المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المكارم منوطه بالمكاره


ابن وعيل
22-03-2005, 09:46 AM
يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كَدَر .

أو لا يُصادِفه مُنغِّصَات

أو لا تُصيبه مُصيبة

أو لا يتعرّض لِفتنَة

وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام !

ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ







جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها = صفواً من الأقذار والأكـدارِ

ومكلِّف الأيام ضِدّ طِباعِهـا = مَتَطَلِّبٌ في الماء جذوة نـارِ

وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنمـا = تَبْنِي الرّجاء على شفيرٍ هارِ






فهي لا تصفو لأحد ، ولا تدوم لِمخلوق .

سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر : لا أراك الله مكروهاً أبداً . فقال له : دَعَوتَ الله له بالموت ! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه !



وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فهو في مَشَقّـةٍ ومُكابَدةٍ في دنياه ، كما قال بعض المفسِّرين .



إذاً .. ما هي الحياة الطيبة ؟

وكيف تُوجد السَّعـادة ؟



اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة .

قال ابن عباس : هي الرزق الحلال .

وقال الحسن : هي القناعة .

وقال مُقاتل بن حيان : يعني العيش في الطاعة .

وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة .

وقال القاضي البيضاوي : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيباً ، فإنه إن كان مُوسِراً فظاهر ، وإن كان مُعْسِراً يَطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية .



وعلى كلٍّ هي :



حياةُ قلبٍ مؤمن بالله ، راضٍ بقضائه ، مُسْتَسْلِم لِحُكْمِه ، واثق بِوَعْدِه .



والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لا يشعر بها ، وربما لا يَجِد لذّتها .

كيف ؟

ربما عاش المؤمن راحة البال ، ووجَد الأمن النّفسي ، لا يُزعجه المستقبل ، ولا يُقلقه ما في غـدٍ .

الأمن النفسي من أعظم ما يَمنّ الله به على عبده المؤمن .

ولذا قال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)

ليس فقط الأمن الاجتماعي في الأوطان ، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين .

وهذا يُفسِّر لنا سِـرّ سعادة الكافر إذا أسلم ، إذ وَجَـد ما كان يفتقده ، وعاش لـذّة الطاعة ، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان .



ويُظهر لنا بِجلاء كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقْتلِه !

قال حرام بن مِلحان رضي الله عنه لما طَعَنَه الكافر الغادر : فُـزْتُ وربِّ الكعبة

فكان الكافر الغادر يتساءل : أي فوز فازه وأنا قتلته ؟!



فالسعادة ليست في كأس وغانية !

وليست في مالٍ وجارية !

ولا في المراكب الفارِهة !

ولا في القصور العامِرة !



وإنما هي بطاعة الله جل جلاله .



ويُبين لنا هذا أن من العلماء من وُضِع في السّجن والقيد ، فما يزيد على أن يبتسم !

لقد كان يتذوّق طعم السعادة !

ويعتبر السجن خلوة !

والقيد وسام فخـر !


يَرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله

يجِد حلاوة الإيمان في قلبه .. ولا سبيل للوصل إلى قلبه !


يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن ، فما يَردّه ذلك عن مبادئه

ولا يُزحزحه عن مواقفـه

يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ

يَغتسل السّوط في جُرحه فيصدع بما يَكرهون .

لقد مَزَج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطَغَتْ حلاوة الإيمان ..


إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة ، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة ، وأمن ورخاء .

وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العَمَل ، ولا تُوجد حقيقة العمل .

والفَرْق بينهما كما بين الثرى والثريّا

إن الرجلين ربما صَلَّيَا إلى جوار بعض ، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب !

فَرَجُل قلبه يحوم حول العَرش يُسبِّح بِحَمْدِ ربِّـه

وآخر يحوم حول القاذورات !

قال بعض السلف : إن هذه القلوب جَوّالة ؛ فمنها ما يَجُول حول العَرْش ، ومنها ما يَجُول حَول الْحُشّ " بيت الخلاء " .

فيا بُعد ما بينهما !

والله لا يستويان لا في الصلاة والأجر ، ولا في أثَرِهَا .

فَمَن صلّى بقلبه نَهَتْه صلاته ، ورَفَعتْ درجاته ، وكفّرت سيئاته .

ومن صلّى بِبَدَنِه أجزأته !

فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .

ومن تعلّق بغيره وُكِل إليه " تَعِسَ عَبْدُ الدينار و عَبْدُ الدرهم و عَبْدُ الخميصة " .

قال ابن القيم رحمه الله :





نزه سماعك إن أردت سماع = ذيّــاك الغنا عـن هـذه الألحـانِ

لا تؤثر الأدنى على الأعلى = فتحــرم ذا وذا يـا ذلـة الحرمـان

إن اختيارك للسماع النـازل = الـأدنى على الأعلى من النقصـان

والله إن سماعهم في القلـب = والـإيمان مثل السـمّ فـي الأبـدان

والله ما انفكّ الـذي هـو دأبـه =أبداً مـن الإشـراك بالرحمـن

فالقلب بيت الرب جـل جلالـه = حُبا وإخلاصـا مـع الإحسـان

فـإذا تعلّـق بالسَّمـاع أصـاره = عبـداً لكـل فُـلانـة وفــلان

حُبّ الكتاب وحب ألحـان الغنـافي = قلب عبـد ليـس يجتمعـان

ثَقُل الكتـاب عليهـم لمـا رأوا = تقيـيـده بشـرائـع الايـمـان

واللهو خـفّ عليهـم لمـا رأوا = ما فيه من طرب ومـن ألحـان

قوت النفوس وإنما القـرآن قـوت = القلب أنى يستوي القوتـان ؟

وألَذّهُـم فيـه أقلّهـم مــن الــعقل = الصحيح فَسَلْ أخَا العرفان

يا لذّة الفسـاق لسـتِ كَلَـذَّةِ = الـأبـرار فـي عَقْـلٍ ولا قـرآنِ



فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه .

وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية .



الشيخ

عبد الرحمن السحيم

ابومحمد الشامري
22-03-2005, 09:53 AM
لا هنت يا ابو عبدالله وبيض الله وجهك يا السنافي على الموضوع القيم جعله الله في ميزان اعمالك

monamora
22-03-2005, 10:00 AM
الله يعطيك العافيه يابن وعيل :)

ابن وعيل
22-03-2005, 11:10 AM
ابوحمد الشامري

مونامورا

بارك الله فيكم على حضوركم الطيب ولاهنتوا على تواصلكم المميز

أبو محمد
22-03-2005, 01:05 PM
لاهنت يا ابوعبدالله على الموضوع

ابن وعيل
23-03-2005, 12:28 AM
بارك الله في اخوي عبدالهادي على مروك الطيب