المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سياسة الإرتشاء ومقايضة السكوت


الجهادي
12-03-2005, 11:13 PM
وعلى دمقرطة العرب السلام: رشوة الاميركيين بإستقبال الإسرائيليين
خالد الحروب الحياة 2005/03/12

«الوصفة الأميركية» التقليدية للتخلص من أي نوع من أنواع الضغوط، وحالياً لتفادي الشروع في إصلاحات ديموقراطية حقيقية، بسيطة لكنها فاعلة: طبّعوا مع إسرائيل وأستقبلوا الإسرائيليين وسنغض النظر عن أي مسألة أخرى. سياسة الإرتشاء ومقايضة السكوت الغربي إزاء دكتاتوريات الشرق الأوسط مقابل تمرير مصالح غربية معروفة ومقرفة دفعت شعوب المنطقة ثمنها غالياً على مدار العقود الستة الماضية. الجديد هو أن يُعاد بعث تلك السياسة يداً بيد مع تعالي الإعلان عن سياسة أميركية تستهدف دمقرطة الشرق الأوسط. السياسة الأولى، الإرتشاء، تبطل الثانية، الدعوة إلى الديموقراطية، وتجعل الدعوة إلى الدمقرطة سخيفة ومزحة سوداء لا فائدة منها سوى تعميق الإحباط الشعبي من فكرة الديموقراطية وإستدامة ربطها بالقوى الأجنبية.

بإختصار إذن، الوصفة القديمة/ الجديدة تقول إذا أردت أن تتغاضى الولايات المتحدة عن قمعك لشعبك وتتسامح مع نظام حكمك الدكتاتوري أمنح أمسركا ما تريد وقدم لها رشوة من العيار الثقيل. وهناك أنواع مختلفة من الرشى تمتاز بفاعلية كبرى وما عليك سوى إختيار المناسب منها بحسب الظرف و«الإمكانات»! مثلاً هناك رشوة «التوقف» عن برامج تطوير أسلحة دمار شامل. وهنا إذا أردت أن تتحول من زعيم يهدد أمن العالم والأمن القومي للقوى الكبرى إلى قائد حكيم يحظى بالود الغربي الفجائي، أعترف بأنك كنت منهمكاً في مشروع سري لبناء سلاح من أسلحة الدمار الشامل. ثم أعلن أنك ندمت على فعلتك تلك وأقلعت عن الذنب، ثم أفتح أبواب بلدك للتفتيش الدولي (الأميركي). بعدها تحصل على صك البراءة، وتواصل إستمتاعك بقمع شعبك ولن يزعجك جورج بوش بقصة الديموقراطية وحقوق الإنسان. وهناك رشوة مشهورة في السنوات القليلة الماضية لها سحر خاص وهي «التعاون مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب». فإذا كنت قائداً متهماً بأنك واحد من رعاة الأرهاب الدولي، وأنك تدير شبكات للمتطرفين، فما عليك إلا استخدام هذه الرشوة بالغة الفاعلية في أوساط الدوائر القريبة من جورج بوش، وأن تقوم بتسليم قوائم لأجهزة الأمن الغربية بأسماء من كنت تغرر بهم ليقوموا بالعمليات الإرهابية نيابة عنك، حتى يدفعوا الثمن الذي كان من المفترض أن تدفعه أنت. عندئذ تستطيع سيتلعثم الرئيس الأميركي عند الحديث حول أوضاع حقوق الإنسان في بلدك فتتحول بلدك بقدرة قادر إلى واحة ديموقراطية وبضربة تصريح واحد من جانب الزعيم الحر الأقوى في العالم. وتتسع فاعلية رشوة «التعاون مع أميركا في حربها ضد الإرهاب» واستخدامها لتضمّ أي نوع من أنواع الزعماء، إذ ليس شرطاً أن تكون داعماً سابقاً لـ «الإرهاب» لتستطيع إستخدامها. فإذا كنت تخشى أي ضغط أميركي معين قد يؤثر في سيطرتك على الأمور وفي قبضتك الحديد على الحكم فما عليك إلا أن تهرع للإنضمام إلى جحافل الحرب على الإرهاب وتقديم قوائم المعارضين لك بإعتبارهم إرهابيين.

لكن تبقى الرشوة الذهبية الكبرى، ذات الفعالية العابرة للظروف الزمانية والمكانية والمتغيرات المتعددة والسنوات والأحداث: انها فتح العلاقة مع إسرائيل. فهذه «ضربة المعلم». فإذا أردت أن تسكت أي أصوات ناقدة في الكونغرس الأميركي لا تني تفتح ملفاتك الوسخة في إنتهاكات حقوق الإنسان، وفي توالي إنتخابات رئاسية هزلية مزيفة ومزورة، وإذا أردت أن يختفي النقد الذي يستحقه نظامك بجدارة على ألسنة المسؤولين الأميركيين ومن ورائهم الغربيين عموماً، فما عليك إلا أن تولّي وجهك شطر تل أبيب! عندئذ تحل كل المعضلات. وعندها سيكون الرئيس ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه وكل أركان حكمه إلى جانبك يشيدون بحكمتك وبعد نظرك وحسك الإنساني المرهف (الذي يغيب تماماً عند تعاملك الوحشي مع شعبك طبعاً).

لكن كيف تشتغل هذه الرشوة مع الدعاوى الأميركية للدمقرطة والإنفتاح السياسي وسيادة حكم القانون والخضوع للإرادة الشعبية في الخيارات السياسية؟ هذا السؤال غير موجه لك، فما عليك إلا أن تستمتع بعوائد الرشوة التي قمت بها سواء بدعوة إسرائيليين إلى بلدك، أو بإحتضان مؤتمر يحضره شارون، أو بإرسال «حجاج» إلى القدس، أو بدعوة وزير إسرائيلي كي يشارك في «حوار» ما، تلفزيوني أو ما شابه في عاصمة بلدك، أو بأي وسيلة أخرى لن تعدم إجتراحها. لكن السؤال موجه إلى «إينشتاين الأميركي» الذي نطلب منه حل هذه المعادلة المستعصية علينا والمتعلقة بإحلال الديموقراطية في العالم العربي. المعادلة تقول ما يأتي: الغالبية الكاسحة للأنظمة العربية مستبدة وغير ديموقراطية وشعوبها تكرهها، إسرائيل دولة مغتصبة ومحتلة وعنصرية وشعوب المنطقة تكرهها كما تكره أنظمتها وأكثر، أميركا أيدت وتؤيد الإثنتين، الأنظمة المكروهة وإسرائيل المكروهة، لهذا فهي تظفر أيضاً بكراهية شعبية مزدوجة. أميركا من جهتها، ومن جهلها، غاضبة على الأنظمة لأنها لم تعرف كيف تدير مسألة «الكراهية المزدوجة للأنظمة وإسرائيل» التي ولدت العنف والتطرف في المنطقة. أميركا تقول أنها تريد دمقرطة هذه الأنظمة وتنفيس الإحتقان على صعيد الكراهية الشعبية الأولى الموجهة للأنظمة والمولدة للتطرف على أمل أن يؤدي ذلك إلى فسح المجال أمام الغضب الشعبي كي يجد لنفسه تعبيرات سلمية عوض أن ينجرف إلى التطرف. هذا جميل، لكن ماذا على صعيد سبب الكراهية الثانية، كراهية إسرائيل؟ هنا تتألق «العبقرية السياسية الأميركية» اذ تقوم أميركا نفسها بدفع تلك الأنظمة المكروهة ذاتها إلى فتح أبوابها للإسرائيليين من دون تحقيق سلام عادل وشامل، ولشارون المتهم بجرائم حرب ضد الإنسانية والمكروه بشكل غير مثيل له في العالم العربي. وهكذا تعزز اميركا الكراهيتين معاً. أي أن أميركا تفاقم الإحتقان في الكراهية الثانية ضد إسرائيل، وتعزز الكراهية الأولى ضد الأنظمة التي تخضع للطلب الأميركي على الضد من الرغبة الشعبية. الإنفتاح على اسرائيل بطريقة الوله والشبق السياسي المتسرع ليس قراراً ديموقراطياً ولا يتماشى مع الإرادة الشعبية، بل انه ضدها، ويؤدي إلى عكس ما يُراد منه. انه قرار دكتاتوري بإمتياز، يكرس الإستقطاب الداخلي. ولأنه يتم في أجواء إنسداد سياسي مطبق لا مجال فيه للعمل فوق الأرض، فإن الرد عليه يأخذ شكل إنسحابات بإتجاه تيارات العنف والتطرف التي تعمل تحت الأرض.

الخلاصة: تتفاقم الكراهيتان، كراهية الأنظمة وكراهية إسرائيل، لأنهما تُفرضان فرضاً على الشعوب بحيث أن أي إنفتاح ديموقراطي أو سياسي أو إنتخابي مهما كان جزئياً ستكون نتيجته الطبيعية هي تفريغ النقمة والغضب بإتجاه «المكروهين». وسيكون الفائز هو الأصلح شعبياً والأقوى صوتاً على أن يكون الممثل الشرعي والوحيد للكراهيتين: إسرائيل والأنظمة. على ذلك، فإن الدمقرطة ستجلب «أعداء» إسرائيل وأميركا. والأهم من ذلك هو أن «الغالبية الصامتة» التي يحلو لبعض المحللين الأميركيين الأمل بها في البلدان العربية هي في الواقع كارهة للولايات المتحدة وللأنظمة التي تؤيدها. لهذا فالمشكلة ليست في واقع الأمر مع جماعات هامشية متطرفة، تقدم بتطرفها وعنفها الأعمى في أغلب الأحيان مسوغات كبرى للمنطق الأميركي، بل هي مع الغالبية الكاسحة من الشعوب التي ترى أن السياسة الأميركية لم تساند أنظمة تقهرهم فحسب، بل تريد أن تفرض عليهم قبول إسرائيل شريكاً وصديقاً من دون أن يكون لهم رأي في ذلك، بل أيضاً قبول ذلك فيما يُهان أخوانهم الفلسطينيون ويُذلّون على ايدي هذه الـ «اسرائيل». إنها ديموقراطية بالمطرقة الأميركية الخارجية والسندان الإسرائيلي الإقليمي، فهل هذا ما يريده «المشروع الأميركي لدمقرطة الشرق الأوسط»؟ سواء كان هذا هدفه أم لا فإن نتيجته النهائية لن تكون سوى ترسيخ التطرف وضرب الإعتدال وجعله يبدو تافهاً وعميلاً في نظر الغالبية الشعبية.

وهكذا، عندما تكون الصفاقة هي بوصلة السياسة، يرقص التطرف طرباً في المنطقة. وفي طول الشرق الأوسط وعرضه تلعب السياسة الاميركية دور الراعي الحريص على تنمية التطرف، من دون تبرئة الظروف والعوامل الذاتية, وعلى رأسها الأنظمة القامعة وفكر التطرف الديني الذي لا يرحم أحداً. وعندما تصر الولايات المتحدة على «تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل» قبل أن تنجز الحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية ويشعر الشعب الفلسطيني بأن أرضه حررت وبنوع من الأمن والأستقلال والإستقرار، فإن الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل) تصرّان على إخصاء أية تطور سياسي طبيعي نحو الديموقراطية في المنطقة. وتصران على تشويه فكرة الديموقراطية عندما تجعلانها مربوطة قسراً بالإنفتاح الإجباري على إسرائيل وبالخضوع الطوعي للولايات المتحدة. وهنا فإن الفائز الوحيد من وراء هذه السياسة الصفيقة هو التطرف والدعوات المتطرفة. فعندما تطأ قدما شارون أرضاً عربية وهو لا يزال يدوس بقدميه ذاتهما على حقوق الفلسطينين صباح مساء فإن النتيجة ليست تطبيعاً بل دفعاً الى مزيد من التطرف ومزيد من الإحتقان. وعندما يتم ذلك على أرض وطن يتمنى أن يزوره مئات إن لم يكن آلاف المعارضين اللاجئين في الخارج المحرومين من العودة إلى بلدهم فإن ذلك لا يستجلب إلا نقمة إضافية على نظام الحكم, وعلى إسرائيل، وعلى أميركا معاً وعلى أية ديموقراطية يمكن أن ترافق هذا الثلاثي.

ما يفوت على «اينشتاين الأميركي» في «رؤيته» للديموقراطية في الشرق الأوسط هو أنها لصيقة الصلة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وأن أي إلتفاف حول ذلك الصراع، ومحاولة تجاهله ثم المضي في أي مشروع سياسي إقليمي هو تجاهل ينم عن غباء. كما أن أي تسريع في فرض التطبيع على المنطقة رغماً عن أنف شعوبها وعن طريق الإحتماء بأنظمتها الفاقدة للشرعية لا يجلب غير مزيد من الإحتقان الداخلي وغير مزيد من تغذية التطرف. وإرتباط إسرائيل بمسألة الدمقرطة العربية ليس إرتباطاً متعسفاً بل مجرد تعبير عن تعقيد المشكلات في المنطقة وتداخلها العجيب. وللمتشككين بوجود مثل ذلك الرابط لنختم بتأمل السؤال (غير الإفتراضي) الآتي: كيف يكون موقف الولايات المتحدة من نظام عربي غير ديموقراطي تُمارس عليه واشنطن ضغوطاً متصاعدة كي يشرع بإصلاحات سياسية عندما يلعب هذا النظام بالورقة الإسرائيلية ويقرر إقامة علاقات دبلوماسية وسفارات مع إسرائيل لقاء إقفال الملف الديموقراطي؟ وكيف يكون موقف الولايات المتحدة من مسألة مثل التوريث السياسي في بلد عربي غير ديموقراطي إن قرر هذا البلد اللعب بالورقة الإسرائيلية ورشوة واشنطن وإسكاتها؟ أسئلة بإنتظار إجابات «اينشتاين الأميركي الديموقراطي».


خالد الحروب / صحيفة الحياه
كاتب وباحث فلسطيني، كمبردج، بريطانيا.

أبو ناصر
13-03-2005, 08:16 AM
يعطيك العافيه يالجهادي

على نقل هذا المقال الذي يتكلم عن واقع السياسه الدوليه الحاليه

أبو محمد
13-03-2005, 09:35 PM
لاهنت يالجهادي على مانقلت

السنافي
14-03-2005, 11:58 PM
يعطيك العافيه اخوي الجهادي

الجهادي
18-03-2005, 07:17 PM
يعطيكم العافيه جميعا على المرور

الجهادي
24-03-2005, 01:56 PM
يرفع بمناسبه القمه العربيه