المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدوله الأمويه


د.فالح العمره
29-09-2006, 05:14 AM
الفتوحات في عهد بني أمية

في عهد معاوية بن أبي سفيان (41 - 60هـ):
استمرت الفتوحات في صعود, فقد امتدت شرقا إلى ما وراء النهر وفتحت بخارى وبلاد الصغد وتوغل المسلمون في إفريقية واستولوا على (قابس) و (بنزرت) و (سوسة) على يد معاوية ابن حديج, أمير إفريقية, ثم فتحت (قفصة) و (قسنطينة) على يد عقبة وسجستان بعد انتقاضهما واستمرت غارات الصوائف في جبهة الروم, وتوالت الغارات البحرية على جزيرتي (صقلية) و (رودوس) تلك الغارات التي مهدت للاستيلاء عليهما.
وفي عام 48هـ أرسل معاوية حملة استطلاعية إلى ضواحي القسطنطينية ليختبر خط الدفاع البيزنطي عن العاصمة (القسطنطينية). وفي عام 53هـ وجه معاوية حملة لغزو هذه المدينة بقيادة ابنه يزيد ومعه قائد البحر سفيان بن عوف الأزدي, وضم إليه الصحابي أبا أيوب الأنصاري لتقوية روح الجند المعنوية, وعادت الحملة بعد حصار دام سبع سنوات, وفيها توفي أبو أيوب ودفن قرب أسوار القسطنطينية .

في عهد يزيد بن معاوية (60 - 64هـ) :
اقتصرت الفتوحات على توغل عقبة بن نافع في إفريقية وبلوغه ساحل البحر الأطلسي, وغزا المسلمون خوارزم من بلاد ما وراء النهر . وقد مضى أكثر أيام خلافته في صراع مع الحسين بن علي بن أبي طالب وانتهى بقتل الحسين, وفي صراع مع عبد الله بن الزبير وقد طلب الخلافة بعد استشهاد الحسين.
وفي عهد عبد الملك بن مروان (64 - 86هـ) توقفت الفتوحات عند حدودها السابقة, ما عدا بعض التوسع في بلاد ما بين النهرين, وكان سبب ذلك اشتغال عبد الملك في صراعه مع ابن الزبير واشتغاله بقمع الثورات والفتن التي أثارها الشيعة والخوارج, وقد أرهقت عبد الملك واضطرته إلى مصالحة الروم على مال لوقف هجومهم على الثغور الإسلامية.

في عهد الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ) :
أخذت مسيرة الفتوح في صعود, فقد توغل أخوه مسلمة بن عبد الملك في أذربيجان وفتح عددا من القلاع والحصون, واتسع الفتح فيما وراء النهر على يد قتيبة بن مسلم ففتحت (بخارى) و (سمرقند) و (بلاد الشاش) و (فرغانة) و (كاشان) وامتدت فتوحات قتيبة إلى دلتا نهر جيحون .
وفي إفريقية أكمل موسى بن نصير أمير إفريقية, فتح المغرب وفي سنة 86هـ وجه حملة بحرية بقيادة عياش بن آشيل فغزا صقلية وعاد منها بغنائم, وجهز موسى جيشا بقيادة مولاه طارق بن زياد فاجتاز البحر إلى الأندلس سنة 93هـ وانتصر على ملك القوط (رودريق) في معركة جرت في (شذونة), ثم لحق به موسى بن نصير واشترك معه في فتح بعض الأقاليم الأسبانية, ثم دعاهما الخليفة إلى دمشق فعادا, ولم يعرف شيء بعد ذلك عن مصيرهما. وفي الهند توغل محمد بن القاسم الثقفي فيها وفتح كثيرا من قلاعها ومدنها.

في عهد سليمان بن عبد الملك (96 - 99هـ) :
اجتاز قتيبة بن مسلم حدود الصين وفتح مدينة (كاشغر). وفي الأندلس توغل عبد العزير بن موسى, -وكان قد خلف أباه في إمارة الأندلس- في أسبانيا, وفتح عددا من أقاليمها, وفتح يزيد بن المهلب أمير خراسان جرجان وقهستان وطبرستان. وجهز سليمان حملة بحرية بقيادة عمر بن هبيرة, وأخرى برية بقيادة أخيه مسلمة, فحاصرت القسطنطينية من البر والبحر, وعادت بأمر من عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة.

في عهد عمر بن عبد العزيز (99 - 101هـ) :
اجتاز المسلمون جبال (البرتات - البيرينيه) إلى بلاد الغال (فرانسا) بقيادة السمح بن مالك، أمير الأندلس, واستولوا على (أربونة - ناربون) و (طولوشة - تولوز), ولم تتسع الفتوحات في عهد عمر إلى أبعد من ذلك لقصر مدة خلافته.
وفي عهد يزيد بن عبد الملك (101 - 105هـ) توغل المسلمون في بلاد الغال بقيادة عنبسة بن سحيم أمير الأندلس, حتى بلغ أعلى نهر الرون وقام الأسطول الإسلامي في المغرب بغارات على جزيرة صقلية وجزيرة سردينية .

في خلافة هشام بن عبد الملك (105 - 125هـ) :
صعدت مسيرة الفتوحات الإسلامية إلى أبعد غاياتها وبلغت الأوج. فقد غزا أسد بن عبد الله القسري, أمير خراسان ما وراء النهر بلاد الصغد والترك. وغزا الحجاج بن عبد الملك بن مروان بلاد الخزر وأرمينية وبلاد اللان وفرض عليها الجزية, وتابع الجراح الحكمي أمير أرمينية غزو بلاد الخزر, ولما استشهد سنة 112هـ خلفه في الإمارة مروان بن محمد فغزا أقاليم بكر الخزر ووطد الحكم الإسلامي فيها.
وفي بلاد السند توغل الجنيد بن عبد الرحمن المري فيها وفتح عددا من بلدانها, ثم توقف الفتح حتى أيام الغزنويين في أواخر القرن الرابع والقرن الخامس الهجري. وفي بلاد الغال غزا عبد الرحمن الغافقي، أمير الأندلس, جنوبها واستولى على مدينة (بوردو) ثم صعد شمالا والتقى مع (شار مارتل) بين مدينتي (تور) و (بواتيه) في معركة ضارية جرت سنة (114هـ - 732م) استشهد فيها عبد الرحمن وهزم جيشه, بسبب انشغال الجند بحماية الغنائم التي كانوا غنموها, واستشهد معه في تلك المعركة كثير من المسلمين, حتى أطلق على تلك المعركة (بلاط الشهداء).
وخلف عبد الرحمن في إمارة الأندلس عبد الملك بن قطن فغزا بلاد (البشكنس - الباسك). وفي إفريقية وجه عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية, جيشا بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري ففتح بلاد السوس وغزا أرض السودان (السنيغال), وفي البحر المتوسط غزا الأسطول الإسلامي, بقيادة حسان بن محمد بن أبي بكر جزيرتي (ساردينية) و (كورسيكا), وتوجه أسطول آخر بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري ومعه ابنه عبد الرحمن, فغزا جزيرة (صقلية) سنة 122هـ والتحم مع الأسطول البيزنطي في معركة هزم فيها هذا الأسطول, وكان في نية حبيب أن يمضي في الفتح حتى يستولي على الجزيرة كلها, غير أن ثورة البربر بزعامة ميسرة المدغري اضطرته إلى العودة. وفي جبهة الروم استمرت غزوات الصوائف والشواتي, كشأنها في عهد الخلفاء السابقين.
وبوفاة هشام بن عبد الملك تنتهي المرحلة المروانية الأولى, وفيها امتدت رقعة الدولة الإسلامية من إسبانيا والبحر الأطلسي والمغرب الأقصى إلى حدود بلاد الهند والصين, ومن بحر الخزر وأرمينية إلى المحيط الهندي. وقد اعتبر الخلفاء الأمويون حدود البلاد المفتوحة بدايات لفتوحات مستمرة لا تنتهي عند حدود, ما دام الجهاد مفروضا على المسلمين لنشر رسالة الإسلام, وما دامت الغنائم تدفع المجاهدين لمتابعة الجهاد.

وبعد هشام بن عبد الملك تبدأ المرحلة الثانية والأخيرة من الفترة المروانية, وفيها توقفت الفتوحات. وقد تولى الحكم أربعة خلفاء, كانت مدة خلافتهم ست سنوات وهم: الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص, وأخوه إبراهيم, ومروان بن محمد بن مروان بن الحكم. ولم تتجاوز مدة خلافة الثلاثة الأول بضعة أشهر, وشغلت خلافة الأخير المدة الباقية (127 - 132هـ), وقد أمضاها في قمع الفتن والثورات الداخلية التي أحاطت به من كل جانب, ولم يتمكن, على ما أوتي من صبر وشجاعة وإقدام من كبحها, وانتهى مصيره بقتله بيد العباسيين, وبه ختمت حياة الدولة الأموية, وانطوت رأيتها التي انتشرت في ظلها راية الإسلام, في تلك الرقعة الواسعة من الأرض.

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:18 AM
الخلافة الأموية

بتنازل الحسن بن علي عن الخلافة إلى معاوية ابن أبي سفيان, انتقلت الخلافة إلى بني أمية وتحقق الأمل الذي كانوا يرقبونه ويعملون من أجله. وقد انطوى العهد الأموي على فترتين:
أ - الفترة السفيانية : وهي الفترة التي تولى الخلافة فيها معاوية ابن أبي سفيان وابنه يزيد بن معاوية وحفيده معاوية بن يزيد وقد امتدت 23 سنة (41 - 64هـ).
ب- الفترة المروانية : وهي الفترة التي انتقلت فيها الخلافة إلى مروان بن الحكم حتى عهد حفيده مروان بن محمد بن الحكم, آخر خلفاء بني أمية, ومدتها 68 سنة (64 - 132هـ).
وفي خلال الفترتين ومدتهما 91 سنة وتسعة أشهر توالى أربعة عشر خليفة كان أعظمهم شأنا معاوية ابن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وأخوه هشام بن عبد الملك وكانت مدة خلافتهم (71 سنة) من أصل (91 سنة) فالدولة الأموية كانت دولتهم, وفي عهدهم امتدت رقعتها من البحر الأطلسي إلى حدود الصين, ثم أخذت شمس الخلافة بالغروب, بما شبت فيها من ثورات أضرمها الصراع على الخلافة وانتقاض على الحكم وثورات الخوارج وحروب أهلية أثارتها العصبية القبلية بين المضرية واليمنية. وقد ترتب على انتقال الخلافة إلى بني أمية النتائج التالية.

في المجال السياسي
أ- نقل العاصمة من الكوفة إلى دمشق وكان علي ابن أبي طالب نقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة وقد أغضب نقل العاصمة إلى دمشق أهل الحجاز وأهل العراق.
ب- تحول الخلافة إلى ملك موروث
ج- انتقال سلطة الحكم إلى أقوى الجماعات القرشية المنافسة لبني هاشم
د- نشوء عهد من الاستقرار السياسي في الدولة الإسلامية استمر حوالي ربع قرن, أتاح لها هضم الفتوحات التي تمت في عهد الخلفاء الراشدين وتنظيمها في إطار الحكم الإسلامي.
هـ- أصبح نظام الخلافة أشبه شيء بالنظام الملكي أو القيصري, ومن ثم زادت الصفة الزمنية في الخلافة على الصفة الدينية. وأخذت الدولة بالنظام الإداري والمالي الذي كان متبعا في الدولتين الفارسية والبيزنطية.

في المجال الاقتصادي
تحولت طرق التجارة إلى مواني الشام ومصر, وخاصة بعد معركة (ذات الصواري) سنة 34هـ وتدمير الأسطول البيزنطي وجعل شرق البحر المتوسط بحرا عربيا.

في مجال أصول الحكم
أظهرت الأحداث السياسية التي رافقت مسألة الخلافة اتجاهات فكرية قامت على أساسها نظريات ذات طابع سياسي ما لبثت أن تحولت إلى مذاهب دينية, وقد عالجت أصول الحكم على أساس تفكيرها ومنها استمدت المبادئ التي ينبغي أن تحكم هذه الأصول.
وتتمثل هذه الاتجاهات في أربعة مذاهب هي: الشيعة والخوارج والمرجئة وأهل السنة.
1- الشيعة:
أ- الشيعة الإمامية
يقوم مذهب الشيعة الإمامية في أصول الحكم على الاعتقاد بأن عليا ابن أبي طالب أحق الصحابة بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم

والإمامة عند الشيعة الاثني عشرية تتسلسل بعد علي ابن أبي طالب في ابنيه الحسن ثم الحسين, ثم تنتقل إلى علي (زين العابدين) ابن الحسين, ثم إلى ابنه محمد (الباقر), ثم إلى ابنه جعفر (الصادق), ثم إلى ابنه موسى (الكاظم), ثم إلى ابنه علي (الرضا), ثم إلى ابنه محمد (الجواد), ثم إلى ابنه علي (الهادي), ثم إلى ابنه الحسن (العسكري), ثم إلى ابنه محمد المنتظر (المهدي) الذي اختفى في كهف بسامراء سنة 256هـ وهو عندهم في حالة غيبة ينتظرون عودته ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا . .

ب- الشيعة الزيدية
هم أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب, ويذهبون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين عليا بالنص الصريح, كما يعتقد الشيعة الإمامية, وإنما عينه بالأوصاف, غير أن الأوصاف التي عرفت عن علي تجعله المقصود بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم, لأنها لن تتحقق في أحد كما تحققت في علي, ويشترط الزيدية في الإمام أن يكون هاشميا, ورعا, تقيا, سخيا, ومن بعد علي يشترط أن يكون فاطميا, أي من نسل فاطمة بنت رسول الله, سواء أكان من نسل الحسن أم من نسل الحسين, ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم.
غير أنهم خلافا للشيعة الإمامية, يرون جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل, إذا قضت المصلحة بذلك. فالصفات التي يجب أن تجتمع في الإمام ليست هي الصفات الواجبة لصحة الإمامة, وإنما هي صفات الإمام الكامل, وهو أولى بها من غيره, فإن اختار أهل الحل والعقد إماما لم يستوف بعض هذه الصفات وبايعوه صحت إمامته ولزمت بيعته, ولهذا أقر الإمام زيد إمامة الشيخين: أبي بكر وعمر, ولم يكفر أحدا من الصحابة, ولما سمعت شيعة الكوفة رأيه وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه, ومن ثم عرفوا باسم (الرافضة) .

جـ- الكيسانية
هم أتباع محمد بن علي ابن أبي طالب من زوجته خولة بنت جعفر الحنفية والمعروف بابن الحنفية وقد جرت تسميتهم بالكيسانية نسبة إلى (كيسان) مولى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب, وهو الذي اقتبس من علي ابن أبي طالب ومن ابنه محمد الأسرار كلها من علم الباطن وعلم التأويل وعلم الآفاق والأنفس.
وينادي أتباعه بإمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد أخويه الحسن والحسين. وقد تبنى هذا المذهب المختار ابن أبي عبيد الله الثقفي, وتوجه إلى العراق سنة 64هـ بعد موت يزيد بن معاوية داعيا لمحمد ومدعيا أنه من دعاته, وأخذ يذكر علوما يزخرفها بترهات ويعزوها إليه, وقد صحب معه كيسانا وجعله على شرطته .


د- الإسماعيلية
هم أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه, وقد توفي في حياة أبيه. وهنا افترق الشيعة إلى فرقتين: فرقة قالت إن الإمامة انتقلت إلى موسى (الكاظم) ابن جعفر الصادق مدعية أن الإمامة سقطت عن إسماعيل بوفاته, وسميت (الموسوية) أو (الجعفرية), وفرقة ادعت أن الإمامة انتقلت من إسماعيل, وهو عندهم الإمام السابع, إلى ابنه محمد ودعيت باسم (السبعية) واشتهرت باسم (الإسماعيلية)
ومن بعده بدأ دور الأئمة المستورين, الذين كانوا يسيرون سرا خوفا من بطش العباسيين, وكان أول من ظهر منهم بعد الستر عبيد الله (المهدي) مؤسس الدولة العبيدية بأفريقية والتي عرفت فيما بعد باسم الدولة الفاطمية, وكانت أكبر الدويلات التي نشأت في العصر العباسي .

هـ - الشيعة الغلاة
ومنهم الغرابية, وهم القائلون بأن الله أرسل جبريل لعلي ابن أبي طالب, ولكنه جاء خطأ إلى محمد لأنه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب, فعلي عندهم هو الرسول وأولاده من بعده هم الرسل. ومنهم فرق أخرى نحت هذا النحو وقد اندثرت وأتت على تفصيلها كتب الملل والنحل .

2- الخوارج
كانوا من شيعة علي ابن أبي طالب ثم فارقوه وخرجوا عليه وقاتلوه لأنه لم يتب كما تابوا, وأضحى لهم عقيدة دينية وأخرى سياسية, خالفوا فيها الشيعة والمذاهب الأخرى.
عقيدتهم الدينية
لا يعتبرون الإيمان بالقلب كافيا, بل لا بد أن يقترن بالإيمان عمل صالح والعمل الصالح هو الذي يفرضه الدين, ولذلك نراهم يكفرون عليا ابن أبي طالب لأنهم طلبوا إليه أن يتوب توبة مقرونة بالعمل, والعمل المطلوب منه أن يرفض وثيقة التحكيم ويعود إلى قتال معاوية فأبى, فاعتبروه رافضا العمل بأحكام الدين, لأنه بقبوله وثيقة التحكيم يكون قد خلع نفسه من إمارة المؤمنين وسوى نفسه بمعاوية

عقيدتهم السياسية
فهي تستند إلى مبدأ أصيل من مبادئ الإسلام, وهو المساواة بين المسلمين فالمسلمون متساوون في الحقوق والواجبات, لا تمييز بينهم ولا تفاضل إلا بالتقوى
كماأنهم لا يعترفون بشرعية السلف إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان, لأنه حاد عن الطريق المستقيم الذي سلكه الشيخان من قبله وهما: أبو بكر وعمر, فآثر قرابته وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال من بيت المال, كما لا يعترفون بشرعية خلافة علي ابن أبي طالب إلا ابتداء من مبايعته بالخلافة حتى قبوله التحكيم, وقد أباحوا قتل من لا يرى رأيهم, ومن يقول بشرعية خلافة عثمان بعد السنوات الست, وشرعية خلافة علي بعد قبوله التحكيم, فهو عندهم يستحق القتل هو ونساؤه وأولاده .
وقف الخوارج أنفسهم لنصرة العدل ومقاومة الظلم وحماية المستضعفين, وفي ذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم, وانضم إلى الموالي من الفرس والبربر من أهل شمالي إفريقية, لما كانون يلقونه من حرمانهم العدل والمساواة. وكان الخوارج يشترطون في زعمائهم الشجاعة والتقوى ويبايعونهم على الموت ويلقبونهم بأمير المؤمنين. وكان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي كانت تجذبهم إلى مزيد من التضحية والاستشهاد, وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقا دون سواهم, أما من عداهم فكفار يبيحون قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم. وقد افترق الخوارج إلى فرق منها: الأزارقة أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق وإلى نجدات أصحاب نجدة بن عامر الحنفي, وإلى عجاردة أصحاب عبد الكريم بن عجرد, وإلى أباضية أصحاب عبد الله بن أباض وإلى صفرية أصحاب زياد بن الأصفر وعمران بن حطان, وقد أوضحت كتب الملل والنحل ما بينهم من فروق.

3 - المرجئة
هم فئة من المسلمين, خالفوا رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة وقالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر, لأن الحكم عليه موكول إلى الله تعالى وحده يوم القيامة, مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
والعقيدة الأساسية عندهم عدم تكفير أي إنسان, أيا كان, ما دام قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين, مهما ارتكب من المعاصي, تاركين الفصل في أمره إلى الله تعالى وحده, لذلك كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية, كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وقد نشأ هذا المذهب في أعقاب الخلاف السياسي الذي نشب بعد مقتل عثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب, وعنه نشأ الاختلاف في مرتكب الكبيرة. فالخوارج يقولون بكفره والمرجئة يقولون برد أمره إلى الله تعالى إذا كان مؤمنا, وعلى هذا لا يمكن الحكم على أحد من المسلمين بالكفر مهما عظم ذنبه, لأن الذنب مهما عظم لا يمكن أن يذهب بالإيمان, والأمر يرجأ إلى يوم القيامة وإلى الله تعالى مرجعه. ويذهب الخوارج, خلافا للمرجئة, إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار. وقد وقف أكثر الفقهاء من أهل السنة والمحدثين موقفا وسطا, فرأوا أن قول المرجئة بعفو الله عن المعاصي قد يطمع الفساق, فقرروا أن مرتكب الذنب يعذب بمقدار ما أذنب ولا يخلد في النار, وقد يعفو الله عنه. ويعرف هؤلاء بمرجئة السنة ومنهم سعيد بن جبير وحماد ابن أبي سليمان وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني, وآخرون .
ويذهب أكثر المرجئة مذهب أهل السنة في أن الخليفة يجب أن يكون قرشيا, وأن الإمامة لا تجوز إلا في قريش لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش

4- أهل السنة
وهم الجماعة الكبرى من أهل الإسلام, وتضم أنصار بني أمية والموالي, كما تضم المرجئة وأهل الحديث والفقهاء, ومن ورائهم جماهير الناس الذين كانوا يوالون الحكام رهبة أو رغبة أو محبة, ومن هذه الجماعة تألفت القاعدة العريضة للإسلام. وقد قرر فقهاؤهم شروطا للخليفة, وهي أن يكون من صميم قريش وأن يكون حرا بالغا, عاقلا, من أهل العلم بأحكام الشرع, واستنبطوا من الطرائق التي تتم بها اختيار الخلفاء الراشدين قواعد لتولي الخلافة وهي:

أ- أن يتم اختيار الخليفة من قبل أهل الحل والعقد, وهم أهل الرأي والحكمة والعدالة في بلد الخلافة, على أن لا يقل عددهم عن خمسة, يجمعون على اختيار الخليفة من بينهم, كما جرت بيعة أبي بكر بخمسة وهم: عمر بن الخطاب وأبو عبيدة ابن الجراح وأسيد بن الحضير وبشير بن ثعلبة, وسالم مولى أبي حذيفة, ثم تبعهم الناس. كذلك جعل عمر بن الخطاب الشورى في ستة ليختاروا من بينهم أحدهم للخلافة .

ب- أن يعهد الخليفة بالخلافة لمن يختاره لها, ممن تتوفر فيه شروط الخلافة, ولا يحتاج إلى شهادة أهل الحل والعقد, كما فعل أبو بكر حين عهد بالخلافة إلى عمر بن الخطاب فأثبت المسلمون خلافته بعهده .

جـ- ولما تحولت الخلافة إلى ملك, أجاز الفقهاء أن يعهد الخليفة إلى ابنه أو إلى أخيه, إذا كانت تتوفر في المعهود له صفات الخليفة, كما أجازوا للخليفة أن يعهد إلى اثنين أو أكثر من أبنائه, إذا رتب الخلافة فيهم .

د- كذلك أجاز الفقهاء الخلافة لمن ينالها غصبا بالقهر والغلبة, حتى ولو كان برا أو فاجرا, لكيلا يبيت المسلمون بغير إمام . ومن الواضح أن فقهاء السنة لم يستطيعوا وضع قواعد ثابتة للخلافة, كما فعلت المذاهب الأخرى, بل نزلوا على حكم الواقع الذي كان كثير ما يتقرر بالقوة, فكان يرقى إلى سدة الخلافة من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة التي باتت شروطا نظرية.
( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:19 AM
ثورات الخوارج

شبب الخوارج ثورات كثيرة في عهد الخلافة الأموية, وكانت كلما أخمدت ثورة شبت أخرى, ولم تقتصر على أقاليم المشرق, بل امتدت إلى إفريقية والأندلس, وقد انتهت كلها بالقمع ومقتل زعمائها, ونحن نذكر أهمها في عهد الخلفاء الأمويين, وفي عهد ابن الزبير, مع بيان مراكز انطلاقها

1- في عهد معاوية ابن أبي سفيان
في الكوفة
ثاروا سنة 43هـ بزعامة المستورد بن علفة ثم ثاروا فيها سنة 52هـ بزعامة خراش العجلي, وثاروا أيضا سنة 58هـ بزعامة عروة بن أدية.

في البصرة
ثاروا سنة 45هـ بزعامة يزيد بن مالك الباهلي المعروف باسم الخطيم الباهلي وسهم بن خالد الهجيمي.

في الأهواز
ثاروا سنة 59هـ بزعامة مرداس بن حدير

2- في عهد عبد الله بن الزبير
انضم الخوارج إلى عبد الله بن الزبير وجاهدوا ضد بني أمية, ولكنهم انفضوا عنه وقاتلوه حين علموا أنه يخالف رأيهم في عثمان وعلي, وتجمعوا في الأهواز وأعلنوا الثورة عليه بزعامة نافع بن الأزرق فأرسل مصعب بن الزبير أما العراق, جيشا بقيادة المهلب ابن أبي صفرة فقاتلهم في معركة جرت عند نهر (دجيل) سنة 65هـ, وفيها قتل زعيمهم نافع بن الأزرق وخلفه في زعامة الخوارج الزبير بن الماحوز, فأعلن الثورة في الري سنة 68هـ وحاصر أصبهان فقاتله أميرها عتاب بن ورقاء في معركة قتل فيها ابن الماحوز فخلفه في زعامة الخوارج قطري بن الفجاءة .

3- في عهد عبد الملك بن مروان
في البحرين
ثاروا بزعامة عبد الله بن قيس المعروف بأبي فديك سنة 73هـ, وأخرجهم منها المغيرة بن المهلب ابن أبي صفرة بعد معركة قتل فيها أبو فديك .

في الجزيرة
ثاروا بزعامة صالح بن مسرح ومعه شبيب بن يزيد الشيباني وأخوه مصاد سنة 76هـ, فوجه إليهم محمد بن مروان أمير الجزيرة جيشا قاتلهم في معركة قتل فيها صالح وبويع من بعده شبيب بزعامة الخوارج.

شبيب يتابع الثورة ويدخل الكوفة ويهزم الجيش الذي أرسله الحجاج بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ثم تحول شبيب إلى الأهواز, فأرسل إليه الحجاج جيشا بقيادة سفيان ابن الأبرد, فلما عبر شبيب جسرا على نهر دجيل اضطربت فرسه وسقط في النهر ومات غرقا (سنة 77هـ) .

في طبرستان
ثاروا بزعامة قطري بن الفجاءة سنة 77هـ, فأرسل الحجاج جيشا بقيادة سفيان بن الأبرد فقاتله, فانفض عنه أصحابه وسقط في شعب من الشعاب فاغتاله علج من أهل طبرستان وأرسل رأسه إلى الحجاج .

4- في عهد عمر بن عبد العزيز
سكن الخوارج في عهد الوليد بن عبد الملك وفي عهد أخيه سليمان, فلما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ثار في (جوخي) - بين خانقين والأهواز - خارجي يدعي بسطام اليشكرى ويلقب بـ (شوذب) والتف حوله ثمانون فارسا من عرب ربيعة, فطلب عمر من أمير العراق أن يوجه إليه منهم رجلين ليناظراه, فاختار بسطام رجلين حازمين من رجاله وأرسلهما إلى عمر, وفي المناظرة رجحت حجة عمر, فطلب الخارجيان منه أن يعودا إلى (شوذب) ليعلماه نتيجة المناظرة, ولم يلبث عمر أن توفي .

5- في عهد يزيد بن عبد الملك
بعد وفاة عمر بن عبد العزيز أرسل أمير الكوفة جيشا لحرب شوذب وأصحابه, فردوه, فلما تولى مسلمة بن عبد الملك إمارة العراق سنة 101هـ أرسل جيشا بقيادة سعيد الحرشي فرأى شوذب وأصحابه ما لا قبل لهم باحتماله, فقال لأصحابه: من كان يريد الشهادة فقد جاءته, ومن كان يريد الدنيا فقد ذهبت, فكسروا أغماد سيوفهم وحملوا على جيش سعيد, فقتلوا في المعركة .

في البحرين
ثار الخوارج بزعامة مسعود بن أبي زينب العبدي سنة 105هـ وأخرج منها أميرها الأشعث بن عبد الله بن الجارود, ثم سار إلى اليمامة فخرج إليه أميرها سفيان بن عمرو العقيلي, وفي المعركة التي جرت بينهما قتل مسعود, وقتل هلال ابن مدلج الذي تولى زعامة الخوارج من بعده.
وقيل إن مسعودا غلب على البحرين واليمامة تسع عشرة سنة حتى قتله سفيان بن عمرو العقيلي .

في الموصل
ثار الخوارج بزعامة مصعب بن محمد الوالبي, فسير إليهم خالد القسري أمير العراق, سنة 105هـ جيشا, فقاتلهم في معركة قتل فيها مصعب كثير من أصحابه .

6- في عهد هشام بن عبد الملك
في الأهواز
ثورة الخوارج بزعامة صحاري بن شبيب بن يزيد الشيباني سنة 119هـ, ومقتله في معركة جرت بينه وبين جيش أرسله خالد القسري أمير العراق .

في الجزيرة
ثورة الخوارج بزعامة بهلول بن بشر الشيباني الملقب (كثارة) سنة 119هـ ومقتله .

في المغرب الأقصى
ثار الخوارج في سنة 116 و 122هـ على عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية, لظلم عماله .

في الأندلس
ثاروا سنة 124هـ على عبد الملك بن قطن أمير الأندلس, فقمع ثورتهم بلج بن بشر القشيري .

7- في عهد مروان بن محمد
تولى الخلافة بعد هشام بن عبد الملك ثلاثة خلفاء هم الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك وأخوه إبراهيم, ولم تتجاوز مدة خلافتهم الستة أشهر, وتولى الخلافة من بعد إبراهيم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وفي عهده ازدحمت عليه ثورات الخوارج.

ففي الجزيرة
ثار الخوارج بزعامة سعيد بن بهدل الشيباني ومعه الضحاك بن قيس الشيباني سنة 127هـ وتولى مروان بن محمد قمعها .

وفي اليمن
ثار الخوارج بزعامة يحيى الكندي الملقب بطالب الحق ومعه أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي, واستولوا على المدينة . وجهز مروان بن محمد جيشا بقيادة عبد الملك بن عطية السعدي فقمع ثورتهم .

وفي الموصل
ثار الخوارج بزعامة شيبان بن عبد العزيز اليشكري سنة 129هـ فقام مروان بن محمد بقمعها .

في إفريقية
ثورتهم سنة 131هـ بزعامة عبد الجبار المرادي, ثم ثورتهم سنة 132هـ بزعامة إسماعيل بن زياد النفوسي .

وإلى جانب هذه الثورات التي شببها الخوارج في عهد مروان بن محمد فقد ثار عليه سليمان بن هشام بن عبد الملك وانتقض عليه أهل حمص ومعهم الكلبيون بزعامة ثابت بن نعيم الجذامي, وثار عليه أهل الغوطة وأهل فلسطين, وتولى مروان قمعها.

وقد أضعفت هذه الثورات قوة مروان وانهارت أمام الجيش العباسي الذي كان يقوده عبد الله بن علي العباسي وانتهى الأمر بهزيمة مروان في وقعة (الزاب) سنة 132هـ وبها كانت نهاية الحكم الأموي .

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:19 AM
ثورات اخرى

1- ثورة الزنوج
ثار الزنوج سنة 71هـ وثاروا سنة 76هـ, وكان كبار الملاكين قد جلبوهم من شرقي إفريقية لاستصلاح البطائح المغمورة بمياه المد, جنوب العراق, وقد تكاثروا وساءت شروطهم المعاشية, ونالهم ظلم الملاك المتنفذين, فثاروا بزعامة زنجي منهم يدعي رباح ويلقب (شيرزاد) -أي أسد الزنوج- وقمع ثورتهم خالد القسري أمير العراق, وقمع ثورتهم الثانية الحجاج الثقفي .

2- ثورة عبد الله بن الجارود
هو زعيم قبائل عبد القيس, من ربيعة من مضر.
أمره الحجاج أن يندب الناس للحاق بالمهلب ابن أبي صفرة لحرب الخوارج سنة 76هـ, فرفض وخلع طاعة الحجاج وتابعه وجوه الناس, فقاتله الحجاج وقتله وقتل جماعة من أصحابه .

3- ثورة المطرف بن المغيرة بن شعبة
ولاه الحجاج الثقفي أمير العراق, على المدائن سنة 77هـ, وحين زحف شبيب بن يزيد الشيباني الخارجي على المدائن في تلك السنة, طلب إليه المطرف أن يرسل إليه رجالا من صلحاء أصحابه ليناظرهم, وينظر ما يدعون إليه, فأرسل إليه ستة رجال فيهم سويد بن سليم, فلما سأله المطرف عما يدعون إليه قال: إن ما ندعو إليه كتاب الله وسنة نبيه وأن الذي نقمنا منه استئثارهم بالفيء وتعطيل الحدود والتسلط بالجبرية , فقال له المطرف: ما دعوتم إلا إلى الحق, ولا نقمتم إلا جورا ظاهرا. فأعلن متابعته لهم في مقاومة الظلم, وخلع طاعة عبد الملك والحجاج, فوجه إليه الحجاج جيشا بقيادة عمر بن هبيرة, فقاتله وقتله .

4- ثورات المرجئة
لم يكن الخوارج وحدهم المنادين بمقاومة الظلم, بل كان المرجئة أيضا من المنادين بها, وقد اشتركوا مع الخوارج في بعض ثوراتهم, واستقلوا بثورات أضرموها احتجاجا على ظلم عمال الأمويين, منها ثورة الحارث بن سريج وثورة جديع الكرماني

فأما الحارث بن سريج فكان من أتقياء المرجئة, وقد خرج في عام 116هـ على عاصم بن عبد الله الهلالي أمر خراسان فاستولى على بلخ ثم استولى على الجوزجان والطالقان ومرو, فتوجه إليه عاصم الهلالي بجيش فقاتله وهزمه, فرحل إلى بلاد الترك فأقام بها زمنا. ولما تولى نصر بن سيار إمارة خراسان سنة 120هـ, أرسل إليه أمان الخليفة هشام بن عبد الملك فعاد إلى مرو سنة 127هـ, وطلب إليه نصر أن يساعده على عدوه, فاشترط عليه أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وأن يستعمل أهل الخير وأن يجعل الأمر شورى, فأبى نصر, فدعا الحارث الناس إليه فاجتمع حوله ثلاثة آلاف رجل من بني تميم, حلفوا له يمين الولاء, فتوجه نصر لقتاله في مرو وانتهى القتال بمقتل الحارث أمام أسوارها .

وأما جديع الكرماني فكان زعيم الأزد اليمانية في خراسان وقد ثار على نصر بن سيار منكرا جوره وظلمه وخالعا طاعة بني أمية, فتوجه نصر لقتاله فقتله

ثورة الشيعة التوابون
هم الشيعة من أهل الكوفة الذين كتبوا للحسين بن علي ودعوه أن يأتيهم ليبايعوه وينصروه, فلما قدم تخلوا عنه, ثم علموا أنهم آثمون ومذنبون, فأعلنوا توبتهم وتعاهدوا أن يثأروا للحسين, ومن ثم دعوا باسم (التوابين).

ثاروا في عام 64هـ مطالبين بدم الحسين بزعامة سليمان بن صرد فتولى عبيد الله بن زياد أمير العراق, قتالهم في معركة جرت سنة 65هـ في (عين الوردة) فتغلب عليهم وقتل زعيمهم ابن صرد .

ولما قدم المختار الثقفي إلى العراق مدعيا التشيع ومطالبا بدم الحسين والثأر له انضم التوابون إليه, فأرسل عبد الملك بن مروان جيشا لقتاله بقيادة عبيد الله بن زياد - وكان عبيد الله قد هرب من البصرة إلى الشام بعد وفاة يزيد بن معاوية- وجرت بينهما معركة قرب (نهر الخازر) قتل فيها عبيد الله بن زياد

ولما تولى مصعب بن الزبير إمارة العراق لأخيه عبد الله, توجه لقتال المختار, وفي المعركة التي جرت سنة 67هـ قرب بلدة المذار - بين واسط والبصرة- قتل المختار وقتل من كان يحارب معه .

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:20 AM
مدة خلافة الخلفاء الأمويون وأعمارهم

1- معاوية بن أبي سفيان : تسعة عشرة سنة وثمانية أشهـر توفي في رجب سنة 60هـ عن 78عاما

2- يزيد بن معاوية: ثلاثة سنين وثمانية أشهـر توفي في ربيع الأول سنة 64هـ عن38عاما

3- معاوية بن يزيد: أربعون يوما توفي في سنة64هـ عن23عاما

4- مروان بن الحكم: عشرة أشهـر توفي في رمضان سنة 65هـ عن 71عاما

5- عبدالملك بن مروان: :إحدىوعشرون سنة توفي في شوال سنة 86هـ عن 60عاما

6- الوليد بن عبد الملك: تسع سنين وثمانية أشهـر توفي في جمادى الآخرة سنة 96 هـ عن 48 عاما

7- سليمان بن عبد الملك: سنتان وثمانية أشهـر توفي في صفر سنة 99هـ عن 45 عاما

8- عمر بن عبدالعزيز بن مروان : سنتان وخمسة أشهـر توفي في رجب سنة 101هـ عن 40عاما

9- يزيد بن عبد الملك بن مروان: أربع سنين وشهـر توفي في شعبان سنة 105هـ عن 38 عاما

10- هـشام بن عبد الملك بن مروان: تسعة عشرة سنة وسبعة أشهـر توفي في ربيع الآخر سنة 125هـ عن 54 عاما

11- الوليد بن يزيد بن عبد الملك: سنة وشهـران توفي في جمادى الآخرة سنة 126هـ عن 38عاما

12- يزيد بن الوليد بن عبد الملك: خمسة أشهـر توفي في ذي الحجة سنة 126هـ عن 40 عاما

13- إبراهـيم بن الوليد بن عبد الملك: سبعون يوما خلع سنة 127هـوتوفي في ربيع الآخرسنة 132هـ عن 60عاما

14- مروان بن محمد بن مروان بن الحكم : خمس سنين توفي في ذي الحجة سنة 132هـ عن60عاما

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:21 AM
ثورات سياسية

1- الحسين بن علي ابن أبي طالب (60 - 61هـ)
لما تنازل الحسن بن علي لمعاوية ابن أبي سفيان عن الخلافة, كان من جملة الشروط التي اشترطها أن يتولى الخلافة بعد معاوية, ولكن الحسن توفي قبل معاوية بعشر سنوات وبوفاته سقط الشرط. وقبل أن يتوفى معاوية عهد بالخلافة إلى ابنه يزيد. ولما علم أهل الكوفة بذلك اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعي كتبوا للحسين أن يأتي إليهم ليبايعوه بالخلافة. وعلم عبد الله بن عباس بالأمر فنصحه بألا يستجيب لهم وحذره من أهل الكوفة فعندهم قتل أبوه, ثم إنهم خذلوا أخاه الحسن واضطروه للتنازل عن الخلافة لمعاوية, وبمثل ذلك نصحه آخرون. غير أن رجلا آخر زين له قبول الدعوة وحثه على قبولها, وهو عبد الله بن الزبير فكان يريد أن يبعده عن الحجاز ليخلو له المكان الذي يشغله الحسين, فهو يطمع بالخلافة, ولا حظ له فيها مع وجود الحسين .
وقد أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ابن أبي طالب إلى الكوفة ليختبر صدق من كتبوا إليه, فجاءه منه كتاب يخبره أن ثمانية عشر ألف رجل من أهل الكوفة قد بايعوه وعندئذ عزم على المسير إلى الكوفة وسار معه أهله وبنوه ونفر من مؤيديه.
ولما علم يزيد بن معاوية بمسير الحسين إلى الكوفة عزل النعمان بن بشير عنها وولى عليها عبيد الله بن زياد ابن أبيه, فرصد عبيد الله العيون على مسلم بن عقيل وقبض عليه وقتله وقتل معه هانئ بن عروة وكان أخفاه عنده. ولم يعلم الحسين ما حل بابن عمه وهو في طريقه إلى الكوفة ولما اقترب منها نزل في أرض تعرف بالطف وفيها موضع يعرف بكربلاء, وكان ذلك في غرة المحرم سنة 61 للهجرة, فلم يجد أحدا ممن دعوه ووعدوه بالنصرة وزينوا له القدوم. ووجه عبيد الله بن زياد للقائه جيشا بقيادة شمر بن ذي الجوشن ثم أمده بجيش يقوده عمر بن سعد ابن أبي وقاص, وكان عبيد الله بن زياد وعده أن يوليه على الري إن هو قاتل الحسين, فأذعن طمعا في الولاية.
ولما تقابل الفريقان, طلب ابن ذي الجوشن من الحسين أن يحمله إلى ابن زياد لينزل على حكمه, فأبى ورضي أن يحمل إلى يزيد بن معاوية فرفض ابن ذي الجوشن, ونشب القتال بين الفريقين, في معركة غير متكافئة, قتل فيها الحسين وقتل معه جمع كبير من أهله, ولم ينج من أبنائه غير اثنين, أحدهما علي (الأصغر) الذي عرف فيما بعد بعلي (زين العابدين) ولم يسلم من رجاله الستين إلا رجلان .
لقد كان قتل الحسين صفحة سوداء في تاريخ بني أمية, فقد عمق العداوة بين بني أمية وبني هاشم, ووسع الخلاف بين الشيعة وبين أهل السنة, وظهر أثره في التاريخ والأدب والشعر, بل دب إلى الحديث, فوضعت الأحاديث المكذوبة عن الرسول صلى الله عليه وسلم, تلك التي يراد منها الإشادة بأحد الفريقين والقدح بالفريق الآخر.
وكان من نتائج وقعة كربلاء أنها وحدت صفوف الشيعة وأثارت في نفوسهم الحماسة للأخذ بثأر الحسين بن علي كما أذكت مأساة كربلاء روح التشيع, فأصبح عقيدة دينية بعد أن كان رأيا سياسيا وانتشر التشيع بين الفرس الذين تربطهم بالحسين رابطة المصاهرة, فهو زوج (شهربانو), بنت يزد جرد آخر ملوك الفرس وأم ولده علي زين العابدين, ومنه تنحدر سلالة الحسين , فكانوا يرون الحسين أحق بالخلافة هو وأولاده من أخيه الحسن الذي تنازل عن الخلافة لمعاوية, لأنهم يجمعون بين أشرف دين عربي وأنقى دم فارسي .


2- عبد الله بن الزبير (61 - 73هـ)
وجد ابن الزبير, بعد مقتل الحسين, الفرصة سانحة لتحقيق أغراضه السياسية, تحت شعار الأخذ بثأر الحسين, فدعا الخلافة لنفسه وبايعه أهل الحجاز ومصر, فوجه إليه يزيد بن معاوية جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المري, ولما وصل إلى المدينة دعا أهلها لبيعة يزيد, فامتنعوا, فقاتلهم في معركة ضارية جرت قرب المدينة (وقعة الحرة) وتغلب عليهم ودخل المدينة عنوة واستباحها وقتل كثيرا من أشرافها, وانتزع البيعة ليزيد بالقهر والغلبة, ثم توجه إلى مكة لحرب ابن الزبير. وفي الطريق لاقى حتفه, فخلفه في قيادة الجيش الحصين بن نمير فلما وصل إلى مكة بلغه وفاة يزيد بن معاوية فعاد إلى الشام .
وبموت يزيد انقلب أهل العراق على الحكم الأموي وطردوا عبيد الله بن زياد فلحق بمروان بن الحكم الذي كان يطالب بالخلافة بعد أن تخلى عنها معاوية الثاني ابن يزيد. وقد استدعى أهل العراق عبد الله بن الزبير ودخلوا في طاعته, فأرسل إليهم أخاه مصعبا أميرا عليهم سنة 67هـ.
ولما تولى الخلافة عبد الملك بن مروان توجه على رأس جيش كثيف لقتال مصعب وانتزاع العراق منه, فخرج إليه مصعب والتحم الفريقان في معركة جرت قرب (دير الجاثليق), وانتهت بمقتل مصعب سنة 71هـ, وضم العراق إلى دولة بني أمية. ثم أرسل عبد الملك بن مروان جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة فقاتل عبد الله بن الزبير وحاصره في الكعبة, وقتل عبد الله بحجر أصابه من المنجنيق الذي كان يقذف الحجارة على الكعبة, ثم قطع الحجاج رأسه وأرسله إلى عبد الملك (سنة 73هـ) وتم لعبد الملك الاستيلاء على الحجاز, وكان جزاء الحجاج أن ولاه عبد الملك على العراق والمشرق.

3- مروان بن الحكم (64 - 64هـ)
بعد تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة, تقدم مروان بن الحكم وهو يومئذ شيخ بني أمية, يطلب الخلافة لنفسه, فبايعه حسان بن بحدل بن مالك الكلبي, زعيم قبيلة كلب اليمانية القوية وبايعه أهل الأردن وامتنع الضحاك بن قيس الفهري, زعيم القيسية في الشام من مبايعته وأخذ يدعو لعبد الله بن الزبير. فتوجه مروان إليه وهو في (مرج راهط) ومعه الكلبيون وقاتله وانتصر عليه, وانتهت المعركة بهزيمة القيسية ومقتل الضحاك (64هـ) وتمت البيعة لمروان.
وكانت هذه المعركة السبب في تأصيل العداوة بين اليمنية والقيسية, وعنها نشأت معارك ضارية عرفت باسم (الأيام) .

4- عمرو بن الأشدق
هو عمرو بن سعيد بن العاص, الملقب بالأشدق .
لما تولى مروان ابن الحكم الخلافة جعل له ولاية العهد من بعد ابنه عبد الملك, ولما تولى عبد الملك الخلافة سنة 65هـ طلب إليه عمرو أن يجدد له العهد بالخلافة من بعده, فلم يجبه.
ولما خرج عبد الملك إلى العراق سنة 70هـ لقتال مصعب بن الزبير واستخلاص العراق منه, تحصن عمرو بدمشق وأغلق أبوابها. وحين عاد عبد الملك إلى دمشق بعد انتصاره على مصعب واسترداد العراق, وجد أبواب دمشق مغلقة, فاحتال على عمرو حتى فتح له الأبواب فدخل عبد الملك دمشق وأظهر المودة لعمرو وصالحه وفي قلبه حنق عليه وخطة للغدر به.
وبعد أيام دعا عبد الملك عمرا, فجاءه ومعه رجال مسلحون, فلم يسمح لهم بالدخول معه, ودخل عمرو وحده, فلما اطمأن به المجلس قام إليه عبد الملك وذبحه بيده وأمر بإلقاء رأسه إلى رجاله المسلحين الذين صحبوه, وألقى معه بدر الأموال فانتهبوها وانصرفوا .
ويروى أن عبد الملك استرد بعد ذلك الأموال منهم وردها إلى بيت المال .

5- زيد بن علي زين العابدين
أعلن خروجه على الخليفة هشام بن عبد الملك سنة 121هـ لكلام ساءه من هشام, وتوجه إلى العراق فبايعه أهل الكوفة ولما بلغ أمره يوسف بن عمر الثقفي توجه إلى قتاله, فانفض عنه مبايعوه وخذلوه, فحارب بعدد قليل وقتل في الموقعة .

6- عبد الله بن معاوية
هو عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب.
قدم إلى الكوفة سنة 127هـ فأغراه أهلها أن يدعو لنفسه, وبايعه الناس, وانضم إليه بقايا الزيدية, فحاربه أمير الكوفة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وهزمه, فلجأ إلى إقليم فارس وغلب عليه, فبايعه الناس.
ثم قصد خراسان وكان أبو مسلم الخراساني قد استولى عليها, وفيها دعا إلى (الرضا من آل محمد) فطمع عبد الله أن يكون هو المقصود بالدعوة, فلما بلغ أمره

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:22 AM
ثورات الولاة

1- ثورة موسى بن عبد الله بن خازم
ثار علي عبد الملك بن مروان وذلك أن عبد الملك طلب من أبيه عبد الله, وكان أميرا على خراسان لعبد الله بن الزبير, أن يخلع طاعة ابن الزبير وأن يبايعه, فأبى فأرسل عبد الملك إليه من اغتاله, ولما علم بذلك ابنه موسى, وكان أميرا على ما وراء النهر خلع طاعة عبد الملك وأعلن الاستقلال بولايته. ولما تولى الحجاج الثقفي إمارة العراق والمشرق, وجه إليه سنة 85هـ جيشا كثيفا, وفي المعركة الجارية بين الفريقين كاد موسى أن يصد جيش الحجاج لولا أن عثر به فرسه فوقع ميتا .

2- ثورة عبد الرحمن بن الأشعث
هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي, أمير كندة كان من أشهر قادة العرب.
وجهه الحجاج الثقفي أمير العراق والمشرق, إلى سجستان لقتال رتبيل ملك الترك سنة 80هـ, وجهز له جيشا أنفق عليه أموالا كثيرة, وعرف (بجيش الطواويس).

ولما وصل ابن الأشعث إلى رتبيل هادنه وأخبر الحجاج بذلك, فطلب إليه الحجاج, وكان يكرهه, أن يوغل في سجستان ويهدم حصونها ويقتل مقاتليها ويسبي ذراريها, فامتنع عبد الرحمن أن يفعل ما طلب منه الحجاج ووافقه الجيش على ذلك, وتوجه إلى البصرة فدخلها وأعلن فيها خلع طاعة الحجاج وطاعة الخليفة عبد الملك, وانضم إليه أهلها بما فيهم القراء والزهاد, وجاء الحجاج فأخرج ابن الأشعث وأصحابه من البصرة بعد موقعة في (الزاوية) - قرب البصرة - فتوجه ابن الأشعث إلى الكوفة ونزل قربها في موضع يعرف (بدير الجماجم) وجاءت الإمدادات إلى الحجاج من الشام وفي الموقعة التي جرت في ذلك الموقع سنة 83هـ هزم ابن الأشعث والتجأ إلى (مسكن) وهزم فيها أيضا, فسار مع من بقي من أصحابه إلى سجستان ولجأ إلى رتبيل, فطلب الحجاج إليه أن يسلمه وتوعده إن لم يفعل, فلما علم عبد الرحمن بالأمر رمى نفسه من حالق ومات .

3- ثورة يزيد بن المهلب ابن أبي صفرة
كان من زعماء اليمنية, وكان أبوه المهلب يد الحجاج القوية في قمع ثورات الخوارج, فقد حاربهم تسعة عشر عاما, لقي منهم الأهوال, وتم له التغلب عليهم, وولاه الحجاج, أمير العراق والمشرق, على خراسان .

ولما توفي سنة 83هـ ولى الحجاج ابنه يزيدا مكانه ثم خشي الحجاج بأسه فكتب إلى عبد الملك بن مروان يتهمه بميله إلى آل الزبير وطلب منه أن يعزله, ففوضه عبد الملك بعزله على أن يولي مكانه أخاه المفضل بن المهلب, فعمل الحجاج بأمر الخليفة, ولما توفي عبد الملك عزله الحجاج وألقى القبض عليه وعلى أخيه يزيد وسجنهما, وولى قتيبة ابن مسلم على خراسان .

وأخذ الحجاج يعذب يزيدا وأخاه المفضل ويطالبهما برد ما أخذاه من الأموال أثناء ولايتهما على خراسان وتمكنا من الهرب من سجن الحجاج ودخلا على سليمان بن عبد الملك وهو في الرملة بفلسطين واستجارا به فأجارهما وأمنهما وكتب إلى أخيه الوليد بذلك وتعهد له أن يسترد منهما الأموال التي كان الحجاج يطالبهما بها.

وفي سنة 95هـ توفي الحجاج, ثم توفي الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ وتولى الخلافة سليمان بن عبد الملك فولى يزيدا ابن المهلب على العراق والمشرق .

ولما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز سنة 99هـ عزل يزيدا عن العراق والمشرق وأمر بالقبض عليه فحمل إليه, فطلب منه أن يرد الأموال التي كان قد استولى عليها أثناء ولايته على خراسان وأمر بحبسه, ثم تمكن من الهرب من سجنه وتوجه إلى العراق واستولى على البصرة بمساعدة اليمانية, وخلع طاعة يزيد الذي خلف عمر بن عبد العزيز وأخذ يوزع على الناس الذهب والفضة, يشتري ولاءهم, فمالوا إليه, حتى مال إليه جماعة من تميم وقيس وهم من مضر .

ولى يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على العراق سنة 102هـ وأمره بقتال يزيد بن المهلب وفي المعركة التي جرت بينه وبين يزيد في موضع يدعى (العقر) - بين واسط وبغداد - قتل يزيد وقتل بعض إخوته من آل المهلب وتفرق من كان يناصره, وهزم من بقي حيا من آل المهلب وتوجهوا إلى البصرة ومنها حملتهم السفن إلى السند فوجه إليهم مسلمة بن عبد الملك جيشا بقيادة هلال بن أحوز التميمي, فقاتلهم وأفنى أكثرهم وبعث برءوس القتلى إلى مسلمة مع من أسر منهم, فأرسلهم إلى الخليفة يزيد فضرب أعناقهم. ويذكر أن آل المهلب مكثوا, بعد الإيقاع بهم, عشرين سنة لا يولد لهم إلا الذكور, ولا يموت أحد من المولدين
( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:23 AM
أسباب سقوط الدولة الأموية

جعل ولاية العهد لاثنين
كان أول من سن هذه السنة مروان بن الحكم فقد عهد بالخلافة إلى ولديه عبد الملك وعبد العزيز, على أن تكون من بعدهما لعمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق . ولما تولى الخلافة عبد الملك بن مروان أراد خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد, لولا أن توفي عبد العزيز قبل الإقدام على خلعه, وعندئذ تقدم عمرو الأشدق وطلب من عبد الملك تجديد العهد له بالخلافة من بعده كما أوصى أبوه, فما كان من عبد الملك إلا أن قتله على نحو ما تقدم, وعهد بالخلافة لولديه الوليد ثم سليمان.

ولما تولى الوليد الخلافة أراد عزل أخيه سليمان من ولاية العهد ليعهد بها إلى ابنه عبد العزيز, وطلب من أخيه أن يعزل نفسه فأبى, وأبى أن يجعل الخلافة من بعده لعبد العزيز على الرغم مما عرض عليه أخوه من أموال طائلة, وعندئذ طلب الوليد من عماله أن يبايعوا لابنه عبد العزيز فبايعه ثلاثة منهم وهم: الحجاج الثقفي أمير العراق, ومسلم بن قتيبة أمير خراسان ومحمد بن القاسم الثقفي أمير السند وكلا الاثنين مرتبطان إداريا بالحجاج, كذلك دعا الوليد الناس لبيعة ابنه فلم يستجب له إلا خواصهم. وتوفي الوليد قبل أن يتم له ما أراد .

وتولى سليمان الخلافة من بعده وفي قلبه حنق على الذين استجابوا لبيعة ابن أخيه عبد العزيز, وعزم على الانتقام منهم, فأرسل إلى قتيبة بن مسلم من اغتاله , وعزل محمد بن القاسم وأمر بحمله إلى واسط وكتب إلى يزيد بن المهلب وكان قد ولاه على العراق, أن يميته تحت العذاب, فوكل به من أماته تحت العذاب , وهكذا كانت نهاية بطلين من أبطال الإسلام وقائدين شهيرين فتحا ما وراء النهر والسند ونشرا الإسلام فيهما.

وأما الحجاج الثقفي فكان قد مات قبيل تولي سليمان الخلافة, فصب نقمته على كل من اتصل بالحجاج بسبب. وكان عبد الملك قد أوصى ابنه سليمان أن يعهد بالخلافة من بعده إلى أخيه يزيد ثم إلى أخيه هشام, ولكنه تجاوز وصية أبيه وعهد بالخلافة إلى ابنه أيوب, ولكن ابنه توفي قبله , ثم أرادها لابنه محمد ولكنه كان صغيرا لم يبلغ الحلم , أما أخواه يزيد وهشام, فقد استبعدهما وقال عنهما: إنهما لم يبلغا أن يؤتمنا على الأمة , فشاور رجاء بن حيوة وكان شيخ الشام في زمانه, فأشار عليه بعمر بن عبد العزيز, فوافق على أن تكون الخلافة من بعده لأخيه يزيد ثم لهشام .
وقد أراد عمر أن يعهد بالخلافة لرجل في مثل ورعه وتقواه, ولكن الأجل لم يمهله. وتولى يزيد الخلافة بعد عمر ومن بعده تولاها أخوه هشام ومن بعده تولاها ابن أخيه الوليد بن يزيد


أثر العصبية القبلية في الصراع على الخلافة
ظهر أثر هذه العصبية بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وتخلي ابنه معاوية (الثاني) عن الخلافة, فقد نصرت قبيلة كلب اليمانية مروان بن الحكم حين رشح نفسه للخلافة, وقاتلت معه الضحاك بن قيس الفهري, زعيم القيسية في الشام وكان يدعو لعبد الله بن الزبير. وانتصر مروان في وقعة (مرج راهط) سنة 64هـ بسواعد الكلبيين, وقتل الضحاك بن قيس في الموقعة وهزم القيسية, ومن بعدها تأصلت العداوة بين اليمانية والقيسية (المضرية), وظل اليمانية حلفاء بني أمية حتى خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك حين ثار عليه يزيد بن المهلب بن أبي صفرة زعيم اليمانية.

وتمتد جذور هذه الثورة إلى أيام الحجاج الثقفي حين كان أميرا على العراق والمشرق. فقد كان الحجاج يكره يزيدا بن المهلب, لأنه كان يتيه عليه, فهو ابن المهلب بن أبي صفرة والقائد الشهير الذي أخمد ثورات الخوارج وقارعهم تسعة عشر عاما, أفنى الكثير منهم, وكان من قادة عبد الله بن الزبير ثم تحول إلى عبد الملك بن مروان بعد مقتل مصعب بن الزبير سنة 71هـ في وقعة (دير الجاثليق), فولاه عبد الملك على خراسان وبعد وفاته سنة 82هـ خلفه ابنه يزيد في إمارة خراسان . وفي سنة 85هـ طلب الحجاج من الخليفة أن يأذنه في خلعه, وادعى أنه يميل إلى آل الزبير وأنه اختان أموالا من خراج خراسان فوافقه الخليفة ولكنه أمره أن يولي على خراسان أخاه المفضل بن المهلب, فامتثل أمر الخليفة وولاه وهو كاره .

ولما توفي عبد الملك خلفه ابنه الوليد, فسارع الحجاج إلى عزل المفضل عن خراسان وولى عليها قتيبة بن مسلم ثم قبض على يزيد بن المهلب وعلى أخيه المفضل وسجنهما وعزل أخويهما عبد الملك وحبيب ابني المهلب عن أعمالهما . وتمكن السجينان من الهرب من سجن الحجاج وتوجها إلى فلسطين ودخلا على سليمان في (الرملة) مستجيرين فأجارهما, وكتب إلى أخيه الوليد بذلك فأقره على ما فعل . ولما تولى سليمان الخلافة بعد وفاة أخيه الوليد سنة 96هـ, ولى يزيد بن المهلب أميرا على العراق وولى أخاه عبد الملك أميرا على خراسان , فاشتد بذلك عضد اليمانية.

ولكن عمر بن عبد العزيز الذي خلف سليمان سنة 99هـ عزل يزيد ابن المهلب عن العراق وقبض عليه وسجنه وطالبه بالأموال التي اختانها من خراسان حين كان أميرا عليها, ولما مرض عمر المرض الذي توفي فيه, هرب من سجنه, خشية من يزيد بن عبد الملك الذي سيخلف عمر بعد موته, لأنه كان ناقما عليه, وذلك أن سليمان بن عبد الملك حين ولاه على العراق أمره أن يصادر أموال آل ابن أبي عقيل وأن يعذبهم لقرابتهم للحجاج الثقفي , وهم أصهار الخليفة يزيد بن عبد الملك . وتوجه يزيد بن المهلب بعد هربه إلى العراق, فاجتمع حوله اليمانية, واستولى على البصرة . فلما تولى الخلافة يزيد ولى على العراق أخاه مسلمة بن عبد الملك وأرسله على رأس جيش من أهل الشام لقتال يزيد بن المهلب .

وفي الموقعة الجارية بينهما سنة 102هـ قتل يزيد بن المهلب واجتمع بالبصرة من نجا من آل المهلب, فحملتهم السفن إلى السند . وبعد قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب, انقلب اليمانية على الوليد بن يزيد فمال إلى القيسية. ولما تولى الخلافة هشام بن عبد الملك بعد وفاة أخيه يزيد سنة 105هـ, أراد أن يتقرب من اليمانية فولى خالدا بن عبد الله القسري على العراق, وكان من زعمائهم , وبعد خمس عشرة سنة من ولايته على العراق عزله هشام سنة 120هـ, لأنه بلغه أنه يذكره بسوء, وأنه أثرى ثراء فاحشا من أموال الخراج, وأنه ازدرى قرشيا من آل عمرو بن سعيد بن العاص وبسط لسانه عليه في مجلس العامة, محتقرا قدره, وأنه قدم أهل الذمة وقربهم, وبنى كنيسة لأمه النصرانية, وأنه تكبر وتجبر وذل أناسا بغير حق .

فعزله الخليفة وولى مكانه يوسف بن عمر الثقفي, ابن أخي الحجاج, عدو اليمانية, وأمره بحبس خالد مع ابنه وأخيه وأبناء أخيه. وبعد أن لبثوا في السجن سنة أمره الخليفة بإخلاء سبيلهم, فقدم خالد إلى دمشق وأقام فيها. وفي سنة 126هـ حدثت حرائق في دمشق فاتهم بها خالد وأبناؤه, فقبض عليهم, كلثوم بن عياض القسري, نائب الخليفة في دمشق وحبسهم, ولما علم الخليفة (وهو مقيم بالرصافة) بالأمر, كتب إلى عامله بإطلاق سبيلهم فأخلاهم. وظل خالد مقيما بدمشق حتى توفي هشام سنة 126هـ وتولى من بعده ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فاستدعى خالدا وطالبه بالأموال التي دخلت عليه من خراج خراسان وأرسل إلى عمر بن يوسف الثقفي أمير العراق, وأمره بتعذيبه, فمات خالد تحت العذاب .

نقم اليمانية على بني أمية قتل يزيد بن المهلب وما حل بآل المهلب من قتل وتشريد, وزاد في نقمتهم قتل خالد بن عبد الله القسري, فأتمروا بالوليد بن يزيد وقتلوه, بعد سنة من خلافته وبايعوا لابن عمه ومنافسه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فأطلق يدهم بالانتقام من القيسية (المضرية) فكان ذلك سببا لاشتداد النزاع بينهم وبين اليمانية, فأعلن القيسية الثورة في حمص وفلسطين والأردن بزعامة بعض أمراء البيت الأموي, ثأرا لمقتل الوليد. واستطاع يزيد, بمساعدة اليمانية قمع هذه الثورات. غير أن خلافته لم تطل أكثر من ستة أشهر وتوفي سنة 126هـ , وتولى الخلافة من بعده أخوه إبراهيم بعهد منه, فلم تتم له الخلافة إلا سبعين يوما, فقد أقبل مروان بن محمد بن الحكم وهو يومئذ شيخ بني أمية, على رأس جيش من القيسية, كانوا قد بايعوه, فدخل دمشق وهرب إبراهيم, وانتقم القيسية من اليمانية بكل أنواع الانتقام.

وتجمع اليمانية في حمص وأعلنوا الثورة على مروان وامتدت ثورتهم إلى تدمر, فتغلب عليهم مروان وهزمهم, فتجمعوا في غوطة دمشق بزعامة يزيد بن خالد القسري فقاد ثورتهم انتقاما لمقتل أبيه, فتغلب عليه مروان وقمع ثورته. ولم يكد يستتب الأمر لمروان حتى خرج عليه سليمان بن هشام بن عبد الملك مستعينا باليمانية, فسار إليه مروان وهزمه في معركة (خساف) سنة 127هـ ثم طلب أمانه فأمنه. وهكذا أثارت ولاية العهد الصراع بين المعهود لهم بها, وانتقل الصراع إلى بطاناتهم, وكان للعصبية القبلية أثر بارز في وقده وتشبيبه.


انتقال هذا الصراع إلى المشرق والمغرب
سرت العصبية القبلية بين اليمانية والقيسية إلى الأندلس وخراسان. ففي الأندلس ظهرت العصبية بتولي أبي الخطار حسام بن ضرار أميرا على الأندلس سنة 125هـ وكان زعيما لليمانية, فتعصب لهم. فثار عليه الصميل بن حاتم زعيم القيسية, سنة 127 هـ, وانتهت الثورة بمقتل أبي الخطار سنة 130هـ. وفي خراسان نشب الصراع بين القيسية واليمانية, وكانت بينهم وقعة بالبرقان - من أرض بلخ - سنة 106هـ وقد تزعم اليمانية عمرو بن مسلم الباهلي, أخو مسلم ابن قتيبة, وتزعم القيسية نصر بن سيار أمير خراسان وكانت الغلبة لنصر .

ولما تولى يزيد بن الوليد الخلافة انتقل الصراع إلى الولاة, فقد ولى منصور بن جمهور اليماني على العراق والمشرق, فعزل منصور نصر بن سيار عن خراسان وولى أخاه منظور بن جمهور مكانه, فامتنع نصر عن تسليم الإمارة ورد منظورا وأعلن استقلاله بخراسان. وفي سنة 127هـ ثار اليمانية في خراسان بزعامة جديع بن علي الأزدي, المعروف باسم الكرماني, على نصر بن سيار وبعد أن وادعه جديع خرج عليه ثائرا على ظلمه وجوره, فأتمر به نصر وقتله, فانضم اليمانية إلى المعارضة ومالوا مع أبي مسلم الخراساني ضد نصر بن سيار .
وقد أفاد أبو مسلم, القائم بالدعوة العباسية, من هذا الصراع القبلي, الذي أضعف الحكم الأموي في مقاومة الدعوة العباسية وكان من أسباب انتصارها.

( أحداث التاريخ الاسلامي بترتيب السنين ..د. عبدالسلام الترمانيني )

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:29 AM
التاريخ الإسـلامي
دولة الخلافة الأموية
بعد مقتل على -رضى الله عنه- سنة 40هـ تهيأت الظروف للأمويين لكى يبسطوا سلطانهم على الدولة الإسلامية.
حقّا إنهم ذَوُو حسب ونسب، فهم سلالة "أمية بن عبد شمس" أحد سادات قريش وزعمائها قبل الإسلام.
وقد كان سفيان بن حرب والد معاوية أحد أبناء هذا البيت الأموى ومن أكبر سادات قريش، وإليه كانت قيادة قوافل التجارة، وإدارة شئون الحرب، ولم يسلم إلا عند فتح مكة، وروى عن معاوية أنه أسلم يوم عمرة القضاء وكتم إسلامه حتى فَتْح مكة، وقد لقى أبوسفيان من الرسول ( معاملة كريمة حيث أعلن عند فتح مكة أن "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن". واستخدم الرسول ( معاوية كاتبًا له، واستعان الخلفاء الراشدون بأبناء البيت الأموى، فكان يزيد بن أبى سفيان أحد قادة الجيوش الأربعة التى بعث بها أبو بكر -رضى الله عنه- لفتح الشام سنة 11هـ/633م.
وقد حارب يزيد وتحت إمرته أخوه معاوية فى عهد الخليفة عمر فلما توفى يزيد سنة 18هـ/ 639م، استعمل الخليفة "عمر" معاوية بن أبى سفيان على دمشق وعلى خراجها، ثم جمع له الشام كلها.
عام الجماعة:
ولقد مهدت الأقدار لمعاوية بن أبى سفيان فى أن يخطو خطوات ثابتة لكى يتولى منصب الخلافة، وبايعه الحسن بن على -رضى الله عنه- الذى كان قد خلف أباه وصار معه ما يقرب من اثنين وأربعين ألفًا من الجند، لكنه لم يطمئن إلى ولاء العاملين معه.
كان ذلك عام 41هـ/662م، وهو عام الجماعة الأول، لأن معاوية نال فيه البيعة بالخلافة من جميع الأمصار الإسلامية، ويعتبر هذا العام الميلاد الرسمى لقيام الدولة الأموية.
ولقد روى عن الحسن البصرى أنه قال: استقبل- والله- الحسنُ بن على معاويةَ بن أبى سفيان بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنى لأرى كتائب لا تتولى حتى يقتل أقرانها. فقال معاوية وكان والله خير الرجلين إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لى بأمور المسلمين، من لى بضعيفهم؟ من لى بنسائهم؟
وبعث معاوية إلى الحسن يطلب المصالحة وحقن دماء المسلمين، وكان الحسن مهيأ لهذا الأمر النبيل، فما أعز دماء المسلمين عنده.
وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية على أن تعود الخلافة بعده شورى بين المسلمين.
ولما قدم الحسن الكوفة قابله سيل من التعنيف واللوم لتنازله عن الخلافة، لكنه كان بارًا راشدّا لا يجد فى صدره من هذا الأمر حرجًا أو ندمًا، قال له رجل اسمه عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين. قال: لا تقل هذا يا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملْك.
وتحققت نبوءة النبى ( فى الحسن يوم قال: "إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". [أحمد والبخارى وأبو داود، والترمذى والنسائى].

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:30 AM
خلافة معاوية بن أبى سفيان
(41 - 60 هـ/ 661- 679م )
عندما أصبح معاوية خليفة للمسلمين، كانت الدولة الإسلامية تقوم على شبه الجزيرة العربية، والشام، والعراق، ومصر، وبلاد الجزيرة، وخراسان.
أما الجهات التى وصلت إليها الجيوش الإسلامية فيما وراء تلك البلاد فإنها كانت تفتقر إلى الاستقرار.
وكان للفتنة التى حدثت فى عهد عثمان، وما أعقبها من صراع بين على ومعاوية أثرهما فى توقف حركة الفتوحات الكبرى، ومتابعة الجهاد فى سبيل حماية الإسلام، وأداء رسالته، واستكمال بناء الدولة الإسلامية.
فلابد أن تعود المياه إلى مجاريها، ولابد أن تعود الفتوحات الإسلامية كما كانت، بل وأكثر مما كانت.
لقد أصبحت "دمشق" عاصمة الخلافة، ومنها تنطلق الجيوش باسم الله.
وعمل معاوية منذ توليه الخلافة على تجهيز الجيوش بشن حرب شاملة ضد "الإمبراطورية البيزنطية"، وهى "إمبراطورية الروم".
لقد كانت مركز القوة الرئيسية المعادية للدولة الإسلامية، وطالما حاولت فى لحظات الخلاف والفتنة أن تسترد الشام ومصر، أغلى أقاليم "الإمبراطورية الرومانية" قبل فتح العرب لهما.
إن أراضى آسيا الصغرى التابعة لتلك الإمبراطورية تتاخم الجهات الشمالية من بلاد الشام والعراق، وتنطلق منها الجيوش الرومية لتخريب هذين الإقليمين العربيين ! فلماذا لا يحاول معاوية القضاء على ذلك العدو اللدود؟ لماذا لا يستولى على القسطنطينية نفسها عاصمة تلك الإمبراطورية ؟
أعد معاوية الحملة الأولى، وزودها بالعَدد والعُدد، وجعل على رأسها ابنه وولى عهده يزيد، ولم يتخلف صحابة رسول الله ( عن الجهاد فى سبيل الله، فانضموا إلى هذه الحملة متمثلين أمام أعينهم، قول الرسول ( "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [أحمد والحاكم]، آملين أن يتحقق فيهم قول الرسول (. فقد ثبت عن رسول الله (: "أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم" [البخارى].
ولقد اشترك فى هذه الحملة أبو أيوب الأنصارى الذى نزل النبى ( فى بيته عند الهجرة. ولم يستطع المسلمون فتح المدينة هذه المرة، ولكن حسبهم أنهم أول جيش يغزو القسطنطينية.
ولقد سعد معاوية باشتراك الصحابة فى هذه الغزوة، فهم خير وبركة، فبهم تعلو راية المجاهدين. واتجهت هذه الجيوش إلى القسطنطينية حتى فتحوا بلادًا عديدة فى آسيا الصغرى وضَربوا الحصار على العاصمة الحصينة. وعزز معاوية هذه الغزوة بأسطول سار تحت قيادة فضالة بن عبيد الأنصارى، وسار هذا الأسطول إلى مياه العاصمة البيزنطية.
وأثناء الحصار، مرض "أبو أيوب الأنصارى" ولم يلبث أن توفى، ودفن جثمانه قرب أسوار القسطنطينية، وأظهر الجنود المسلمون ضروبًا من الشجاعة أذهلت الروم، ثم انسحبت الجيوش الإسلامية بعد ذلك تأهبًا لكرّة أخرى من الجهاد. .
حرب السنوات السبع:
بعث معاوية حملة ثانية ضد القسطنطينية؛ إنه يدرك خطر البيزنطيين، ويعمل جاهدًا على تدمير قوتهم.
لقد دام الحصار للقسطنطينية سبع سنوات (54 - 60 هـ / 674 - 680م)، وكان التعاون قائمًا بين القوات البحرية والأسطول الإسلامى، فقد اتخذ الأسطول مقرّا له فى جزيرة "أرواد" قرب مياه القسطنطينية، وبمطلع الربيع، تم إحكام الحصار، فانتقلت القوات البرية لإلقاء الحصار على أسوار العاصمة، على حين تولت سفن الأسطول حصار الأسوار البحرية.
وباقتراب فصل الشتاء نقل الأسطول قوات المسلمين إلى جزيرة "أرواد" حماية لها من برد تلك الجهات القارص، ثم عاد فنقلها لمتابعة الحصار بمطلع الربيع.
ولم تستطع هذه " الحملة الثانية" اقتحام القسطنطينية بسبب مناعة أسوارها، وما كان يطلقه البيزنطيون على سفن الأسطول الإسلامى من نيران، فانتهى الأمر بعقد صلح بين المسلمين والبيزنطيين مدته ثلاثون عامًا، عام 56هـ / 676م.
وبرغم عجز هاتين الحملتين عن الاستيلاء على القسطنطينية فإنهما حققتا أهدافًا واسعة، فلقد تخلى أباطرة الروم عن مشاريعهم وأحلامهم القديمة فى استعادة مصر والشام، وغيرهما من الأراضى التى كانت تابعة لهم من قبل، وعلموا أن جيوش الإسلام باتت قوية، وراحت تدق أبواب عاصمتهم بعنف.
لقد زلزلت القوات الإسلامية إمبراطوريتهم نفسها، وشلت نشاط القوات البيزنطية، وقلمت أظفارها، مما أتاح للأمويين بسط رقعة الدولة شرقًا وغربًا.
الجهاد فى الميدان الشرقى:
فإذا انتقلنا من الشام إلى الميدان الشرقى نجد أن الفتوحات التى توقفت أواخر خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضى الله عنه- قد استأنفها الأمويون، فعندما تولى معاوية الحكم بعث الجيوش لنشر الإسلام فى مواطن جديدة سكنها الأتراك فى بلاد ما وراء النهر، وإلى بلاد الهند التى كانت موطن حضارة من أقدم الحضارات فى جنوب شرق آسيا.
وفى بلاد الشرق، حيث كان زياد بن أبيه واليًا على تلك البلاد من قِبَل معاوية بن أبى سفيان، غزا المسلمون أفغانستان فسقطت "كابول" فى أيديهم سنة 664م، وعبروا نهر جيحون، واستولوا على بخارى سنة 674م، ثم على سمرقند سنة 676م، ثم واصلوا زحفهم حتى نهر سيحون، وذلك على يد قادة من شباب الإسلام مثل محمد بن القاسم الثقفى وقتيبة بن مسلم الباهلى وغيرهما.
الجهاد فى الميدان الغربى:
وانطلقت الفتوحات الأموية منذ ولى معاوية بن أبى سفيان نحو الميدان الغربى فى البلاد التى تلاصق مصر من جهة الغرب، وتمتد من "برقة" إلى المحيط الأطلسى، وكانت معروفة عند العرب باسم بلاد المغرب، وكان يسكنها أناس عرفوا باسم البربر، وهم ينتمون فى أصلهم إلى العنصر الليبى القديم الذى يرتبط مع الأصول التى ينتمى إليها المصريون القدماء.
وكان هؤلاء البربر ينقسمون بحسب مسكنهم إلى قسمين: حضر يزرعون الأرض ويعيشون مستقرين قرب الساحل، وعلى سفوح الجبال الخصبة، واشتهروا باسم "البرانس". وبدو يرعون قطعانهم من الماشية فى الصحاري، وعرفوا باسم "البتر".
عقبة فى بلاد المغرب:
وأسند الخليفة معاوية بن أبى سفيان فتح تلك البلاد وإفريقية سنة 50هـ إلى "عقبة بن نافع الفهرى"، الذى كان مقيمًا ببرقة منذ أن فتحها عمرو بن العاص أثناء ولايته الأولى على مصر، فكان عقبة من أكثر الناس خبرة ودراية بأحوال هذه البلاد، وعهد إليه معاوية بقيادة بعض السرايا الحربية التى توغلت فى شمال إفريقية، ورأى عقبة أن أفضل الطرق لفتح بلاد المغرب يقتضى إنشاء قاعدة للجيوش العربية فى المنطقة التى عرفها العرب باسم إفريقية، وهى جمهورية تونس الحالية.
واستطاع عقبة تنفيذ مشروعه حين انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها، لقد اختار موقعًا يلتقى عنده "البرانس" و "البتر" وأقام عليه قاعدته التى سماها "القيروان"، وشرح عقبة أهدافه من تأسيس القيروان قائلا لجنوده: وأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها (أى بأفريقية) مدينة نجعل فيها عسكرًا، وتكون عز الإسلام إلى أبد الدهر.
وكان عقبة بن نافع صادق الإيمان، فيروى أنه لما بدأ فى بناء القيروان، وكان مكانها مكان ملتف بالشجر تأوى إليها السباع والوحوش والحيات العظام، فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شىء من ذلك، حتى إن السباع صارت تخرج منها تحمل أولادها، والحيات يخرجن هاربة من أحجارهن، ولما رأى البربر ذلك أسلم منهم عدد كبير.
الأحوال الداخلية للدولة:
1- دمشق العاصمة الجديدة:
كان على -رضى الله عنه- قد اتخذ من "الكوفة" مركزًا للخلافة، فاتخذ معاوية بن أبى سفيان مدينة "دمشق" لتكون مقرّّا لخلافته ولآل بيته من بعده.
وكانت هذه الخطوة تعنى أن مقر الخلافة أصبح محصنًا بقوة مادية وبشرية كبيرة، وشجعه على ذلك أن أهل الشام برهنوا له عن ولائهم للبيت الأموى، ووقفوا إلى جانب معاوية خلال تلك الفترة التى قامت فيها الفتنة.
وكان معاوية قد راح يدعم علاقته بالقبائل الكبيرة منذ ولايته على الشام، فصاهر أقواها وأعزها، وأكثرها نفرًا، وهى قبائل كلب اليمانية، فكانت زوجته ميسون من بنى بحدل من قبيلة كلب، وأنجب منها ابنه يزيد الذى صار ولى عهد الدولة الأموية.
أما عن موقع مدينة دمشق عاصمة الخلافة الجديدة، فقد كان موقعًا فريدًا، فهى تقع على حافة بادية البلقاء، فى واحة الغوطة الخصيبة، ويغذيها نهر بردى، وتحيط بها جبال شاهقة من جميع نواحيها وهى إلى جانب هذا كله متجرًا للقوافل التجارية المعروفة باسم "رحلات الصيف".
وها هى ذى قد أصبحت بعد الفتح الإسلامى معسكرًا للجيوش الإسلامية، وقاعدة تباشر منها مهامها الحربية، وتستطيع مراقبة العدو الأول للدولة الإسلامية، وهو إمبراطورية الروم.
2- الوراثة فى الحكم:
وكانت السمة الثانية التى ميزت الدولة الأموية: تطبيق مبدأ الوراثة فى الحكم، لقد تخلى معاوية عن القواعد التى جرى عليها انتخاب الخلفاء الراشدين من قبله، معتقدًا أن المجتمع الإسلامى بعد هذه السنين قد تطور، وأن قوى جديدة فيه قد ظهرت تريد أن تبحث لها عن دور، وأن القبائل الكبرى التى قامت بالدور البارز فى حركة الفتوح وقيادة الجيوش لم تعد تقبل بسهولة أن تنقاد لمن لا ترى مصالحها عنده، وتضمن نفوذها لديه، وأن الأمصار والولايات الجديدة قد أصبحت حريصة على جعل جهاز الحكم فيها، أو قريبًا منها، مما يهدد الدولة الإسلامية بالتنازع والحروب الداخلية فرأى أن يستخلف ولده يزيد إذ تؤيده قوة أهل الشام وتحميه قوة قبيلة كلب التى منها أمه وأخواله. .
وبالرغم من العقبات التى اعترضت معاوية فإنه استطاع الحصول على البيعة لابنه يزيد سنة 56هـ / 676م، وبهذا تم تحويل الخلافة إلى سلطة مبدأ التوريث.
وصار معاوية بذلك مؤسس الدولة الأموية، وأول من طبق الوراثة فى الخلافة الإسلامية.
منجزات معاوية:
أما عن عهد معاوية فقد كان حافلا بالإنجازات، فقد أعاد حبات العقد التى انفرطت فنظمها من جديد، وبعث الجيوش شرقًا وغربًا، وقضى على الفتنة، وأتاح للراية الإسلامية أن تواصل تقدمها فى كل اتجاه، ولقن أعداء الأمة دروسًا لا تنسى!
ولقد تحقق له ما أراد، فأقام دولة لبنى أمية وَوَرَّثَ ابنه يزيد الخلافة من بعده، ثم أجاب داعى الله بعد حياة حافلة، وقد قال فيه رسول الله (: "اللهم اجعله هاديًا مهديّا واهدِِ به" [أحمد والترمذى].
وقد لقى معاوية ربه، فى رجب سنة 60هـ / 680م.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:31 AM
خلافة يزيد بن معاوية
(60 - 64 هـ/ 679- 683م )
بويع له فى حياة أبيه ليكون وليّا للعهد من بعده، ثم أكد البيعة لنفسه بعد موت والده فى النصف الثانى من رجب سنة ستين، واستمر فى منصبه إلى أن توفى سنة أربع وستين !
وقد واجهته المشاكل والعقبات عقب تسلمه الحكم، فقد قامت ضده ثلاث ثورات، ترجع دوافعها إلى تقرير "مبدأ الوراثة" فى بنى أمية.
الفتنة:
ما كاد يزيد يتسلم زمام الحكم حتى واجه نفرًا من المسلمين يمتنعون عن مبايعته، ثم ما لبثت معارضتهم لبيعته أن تحولت إلى ثورة مسلحة.
وكان يزيد قد طلب من أمير المدينة المنورة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان الحصول على البيعة من الحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، لكن الحسن وابن الزبير رفضا، وخرجا من المدينة إلى مكة، وتوقف ابن عمر فقال: إن بايع الناس بايعت. فلما بايع الناس بايعه ابن عمر، وتعقَّد الموقف فى الحجاز.
وعلم أهل العراق برفض الحسين مبايعة يزيد وتوجهه إلى مكة، فوجدوا الفرصة سانحة للتخلص من الأمويين وإعادة الدولة كما كانت فى عهد على؛ ليتولى أمرهم الحسين بن على، فهو أحب إليهم من يزيد بن معاوية! وبقاء الحكم فى العراق أحب إليهم من بقائه فى الشام.
فأرسلوا رسلهم إلى الحسين، ليحرضوه على المطالبة بالخلافة، ويطلبوا منه المسير إلى الكوفة، فبعث الحسينُ ابنَ عمِِّه "مسلم بن عقيل بن أبى طالب" إلى الكوفة ليتبين الموقف؛ وليمهد له الأمر، حتى إذا رأى إجماع الناس على بيعته أسرع بإحاطته علمًا بذلك. وعندما أقبل "مسلم بن عقيل" على الكوفة رأى من أهلها إقبالا ورغبة فى مبايعة الحسين، فبعث إليه على الفور يستعجل قدومه.
لكن الأمويين كانوا قد أحيطوا علمًا بما يدور فى الكوفة فأرسلوا على الفور عبيد الله بن زياد واليًا عليها ليحفظ الأمن والنظام، وليضبط الأمر على النهج الذى اتبعه والده زياد من قبل أيام الخليفة معاوية بن أبى سفيان.
استطاع عبيد الله أن يُحكم سيطرته على البلاد، ويقتل قادة الدعوة إلى الحسين، ومن بينهم "مسلم بن عقيل" ويخرس الألسنة التى تنادى بالحسين خليفة.
وتحرك ركب الحسين إلى الكوفة فى هذا الجو المتأزم الملبد بالغيوم، فنصحه كبار الصحابة وكبار شيعته مثل أخوه: محمد بن الحنفية، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومى، وعبد الله بن عباس، ليصرف النظر عن الذهاب إلى العراق، وعدم الاطمئنان لما نقل إليه من موافقة أهلها على مبايعته، غير أن الحسين -رضى الله عنه- لم يستمع لنصح الناصحين.
حادث كربلاء:
خرج -رضى الله عنه- فى جماعة من شيعته لا يزيدون عن ثمانين رجلا، ومعه نساؤه وأطفاله قاصدًا الكوفة دون أن يعلم بما حدث !
فلما بلغه ما حدث لم يتراجع، بل واصل المسير وكانت القوات الأموية فى انتظاره، ولم يكن اللقاء متكافئًا. وفى "كربلاء" التحم الفريقان، فسالت الدماء وسقط الحسين شهيدًا بالقرب من الكوفة يوم عاشوراء فى العاشر من المحرم سنة 61هـ / 681م، وتخلص يزيد من أحد منافسيه الأقوياء، وبقى عبد الله بن الزبير.
مواجهة عبدالله بن الزبير:
ذهب عبدالله إلى مكة محتميًا بها، وسمى نفسه العائذ بالبيت. فلما بلغه استشهاد الحسين أخد البيعة لنفسه من أصحابه فى وجود والى مكة الأموي "عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق" الذى كان فى استطاعته أن يتغلب على ابن الزبير، لكنه كان يرفق به.
فماذا يفعل يزيد، وقد لجأ ابن الزبير إلى الحمى ؟!
ولى على الحجاز الوليد بن عتبة بن أبى سفيان الذى اشتد على "ابن الزبير" فلم يجد ابن الزبير بدّا من اللجوء إلى حيلة معقولة؛ لكى يتخلص من الوليد. وهداه تفكيره إلى أن يطلب إلى يزيد تغيير هذا الوالى حتى يتسنى له أن يفكر فى مصالحته.
وسرعان ما استجاب يزيد، فعزل الوليد وعين مكانه "عثمان ابن محمد بن أبى سفيان".
وقد نجحت حيلة ابن الزبير، فعثمان كان شابّا صغيرًا لم تصقله التجارب، ولا خبرة له بسياسة الناس وقيادتهم، فأساء من حيث أراد الإصلاح.
لقد أرسل وفدًا من أشراف أهل المدينة إلى دمشق ؛ لكى يرى الخليفة بنفسه مدى طاعتهم وولائهم، وأحسن يزيد وفادتهم، وأغدق عليهم، ومنحهم العطايا ليستميل قلوبهم، وليكونوا خير دعاة له إذا رجعوا إلى أهليهم وذويهم، فمن رأى ليس كمن سمع، ولكنهم بعد أن رأوا فى عاصمة الخلافة الجديدة مظاهر البذخ والإسراف، وسمعوا مالا يتفق مع تقاليد الخلفاء الراشدين من مظاهر الترف، عادوا وهم يعلنون بين أهليهم وذويهم أنهم قد خلعوا طاعة يزيد، ثم بايعوا عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر "ابن غسيل الملائكة" وتوجهوا بعد ذلك إلى والى يزيد على المدينة فأخرجوه منها، وحاصروا دار مروان بن الحكم بالمدينة تعبيرًا عن سخطهم ورفضهم لبنى أمية.
واستغاث مروان بن الحكم بيزيد، وتأزم الموقف من جديد، فقد أعد يزيد جيشًا ضخمًا من جند الشام، وأسند قيادته إلى مسلم ابن عقبة، ليحمى بنى أمية بالمدينة، وليخضع الثائرين عليه.
وعلم أهل المدينة بمقدم الجيش فلم يجدوا بدّا من إخراج بنى أمية إلى الشام بعد أن يأخذوا عليهم العهود والمواثيق ألا يساعدوا عليهم أحدًا.
وخرج بنو أمية مطرودين من المدينة، لكنهم تقابلوا مع جيش مسلم بن عقبة، فطلب منهم أن يشيروا عليه بما ينبغى أن يفعله، فأرشده عبد الملك بن مروان إلى كيفية الزحف على المدينة، والدخول إليها، وزحف مسلم كما أشار عليه عبد الملك، ونفذ الخطة فوصل إلى الحرة شمالى شرق المدينة، وهى أرض صخرية بركانية، فخرج إليه أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة، والتحموا مع جند الخليفة فى معركة شديدة انتهت بهزيمة أهل المدينة، وقتل عدد كبير من بنى هاشم وقريش والأنصار.
وفى جو الهزيمة هذا دعا مسلم الناس للبيعة؛ محذرًا من عاقبة المخالفة بعد أن رأوا بأعينهم ما حل بغيرهم.
فبعد أن انتهى مسلم من إجبار الناس على البيعة، سار بمن معه من الجند إلى البيت الحرام بمكة؛ حيث يعتصم ابن الزبير، لكن القدر لم يمهله، فتوفاه الله قبل أن يصل إلى مكة.
ويتولى على الفور قيادة الجيش الأموى الزاحف على مكة للقاء عبد الله بن الزبير: "الحصين بن نمير السكوني" ، ويواصل مسيرته إلى مكة المكرمة، ويشتد على الثائرين، ولا يمنعه شىء مما يحتمون به، ويستمر الحصار شهرين، وابن الزبير متحصن بالبيت الحرام، وتأتى الأنباء بوفاة الخليفة يزيد، فيتوقف القتال، ويرفع الحصار، ويعود الجيش الأموى إلى الشام، ويخرج ابن الزبير على الناس فتذعن جزيرة العرب كلها له، ويبايعه كثير من أنصار الدولة الأموية وسط العواصف خليفة للمسلمين.
الفتوحات الإسلامية فى عهد يزيد:
وبالرغم من الصراعات الشديدة التى حدثت فى عهد يزيد، فإن الفتوحات الإسلامية لم تتوقف، واستمرت فى العديد من الجهات، فهناك فى الشرق واصلت الجيوش الإسلامية فتوحاتها فى خراسان وسجستان تحت قيادة مسلم بن زياد، فغزا سمرقند وحُجَنْدة، أما هناك فى الغرب فقد أعاد يزيد بن معاوية، عقبة بن نافع واليًا على إفريقية، وكان معاوية قد عزله عنها، فواصل عقبة بن نافع فتوحاته بحماس منقطع النظير وقال: إنى قد بعت نفسى لله-عز وجل-، فلا أزال أجاهد من كفر بالله. ففتح مدينة "باغاية" فى أقصى إفريقية، وهى مدينة بالمغرب، وهزم الروم والبربر مرات عديدة، ثم واصل المسير إلى بلاد الزاب، فافتتح مدينة "أَرَبَة" وافتتح "تَاهَرْت" و"طَنْجة" و"السُّوس الأدنى"، ثم صار إلى بلاد السوس الأقصى، واستمر فى فتوحاته حتى بلغ "مليان"، حتى رأى البحر المحيط (المحيط الأطلنطى) فوقف عليه وقال مقالته التى حفظها له التاريخ: يا رب لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهدًا فى سبيلك. ثم عاد راجعًا إلى القيروان.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:32 AM
خلافة مروان بن الحكم
(64 - 65 هـ/ 683- 684م )
نحن الآن فى عام 64هـ / 684م، وما زال الطريق طويلا أمام الدولة الأموية التى دبت فيها الروح ثانية؛ لتواصل المسيرة حتى سنة 132هـ /750م، فكيف واجهت الأعاصير والأنواء؟! وكيف أعادت بسط سلطان الدولة الأموية من جديد على الأقاليم التى أعلنت البيعة لابن الزبير.
والعجيب أن عرب الشام انقسموا إلى فريقين بعد أن اجتمعت بنو أمية على مروان بن الحكم!
فالعرب اليمانية راحوا وحدهم يؤيدون مروان، أما العرب القيسية، وعلى رأسهم الضحاك بن قيس، فقد راحوا يؤيدون عبدالله بن الزبير.
وهنا يتجلى دور مروان بن الحكم؛ لقد جمع أنصاره، وسار أولا إلى الضحاك، واقتتل الفريقان بـ "مرج راهط" بغوطة دمشق وكان ذلك فى المحرم سنة 65هـ، وانتصر مروان بن الحكم، ودخل دمشق بعد أن قضى على الفتنة، ونزل بدار معاوية بن أبى سفيان، وبايعه الناس بالخلافة.
مصر فى حوزة الأمويين:
وبعد أن استقرت الأمور فى دمشق توجه مروان إلى مصر على رأس جيش قوى، ودخلها سنة 65هـ/685م وكان عليها عبد الرحمن بن جحدم القرشى عاملا لابن الزبير، وولى ابنه عبدالعزيز بن مروان على مصر، وأمده بموسى بن نصير؛ ليكون وزيرًا له ومشيرًا. وعادت مصر للأمويين مرة أخرى بعد انفصال دام تسعة أشهر تحت قيادة أنصار ابن الزبير. وبقى الحجاز والعراق فى يد ابن الزبير بعد أن دانت الشام ومصر للأمويين.
لقد كانت مصر على اتصال بالحجاز فى عهد عبدالله بن الزبير، تمده بما يحتاج إليه من الغلال، فلما خضعت ثانية للأمويين حرم الحجاز مما كانت مصر تمده به، وتأثر موقف ابن الزبير فى الحجاز بهذا الوضع الاقتصادى، وفى هذا الوقت كان مروان بن الحكم يعمل على تنفيذ خطوات محسوبة بدقة وإحكام، لقد أعد جيشين: أحدهما إلى الحجاز للقضاء على عبد الله بن الزبير، أما الجيش الآخر فقد سيره إلى العراق للقضاء على مصعب بن الزبير شقيق عبد الله وواليه هناك. ويشاء الله أن تحل الهزيمة بجيش الحجاز، وألا يقوم جيش العراق بشىء يذكر فى حياة مروان الذى عاجلته المنية سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيْه عبد الملك، ثم عبد العزيز.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:32 AM
خلافة عبد الملك بن مروان
(65 - 86 هـ/ 684- 705م )
كان الأمويون عندما عقدوا "مؤتمر الجابية" لمبايعة مرْوان بن الحكم قد اتفقوا على أن يخلفه: "خالد بن يزيد بن معاوية" ثم "سعيد بن العاص" من بعده. "
غير أن "مروان بن الحكم" نقض ذلك العهد وعهد بالخلافة لابنه "عبد الملك" ومن بعده ابنه " عبد العزيز" وراح يصرف الأنظار عن "خالد بن يزيد" الذى كان شابّا محدود الخبرات فى الإدارة.. بما أوتى من وسائل، ورغم ما فى ذلك من إيثار لابنه ونقض لعهده فإنه كان خيرًا لاستقرار الدولة وكان خيرًا للإسلام والمسلمين.
وباتت الدولة الإسلامية الموحدة تتقاسمها خلافتان:
الأولى: عليها عبد الله بن الزبير وتضم الحجاز والعراق.
أما الثانية: فيتولاها عبد الملك بن مروان الذى تولى عقب وفاة أبيه، ولم تعد تضم إلا الشام ومصر.
وقد نجح عبد الملك بن مروان فى ضبط الأمور، والقضاء على الفتن، فانتشل الدولة من الفوضى التى وصلت إليها، وأعاد الأمن والاستقرار إلى ربوعها.
لقد ظهر بالكوفة المختار بن عبيد الله الثقفي، وجمع من حوله شيعة على -رضى الله عنه-، وراح يتتبع قتلة الحسين هنا وهناك وقتل منهم الكثير وعلى رأسهم أمير الجيش الذى حارب الحسين " عمر بن سعد بن أبى وقاص"، وقتل "عبيد الله بن زياد" أمير العراق الأموى، وشتت جيشًا قوامه (40) ألفًا، كما قتل "الحصين ابن نمير" واستولى على الموصل، وراح يدعو لمحمد بن الحنفية ابن الإمام على كرم الله وجهه، ويناديه بالإمام المهدى يريد المهدى المنتظر.
لقد انتشر نفوذ الشيعة فى شرق الدولة وكان هذا العامل هو المعول الذى مهد لزوال الدولة الأموية على مر الزمن!
وقد عمد الشيعة فى ذلك الوقت وعلى رأسهم المختار إلى الانتساب لمحمد بن الحنفية، ليستفيدوا من هذه النسبة فى اكتساب مزيد من المؤيدين الناقمين على بنى أمية والثائرين من أجل المطالبة بدم الحسين وآله.
والمعروف أن محمد بن الحنفية كان عالمًا زاهدًا، قد رفض أن يبايع لأحد من الخليفتين ابن الزبير أو ابن مروان، وقال لا؛ حتى يبايع الناس أجمعون فإن بايعوا بايعت. وهكذا فعل عبد الله بن عباس، ولم يكن له مطمع فى الخلافة، أو هدم البيت الأموى أوالقضاء على ابن الزبير.
ولقد أغضب الدعوة باسم محمد بن الحنفية "عبد الله بن الزبير" فأرسل أخاه "مصعب بن الزبير"؛ ليكون أميرًا على العراق، وأمره بالقضاء على "المختار الثقفى".
وقد نجح مصعب فى حصار المختار بالكوفة وقتله، وأصبح الحجاز والعراق لابن الزبير ومصر والشام لعبد الملك بن مروان.
وفى سنة 70هـ /690م خرج عبد الملك بن مروان إلى العراق لأخذها من الزبيريين، وتدور بينه وبين مصعب عدة معارك، وأخيرًا يتمكن "عبد الملك بن مروان" من القضاء على "مصعب ابن الزبير" فى معركة "دير الجاثليق" وكان ذلك سنة 71هـ/691م وقيل: سنة 72هـ/692م. المهم أن عبد الملك بعد مقتل "مصعب ابن الزبير" دخل "الكوفة" معقل الزبيريين، وأخذ البيعة من أهلها لنفسه، وولَّى ولاة من قِبله على العراق.
الحجاج وابن الزبـير:
ولم يبق إلا الحجاز يسيطر عليه عبد الله بن الزبير من مكة، وقد حانت الساعة الفاصلة، ساعة الحزم والحسم، فأمر عبدالملك ابن مروان "الحجاج بن يوسف الثقفى" -الذى يمكن أن يتخذ من الطائف مسقط رأسه قاعدة لعملياته الحربية- أن يتصدى لعبد الله ابن الزبير المتحصن بمكة المكرمة.
وتحرك جيش الحجاج من الطائف إلى مكة فحاصرها كما فعل الحصين بن نمير من قبل، وقذف ابن الزبير بالمنجنيق، وظل يضيق على ابن الزبير وأنصاره الخناق حتى تفرق عنه معظم أنصاره، لكن ابن الزبير ظل يقاوم رافضًا أن يستسلم حتى قتل سنة 73هـ/ 693م، وكانت خلافته تسع سنين.
وبمقتل ابن الزبير دخلت الحجاز من جديد تحت حكم بنى أمية، وكوفئ الحجاج بأن ظل واليًا على الحجاز من قبل عبد الملك ابن مروان حتى سنة 75هـ/ 695م.
ثورات ابن الأشعث:
ولا يكاد عبد الملك بن مروان يلتقط أنفاسه ليتفرغ للبناء والتعمير، ومواصلة الفتوح حتى يرى أن جماعات الشيعة فى مدن العراق مثل الكوفة تشكل خطرًا على الدولة؛ بسبب قربها من بلاد فارس، التى رأى أهلها فى الشيعة خير سبيل لتحقيق أطماعهم القومية فى ضرب الأمويين باعتبارهم ممثلين للعنصر العربى وسلطانه فى الدولة الإسلامية، وركز الفرس نشاطهم فى سبيل وصول أبناء الحسين بن على بن أبى طالب إلى منصب الخلافة، مدعين بأنهم من سلالة الحسين؛ وذلك لأنه تزوج من شهر بانوه بنت يزدجرد الثالث آخر أكاسرة الفرس، وزعموا أن تلك السلالة من أبناء الحسين تجمع بين دم عربى، وأشرف دم فارسى.
وتصدى الحجاج بن يوسف لهذه الفتنة مرة أخرى، ويحقق الأمن والاستقرار فى ربوع البلاد.
ويصدر الأمر من الخليفة الأموى بأن يتولى الحجاج أمر العراق والمشرق الإسلامى، ويسير إليها فى جيش من أهل الشام.
وكان الحجاج شديدًا عنيفًا، فراح يواجه عدة ثورات كانت إحداها بقيادة "عبد الرحمن بن الأشعث".
وتدور معارك شرسة مثل "دير الجماجم" بين الجيش الأموى وبين جيش ابن الأشعث، يتبادل فيها الفريقان النصر والهزيمة، وتستمر سجالا بينهما فى أكثر من ثمانين موقعة، تدور الدائرة بعدها على ابن الأشعث، فيهرب إلى بلاد الهند. ولكن الحجاج يرسل من يلاحقه ويتابعه حتى يأتى إليه برأسه فى الكوفة.
وهكذا استطاع الحجاج إخضاع بلاد العراق وما والاها من بلاد المشرق لسلطان عبد الملك بن مروان، وبهذا توطدت دعائم الدولة فى عهده، وانتشر الأمن فى البلاد، ويتفرغ عبد الملك لجانب من الإصلاح الداخلى، فيصدر أمره بصك الدنانير الإسلامية، عليها شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله بسم الله، فكان أول من ضرب الدنانير والدراهم الإسلامية، لتحمل محل العملة البيزنطية فيتحقق للدولة استقلالها المالى والاقتصادى.
وأصدر أمره بجعل اللغة العربية هى اللغة الرسمية التى تكتب بها الدواوين فى أرجاء الدولة، وينفذ ابنه عبد الله بن عبدالملك بن مروان والى مصر هذه التعليمات؛ حيث كانت مصر ما تزال تكتب باللغة القبطية، بما أدى إلى انتشار اللغة العربية لغة القرآن والحديث، فهى بلا شك إحدى المقومات الأساسية للدولة الإسلامية.
وسوف تظل هذا الخطوة الرائدة صفحة مضيئة يسجلها التاريخ لعبد الملك بن مروان على مر الزمان.
الفتوحات الإسلامية فى عهد عبدالملك:
وبعد أن استقرت الدولة فى الداخل، وتم القضاء على الفتن والثورات، راح عبد الملك يواصل ما بدأه السابقون من الفتوحات، ويعمل على تأمين الحدود التى تعرضت للإغارة والمهاجمة والاستيلاء على بعضها من جانب الروم، منذ أن أصدر معاوية أمره إلى الجيش الذى كان يحاصر القسطنطينية بالعودة إلى البلاد، وتمكن عبد الملك من استرداد الثغور الإسلامية، وإخضاع أرمينية، وسواحل سورية، وكثير من الثغور الإسلامية، وفَتْح عدد من حصون الروم منها: "مرعش" و"عمورية" و"أنطاكية"، وأظهر للروم أن الدولة الإسلامية باقية، وأنها لم تضعف ولم تهن!
وما كاد عام 62هـ/682م يأتى حتى صدر الأمر بأن يتولى "عقبة بن نافع" إفريقية للمرة الثانية؛ ليواصل حروبه وفتوحاته، ويتمكن من فتح الجزائر، ويتوغل نحو بلاد "السوس" فى المغرب الأقصى.
وكان عقبة فى عهد معاوية قد انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها واختار "القيروان" قاعدة له، ولكن بعد الانتهاء من بناء القيروان صدر قرار بتعديل القيادة العليا بالميدان الإفريقى سنة 55هـ/ 675م.
فقد استعمل معاوية بن أبى سفيان مسلمة بن مخلد على مصر وإفريقية، فاستعمل مسلمة على إفريقية مولى له يقال له "أبو المهاجر" فلما وصلها عزل عقبة.
وكان معاوية يهدف من ذلك إلى مواجهة الإمبراطورية البيزنطية صاحبة السيادة إذ ذاك على شمال إفريقية، ومحاولاتها إيقاف الزحف الإسلامى المنتظر من القيروان.
واستطاع "أبو المهاجر دينار" أن يفسد خطط البيزنطيين باكتساب البربر إليه، ونشر الإسلام بينهم.
وتجلّى نجاح هذا القائد حين اكتسب إلى صفوفه زعيم قبيلة البربر وهو "كسيلة" فدعاه إلى الإسلام، فأسلم وترتب على ذلك انتشار الإسلام بين كثير من البربر، فراحوا يتفهمون حقيقة الإسلام، ويقبلون عليه، وراح الفتح الإسلامى فى شمال إفريقية يمتد وينتشر.
ولكن الفتوحات الإسلامية تتعرض لأول نكسة خطيرة لها لعدم معرفة نتيجة السلطة المركزية فى "دمشق" بالتطورات التى طرأت على السياسة البيزنطية فى تلك البلاد، فعندما أعادت السلطات "عقبة بن نافع" سنة 62هـ/682م إلى القيادة العليا للميدان الإفريقى، ووصل إلى "القيروان" قاعدته الحربية التى أنشأها من قبل، انطلق منها لممارسة المهمة التى عين ثانية من أجلها، بل إن عقبة لما عاد إلى ولاية إفريقية جازى المهاجر عما فعله به عندما عزله سنة 55هـ، فقبض عليه وأوثقه فى الحديد، وخرج به مكبلا فى زحف خاطف، وصل به إلى ساحل المحيط الأطلسى، وعند ذلك النهر الذى تقوم عليه مدينة مراكش اليوم أدخل عقبة ابن نافع فرسه فى المحيط وراح يرفع رأسه فى عزة المؤمن، وتواضع المعترف بفضل الله عليه قائلا: "اللهم فاشهد أنى لو كنتُ أعلم وراء هذا البحر أرضًا لخضته غازيًا فى سبيلك".
لكن عقبة فاته أن يستمع إلى أبى المهاجر ونصائحه حول البيزنطيين وسياستهم، ولجوئهم إلى أسلوب الغدر والخديعة والمكر والخيانة، فقد انتظروا حتى عاد قاصدًا القيروان، وكان يسير فى مؤخرة جيشه، وأعدوا له كمينًا وهو فى طريق العودة بالتعاون مع كسيلة -الزعيم البربرى- الذى تحالف مع الروم، وادعى أن عقبة قد عزم على تأديب البربر؛ لأنه أساء الظن فى حقيقة إسلامهم.
والتقى الجميع فى معركة "تهوذة" عام 63هـ/ 683م، وأحاطت قوات البزنطيين بعقبة بن نافع وراح "أبو المهاجر" يدافع عنه دفاع الأبطال ولكنهم تمكنوا من قتله، واستشهد عقبة ولحق بالرفيق الأعلى.
وبعثت الخلافة الأموية بجيوش جرارة على رأسها قائد من خيرة قادتها هو "حسان بن النعمان" الذى عمل على تحرير شمال إفريقية تمامًا من البيزنطيين، والقضاء على أساليبهم الغادرة.
دخل حسان القيروان سنة 74هـ / 694م، وبادر بالزحف على "قرطاجنة"، وهى أكبر قاعدة للبيزنطيين فى إفريقية "تونس الحالية" ودمرها تمامًا، ثم طارد فلول الروم والبربر، وهزمهم فى "صطفورة" و"بنزرت" ولم يترك حسان موضعًا من بلادهم إلا دخله بجنوده، ثم عاد "حسان" إلى القيروان، فأقام بها حتى استراح الجيش وضمدت جراح المصابين.
واضطر حسان إلى اتخاذ مراكزه فى "برقة" حتى جاءته الإمدادات من مصر سنة 81هـ/ 700م، فخرج بالجيوش لملاقاة جيوش البربر بقيادة امرأة منهم تدعى الكاهنة، واستطاع الانتصار على البربر، وأعاد القيروان إلى حضن الإمبراطورية الإسلامية.
وأخذ حسان يعمل بعد ذلك على تدعيم الفتوحات الإسلامية بشمال إفريقية، فأسس قاعدة بحرية إسلامية باسم "تونس".
واستعان بعمال مصر وخبرتهم فى بناء تلك القاعدة، ثم أقبل حسان على إفساد خطط البيزنطيين، وراح يعمل للقضاء على مكرهم وألاعيبهم. فحبب الإسلام وزينه فى قلوب أبناء الكاهنة، ثم قربهم إليه، وجعلهم فى الرئاسة العليا على أبناء قبيلتهم، مبينًا لهم أن العزة لله ولرسوله وللمسلمين، وأن الإسلام يستهدف عزة أبناء إفريقية وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وهكذا عادت إفريقية إلى الإسلام والمسلمين.
وعلى الجانب الآخر، فى خراسان، تابع "المهلب بن أبى صُفرة" أمر الفتوح فى تلك البلاد بعد أن أسند إليه الحجاج ولايتها!
لقد فتح خُجَنْدة وغزا "كَشّ" سنة 80هـ/699م، واتخذها مركز القيادة، وأرسل منها أولاده لغزو كثير من البلاد، لكنه مات فى شهر ذى الحجة على مقربة من "مرو" وتولى ابنه يزيد بعد أبيه، فاستهل عهده بغزو "خوارزم".
ويأتى عام 85هـ فيتولى "المفضل بن أبى صفرة" أمر خراسان ويفتح "باذغيش" و"أخرون" "وشومان"، لكن الحجاج سعى بآل المهلب لدى عبد الملك حتى لا يولى منهم أحدًا، واتهمهم بأنهم كانوا من أتباع عبد الله بن الزبير، وأشار على "عبد الملك" بأن يولى قتيبة بن مسلم الباهلى على خراسان، وهو من باهلة التى تنتمى إلى قيس، وبذلك يستطيع أن يجذب إليه القيسيين فى خراسان.
ووصل قتيبة بن مسلم إلى "مرو" فى نهاية سنة 85هـ/704م.
ولكنه لم يكد يستقر فى خراسان حتى وصلت الأنباء فى سنة 86هـ/705م بوفاة الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله رحمة واسعة.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:34 AM
خلافة الوليد بن عبدالملك
(86 - 96 هـ/705- 714م )
توفى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان سنة 86هـ/ 705م وخلفه ابنه الوليد، وكان أبوه قد عهد إليه بالخلافة، وبويع له بها يوم وفاة أبيه.
وكان عهده، عهد فتح ويسر وخير للمسلمين، لقد اتسعت فى أيامه رقعة الدولة الأموية شرقًا وغربًا، فعندما تولى الوليد الحكم استعمل عمه عبد الله بن مروان على إفريقية، فعزل حسانًا واستعمل بدلا منه موسى بن نصير عام 89هـ، فكان شديدًا وصارمًا على البربر الذين طمعوا فى إفريقية بعد مسير حسان عنها فوجه إليهم ابنه عبد الله، فقَتل وسبى منهم خلقًا كثيرًا، وتوجه إلى جزيرة "مايوركا"، فاقتحمها وسبى أهلها، وتوجه إلى طائفة أخرى من البربر، فأكثر فيهم القتل والسبى، حتى بلغ الخمس "ستين ألفًا من السبى"، فلم يكن سبى أعظم منه، ثم خرج غازيًا طنجة يريد من بها من البربر، فانهزموا خوفًا منه، فتبعهم وقتلهم، واستأمن من بقى منهم، ودخلوا فى طاعته، وترك عليهم وعلى طنجة مولاه "طارق بن زياد" وأبقى معه جيشًا أكثره من البربر، وترك معهم من يعلمهم القرآن والفرائض، حينئذ لم يبق له فى إفريقية من ينازعه.
ورأى الوليد أن أهم ما يجب عمله تقوية الأسطول الإسلامى وضرب قواعد البيزنطيين فى صقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط المقابلة لإفريقية، لكى يدعم هذا الوضع المستقر للمسلمين فى الشمال الإفريقى الذى أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية.
لقد دخلت الفتوح الأموية فى شمال إفريقية مرحلتها الختامية سنة 89 هـ/ 708م بتولى إمارة القيروان موسى بن نصير خلفًا لحسان بن النعمان.
فلقد أجاد التنسيق بين الأساطيل الإسلامية فى غرب البحر المتوسط، وبين قواته البرية، وفتح الأجزاء النائية، كما رأينا، وهى التى تعرف باسم المغرب الأقصى، وطرد البيزنطيين من قواعدهم البحرية القريبة من سواحل إفريقية "تونس"، وعندئذ أصبح شمال إفريقية الجناح الأيسر للدولة الإسلامية فى عهد الأمويين، وأصبح أهلها دعاة للإسلام يسهمون فى نشره فيما جاورهم من بلاد.
وقد عهد موسى بن نصير إلى طارق بن زياد بالقيادة العليا للقوات الإسلامية، وهو من أبناء البربر المسلمين فى مدينة "طنجة".
وجاءت هذه الخطوة من جانب موسى بن نصير، دليلا على سمو وعلو مبدأ المساواة فى الإسلام، فقد رأى البربر أن أحد أبناء إحدى القبائل البربرية صار القائد العام لجبهة المغرب الأقصى.
وكان من نتيجة هذا العمل أن أتاح للدين الإسلامى الحنيف دماء جديدة هيأت له الانطلاق إلى فتح الأندلس، ونشر نوره على أرجاء هامة من غرب أوربا.
فتح الأندلس:
نحن الآن فى سنة 91هـ / 710م؛ حيث استشار موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبد الملك، فى فتح الأندلس "أسبانيا"، وعلى أثر الموافقة أرسل موسى سرية استطلاعية بقيادة طريف بن مالك، وكان من البربر، فشن غارة على جنوب أسبانيا، ومعه أربعمائة مقاتل ومائة فرس.
واستطاع أن يتوغل بهم فى الجزيرة الخضراء، ويعود إلى ساحل إفريقية حاملا الكثير من الغنائم، وكان ذلك فى رمضان سنة 91هـ/710م، وقد تأكد له قصور وسائل الدفاع فى أسبانيا بل انعدامها.
ولقد شجع نجاح طريف فى تلك الغزوة القائد الأعلى موسى ابن نصير على التقدم لفتح الأندلس (أسبانيا)، ووقع اختياره على والى طنجة وقائد جيشه طارق بن زياد ليتولى مهمة هذا الفتح العظيم.
وفى شهر رجب من سنة 92هـ/711م قام طارق بن زياد ومعه جيش مكون من سبعة آلاف مقاتل بعبور المضيق الذى عرف باسمه، ونجحت عملية العبور، واحتل المسلمون الجبل بكامله.
لقد جمع طارق قواته بعد العبور عند هذه الصخرة من جنوب البلاد وهى التى نسبت إليه وعرفت باسم "جبل طارق"، وها هو ذا يندفع بقواته كالسهم، لا يقف فى طريقه شىء، ولقد حاول ملك أسبانيا "لذريق" أن يوقف هذا الزحف بجيش جرار قوامه مائة ألف، ولكن طارق بن زياد كان قد طلب المدد من قائده موسى بن نصير فأمده بخمسة آلاف حتى أصبح عدد جنده اثنى عشر ألفًا.
واندفع طارق بكل إيمان زاحفًا على القوط -حكام شبه جزيرة أسبانيا-، وأنزل بهم هزيمة فادحة فى موقعة رمضانية على نهر لكة "وادى لكة" بمقاطعة "شَذُونة"، وراح يواصل فتوحاته بعد أن قتل "لذريق"، فأوقع بالقوط الهزيمة الثانية عند مدينة "إِسْتِجَة"، فألقى الله الرعب فى قلوب أعدائه، ففزعوا منه فزعًا شديدًا، وظنوا أنه سيفعل بهم فعل سلفه "طريف بن مالك"، وكان طريف قد أوهمهم أنه سيأكلهم، هو ومن معه، فهربوا منه إلى طليطلة.
يا إلهى إن النصر من عندك، هذه الراية الظافرة تتقدم، وتتوغل، ومدن أسبانيا تتهاوى واحدة بعد الأخرى فى يد المسلمين.
وها هم أولاء جنود الإسلام ينتشرون؛ حيث قرر طارق وهو فى مدينة إستجة أن يفرق جيشه ويوجهه إلى جهات شتى، فهذه شعبة تتوجه إلى "قرطبة"، فتدخلها وتستولى عليها، وتلك شعبة من الجيش وصلت إلى مدينة "غرناطة"، فدخلتها وملكتها، وشعبة من الجيش تقتحم مدينة "تُدْمِير" فيضطر أهلها إلى مصالحتها، وسار طارق ومعه معظم الجيش إلى مدينة "جيان" يريد "طليطلة" فهرب أهلها وتركوا له المدينة خالية.
ويواصل المنتصرون متابعة الفلول المنهزمة، وملاحقتهم حتى "جِلِّيقية" فى أقصى الشمال الغربى من الأندلس، ثم عاد من هناك، وعادت جيوشه إلى "طليطلة" فى سنة 93هـ/712م، وهنا خشى "موسى بن نصير" أن تقطع على الجيش الإسلامى خطوط المواصلات، ويحال بينه وبين قواعده التى انطلق منها، ويقوم العدو بالانقضاض عليه ومحاصرته، والقضاء عليه، فيسرع بإصدار أوامره إلى طارق أن ينتظره فى "طليطلة" حتى يسعى إليه بنفسه هو، ويؤمن خطوطه الخلفية ويلحق به.
وعَبرَ موسى بقواته إلى الأندلس، مستهدفًا تطهير الجيوب التى خلفها طارق وراءه، من هنا كان على موسى أن يقوم بتأمين مؤخرة الجيش الفاتح، فافتتح مدنًا وحصونًا كان بقاؤها بين الأسبان خطرًا على الوجود الإسلامى الجديد بشبه الجزيرة حتى وصل إلى "طليطة"، وهناك التقى بجيش طارق بن زياد، وقد استغرق ذلك من موسى جهدًا ووقتًا حتى وصل إليه، وهناك فى "طليطلة" التقى القائدان طارق وموسى، وراحا ينسقان الفتوح الباقية ببلاد الأندلس فيما بينهما.
وسارا معًا حتى بلغا "سرقسطة" على نهر "الإبرو"، ومن هناك سار طارق إلى الشمال حتى بلغ جبال "ألبرت" أى الأبواب، وهى التى تسمى اليوم جبال البرانس ووقف على أبواب فرنسا. وكان ذلك فتحًا عظيمًا، أن ترفرف راية الإسلام، وتقف على أبواب فرنسا فى أقل من مائة عام من هجرة الرسول (!
وبينما كان طارق بن زياد يقف على أبواب "فرنسا"، كان موسى يتجه غربًا حتى دخل ذلك الإقليم الذى يطل على خليج "بسكاية" ويسمى "أشتوريس" وانتهى بفتوحاته أخيرًا على ساحل "بسكاية" واستدعى الخليفة الوليد كلا من موسى وطارق إلى دمشق سنة 95هـ/714م، ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن موسى بن نصير قد أرسل الأسطول الإسلامى لفتح جزيرة "سردينيا" فافتتحوها عنوة، وعادوا بالسبايا والغنائم سنة 92هـ.
وتابع ولاة الأندلس من بعد موسى الفتوح، فقام ابنه عبد العزيز باستكمال فتح شرق الأندلس وغربه، وجعل عاصمته فى مدينة "إشبيلية".
فتح بلاد ما وراء النهر:
وننتقل من جبهة إلى جبهة لنتابع تقدم الراية الظافرة فى أرجاء الأرض، وإذا كنا قد تركناها، وهى ترفرف على أبواب "فرنسا" فها نحن نعود لمتابعتها وهى ترفرف على أبواب "الصين"، كل ذلك كان فى عهد الوليد بن عبد الملك الذى كان عهده خيرًا وبركة على الإسلام والمسلمين.
فعندما تولى "قتيبة بن مسلم" خراسان سنة 86هـ/ 705م، اتخذ من "مرو" قاعدة له، تم فتح بلاد النهر -المعروف بنهر جيحون- ودخل المسلمون بلادًا عديدة، سرعان مادخلت فى دين الإسلام ودافعت عنه مثل "الصَّفَد" و"طخارستان" و"الشاش" و"فَرْغَانة" فى نحو عشر سنين.
وأخيرًا، أنهى أعماله الحربية بفتح "كاشغر" فى "التركستان" الصينية سنة 96هـ/ 715م، وصارت الدولة الإسلامية بذلك تجاور حدود الصين.
فتح الهند:
لقد فتح المسلمون بلاد "فارس" و "خراسان" و"سجستان"، وكانت غايتهم نشر الإسلام، وحماية الحدود الجنوبية للدولة الإسلامية؛ ولم يبق إلا الهند.
وفى عهد الوليد بن عبد الملك كلف الحجاج بن يوسف الثقفى الشاب المسلم: "محمد بن القاسم" مهمة غزو بلاد الهند، وسار محمد بن القاسم إلى الهند سنة 89هـ/ 708م وفتح ثغر الديبل (إحدى مدن الساحل الغربى للهند)، ثم سار عنه وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر النهر، فصالحه أهل "سربيدس" وفتح "سهبان"، ثم سار إلى لقاء "داهر" ملك السند والهند، وكان لقاء فريدًا. إن "دَاهِر" وجنوده يقاتلون على ظهور الفيلة، والفيلة عندما تستثار تكتسح كل ما أمامها وتدوسه.
ودارت معركة حامية كتب الله فيها النصر لراية الإسلام، وهزم "محمد بن القاسم" الملك "داهر" وقتله، وراح محمد بن القاسم يتقدم، ويمد فتوحاته فى كافة أرجاء بلاد السند، حتى وصل إلى "الملتان" ودخلها وغنم منها مغانم كثيرة.
ولقى الوليد بن عبد الملك ربه سنة 96هـ/ 715م بعد أن رفعت راية الإسلام فى عهده على حدود فرنسا والصين وفى خراسان وسجستان والسند، وبلاد الهند.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:36 AM
خلافة سليمان بن عبدالملك
(96 - 99هـ/ 714- 717م )
لم تطل خلافة سليمان بن عبد الملك كثيرًا، فأوصى بالخلافة من بعده "لعمر بن عبد العزيز"، ابن عمه بدلا من ابنه أيوب لما عرف فيه من ورع وعدل.



خلافة عمر بن عبد العزيز
(99 -101 هـ/ 717- 719م )
ورأى الخليفة الجديد سحب "الحملة الثالثة" من على أبواب القسطنطينية بعد أن استمرت اثنى عشر شهرًًا تحقق فيها إذلال "إمبراطورية الروم" التى كانت مصدر خطر على الدولة الإسلامية، وشل نشاطها الحربى المعادى للدولة الإسلامية، وعادت الحملة الأموية الثالثة والأخيرة فى نهاية سنة 99هـ/ 718م.
وتفرغ عمر لإقامة الحق والعدل وإشاعة الخير والسلام فى ربوع البلاد الإسلامية، راح يرفع المظالم عن الناس، ويعمل على إنصاف كل من ظلم فى عهود سابقيه من بنى أمية، وتعويض كل من حرم، ويعيد عهد جده "عمر بن الخطاب" الخليفة العادل الذى ملأ الدنيا عدلا، وراح يتشبه به فى زهده، وتقشفه، وإيمانه بالله، وتمسكه بكتابه، وسنة رسوله (.
لقد راح يحض الناس على مكارم الأخلاق، ويفرض العقاب الصارم على أى عدوان مهما صغر وحقر؛ ليقطع دابر الفساد، ويعيد الأمن والأمان إلى ربوع البلاد.
وامتد عدله إلى الأطراف البعيدة، وشمل أهل البلاد المفتوحة من غير المسلمين، الذين لهم عقد ذمة، وعهد مصالحة ؛ فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
لقد رفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، وخفف الضرائب عن عامة المسلمين، وأصدر أمره بأن يوقف تحصيل خراج الأرض من المصريين لمدة عام تعويضًا لهم عما زيد عليهم فى أعوام سبقت.
ورأى أن المؤلفة قلوبهم قد استغنى الإسلام عنهم، وراح يرفع الأعباء عن أهل العراق وخراسان والسند التى كان الحجاج وأتباعه قد فرضوها على بعض من اعتنقوا الإسلام.
وراح يشجع أهل البلاد المفتوحة على قبول الإسلام والانضواء تحت لوائه، وتحبيبه إليهم بكل الوسائل، لقد هدأت أعصاب الناس، وراحوا جميعًا يفكرون فى الخير حتى الخوارج فى العراق والمشرق وإفريقية أقلعوا عن حركاتهم الثورية، وأرسلوا لـ "عمر" من يناظره فأفسحوا المجال للحجة والدليل بدل السيف والحرب.
لقد كانت فترة خلافته هى فترة التقاط الأنفاس، ولم الشمل، وجمع الكلمة، والدفع بالتى هى أحسن، إنه لم يكن يود توسيع رقعة الدولة أكثر مما وصلت إليه، وحسبه أن يعمل على تدعيمها وتوطيدها، وقد فعل وتحقق له ما أراد.
وتوفى -رحمه الله- فى رجب من سنة 101هـ/ 720م، وكانت هذه الفترة القصيرة من خلافته نقطة مضيئة فى دولة بنى أمية، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:37 AM
خلافة يزيد بن عبد الملك
( 101 - 105 هـ/ 719- 723م )
تولى "يزيد بن عبد الملك بن مروان" الخلافة عقب وفاة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وظل فى الحكم خمس سنوات من سنة 101هـ/ 720م إلى سنة 105هـ/ 724م.
وإذا كانت قوة الخليفة ضرورية للدولة، فإن الدولة الإسلامية قد انتابها الضعف بعد أن تولى أمرها خلفاء ضعاف، هان على الأعداء أمرهم.
لقد انتشرت الفتن والاضطرابات فى الداخل، أما فى الخارج فقد كانت قبائل التركمان تضغط فى الشمال، بينما كان دعاة بنى العباس يسعون بنشاط فى تدبيرهم السرى لتقويض دعائم الحكم الأموى فى الشرق.
لقد أعلن "شوذب الخارجى" الثورة على الأمويين، وهزمهم فى عدة معارك، حتى استطاع "مسلمة بن عبد الملك" والى الكوفة القضاء عليه وعلى الخارجين على الدولة معه، وتشتيت شملهم.
ويخرج "يزيد بن المهلب بن أبى صفرة" على الخليفة مع الخارجين عليه، ويسير إلى "البصرة"، ثم يواصل السير إلى الكوفة، ولكن الخليفة "يزيد بن عبد الملك بن مروان" يرسل إليه أخاه "مسلمة" بجيش قوى يقضى على الفتنة، ويظفر به.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:38 AM
خلافة هشام بن عبدالملك
( 105 - 125 هـ/ 723- 742م )
ولا يطول الأجل بالخليفة "يزيد بن عبد الملك بن مروان" فيلقى ربه ويخلفه من بعده هشام بن عبد الملك ( 105 - 125هـ) (724 - 743م).
جاء هشام ليواجه "ثوارًا" و"خوارج" خلال حكمه الذى استمر قرابة عشرين سنة. ثار "الحارث بن سريج" بخراسان بتشجيع وتأييد من التركمان ( الأتراك ) على الخليفة هشام بسبب "الضرائب" التى فرضها على الموالى من الفرس، وبعض الولاة. وسرعان ما انضم إليه فى ثورته هذه خلق كثير من العرب وغيرهم.
وراح يستولى على المدن الواقعة على ضفاف "نهر سيحون". ويصدر الخليفة الأمر إلى "أسد بن عبد الله القسرى" بتولى أمر هذه البلاد، ومواجهة الخارجين.
وأخذ الحارث يتراجع أمام "أسد بن عبد الله" الذى أُمِرَ أن يطارده، ويسترد منه البلاد التى استولى عليها، فانسحب الحارث إلى "طخارستان" ومنها إلى بلاد "ما وراء النهر"؛ حيث انضم إلى الأتراك ضد الدولة الأموية، وكان من أمر الخارجين أيضا على الدولة فى عهد "هشام" بمواجهة "زيد بن على ابن الحسين" وأنصاره، ويقتل يوسف الثقفى والى العراق السابق الثائر.
وكان عهد هشام يعتبر حدّا فاصلا بين عهد ازدهار الدولة الأموية وعلو شأنها وبين عهد اضمحلالها، وانتشار العوامل الفتاكة فى جسمها، إن الخليفة "هشامًا" يمثل رابع الخلفاء الأمويين الأقوياء الكبار بعد "معاوية بن أبى سفيان" و" عبد الملك بن مروان" و"الوليد بن عبدالملك"، لقد استطاع أن يسير على نهجهم فى القبض على شئون الدولة بحزم وعزم وقوة، وأن يكبت جميع عوامل الفتن التى سبق أن أظهرت عداءها، وأطلت برأسها.
تُرى من يخلفه بعد أن قاد السفينة فى مجرى الأيام والأعوام لتصل إلى عام 125هـ/743.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:38 AM
سقوط الدولة الأموية
لقد خلف "هشام" أربعة من الخلفاء الأمويين عجزوا عن ممارسة السلطان، وأفلت منهم زمام الحزم، وأتاحوا الفرصة لعوامل الهدم والاضمحلال، فراحت الدولة الأموية تتهاوى وتسقط سنة 132هـ/750م.
وقد كان ظهور العباسيين فى هذه الفترة على مسرح الأحداث يمثل ضربة قاصمة أطاحت بالبيت الأموى عن عرش الخلافة الإسلامية.
فبعد وفاة الخليفة "هشام بن عبد الملك" بويع "الوليد بن يزيد" بالخلافة فى 6من ربيع الآخر سنة 125هـ/ 723م، وهو اليوم الذى توفى فيه هشام.
وقد كان "الوليد بن يزيد" النموذج الذى يمثل مساوئ نظام وراثة الخلافة، لم يكن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ابنًا لهشام بن عبد الملك بل ابن أخيه.
إن نظام الشورى يتيح للجميع وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب حتى يستريح ويريح.
ولكن "نظام الوراثة" يأتى لدولة الإسلام "بالوليد" الذى أشاع عنه خصومه أنه كان منهمكًا فى الملذات، مستخفّا بأمر الأمة، مشغولا باللهو، مجاهرًا بالمعاصى، وكان الإمام الزهرى يبغضه ويحث هشامًا على خلعه.
لقد اجتمع بعض أهل "دمشق" على خلعه وقتله لمجاهرته بالإثم، وكان ذلك فى جمادى الآخرة سنة 126هـ/ 744م، بعد أن قضى فى الخلافة سنة واحدة، وشهرين، وأيامًا، وكان الذى يقود الثورة عليه ابن عمه يزيد بن الوليد الذى وصفه أنصاره بأنه كان ورعًا تقيّا محافظًا على الدين راعيًا للإسلام والمسلمين، لكنه لم يَبْقَ فى الحكم إلا خمسة أشهر وعدة أيام حيث مات بالطاعون.
وبايع المسلمون بعده أخاه "إبراهيم بن الوليد" خلفًا له، لكنه لم يكد يتولى الأمر حتى سار إليه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ثائرًا للوليد بن يزيد.
لقد خلع "مروان" "إبراهيم" وهرب إبراهيم من دمشق، وظل أتباع مروان يلاحقونه حتى عثروا عليه وقتلوه، ولم يلبث فى الخلافة غير سبعين يومًا وقيل ثلاثة أشهر.
وتولى "مروان" الخلافة فى صفر سنة 127هـ/ 745م، ليشهد عهدًا من الفتن والاضطرابات.
وفى عهده اضطربت الأمور فى البلاد، وخرج البعض على الطاعة، وانتهز العباسيون هذا التفكك، والتصدع فراحوا يعملون على إسقاط دولة بنى أمية لتقوم مكانها دولة العباسيين.
لقد حمل لواء الدعوة للعباسيين أبو مسلم الخراسانى، واستطاع الاستيلاء على "خراسان" ووطد سلطانه فيها.
وفى الثالث من شهر ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م، استولى أبو مسلم على "نيسابور" وراح يعلن الدعوة لأبى العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس، فماذا فعل مروان؟ وكيف واجه هذا التيار الزاحف ؟ لقد أعد جيشًا للقضاء على العباسيين، وكان اللقاء على "نهر الزاب" ولكن دارت الدائرة على مروان وجيشه، ففر هاربًا إلى مصر.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل دارت معركة أخيرة حاسمة، لقد لاحقه العباسيون وطاردوه، ودارت معركة أخيرة بينه وبينهم على ضفة النيل الغربى عند بلدة "بوصير"، وقُتِلَ مروان، وبمقتله انتهت دولة الأمويين التى استمرت قرابة إحدى وتسعين سنة ليشهد العالم مولد دولة جديدة تحمل راية الإسلام هى دولة بنى العباس.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:43 AM
فتوحات الأمويين :
وصلت فتوحات المسلمين إلى الصين شرقاً وإلى ما وراء جبال البيرينية غرباً، فبلغ أقصى مداه في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي حكم أوسع رقعة، ومعه ارتسمت حدود الامبراطورية العربية.

الدولة الرومانية الشرقية :

اتجهت أنظار المسلمين نحو الشمال والغرب حيث الدولة الرومانية الشرقية التي كانت تغير على المناطق الخاضعة لسلطان المسلمين .. فرتب معاوية الغزو إليها براً وبحراً ، وجهز أسطولاً بلغ عدده 1700 سفينة وفتح عدة جهات كجزيرة رودس وبعض الجزر اليونانية الأخرى، كما أكثر براً من الصوائف والشواتي - حملات الصيف والشتاء - وفي سنة 84 هـ حاصر القسطنطينية براً وبحراً، ولكنه لم يستطع فتحها لمتانة أسوارها ومنعة موقعها، ولفتك النار الإغريقية بسفن المسلمين.

الحصار الثاني للقسطنطينية :

في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك حاول المسلمون فتح القسطنطينية مرة ثانية ، وشرع في تجهيز الحملة للإستيلاء عليها، ولكنه توفي قبل تحقيق هدفه .. فلما تولى سليمان الخلافة أنفذ الجيوش البرية والأساطيل البحرية لفتح المدينة .. وقد دافع أنستسياس الثاني امبراطور الروم عن عاصمته بكل ما أوتي من قوة ، وأرسل إلى الثغور حملة لتحول دون وصول المؤن والامدادات إلى جند المسلمين .. ثم انضم إلى جيش المسلمين في آسيا الصغرى ليو الأزوري البيزنطي ، وكان يطمع في الملك .. فأخذ المسلمون يستولون على بلاد آسيا الصغرى مدينة تلو أخرى ، حتى عبروا البحر ووصلوا إلى أسوار العاصمة .. وتبعهم أسطول المسلمين من الثغور الشامية والمصرية واشترك في حصار المدينة .. وقد اضطر أهل القسطنطينية، إزاء هذا الخطر الداهم، إلى خلع الأمبراطور أنستسياس وتولية (ليو) الذي استطاع بفضل معاونة الشعب له، من استدراج سفن المسلمين، ففتكت بها النار الاغريقية، ونفذت أقواتهم .. وقد تحمل المسلمون آلام الجوع والمرض حتى فني جلهم، بعد أن دمرت أكثر سفنهم .. وهكذا أخفقت الحملة الثانية كما أخفقت الحملة الأولى.

فتح شمالي أفريقيا :

في سنة 50 هـ أرسل معاوية إلى عقبة بن نافع، وكان يقيم ببرقة، عشرة آلاف جندي، فدخل أفريقيا وتمكن من فتحها، وأسلم على يديه كثير من البربر، وقد عمل العرب على إدخالهم في جيوشهم، إذا تسنى لهم بذلك أن يجتذبوهم إلى الإسلام الذي امتد ووصل إلى بلاد السودان .. وقد كون البربر نواة الجيوش التي أتمت فتح بلاد المغرب تحت أمرة قواد من العرب والبربر .. وقد أصبح عقبة بن نافع والياً على أفريقيا بعد أن كانت تابعة لوالي مصر .. وقد رأى عقبة على أثر انتصاره على البربر، أن يتخذ مدينة يقيم بها عسكر المسلمين وأهلهم وأموالهم ليأمن ثورة أهل البلاد، فقصد موضع القيروان، وأمر ببناء هذه المدينة، كما بنى فيها المسجد الجامع.

فتح بلاد ما وراء النهر :

انتشر الإسلام في خلافة الوليد بن عبد الملك، مما أمكنه من إعادة عهد الفتوح التي تمت في عهد خلفاءه السابقين ، فاتسعت رقعة أملاكه في المشرق والمغرب .. أما فتوحاته في المشرق فكان الفضل فيها لقائده قتيبة بن مسلم الباهلي الذي ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي منطقة خراسان سنة 68 هـ. فخرج منها إلى بلخ، فقابله أهلها وعظماؤها وتبعوهم، ثم عبر نهر جيحون وقابل ملك الصغاينان وأهدى إليه كثيراً من الهدايا، وقد سلم إليه الملك بلاده .. وفي سنة 78 هـ غزا قتيبة بيكند، وهي بلدة تقع بين بخارى وجيحون، وأغار على الصغد وقاتل أهلها وهزمهم، ثم عقد معهم صلحاً وولى عليهم والياً من قبله ما لبثوا أن غدروا به وقتلوه .. فرجع إليهم قتيبة وفتح المدينة عنوة، وواصل فتوحاته إلى أن دخل بخارى وألزم أهلها أن يمدوه بقوة إضافية من الجيوش المحلية تتراوح عددها بين عشرة آلاف وعشرين ألف رجل، ساعدته على إكمال فتوحاته.

وفي سنة 93 هـ فتح قتيبة مدن خوارزم صلحاً ، ثم فتح سمرقند بعد قتال شديد .. وبفتح سمرقند وطد قتيبة مركزه في بلاد ما وراء النهر .. ولم يكتف قتيبة بما أحرزه من نصر، بل نراه يقرر مد حدود الدولة العربية إلى أواسط آسيا، فعبر نهر جيحون متوجهاً شطر بخارى وانتصر على الجيوش التي قابلته، ثم قصد فرغانه، وهي إقليم متاخم لبلاد تركستان ومن مدنها جخنده، فلقي هناك مقاومة تذكر، غير أنه أحرز نصراً مبيناً ثم فتح كاشان عاصمة فرغانة .. وفي أثناء إقامته بها جاءه كتاب الوليد بن عبد الملك ويقول فيه : ( قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجدك واجتهادك في جهاد أعداء المسلمين، وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الذي يجب لك ، فأتم مغازيك وانتظر ثواب ربك ) .. عند دخوله سمرقند وجد قتيبة كثيراً من الأصنام، وكان عبادها يعتقدون أن كل من اعتدى عليها مات لساعته، فقام قتيبة بإحراقها ومحا هذه الخرافة من معتقدات القوم بعد أن سيطرت عليهم أحقاباً من السنين.

محاولة فتح بلاد الصين :

لم تكن الصين مجهولة لدى العرب، فالصلات التجارية كانت قائمة بين العرب والصين قديماً ، فكانت حاصلات الشرق التي تتلقاها بلاد الشام وموانئ المتوسط تمر بنسبة كبيرة عن طريق بلاد العرب .. وعندما توفي يزدجرد آخر ملوك آل ساسان في فارس استنجد ابنه فيروز بالصين لتنصره على العرب وتعاونه في استعادة ملكه غير أن امبراطور الصين اكتفى بإرسال مبعوث من قبله ليدافع عن ضية الأمير الهارب.

في سنة 96هـ سار القائد العربي المشهور قتيبة بن مسلم على رأس جيش كثيف إلى حدود الصين .. وبينما هو في طريقه إليها جاءه نبأ وفاة الوليد بن عبد الملك ، فلم يثنه ذلك عن مواصلة الغزو، بل تابع سيره حتى اقترب من الصين .. فأرسل إلى ملكها وفداً برئاسة هبيرة بن المشمرج الكلابي، ودارت بينه وبينهم عدة مراسلات انتهت بأن قدم امبراطور الصين الجزية للعرب .. كما قدم للمبعوث صحافاً من ذهب بها تراب من الصين ليطأها قتيبة ، حتى يبر بحلفه الذي قطعه ، وهو أن لا ينصرف عن الصين حتى يطأ ترابها .. على أن العلاقات بين العرب والصين اكتسبت أهمية عظيمة أبان حكم هشام بن عبد الملك الذي أرسل سفيراً له يدعى سليمان إلى الأمبراطور (هزوان تسنغ).

فتح بلاد السند :

ترجع حملات المسلمين على بلاد الهند إلى عهد بعيد، فقد أرسلوا أولى حملاتهم إليها بعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه بخمس عشرة سنة، ومن ثم أخذ سيل العرب يتدفق على هذه البلاد من ناحية الشمال الغربي، واستقر بعض العرب في البلاد التي كانوا يفتحوها، وكونوا بها ممالك كان لها أثر كبير في تقدم الحضارة الإسلامية .. وفي عهد معاوية غزا المهلب بن أبي صفرة بلاد السند سنة 44 هـ، وامتدت فتوح المسلمين في هذه البلاد فشملت البوفان والقيقان والديبل .. ولما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة، عهد الحجاج بن يوسف الثقفي إلى محمد بن قاسم بغزو بلاد الهند، فسار إليها سنة 98 هـ وحاصر ثغر الديبل وفتحه عنوة وبنى به مسجداً، ثم سار إلى بيرون فاستقبله أهلها استقبالاً حسناً وأدخلوه مدينتهم وعقدوا معه صلحاً.

واصل محمد بن القاسم فتوحه في هذه البلاد، حتى بلغ نهر السند، والتقى داهر ملك السند، وكان هو وجنده يقاتلون على ظهور الفيلة، فاقتتلا قتالاً شديداً انتهى بقتل داهر وهزيمة أصحابه .. وبذلك استطاع محمد بن القاسم أن يمد فتوحه في أرجاء بلاد السند كلها. ثم تابع فتوحه حتى وصل الملتان ودخلها، والمولتان أو الملتان مركز مشهور للحجاج من الهنود في جنوب بلاد البنجاب .. وكان فيه صنم يعظمه الهنود، ويقدمون له أموالاً كثيرة كل عام، تنفق على بيت الصنم والمعنكفين عليه ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى ملوك الهند وأمرائها يدعوهم إلى الإسلام، ووعدهم بأن يقرهم على ما بأيديهم، فأسلم كثير منهم وتسموا بأسماء عربية .. وكانت سيرة الخليفة عمر بن عبد العزيز وورعه وتقواه من الدوافع التي حملت هؤلاء الملوك على اعتناق الدين الإسلامي، كما قام عمر بن مسلم الباهلي، عامل الخليفة بغزو بلاد الهند، غير أن المسلمين خرجوا من الهند في عهد هشام بن عبد الملك ولجأوا إلى مدينة بناها ابن عوانة الكلبي وسماها (المحفوظه)، وتقع وراء البحيرة مما يلي الهند.

فتح شمالي أفريقيا :

تقلد موسى بن نصير ولاية أفريقيا من قبل الوليد بن عبد الملك سنة 88 هـ فخرج من مصر على رأس جيش قاصداً أفريقيا (تونس) فلما بلغها ضم إليه جيشاً آخر جعل مقدمته مولاه طارق بن زياد ثم أخذ موسى يقاتل البربر ويبسط نفوذ الأمويين وينشر الإسلام في أرجاء بلاد المغرب، حتى بلغ طنجة فحاصرها حتى سلمت وأسلم أهلها، وقلد طارقاً ولايتها وكان الشقاق بين جوليان حاكم سبتة ولذريق ملك أسبانيا قائماً .. وقد ساعد هذا الخلاف العرب وفتح لهم الباب واسعاً وذلك لهم سبيل غزو الأندلس .. وقد زار جوليان موسى بن نصير وحثه على غزو الأندلس، رغبة منه في التخلص من لذريق، ووصف لموسى بن نصير جمال الأندلس وما جمعت من شتى المنافع، وطيب المزارع، وكثرة الثمار، وغزارة المياه وعذوبتها، مما حمل موسى على التفكير جدياً بغزو الأندلس.

فتح بلاد الأندلس :

استأذن موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبدالملك في فتح بلاد الأندلس، فأذن له على أن يختبر البلاد أولاً بجيش قليل العدد .. فأرسل موسى طريف بن مالك، وكان بربرياً ، في سنة 91 هـ على رأس خمسمائة مقاتل .. فعبر بهم البحر في سفن جوليان، وغزا بعض الثغور الأندلسية الجنوبية بمساعدة جوليان، وعاد محملاً بالغنائم، كما تحقق من ضعف وسائل الدفاع عن الأسبان .. ثم أرسل موسى طارق بن زياد، قائد جيشه، في شهر شعبان سنة 92 هـ (711م) فعبر طارق المضيق مع سبعة آلاف من المسلمين جلهم من البربر وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء، عند صخرة الأسد التى حملت اسم طارق إلى اليوم.

لما علم الملك لذريق بنزول العرب أرض أسبانيا، جمع جيشاً جراراً لمواجهة المسلمين بينما أخذ طارق بفتح القلاع والمدن، بانتظار أن يصله المدد الذي طلبه من موسى بن نصير، وقد أمده موسى بن نصير بعدة آلاف مقاتل، فبلغ عدد جيشه اثنى عشر ألفاً، وثارت مخاوف المسلمين عندما علموا بدنو جيش لذريق، ولكن طارقاً لم يزدد إلا حماسة واستبسالاً .. ويزعم المؤرخون أنه ألقى فيهم الخطبة المنسوبة إلى طارق، قال: (أيها الناس ، أين المفر، البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، اعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهب ريحكم، وتعودت القلوب من رعبها الجرأة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة بمناجزة هذه الطاغية…).
ثم التقى طارق بجيش لذريق على مقربة من نهر وادي (لكة)، أو وادي (بكة), ودارت معركة حاسمة فاصلة تم فيها النصر لجيش المسلمين أما لذريق فقيل أنه فر من المعركة واختفى أثره، وقد وجدت عربته وثيابه الحربية بعد أيام على ضفة نهر الوادي الكبير .. ويقول المؤرخون أن انتصار المسلمين ألقى بإسبانيا كلها في أيدي المسلمين ولم يكن طارق بحاجة إلى الجهد الكبير ليقضي على المقاومة في بعض المدن، فكانت المدن تستسلم والمعاقل تفتح دون مقاومة تذكر .. وكتب طارق إلى موسى بن نصير يخبره بما أحرزه من نصر، وما استولى عليه من غنائم، فأمره موسى بأن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به واستخلف موسى ابنه عبدالله على القيروان، وخرج في سنة 93 هـ في عسكر ضخم إلى الأندلس.
استشار طارق رؤساء جيشه فأشاروا عليه بأن وقف القتال يعرض المسلمين للخطر، ويتيح للعدو فرصة لجمع شمله وتوحيد كلمته فأخذ يزحف على المدن الإسلامية، وقسم جنده ثلاث فرق، فأرسل مغيث بن الحارث على رأس سبعمائة فارس إلى قرطبة، فعبر المسلمون النهر وباغتوا الحرس، واستطاعوا العثور على احدى الثغرات، فتسلقوا الأسوار واستولوا على المدينة . ثم فتح العرب كورة ريه ومدينتها مالقة، ثم كورة ألبيره حيث غرناطة وفي النهاية فتحت مدينة طليطلة .. أما موسى بن نصير فقد دخل الأندلس وفتح مدينة قرمونة الحصينة، ثم مضى إلى اشبيلية وفتحها وامتدت فتوحات موسى إلى برشلونة شرقاً وأربونة في الداخل، وقادش في الجنوب الغربي.
وقصد موسى مدينة طليطلة فاستقبله طارق بحفاوة، ولكن موسى كان غاضباً فانتزع منه المغانم وسجنه، ثم صفح عنه وتابعا الفتح معاً وسبب غضب موسى كون طارق لم يتوقف عن الفتح كما أمره سيده وسار موسى وطارق لفتح شمالي البلاد، وتابعا السير حتى بلغا جبال البرانس (البيرينه)، وتم بذلك فتح أسبانيا، وقد بقيت بعض الأقاليم الجبيلية خارج سلطان العرب، ومنها الأقاليم الشمالية الغربية التي لجأ إليها أشراف القوط وزعماؤهم.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:45 AM
معاوية بن أبي سفيان :
ينتسب معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية التي دان لها المسلمون قرابة تسعين سنة ، إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف .. وكان أمية من سادة قريش في الجاهلية، وكذلك كان هاشم بن عبد مناف ، لهذا لا نعجب إذا تنافس هذان البطنان على رياسة قريش، وكان أمية كثير المال والعيال ، فكان له عشرة أولاد امتازوا بالشرف والسيادة ومنهم حرب وسفيان وأبو سفيان .. وكان حرب بن أمية قائد قريش يوم الفجار ، كما قاد أبو سفيان قريشاً في حروبها ضد النبي عليه السلام ، وهو صاحب العير القادمة من الشام إلى مكة ، والتي وقعت من أجلها غزوة بدر الكبرى .. وكان قائد الجيش النافر وقتئذ لحماية قريش ، عتبة بن عبد شمس جد معاوية لأمه .. فكان أبوه صاحب العير، وجده صاحب النفير، وبهما يضرب المثل فيقال للخامل : ( لا في العير ولا في النفير) .. وقد ولد معاوية بن أبي سفيان بمكة قبل البعثة بخمس سنين ..

إسلامه :

أسلم معاوية يوم فتح مكة، هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند .. وصل معاوية إلى ثلاث وعشرون سنة، فاتخذه الرسول صلى الله عليه وسلم كاتباً للوحي .. ولما فتحت مكة في السنة الثامنة للهجرة أراد أبو سفيان أن يمنع الأذى والمذلة عن قومه ، وأنهى العباس ذلك إلى الرسول، فأمر منادياً ينادي بمكة : ( من أغمد سيفه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) .. وبذلك سوى الرسول بين بيت أبي سفيان وبيت الله ، وهو شرف عظيم لم ينله أحد مثله، فلا نعجب بعد ذلك إذا أسلم كثير منهم وأخذوا يعملون على نشر الإسلام ومد فتوحاته ..

معاوية في عهد الخلفاء الراشدين :

أبلى بنو أمية بلاءاً حسناً في حروب الردة، وسار بعضهم إلى الشام، فاشتهر أمرهم وعظم ذكرهم، ومنهم يزيد بن أبي سفيان الذي ولاه أبو بكر قيادة الجيوش الأربعة التي أنفذها لفتح الشام .. وقد ولاه عمر دمشق ، كما ولي أخاه معاوية بعض ولايات بلاد الشام .. فلما مات يزيد أضاف عمر إلى معاوية ما كان لأخيه .. ولما تسلم عثمان بن عفان الخلافة ولي معاوية الشام كلها ، ثم استقل بهذه البلاد بعد مقتل عثمان .. وعندما بويع علي بن أبي طالب في المدينة امتنع معاوية عن المبايعة له ، متهماً إياه بالهوادة في أمر عثمان وإيوائه قتلته وعدم القصاص منهم .. وبايعه أهل الشام على المطالبة بدم عثمان ومحاربة علي ، مما أوقع الخلاف والشقاق بين أهل العراق وأهل الشام .. وقصارى القول فإن بيت عبد شمس انتقل من السيادة في الجاهلية إلى السيادة في الإسلام.

صفات معاوية :

كان معاوية داهية من دهاة العرب، ومن أوفرهم حظاً في السياسة .. وكان حسن التدبير لأمور الملك ، يحلم في مواضع الحلم ويشتد في مواضع الشدة .. وكان سخياً مضيافاً لأشراف رعيته .. وقد استطاع أن يجذب إليه الرجال ذوي الآراء المعتدلة في الأحزاب المعارضة ، فاستطاع أن يكبح جماح المسلمين عامة والخوارج خاصة .. وخضع له من أبناء المهاجرين والأنصار من يعتقد أنه أولى بالخلافة.

وصية لإبنه قبيل وفاته :

لما مرض معاوية مرض الموت أوصى ابنه يزيد وصية تدل على سداد رأيه وخبرته بالأمور ومعرفته بالرجال فقال له : أنظر إلى أهل الحجاز، منهم أصلك وعزك، فمن أتاك منهم فأكرمه ومن قصر عنك فتعاهده .. وانظر أهل العراق فإن سألوك عزل عامل في كل يوم فاعزله، فإن عزل عامل واحد أهون من سل مائة سيف، لا تدري على من تكون الدوائر .. ثم أنظر أهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار، فإن رابك عدوك ريب فارمه بهم .. لست أخاف عليك إلا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر، فأما الحسين بن علي فأرجو أن يكفيكه الله ، وأما ابن الزبير فإنه خب (داهية) ضب ، فإن ظفرت به فقطعه إرباً إرباً .. وأما ابن عمر فإنه رجل قد وقذه الورع (تركه عليلاً)، فخل بينه وبين آخرته يخل بينك وبين دنياك .. وقد مات معاوية في رجب سنة 60 هـ.

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:47 AM
القصور :
إذا كان للعرب تراث في فن البناء والهندسه المعمارية فذلك لم يعرف لهم إلا في اليمن ، ولم تبلغ بعد مساعي المنقبين والباحثين درجة كافية لإعطائنا من المعلومات ما نستطيع أن نبني عليه حكما عادلا ونحن نعلم أن فن البناء في جنوب الجزيره لم يرثه أبناء الشمال الذين كان مساكنهم في الغالب بيوت الشعر وهياكلهم الهواء الطلق ومدافنهم رمال البادية أما مع الإسلام فإن الفن العربي تجلى أحسن ما يكون في العمارة الدينية وقد أنشأ المهندسون طريقة البناء فيها بساطة وجلال .. ويمكن القول أن تطور المسجد هو سجل تاريخي لتطور الحضارة الإسلامية وعلاقاتها مع الأمم المختلفة .. وإذا استثنينا المساجد وغيرها من الأبنية الدينية ، فإن الأمويين لم يتركوا في الفن البنائي سوى آثار قليلة منها القصور التي بناها على ضفاف البادية أمراء البيت المالك ، شأنهم في ذلك شأن أمراء غسان من قبلهم فالظاهر أنه لم يسكن دمشق منهم سوى معاوية وعبدالملك ، أما "الخضراء" دار الخلافة للجامع الكبير في دمشق فلا أثر لها اليوم ، كذلك تلاشت أطلال "القبه الخضراء" التي بناها الحجاج في واسط دارا له.
إلا أن تخوم بادية الشام حافلة ببقايا قصور كانت في الأصل حصونا رومانية على الحدود فعمد اليها المهندسون الذين استخدمهم الأمويون فأعادوا عمرانها وابتنوها من جديد على الطراز البيزنطي أو الفارسي ، وبالقرب من عين التمر آثار قصر يعرف باسم "الأخيضر" وهو في الطرف الشرقي من بادية الشام وليس محققاً أن تكون هذه الآثار عائدة إلى آخر العصر الأموي أم أول العهد العباسي.
وهناك آثار أوفر عدداً على ضفاف بادية الشام الجنوبية الغربية فقد بنى هناك يزيد بن عبد الملك أو رمم قصراً يسمى (الموقر) ما تزال منه بعض بقايا إلى اليوم أما ابنه الوليد الثاني الذي كان منصرفاً إلى الصيد وغيره من الملاهي، فقد أقام في قصرين متجاورين هما (قسطل) و (الأزرق) .. وكانا من حصون الرومان في شرق الأردن .. وإلى الوليد بن يزيد يعزي ابتناء قصر آخر في هذه البقعة يعرف باسم (المشتى)، وهو أول قصر في هذه الربوع زاره الأثريون .. ولم يكن بناؤه قد أكمل عند وفاة الخليفة، وقد نقلت واجهة هذا الصرح الفخم إلى متحف القيصر فريجريك في برلين.

قصر عمرة :

من المباني الأموية المشهورة قصر (عمرة) في الجانب الشرقي من نهر الأردن وهو على خط مستقيم من ضفة البحر الميت الشمالية وقد بناه الوليد بن عبد الملك، على الأرجح وما يمتاز به هذا القصر التصاوير الطينية الرائعة، فعلى جدرانه صور ليست شخصيات تاريخية، منها صورة للملك لذريق أو رودريك آخر ملوك أسبانيا من القوط الغربيين، وهو الذي قضى عليه القائد طارق بن زياد في معركة (وادي بكة) بالأندلس وهناك نقش للقيصر البيزنطي وآخر للنجاشي، ونقش لكسرى كما تحوي الجدران أشكالاً رمزية تمثل الفلسفة والتاريخ والشعر، وفي صورة لمشهد صيد نرى أسداً واثباً على حمار وحشي، ومن آثار الفن أيضاً صور تمثل الراقصات والموسيقيين وأهل الطرب أما الزينة فقوامها أوراق النبات متدلية من مزهريات وأشجار النخيل والعنب، وعليها عناقيد الثمر، والغار وطيور البادية، وأكثر الكتابات بالعربية وفيها بضعة أسماء يونانية، وليس في العالم الإسلامي صور محفوظة كهذه الصور.

قصر الحير وخربة المفجر :

كشف في الحقبة الأخيرة عن قصرين لهشام بن عبد الملك، أحدهما (قصر الحير) الغربي، على بعد نحو أربعين كيلومتراً إلى الشرق الشمالي من القريتين على الطريق بينهما وبين تدمر وقد كشف عنه الفرنسي دانيال شلومبرجه، ونقلت بعض بقاياه إلى دمشق حيث نصبت في مدخل المدينة الغربي .. والآخر يعرف بخربة المفجر قرب أريحا، وقد كشف عنه الأثريان هاملتون وبرامكي بين سنتي 5391 و 2491.. وفيه عدا البلاط الملكي جامع وحمام، ويمتاز الحمام عن غيره من الحمامات المعروفة في القصور الأخرى المتخلفة عن البلاط الملكي جامع العهد باتساعه وتمام تجهيزه ويمتاز فوق ذلك بالفسيفساء التي كشف عنها في بعض غرفه، فقد زينت أرض المربع في إحداها بصورة سجادة على غاية ما يكون من الدقة والروعة .. وفي جانب هذه الغرفة نفسها ديوان للجلوس بشكل نصف دائرة تقريباً رصعت مقاعده وأرضه بالفسيفساء .. أما الرسم الذي في الأرض فهو شجرة من الأترج أو البرتقال تحمل الثمر يحيطها ثلاثة غزلان قد سطا أحدها أسد يفترسه .. والظاهر أن فنانين من بيزنطية قد استجلبوا لصنع الرسوم بالفسيفساء، وهي تعتبر من أجمل ما تحدر إلينا من هذا الفن .. ويذهب الأثريون الذين كشفوا عن هذا القصر أن الزلزال الذي حدث سنة 647 هـ قد هدم هذا القصر قبل أن يتم بناء الطابق الأعلى فيه.

مجمل القول أن قصور بني أمية في المشرق لم يبق منها اليوم سوى الخرائب والأطلال فما شهده الشرق من أحداث دامية وغزوات متكررة كان من نتيجته القضاء على معالم ضارية مهمة ولو بقيت تلك القصور قائمة لأعطت صورة واضحة للعالم عن خصائص الفن المعماري في عصر بني أمية ومع ذلك فإن ما تبقى من تلك القصور يعكس ملامح عظمة دولة كان لها امبراطورية تمتد إلى الهند والصين شرقاً وإلى أواسط أوروبا غرباً.

الفن والعمارة :

ظلت الدولة الإسلامية، في أول أمرها، مشغولة بحروبها طيلة عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما .. ثم شغلت بالخلاف بين علي و معاوية ولذلك لم يفكر أحد في اقامة عمائر تضارع بيوت العبادة في بلاد الشام أو فارس وظلت الحال على ذلك ، الى عهد الدولة الأموية ، حيث أقام عبد الملك بن مروان سنة 27هـ (169م ) قبة حول الصخرة ، ورصد لبنائها خراج مصر لسبع سنوات ، وقد بقي من المبالغ المخصصة لبنائها مائة ألف دينار ، فأمر بها عبد الملك جائزة للرجلين المشرفين على البناء، وهما " رجاء بن حيوة الكندي" أحد علماء الإسلام من بيسان، و " يزيد بن سلام" من القدس، ولكنهما رفضا، فأمر عبد الملك بن مروان بأن تسبك ذهباً وتفرغ على القبة والأبواب.

تصميم القبة :

تعد قبة الصخرة من أعظم العمائر الإسلامية في الجمال والفخامة وإبداع الزخرفة، كما تمتاز عنها بوساطة التصميم وتناسق الأجزاء .. وهي تتكون من مبنى حجري مثمن الشكل، قوامه تثمينة خارجية من الحجر، وفي الداخل تثمينة داخلية ثانية من الأعمدة والأكتاف ويتوسط التثمينتين دائرة من الأعمدة والأكتاف أيضاً، تعلوها قبة، وبين التثمينتين الخارجية والداخلية رواق وبين التثنية الداخلية والدائرة المقام عليها القبة رواق آخر .. وقد خصصت هذه الأروقة للصلاة ولمرور الناس حول الصخرة.
أما الصخرة نفسها فهي غير منظمة الشكل، يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب 7,71 م، وعرضها من الشرق إلى الغرب 5,31 م، وأقصى ارتفاع لها عن أرض البناء 5,1 م. وحجر الصخرة مكسو بالرخام الملون على ارتفاع ذراعين، ويحيطها سور خشبي بديع النقش والزخرفة.
وفي آخر الصخرة المرخمة، من الشمال الغربي، حجر صغير على ستة أعمدة صغيرة، قيل أنه أثر قدمي النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وقبالة القدم المشار إليه مرآة من سبعة معادن يسمونها " درقة حمزة"، وهي محمولة على ثلاثة أعمدة جميلة، منها إثنان (زوجان في جسد)، والمحراب الذي يصلى به أمام الصخرة يقع على يمين الداخل من الباب القبلي داخل السور الخشبي السالف الذكر وتجاه المحراب باب مغارة الصخرة الشريفة هناك عقد من الرخام محمول على عمودين ينزل منه إلى باطن المغارة بأربع عشرة درجة.
والمعروف أن الأرض التي فوقها الصخرة وسائر أجزاء المغارة مفروشة بالرخام .. ومن آيات الإعجاز في تصميم بناء قبة الصخرة أنه روعي فيه أن يكون في دائرة دعامات القبة لفت بسيط، حتى لا تحجب الأعمدة الواقفة أمام الرائي الأعمدة الأخرى المقابلة لها في الطرف الآخر .. ولذلك يتسنى لمن يدخل من أي باب من أبوابها، أن يرى كل ما في من أعمدة وأكتاف سواء منها ما كان أمامه تماماً أو ما كان من في الجهة المقابلة وقد كان الجدار الخارجي من جدران البناء مغطى بالفسيفساء، ثم استبدلت بلوحات القيشاني، في عهد السلطان سليمان القانوني، وما تزال قبة الصخرة غنية بزخارف الفسيفساء في كثير من أجزائها الداخلية .. والروابط الخشبية الضخمة التي تربط تيجان الأعمدة بعضها ببعض حليت بصفائح معدنية فيها نقوش بارزة غاية في الدقة والإبداع .. وتحتوي قبة الصخرة على كتابة كوفية يبلغ طولها 42 متراً من الفيسفساء المذهبة، على أرضية زرقاء داكنة، وذلك بأعلى التثمينة الداخلية، وقوام هذه الكتابة آيات قرآنية، كما تضم أيضاً عبارة تشير إلى تاريخ إنشاء البناء، سنة 27 هـ في حكم عبد الملك بن مروان.

أما السبب الذي من أجله أقام عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة في الحرم الشريف ، فقد كثرت فيه الروايات، تقول إحدى هذه الروايات أنه عندما ثار عبد الله بن الزبير بالحجاز ضد الأمويين، وأخذ البيعة لنفسه، أذاع عبد الله بن الزبير في الناس أن عبد الملك قصد من بناء القبة والمسجد الأقصى إلى صرف الناس عن حج البيت الحرام إلى المسجد الأقصى والصخرة المقدسة متأسياً في ذلك بأبرهة حين بنى بيت صنعاء ليصرف الناس عن مكة على أنه من العسير القطع بصحة ما نسب إلى ابن الزبير، لأنه مات بعد ذلك بقليل .. وفي رواية أخرى ذكرها اليغقوبي أن عبد الملك منع أهل مصر والشام من الحج، لأن عبد الله بن الزبير كان يأخذهم إذا حجوا بالبيعة، ولما منع عبدالملك الناس من الخروج إلى مكة ضجوا وقالوا: ( تمنعنا من حج بيت الله الحرام، وهو فرض من الله علينا ) ، فقال : ( هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) ، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء، تقوم لكم مقام الكعبة .. لذلك بنى عبد الملك على الصخرة قبة، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس يطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة .. ويبدو أن هذه الرواية من وضع خصوم بني أمية، لأن عبد الملك كان من التابعيين [ولد سنة 62 هـ]، ومن غير المعقول أن يقدم رجل مثله على محاولة تغيير أحد أركان الدين الخمسة، فضلاً عن أنه يعلم أن الحج هو الوقوف بعرفة، لا الطواف حول الكعبة .. والمرجح أن عبد الملك أراد ببناء قبة الصخرة أن يجد فيها المسلمون ممن يخشون على أنفسهم من ثورة الحجاز بعض العوض عن زيارة الكعبة .. ومهما يكن من أمر فإن القبة ظلت بعد ذلك أربعة قرون في يد المسلمين ، محاطة بالإجلال والتعظيم حتى أنه لم يكن يسمح لغير المسلم أن يطأ أرضها.

جدار البراق :

هو حائط كبير مبني من حجارة ضخمة، يبلغ طوله نحو 651 قدماً، وارتفاعه 56 قدماً والمسلمون يقدسونه نظراً لعلاقته الوثيقة بقصة إسراء الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس وربما كان هذا الجدار, كما يعتقد بعض الناس، هو الحائط الخارجي للهيكل الذي رممه هيرودوس سنة 11 ق.م ودمره تيطس سنة 7 .م، وهو يؤلف جزءاً من الجدار الغربي للحرم القدسي.

الرسوم المائية :

في قصر عمره رسوم لمشاهد يد واستحمام، ورقص، ورسوم رمزية لآلهة الشعر والحكمة ، والنصر ومشاهد من التاريخ الإغريقي كما تحوي الرسوم بعض مراحل العمر: الفتوة والرجولة والكهولة، وفيها منظر لقبة السماء وبعض النجوم، فضلاً عن البروج المختلفة، ورسوم طيور وحيوانات، وزخارف نباتية متنوعة وأهم الرسوم في هذا القصر رسمان: الأول يمثل الخليفة على عرشه، وحول رأسه هالة، وفوقه مظلة يحملها عمودان حلزونيان، ويحف به شخصان .. وعلى عقد المظلة كتابة كوفية لحق التلف أكثر أجزائها، ويستنبط من الكلمات الباقية أنها كانت تشتمل على عبارات دعاء.
أما الرسم الثاني فهو صورة مشهورة باسم صورة أعداء الإسلام وقوام هذه الصورة ستة أشخاص ذوي ملابس فاخرة ومرسومين في صفين: ثلاثة في الصف الأول وثلاثة في الصف الثاني وفوق أربعة منهم كتابة بالعربية والإغريقية ما تزال باقية فالأول من اليسار وفي الصف الأمامي فوقه كلمة "قيصر" بالعربية واليونانية، والثاني في الصف الخلفي فوقه كلمة يظن أنها "لوذريق" وهو آخر ملوك القوط في أسبانيا، والثالث في الصف الأمامي فوقه كلمة "كسرى" وهو ملك الفرس، والرابع في الصف الخلفي فوقه كلمة "النجاشي" وهو ملك الحبشة.

المسجد الأقصى :

يقع المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية من الحرم الشريف .. شرع في بنائه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك سنة 507 م فجاءت عمارته على طراز المسجد الأموي بدمشق والذي يرجع تاريخ بناءه إلى عهد الخليفة نفسه .. ويقوم المسجد على ثلاثة وخمسين عموداً من الرخام وتسع وأربعين دعامة مربعة الشكل. وكانت أبوابه في العصر العباسي مغلفة بصفائح من الفضة والذهب، ولكن الخليفة أبا جعفر المنصور أمر بنزعها وسكها دنانير تصرف على المسجد، لأنه خشي على بيوت الله من البهرج الزائد .. وفي القرن الحادي عشر للميلاد عبثت أيدي الصليبيين بالحرم الشريف فجعلوا قسماً منه كنيسة، واتخذوا القسم الآخر مسكناً لفرسان الهيكل ومستودعاً لذخائرهم.

أمر صلاح الدين الأيوبي بترميم وتجديد المسجد ، فجدد المحراب وكسى قبته بالفسيفساء ، وأحضر له منبر الحسين ، رضوان الله عليه ، من عسقلان ويعتبر هذا المنبر تحفة فنية رائعة ، فهو مصنوع من خشب الساج الهندي ومطعم بخشب الأبنوس وبالصدف والعاج ، ومزخرف بطريقة الحشوات المجمعة وتوالت أيدي التجديد والترميم على المسجد الأقصى منذ ذلك التاريخ فرممت جوانبه وفرشت أرضه بالطنافس والبسط المصنوعة في أقاليم العالم الإسلامي ، والتي كان ما يزال المسجد يحتفظ بها إلى ما قبل الإعتداء الصهيوني في أغسطس سنة 1969م.
في سنة 1927 طرأ على المسجد خلل ، فهبت الشعوب الإسلامية وأسهمت في جمع مبلغ مائة ألف دينار جدد بها المسجد وفي سنة 1936 تصدعت أروقة المسجد على أثر زلزال ، فقامت وزارة الأوقاف المصرية بتعميره ، كما أعادت هذه الوزارة بناء الجانب الشرقي الذي أحرقه الصهاينة سنة 1969 .

قصر مشتى :

لعل من أهم وأقدم العمائر المدنية التي ترجع الى عهد الدولة الأموية في بلاد الشام قصر مشتى الذي على بعد عشرين ميلا جنوبي عمان بالأردن .. ويتكون القصر من مساحة كبيرة يحدها سور مربع الشكل ، طول كل ضلع من أضلاعه نحو 144 مترا .. وتتخلل السور أبراج نصف دائرية ، ومدخل القصر الرئيسي يقع في الضلع الجنوبي .. وتنقسم المساحة المحصورة بين جدران هذا السور إلى ثلاثة أقسام ، المتوسط منها أوسعها ، وهو الوحيد الذي تم بناء بعض أجزائه أما الجانبان الآخران فلم يشيد فيهما أي بناء .. ويؤدي مدخل القصر إلى قاعة تفضي بدورها الى بهو، وتحف بالقاعة وبالبهو غرف أخرى ، وخلف البهو فناء كبير .. وإلى الشمال من هذا الفناء يرتفع بناء كنيسة (بازيليك) يتقدمها مدخل ذو ثلاثة عقود ، وتنتهي "البازيليك" بثلاث حنيات ، وهو شكل شائع في تخطيط الكنائس وعلى جانبي البازيليك مجموعة من المباني قوامها فناء مستطيل في وضع عمودي باتجاه "البازيليك" ، وفي كل من جانبي هذا الفناء ساحة في وضع عمودي بالنسبة الى الفناء ، وحول كل ساحة غرفتان مقبيتان.
وجدران القصر الداخلية وأقبيته من الآجر ، وفيه أعمدة من الرخام ، وأما عقوده وأركانه فمن الحجر الجيري.
إن أعظم مافي القصر المشتى من الناحية الفنية هو الزخارف المحفورة في الحجر الجيري ، في الواجهة الجنوبية التي يقع بها المدخل ، وكان ارتفاع هذه الواجهه ستة أمتار .. وقد أهدى السلطان عبد الحميد سنة 1903 هذه الواجهة إلى القيصر غليوم ، وقد حفظت في متحف القيصر فريدريك في برلين وأصبحت نواة القسم الشرقي في المتحف المذكور.
وتنقسم الواجهة الى مثلثات ، بعضها قائم على قاعدته ، وبعضها الآخر قائم على احدى زواياه وفي وسط أحد المثلثات زخرفة كبيرة على شكل وردة ، وفي داخلها رسوم مراوح نخيلية وكيزان صنوبر، ونجوم صغيرة وأزهار لوتس ونلاحظ أن المثلثات القائمة على قاعدتها جاءت زخرفتها شبه كاملة أما المثلثات الأخرى فإن أشكالها وزخرفتها لم تأت كاملة .

د.فالح العمره
29-09-2006, 05:48 AM
دمشق عاصمة الأمويين :
كان لمدينة دمشق دور بارز في تاريخ الشرق القديم، قبل أن تصبح عاصمة العالم العربي في زمن الأمويين .. ويعود تاريخ إنشائها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، فهي إذن من أقدم مدن العالم وكانت في البدء مدينة زراعية صغيرة يرويها نهر بردى، غير أن موقعها على ملتقى الطرق المؤدية إلى بلاد الرافدين وشبه الجزيرة العربية، ساعدها على أن تصبح مدينة تجارية مهمة.
وقد شهدت دمشق حضارات الشعوب القديمة من الفراعنة إلى الأشوريين والبابليين والفرس، إلى اليونانيين في عهد الاسكندر الذي استولى عليها في القرن الرابع قبل الميلاد .. وكان العرب في القرن الأول قبل الميلاد يعيشون على تخوم سوريا والعراق، ومنهم الأنباط والتدمريون، وكانوا يحلمون منذ ذلك الوقت بالاستيلاء على دمشق وجعلها عاصمة لهم وقد تحقق حلمهم في عهد الحارث الثالث ملك الأنباط الذي استولى عليها سنة 85 ق.م .. لكن دولة العرب لم تدم طويلاً، فقد جاء الرومان سنة 46 للميلاد وفرضوا سيادتهم على بلاد الشام ومصر، وظلت كذلك حتى فتحها العرب سنة 636م .. وأول دولة إسلامية اتخذت دمشق عاصمة لها كانت الدولة الأموية، وتدل الآثار الباقية في بلاد الشام على مبلغ ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في سوريا طول العصر الإسلامي .. وتجدر الاشارة إلى أن العرب، بعد فتحهم البلاد واستيلائهم عليها، كانوا يعمدون إلى بناء المساجد فيها .. ولذلك قرر الخليفة الوليد بن عبدالملك أن يبني مسجداً يليق بعظمة الإسلام، ويضارع العمائر البيزنطية .. ووقع اختيار الوليد على الجزء الشرقي من كنيسة القديس يوحنا الدمشقي، ومقابل ذلك بنى للمسيحيين أربع كنائس.

المسجد الأموي :

يتكون المسجد الأموي بدمشق من صحن كبير مستطيل الشكل، وإيوان رئيسي يبلغ طوله 136 متراً، وعمقه 37 متراً. ويحتوي إيوان القبلة على ثلاثة أروقة موازية لحائط القبلة، ومحمولة على أعمدة رخامية، وفوقها عقود أصغر منها، ويبلغ ارتفاع هذه الأروقة بعقودها الكبيرة والصغيرة 15 متراً .. والواجهة الشمالية تعلوها مئذنة تعرف باسم "مئذنة العروس"، وينتهي رأس هذه المئذنة بساعة تضبط على دقاتها أوقات مساجد دمشق كلها ومواعيد الآذان.

ضريح صلاح الدين الأيوبي :

من الأضرحة الإسلامية المهمة بدمشق ضريح صلاح الدين القائد البطل صلاح الدين الأيوبي الذي يقع داخل المدرسة العزيزية في حي الكلاسة شمالي الجامع الأموي .. وقد بنى المدرسة الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي، على أثر وفاة والده في قلعة دمشق في سنة 589 هـ .. وتعلو ضريح السلطان صلاح الدين قبة، وفوق الضريح تركيبة من خشب الجوز المزين بزخارف منحوتة نحتاً جميلاً، وفي أعلاه نقش آية الكرسي بالخط الكوفي .. ويقول ابن خلكان أنه قرأ على الضريح كتابة بخط القاضي الفاضل المعروف بابن زكي الدين الدمشقي ونصها: "اللهم فارض عن تلك الروح، وافتح لها أبواب الجنة، فهو آخر ما كان يرجوه من الفتوح".

بيت المال :

في وسط صحن المسجد بناء مثمن الشكل يعرف باسم "بيت المال"، ويقول المقدسي أن قبة بين المال كانت مغطاة بالفسيفساء، كما أن ابن جبير الأندلسي يتحدث عنها فيقول: إنها كانت مزخرفةبفصوص ملونة كأنها الروضة الحسناء"، ولم يبق من هذه الفسيفساء إلا آثار بسيطة .. وفي بيت المال كانت تحفظ أموال الدولة التي تجبى من الزكاة، كما يحتفظ فيه بأموال اليتامى .. وينسب بعض المؤرخين بناء بيت المال إلى الوليد بن عبدالملك، وبعضهم الآخر يرجعه إلى الفضل بن على والي دمشق من قبل الدولة العباسية سنة 172 هـ.

قصر الحير الغربي :

من القصور التي ما تزال آثارها حتى اليوم قصر الحير الغربي ويقع هذا القصر على طريق دمشق بين القريتين وتدمر، في واد يخصبه السيل .. وقد بناه الخليفة الأمي هشام بن عبدالملك، وجعله مركزاً زراعياً للمنطقة، وكان إلى جانبه حمام وخان.
والقصر عبارة عن مربع طوله 70 متراً وتحيط سوره من الخارج أبراج نصف دائرية، كما يحيط المدخل الرئيسي برجان .. أما داخل القصر فعبارة عن صحن مكشوف تحيطه ستة بيوت، وكل منها يتكون من قاعة كبيرة مستطيلة وحولها غرف مربعة الشكل .. ويلاحظ أن هذا النموذج من البناء قد استوحيت أصوله من عناصر الأبنية الساسانية والبيزنطية .. والقصر من الداخل ملئ بالزخارف الجصية حول الوافذ وفوق أبواب القاعات .. وتمثل هذه الزخارف أسلوبين متميزين، ففي النوافذ العليا يتمثل الأسلوب الساساني إلى حد كبير، فقوام الزخرفة فيها شجرة الحياة، وهي شجرة مقدسة عند الساسانيين .. أما النوافذ السفلى فزخرفتها عبارة عن رسوم هندسية قوامها دوائر ورسوم نجمية، وهي التي كانت مستعملة لدى البيزنطيين.

المدرسة العادلية :

في القرن السابع الهجري أنشأ الملك العادل، أخو صلاح الدين الأيوبي، مدرسة ولكنه توفي قبل إتمامها، فأكملها ابنه الملك المعظم، ونقل إليها رفات والده .. وتعتبر هذه المدرسة نموذجاً صادقاً للعمارة في العصر الأيوبي .. ففيها يتمثل الاتزان والتقشف في تخطيطها، وتناسب أبعادها، وبساطة زخارفها، وحسن تنسيقها .. والمدرسة مبنية من الحجر المنحوت، وفي داخلها التربة التي دفن فيها الملك العادل بين أربع زوايا بارزة مثلثة الشكل، ومزينة بمقرنصات من الداخل .. أما المدخل الرئيسي فيزينه عقدان متجاوران من المقرنصات، ويتوجه عقد واحد، وتحيط الباب زخارف هندسية سوداء وبيضاء، تمتد حتى نهاية الواجهة، فتمنحها جمالاً رائعاً ببساطته.

بيمارستان نور الدين زنكي :

من المنشآت المدنية التي نزخر بها دمشق "البيمارستان" (كلمة فارسية معناها مستشفى) الذي شيده السلطان نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري .. وقد أطنب المرخون في ذكره، فأفردوا الفصول في وصف بنائه، وزخرفته ونفقاته .. والبيمارستان متعامد ويحتوي على أربعة أيوانات، خصص كل واحد منها لعلاج نوع من المرض .. وتزين سقوفه المقرنصات، كما تكثر فوق النوافذ والأبواب الزخارف الجصية المخرمة، والتي تشبه إلى حد بعيد زخارف نوافذ قصر الحير.

البيمارستان القمري :

ومن العمائر التاريخية التي ترجع إلى أواخر العصر الأيوبي في سوريا البيمارستان القمري الذي بناه الأمير سيف الدين أبي الفوارس القمري، وبذل فيه أموالاً طائلة، وأوقف عليه أملاكاً كثيرة من قرى وبساتين .. وقد نقشت صيغة الوقف على أسطر عريضة من الخط النسخي الجميل، على مدخل الباب الرئيسي له .. والايوان الجنوبي، وهو الرئيسي، فيه ثلاث نوافذ فوقها عقود على شكل صليبي، ويحيط الايوان شريط من الخط النسخي المذهب على أرضية زرقاء، أما الكتابة فآيات من القرآن الكريم.

قلعة دمشق :

يعود تاريخ بناء قلعة دمشق إلى العصر السلجوقي، ثم أعاد بناءها الملك العادل أخو صلاح الدين سنة 615 هـ. والقلعة عبارة عن مستطيل مساحته 220 × 150 متراً، ويرتفع فوق البناء اثنا عشر برجاً يبعد الواحد عن الآخر ثلاثين متراً، أما جدار السور فكثيف وعريض البنيان .. ومن المنشآت الحربية التي ترجع إلى العصر الأيوبي في مدينة دمشق سورها القديم الذي لم تبق منه إلا أجزاء بسيطة، أهمها الباب الذي يعرف باسم "باب السلامة". ويقول ابن عساكر مؤرخ دمشق : "إنه سمي كذلك تفاؤلاً، لأنه لا يتهيأ للقتال على البلد من ناحيته لما دونه من الأشجار والانهار" .. وقد بني هذاالباب في عهد السلطان نور الدين زنكي ثم جدد في عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين سنة 641 هـ، وعلى عتبته كتابة تشير إلى ذلك .. والسور نموذج من المنشآت العسكرية الأيوبية التي تقدم فن البناء فيها تقدماً واضحاً واضحاً في أوائل القرن السابع للهجرة.

ضريح الظاهر بيبرس :

تضم مدينة دمشق عدداً من أضرحة سلاطين العصر المملوكي، لعل أهمها ضريح السلطان الظاهر بيبرس، ويقع أمام المدرسة العدلية التي كانت في أول المدرسة العدلية التي كانت في أول الأمر قصراً من قصور الأيوبيين .. وقد تغير شكل البناء بأن رفعت حوله الواجهتان الغربية والجونبية، وأقيمت فيه قاعة الضريح التي تعلوها القبة .. وللضريح واجهة من أجمل ما بني في العصر المملوكي بدمشق، وهي مشيدة من الحجر المنحوت .. أمام المدخل الرئيسي فقد بني بحجارة بيضاء وصفراء، ويعلو الباب ثلاثة أسطر عريضة من الكتابة بالخط الثلث المملوكي الجميل، وتعلوه قبة نصف دائرية بديعة.

التكية السليمانية :

ومن عمائر العصر العثماني التي تحفل بها مدينة دمشق التكية السليمانية، والتكية هي تشبه ما عرف باسم الخانقاوات في العصر المملوكي .. وقد شيد التكية السلطان سليمان القانوني، مكان قصر الظاهر بيبرس الذي هدمه تيمورلنك .. وكان يعرف باسم "القصر الابلق" .. والتكية من أكبر المنشآت المدنية في دمشق، ويتثمل فيها طراز العمارة العثمانية أفضل تمثيل، ويبدو ذلك واضحاً في القباب والأروقة التي انتشرت في الاستانة منذ القرن القيشاني، وهي عبارة عن رسوم نباتية وهندسية وكتابية. وتمتاز الزخارف النباتية في العصر العثماني باحتوائها على رسوم الأزهار القريبة من الطبيعة، ومن هذه الأزهار الزنبق والقرنفل .. أما الاشكال الهندسية فتتألف من خطوط مستقيمة بينها بعض الأزهار البسيطة.

قصر العظم :

في القرن الثامن عشر الميلادي أراد والي دمشق أسعد باشا العظم أن ينشئ قصراً تتحدث عنه الأجيال .. فلم يجد أفضل من البقعة التي شيد فيها معاوية بن أبي سفيان قصره، فبنى قصراً منيعاً، انفق في سبيله أموالاً طائلة وقد حشد له من الصناع وأباب الحفر عدداً كبيراً، وجمع كميات كبيرة من العمد، والرخام، وبلاط القيشاني، والأخشاب وغيرها .. ويتكون القصر من صن الحرملك، مع بركته المستطيلة والمصلعة، وإلى جانبه الأروقة الشمالية .. وحول الحرملك قاعات واسعة ذات جدران مرخمة، تعلوها بلاطات القيشاني المتعددة الألوان .. وتتوسط بعض تلك القاعات فسافي تقوم بمهمة تكييف الهواء .. وهذه الفسافي مزخرفة بالفسيفساء الرخامية والزجاجية والمذهبة. وتعلو القاعات سقوف خشبية مزخرفة بنقوش زيتية ومناظر تصويرية محفورة حفراً غائراً أو بارزاً .. ويشغل الحمام الزاوية الجنوبية الشرقية من الحرملك، ويقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول خاص بخلع الملابس، والثاني متوسط الحرارة، وفي الثالث حوض تصب فيه نوافير المياه الساخنة .. وفي الزاوية الشمالية الغربية من الحرملك يقع المطبخ، وهو عبارة عن قاعة مستديرة الشكل في وسطها بركة ماء، وبقربها قاعة أخرى تعلوها عقود من الحجارة المنحوتة، وفي جدران المطبخ عدد من المواقد.

د.فالح العمره
29-09-2006, 02:41 PM
أعلام المسلمين
عبد الملك بن مروان
نظر إليه أبو هريرة -رضي الله عنه- وهو غلام، فقال: هذا يملك العرب!!
في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولد (عبد الملك بن مروان) في
سنة 24هـ في أول عام من خلافة (عثمان بن عفان) رضي الله عنه، حفظ القرآن الكريم، وسمع أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عمِّه عثمان بن عفان وأبي هريرة، وأم سلمة، ومعاوية، وابن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-.
وكثيرًا ما كان عبد الملك في طفولته المبكرة يسأل أباه وعمه ومن حوله من الصحابة عن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيجيبونه بما يثير دهشته، ويزيد من إعجابه بعظمة الإسلام، ولكنه وهو في العاشرة من عمره رأى مقتل خليفة المسلمين (عثمان بن عفان) فترك ذلك أثرًا حزينًا في نفسه، لكنه تعلم منه الدرس، وهو أن يتعامل مع المعتدين والمشاغبين بالقوة والحزم.
ثم لازم الفقهاء والعلماء حتى صار فقيهًا، سئل ابن عمر -رضي الله عنه- ذات مرة في أمر من أمور الدين فقال: (إن لمروان ابنًا فقيهًا فسلوه) وقال الأعمش: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب وعروة وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن
مروان، وكان لا يترك الصلاة في المسجد، حتى سمي حمامة المسجد لعبادته ومداومته على تلاوة القرآن.
نال عبد الملك في حداثته إعجاب الجميع لتمسكه بمبادئ الإسلام، يحكي أن معاوية جلس يومًا ومعه سعيد بن العاص -رضي الله عنه- فمرَّ بهما عبد الملك، فقال معاوية: لله در هذا الفتى ما أعظم مروءته؟ فقال سعيد: يا أمير المؤمنين إن هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصالاً ثلاثًا: أخذ بحسن الحديث إذا حَدَّث، وحسن الاستماع إذا حُدِّث، وحسن البِشْر إذا لقي، وخفة المئونة إذا خولف، وترك من القول ما يعتذر منه، وترك مخالطة اللئام من الناس، وترك ممازحة من لا يوثق بعقله ولا مروءته).
وخرج عبد الملك من المدينة في ربيع الآخر سنة 64هـ عند حدوث الفتنة واضطراب الأمر بالشام وظهور عبد الله بن الزبير بمكة والحجاز وإعلان نفسه خليفة للمسلمين، ولم تكد تمضِ ستة أشهر حتى تولى أبوه مروان الخلافة، لكنه لم يستمر سوي عشرة أشهر حتى توفي، فخلفه في رمضان من عام 65هـ عبد الملك بن مروان وأقبل عليه كبراء بني أمية وأمراء الجنود ورؤساء القوم وكبار رجال الدولة
فبايعوه.
وحين تولى عبد الملك خلفًا لأبيه لم يكن في يده غير الشام ومصر فقط، وهكذا كانت الأخطار تحيط بدولته من كل جانب في الداخل، فوجد الدولة الإسلامية منقسمة تسودها الفتن والاضطرابات، فهناك ابن الزبير في الحجاز، ودولة بني أمية في الشام، والخوارج الأزارقة بالأهواز، والخوارج (النجدات) بجزيرة العرب، والشيعة بالكوفة في العراق، وفي الخارج كانت الروم تكيد له، وتنتهز فرصة الانقسام لتغير على الحدود في الشمال والغرب، تهديدات من كل اتجاه، فأدرك (عبد الملك) أنه لابد من توحيد الجهود الإسلامية ضد الأعداء، وبدأ في تجهيز الجيوش، وأحسن معاملة قواده وحاشيته، يكرمهم، ويعطف عليهم، ويزورهم إذا مرضوا، ويحضرهم مجالسه، ويعاملهم كأصدقاء، فكان ذلك من أكبر عوامل نجاحه وانتصاره.
وبحلول عام 74هـ اجتمعت كلمة الأمة بعد خلاف طويل، وانتهى النزاع حول الخلافة، حتى سمي هذا العام بعام الوحدة، وتمت البيعة لعبد الملك من الحجاز والعراق، كما تمت له من قَبْلُ في الشام ومصر، وجاءته أيضًا من خراسان، واستردت الدولة الإسلامية مكانتها وهيبتها وسيادتها على الأعداء، واتسعت حدودها بعد أن أضاف إليها عبد الملك أقاليم جديدة؛ حيث أرسل جنوده ففتحوا بعض بلاد المغرب وتوغل فيها.
واتبع عبد الملك سياسة الحزم والشدة، فكان قوي الإرادة والشخصية؛ لذلك قالوا: (كان معاوية أحلم وعبد الملك أحزم) وقال أبو جعفر المنصور: كان عبد الملك أشدهم شكيمة وأمضاهم عزيمة، وكان عبد الملك حريصًا على نزاهة من يعملون في دولته.. بلغه ذات يوم أن أحد عماله قبل هدية، فأمر بإحضاره إليه، فلما حضر قال له: أقبلتَ هدية منذ وليتك؟ قال: يا أمير المؤمنين بلادك عامرة وخراجك
موفورة، رعيتك على أفضل حال.. قال: أجب عما سألتك.. قال: نعم قد
قبلت؛ فعزله عبد الملك.
ولم يكن عبد الملك رجل سياسة فحسب، ولكنه كان أديبًا يحب الأدباء، ويعقد المجالس الأدبية، وينتقد ما يلْقَى عليه من الشعر انتقادًا يدل على ذوق أدبي رفيع، وقد أظهر عبد الملك براعة في إدارة شئون دولته وتنظيم أجهزتها مثلما أظهر براعة في إعادة الوحدة إلى الدولة الإسلامية، فاعتمد على أكثر الرجال في عصره مهارةً ومقدرةً وأعظمهم كفاءةً وخبرةً مثل الحجاج بن يوسف الثقفي وبشر بن مروان وعبد العزيز بن مروان وتفقد عبد الملك أحوال دولته بنفسه، وتابع أحوال عماله وولاته، وراقب سلوكهم، وأنجز أعمالاً إدارية ضخمة دفعت بالدولة الإسلامية أشواطًا على طريق التقدم.
فهو أول من ضرب الدنانير وكتب عليها القرآن، فكتب على أحد وجهي الدنانير (قل هو الله أحد) وكتب على الوجه الآخر: محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق، ونقلت في أيامه الدواوين من الفارسية والرومية إلى العربية، وهو ما يُعرف في التاريخ بـ(حركة تعريب الدواوين).
ورغم شدة وحزم عبد الملك فإنه كان رقيق المشاعر، يخشى الله ويتضرع إليه، خطب ذات مرة، فقال: (اللهم إن ذنوبي عظام، وهي صغار في جنب عفوك يا
كريم فاغفرها لي) وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قيل له: كيف تجدك؟ فقال: أجدني كما قال الله تعالي: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} [الأنعام: 94].
ومات عبد الملك سنة 86 من الهجرة، وعمره 60 سنة، وصلى عليه ابنه الوليد.

د.فالح العمره
29-09-2006, 02:42 PM
عمر بن عبد العزيز
رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رؤيا، فقام من نومه يردد: مَنْ هذا الأشجُّ من بني أمية، ومِنْ ولد عمر يُسَمى عمر، يسير بسيرة عمر ويملأ الأرض عدلاً.
ومرت الأيام، وتحققت رؤيا أمير المؤمنين، ففي منطقة حلوان بمصر حيث يعيش وإلى مصر عبد العزيز بن مروان وزوجته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وُلِد
عمر بن عبد العزيز سنة 61هـ، وعني والده بتربيته تربية صالحة، وعلَّمه القراءة والكتابة، لكن عمر رغب أن يغادر مصر إلى المدينة ليأخذ منها العلم، فاستجاب
عبد العزيز بن مروان لرغبة ولده وأرسله إلى واحد من كبار علماء المدينة وصالحيها وهو (صالح بن كيسان).
حفظ عمر بن عبد العزيز القرآن الكريم، وظهرت عليه علامات الورع وأمارات التقوى، حتى قال عنه معلِّمه صالح بن كيسان: ما خَبَرْتُ أحدًا -الله أعظم في صدره- من هذا الغلام، وقد فاجأته أمه ذات يوم وهو يبكي في حجرته، فسألته: ماذا حدث لك يا عمر؟ فأجاب: لا شيء يا أماه إنما ذكرتُ الموت، فبكت أمه.
وكان معجبًا إعجابًا شديدًا بعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- وكان دائمًا يقول لأمه: تعرفين يا أماه لأكونن مثل خالي عبد الله بن عمر، ولم تكن هذه الأشياء وحدها هي التي تُنبئ بأن هذا الطفل الصغير سيكون علمًا من أعلام الإسلام، بل كانت هناك علامات أخرى تؤكد ذلك، فقد دخل عمر بن العزيز إلى إصطبل
أبيه، فضربه فرس فشجَّه (أصابه في رأسه) فجعل أبوه يمسح الدم عنه، ويقول: إن كنتَ أشجَّ بني أمية إنك إذن لسعيد.
وكان عمر نحيف الجسم أبيض الوجه حسن اللحية، وتمضي الأيام والسنون ليصبح عمر بن عبد العزيز شابًّا فتيًّا، يعيش عيشة هنيئة، يلبس أغلى الثياب، ويتعطر بأفضل العطور، ويركب أحسن الخيول وأمهرها، فقد ورث عمر عن أبيه الكثير من الأموال والمتاع والدواب، وبلغ إيراده السنوي ما يزيد على الأربعين ألف دينار، وزوَّجه الخليفة عبد الملك بن مروان ابنته فاطمة، وكان عمر -رضي الله عنه- وقتها في سن العشرين من عمره، فازداد غِنًى وثراءً.
ولما بلغ عمر بن عبد العزيز الخامسة والعشرين، اختاره الخليفة الأموي الوليد بن
عبد الملك ليكون واليًا على المدينة وحاكمًا لها، ثم ولاه الحجاز كله، فنشر الأمن والعدل بين الناس، وراح يعمِّر المساجد، بادئًا بالمسجد النبوي الشريف، فحفر الآبار، وشق الترع، فكانت ولايته على مدن الحجاز كلها خيرًا وبركة، شعر فيها الناس بالأمن والطمأنينة.
واتخذ عمر بن عبد العزيز مجلس شورى من عشرة من كبار فقهاء المدينة على رأسهم التابعي الجليل (سعيد بن المسيِّب) فلم يقطع أمرًا بدونهم، بل كان دائمًا يطلب منهم النصح والمشورة، وذات مرة جمعهم، وقال لهم:
إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل (حاكم) ظلامة فأُحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني، فشكروه ثم انصرفوا، وظل عمر بن عبد العزيز في ولاية المدينة ست سنوات إلى أن عزله الخليفة الوليد بن
عبد الملك لأن الحجاج أفهمه أن عمر أصبح يشكل خطرًا على سلطان بني أمية.
ذهب عمر إلى الشام ومكـث بها إلى أن مـات الـوليد بن عبد الملك، وتولى الخلافة بدلاً منه أخوه سليمان بن عبد الملك، وكان يحب عمر، ويعتبره أخًا وصديقًا ويأخذ بنصائحه، وذات يوم مرض الخليفة مرض الموت، وشعر بأن نهايته قد
اقتربت، فشغله أمر الخلافة حيث إن أولاده كلهم صغار لا يصلحون لتولي أمور الخلافة، فشاور وزيره (رجاء بن حيوة) العالم الفقيه في هذا الأمر، فقال له:
إن مما يحفظك في قبرك ويشفع لك في أخراك، أن تستخلف على المسلمين رجلا صالحًا.
قال سليمان: ومن عساه يكون؟
قال رجاء: عمر بن عبد العزيز.
فقال سليمان: رضيت، والله لأعقدن لهم عقدًا، لا يكون للشيطان فيه نصيب، ثم كتب العهد، وكلف (رجاء) بتنفيذه دون أن يَعْلَمَ أحدٌ بما فيه.
مات سليمان، وأراد (رجاء بن حيوة) تنفيذ العهد لكن عمر كان لا يريد
الخلافة، ولا يطمع فيها، ويعتبرها مسئولية كبيرة أمام الله، شعر عمر بن عبد العزيز بالقلق وبعظم المسئولية، فقرر أن يذهب على الفور إلى المسجد حيث يتجمع المسلمون، وبعد أن صعد المنبر قال: لقد ابتليتُ بهذا الأمر على غير رَأْي مِنِّي
فيه، وعلى غير مشورة من المسلمين، وإني أخلع بيعة من بايعني، فاختاروا
لأنفسكم، لكن المسلمين الذين عرفوا عدله وزهده وخشيته من الله أصرُّوا على أن يكون خليفتهم، وصاحوا في صوت واحد: بل إياك نختار يا أمير المؤمنين، فبكي عمر.
وتولى الخلافة في يوم الجمعة، العاشر من صفر سنة 99هـ، ويومها جلس حزينًا مهمومًا، وجاء إليه الشعراء يهنئونه بقصائدهم، فلم يسمح لهم، وقال لابنه: قل
لهم {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [يونس: 15].
دخلت عليه زوجته فاطمة وهو يبكي، فسألته عن سرِّ بكائه، فقال: إني تَقَلَّدْتُ (توليت) من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها، فتفكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري والمجهود، والمظلوم المقهور، والغريب
الأسير، والشيخ الكبير، وذوي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيتُ ألا تثبتَ لي حجة فبكيتُ.
وترك عمر زينة الحياة الدنيا، ورفض كل مظاهر الملك التي كانت لمن قبله من الخلفاء، وأقام في بيت متواضع بدون حـرس ولا حجاب، ومنع نفسه التمتع بأمواله، وجعلها لفقراء المسلمين، وتنازل عن أملاكه التي ورثها عن أبيه، ورفض أن يأخذ راتبًا من بيت المال، كما جرَّد زوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان من حليها وجواهرها الثمينة، وطلب منها أن تعطيها لبيت المال، فقال لها:
اختاري..إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت ومعك هذه الجواهر في بيت واحد، فأنت تعلمين من أين أتى أبوك بتلك الجواهر، فقالت: بل أختارك يا أمير المؤمنين عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، فأمر عمر بتلك الجواهر فوضعت في بيت المال.
وبلغه أن أحد أولاده اشترى خاتمًا له فصٌّ بألف درهم، فكتب إليه يلومه، ويقول له: بِعه وأشبع بثمنه ألف جائع، واشترِ بدلاً منه خاتمًا من حديد، واكتب عليه: رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
ويحكى أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كان يقسم تفاحًا للمسلمين، وبينما هو يفرقه ويقسمه على من يستحقه إذ أخذ ابن صغير له تفاحة، فقام عمر وأخذ التفاحة من فمه، فذهب الولد إلى أمه وهو يبكي، فلما علمت السبب، اشترت له تفاحًا، فلما رجع عمر شم رائحة التفاح، فقال لزوجته: يا فاطمة، هل أخذت شيئًا من تفاح المسلمين؟ فأخبرته بما حدث، فقال لها: والله لقد انتزعتها من ابني
فكأنما انتزعتُها من قلبي، لكني كرهتُ أن أضيِّع نفسي بسبب تفاحة من تفاح المسلمين!!
وها هو ذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي تحت تصرفه وطوع أمره أموال الدولة وكنوزها، يقول لزوجته يومًا: تشتهي نفسي عسل لبنان، فأرسلت فاطمة إلى ابن معد يكرب، عامل (أمير) لبنان، وذكرت له أن أمير المؤمنين يشتهي عسل
لبنان، فأرسل إليها بعسل كثير، فلما رآه عمر غضب، وقال لها: كأني بك يا فاطمة قد بعثتِ إلى ابن معد يكرب، فأرسل لك هذا العسل؟ ثم أخرج عمر العسل إلى السوق، فباعه، وأدخل ثمنه بيت المال، وبعث إلى عامله على لبنان يلومه، ويقول له: لو عُدْتَ لمثلها فلن تلي لي عملا أبدًا، ولا أنظر إلى وجهك.
وكان عمر بن عبد العزيز حليمًا عادلاً، خرج ذات ليلة إلى المسجد ومعه رجل من الحراس، فلما دخل عمر المسجد مرَّ في الظلام برجل نائم، فأخطأ عمر وداس
عليه، فرفع الرجل رأسه إليه وقال أمجنون أنت؟ فقال: لا، فتضايق الحارس وهَمَّ أن يضرب الرجل النائم فمنعه عمر، وقال له: إن الرجل لم يصنع شيئًا غير أنه
سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا.
وكان عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- رقيق المشاعر، رحيمًا بالإنسان
والحيوان، كتب ذات يوم إلى واليه في مصر قائلاً له: بلغني أن الحمالين في مصر يحملون فوق ظهور الإبل فوق ما تطيق، فإذا جاءك كتابي هذا، فامنع أن يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
وقد حرص عمر الزاهد العادل التقي على ألا يقرب أموال المسلمين ولا يمد يده إليها، فهي أمانة في عنقه، سيحاسبه الله عليها يوم القيامة، فكان له مصباح يكتب عليه الأشياء التي تخصه، ومصباح لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا..وذات مرة سخنوا له الماء في المطبخ العام، فدفع درهمًا ثمنًا للحطب!!
لقد كان همه الأول والأخير أن يعيش المسلمون في عزة وكرامة، ينعمون بالخير والأمن والأمان، كتب إلى أحد أمرائه يقول: لابد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي إليه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، وأثاث في بيته، وكان يأمر عماله بسداد الديون عن المحتاجين، وتزويج من لا يقدر على الزواج، بل إن مناديه كان ينادي في كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى استطاع بفضل من الله أن يغنيهم جميعًا.
خرج عمر راكبًا ليعرف أخبار البلاد، فقابله رجل من المدينة المنورة فسأله عن حال المدينة، فقال: إن الظالم فيها مهزوم، والمظلوم فيها ينصره الجميع، وإن
الأغنياء كثيرون، والفقراء يأخذون حقوقهم من الأغنياء، ففرح عمر فرحًا شديدًا وحمد الله، وهكذا رجـل مـن ولـد (زيـد بن الخطــاب) يقول: (إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفًا، فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال
العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله، يبحث عمن يعطيه فما يجد، فيرجع بماله، قد أغنى الله الناس على يد عمر).
طُلب منه أن يأمر بكسوة الكعبة،كما جرت العادة بذلك كل عام، فقال: إني رأيت أن أجعل ذلك (ثمن كسوة الكعبة) في أكباد جائعة،فإنه أولى بذلك من البيت، وبعد فترة حكمه التي دامت تسعة وعشرين شهرًا، اشتد عليه المرض، فجاءه ابن عمه مسلمة بن عبد الملك، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا توصي لأولادك، فإنهم
كثيرون، وقد أفقرتهم، ولم تترك لهم شيئًا؟!
فقال عمر: وهل أملك شيئًا أوصي لهم به، أم تأمرني أن أعطيهم من مال المسلمين؟ والله لا أعطيهم حق أحد، وهم بين رجلين: إما أن يكونوا صالحين فالله
يتولاهم، وإما غير صالحين فلا أدع لهم ما يستعينون به على معصية الله، وجمع أولاده، وأخذ ينظر إليهم، ويتحسس بيده ثيابهم الممزقة؛ حتى ملئت عيناه
بالدموع، ثم قال: يا بَنِي، إن أباكم خُيِّر بين أمرين: بين أن تستغنوا (أي تكونوا أغنياء) ويدخل أبوكم النار، وبين أن تفتقروا، ويدخل أبوكم الجنة، فاختار
الجنة.. يا بَنِي، حفظكم الله ورزقكم، وقد تركتُ أمركم إلى الله وهو يتولى الصالحين.
ثم قال لأهله: اخرجوا عني، فخرجوا، وجلس على الباب مَسْلَمة بن عبد الملك وأخته فاطمة، فسمعاه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قرأ: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين} [القصص: 83].
ومات عمر بعد أن ضرب المثل الأعلى في العدل والزهد والورع... مات أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين!!

د.فالح العمره
04-12-2006, 10:24 AM
صور حكام الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل المواد المصورة التي يمكن أن تصف لنا هيئة حكام الأسرة أو السلالة، اقتصرنا على المواد التي يمكن أن ترتقي إلى قيمة تاريخية (وليس الصور أو الرسومات الخيالية)، يمكن العثور على هذه المواد على العملات و النقود القديمة، الزخارف على القصور، الكتب والمخطوطات المعاصرة لفترة الحاكم، و بعض اللوحات الشخصية أو الصور الشمسية بالنسبة للفترة الحديثة (بعد القرن الـ15 م). من أهم الشروط التي يجب أن تتوفر هذه المواد هي معاصرتها للشخص الذي تصوره لنا.




http://www.hukam.net/images/family_rulers/14.gif




تاريخ الشعارات و الرايات المستعملة أثناء عهد الأسرة
أدرجنا في هذه الفقرة كل الأشياء التي اتخذتها الأسرة أو السلالة أو مجموعة من الحكام حتى تميز نفسها. الشعارات: وقد تتخذ على الأختام، الدروع، الألبسة، الأواني...وغيرها. الرايات: وتتخذ أثناء الحروب، و هي أهم مايمكن أن يميز السلالات عن بعضها.




http://www.hukam.net/images/family_arms/14.gif

ابريل
08-12-2006, 10:51 AM
جزاكم الله خيراً

لكن هل من عزو مصادرك وفقك الله ..

وقد استوقفني الكلام في 64 هـ الى 85 وخلافه عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وارضاه ..

ولي عودة في ادراج ما يراه اهل التاريخ في ذلك ..

رفع الله قدركم

د.فالح العمره
09-12-2006, 03:39 PM
مرحبا بك اختي الفاضله

عذرا على عدم ذكر المصدر

المصدر : موسوعة الاسره المسلمه للتاريخ

اخو ساره
14-12-2006, 01:48 PM
جزاك الله خير على الموضوع الجميل يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
فالعصر الاموى كان فى خير القرون
والدوله الامويه لها انجازات وفتوحات عظيمه
ولكن الكرة الشيعى على هذة الدوله حجب الكثير منمفاخر هذة الدوله
وصورها لنا كدوله ظالمه
عموما ممكن ان تسمح لى بمداخه
الدوله الفاطميه ليست من سلاله اهل البيت بل مدعيه ولذالك سميت العيديه نسبه الى عبيدالله بن قداح على ماذكر
متسمى بثورة الزنوج كانت فى الدوله العباسيه
والله يبارك فيك

د.فالح العمره
14-12-2006, 07:17 PM
يا مرحبا بك يا اخو ساره

ولا هنت على الحضور والمداخله الطيبه

د.فالح العمره
20-01-2007, 03:54 PM
مرفق

الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار

الخديدي
02-04-2007, 07:59 AM
الله يوفقك اخوي فالح لما يحبه ويرضاه....

د.فالح العمره
03-04-2007, 04:33 PM
ارحب يا الغالي ولا هنت على الحضور

البحرين 2121
17-06-2008, 10:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

الاستاذ فالح جزاكم خيرا ً

ولكن هل لنا بمصدر ما طرحة

ولكم فائق التحية والاحترام

د.فالح العمره
20-06-2008, 07:55 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

المصدر : موسوعة الاسره المسلمه للتاريخ

طبعي عنيد
20-06-2008, 04:33 PM
الله يعطيك العافية
وخوش موضوع
وتسلم يمنك على مكتبت

جزاك الله كل الخير
موضوع يستحق انك تقرة اكثر من مرة
تقبل مروري

حراب العجمي
21-06-2008, 05:42 AM
فالح العمره بارك الله فيك

أبو مسعود
24-06-2008, 01:53 PM
بيض الله وجهك يا دكتور

ولاهنت

راعيــة الذوووود
14-07-2008, 05:30 AM
الله يعطيك الف الف الف عافيه اخي فالح العمره على هالبحث والجهد المبذول عن الدوله الامويه

والله يجزاك خير و سلمت يداك

فتى الوادي
05-11-2010, 12:11 AM
موضوع اكثر من رائع

يعطيك العافيه يا الكتور فالح العمره

فالك طيب
06-11-2010, 02:35 PM
بارك الله فيك اخوي فالح وفي مجهودك
ونفع بما تنقل...

سمو الرووح
06-11-2010, 11:21 PM
لاهنت أخي الفاضل والقدير الدكتور / فالح العمره على المجهود المبذول بالمعلومة عن الدولة الأموية

كل الشكر والتقدير والاحترام لشخصك الكريم .