سنة تقريبا كانت المرأة لا تحصل على رخصة القيادة إلا بعد إذن زوجها، ثم ما لبث أن فتح لهن الباب على مصراعيه. وفي إحدى البلاد المحافظة كانت المرأة لا تركب المواصلات العامة الصغيرة إلا مع محرم لها، ثم تبدل الوضع وتوسع الأمر دون نكير. وهكذا طبائع الناس تنتقل من الأهون إلى الأشد بالتدريج حتى يصبح الممنوع مرغوبًا فيه، والسيارة كمركبة متحركة داخل المجتمع ليست حصنًا للمرأة من أن تُنال بسوء، أو تتعرض للفتنة، أو تعرض غيرها للافتتان، ولا سيما عندما تتعطل مركبتها في أماكن لا تأمن فيها المرأة على نفسها.

ومبنى هذا المبرر أن الشريعة تنهى عن التعرض للهلاك؛ إذ حفظ النفس من مقاصدها، وقيادة المرأة للسيارة يعرضها للتلف، فإن السيارة آلة عنيفة لا تناسب طبيعة الإناث، وقد أكدت ذلك دراسة بريطانية على مجموعة من النساء السائقات، حيث توصلت إلى "أن 58% منهن يتوفين قبل الأربعين، و 60% منهن يصبن بأمراض نفسية، وقالت الدراسة: إن قيادة المرأة للسيارة لا تليق ولا تتناسب معها". ولا تزال هذه الآلة تتصف بالعنف حتى بعد تطورها، فإن حوادثها على المستوى العالمي في غاية القسوة، وغالبًا ما يتعرض لها العُزَّاب من الشباب، والنساء المبتدئات، وينفرد الشباب بأعنف وأشد حوادثها. وقد أشارت الإحصاءات أن نسبة ضحايا حوادث المرور في دول الخليج تفوق نسبتها في أمريكا وبريطانيا؛ حيث يهلك في كل ساعة سبعة أشخاص في دول مجلس التعاون الخليجي، ويهلك في المملكة العربية السعودية وحدها ـ التي سجلت أعلى معدل لحوادث السير في العالم ـ حوالي سبعة أشخاص يوميا.

وبلغ عدد الحوادث في العالم العربي خلال عام 2000م نصف مليون حادث، نجم عنها اثنان وستون ألف قتيل. ولا شك أن توسع النساء في هذه الممارسة سوف يزيد من نسبة تعرضهن للهلاك، مما يجعل هذه المهارة خطيرة على شخص المرأة، وعلى دورها التناسلي الذي يستوجب مزيدًا من السكون والاستقرار، إلى جانب ما يحدثه هذا التوسع من استنـزاف للبيئة وتلويثها.

ويحاول بعض المتحمسين لتمرير موضوع قيادة المرأة للسيارة بضبطه من خلال منعهن من السفر بسيارتهن خارج المدن، والسماح لهن بقيادتها في فترات النهار دون الليل. وقد اتضح مـــن خـلال بعض الدراسات المحلية بالمملكة العربية السعودية أن 79% من حوادث السيارات تحصل داخل المدن، و65% منها تحصل في فترات النهار، كما أن 65% من هذه الحوادث تشارك فيها سيارات من الحجم الصغير، وهو الحجم المناسب من السيارات المرشح للمرأة. ويضاف إلى كل هذا وجود تلك العلاقة القوية بين ارتفاع درجة حرارة الجو وزيادة عدد الحوادث، ومن المعلوم أن دول الخليج من أكثر دول العالم ارتفاعًا في درجات الحرارة. ولما كان غالب حوادث السيارة "تقع في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الإنسان في أعمق فترات النوم"؛ فإن مزيدًا من الحوادث المرورية سيكون من نصيب المرأة العاملة السائقة؛ لكونها أكثر فئات المجتمع على الإطلاق جهدًا، أقلهن نومًا. ثم إن متغير التعليم والزواج لا دخل لهما في التقليل من حوادث السيارات؛ فقد دلت إحدى الدراسات في المملكة العربية السعودية على أن أكثر من 76% من السائقين المشتركين في حوادث المرور من المتعلمين، وأكثر من 53% منهم من المتزوجين؛ مما يدل على أن التعليم والزواج لم يخففا من أزمة الحوادث المرورية.

وتظهر حجة هذا المبرر من حيث رقة جهاز الأنثى العصبي الذي لا يساعدها على حسن الأداء، وسرعة ارتباكها في أثناء القيادة لأبسط الأسباب، إلى جانب الخوف الذي ينتابها عادة من المسافات الطويلة، والخوف أيضًا من المناطق المفتوحة، الذي يزيد عند الإناث كلما كبرت أعمارهن، وهو ما يُسمى برهاب الساح، وهو نوع من الخوف ينتاب بعض الناس من المناطق المزدحمة والمفتوحة، إلى جانب ضعف قدراتهن على تعلم المفاهيم الجغرافية، كالمواقع والأماكن وتقدير الحيز الفراغي المرئي والمسافات، وقلة خبرات السفر لديهن؛ ولهذا يُلاحظ أن الإناث أقل قدرة على تعلم المفاهيم الجغرافية من المذكور. ولا شك أن هذه القضايا الفطرية مهمة لإتقان مهارة القيادة.

وأهم من هذا كله الضعف الصحي العام الذي لا تنفك عنه المرأة في العموم من آثار الدورة الشهرية، ومضاعفات النفاس وفترة الحمل، من حيث: الانفعالات النفسية، وارتفاع الضغط، وكثرة الصداع، والتوتر، والقلق، والتذبذب، والكآبة، وحدة المزاج، والآلام العامة، خاصة في الحوض والظهر، والغثيان، وما يصيب عامة النساء الحوامل من الاضطرابات النفسية، وما يرافق ذلك من انكماش فطري طبيعي في حجم الدماغ عندهن في أثناء الحمل، وما يصاحب ذلك من ضعف الذاكرة، وصعوبة التذكر. إلى جانب تأثير هذه الأعراض على الاتزان العام، مما قد يدفع المرأة في هذه الظروف الفطرية إلى شيء من العنف والعجلة في بعض المواقف؛ ولهذا يشير العديد من الدراسات والإحصاءات المختلفة إلى ارتفاع نسبة تعرض المرأة أكثر من الرجل للاضطرابات النفسية، وحدة الانفعال، والانهيارات النفسية خاصة في هذه الفترات الفيسيولوجية، وبعد الولادة، وفي سن اليأس، وبعد عمليات الإجهاض. ومن المعلوم أن واحدة من هذه الأعراض الجسمية لا تسمح للرجل واقعيا ولا نظاميا بالقيادة، فكيف بها مجتمعة؟ ولا شك أن ما بين ربع إلى ثلث النساء على الأقل يقعن تحت هذه التأثيرات الفطرية بصورة دائمة، بمعنى أن ثلث النساء في المجتمع لا يصلحن ـ تحت ضغط هذه الطبيعة الفطرية وتأثيراتها الجسمية ـ لقيادة السيارات. ولعل هذه الأسباب كانت وراء قلَّة أعداد النساء السائقات في العالم مقارنة بأعداد الرجال.

ولعل أعظم من هذا وأخطر: التأثير السلبي لنـزيف الدماء الطبيعية على حاستي السمع والبصر عند المرأة ـ أهم عناصر هذه المهارة ـ ولهذا يُلاحظ كثرة حوادث النساء المرورية في العموم، ولاسيما في أثناء فترة الحيض وما قبلها بقليل،حيث تزيد لديهن العصبية، وتكثر لديهن الغفلة والنسيان والشرود الذهني، وهن في العموم يعانين من نقص في الاتزان النفسي والفسيولوجي، يجعلهن أكثر تعرضاً للسآمة والتعب، وأقل انتباهاً وتركيزاً، وأميل للتوتر والقلق، ولاسيما المرأة العاملة، التي تجمع بين العمل الوظيفي ومسؤولياتها المنـزلية؛ لذا فإن النساء أكثر تعرضاً لعصاب قيادة المركبات من الذكور، مما يجعل قضية القيادة بالنسبة لهن في غاية الحرج. ومن المعلوم أن السائق هو همزة الوصل بين المركبة والطريق، وصفاته الوراثية والمكتسبة ومهارته وخبرته تلعب أدوارًا رئيسة في حصول الحوادث، وقد ثبت يقينًا من خلال الواقع أن السائق يتحمل أكثر أسباب الحوادث المرورية، وهي مرتبطة – إلى حد كبير – بشخصيته، فقيادة السيارة تشكل ضغطاً على نفس قائدها حيث يحتاج إلى طاقات نفسية وذهنية وجسمية، تمكنه من التعامل مع الطريق وشكله، وما يحويه من متغيرات كالسيارات الأخرى، والمارة، وإشارات المرور، وظروف الازدحام، وهذا يتطلب من السائق درجة عالية من الانتباه، والتركيز، والتوازن النفسي، وقدرة جيدة على الحركة التلقائية السريعة التي تحصل له بالخبرة والمران، وتأتي بعفوية دون قصد.

ولعل هذه الأسباب الفطرية في عنصر النساء، مضافاً إليها هذه الشروط المطلوبة في السائق، كانت السبب في رفع قيمة التأمين على السيارات التي تمتلكها النساء، ومن المعلوم أن شركات تأمين السيارات تراعي ظروف الشخص المتقدم لطلب التأمين؛ ولهذا تزيد من قيمته على الأشخاص المطلقين؛ لكونهم في الغالب يعيشون حالة من التوتر النفسي الذي يعد سببًا رئيسًا في وقوع الحوادث.

ويظهر هذا المبرر من الناحية الفقهية في حالات حوادث المرور وما يقع فيها من الجنايات؛ حيث تُعفى المرأة مطلقًا من المشاركة في دية المقتول خطأ حتى وإن كانت هي الجانية، في حين يشترك الجاني البالغ من الذكور ـ على خلاف بين الفقهاء ـ مع باقي العاقلة من القرابات في دفع دية القتل الخطأ، بل وتستمتع المرأة مع الورثة في الحصول على نصيبها من دية زوجها، في الوقت الذي لا تُكلَّف فيه مع العاقلة بشيء، وهذا فيه إجحاف اقتصادي بحق رجال الأسرة من العصبات إذا مُكِّنت الفتيات من ممارسة أسباب العطب، خاصة إذا شعرن بالأمان من مغبة تحمل الغرامة المالية، ومن المعلوم أن الأصل في إلزام العاقلة دفع الدية في حال القتل الخطأ ـ مع ما فيه من التعاون ـ هو تأديبها لتقصيرها في كفِّ المستهترين والطائشين المنتمين إليها من العبث بأمن المجتمع، مما يدفعها ـ بصورة تضامنية جماعية ـ لحفظ سفهائها ومن يُتوقع منهم الخطأ الذي يُكلفها الغرامات المالية.

وأما الزعم بأن مسألة الدية في مثل هذه الجنايات قد انحلت اليوم من خلال التأمين التجاري فلا حاجة إلى نظام العاقلة؛ فإن هذا النوع من التأمين القائم اليوم في المعاملات التجارية ممنوع شرعاً, والضرر ـ كما هو معلوم شرعاً ـ لا يُزال بضرر, والخطأ لا يُعالج بخطأ. كما أن التأمين التعاوني ـ الغائب من المعاملات الاقتصادية المعاصرة ـ لو عُمل به في مثل هذه الجنايات – بالشروط الشرعية- لكان جلُّ ميزانياته تُنفق في جنايات النساء السائقات ـ ولا سيما المبتدئات منهن ـ والشباب المتهور، مما يُجحف من جديد بباقي المساهمين من الحريصين على سلامة المجتمع وأمنه. ولهذا لن يرضوا بمشاركة هذه الفئات المتوقع منها الضرر بصورة كبيرة في صندوق تأمينهم التعاوني، مما سيضطر هذه الفئات ـ من جديد ـ للرجوع مرة أخرى بأزماتها الجنائية إلى العاقلة والعصبات، مما يُعطي لنظام العاقلة أهميته الاقتصادية والتعاونية، ودوره التربوي التوجيهي في الحياة الإسلامية.

وفي الجانب الآخر من المسألة الاقتصادية: استهلاك الثروة في هذه المراكب، وتجميد الأموال فيها، والاستنـزاف المالي في مصروفاتها، وخسائرها التي تُقدر في دول الخليج ببليون دولار، وفي المملكة وحدها بملياري ريال، إضافة إلى ضغط الحركة المرورية في البلاد النامية التي لا تتسع طرقها لمراكب الرجال فضلاً عن مراكب النساء والفتيات، خاصة بعد أن ثبت أن ازدحام الطرق من أعظم أسباب كثرة الحوادث. وفي بلد مثل المملكة العربية السعودية زاد عدد السيارات تسعة أضعاف ما بين عامي 1395هـ و 1411هـ، وأعجب من هذا ما أشارت إليه الإدارة العامة للمرور بالمملكة أن واقع عدد السيارات عام 1405هـ تضاعف عما كان عليه عام 1391هـ ثمانية وعشرين ضعفًا، وأعجب من هذا وأغرب ما أشارت إليه إحدى الدراسات أن عدد السيارات في المملكة تضاعف 38 مرة في الفترة ما بين عام 1391هـ وعام 1413هـ، كما أشارت الدراسة إلى أن ما بين كل 1000 شخص في المملكة هناك 350 شخصا يمتلكون سيارة خاصة، رغم أن النساء لا يقدن فيها السيارات، في حين يملك في بريطانيا السيارة الخاصة من كل 1000 شخص 306 أشخاص.

"وبالرغم من التوسع الهائل في المملكة في إنشاء الطرق داخل المدن وخارجها فإن هذا التوسع لا يُواكب الزيادة الهائلة في أعداد السيارات ووسائل النقل الأخرى، وهذا قد سبب ـ ولا شك ـ الكثير من الاختناقات المرورية والزحام الشديد في المواصلات، خاصة في المدن الكبيرة كجدة والرياض". فهاتان المدينتان مع مدينة الدمام تستوعب ثلث سكان المملكة تقريباً. ولا شك أن لو سُمح للنساء بالقيادة لزاد عدد السيارات بصورة كبيرة لا تستوعبها الطرق، في الوقت الذي يُهدد فيه العالم ـ ولا سيما في الدول الصناعية ـ بزيادة عدد السيارات والتلوث البيئي. ومن المعلوم أن سحر السيارة الجديدة في هذا العصر مظهر من مظاهر الترف الذي يتنافس فيه الناس، وسوف يكون في غاية القوة والترف إذا شارك النساء في هذه المنافسة الاجتماعية الأخَّاذة؛ لكونهن ـ بالفطرة ـ مأخوذات بعواطفهن، مشدودات برغباتهن. فلن يكون امتلاك السيارة عن حاجة بقدر ما يكون للمفاخرة والاستكثار، وقد دلَّ البحث الميداني في دول الخليج على أن عدد السيارات للأسرة الواحدة يزيد عند الأسر التي لا يشارك نساؤها في قوى العمل، وتقل أعدادها في الأسر التي يشارك نساؤها في قوى العمل؛ مما يدل على أن امتلاك السيارة ليس هو دائمًا للحاجة؛ فإن المرأة العاملة التي يقل لدى أسرتها عدد السيارات قد تكون أحوج إليها من غير العاملة التي يكثر لدى أسرتها عدد السيارات.

يعتمد المؤيدون لقيادة المرأة للسيارة على المبرر التاريخي رغم أنه لا يُؤيد توجههم؛ فعلى الرغم من الفارق الكبير بين طبيعة وظروف قيادة السيارة وقيادة الدواب فإن النساء منذ القديم لم يكنَّ من أهل الخيل والفروسية، إنما الخيل من مطايا الرجال، وقد كان من المستغرب ركوب النساء للخيل في بلاد زنجبار في القرن التاسع عشر، والسيارات الخاصة أشبه مراكب هذا العصر بها، فهي من هذه الجهـة متعلقة بالرجولة إلى حد كبير. ولهذا لا يجد الباحث ذكرًا للنساء عند ذكر الخيل والفروسية؛ لما اشتمل عليه ركوب الخيل من البطولة والطلب والهرب، ومواقع القتال من الكر والفر، مما لا يناسب الطبيعة الأنثوية، بل إن بعض القبائل في القديم كانت تُحرِّم على النساء ركوب الخيل لمعتقدات وأخلاق اجتماعية كانوا يرونها.

وأما البغال ـ مع كونها ليست من المراكب الآمنة بصورة مطلقة ـ فقد نُقل عن بعض نساء السلف ركوبها وهنَّ مستورات بستور أو في بواطن الهوادج، إلا أن الإبل كانت من أوسع مراكب النساء العربيـات وألطفــها بأحوالهن، ومع هذا لم يكنَّ ـ في الغالب ـ ينفـردن بركوبـها، فقـد ارتبط ركوبـهن عليـها بالـهـوادج المسـتورة، التي يتولى قيـادتها عـادة ساقة الإبل من الرجال؛ ولهذا ارتبط الهـودج بالمرأة في تنقلها وأسفارها، وحتى على مستوى التعريف اللغوي والاصطلاحي فالهودج مركوب المرأة، وأبعد من هذا تفسير رؤية الهودج في المنام بالمرأة عند مفسري الأحلام. ومما يُشير إلى هذا أيضًا ويؤيده جواب التابعي أبي ثفال المري حين سُئل عن خروج المرأة؟ فقال: "لأي شيء تخرج؟ والله لا تنفر في النفير ولا تسوق البعير"، ولما استأذنت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة أردفها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما خلفه على الدابة، ولم تنفرد بركوبها وحدها، ومن المعلوم أن سائق إبل النساء يتلطف في سيره، ولا يشتد عليهن خوفًا من سقوطهن لقلة ثباتهن على الدواب؛ فقد وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقوارير، يعني أنهن كالزجاج، "يُسْرع إليها الكسر، ولا تقبل الجبْر". وقد وصفت السيدة عائشة رضي الله عنها اعتناء الرجال، وقيامهم على بعيرها وهودجها فتقول: "وكنت إذا رُحِّل لي بعيري جلست في هودجي، ثم يأتيني القوم ويحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به"، وفي خبر الإفك لما تأخرت عن الركب، وأدركها صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه قالت: "ثم قرَّب البعير فقال: اركبي، واستأخر عني فركبت، فأخذ برأس البعير وانطلق سريعًا يطلب الناس"، يعني أنها لم تنفرد بقيادة البعير رغم وقوعها في مثل هذا الموقف الحرج، في خلوة مع شخص أجنبي، وما ترتب على مرافقته لها ـ بعد ذلك ـ من أزمة اجتماعية خطيرة. وفي هذا المعنى يصف الأخطل ـ شاعر الأمويين ـ رحيل النساء على الإبل حين يسوقهن الحادي، وقد رُحِّلت مراكبهن فيقول:

لبثن قليلاً في الديـار وعُوليـتْ

على النُجْب للبيض الحسان مراكب

إذا ما حدا الحادي المجدُّ تدافعـت

بـهن المطايا واستُحثَّ النجايــب

وهذا كلُّه يُشير ـ في الجملة ـ إلى أن مهارة القيادة للآليات أو للدواب مرتبطة بالذكور ارتباطًا وثيقًا؛ بل إن المرأة المعاصرة لم تقد السيارة في أوروبا إلا قبل زمن يسير؛ فإلى الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي كانت السيارة حكرًا على الرجل، ووسيلته لجذب المرأة وإغرائها بالزواج، إلا أنه ذُكر أن صانع أول سيارة في ألمانيا عام 1888م سمح لزوجته أن تقودها لأول مرة أمام الجماهير. وهذا الخبر إن صحَّ لا يعدو أن يكون لطيفة من اللطائف الأوروبية؛ وإلا فإن تحريك عجلة القيادة إلى عهد قريب جدًا كان شديدًا على الرجل المكتمل البنية فضلاً عن أن يكون سهلاً بيد المرأة العادية.

إن هذه المبررات المتعددة لكفِّ النساء عن مزاولة مهارة قيادة السيارات لا تُجيز ـ في الجانب الآخر ـ للمرأة المسلمة أن يُقتطع من عرضها وشرفها في المواصلات العامة المزدحمة بالأجساد المتراكمة كما هو حاصل في كثير من البلاد النامية؛ وإنما الهدف من كل هذا ربط المرأة بحصن البيت من الجهة المالية عن طريق تطوير التنمية الاقتصادية العائلية، من خلال الصناعات المنزلية التي أثبتت جدواها الاقتصادية، مع الاستفادة من فرص العمل المتاحة عبر شبكات الإنترنت التي أصبحت واقعًا في كثير من بلاد العالم، فلا تحتاج للكسب خارج نطاق الأسرة. وربطها أيضًا بالبيت من الجهة المعرفية من خلال التعليم عن بعد بوسائله المختلفة، فقد أصبح هذا النوع من التعليم واقعًا عالميًّا مقبولاً، فلا يبقى للمرأة خارج المنزل إلا ما لا بد لها منه من الحاجات والمصالح.

وإلى جانب ذلك لا بد أيضًا ـ ضمن ظروف الحياة الواقعية ـ من التوسع في وسائل النقل العام من الحافلات الكبيرة ونحوها؛ بحيث تصبح أكثر جدوى وراحة وأمانًا بالنسبة للمرأة المحتاجة للخروج، كالمعلمة والطالبة ونحوهما. إلا أن الواقع يشهد بقصور وسائل النقل العام؛ ففي بلد كالمملكة العربية السعودية لا يزيد النقل العام عن استيعاب 7% فقط من حركة الرحلات المرورية، في الوقت الذي يستوعب فيه النقل العام في أوروبا 40% من هذه الرحلات المرورية، حتى إن مدينة مثل الرياض لا يتولى فيها النقل المدرسي العام أكثر من 1% من أعداد الطلاب، في حين لا يُسمح لطلاب المدارس في اليابان الانتقال إلى مدارسهم بسياراتهم الخاصة، ولا حتى بالدراجات النارية، إنما بالنقل العام، وفي سنغافورة تتبنى الدولة سياسة متشددة في استخدام السيارات الخاصة، وتفرض قيودًا عليها، رغبة في توجيه الناس نحو النقل العـام؛ ولهذا جـاء في توصيات الندوة العلمية الأربعين المنعقدة في الرياض عام 1417هـ حول أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور، والتي شاركت فيها ثلاث عشرة دولة عربية ما نصه: "ضرورة التوسع في وسائل النقل الجماعية في المدن العربية، وتوفيرها بأسعار مشجعة، لحمل ساكني المدن على استخدامها بمختلف فئاتهم من موظفين وطلاب وغيرهم"، فلا بد أن تكون توصية كهذه ضمن اهتمامات المسؤولين، بحيث تفعَّل بصورة جادة لتحقيق هدف التخفيف من كثرة السيارات، وإقناع المجتمع ـ ولا سيما النساء ـ باستخدام وسائل النقل العام، وفي الوقت نفسه تُغنيهنَّ عن السعي في المطالبة بقيادة السيارات الخاصة التي تزيد من أعداد السيارات، وبالتالي تزيد من احتمالات وقوع الحوادث، إلى مشكلات أخرى تقدم ذكرها.

إن مما ينبغي أن تدركه المرأة والنساء عمومًا أن هناك تقبلاً اجتماعيًا خطيرًا نحو قيام المرأة بأدوار الرجل التي كانت إلى عهد قريب مناطة به كالعمل للكسب، وعلاج الأبناء، والترفيه عنهم، ونحوها من الأعمال، فقد أصبح المجتمع المعاصر يتقبل اتكال الرجل على زوجته في هذه المهمات، فلا يعدو تولي المرأة قيادة السيارة أن تكون تكليفًا جديدًا لمهمات أخرى تنحط عن كاهل الرجل لتنوء بأعبائها المرأة، مقابل استمتاعها بمهارة قيادة السيارة.

من خلال فقرات الدراسة توصل الباحث إلى العديد من النتائج، ومن أهمها:

1. الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، ومن حق السلطان المسلم أن يمنع النساء من قيادة المركبات سدًا للذرائع المفضية إلى المفاسد.

2.لا تعتبر السيارة الخاصة مهما كانت صالحة حصنًا للمرأة من أن تنال بسوء، إلى جانب ما يترتب على انطلاقها بها من انفلات اجتماعي لا يوافق توجيه الإسلام لها بالقرار والالتفات إلى المنزل.

3. السيارة آلة عنيفة في طبيعتها وبنائها لا تناسب الطبيعة الأنثوية والدور المناط بها المتطلب لمزيد من السكون والهدوء، إلى جانب مخاطرها وقسوة حوادثها.

4. الجانب الفطري في طبيعة خلْقة المرأة وظروفها الجسمية والنفسية لا يسمح لها بتحمل مسؤولية القيادة، والمخاطرة بنفسها وبغيرها.

5. تعود أسباب كثير من الحوادث إلى ضيق الشوارع عن استيعاب السيارات، كما أن حجم التلوث البيئي مرتبط بكثرتها أيضًا، وفي السماح للنساء بقيادة السيارات زيادة في أعدادها المسببة للحوادث من جهة، وزيادة في تلويث البيئة من جهة أخرى. إلى جانب أن النساء لسن من العاقلة التي تتحمل في حال القتل الخطأ الغرامات المالية التي يتحملها البالغون من الرجال، وهذا فيه إجحاف بالرجال إذا مكِّنوا النساء من أسباب العطب والضرر.

6. المرأة عبر التاريخ لم تكن من أهل الفروسية والخيل وإنما ارتبطت منذ القديم بركوب الإبل في الهوادج المستورة، وتولى الرجل منذ ذلك الزمن خدمتها في الأسفار وحمل هودجها عند الترحال، فلا يصح ـ بناء على ذلك ـ اعتبار ركوب المرأة في القديم على الإبل كقيادتها للسيارة في هذا العصر.

7. وجود بدائل عصرية يمكن من خلالها إغناء النساء عن قيادة المركبات من خلال وسائل النقل العام الكبيرة وإحياء الصناعات المنزلية، والاستفادة من وسائل التعليم عن بعد.

8. شح الدراسات العملية في موضوع قيادة المرأة للسيارات مما يتطلب مزيدًا من البحث في الموضوع والوقوف على دراسات أجنبية للتأكيد على صحة القرار بالمنع.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:13 PM
هذه حكمة الإسلام في الأحكام الخاصة بالمرأة (1/2)
عبد الرحمن عبد الخالق






أنا لا أخص بهـذه الرسالة أهل الإسلام الذي أنتمي إليهم، وإنما أكتبها إلى كل رجل وامرأة في العالم أجمع، وأسأل الله أن ييسر لهذه الرسالة أن تبلغ كل أذن، وتقتحم كل بصر، وأن يفقهها كل قلب..

والله لقد كتبتها مخلصاً لا أريد أجراً من أحد ولا ثناء من أحد، وإنما أردت أن أنقل إلى إخواني في الإنسانية جميعاً على اختلاف أجناسهم وأديانهم طرفاً من الرسالة العظيمة التي أرسل بها محمد بن عبد الله الرسول الخاتم من الله إلى الأرض جميعاً، وخاصة ما يتعلق بالتشريعات التي شرعها الله للمرأة... وقد اخترت بالخصوص ما يتعلق ببيان حكمة هذه التشريعات؛ لأن عليها يتوقف سعادة الإنسان في الأرض وتحقيق إنسانيته، ولأنها الأحكام التي استأثرت بالهجوم من أعداء الإنسانية، ومتبعي الشهوات، وقصيري النظر، الذين قضوا على سعادة الإنسان على الأرض وأبدلوه شقاء وضنكاً... وجعلوا من هجومهم على هذه التشريعات الربانية ـ لصرف الناس عن الدين الحق والصراط المستقيم، والسعادة في الدنيا والآخرة، الذي جاء الرسول الخاتم لكل الرسالات ليبشر به، ويدعو الناس جميعاً إليه ـ طريقاً لهدم الإسلام والتنفير منه.

محمد بن عبد الله هو رسول الله وهو خاتم رسل الله إلى أهل الأرض:

اعلموا أن رسول الله محمداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقاً وصدقاً، والأدلة على صدقه كثيرة جداً لا ينكرها إلا كافر مكابر...

1- فإنه قد نشأ أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ومات كذلك، وعرف عند قومه جميعاً بالصدق والأمانة، ولم يكن على علم بشيء من الدين، ولا الرسالات السابقة، ومكث على هذا أربعين سنة من عمره، ثم إن الوحي قد جاء بهذا القرآن الذي بين أيدينا الآن، وقد جاء هذا القرآن بمعظم أخبار الرسالات السابقة وقص أخبارها بأدق تفاصيلها كأنه عايشها، وجاءت هذه الأخبار تماماً كما هو موجود في التوراة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى... ولم يستطع اليهود ولا النصارى أن يكذبوه في شيء مما قاله..

2- ثم إنه صلى الله عليه وسلم أخبر بكل ما سيحدث له، وما يكون لأمته من بعده من نصر وتمكين، وإزالة لملك الجبابرة كسري وقيصر، وتمكين لدين الإسلام في الأرض، وجاءت هذه الوقائع والأحداث كما أخبر به تماماً، وكأنه يقرأ الغيب في كتاب مفتوح.

3- ثم إنه أتى بهذا القرآن العربي الذي هو ذروة في البلاغة والبيان. وتحدى العرب البلغاء والفصحاء الذين كذبوه أول الأمر أن يأتوا بسورة من مثل سوره. وقد عجز هؤلاء البلغاء الفصحاء من وقتهم وإلى يومنا هذا أن يعارضوا القرآن. ولم يتجرأ أحد إلى يومنا هذا أن يزعم أنه استطاع أن يؤلف كلاماً يساوي أو يقارب هذا القرآن الكريم في نظمه وحلاوته ورونقه وبهائه.

4- ثم إن سيرة هذا النبي الكريم قد كانت مثالاً كاملاً للاستقامة والرحمة والشفقة، والصدق، والشجاعة، والكرم، والبعد عن السفاسف والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ومراقبة الله والخوف منه في كل حركاته وسكناته.

5- ولقد أوقع الله حبه العظيم في قلوب جميع من آمنوا به وصحبوه. حتى إن أحدهم كان يفديه بنفسه وأمه وأبيه. وما زال الذين آمنوا به لليوم يعظمونه ويحبونه، ويتمنى الواحد منهم أن يراه مرة واحدة ولو قَدَّمَ في سبيل ذلك أهله وماله..

6- ولم يحفظ التاريخ كله سيرة رجل في العالم كما حفظ سيرة هذا الرجل الذي هو أعظم عظماء الأرض كلها، والتي لم تعرف الأرض كلها رجلاً يذكره المؤمنون في كل صباح ومساء ويسلمون ويصلون عليه مرات عديدة كل يوم، وذلك بملء قلوبهم، ومحبة أنفسهم..

7- ولم يوجد رجل في الأرض كلها لا يزال المؤمنون يقتدون به في كل حركاته وسكناته فينامون كما كان ينام، ويتطهرون كما كان يتطهر وضوءاً وغسلاً، ويلتزمون في طعامهم وشرابهم وملبسهم، وحياتهم كلها بالتعاليم التي نشرها بينهم، والسيرة التي سار عليها في حياته...

فالمؤمنون بهـذا النبي الكريم في كل جيل منذ وقته وإلى يومنا هذا يلتزمون تعاليم هذا الرسول التزاماً كاملاً، حتى إن بعضهم ليتبع هذا النبي ويحب أن يقتدي به في الأمور الخاصة التي لم يتعبدهم الله بهـا، كأن يحبوا نوع الطعام الذي كان يحبه هذا الرسول، ويلبسوا نوع اللباس الذي كان يلبسه؛ هذا فضلاً على أن يكرروا الأذكار والأوراد والأدعية التي كان يقولها في كل أعماله في اليوم والليلة كالسلام ودعاء دخول المنزل والخروج منه، ودخول المسجد، والخروج منه، ودخول الخلاء والخروج منه، والنوم واليقظة، ورؤية الهلال، ورؤية الفاكهة الجديدة، والذكر عند الطعام والشراب واللباس والركوب، والسفر، والقدوم.. إلخ.

هذا فضلاً على أنهم يؤدون كل عبادتهم من صلاة وصوم وزكاة وحج، كما علمهم هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم... وكما كان يؤديها تماماً في كل حركاتها وسكناتها حتى أدق تفصيلاتها.

وهذا جميعه يجعل المؤمنون به يعيشون حياتهم كلها، وهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أسوتهم وقدوتهم، وكأنه ماثل أمامهم في كل حركاتهم وسكناتهم...

8- إنه لا يوجد ولم يوجد رجل في الأرض كلها نال هذا الحب والتكريم والتعظيم والطاعة في الصغير والكبير كهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم..

9- ولقد اتبع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أناس من كافة الأجناس والألوان والشعوب، وفي كل بقاع الأرض، وفي كل الزمن منـذ يومه وإلى يومنا هذا، وقد سبق لكثير من هؤلاء الذين اتبعوا هذا النبي أن كانـوا نصارى، أو يهوداً، أو مشركين، أو وثنيين، أو لا دينيين، وقد كان منهم من أهل الرأي والحكمة والنظر والبصيرة الذين اتبعوا هذا النبي الكريم بعد أن شاهدوا آيات صدقه، ودلائل معجزاته، ولم يكن اتباعه إكراها أو جبراً أو تقليداً للآباء والأمهات.

بل إن كثيراً من أتباع هذا النبي صلى الله عليه وسلم قد اتبعوه في وقت ضعف الإسلام وقلة المسلمين، وكثرة الاضطهاد لأتباعه في الأرض، ولم يكن اتباع معظم الناس لهذا النبي؛ لأنهم سيحصلون من وراء ذلك على منافع مادية عاجلة، بل إن كثيراً منهم قد تعرض لأقسى أنواع الأذى والاضطهاد لإتباعه دين هذا النبي، ومع ذلك لم يردهم ذلك عن دينه.

إن كل هـذا أيها الأخوة يدل دلالة واضحة لكل ذي عقل على أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم كان رسول الله حقاً، ولم يكن رجلاً ادعى النبوة أو قال على الله بغير علم...

10- هذا فضلاً على أنه أتى بدين عظيم في بنائه العقائدي والتشريعي: فإنه وصف الله بما لا يستطع كل الفلاسفة والحكماء أن يأتوا بوصفٍ لله ينزهونه به كما أخبر به هذا النبي عن الله سبحانه وتعالى، بل لا يمكن أن يتصور عقل للبشر أن يصل إلى وصفٍ موجودٍ في كمال القدرة والعلـم والعظمة والهيمنة على الخلق والإحاطة بكل صغيرة وكبيرة في الكون، هذا مع الرحمة الكاملة، كما جاء وصفُ الله على لسان هذا النبي صلى الله عليه وسلم..

وليس في مقدور أحد من البشر أن يضع تشريعاً كاملاً لكل أعمال الإنسان في الأرض يقوم على العدل والقسطاس، والرحمة، والإنصاف كالتشريع الذي جاء به هذا النبي لكل عمل الإنسان في بيعه وشرائه، وزواجه وطلاقه، وإجارته، وشهادته، وكفالته... وفي جميع العقود التي لا بد منها لقيام الحياة والعمران في الأرض.

11- ويستحيل أن يكتب إنسان في الحكمة والخلق والأدب وسمو النفس وعلوها، كما جاء به هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فقد نشر تعليماً للأخلاق والآداب مع الوالدين والأرحام والأصدقاء، والأهل والناس، والحيوان والنبات، والجماد بصورة شاملة كاملة يستحيل أن يدركها عقل بشر يفكر بمفرده ويأتي بمثل هذه التعاليم..

وكل ذلك مما يـدل دلالة قاطعة أن هذا الرسول لم يأت بهذا كله من عند نفسه وإنما كان تعليماً ووحياً ممن خلق الأرض والسموات العلى، وخلق هذا الكون العجيب في بنائه وإحكامه…

12- إن البناء التشريعي والعقائدي للدين الذي جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يشبه البناء الهندسي البديع للسموات والأرض، وكل ذلك يدل على أن من خلق السموات والأرض هو الذي أنزل هذا التشريع العظيم والدين القويم…

إن درجة الإعجاز في التشريع الإلهي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كدرجة الإعجاز في الخلق الإلهي للسموات والأرض... فكمـا أن البشر لا يستطيعون خلق هذا الكون فكذلك البشر لا يستطيعون الإتيان بتشريع كتشريع الله الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وكما أن كل شيء في موضعه الصحيح في الخلق: فالشمس في مكانها الصحيح، ولو تقدمت إلينا قليلاً لاحترقنا، ولو تأخرت عنا بعيداً لتجمدنا..

والهـواء في ميزانه الصحيح من حيث الأوكسجين وبقية العناصر، والماء في موضعه الصحيح من الأرض كماً وكيفاً وتوزيعاً، والرياح في مساراتها الصحيحة.

فإن تشريع الله أنزل على محمد في كل جزء منه في مكانه الصحيح من حيث ما يجب أن يكون عليه عمل الإنسان، وكل زيادة أو حذف أو اشتراط أو إلغاء هو عبث وتخريب وتدمير لبنائه المعجز.

آية واحدة من القرآن تكفل السعادة للبشر جميعاً لو التزموها:

يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء/1).

فهذا نداء من الله سبحانه وتعالى للناس جميعـاً على اختلاف اعتقاداتهم ودياناتهم، يدعوهم الربُّ سبحانه وتعالى خالقُهم أن يتقوه جل وعلا، وأن يعلموا أنهم جميعاً قد خلقهم الرب جل وعلا من نفس واحدة، وهو آدم أبو البشـر صلى الله عليه وسلم. ومن آدم خلق الله زوجهُ وهي حواء. وقد جاء على لسان الصادق المصدوق خاتم الرسل والأنبياء أن الله أخذ ضلعاً من أضلاع آدم فخلق منه زوجه حواء، ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل البشر جميعاً من نسل آدم وحواء.. باجتماع كل من الذكر والأنثى.. إلا عيسى عليـه الصلاة والسلام الذي خلقه الله سبحانه وتعالى من مريم العذراء البتول دون أب وإنما بكلمة الله ونفخة الملك...

وبعد أن أعلمنا الرب سبحانه وتعالى أنه خلقنا جميعاً من نفس واحدة وأمرنا أن نخافه فإنه سبحانه وتعالى أمرنا أمراً ثانياً بمخافته وتقواه، وحذرنا من الرحم أن نقطعها...

(والرحم) هي منبت الولد، وقد اشتق الله لهذا العضو اسماً من أسمائه، فالله (الرحمن)، وهذا العضو هو (الرحم)؛ وذلك ليدعونا جل وعلا أن يرحـم بعضنا بعضاً، وبالأخص من يلتقون عند (رحم واحدة) فأرحم الرحم هي الأم لأن ابنها نشأ ونبت في (رحمها) وبعدها الأب لأن بذرته هي التي كونت الجنين في رحم الأم، وبعدهما الأخوة الأشقاء لأنهم يلتقون في رحم واحدة نشؤوا فيها؛ من أب واحد كانت بذرتهم، ثم الإخوة لأم لأنهم يشتركون في رحم واحدة، وإن كان آباؤهم شتى، ثم الأخوة لأب، وهكذا...

وهذا التراحم بين البشر جميعاً هو الذي يميزهم عن سائر الحيوانات، فسائر البشر يلتقون في رحم واحدة بعيدة، فجميعهم من (رحم حواء)، ثم في أرحام قريبة كالإخوة. وهذا التراحم هو أعظم ما ميز الله به الإنسان عن سائر حيوانات الأرض، وليس العقل وحده وتدبير المعاش هو ما يميز الإنسان عن الحيوان.

فإن ديدان الأرض وزواحفها، ووحوشها، وطيورها.. قد علم كل منهم كيف يدبر عيشَهُ، ويدّخر قوتهُ، ويحتضن فراخه، ويربي أولاده، ويبلغ بحِيلتِهِ نهاية عمره إلا ما يكتنفه من الأحداث...

ثم إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في هذه الآية التي أنزلت على آخر رسله، وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أنه رقيب علينا جميعاً. ومن معاني مراقبته أنه يعلم كل خافية منا، وما نفعله ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً، بل ما يجـول في خواطرنا وما تخفيه قلوبنا، وهو في كل لحظة ناظر إلينا لا نغيب عن عينه التي لا تنـام، ومطلع على أسرارنا، وسامع لكلامنا ومُحصٍ لأفعالنا.

وقد وضع لنا النظام والقانون والتشريع الذي يجب علينا أن نسلكه في كل شؤوننا. وأنزل ذلك في كل جيل وقبيل على ألسنة الرسل والأنبياء، الذين أرسلهم إلى الناس في كل العهود بدءاً بآدم عليه السلام الذي كان نبيـاً كَلَّمّهُ الله، وختاماً بمحمد عليه الصلاة والسلام الذي كان رسولاً نبياً إلى الناس كافة من وقت أن ابتعثه الله، وحتى تقوم الساعة وتنتهي هذه السموات والأرض.

وعلى أساس من هذا القانون والتشريع والنظام الذي أنزله سيحاسبنا الله سبحانه وتعالى بمقتضاه على كل أعمالنا: هل وافقت الحق ووقعت كما أمرنا الله به وشرعه لنا؟ أم أننا سرنا في هذه الحياة بحسب أهوائنا وشهواتنا وما نشرعه لأنفسنا، ونخترعه بعقولنا؟

إن تشريع الإسلام الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم جاء ليعلن أن المرأة إنسان مكلَّف كالرجل تماماً، هي مكلفة بكل درجات الدين: من الإسلام والإيمان والإحسـان. فإنه يجب عليها أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطاعت إليه سبيلاً، وعليها كذلك أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وهذه هي أصول الإيمان والإسلام، وعليها كذلك أن تعبد الله كأنها تراه، وتعتقد أنه يراها على كل أحولها، وفي كل خلواتها، وأنه مطلع على سرها وجهرها..

وهذه درجـات الدين الثلاث (الإسلام، والإيمان، الإحسان) قد أمرت بها المرأة، كما أمر الرجل تماماً...

وهـي كذلك مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد بالكلمة الطيبة، والامتثال بكل الأخلاق الكريمة من الصدق، والأمانة، والشجاعة والحياء، وعزة النفس، وهي كذلك مأمورة بوجوب الثبات على الدين، وعدم التفريط في الإيمان، ولا يجوز لها أن تشرح صدرها بكلمة الكفر تحت أي ضغط أو إكراه، فهي داخلة تحت قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل/106).

ولا شك في أن الإسلام عندما كلف المرأة بكل هذه التكاليف، وسوى بينها وبين الرجل في كل ذلك، إنما أراد لها التكريم وبلوغ أعلى درجات الإحسان والكمال، وذلك أن التكليف من الله تشريف، فالصـلاة تكريم ورفعة للعبد، والصوم كذلك، والتزام صراط الله المستقيم وآداب الإسلام العظيم.. لا شك في أن هذا جميعه من التكريم، وليس من الإهانة كما قد يظنه الجاهل بالله المتبع لهواه، الذي يظن أن الإنسان الكافر بالله الذي لا يحمل أمانة التكليف ولا يقوم بما أوجبه الله عليه أعلى قدراً من المؤمن الملتزم بأحكام التكليف... هذا من الجهل والتسوية بين الإنسان والحيـوان، فالإنسان مخلوق خلقه الله ليبتليه ويكلفه بأداء الحقوق نحو الله سبحانه وتعالى ونحـو عباده...

وأما الحيوان فمخلوق غير مكلف... فمن جعل الإنسان الذي لا يقوم بما أوجبه الله عليه مساوياً لمن يقوم بما أوجبه الله عليه، كمن سوى بين الإنسان والحيوان.. ولذلك قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم/36)...

وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف/179).

فالكافر بالله مجرم؛ لأنه لم يعرف إلهه وخالقه ومولاه وربه، والذي خلق الكون الذي يعيش فيه، والكافر يتمتع بما أنعم الله عليه وينسى المنعم المتفضل... وأما المؤمن فإنه العبد المكرم الذي عرف ربه وإلهه وخالقه، وقام بما أوجبه الله عليه، وسار في الطريق الذي رسمه الله له.

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:14 PM
هذه حكمة الإسلام في الأحكام الخاصة بالمرأة(2/2)
عبد الرحمن عبد الخالق






رفـع الله سبحانه وتعالى عن المرأة التكليف بالسعي لاكتساب الرزق، وجعل هذا التكليف خاصـاً بالرجل وحده.. وأمره بكفالة المرأة في كل أطوار حياتها... فإذا كانت الأنثى ابنةً كانت كفالتها على أبيها، ولا تسقط هذه الكفالة إلا بالزواج أو الموت، ولا تنتهي عند سن محددة، كما هو في تشريـع الجاهلين من الذين يحكمون أهواءهم وعقولهم القاصرة... وإذا كانت الأنثى زوجةً، فإن كفالتها على الزوج طالما هي في عصمته، بموجب عقد الزواج..

وإذا كانت أختاً فكفالتها على الأخ الذي يقوم مقام الوالد عند فقده، ثم من ترثه ويرثها...

ثم جماعــة المسلمين؛ فإن كفالة المرأة المحتاجة فرض من فروض الكفايات إذا لم يقم به أحد من الأمــة أثموا جميعاً...

ثم إن الإسـلام أسقط عن المرأة أن تكفل غيرها حتى مع غناها. فلا يجب عليهـا الإنفاق على ولدها في وجـــود الزوج، ولا على أصولها، إلا من باب البر والإحسان والصلة، ولا تكلف لأن تعمل لتنفق على نفسها أو ولدها...

ورفع التكليف بالعمل لاكتساب الـرزق عن المرأة إنما هو لصيانتها عن الامتهان، فإن كثيراً من الأعمال التي يُطلب بها الرزق امتهان وشدة، وكذلك صيانة لها من الفتنة، والاختلاط بالرجال... ولأن هذا من التخصص الذي جعله الله من سنن الخلق...

ولو كلفت المرأة إلى جوار وظائفها الفطرية بالحمل والولادة والإرضاع، وكلفت أيضاً بالعمل لاكتسـاب الرزق لكان هذا تكليف ما لا يطاق، ولكان هذا ظلماً للمرأة، أو أن يكون العمل على حسـاب وظائفـها الفطرية من الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما هو ما حدث عند جميع الأمم التي انحرفت عن فطرة الله في الخلق..

لقد رضي الرجال بذلك في هذه المجتمعات الجاهلية؛ لأن ذلك يحقق لهم مزيداً من الاستمتاع بالمـرأة، ويسقط عنهم جانباً من التبعات في الإنفاق والعمل، ولا شك أن ذلك من أنانية الرجل، وللأسف أن كثيراً من النساء رضين بذلك، أعني الجمع بين العمل خارج المنزل للـرزق، والوظيفة الفطرية في الحمل والولادة والإرضاع وذلك من أجل اللهو والظهور لا أنه فعلاً قيمة إنسانية أو خلقية، بل وعمل المرأة للرزق ليس قيمة في الكسب والرواج الاقتصادي كما يُدَّعى...

إذ الصحيح أن مزاحمـة المرأة للرجل في العمل خارج المنزل كان وما زال من أسباب الركود الاقتصادي والبطالة، والمزيد من الاستهلاك الفارغ في أدوات التجميل، والزينة واللباس والعطور التي أصبحت من لوازم المرأة العاملة خارج منزلها...

ثم إن كل امرأة تعمل خارج المنزل تتسبب غالباً في حرمان فرصة عمل لرجل يمكن أن يقوم مقامها... وهذا من أسباب البطالة..

ثم إن الرجل الذي أخذ مكان المرأة في المنزل لا يمكن أن يقوم بوظائفها الفطرية...

وإننا نقـول ما هي القيمة الاقتصادية أو الأخلاقية، أو الاجتماعية في عمل المرأة في المصـانع، والجيوش، وتنظيف الشوارع، والمطارات، وصيانة القطارات، وتنظيف المراحيض العامة، والحراسة، وقيادة سيارات التاكسي، وسائر ما تمتهن به المرأة في الدول التي تعيش للدنيا فقط ولا تفكر في اليوم الآخر؟

إن هذا كله من الحياة الضنك التي هدد الله بها من يبتعد عن طريقه، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه/124-126).

ومع أن الإسلام لم يوجب العمل على المرأة لاكتساب الرزق، وجعلها مكفولة في جميع مراحل حياتها، فإن تشريع الإسلام أعطى المرأة حق الملكية والتصرف دون ولاية أب أو زوج أو غيره ما دام أنها بالغة راشدة... فلها الحق في التملك لكل أنواع الأموال، وللبيع والشراء، والهبة والصدقة، وكل نواحي الإنفاق، ما دام أنه في مالها وكسبها، دون إسراف أو تبذير... أما إذا كانت سفيهة فإن الإسلام يساوي في الحجر على السفيه بين الرجل والمرأة.

وقد أعطى الإسلام للمرأة حق التملك والتصرف لتكون بهذا إنساناً كامل الأهلية، لها أن تتصرف في مالها، وجعـل لها من مصادر الكسب الخاص المهر والميراث والهبة، وكل وسيلة مشروعة للكسب.

ولما كانت المرأة في تشريع الإسلام لا تجب عليها نفقة لا على نفسها ولا على غيرها، فإن التشريع أعطاها نصف ما يأخذ الذكر في الميراث نظراً لرفع وجوب النفقة عنها، وجبراً للرجل الذي أصبح العمل معقوداً برأسه... والإنفاق واجباً عليه وحده.

وخالف الإسـلام في هذا سنة الجاهلية التي كانت تحرم المرأة من الميراث بالكلية لأنها لا تنفق على غيرها، ولا تحارب عدواً... ونزل قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء/7).

ولا شك أن من يدعي ظلم الإسلام للمرأة لأنه أعطاها نصف الرجل في الميراث جاهل بتوزيع الحقوق والواجبات في الشريعة المطهرة العادلة {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة/50).

تشريع الإسلام يهدف إلى الحفاظ على الضرورات الست التي لا سعادة للإنسان، ولا حياة طيبة على الأرض إلا بالحفاظ عليها، وهذه الضرورات هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض.

وقد شرع الإسلام من التشريعات العظيمة ما يكون به الحفاظ على كل ضرورة من هذه الضرورات الست.

ويهمنا هنـا في معرض بيان حكمة الإسلام في تشريعه الخاص بالمرأة أن تبين أثر ذلك الحفاظ على الضرورات الست، وخاصة الحفاظ على طهارة النسل، وصحة النسب.

فالحفاظ على طهارة النسل هو أحد الضرورات الست التي لا سعادة ولا بقاء للبشر دون الحفاظ عليها.

والمقصود بالنسل: الذرية، والمقصود بالنسب، نسبة الإنسان إلى آبائه، ومعرفة أمه على التحديد، وحفظ دائرة الأقارب والأرحام.

والنسب: هو ما يميز الإنسان في الأرض عن سائر حيوانها.

ومن أجل الحفاظ على النسب:

أ- حـرم الإسلام على الرجل أن يتزوج أمه وابنته وأخته وعمته وخالته وابنة أخته، وأم زوجتـه، وابنة زوجته -إن كان قد دخل بأمها- ونظائـر هؤلاء النسوة أيضاً من الرضاع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] (متفق عليه).

وكانت الغاية من تحريم الزواج بهؤلاء النسوة هو الحفاظ على النسب، ودائرة الأرحام، وتعويد الإنسان أن يكون حوله مجموعة من النساء لا يشعر نحوهن بشعور الشهوة، واللذة الجسدية والامتلاك، وإنما يشعر نحوهن بشعور المودة، والمحبة العاطفية، والرحمة والتقدير.. فالمشاعر التي يجب أن تكون بين الرجل وهؤلاء النسوة يجب أن تكون غير المشاعر التي يشعر بها الرجل نحو المرأة الأجنبية، والتي يمكن أن يتزوجها أو يواقعها.

ومقابل ذلك حرم على المرأة أن تتزوج أباها وابنها، أو أخاها، أو عمها أو خالها، أو ابن أخيها، أو ابن أختها، أو والد زوجها، وابن زوجها، وكذلك نظراء هؤلاء من الرضاع لتشعر المرأة نحو هؤلاء الرجال بشعور القرابة والمحبة التي ليس فيها شهوة جنسية.

ب- ومن أجل الحفاظ على النسب ودائرة الأرحام نقية وطاهرة أمر الإسلام بإعلان النكاح، وتوثيقه والاشهاد عليه حتى يفترق عن الزنا. وصان الإسلام كرامة المرأة من أن تفاوض الرجل على نفسها كما تفعل الزانية، فأوجب على وليها أن يباشر هو عقد النكاح عن موليته (ابنته أو أخته.. الخ).

فالمرأة لا يعقد لها عقد نكاح إلا أقرب الرجال إليها صوناً لكرامتها، وحفاظاً على حيائها ورقتها...

ج- ولما كان الزنا هو الآفة التي تقضي على طهارة النسل، وصحة النسب فإن الإسلام الطاهر الطيب الذي هو تشريع الله الحكيم الحميد قد أوصد جميع الأبواب إلى هذه الآفة وسدها بكل سبيل، وعالجها قبل وقوعها، وبعد وقوعها قطعاً لدابرها، وقضاءاً على آثارها في المجتمع..

وذلك أن الغريزة الجنسية، والميل الفطري من الرجال والنساء بعضهم لبعض من أقوى الغرائز في الإنسان بل هي أقواها، والرجل والمرأة كلاهما ضعيف أمام هذه الغريزة وهذه الرغبة.

ولا شك أن السقـوط فيها وشيوعها يعني هدم أعظم مقوم من مقومات سعادة الإنسان على الأرض وهو طهارة النسل وصحة النسب، وبذلك يقضي على الرحم والرحمة، وذلك أنه إذا فشا الزنا فشا أولاد السفاح، وإذا كثر أولاد السفاح انهدمت الأسرة، وانهد كيان المجتمع، وتقطعت صلاة المودة بين أفراده، وشاعت الأنانية وحب الذات، وعم البغض والكره والمقت بين الناس، ولم يتبق إلا مشاعر الامتلاك والشهوة والمتعة، والمنفعة المجردة، واللذة الآنية (الوقتية)، والبعد عن تحمل تبعات الزواج، وتربية الأولاد.. وهذا إيذان بالخراب والدمار، وضياع لمعاني الرحمة، والسرور، والعطف.

د- ومن أجل بقاء النسل نظيفاً طاهراً، فإن شريعة الإسلام الطيبة الطاهرة أمرت بوجوب غض البصر من الرجال والنساء، ووجوب إخفاء المرأة زينتها عن الرجال الأجانب الذين هم ليسوا بمحارم لها.. والمحرم هو: (من لا يجوز للمرأة أن تتزوجه أبداً).

هـ- ونهى عن سفـر المرأة مع غير محرم لها، ونهى عــن الدخول على النساء فـي غيبة الأزواج والمحارم، والخلــوة بهن إلا أن يكون ذلك مع زوج أو محرم.

وكل هــذه الأحكام المراد منها صيانة الأعراض، والبعــد عـن مواطن الفتنة، والشك، وبقاء الثقة، والاطمئنان إلى العفة والاستقامة.

و- ولا شك أن أحكام الإسلام الخاصة بالعفة من الحجاب وغيره لم تكن يوماً حاجزاً أمام المرأة لتبلغ أعلى درجات الكمال المقدر لها من العلم بكل ميادينه، والفضل والإحسان.

بل إن الحجاب من أعظـم الوسائل ليتفرغ كل من الرجل والمرأة إلى مهامه، ولا يظل الرجل والمرأة كلاهمـا مشغولين بالجنس في كل مكان، وقد أثبتت التجارب أن الطلاب والطالبات في الجامعات غير المختلطة أفضل تعليماً وتحصيلاً منهم في الجامعات المختلطة.

إن هذه الأحكام التي شرعها الإسلام صيانة للعرض، وحفاظاً على طهارة النسل، وصحة النسب، قد عارضها متبعو الشهوات، وقصيرو النظر، ممن يريدون أن يعيشوا لشهواتهم، ومنافعهم الفردية، ولو تأتي من وراء ذلك كل الشرور والآثام، وكان هجوم هؤلاء المنحرفين على تشريعات الإسـلام الخاصة بالعفة، وصيانة النسب ليس نابعاً من الرغبة في صون المرأة، أو المحافظة على حقوقها أو إنصافها كما يقولون... بل كان دافعهم إخراج المرأة وهي فتاة من سترها وخدرها، لتكون في متناول أيديهم حيث شاءوا، وأَنَّى أرادوا، ولإغراء المرأة وهي زوجـة ألا تصون زوجـاً، ولا تحافظ على نسب، ولجعل المرأة في كل أدوار حياتها ملهاةً ومتعةً للرجـل، يقضي وطره منها بكل سبيل، ويُخَلِّى بينها وبين ما تحمله في أحشائها... وبينما يتفرغ الرجل للإكثار من الخليلات، والصديقات، وطالبات المتعة العابرات، تتفرغ المرأة بعد كل حمل إلى تبعة جديدة من التبعات؛ فأما أن ترتكب فيما حملت في بطنها جريمة قتل قبل الولادة أو بعدهـا، أو تلقيه إلى غيرها: أما في دور الرعاية حيث ينشأ بعيداً عن الأسرة كما تنشأ سائر الحيوانات في حظائر التربية، وإما في سلال القمامة، وإن بقى شيء من عاطفة الأمومة. فإن الأم تتحمل نفقات هذا المولود، وقد تبحث عن رجل آخر يقوم مقام صاحبها الأول الذي قضى وطره منها وخلاها.

إن هذا الواقع الأليم هو الذي آلت إليه مجتمعات الإثم والفاحشة التي أدعى الرجال فيها أنهم يريدون الحفاظ على حقوق المرأة ومساواتها بالرجل لهو أكبر دليل على أن حديث المساواة كان حديث كذب وتضليل.

لقد كانت المرأة هي ضحية هذه المساواة فإن العمل لكسب الرزق أصبح عليها واجباً، وهو خلاف طبيعتهـا وتكوينها، والرجل يعاشر ألف المرأة، ولا يحمل في أحشائه شيئاً، ويستطيع أن يعاشر ألفاً أخرى... والمرأة ربما حملت لأول معاشرة مع رجل عابر لا يطلب إلا مجرد متعة عابرة، وتتحمل المرأة وحدها التبعات.

فإما قتل ما في بطنها، أو تحمل النفقات والتبعات.. فأين المساواة؟!

وعقود الزواج الجاهلية لم تصبح ضماناً للمرأة في هذه المجتمعات لأن الرجل الذي يجد المرأة، ويتمتع بها بلا ضمانات وتبعات لماذا يلجأ إلى الزواج مع قيوده وآثاره؟!

ومساواة المرأة بالرجل في الحق في إنهاء عقد الزواج، جعل هذه العقود لا تستمر في كثير من الأحيان سوى ساعات... فأين المساواة؟!

أنني أدعوكم إلى العلم بعقد الزواج كما جاءت به الشريعة المطهرة المنزلة على خاتم أنبياء الله ورسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. إن هذا العقد من الحكمة والإحكام بحيث إنه يحقق السعادة والسلام والأمن لكل الرجال والنساء على هذه الأرض.

فقد وزع الله فيه الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة توزيعاً عادلاً حكيماً، وجعل له صمام أمان بيد الرجل كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ }.. (البقرة/228).

ودون الدخول في تفاصيل هذا العقد، فإن الله قد أوجب على الرجل في عقد النكاح مهر الزوجة ونفقتها، من مطعم ومسكن وملبس، وجعل نفقة الأولاد على الزوج وحده، وأعفى المرأة من مسؤولية كسب المعاش والرزق لا على نفسها أو ولدها، وأوجب عليها طاعة الزوج والإخلاص له، وقصر نفسهـا عليه، والمحافظة على بيت زوجها فهي أمينة عليه.. وأما الاستمتاع فإن كلا منهما يستمتع بالآخر.. وجعل من حق الرجل مفارقة المرأة وطلاقها بإرادته المستقلة حفاظاً على سريـة الزواج وعدم اللجوء إلى ظلم المرأة وفضيحتها أو إفشاء أسرارها..

وأوجب على الرجل عند طلاق امرأته أن ينفق عليها مدة عدتها (عدة الحامل حتى تضع، والحائض ثلاث دورات شهرية، وغيرهما ثلاثة أشهر). وإن حملت تكفل بحملها وأولادها أبداً، وإن قامت المطلقة بتربية الأولاد كانت نفقتها كذلك عليه.. وبذلك تعفى المرأة من العمل وكسب الرزق زوجةً، وأماً حاضنةً وإن كانت مطلقة..

وجعل للمرأة كذلك حق المخالعة من الزوج، ولكنها في هذه الحالة ترد للزوج ما أمهرها إلا أن يعفو عن ذلك، وجعل الله سبحانه عقد الزواج ميثاقاً غليظاً يلزم الرجل والمرأة كلاً منهما بالوفاء به قضاء في الدنيا، وديناً وحساباً في الآخرة...

وأعطى الإسلام للرجل أن يجمع في وقت واحد بأربع نسوة، ما دام قادراً على الإنفاق، وبالطبع فإن المرأة التي تقبل بهذا تقبل به طواعية ورضا، وقد أباح الله سبحانه ذلك حتى لا تبقى امرأة بغير زوج، ولا يتطلع رجل إلى زنا، وقد يُسر الحلال له، وليكون كل مولود صحيح النسب إلى أبويه.

ولا شك أن الذين أرادوا أن يقصروا الرجـل على امرأة واحدة واستنكروا جداً أن يجمع الرجل في عصمته أكثر من امرأة واحدة بحجة المساواة، لم يتم لهم ذلك، فإن كثيراً من الرجال غريزةً وفطرةً لا يستطيع قصر نفسه على امرأة واحدة وإلا أصابه العنت. ولما أراد - دعاة المساواة كذبـاً - صدام الفطرة فإنها صدمتهم، وأتخذ الرجال الخليلات والصديقات، وفشا الزنا، وكثر أولاد السفاح، وعم الشقاء..

وكان من جملة الشقـاء أن تحول الرجال إلى اغتصاب أطفالهم، والإحصائيات في هذا مرعبة جداً... فأي جريمة جرها هؤلاء على البشرية أن حولوا الآباء إلى وحوش كاسرة يفترسون بناتهم، وذويهم، وأرحامهم.

هذا في الخفـاء؛ وأما في الظهور فإن الذين فسدت فطرتهم يهللون، ويفرحون ويتمدحون بكثرة الخليلات والصديقات الفاجرات، ويشرَقون ويَأنفون بتعدد الزوجات العفيفات الطاهرات المقصورات على رجل واحد، فأي انتكاس للفطرة، وادعاء كاذب بأنهم يدعون إلى مساواة الرجل بالمرأة؟!

والحق أنه يستحيل المساواة فيما هو من خصوص الرجال والنساء، وما دام أنه يستحيل المساواة المطلقة بين الرجال والنساء فإنه يجب توزيع الحقوق والواجبات بما اختص به الخالق سبحانه وتعالى كلاً منهما.

إنني أدعوكم إلى إقرار عقد الزواج في الإسلام كما أنزل من الله على خاتم الرسل والأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فإنه كفيل عند تطبيقه أن يحقق الحياة الطيبة السعيدة التي يتمناها ويسعى إليها كل ذي عقل على هذه الأرض.

- أيها الأخوة والأخوات في كل مكان...

إننا ندعوكـم إلى إنقاذ البشرية مما تردت إليه بسبب البعد عن منهج الله ودينه، ومخالفة أحكامـه الطيبة الطاهرة، ونذكركم ببعض الكوارث التي حلت بالبشرية من وراء الركض وراء الشهوات، والسير في طريق الغواية والشيطان، ومن ذلك:

جريمة قتل الأولاد والذرية والذي أصبح بأعداد هائلة، وذلك نتيجة الإجهاض سراً وعلانية، وهذا من نتائج إباحة الزنا والفجور، وتكليف المرأة بالعمل، وتيسير سبل حصول الرجل على المرأة كيفما شاء.

إن إباحة الزنا جريمة عظيمة بحق البشرية... إن كل دين وشريعة أنزلها الله من السماء حرمت هذه الجريمة البشعة، وجعلت لها أقسى عقوبة هي الرجم للرجل والمرأة الذين سبق لهمـا زواج، وقد جاء هذا في الشريعة المنزلة على موسى عليه السلام كما جاء في سفر التثنية 22: في حق المرأة التي يدخل بها زوجها فيجدها غير عذراء:

"ولكن إن كان هذا الأمر صحيحاً لم توجد عذرة للفتاة يُخرِجونَ الفتاةَ إلى باب بيتِ أبيها، ويرجُمُها رجالُ مدينَتِها بالحجارة حتى تموت؛ لأنها عملت قَباحَةً في إسرائيل بزناها في بيت أبيها، فتنزع الشر من وسطك.

إذا وُجِدَ رجل مضطجعاً مع امرأةً زوجةِ بعلٍ يُقتَل الاثنانِ الرجلُ المضطجعُ مع المرأة، والمرأةُ، فتنزع الشر من إسرائيل.

إذا كانت فتاة عذراءٌ مخطوبةٌ لرجلٍ فوجدها في المدينة واضطجع معها فأخرجوهُما كليهما إلى باب تلك المدينة وارْجُموهما بالحجارة حتى يموتا. الفتاةُ من أجل أنها لم تصرخْ في المدينة، والرجل من أجل أنه أَذَل امرأةَ صاحبه، فتنزع الشر من وسطك " (التوراة/سفرالتثنية 22-25).

ولا شك أن هذا الذي نزل على موسى عليه السلام هو الشريعة التي جاء بها عيسى عليه السلام أيضاً، فإن عيسى قد جـاء نبياً رسولاً حاكماً بشريعة التوراة. يقول عليه السلام كما جاء عنه في الإنجيل:

"لا تظنوا أني جئت لألغي الشريعة أو الأنبياء، ما جئت لألغي بل لأكمل فالحَقُّ أقولُ لكم إلى أن تزول الأرض والسماء لن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الشريعة حتى يتم كل شيء" (الإنجيل كما دونه متى 5/17-19)

وقد جـاء المسيح عليه السلام آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وكان الزنى من أعظم ما نهى عنه، وها هو ينقل عنه أنه قال:

"وسمعتم أن قيل: لا تزن! أما أنا فأقول لكم: كل من ينظر إلى امرأة بقصد أن يشتهيها، فقد زنى بها في قلبه! فإن كانت عينك اليمنى فخّاً لك فاقلعها وارمها عنك، فخير لك أن تفقد عضواً من أعضائك ولا يطـرحْ جسدك كله في جهنم! وإن كانت يديك اليمنى فخّاً لك، فاقطعها وارمها عنك، فخير لك أن تفقد عضواً من أعضائك ولا يطرح جسدك كله في جهنم" (الأنجيل 5/27-31)

وأما الشريعة المنزلة على خاتم رسل الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فإنها جاءت مصدقـة لما في التوراة والإنجيل، ومحققة للطهارة الكاملة للمجتمع من هذه الآفة الخبيثة الزنا: سداً لجميع الذرائع إليه وقطعاً لآثاره ودابره...

ففي القرآن المنزل النهي عن الاقتراب مجـرد اقتراب من هذه الفاحشة. قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} ( الإسراء/23 )

والنهى عن الزواج بمن عرف عنها الزنا {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور/3) وجاءت عقوبة الجلد مائة جلدة للزاني والزانية إذا كانا بكرين (لم يسبق لهما زواج) والرجم للثيب الذي سبق لها زواج.

وهذه الشرائع الثلاث: اليهودية، والنصرانية، والإسلام، هي التي ينسب إليها أكثر من نصف أهل الأرض الآن، وكثير منهم يعتز بالنسبة إليها... ولكن عباد الشهوات وأتباع الشيطان قد أضلـوا كثيراً من الناس عن هذا الهدى والنور… وجاءت قوانين الشيطان وشرعة إبليس لتبيح للرجل والمرأة إذا كانا بالغين خالِيَيْن أن يفعلا هذه الجريمة دون أن يعد هذا إثماً أو قبحاً… ثم ازداد العالم كله شراً عندما نادى أدعياء المساواة بأن الزنا ليس بجريمة لأي رجل وامـرأة متزوجين أو خاليين!! وأن هذا من الحريات الشخصية، وبهذا أسرعوا في دمار العالم، وإخراج أبناء السفـاح، وتدمير الأسرة، وهدم الأرحام، مما سيجعل البشر- وقد كان - قطيعاً من الماشية والأغنام.. بل من الخنازير التي لا غيرة عندها ولا أخلاق.

ومن أعظم المفاسد التي جرتها شرائع الشيطان: العدوان على الأولاد والأرحام، وقد بلغ هذا الأمـر نسباً مخيفة تهدد بزوال العمران، حتى أصبحت بيوت (اللادينيين، الفجار) بيوتاً للإجـرام والعدوان، وذهب مفهوم السكن والأمن والأمان… فإن اعتداء الأب على أبنائه وبناتـه واغتصاب أطفاله وأرحامه من أبشع ما رأت الأرض من صور الفساد والإفساد...

ولا شك أن إباحة الحمل بكل الوسائل من الزوج وغيره وتأسيس (بنوك المني) لهو من أعظم العدوان على البشرية، والسماح بإخراج أناس لا ينتمون لآبائهم، وهذا تنجيس للنسل، وهدم للأنساب.. وهذا سيؤدى إلى سرعة الخراب والدمار... لأنه سيخرج أجيالاً من أولاد السفاح، والحرام، لا يعرفون معنى الرحمة، ولا يمتون إلى الإنسانية إلا بالصورة الخارجية. وأما الإنسـان (حقيقة الإنسان) الذي ينتمي إلى الأم والأب ويعيش في دائرة الأرحام، ويعرف معنى الأسـرة والوئام فإنه لن يكون موجوداً، وبهذا سيعم الفساد والقتل والإجرام، وسيسهل على الإنسان أن يقتل الإنسان دون أن تطرف له عين، أو يتألم له قلب، أو أن يتغير له إحساس.

إن مما جنته هذه الشرائع الظالمة التي نادت ـ زوراً - بالمساواة، وأخرجت المرأة من سترها، وعزها، لتكسب قوتها بنفسها كالرجل سواءً قد ظلمت المرأة وأهانتها إهانة بالغة، وحملتها مشقات عظيمة... وجعلتها سلعة رخيصة ينالها كل فاجر، وعابر، ثم يلقيها على قارعة الطريق..

لقد أصبحت المرأة بعد أن كانت عزيزة في بيت أبيها، يقوم بكفالتها، ثم يُخْطَبُ وُدُّها، وتُطلب يدها من وليها، ويُدفع مهرها، ويُلزم الزوج بجميع نفقاتها، وإذا أنجبت كانت نفقات الأولاد على أبيهم لا عليها... ثم إذا أصبحت أماً كان حقها على أولادها بعد حق الله سبحانه وتعالى هذه المرأة التي كرمتها شريعة الله على هذا النحو، قد أضحت سلعة رخيصةً مهانةً، بل مروجاً لكل سلعة خسيسة، فالمرأة اليوم فتاة إعلان، وشراك الشيطان، ومتعة عابرة، وامرأة شقية تكدح خارج البيت، وتشقى داخله، وتكلف مع الحمل والولادة بالكد والكدح واكتساب القوت..

إن الرجال والنساء جميعاً مدعوون لرفع هذا الظلم الذي وقع على المرأة بهذا الإذلال والامتهان.

وبعد.. فهذه كلمات قليلة أوجهها إلى كل رجل وإمرأة في الأرض ناصحاً مخلصاً - يعلم الله- أني لا أريد أجراً ولا شكراً، وإنما أقول كلمتي هذه متأسياً بالأنبياء والمرسلين الذين نصحوا لأقوامهم ودعوهم إلى الله مخلصين لا يريدون أجراً، فقد قال نوح لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف/62)..

وقال هود لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف/68).. وهكذا فعل جميع الأنبياء والرسل -عليهم السلام-.

إن كلماتي هـذه من القلب، وهي دعوة إلى الإيمان بالله خالق السموات والأرض سبحانه وتعالى، والإيمـان برسله الكرام العظام الذين كانوا هداة البشرية في كل العصور، وخاتمهم سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالشريعة الكاملة المطهرة الدائمة إلى آخر الدنيا، وهي الشريعة العظيمة التي تكفل السعادة للبشر جميعاً على الأرض.

وهذه الكلمات تحذير من الفساد العظيم الذي يعم الأرض الآن من وراء هدم العفة والأسرة، ودائرة الأرحام، وإن كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل لنا التحذير تلو التحذير، بالأمراض والأسقام... فإنه إن لم يكن هناك رادع زاجر فلننتظر العذاب الماحق، قال تعـالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ *فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون*َ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام/42-45)

د.فالح العمره
03-04-2005, 04:16 PM
حركة تحرير المرأة..تاريخ ٌ يعيد نفسه
مسفر بن علي القحطاني






يلحظ القارئ لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة؛ إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراف التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها. ولهذا يقول المنصر (جب):

"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان[1].

ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه : (المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين). إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة، وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.

وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية. ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.

ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامة موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي، وكتابه هو: (المرأة في الشرق) صدر عام 1894 م. ونادى برفض الحجاب والاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق.

وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، ثم (المرأة الجديدة) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية، ومن مطالباته: رفع الحجاب، و منع التعدد،وتقييد الطلاق،وتعليم المرأة،والعمل المطلق للمرأة، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية.

وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسـم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً.

وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول،ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئنه بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م, وفعلن ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.

وفي نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران. ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا !! وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية !!

وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها، وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي.

فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة[2]!!

وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.

وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي. وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية.

فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينيات والسبعينيات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية.

واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول، وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.

وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:

ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م، ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م، ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م, ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997, وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية[3].

ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية، و ما تبثه القنوات الفضائية، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها.

ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض مواد إباحية، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية, و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي، و22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة[4].

كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية[5].

أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية.. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد، وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ وإلا فالنهاية واحدة، والمأساة سوف تعيد نفسها.. نعم، مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر، ومأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها.. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة؟ هل مطلوب منا دائماً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا؟ ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال؟

جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن. و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. و80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و87% يقلن: لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها[6].!!

فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم.. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة؟ فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره..



--------------------------------------------------------------------------------

* الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.

[1] انظر : المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب، للرماني، ص 56.

[2] الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26.

[3] انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة، للسيد فرج ص 47 ــ 78، المرأة ماذا بعد السقوط، لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404)، الأسرة 1417هـ، المنار (32).

[4] جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هــ.

[5] انظر : كتابي (المرأة.. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية.

[6] مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ.

د.فالح العمره
06-04-2005, 12:13 PM
مقدمة كتاب
( الإسلام .. وتكريم المرأة ) للأستاذ الدكتور حامد الرفاعي


المقدمة :

كثر الحديث عن المرأة .. والناس في حوار و جدل متواصل بشأنها وبشأن أحوالها .. ولم لا ؟

· أليست المرأة أمنا , وزوجتنا , وابنتنا , وأختنا , وجدتنا , وخالتنا وعمتنا .. ؟

· أليست المرأة شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة .. ؟ " والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " .

· أليست المرأة مكلفة مع الرجل من رب العالمين في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض .. ؟

" وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .. الآية "

· أليست المرأة على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال من رب العالمين ؟

" ولقد كرمنا بني آدم .. الآية "

· أليست قدسية حياة المرأة والرجل على مرتبة واحدة من المكانة والصون عند رب العالمين جلّ جلاله ؟

" .. من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً "

· أليست المرأة منبت البشرية ومنشئة أجيالها .. ؟

" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلكم من نفس واحة وخلق منها زوجها وبث منهما رجال كثيراً ونساء "

· أليست المرأة سكن البشرية ومصدر المودة والحنان بين أجيالها ..؟

" هو الذي خلق لكم من أنسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " .

· ألم يمنحها رب العزة والجلال من التكريم والتبجيل أكثر مما هو للرجل ..؟

" سأل سائل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولى الناس بصحبتي يا رسول الله.. ؟ قال عليه الصلاة والسلام : أمك .. قال ثم من .. ؟ قال أمك .. قال ثم من ..؟ قال أمك ..ثم أبوك .

ويقول المصطفى صلوات الله وسلامه علية : " الجنة تحت أقدام الأمهات " .

فلا غرابة إذاً ولا عجب .. أن تكون للمرأة هذه المنزلة العظيمة عند الناس .. وأن تنال منهم كل هذا الاهتمام .

إلا أن هذا الاهتمام للأسف ليس سواءً بين المهتمين .. فمنهم من كان اهتمامه مصدر شر وإساءة للمرأة وحياتها وكرامتها .. ومنهم من يربد بها خيراً وتكريماً وإجلالاً .

منهم من اتخذها سلعة ومتعة .. فأقام علاقته معها على أساس من الانتفاع والاستمتاع والمصلحة العابرة.. ومنهم من أرادها شريكة حياة ورفيقة درب .. فأقام حياته معها على أساس من المودة والاحترام المتبادل بينهما .. وعلى أساس من المسؤولية المتكاملة والمنصفة بينهما في ميادين الحياة .

والتاريخ البشري والواقع المعاصر , يتحدثان عن وقائع مؤلمة لما عانته ولا تزال تعانيه المرأة , من ظلم وبخس واعتداء وانتهاك لكرامتها .. وانتقاص لمراتب التكريم والإجلال التي اختصها بها ربها جلّ شأنه .. وبالمقابل فإن المسيرة البشرية تقدم لنا صوراً مشرقة .. ووقائع كريمة وجليلة عن حالة المرأة .. وما تمتعت به ولا تزال من إجلال وتكريم وتقديس .. بين أقوام على أساس مما أوجب له ربها من مكانة وعزة في نفوسهم .. وعلى أساس ما يعتقدون ويؤمنون .

ويعرض هذا الكتاب فيما يعرض حالات ووقائع تمثل الموقفين المتناقضين تجاه المرأة عبر التاريخ .. كما يقدم جانباً من الهجمة الشرسة والمتواصلة من جهات متعددة رسمية وشعبية في العالم .. من أجل النيل من كرامة المرأة ورسالتها المقدسة في الحياة .. كما يعرف الكتاب بالتحالف الإيجابي والخيّر بين جهات دينية وفكرية رسمية وشعبية في العالم .. من أجل التأكيد على القيم الربانية الخالدة التي سنها رب الناس .. وتعارف عليها العقلاء والحكماء والمصلحون .. بشأن كرامة المرأة وقدسية رسالتها .. وبشأن العلاقة الكريمة المنصفة بينها وبين الرجل .. في ميادين الحيات ومسؤولياتها المتنوعة .

مما يؤكد أن هناك صراع ومواجهة بين الخير والشر بشأن مسألة المرأة , ومكانتها ومسؤولياتها , وقيم العلاقة بينها وبين الرجل في الحياة .. وأحسب أن الأمر سيحسم بنهاية المطاف لصالح كرامة المرأة والرجل , وفق فطرتهما التي فطر الله الإنسان عليها .. وعلى أساس من قيم رب الناس .. اللطيف الخبير الرحيم بأحوالهم وما يصلح لهم .. ومن نماذج بشائر هذا الحسم الخيّر والإيجابي لصالح كرامة الإنسان واستقامته في الحياة .. أن أصواتاً شجاعة ومنصفة تتعالى اليوم في كثير من بقاع الأرض .. تطالب بالكف عن العبثية المزرية والمشينة بمسألة المرأة , ورسالتها الجليلة في الحياة .. ,اذكر فيما يلي نموذجين لحالة صحوة الضمير بشأن المرأة والأسرة والمجتمع :

· أولهما من التجربة الماركسية الشيوعية :

يقول جورباتشوف الرئيس السوفيتي الأسبق في كتابه الشهير البيريستوريكا : ( ولكن طيلة سنوات تاريخنا البطولي والمتألق , عجزنا أن نولي اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة , واحتياجاتها الناشئة عن دورها كأم وربة منزل , ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال .. إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي .. وفي مواقع البناء .. وفي الإنتاج والخدمات .. وتشارك في النشاط الإبداعي .. لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل – العمل المنزلي – وتربية الأطفال .. وإقامة جو أسري طيب .. لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا – في سلوك الأطفال , والشباب , وفي معنوياتنا , وثقافتنا , وفي الإنتاج – تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسرية .. والموقف المتراخي من المسؤوليات الأسرية ) . إلى أن يقول : ( والآن في مجرى البيريستوريكا .. بدأنا نتغلب على الوضع .. ولهذا السبب نجري الآن مناقشات حادة في الصحافة .. وفي المنظمات العامة .. وفي العمل والمنزل .. بخصوص مسألة ما يجب أن نعمله لنسهل على المرأة العودة إلى رسالتها النسائية البحتة ) . إلى أن يقول : ( إن عصب طريقة التفكير الجديدة , يتمثل في الاعتراف بأولوية القيم , ولنكون أكثر دقة , فإن الاهتمام بالقيم هو من أجل بقاء البشرية ) ص 138, 139, 175 .

· والنموذج الثاني من التجربة اللبرالية :

يقول جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والمشهور في مقالة له , نشرتها جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 5730 ) تاريخ 10 / 07 / 1994 م بترخيص من خدمة ( لوس أنجلس تايمز) ونختار منه الفقرات التالية :

o إن أزمة القيم الراهنة تعود إلى الستينات حيث بدأت النسبية الثقافية والإباحية الأخلاقية , والاستعداد لإلقاء اللوم على المجتمع فيما يتعلق بسلوك الأفراد ).

o إلى أن يقول : ( لقد بدأت أمريكا تجربتها المشؤومة في الإباحية الاجتماعية قبل ثلاثين عاماً , وقد يتطلب نقد هذه العملية ثلاثة عقود أخرى ) .

o إلى أن يقول في مقالة ثانية له نشرت في نفس المرجع السابق :( إن الإباحية الاجتماعية أفرزت لنا أجيال غير مسؤولة , تحولت إلى الجريمة , ففي أمركا كل خمس دقائق تقع ثلاثة جرائم ( جريمة قتل , وجريمة سرقة , وجريمة اغتصاب ) , فلا تستغرب إيها القارئ الكريم إذا علمت أن هذه الجرائم قد وقعة بالفعل مع نهاية قراءتك لهذا الفقرات من هذا المقال ‍‍‍.. إن الجريمة اليوم تكلفنا باهضاً .. إننا ننفق على مكافحة الجريمة سنوياً ما يزيد عن 80 مليار دولار ..وتضيف لإساءة استخدام الثروة والفساد الاجتماعي بلايين أخرى لا تحصى .. ولكن الثمن الإنساني الذي يدفع موتاً وتدميراً لحياة الإنسان , وآمالاً محبطة هو أغلى بكثير , ويقع بتفاوت مرير على قلة حصانتنا).

o ويختم جيمس بيكر فيقول : ( إن المسؤولية الشخصية هي ما يجعلنا شعباً قوياً, أما الاستمرار في أزمة القيم فسيحولنا إلى شعب ضعيف ).

وفي عام 2000 م زارنا في مؤتمر العالم الإسلامي بجدة وفد نسائي أمريكي , برئاسة السيدة جينا أبر كرومبي / مستشارة الرئيس كلنتون , ومسؤولة في مجلس الأمن القومي الأمريكي , ورئيسة دائرة شؤون بلدان أسيا وجنوب شرق آسيا إذ ذاك في وزارة الخارجية الأمريكية, وهي اليوم القنصل الأمريكي بجدة , وكان الوفد مهتم بمسألتين:

1. المرأة,
2. الديموقراطية.
أما حوارنا بشأن المرأة وهو ما يتعلق بموضوع هذا الكتاب , فقد بدأ بسؤال للسيدة جينا حيث قالت : لقد حاولنا بأنفسنا التعرف على وضع المرأة في الإسلام فلم نستطع .. واستعنا بأصدقائنا من العرب والمسلمين , فجاءت المعلومات متناقضة .. فقررنا أن نأتي مباشرة إلى ديار المسلمين , لنسمع منهم مباشرة بشأن هذه المسألة .. وأنتم في مؤتمر العالم الإسلامي والدكتور حامد شخصياً ممن رشحوا لنا , للتحاور معهم بهذا الشأن , فماذا عندكم يا سيدي ..؟

قلت لها بعد الترحيب والشكر والتقدير : عندي كلمة واحدة .. فإن حققت المطلوب اختصرنا الطريق .. وإلا سنفتح الملفات للمزيد من التفصيل والتوضيح .. قالت وما هي هذه الكلمة ..؟

قلت إن مسألة المرأة عندنا , وعند العظماء الذين أسسوا أمريكا وكل عظماء العالم وحكمائه سواء .. المرأة : أم المجتمع , ومصدر استقراره , وحارسة أمنه .. والأسرة : هي الوحدة الأساس من وحدات بناء المجتمع المدني السليم .. بل هي المؤسسة المركزية بين مؤسسات المجتمع الحضاري الآمن .. ونقطة الافتراق يا سيدتي بيننا وبينكم بشأن المرأة , بدأت يوم أن قررتم - على نقيض منهج أجدادكم وعظمائكم - أن تشطبوا مؤسسة الأسرة من مؤسسات المجتمع المدني .. بل وألغيتموها .. واستبدلتموها بالإباحية الاجتماعية.. وأقمتم على أساس من هذا القرار وهذا التوجه الثقافي الطارئ لديكم .. قاعدة تحرير المرأة من البيت .. أي تحرير المرأة من ثقافة الأسرة إلى ثقافة الا أسرة .. أو ثقافة تعدد وتنوع الأسرة.. وما يتعلق بذلك من سلوكيات معروفة لدى الوفد الكريم .. أما نحن فلا نزال نصر على تمسكنا بمبدأ : أن الأسرة والتي عمادها المرأة , والمؤسسة على التزاوج الشرعي والقانوني بين المرأة والرجل .. هي الوحدة الأساس , والمؤسسة المركزية بين مؤسسات المجتمع المدني المتحضر والآمن .

قالت مبتسمة : وهل تريدني إن أهجر عملي في مجلس الأمن القومي لبلدي وأعود للأسرة ..؟ قلت لها لا .. ولكن عليك وعليّ , وعلى كل رجل وامرأة , وعلى كل فلسفة لأي مجتمع ابتداءً , أن تقوم على العلاقة المتوازنة بين واجبات كل فرد في مؤسسة الأسرى , والمؤسسات الأخرى في المجتمع .. وعلينا أن نؤمن جميعاً بأن مؤسسة الأمن القومي الأولى لكل أمة هي الأسرة .. وما يأتي بعدها من مؤسسات وأسباب .. ينبغي أن يكون امتداداً لها وليس إلغاءً لوجودها , ومسخاً لرسالتها المقدسة .

قالت : أشكرك لقد أجبت وأفدت .. حقاً ما قلت هو نقطة مركزية وجوهرية .. بين رؤيتنا ورؤيتكم بشأن الأسرة والمجتمع .. جديرة بالاحترام والتأمل .. وأعتبر ما قلت كاف ويغني عن الدخول في التفاصيل , لأنها غالباً مبنية على أساس من هذا التوجه الذي سأنقله بأمانة للمسؤولين المعنيين .

ومن الجدير بالذكر أن السيدة هيلاري كلنتون وبعد شهر تقريباً من هذا اللقاء , كتبت في مقالتها الأسبوعية – آن ذاك - في جريد عرب نيوز السعودية عبارة جاء فيها : " آن الأوان لنا في أمريكا , لأن نقيم علاقة توازن بين واجباتنا في الأسرة وباقي مؤسسات المجتمع.

المؤلف
جدة في / 25 محرم 1426 هـ
05 مارس 2005 م






الدكتورة فوزية العشماوي
المنتدى الإسلامي العالمي للحوار - جنيف

مكانة المرأة في الاسلام


ان تقييم مكانة المرأة في الاسلام يعتبر من أهم القضايا الحساسة التي يهتم بها الغربيون ، وقد تناول كثير من الفقهاء والعلماء والمستشرقين قضية المرأة وكتبوا فيها كتابات مطولة وأختلفوا اختلافا كبيرا في كثير من الأمور مما جعل أعداء الاسلام يتخذون من تناقض الآراء زريعة ينتقدون من خلالها الاسلام والمسلمين ويتهمةنهم بأنهم يفرقون بين المرأة والرجل ويعتبرون المرأة مخلوقا ناقصا لا يتساوي مع الرجال في الحقوق ومن ثم فان الاسلام والمسلمون لا يطبقون المساواة بين الرجل والمرأة ولا يطبقون الميثاق العالمي لحقوق الانسان .

وفي واقع الأمر هناك أخطاء أساسية أرتكبت عند تقييم وضع المرأة في الاسلام عبر التاريخ منذ عهد الرسول (صلعم) وحتى يومنا هذا ولعل أكبر خطأ أرتكب في حق المرأة المسلمة هو الاعتقاد بأن المرأة المسلمة قد حصلت في عهد الرسول (صلعم) على قمة التحرر بعد عهد الجاهلية حيث كانت المرأة متاع يورث وليس لها ارادة ولا كرامة بل أحيانا تحرم من حق الحياة ويتم وأدها بعد ولادتها مباشرة للتخلص من العبء المادي الناتج عن تربيتها والتخلص من العار الذي يمكن أن تجلبه لقبيلتها ان تحررت وخرجت عن تقاليدها .


أولا ـ حقوق المرأة في الاسلام
و بدون أدنى شك فان الاسلام قد كرم المرأة وكفل لها حق الحياة ونهى عن تلك البربرية التي كانت سائدة في الجاهلية الا وهي وأد البنات ومنح المرأة من الحقوق ما رفع مكانتها وأعلى من شأنها بالنسبة لما كانت عليه قبل الاسلام . ومن الواضح جليا أن الاتجاه السائد في الخطاب القرآني وفي الاحاديث النبوية الشريفة هو المساواة التامة فيما يختص بالعبادات والواجبات الدينية. كذلك خصها الاسلام بالتكريم بوصفها أما ومنحها مكانة سامية في الجنة كماجاء في الحديث الشريف " الجنة تحت أقدام الأمهات " .

كذلك جاء في القرآن الكريم كثير من الآيات ومن المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة وتكليف المرأة بنفس ما كلف به الرجل فيما عدا ما يتنافى مع طبيعة المرأة وتكوينها الفيزيائي والبيولوجي مثل الجهاد في سبيل الله حيث أن الجها فرض كفاية وليس فرض عين وأعفى الله سبحانه وتعالى المرأة من مسئوليتة الجهاد.



ومن هذه المصطلحات التي تؤكد التسوية بين الرجل والمرأة عبارات فيها ضبط قياسي وتطابق لغوي مثلما جاء في الآية الكريمة " والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما " (الآية 35 الاحزاب) وكان يمكن الاكتفاء بجمع المذكر فقط حيث أنه من المعروف في قواعد اللغة العربية أن جمع المذكر يشمل المذكر والمؤنث ولكن حرص الخطاب القرآني على تكرار جمع المؤنث للتأكيد على أن النساء لهن مثل ما للرجال من أجر وثواب. وكذلك الآيات " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب " و " هن متاع لكم وانتم متاع لهن " و " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " هذا التطابق او السيمتريا في الآيات الكريمة ما هي الا تأكيد على التكافؤ والتكامل بين الرجل والمرأة . ولقد عرف اللع سبحانه وتعالى الرجل والمرأة في كثير من الآيات الكريمة بأنهما الذكر والأنثى وقال " وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى " (الآية 45 النجم) ولم يقل الرجل والمرأة لأنه سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا أن العلاقة بين الجنسين علاقة تقابلية فالذكر هو الطرف المقابل للأنثى وبالالتقاء يكون التكامل بينهما.

كما أن الخطاب القرلآني أكد على أن طبيعة المرأة من نفس طبيعة الرجل أي أنهما جاءا من بوتقة واحدة " ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ..." _الآية 1 النساء) ونلاحظ هنا أن الخطاب القرآني استخدم مصطلح رجال ونساء في الجمع ولم يستخدم ذكر وأنثى حيث أن الغرض من الآية هو التأكيد على العدد الكبير الناتج عن البث من النفس الواحدة التي خلقها.

ونجد نفس السيمتريا التطابقية والحرص التأكيد على التسوية بين الرجل والمرأة في مجال العبادات في هذه الآية " ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات..." (الآية 35 الأحزاب) للتأكيد على أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الرجال والنساء معا ويكرم الاثنين معا.



كذلك هناك الآية الكريمة التي تؤكد على أن رأي المرأة لا يقل عن رأي الرجل وانها تشترك معه في الأمر والنهي في المجتمع الاسلامي" المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ..." (الآية 71 التوبة ).

وفي هذه الآية الكريمة تأكيد على أن المرأة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر تماما مثلما يفعل الرجل وليس فقط فيما يختص بأمور النساء والاطفال ولكن في كل الأمور المتعلقة بالدين والحياة والمجتمع والناس بدون أية تفرقة بينها وبين الرجل ولذلك استخدم الخطاب القرآني الجمع المؤمنون والمؤمنات ولم يستخدم المفرد الذكر والأنثى ، وكل هذه المعالم لشخصية المرأة المسلمة يلخصها لنا الحديث النبوي الشريف " النساء شقائق الرجال " والشقيق هو الأخ من الأب الذي يتساوى معك في جميع الحقوق.

وعبر التاريخ الاسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنبا الى جنب في الكفاح لنشر الاسلام والمحافظه عليه فقد اشتركت المرأة المسلمة في أول هجرة للمسلمين الى الحبشة وكذلك في الهجرة الى المدينة المنورة وخرجت مع الرجال في الغزوات التي قادها الرسول (صلعم ) لنشر الاسلام واشتركت في ميادين القتال ليس فقط لتمريض الجرحى بل للمقاتلة بالسيف أيضا بالرغم من انها معفاة من الجهاد ومن حمل السلاح.

والتاريخ الاسلامي يؤكد لنا أن أول شهيدة في الاسلام هي امرأة تمسكت بالدين الاسلامي وبالتوحيد وواستشهدت وهي تردد "أحد... أحد" وهو الشهيدة سمية من آل ياسر عليهم السلام . كما اشتركت النساء في مبايعة الرسول (صلعم) والمبايعة او البيعة معناها الانتخاب والتصويت طبقا لمصطلحاتنا الحديثة ، فقد بايعت النساء المسلمات النبي (صلعم) في بيعتي العقبة الاولى والثانية طبقا لما ذكرته كتب السنة وعن رواية للصحابية الجليلة أميمة بنت رقيقة حيث قالت " جئت النبي (صلعم) في نسوة نبايعه فقال لنا فيما استطعتن وأطقتن " . وهذه المشاركة النسائية في البيعة للرسول الكريم تعتبر اقرارا لحقوق المرأة السياسية طبقا لمصطلحاتنا اليوم اذ أن بيعة العقبة تعتبر عقد تأسيس الدولة الاسلامية الاولى في يثرب.



كما أن الاسلام منح المرأة حق الذمة المالية قبل كل الحضارات الأخرى التي كانت تعتبر المرأة ملكا لزوجها يتصرف هو في مالها بحرية وليس لها الحق في مراجعته وكان هذا هو حال المرأة الغربية في أوروبا منذ القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر بينما المرأة المسلمة تمتعت بهذا الحق منذ ظهور الاسلام الذي كفل لها حق البيع والشراء وابرام العقود دون أي تدخل من أي رجل سواء أكان أبا او أخا او زوجا او ابنا.


ثانيا ـ الاختلاف حول تقييم مكانة المرأة في الاسلام
لا يستطيع الباحث في قضية مكانة المرأة في الاسلام أن ينكر أن الخطاب القرآني يقرر نوعا من التفاوت بين الرجل والمرأة خاصة فيما يتعلق بموضوع قوامة الرجل على المرأة كما ورد في الآية الكريمة " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ..." (الآية 34 النساء) .

لقد بدأت الآية الكريمة بالتأكيد على أن "الرجال قوامون على النساء" ، والقوامة هنا درجة في سلم القيادة او في ادارة الاسرة فالرجل هو رئيس الاسرة وله الكلمة العليا والمرأة هي مدير عام الأسرة تديرها كيف تشاء تماما مثل ادارة الدولة فالملك او رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويساعدة في ادارة الدولة رئيس الوزراء أي رئيس الحكومة ( عندنا في مصر حين يتحدث الأزواج عن زوجاتهم يقولون عنهن "الحكومة" ) فالمرا’ هيي بالفعل الحكومة التي تحكم البيت والرجل هو رئيس البيت. ااذن القوامة لا تلغي دور المرأة وانما تعطي درجة أعلى للرجل في سلم القيادة.

وهذا ما أكد عليه الرسول الكريم (صلعم) في حديثه الشريف " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، ... والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ... والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ألا فكلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته " لقد استخدم الرسول الكريم (صلعم) نفس المصطلح "راع" ليصف كل من الرجل والمرأة واستخدم كذلك نفس المصطلح"مسئول" ليصف مهمة كل منهما وهذا أكبر دليل على مفهوم التسوية التامة بين الرجل والمرأة فكل منهما راع ومسئول وهما مشترعان في الرعاية والمسئولية على البيت ولكن لكل منهما درجة في سلم القيادة ودرجة الرجل على أعلى السلم لأنه مثل ربان السفينة هو الذي يقودها ويوجهها ولا يمكن ا، يكون لأية سفينة منذ قديم الأجل وحتى زماننا هذا قائدان في نفس الوقت والا غرقت السفينة .

كما أن الرسول يأمرنا اذا سرنا ثلاثة في طريق أن نختار أحدنا أميرا علينا أي قائدا يحسم أي اختلاف في الرأي أثناء السير ويحدد اتجاه السير ، وهذا الاختيار للقيادة يشترك فيه الرجل والمرأة على حد سواء أي اقرار مبدأ الشورى في أي مجتمع فيه أكثر من ثلاثة أشخاص ، رجال كانوا أم نساء وهذا المبدأ أي مبدأ الشورى هومبدأ من المبادئ الاسلامية الأساسية التي يجب أن ينتهجها المسلمون في كل أمر من أمور دنياهم " وأمرهم شورى بينهم "( الآية 38 الشورى) ويستوى في الاستشارة الرجل والمرأة تطبيقا للآية الكريمة " المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وكما سبق وذكرنا فلا فرق هنا بين الرجل والمرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقد خلص المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة في تحليله لقوامة الرجل على المرأة الى القول " قوامة الرجل على المرأة لا تعني أنه القائد وحده وانما تعني ارتفاع مكانته اذا أهلته امكانياته ـ درجة تتيح له اتخاذ القرار ، في ضوء الشورى ، وليس الانفراد الذي ينفي ارادة المرأة وقيادتها ... ولو لم يكن هذا المضمون الاسلامي (للقوامة ) لما أمكن أن يكون كل من الرجل والمرأة راعيا في ميدان واحد ، هو البيت ... فهما أميران ـ راعيان وقائدان في ذات الميدان ... والقوامة درجة أعلى في سلم القيادة وليست السلم بأكمله (مجلة العربي العدد 330 مايو 1986).

وفي الحقيقة فان المجتمعات الغربية ونتيجة لسوء الفهم الناتج عن الكتابات المغرضة التي تشوه صورة الاسلام وخاصة صورة ومكانة المرأة المسلمة وتدعي أن المرأة في الاسلام تساوي نصف رجل لأن الاسلام لا يعطي المرأة الا نصف نصيب الرجل في الميراث ولأن الاسلام يعتبر شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد . وهذا المفهوم الخاطئ انما يعكس الجهل بالمفهوم الاسلامي لطبيعة المرأة من جهة ولطبيعة التكافل داخل الاسرة المسلمة من جهة أخرى ، فالرجل المسلم يتولى الانفاق على نساء الاسرة أي الأم والأخت والزوجة والابنة ومهما كانت المقدرة المالية ودرجة ثراء المرأة المسلمة فالأسرة والمجتمع والقانون تلزم الرجل في الدول الاسلامية بالانفاق على المرأة .

اذن في المجتمعات الاسلامية تأخذ المرأة نصيبها من الميراث تطبيقا لما جاء في الآية الكريمة " للذكر مثل حظ الانثيين " (الآية 11 النساء) ومن حقها أن تحتفظ به دون الانفاق منه ويلزم الرجل سواء أكان زوجها او أخوها او ابنها بالانفاق عليها ، فمن المنطقي اذن أن يحصل الرجل على ضعف نصيبها من الميراث لينفق على نفسه وينفق عليها .

ثم أن نصيب المرأة في الميراث يكون في أحيان كثيرة معادلا لنصيب الرجل بل أحيانا يفوق نصيب المرأة في الميراث نصيب الرجل. ومن أمثلة تعادل نصيب المرأة والرجل في الميراث حالة الوالدين اللذين يرثان ابنهما المتوفي فيحصل كل واحد منهما على " السدس" " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد ..." (11 النساء). كما أن هناك حالات تحصل فيها المرأة أحيانا على نصيب أكبر من الرجل مثلا في حالة وفاة رجل له بنت واحدة وزوجة وشقيق ففي هذه الحالة يكون نصيب الزوجة الأرملة الثمن ونصيب الابنة الوحيدة "نصف ما ترك" ويتبقى للشقيق الرجل 3/8 من الميراث أي أن المرأة الابنة في هذه الحالة حصلت على ميراث أكبر من ميراث الرجل (الشقيق) والامثلة كثيرة ومتعددة فيجب تعريف ذلك والتأكيد على أن مقولة ميراث المرأة نصف ميراث الرجل مقولة نسبية ولا تطبق في جميع الحالات كما أشرنا وأثبتنا بالدليل القاطع .

مسفر مبارك
07-04-2007, 11:02 PM
الله لايهينك دكتور وجزاك الله الف خير

د.فالح العمره
07-04-2007, 11:50 PM
ولا يهينك ومرحبا بك يا مسفر على هذا الحضور