المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فتح الهند والسند


د.فالح العمره
28-09-2006, 05:12 PM
فتح سمرقند


في سنة 93هـ وبعد أن فتح قتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وما حولها قال المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة : إن لي حاجة فأخلني ، فأخلاه ، فقال : إن أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن ، فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا ، وإنما بينك وبينهم عشرة أيام ، قال : أشار بهذا عليك أحد ؟ قال : لا ، قال : فأعلمته أحداً ؟ قال :لا ، قال : والله لئن تكلم به أحد لأضربن عنقك ، فأقام يومه ذلك ، فلما أصبح من الغد دعا أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فقال : سر في الفرسان والرماة ، وقدم الأثقال إلى مرو . فوجهت الأثقال إلى مرو يومه كله ، فلما أمسى كتب إليه : إذا أصبحت فوجه الأثقال إلى مرو ، وسر في الفرسان والرماة نحو الصغد ، واكتم الأخبار ، فإني بالأثر .

عبر عبد الرحمن ومن معه النهر ، وسار إلى سمرقند ، وعبر قتيبة بالأثر ، وعبر ومن معه نهر جيحون ، وحوصرت سمرقند .

استنجد ( غورك ) ملك الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة ، وكتب إليهما : إن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم . فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد ، وأرسلا أن شاغلوا قتيبة ومن معه كي نفاجئهم على حين غرة .

انتخب أهل الشاش وفرغانة كل شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم أن يسيروا إلى قتيبة ليفاجئوه ، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فجاءته الأخبار ، فانتخب ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً ، ووضع على العدو عيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم فكلمهم وحضهم ، فخرجوا من العسكر عند المغرب ، فساروا ، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم ، ففرق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه ، وكميناً عن يساره ، وأقام هو وبعض فرسانه على قارعة الطريق ، حتى إذا مضى نصف الليل أو ثلثاه ، جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت ، وصالح واقف في خيله ، فلما رأوه شدوا عليه ، حتى إذا اختلفت الرماح ، شد الكمينان عن يمين وعن شمال ، فلم نسمع إلا الاعتزاء ، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم .

لم يفلت من هذه النجدات إلا النفر اليسير ، وغنم المسلمون أسلحتهم ، وقال بعض الأسرى : تعلمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك ، أو بطل من الأبطال المعدودين بمئة فارس ، أو بألف فارس .

وقال فارس مسلم من الجند الذين كانوا في كمين صالح : إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة ، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة ، فقلت : كيف ترى بأبي أنت وأمي ! قال: اسكت دق الله فاك ! قال: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد ، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا ، ثم أقبلنا إلى العسكر ، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ، ما منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه ، وأسير في وثاقه.

لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة ، مع إشغال النجدات قبل وصولها بكمين ليلي ، ريثما يتسنى له سحب قطعاته من حوالي أسوار سمرقند ، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في معركة ليلية ، في الوقت الذي يكون الكمين قد أوقف تقدمها.

نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند ، ورمت بتركيز دقيق على سور المدينة ، فثلمت فيها ثملة ، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة ، وجاء رجل قام على الثلمة ، فشتم قتيبة ( بعربية فصيحة ) ، وكان مع قتيبة قوم رماة ، يُسمون ( رماة الحدق) لدقة تصويبهم ، فقال لهم قتيبة : اختاروا منكم رجلين ، فاختاروا ، فقال : أيكما يرمي هذا الرجل ، فإن أصابه فله عشرة آلاف ، وإن أخطأه قطعت يده ، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر ، فرماه فلم يخطئ عينه ، فأمر له بعشرة آلاف.

قال خالد مولى مسلم بن عمرو : كنت في رماة قتيبة ، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور ، فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه ، فوجدته ميتاً على الحائط ، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه.

قال غوزك( ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي ، فاخرج إليّ في العرب ، فغضب قتيبة عند ذلك ، وميز العرب من العجم ، وأمر العجم باعتزالهم ، وقدم الشجعان من العرب ، وأعطاهم جيد السلاح ، وزحف بالأبطال على المدينة ، ورماها بالمجانيق ، فثلم فيها ثلمة ، وقال قتيبة: ( ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة ) ، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة ، عندها قال غوزك لقتيبة : ارجع عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً ، فقال قتيبة : لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة ، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم.

وسمع قسم من المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان ، أما والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية.

وفي اليوم التالي ، والمسلمون على الثلمة ، عاود غوزك يطالب بالصلح ، فصالحه قتيبة على : الجزية ، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران ، وإخلاء المدينة من المقاتلة ، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.

وتم الصلح ، وأخلوا المدينة ، وبنوا المسجد ، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه ، وصلى في المسجد وخطب فيه ، وأتى بالأصنام ، وألقيت بعضها فوق بعض . حتى صارت كالقصر العظيم ، ثم أمر بتحريقها ، فتصارخ الأعاجم وتباكوا ، وقالوا: إن فيها أصناماً قديمة ، من أحرقها هلك ، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي ، وجاء غوزك فنهى عن ذلك ، وقال لقتيبة: أيها الأمير ، إني لك ناصح ، وإن شكرك عليّ واجب ، لا تعرض لهذه الأصنام ، فقام قتيبة ، ودعا بالنار ، وأخذ شعلة بيده ، وقال : أنا أحرقها بيدي ، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون ، وسار إليها وهو يكبر الله عز وجل ، وألقى فيها النار ، فاحترقت ، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال.

وصنع غوزك طعاماً ، ودعا قتيبة ، فأتاه غي عدد من أصحابه، فلما تغدى ، استوهب منه المدينة ، فقال قتيبة: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه ، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا ، وأن ينتقل عنها غوزك ، فانتقل عنها ملكها غوزك ، فتلا قتيبة ( وأنه أهلك عاداً الأولى ، وثمود فما أبقى ) ، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو ، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم ، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً ، وآلة من آلة الحرب كثيرة ، مع تعليمات حازمة تتعلق بالداخلين إلى سمرقند ، والخارجين منها.

وكان أهل خراسان يقولون : إن قتيبة غدر بأهل سمرقند ، فملكها غدراً .




قادة فتح بلاد ما وراء النهر لمحمود شيت خطاب ، وفتح سمرقند لشوقي أبو خليل

د.فالح العمره
28-09-2006, 05:13 PM
فتح بلاد ماوراء النهر


يمكن تقسيم بلاد ماوراء النهر إلى خمسة أقاليم : الصغد وفيه بخارى وسمرقند ، وخوارزم ويختلف عن إقليم خراسان الذي يقع جنوبه ، والصغانيان وبذخشان والختّل وفيه مدينة ترمذ ، وفرغانة ، والشاش .

وبلاد ماوراء النهر جزء من تركستان الغربية التي تضم في الوقت الحاضر: جمهورية أوزبكستــان وطاجكستــان ، وقد سكنها الترك ، وكان لهـم فيها إمبراطورية عظيمة قبل الميلاد ، وقد سكن المنطقة أيضاً الإيرانيون أيضاً ويبدو أنهم اغتصبوا تلك الأصقاع من الترك ، وكانت عقائد أهل المنطقة الزرادشتية وهي ديانة الإيرانيين والبوذية القادمة من الشرق .

وكان لملوكهم ألقاب منها : خاقان : وهو لقب من ألقاب السيادة التي تطلق على أباطرة المغول والترك العظام ومعناه ملك الملوك . وأما الخان فهو الحاكم الإقليمي لبعض الولايات التي كانت تتكون منها الإمبراطورية المغولية في تركستان . أما طرخان فكان يطلق على الأشراف من الرجال الذين يمنحهم الخاقان امتيازات خاصة تشمل الإعفاء من الضرائب مع الحق في أخذ نصيب من غنائم المعركة ، ومنها الدخول إلى أرض الخاقان بدون استئذان . وطرخون صيغة أخرى من طرخان وله امتيازات الإعفاء من الضرائب والامتيازات الأخرى ، فهما لفظان بمعنى واحد .

وكان ملوك بلاد ماوراء النهر مستقلين استقلالاً ذاتياً ولكنهم كانوا جميعاً يدينون بالولاء للخاقان عملياً أو نظرياً ، ولكن الحرب كانت تجمعهم ليصبحوا صفاً واحداً على عدوهم المشترك في الدفاع عن مصالحهم المشتركة .

وأما عن قصة الفتح الإسلامي لها زمن قتيبة فقد وصل قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 86هـ خراسان والياً ، فخطب الناس وحثهم على الجهاد ، وانطلق قتيبة ، فلما كان ب( الطالقان ) تلقاه دهاقين بلخ وبعض عظمائها وساروا معه ، فلما قطع نهر جيحون - النهر الفاصل بين الأقوام الناطقة بالفارسية والتركية - تلقاه ملك ( الصغانيان ) بهدايا ومفتاح من ذهب ودعاه إلى بلاده فمضى معه وسلمه بلاده ، ثم سار إلى ملك (أخرون وشومان ) فصالحه ملكها على فدية أداها إليه .

وفي سنة 87هـ قدم نيزك طرخان فصالح قتيبة عن أهل ( باذغيس ) على أن لا يدخلها ، وأطلق الأسرى المسلمين الذي كانوا في يديه وبعثهم إلى قتيبة ثم قدم إليه نيزك بنفسه .

ثم سار قتيبة من ( مرو) إلى ( آمل ) ثم مضى إلى ( زم ) ، ثم اجتاز نهر جيحون وسار إلى ( بيكند ) ، من بلاد ( بخارى ) فاستنصروا ( الصغد )على قتيبة فأتوهم في جمع كثير ، وتأهب المسلمون للقتال ثم تزاحفوا والتقوا ، واعتصم من بالمدينة بالمدينة ، فركز سلاح الفعلة ( المهندسين ) على سورها لهدمه فسألوا الصلح فصالحهم ، وأمر عليهم رجلاً من بني قتيبة ، وارتحل عنهم فلما سار مرحلة أو مرحلتين [ المرحلة = 90 كم تقريباً ] نقضوا عهودهم فقتلوا العامل وأصحابه ومثلوا به ، وبلغه الخبر فرجع إليهم ، وقد تحصنوا فحاصرهم وقاتلهم شهراً ، واستطاع خرق التحصينات ، فطلبوا الصـلح فأبى وقاتلهم ؛ لأن النصر قد تحقق فظفر بهم عنوة فقتل من كان فيها من المقاتلة ، وعمر أهل (بيكند ) مدينتهم ثانية بإذن قتيبة .
ثم قفل يريد مرو فإذا ب( طرخان ملك الصغد ) و ( كوربغانون ملك الترك ) في مائتي ألف يريدون قتاله فهزمهما.

وفي سنة 88هـ فتح ( نومشكت) و( رامثينة ) من بخارى وصالح الأهالي ، وفيها غزا ملك الترك ( كوربغانون ) قتيبة في مائتي ألف مقاتل من أهل الصغد وفرغانة فكسرهم قتيبة وغنم منهم كثيراً .

وفي سنة 98هـ سار قتيبة إلى ملك بخارى ( وردان خذاه ) فلقيه في طريقـه ( الصغد ) وأهل ( كش ) فقاتلوه فظفـر بهم ، ومضى إلى بخارى ولكنه لم يحقق نصراً حاسماً فرجع إلى مرو .

وفي سنة 90هـ جدد قتيبة الصلح بينه وبين ( طرخون ملك الصغد ) وسار إلى ( بخارى ) ففتحها ، وفي السنة نفسها غدر ( نيزك طرخان ) ونقض الصلح وامتنع بقلعته ، وأرسل له قتيبة من استدرجه حتى جاء بنفسه مستسلماً، واستشار الأمراء في قتله فاختلفوا فقال : والله إن لم يبق من عمري إلا ما يسع ثلاث كلمات لأقتلنه ، ثم قال : اقتلوه اقتلوه اقتلوه ، فقتل .

وفي سنة 91هـ فتح مدينة ( شومان ) بعد الحصار بالمنجنيقات ، وفي السنة التي تليها فتح مدينتي ( كش ) و( نسف ) .






فتح سمرقند للدكتور شوقي أبو خليل ، وقادة الفتح الإسلامي في بلاد ماوراء النهر لمحمود شيت خطاب

د.فالح العمره
28-09-2006, 05:15 PM
فتـح الديبل والسـند


في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي ، حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .

فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم .

فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره .

واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .

ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .

وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .

ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .

وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .

ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .

ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .

ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .

وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .

ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .

وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .

لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .




فتح الديبل والسند للدكتور شوقي أبو خليل ، وقادة فتح السند وأفغانستان لمحمود شيت خطاب156

د.فالح العمره
28-09-2006, 05:17 PM
غزو الصين


أعلن قتيبة سنة 96 هـ النفير العام ، لأنه قرر العبور من فرغانة إلى الصين ، ضمن الخطة التي رسمها الحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي خاطب قتيبة وابن القاسم بقوله : ( أيكما سبق إلى الصين ، فهو عامل عليها وعلى صاحبها ) ، وكما جاء في البداية والنهاية : ( ولو عاش الحجاج لما أقلع عن بلاد الصين ، ولم يبق إلا أن يلتقي مع ملكها ) .

أعلن قتيبة التعبئة العامة ، وقال : ( لا يجوزن أحد [ نهر جيحون عائداً إلى مرو] إلا بجواز ) ، أي بإذن رسمي خطي يؤهله العودة من ما وراء النهر إلى مرو ، ومضى قتيبة وجنده إلى فرغانة ، وأرسل إلى شعب عصام سلاح المهندسين ( الفَعَلَة ) ليسهلوا له الطريق إلى كاشغر ، وهي أدنى مدائن الصين.

لقد فتح قتيبة مدينة كاشغر ، وعبر بذلك نهر سيحون ، النهر الذي يشكل الحد الطبيعي الفاصل بين الفرس والترك وبين المغول ، وعبور قتيبة له كان أول تحد مباشر من المسلمين للشعوب المغولية .

طلب إمبراطور الصين ( يوانغ جونغ ) بعد فتح كاشغر وفداً يمثل قتيبة ، وكتب إلى قتيبة كتاباً جاء فيه : ( ابعث إلينا رجلاً من أشراف من معكم يخبرنا عنكم ، ونسائله عن دينكم ) ، فانتخب قتيبة من عسكره اثني عشر رجلاً من أفناء القبائل ، لهم جمال وأجسام وألسن وشعور وبأس ، بعدما سأل عنهم فوجدهم من صالح من هم منه ، فكلمهم قتيبة وفاطنهم فرأى عقولاً وجمالاً ، فأمر لهم بعدة حسنة من السلاح والمتاع الجيد من الخز والوشي واللين من البياض والرقيق والنعال والعطر ، وحملهم على خيول مطهمة تقاد معهم ، ودواب يركبونها .

وكان هبيرة بن المشمرج الكلابي مفوهاً بسيط اللسان فقال قتيبة : يا هبيرة كيف أنت صانع ؟ قال : أصلح الله الأمير ، قد كفيت الأدب وقل ما شئت أقله وآخذ به ، قال : سيروا على بركة الله وبالله التوفيق ، لا تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البلاد ، فإذا دخلتم عليه فأعلموه أني قد حلفت ألا أنصرف حتى أطأ بلادهم ، وأختم ملوكهم ، وأجبي خراجهم .

سار الوفد ، وعليهم هبيرة بن المشمرج ، فلما قدموا أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم ، فدخلوا الحمام ثم خرجوا فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل – الثياب الذي يلبس تحت الدروع – ثم مسوا الغالية – نوع من الطيب – ، وتدخنوا ولبسوا النعال والأردية ، ودخلوا عليه ، وعنده عظماء أهل مملكته ، فجلسوا فلم يكلمهم الملك ولا أحد من جلسائه فنهضوا ، فقال الملك لمن حضره : كيف رأيتم هؤلاء ؟ قالوا : رأينا قوماً ما هم إلا نساء ، ما بقي منا أحد حين رآهم ووجد رائحتهم إلا اشتهى النساء .

فلما كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم : ارجعوا ، فقال لأصحابه : كيف رأيتم هذه الهيئة ؟ قالوا : هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال من تلك الأولى ، وهم أولئك .

فلما كان اليوم الثالث أرسل إليهم ، فشدوا عليهم سلاحهم ، ولبسوا البيض والمغافر ، وتقلدوا السيوف ، وأخذوا الرماح ، وتنكبوا القسي ، وركبوا خيولهم ، وغدوا ، فنظر إليهم صاحب الصين فرأى أمثال الجبال مقبلة ، فلما دنوا ركزوا رماحهم ، ثم أقبلوا نحوهم مشمرين ، فقيل لهم قبل أن يدخلوا : ارجعوا ، لما دخل قلوبهم من خوفهم . فانصرفوا فركبوا خيولهم ، واختلجوا رماحهم ، ثم دفعوا خيولهم كأنهم يتطاردون بها ، فقال الملك لأصحابه : كيف ترونهم ؟ قالوا : مارأينا مثل هؤلاء قط .

فلما أمسى أرسل إليهم الملك ، أن ابعثوا إلي زعيمكم وأفضلكم رجلاً ، فبعثوا إليه هبيرة ، فقال له حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي ، وإنه ليس أحد يمنعكم مني ، وأنتم في بلادي ، وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي ، وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم ، قال : سل ، قال : لم صنعتم ما صنعتم من الزي في اليوم الأول والثاني والثالث ؟

قال هبيرة : أما زينا في يومنا الأول فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم ، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا ، وأما اليوم الثالث فزينا لعدونا ، فإذا هاجنا هيج وفزع كنا هكذا ، قال الملك : ما أحسن ما دبرتم دهركم ! فانصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف ، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه ، وإلا بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه ، قال له هبيرة : كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون – بلاد الشام - ! وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادراً عليها وغزاك ! وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل ، فلسنا نكرهه ولا نخافه .

فقال ملك الصين : فما الذي يرضي صاحبك ؟ فقال هبيرة : إنه قد حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم ، ويختم ملوككم ، ويعطى الجزية ، فقال ملك الصين : فإنا نخرجه من يمينه ، نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه ، ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم ، ونبعث إليه بجزية يرضاها ، ثم دعا بصحاف من ذهب فيها تراب ، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم ، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم ، فساروا فقدموا بما بعث به ، فقبل قتيبة الجزية ، وختم الغلمة ، وردهم ، ووطئ التراب .

وبعد فتح كاشغر جاء إلى قتيبة خبر موت الوليد بن عبدالملك أمير المؤمنين ، وتولي سليمان بن عبدالملك مكانه ، فانكسرت همته لذلك ، وعاد أدراجه ، فقتل في فرغانة .





قادة الفتح الإسلامي في بلاد ماوراء النهر لمحمود شيت خطاب ، وفتح سمرقند لشوقي أبو خليل

أغراب
28-09-2006, 05:58 PM
يعطيك العافيه وبارك الله فيك ...

د.فالح العمره
28-09-2006, 08:07 PM
مرحبا بك اختي الفاضله

د.فالح العمره
28-09-2006, 08:13 PM
فتح كاشغر

بقلم: محمود شيث خطاب


--------------------------------------------------------------------------------

»لا يزال أهل تركستان الشرقية (سينكيانج) مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر«.

المدينة والسكان..

كاشغر: مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمة تركستان الشرقية، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة والصين من جهة ثانية وبلاد ما وراء النهر[1] من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.

وكانت كاشغر تعتبر قديماً من بلاد ما وراء النهر، وهي تضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من سمرقند وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون.

وينسب إلى كاشغر علماء كثيرون، منهم أبو المعالي طفرل شاه محمد بن الحسن بن هاشم الكاشغري الواعظ، وكان عالماً فاضلاً، سمع الحديث الكثير، وطلب الأدب والتفسير، ومولده سنة 490 هـ، وتجاوز سنة 550 هـ في عمره.

ومنهم أبو عبد الله الحسين بن علي خلف بن جبرائيل بن الخليل بن صالح بن محمد الألمعي الكاشغري، كان شيخاً فاضلاً واعظاً، وله تصانيف كثيرة بلغت في الحديث وحده ما تصانيف كثيرة بلغت في الحديث وحده مائة وعشرين مصنفاً وأكثر، وتوفي ببغداد سنة 484 هـ.

وهكذا كان المسلمون في أيام عزهم، ينتقلون لطلب العلم والرزق من كاشغر شرقاً إلى الأندلس غرباً، إلى سيبيريا شمالاً، إلى المحيط جنوباً، بدون جوازات سفر ولا سمات دخول وبغير حدود ولا سدود، وقد أصبحت دولة الإسلام اليوم، دولة الإسلام الواحدة، سبعاً وثمانين دولة ما بين ملكية وجمهورية وإمارة ومشيخة ومستعمرة، يحتاج الذي يريد زيارتها –إن استطاع وسمح له- إلى عشرات سمات الدخول ومئات العراقيل وآلاف العقبات، وأصبح المسلم في دار الإسلام غريباً.

وتركستان الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند (كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.

وقد اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها، فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون وبعض المصادر العربية الحدينة، إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم: تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.

وقد لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين، أبعد بلاد العالم القديم، والدولة البيزنطية.

وبدأ الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام البلاد كافة.

ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.

التمهيد للفتح..

قطع قتيبة بن مسلم الباهلي النهر –نهر جيحون- في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م) متوجهاً إلى فرغانة. وفرغانة اسم مدينة واسم إقليم. وإقليم فرغانة من أقاليم نهر سيحون في بلاد ما وراء النهر، متاخمة لتركستان، وليس فما وراء النهر أكثر قرى من فرغانة، وربما بلغ حد القرية مرحلة لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم وزروعهم.

أما فرغانة المدينة فكثيرة الخيرات، كثيرة القرى والحقول والمزارع، بينها وبين سمرقند خمسون فرسخاً.

واصطدمت قوات قتيبة بقوات أهل فرغانة في مدينة خجندة إحدى مدن إقليم فرغانة، فقاوم أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة اضطر قتيبة على الاشتباك بهم مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وأخيراً انتهت مقاومة أهل فرغانة وحلفائهم الباسلة، ففتح المسلمون الإقليم كافة.

وكان سبب حشد أهل فرغانة قواتهم الضاربة في خجندة، هو لأنها أول مدن إقليم فرغانة من الغرب، وهي على حدود إقليم الصغد الشرقية التي فتحها المسلمون من قبل، فهي الخط الدفاعي الأول عن إقليم فرغانة.

وخُجندة، بلدة مشهورة بما وراء النهر، تقع على شاطئ سيحون، بينها وبين سمرقند عشرة أيام شرقاً، وهي مدينة نزهة، ليس بذلك الصقع أنزه منها، وفي وسطها نهر جار، ولأهلها سفن يسافرون بها في سيحون، وتقوم على ضفة سيحون اليسرى.

ولعل موقع هذه المدينة القريب من إقليم الصغد الذي فتحه المسلمون قبل اليوم، وتيسر وسائط النقل فيها، وكثرة موادها الغذائية، وأهميتها القصوى لإقليم فرغانة، هي أهم أسباب حشد قوات إقليم فرغانة على أرضها، وقبول المعركة الدفاعية الحاسمة عن إقليم فرغانة في ربوعها.

الفتح
كان الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين وأقربها إلى فرغانة.

وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.

وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.

ومضى جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً سريعاً موفقاً.

وفي فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شعب عصام) الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.

والفعلة هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية، ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.

ويبدو أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، عارض من العوارض الطبيعية الوعرة، يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية القديمة.

وتقدم قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية.

وبعث قتيبة مقدمة أما جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.

وأوغل قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.

ولكن المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة ولا تقدم التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.

المفاوضات
بات الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، فقد أوغل قتيبة حتى قارب الصين واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه ملك الصين: «ابعث إلي رجلاً شريفاً يخبرني عنم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.

واختار قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك وخيول حسنة، وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي مفوّهاً سليط اللسان، وقال لهم: «إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..

وسار وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده.

ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء».

وبالطبع قال من حول الملك ما يحب الملك أن يسمع، لا ما يجب على الملك أن يسمع، أسوة من حول أصحاب السلطان في كل زمان وكل مكان.

وفي غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.

وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.

وفي اليوم الثالث دعاهم الملك إلى مجلسه أيضاً، فشدوا سلاحهم، ولبسوا البيض –الخوذ والمغافر- (جمع مِغفر)، وهو زرد ينسج على قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة.. وأخذوا السيوف والرماح والقسي، وركبوا خيولهم العربية المطهمة الأصيلة.

ونظر إليهم ملك الصين، فرأى أمثال الجبال المقبلة، فلما دنوا من مجلس الملك، ركزوا رماحهم ثم أقبلوا مشمرين.

وقيل لهم قبل أن يدخلوا على الملك: »ارجعوا..« لِما دخل في قلوب الملك ومن معه من رجال الصين وقادتها من خوف ورهبة.

وانصرف الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم واستعادوا سلاحهم وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً –عدْو ذو وثب، وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها، كالذي يجري في سباق الخيل- كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل هؤلاء!

وفي مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه هبيرة، فقال له الملك: قد رأيتم عظم ملكي، وأنه ليس أحد يمنعكم مني، وأنت في يدي بمنزلة البيضة في كفي، وإني سائلكم عن أمر، فإن لم تصدقوني قتلتكم.

وما كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً حتى ولو قتل على أن يكذب لا على ألا يكذب، فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم يصدق.

وسأل الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي الثالث؟

وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.

وقال الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.

وإذا كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟

وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.

واستخذى الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية.

واستخذى الملك إلى درجة الانهيار بعد أن سمع كلمة الحق تزهق الباطل، فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..

ودعا الملك بصحاف من ذهب فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.

وقد لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.

حقيقة الفتح
المؤرخون العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية فتضم إليها أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية، فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج حدودها تارة أخرى.

وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.

ومن مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك) التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.

ويذكر لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.

ولكن الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.[2]

يتضح من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى جرى في تركستان الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين، وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.

الشهيد..

والسبب الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية[3] وكان الوليد مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج الآخرون.

وعاد قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية، وهي في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: ما معشر العرب، قتلتم قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به ونستفتح إذا غزونا!

وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب!

ورثا قتيبة كثير من شعراء العرب، فقال الفرزدق:

أتاني ورحلي بالمدينة وقعة * لآل تميمٍ أقعدتْ كل قائم

وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:

كأنّ أبا حفص قتيبة لم يَسْرِ * بجيشٍ إلى جيش ولم يَعْلُ منبرا

ولم تخفق الرايات والقوم حوله * وقوف، ولم يشهد له الناسُ عسكرا

دعته المنايا فاستجاب لربّه * وراح إلى الجنات عِفّاً مطهّرا

فما رزئ الإسلامُ بعدَ محمّد * بمثل أبي حفص، فيبكيه عبْهَرا

وعبهرا: اسم ولد لقتيبة.

وقال جرير في رثاء قتيبة:

ندمتم على قتل الأمير ابن مسلمٍ * وأنتم إذا لاقيتم الله أندَمُ

لقد كنتم في غزوه في غنيمة * وأنتم لمن لقيتم اليومَ مغنَمُ

على أنه أفضى إلى حور ربّه * وتُطبق بالبلوى عليكم جهنمُ

والشعر في رثائه كثير، والثناء عليه أكثر، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.

يكفي أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي[4] وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت شديد ومحن وعناء.

ولا أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة. وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.

ويومها تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون.. وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض –في الطائرة- وترحّمتُ على شهداء المسلمين.

مجلة الأمة، العدد 50، صفر 1405 هـ

--------------------------------------------------------------------------------

[1] بلاد ما وراء النهر كان نهر جيحون القديم يعد الحد الفاصل بين الأقوام الناطقة بالفارسية والتركية، أي إيران وتوران، فما كان من شماله، أي وراءه، من أقاليم سمّاها العرب: ما وراء النهر، وهو نهر جيحون، وكذلك سمّوها: الهيطل.

[2] إسماعيل حقي شن كولر – قضية تركستان الشرقية، ص 64-65.

[3] الذهبي ، العبر ص 114

[4] هذا قبل سقوطه في أوائل التسعينات من القرن الماضي.

د.فالح العمره
28-09-2006, 08:16 PM
مجابهة الأفغان في القرن التاسع عشر


--------------------------------------------------------------------------------

في هذا المقال يقوم بروس كولينز Bruce Collins بدراسة الصفات المميزة للنشاط البريطاني في أفغانستان إبان حكم الملكة فيكتوريا، وهذه الصفات هي: روح المغامرة، وإنزال الكارثة بالشعب الأفغاني، والانتقام المميت.


--------------------------------------------------------------------------------

إن أحد الأفكار التاريخية السائدة من القرن التاسع عشر هو السلام البريطاني. فقد ساد السلام الطويل الأمد الذي امتد من عام 1815 إلى عام 1914 – مع توقف هذا السلام مرة واحدة خلال اندلاع حرب كريمان في أواسط عام 1850- روح أواصر العلاقات البريطانية مع قوى البلدان الأوروبية الرئيسية. أما بالنسبة للبلاد غير الأوروبية فقد شهدت في تلك الفترة سلسلة تدخلات بريطانية عسكرية وبحرية لايمكن الصفح عنها، اذ امتدت إلى كل جزء من أجزاء العالم. وقد أكد الجنرالات البريطانيون وقادة البحرية أن هذه التدخلات كانت ناجحة في معظم أرجاء العالم، أو على الأقل كان يبدو عليها سمة الانتصار. كانت الخبرة العسكرية البريطانية لها طابع خاص. اذ تتطلب التدخل الأول الذي حدث بدءا من عام 1838 إلى 1842 إظهار درجة عالية من الكفاءة لإدارة هذا التدخل ومن أجل إحراز النجاح الباهر، في حين أثبت التدخل الذي حدث منذ عام 1878 إلى عام 1881 أنه مكلف، على الرغم من إنجازه للهدف المنشود في نهاية الأمر. وفي كلتا المناسبتين تم الثأر للهزائم العسكرية التي حدثت، إلا أن إدارة السياسة في أفغانستان بقيت صعبة للغاية.

في عام 1837، قدم رئيس أركان الجيش البنغالي السير هنري فين Henry Fane تحليلاً رسميا مفاده أن الحدود الغربية والشمالية الغربية للهند البريطانية كانت آمنة بشكل تام ، وتغطي الصحراء الهندية الكبرى أو صحراء الثار جزءً منها ابتداء من البحر إلى فيروزبور Firuzpur على نهر سوتليج Sutlej. وتقف جبال الهيمالايا التي لايمكن اختراقها في نهاية الطرف الآخر. أما الجهة الوحيدة المكشوفة لتلك الجبال فهي تمتد على مسافة 120 ميلاً ابتداء من فيروزبور وحتى أعالي نهر سوتليج.

وعلى الرغم من صعوبة انقضاء عقد من القرن التاسع عشر دون حدوث بعض الحملات على الحدود التي كان لها تأثير على الجهات المتاخمة للهند البريطانية، إلا أن حاميات الحدود المنيعة قد ضمنت الأمان لهذه الحدود وأدت إلى تحسين قنوات الاتصال للقواعد الرئيسية للهند البريطانية وعملت على إقامة علاقة ودية مع البنجاب عبر نهر سوتليج، إلا أن هذا الانطباع قد تلاشى في غضون سنة.

لقد نشأ التدخل البريطاني في أفغانستان من جراء المخاوف البريطانية المتزايدة من الأطماع الروسية في آسيا الوسطى، فقد قامت روسيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالتوسع السريع لإمبراطوريتها في آسيا الوسطى، وبحلول عام 1830 قامت روسيا بالاستيلاء على أورال سك و تورغي وأجزاء من أكمولنسك. وقبيل حلول عام 1878 تجاوز الروس في استيلائهم على الأراضي ووصلوا إلى جنوب تركستان حيث استولوا على سمرقند وبخارى وسيميرشي. لقد كان تهديد النفوذ الروسي في آسيا الوسطى وما يمكن أن يكون له من تأثير على الرأي السياسي الهندي من ضمن المخاوف البريطانية الرئيسية. إذ قامت بريطانيا بإحكام إغلاق الهند بشكل فعال لمنع أي تغلغل بحري من قبل الخصوم الأجانب، ولكن هل من الممكن أن تكون الحدود الشمالية الغربية عرضة لأحداث من المحتمل أن تشجع الأمراء الهنود على تحدي الحكم البريطاني؟ أدرك معظم صناع السياسة أنه مهما أنجز خلال التطورات التجارية والتأسيسية، ومن خلال التحسينات الإنسانية والتعليمية والدينية، أن الحكم البريطاني اعتمد بصورة كلية على القوة العسكرية. لقد تنامى الاستياء إزاء الحكم البريطاني تحت حكم الراجا. وقررت الحكومة في الهند أن بذل روسيا لأي جهد سياسي في أفغانستان يشكل تهديدا غير مباشر حيال وحدة الدولة الإنجليزية-الهندية.

لقد تطلبت عملية إذعان الحكام الهنود للحكم البريطاني-ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر وما بعده- وكذلك تحويلهم إلى رعايا أرستقراطيين،تطلب اللجوء إلى عمليتي القسر وشن الحرب للقيام بذلك. وعلاوة على هذا، يعتقد البريطانيون أنهم يمكنهم – وبشكل متكرر- إعادة تعيين الحكام الآسيويين بكل سهولة. فقد حاولوا التدخل بالشؤون الأفغانية وهم يجهلون تجاهلا نسبيا أحوال الأفغان. وقد أجري في عام 1830 أول اتصال بريطاني شبه رسمي بالمدن الأفغانية الشرقية الرئيسية. ففي مطلع القرن التاسع عشر تركزت الاهتمامات الدبلوماسية على العلاقات الفارسية مع منطقة الحدود الغربية. وفي عام 1838 بدا واضحاً أن أمير أفغانستان دوست محمد يتلاعب بفكرة الانحياز إلى روسيا، فقررت بريطانيا حينئذ إبداله. وكان في مخيلتهم الأمير الأفغاني العجوز السابق شجاع الملك الذي أمضى ثلاثين عاماً منفياً في الهند. وكانت الإمبراطورية الأفغانية خلال القرن الثامن عشر قد تكونت من كبار الأسياد الرئيسيين. وكانت حركة تطور الاقتصاد ضعيفة للغاية، وتميزت تلك الفترة بوضع تجاري محدد نسبياً، إذ غالباً ما كان الحكام الأفغانيون يعتمدون على الغارات العسكرية التي يشنونها على الأراضي المجاورة وبالأخص الأراضي الواقعة شمال غرب الهند وذلك من أجل الحصول على غنائم عينية جاهزة من خلال عمليات السلب المنتظمة. وفي بداية القرن التاسع عشر نشأت منافسة حادة حول السلطة بين عشيرتين متنازعتين وهما سودسي و ركوزي اللتان تنحدران من قبيلة الدورانية[1] التي كان أميرها أحمد شاه. وقد ادعى العشرات من الحكام المتخاصمين من أتباع كلتا العشيرتين الحق لتولي السلطة. وقد استطاع اشجاع الملك أن يضع يده على الحكم وذلك عندما قام بالإغارة على بلده في عام 1834، إلا أنه هزم في معركة بالقرب من قندهار من قبل دوست محمد.

كان الحاكم العام اللورد أوكلاند يرى بأنه يمكن تغيير الحكم بسهولة في كابل، فلا شيء يخيف من القيام بذلك.

وقد افترض البريطانيون خطأ بأن وجود حليف محلي يمكن أن يكون بمثابة المساعد لهم لدى القيام بأي عمل عسكري قد ينشأ من جراء تدخلهم. وخلال صيف عام 1838 كان متوقعاً من حاكم البنجاب السيخي رانجيت سنج أن يقدم دعماً كبيراً للقوات التي ستدخل إلى أفغانستان ، إلا أن رانجيت رفض المشاركة في تقديم الدعم. وبدلاً من أن تزود بريطانيا الجيش السيخي بـ 5000 جندي كمساعدة لهم، وجدت نفسها أنها ملزمة بإرسال 1400 جندي من الهند البريطانية نفسها.

وعوضا عن عبور نهر سوتلج ومن ثم البنجاب والتوجه إلى كابل من بيشاور من خلال ممر خيبر، أجبِرت القوات البريطانية إلى سلوك طريق غير مباشر إلى قندهار. وللبدء في القيام بالحملة في ديسمبر عام 1838، قامت القوات البريطانية الرئيسية، والتي كانت مرابطة في فيروزبور، بقطع مسافة 1000 ميل وذلك في مدة 135 يوماً، ولم تحدث أية معارك في طريقهم إلى قندهار، إلا أن القوات كانت تصارع أوضاع الصحراء القاسية ،ومعابر الجبال الوعرة، ونقص الطعام، والحرارة الشديدة والماء الذي تعمِّد تلويثه، وكذلك التهديد المستمر لغارات رجال القبائل الجبلية. وقد تحدث أحد الضباط عن الحرارة والغبار، ورياح الصحراء، وأسراب الذباب الكبيرة والرائحة النتنة للبعير النافقة. كانت رائحة المعسكر تماثل رائحة المقبرة، فلا يستطيع أحد أن يمشي ثلاث خطوات داخل المعسكر دون أن يرى رجلا ميتاً أو حيواناً نافقاً أو على وشك الهلاك.

ولدى وصولها إلى قندهار أمضت القوات البريطانية حوالي شهرين، وذلك بالتعاون مع قوات شجاع الملك، بالإضافة إلى حوالي 38000 من أتباع المعسكر والخدم، محاولةً استجماع قواتها أثناء حشد الإمدادات العسكرية. وقد جرى تنصيب شجاع الملك كأمير. وكانت المرحلة التالية عبارة عن التوجه من قندهار إلى كابل لمسافة قدرها 310 أميال. وقد جرت في الطريق المعركة الوحيدة للحملة العسكرية التي دامت ثمانية أشهر، وذلك في المدينة المحصنة غزنة. وقد استمرت المعركة أكثر من ساعة بقليل. وكان لزاما على البريطانيين الذين لم يجلبوا معهم أسلحة ثقيلة أثناء زحفهم عبر الوادي الرئيسي لشرق أفغانستان، أن يشقوا طريقهم إلى غزنة عن طريق القيام بهجوم جريء حدث في الفجر. ثم قاموا بتفجير إحدى بوابات المدينة بواسطة 300 ليبرة من مسحوق الرصاص، وبعد ذلك أرسل فريق هجومي مؤلف من عدد قليل من فرقة المشاة الأوروبية . وقد حصل هذا الفريق على الدعم اللازم في الوقت المناسب. وكما هو الحال في مسألة الحملات الاستعمارية، فقد اعتمد نجاح العملية على السرعة والجرأة وارتجالية وتحمل المخاطر الكبيرة للأقلية المميزة في القوات الموجودة.

وفي نهاية عام 1839 كانت بريطانيا واثقة بأن أهدافها السياسية قد تحققت، فقد نصب شجاع الملك أميراً للبلاد وهرب دوست محمد، وانسحبت قوات الحملة، إلا أنه بقي وجود بريطاني هام فيها. ومع ذلك تزايدت صعوبة تحدي إيجاد وإبقاء حكم مستقر في أفغانستان. فزعماء القبائل المستقلون لم يقبلوا بحكم شجاع الملك. وقد أدى حماس الناصحين البريطانيين، بشأن القيام بإصلاحات إدارية وسياسية، إلى حدوث تغييرات في زيادة الإيرادات والامتيازات و النفوذ الممنوحة للزعماء المحليين في كابل، وأدى هذا إلى إثارة المعارضة. وبحلول شهر أيار/مايو من عام 1841، نشرت بريطانيا ستة عشر ألف جندي في أفغانستان وفي الطرق المؤدية إليها مباشرة، كما نشرت تسعة آلاف جندي في الطريق الممتد من كراتشي إلى كويتا. وازدادت حدة العداء حيث امتعض الزعماء المحليون من شن الغارات البريطانية على الوديان المستقلة، حيث ساهمت تلك الغارات في القضاء على المحاصيل الزراعية ومهاجمة الحصون الصغيرة. وامتعض الزعماء المحليون كذلك من الانتشار الواسع للقوات الهندية في بلد مسلم، لا سيما أن الأفغان كانوا بمثابة الوسيط بشأن مصير هندوستان في القرن الثامن عشر.

كذلك برز مزيد من النزاعات نتيجة الزيادة الحادة في أسعار السلع الأساسية و وجود أعداد كبيرة من الجيوش الأجنبية، ورغبتها في شراء البضائع. وقد أدت الإصلاحات في تنظيم الجيش الأفغاني إلى تخفيض هائل في نسبة المدفوعات السنوية التي تقدم إلى قبائل غيلزاي المسيطرة على الطريق ما بين جلال آباد وكابل. فكانت ردة فعل هذه القبائل أن قامت بمهاجمة قافلة كبيرة كانت متجهة من جلال آباد إلى كابل وذلك في أكتوبر عام 1841. وقد حدث هذا الهجوم عندما كان البريطانيون يخططون للانسحاب الرئيسي. وخلال فصل الخريف، قاد اللواء السير روبرت سيل Robert Sale قائد جبهة القتال في غزنة في السنتين الأخيرتين الفريق العسكري البريطاني متجهاً من كابل إلى جلال آباد حيث مكان المعارضة، لفتح الطريق المباشر للانسحاب. إلا أن البريطانيين في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1841 فقدوا السيطرة على سير الأحداث في كابل. فقد هاجمت جماعة من الغوغائيين المقيم البريطاني السير الكسندر بيرنز Alexander Burnes وأردته قتيلاً. ثم قامت القوات القبلية المجندة بالاستيلاء على حصن المفوضية. وخلال تردد البريطانيين في ردة فعلهم إزاء هذا الهجوم ، انضم عدد من زعماء القبائل إلى التمرد.ووصل الأمير المخلوع محمد أكبر نجل دوست محمد إلى العاصمة وتولى قيادة فرق التمرد. وحاول المبعوث البريطاني المتقاعد السير وليام ماكنوغتين William Macnaughten إجراء مفاوضات تسوية معه إلا أنه قتل وقطعت أوصاله في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر. وإزاء هذا الاضطراب المتزايد، توصل القائد البريطاني اللواء وليام إيلفنستون William Elphinstone إلى عقد اتفاق مع ثمانية عشر زعيم قبيلة أفغانية بارزين، ونصت هذه الاتفاقية على أن يضمن زعماء القبائل سلامة الحاميات البريطانية. وفي السادس عشر من شهر كانون الثاني/يناير عام 1842، غادرت كابل القوات البريطانية المؤلفة من 4500 جندي معظمهم من الجنود الهنود (السباهيين)[2] الذين كانوا يخدمون في الجيش البريطاني، ومعهم كذلك أكثر من 12000 من الموالين والخدم وأتباع المعسكر، وقام روبرت سيل وقتئذ بتأسيس موقع دفاعي في جلال آباد عبر الطريق المؤدي إلى البنجاب.

إن الانسحاب البريطاني من كابل إلى جلال آباد قد أدى إلى وقوعهم في أسوء نكسة مرعبة في تاريخ حروب الإمبراطورية البريطانية. وخلال أيام عديدة دق ناقوس الخطر على القوات المنسحبة بسبب شدة البرد، الذي كان مهلكاً ومميتاً، و نفاذ الطعام والمؤن ،وكذلك بسبب كمائن رجال القبائل المسيطرة على أعالي الممرات الجبلية الصخرية الضيقة. وقد أدت الإصابة بالعمى الثلجي وقضمة الصقيع إلى عدم مقدرة المقاتلين من استخدام أسلحتهم، وأخذ الجوع ينخر بجميع القوات. وفي صبيحة اليوم الخامس ازداد عدد الجنود الذين كان بإمكانهم الحركة إلى عشر العدد الأصلي للجنود وهو 4500 جندي. وفي اليوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني/يناير، هاجم الأفغان بقوة عدداً قليلاً من الجنود البريطانيين في ممر جاكدولاك واستطاعوا في اليوم التالي من خلال نصب كمين القيام بعملية مزعجة في ممر كوندامك. وتم سجن الكثير من البريطانيين، أما البقية فقد قتلوا ومن ضمنهم 18 ضابطاً.. وكان من بين الذين نجوا من هذه المحنة من القوة الرئيسية أوروبي واحد نفذ بجلده وهو الطبيب الجراح وليام برايدون William Braydon الذي وصل إلى جلال آباد وهو يعرج، وذلك في الثالث عشر من كانون الثاني/يناير. وقام [الجنود] في حامية سيل بالنفخ بالبوق طوال تلك الليلة معلنين ضرورة الحضور إلى الحامية آملين من وراء ذلك أن يأتي الناجون إليها، إلا أنه لم يأت أحد، ولم يعرف بالتحديد عدد الذين قتلوا ، إلا أن عددا كبيرا من قوات الحامية وأتباعها قد هلكوا. فالبعض منهم كان على قيد الحياة لفراره أو لأنه أصبح سجيناً. ولربما تجاوزت حصيلة المفقودين أكثر من اثني عشر ألف جندي.

وعلى الرغم من الكارثة الإنسانية المروعة التي حلت بالبريطانيين، إلا أنهم استطاعوا الحفاظ على بعض القوى العسكرية الرئيسية. فقد بقيت قوة قوامها سبعة آلاف وخمسمائة جندي في قندهار ( وهو عدد فاق كثيرا عدد الجنود المفقودين خلال الانسحاب من كابل). وقد وصلت إمدادات عسكرية ضخمة إلى بيشاور في مملكة السيخ وذلك في مطلع شهر فبراير 1842. وقد صمدت قوات الحامية سيل في جلال آباد ونجت من كارثة نقص الغذاء ومن هجمات الأفغان إلى أن وصلت قوات بيشاور للإغاثة- التي قدمت عبر ممر خيبر – للبلدة في 16 نيسان/أبريل ومعها 15 ألف جندي بريطاني.

إن الدفاع عن جلال آباد قدم رمزاً بطولياً للمرونة والمقاومة البريطانية، وكان بمثابة المقاومة الأساسية إزاء عدم الكفاءة العسكرية التي أدت إلى دمار كابل. كما أنها عملت على إيجاد الدافع إلى إرسال حملة تأديبية إلى عاصمة أفغانستان. فقد انتشرت قوات بريطانية من جلال آباد إلى الأودية المجاورة لمعاقبة القبائل المحلية. وقام البريطانيون بهدم القلاع، وحرق القرى، واقتلاع جذور الأشجار (التي هي عنصر هام للاتقاء من حرارة الصيف الشديدة )، حتى تذبل الأشجار وتموت. وجرى تبرير هذا الفعل البريطاني بأنه رد على دهاء الشعب الأفغاني. وقد كتب فيما بعد ضابط يدعى توماس سياتون أن: »كل جريمة، وكل خطيئة يمكن أن تقترفها الطبيعة الإنسانية هي أمر مألوف وواضح وضوح الشمس في أفغانستان«.

* * *

كان البريطانيون ملزمين بالانسحاب من أفغانستان سياسياً واستراتيجياً، إلا أنهم الآن يأخذون بعين الاعتبار عدة مقاييس عسكرية لمعاقبة الأفغان. وهذا ما كتبه دوق ولنغتن Duke of Willington –وهو عضو في مجلس الوزراء- إلى الحاكم العام وذلك في 30 آذار/مارس عام 1842 قائلاً: »من المستحيل أن نطبع في نفوسكم بشدة فكرة استعادة سمعتنا في الشرق«.

لقد تم إعادة الاعتبار لبريطانيا بعدة طرق مختلفة. فقد توجهت قوات الحامية في قندهار إلى كابل، وتقدم عدد كبير من القوات في جلال آباد غرباً لملاقاة قوات الحامية. وصل الجيشان إلى العاصمة في 16-17 من أيلول/سبتمبر عام 1842 وأجريا مفاوضات لإطلاق سراح 95 سجيناً بريطانياً. وقامت هذه القوات بعد ذلك رسمياً بنسف الساحات الأربع الكبيرة أو الأسواق في مركز المدينة. وأخذ البريطانيون يكررون عملية الهدم الرسمي للأبنية الرئيسية ويطبقونها كلما أرادوا إثبات قوتهم، بحجة أنه لم يكن لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك.

قام الحاكم العام اللورد إيلنبورو Ellenborough في منتصف شهر ‏كانون الأول/‏‏ديسمبر بإجراء عرض رسمي ضخم في فيروزبور وذلك للترحيب بعودة القوات إلى الهند البريطانية. وكان قد تجمع حوالي 25000 جندي إضافي على هيئة صف للترحيب بهم، وقد بلغ طول هذا الصف ميلين ونصف، وكانت الفرق والمآدب التي أقيمت والحفلات الراقصة وطلقات الترحيب كلها تنادي بالنصر ونهاية الحملة وليس بالانسحاب والفشل. وقد أعاد البريطانيون بوابات سومنوث إلى الهند، بعد أن استيلاء الأفغان عليها منذ وقت طويل، وذلك بإقامة حفل مهيب سار عبر شمال وسط الهند. وقد انتقد العديد من المعلقين البريطانيين هذا النصر الفارغ، إلا أن هذا النصر شكل عنصراً رئيسياً لسياسة ايلنبورو في إعادة بناء الثقة في الجيش الهندي.

انتهز البريطانيون الفرصة أخيرا في عدم الاستقرار السياسي والتنافس القبلي في منطقة السند حيث فتحوها وجرى ضمها إلى جنوب وجنوب شرق أفغانستان وذلك في مطلع عام 1843. وقد أشار ايلنبورو لدى اتخاذه القرار بتولي السلطة في مارس عام 1843 قائلاً: »ينبغي علينا استعادة سمعتنا التي فقدناها في الهند، وذلك عن طريق الاستيلاء على الأقاليم، وزيادة عملية الإصلاح التي ينبغي تطبيقها في إدارة المنطقة الجديدة«. وقد دفع أمراء السند الثمن باهظاً فيما يتعلق بالنكسات البريطانية في أفغانستان.

وبعد فترة الانسحاب التي تمت في عام 1842، أثبتت العلاقات البريطانية مع الأمير دوست محمد الذي أعيد إلى الحكم، أنها غير مرضية بشكل كبير. ومع ذلك فقد تغير الوضع في الإقليم الشمالي الغربي بأكمله لدى الاستيلاء البريطاني على البنجاب عام 1840. وكانت القوات البريطانية قادرة على السيطرة على البنجاب خلال فترة الاضطرابات الناتجة عن التمرد الهندي الذي حدث عام 1857. فلم يكن هناك أية تهديدات من أفغانستان ،إلا أنه في عام 1870 عادت من جديد المخاوف من التوسع الروسي، وازدادت حدة الاستياء من أمير كابل الجديد. فقد بلغت الصراعات الطويلة الأمد أوجها عام 1878، وتفاقمت بسبب صلابة الحاكم العام اللورد ليتون Lytton وعدم حذاقته السياسية، فنشأت حرب قصيرة ونتج عنها مكاسب دبلوماسية بريطانية وهو احتلال وادي كُرَم الواقع بين البنجاب وجبال أفغانستان، ونتج عن ذلك أيضا تنصيب ممثل دائم بريطاني في كابل.

وبالخضوع ظاهرياً إلى الضغوط البريطانية نجح حكم الأمير فقط في إثارة مشاعر الكره القبلي، وقام الجنود الأفغان المنشقون بحرق دار المقيمية البريطانية في أيلول/سبتمبر عام 1879 وقتلوا جميع من فيها ومن ضمنهم المبعوث البريطاني السير لويس كافاجنري Louis Cavagnari، وكان هناك وقتئذ عدد كاف من القوات البريطانية قريبة من موقع الحادث كي يعمدوا إلى اتخاذ رد فعل بريطاني سريع.

وعقب الهجوم بشهر تقريباً، توجه اللواء فردريك روبرت (الذي أطلق عليه فيما بعد اللورد روبرتس) إلى كابل. من الواضح أن اللورد ليتون قد رسم لروبرتس خطة بريطانيا. لقد وجد ليتون أنه من الأهمية بمكان إنزال عقاب عاجل لتحقيق النتائج المرجوة، وذلك قبل أن تلين المواقف السياسية البريطانية إزاء أفغانستان. فقد كان يود أن يلقن الأفغان درساً سريعاً ومؤثراً. وأكد ليتون أن جميع الشعب الأفغاني قد شارك في »جريمة عظيمة قومية، وأن أي أفغاني يقتل بيد القوة البريطانية المنتقمة فإنني سأعتبره وغداً وأقل منزلة في عالم النذالة«. وبينما كان الرأي العام البريطاني يطلب اتخاذ بعض الإجراءات القضائية، كان نائب الملك يشعر بأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة و أشد قسوة. وقد استطاع روبرتس إنزال العقاب بالأفغان لدى وصوله إلى كابل وبشكل غير عادل. وقام البريطانيون في غضون الأربعة أسابيع التالية بإعدام حوالي 100 أفغاني، بغض النظر عما إذا كانوا قد شاركوا في الهجوم على دار المقيمية أم لا. وأشار ضابط كبير »إنهم يكرهوننا بكل معنى الكلمة ولا يهابون منا بشكل كاف«.

ومن أجل دعم ذلك الوجود العسكري الكبير خلال فصل الشتاء، أرسل روبرتس فرقاً كبيرة من الجنود للبحث عن الطعام في مناطق الريف المحيطة، وعندما واجهت تلك الفرق مقاومة، نشبت مصادمات كانت متوقعة في المنحدرات، وقد تم نهب المواد الغذائية وحرق القرى التي كانوا يدخلونها.وقد هاجمت القوات القبلية الموقع البريطاني خارج كابل في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر. ثم قامت بريطانيا في مطلع عام 1880 بتحويل أعداد كبيرة من قواتها المرابطة في بيشاور إلى كابل لتأمين خطوط الاتصال وبناء قاعدة هناك للمراقبة والتعزيزات.

وجد البريطانيون أنفسهم وسط تنافسات عنيفة بين القبائل والعشائر وداخل الأسرة الحاكمة. ففي أحد الصراعات المحلية حول السلطة بالقرب من قندهار، واجهت قوة بريطانية قوامها 2600 جندي الهزيمة في ميواند في شهر تموز/يوليو 1880، كما لحقت بالقوات البريطانية هزيمة نكراء ومخزية، إذ قتل أو جرح 43% من جنودها وهي نسبة عالية من الجرحى تفوق التصور. كان ذلك مشهداً تقليدياً لما حدث لقوة بريطانية صغيرة نسبياً والتي تعرضت إلى قوة خصم عظيمة من حيث عدد الجنود وسلاح المدفعية. وفي كثير من الأحيان تثبت المقولة القائلة بأن الإدارة البريطانية تفشل أمام النزاعات الكبيرة ،إذ تفتقر إلى تحمل المسؤولية. فعندما كان خصمهم مدججاً بالسلاح بشكل جيد-كما هو الحال بالنسبة للأفغان- لم يستطع البريطانيون التقدم بشكل ملموس أمام تلك الأعداد الكبيرة. بل على العكس من ذلك وكما حدث في ميواند كانوا قد تلقوا الهزيمة.

إلا أن البريطانيين كان يتوفر لديهم قوة بشرية كافية لتعويضهم عما فقدوه. إذ قاد روبرتس 10000 جندي كانوا على بعد 300 ميل من كابل إلى قندهار، ولدى وصوله إلى هناك هاجم جيشه الأفغان خارج قندهار وذلك في الأول من أيلول/سبتمبر من عام 1880، واستطاع روبرتس تفادي الأخطاء التي ارتكبت في ميواند، فقد كان يمتلك أسلحة تماثل أسلحة خصمه، وكذلك بالنسبة لعدد جنوده. ثم قام بردّ خصمه إلى الوراء وذلك على مراحل وبحركة جانبية موفقة. واستولت قواته على جميع أسلحة الأفغان. وقد أدت هذه الهزيمة إلى تقسيم الجيش الأفغاني إلى أقسام. إذ قامت القوات البريطانية النظامية بالعودة إلى شمال غرب المدينة وإلى قواعدها الأصلية في هراة. أما رجال القبائل المنشقون فقد لحقت بهم الهزيمة في ميدان المعركة وجرى تشتيتهم، إلا أنه لم يتم بالضرورة القضاء عليهم تماماً، فقد أشار بعض الخبراء العسكريين ومن ضمنهم روبيرتس أنه ينبغي احتلال قندهار وذلك من أجل استتباب الأمن للحكم الموالي لبريطانيا. وكان مجلس الوزراء قد رفض هذا المشروع والمناقشات من أجل القضاء على أفغانستان. وعقب حدوث عدد من المناوشات الرئيسية بين الأمراء المتنافسين في عام 1881، تم إيجاد حكم جديد في نهاية السنة وانسحب البريطانيون من المدينة. وقد احتاجت بريطانيا في أوج تدخلها إلى وجود ما يقرب 48000 جندي في مدن الهند البريطانية وفي خطوط الاتصالات، وقتل حوالي 10000 جندي وأصيب عدد منهم بالمرض.

ويبرز سؤال واضح وهو إلى أي مدى استطاع البريطانيون أن يتكيفوا بخبرتهم الحربية مع الحرب في الجبال؟. ففي عام 1841-1842 هاجم الأفغان بشدة القوات البريطانية المرابطة في أعالي التلال. وقام روبرتس خلال فترة 1878-1879 بضمان انتشار قوات على درجة عالية من الكفاءة استعداداً للتنقل من أجل تسلق قمم الجبال كي تستطيع إطلاق النار على المواقع الأفغانية، وكذلك ضمن انتشار تلك القوات في الطريق باتجاه الغرب من ممر خيبر وجلال آباد إلى كابل –وهو الطريق الذي تتحرك فيه القوات البريطانية والذي كان معظمه عرضة للمناوشات الجبلية- حيث كانت فيه الحراسة كاملة وتمت السيطرة عليه في 1879-1881. ولدى وصول البريطانيين إلى المدينتين الرئيسيتين قندهار و كابل شعروا أنهم في أمان لأن الأفغان لا يملكون أسلحة الحصار الثقيلة لنشرها في المواقع المحصنة جيداً. وقد بذل البريطانيون جهودا حثيثة للسيطرة على المناطق حول المدن الرئيسية. وكان الأسلوب الأفغاني في القتال في المناطق الخلفية المتاخمة قد سبب مشاكل للغزاة. وكانت حماية قراهم وأوديتهم من ضمن الأولويات لديهم، ومع ذلك استطاع البريطانيون التوغل بصعوبة إلى تلك الأودية العميقة والمقسمة، وذلك عن طريق نشر قواتهم. وأصر روبرتس على تزويد كتائب المشاة بستة عشر جندي مشاة ليكون هناك مجال للتحرك، إلا أن القدرة على التحرك السريع إلى أبعد حد بقي عائقاً بسبب مشاكل المواصلات.

وقد زادت الحرب الأفغانية الثانية من فكرة الالتزام العسكري ومن وجود التنافس العسكري بين البريطانيين (الاسكوتلانديين) ، وبين الهنود البريطانيين (السيخيين والغورسيين). وأراد روبرتس ضمان تحلي قوات الإغاثة- التي غادرت كابل متوجهة إلى قندهار في أغسطس عام 1880 – بالخبرة والالتزام. إن الأخذ بفكرة أنه ربما يكون الجنود الذين كانوا في الخدمة العسكرية الفعلية لفترة حوالي سنتين منهكين جعل روبرتس يستشير قواد الكتائب عن مدى استعداد رجالهم لخوض المعركة. وقد أفاد ثلاثة من القواد أن قواتهم قد لا تتحمل الإجهاد الذي يرافق عادة الحملة. ولرفع معنويات الجنود وعد روبرتس –الذي كان يأمل أن تنتهي الحملة سريعا- الجنودَ بالسماح لهم بالعودة فوراً إلى الهند بعد انتهاء القتال. وتم نقل هؤلاء الجنود الذين لم يعتادوا على الزحف العسكري، وحفظت المعدات بعناية فائقة. وأشار روبرتس أن القوات بحاجة إلى خبرات مَن تم نقلهم للنهوض بأعباء تحميل أمتعة الجيش على الحيوانات لأن السائقين أو المساعدين الأفغان قد تركوا البريطانيين في شهر آب/أغسطس أثناء الزحف من كابل إلى قندهار.

لقد كان قادة هذه القوات على دراية تامة بقوة وضعف تحمل كل فرد من أفراد قواتهم. إذ كانت تتمتع هذه القوات بخبرة عظيمة، ثم قامت بعد ذلك بالسفر في وضح النهار. وكعادة الحملات الإستعمارية، يتعمد البريطانيون إلى دمج الوحدات المتوفرة لديهم لاعتقادهم أن الجنود –على الأغلب- يَفونَ بالتزاماتهم أكثر إذا لم يتم دمجهم بعضهم ببعض. وبلغ عدد البريطانيين حوالي 2562 جنديا من إجمالي القوات البالغ عددها 9713 جنديا (ما عدا الضباط) أثناء توجههم إلى قندهار. وكان لدى كل فرقة من فرق المشاة الثلاث أربع كتائب قوامها مابين 500-700 جندي، وكان هناك كتيبة بريطانية واحدة ، وأخرى من جورخا في كل فرقة من فرق المشاة الثلاث. أما باقي الكتائب في الجيش فقد كانت تتألف من السيخيين والبنجابيين. وهكذا تم نشر القوات البريطانية والجورخية لإشعال حدة المنافسة بين الوحدات المختلفة ولإبراز أهمية القوة العسكرية لكل فرقة.

لقد جرت معركة حامية الوطيس في الأول من أيلول/سبتمبر، إذ كانت الأطراف المتصارعة في الأساس تتألف من القوات البريطانية التي كانت تدفع أحد جانبي القوة الأفغانية من مواقعها الدفاعية، وتطوق نقطة الدفاع الأفغاني الرئيسية للاستيلاء على معسكر الجيش. وادعى البريطانيون كالعادة بأن محصلة عدد الجرحى كبير جداً، إلا أن عدد الأفغان المقتولين بلغ حوالي 600 أفغاني، ولم يكن هذا العدد عاليا مقارنة بحجم الجيش البريطاني والعدد الحقيقي لطلقات البنادق والمدفعية الموجهة إلى الأفغان. وأكثر ما استطاع البريطانيون قتله هو أفغاني واحد لكل مئة طلقة أطلقت، وقد افترض خطأ أنه لم يقتل أحد بالحراب. ولم تكن مطاردة الفرسان عقب الحرب فعالة، فقد قدّر أنه قتل حوالي مئة أفغاني في عملية مطاردة أدت إلى إبعاد الفرسان الأفغان بحوالي خمسة عشر ميلاً عن ميدان المعركة. وهذا يؤكد أن القليل منهم قد جرح، وأن هؤلاء الجنود قد تخلفوا وتعرضوا للخطر حتى في مطاردة متأخرة للفرسان. لذا فالمعركة لم توجه ضربة عسكرية ساحقة للأفغان، ولكنها أحدثت انقلاباً قوياً أدى إلى تقسيم الجيش الأفغاني وتشتيت زعماء القبائل في مواطنهم المختلفة.

لقد عامل قادة الهند البريطانية –في كلا الحملتين- الأفغان كرهائن على خلاف عسكري، وذلك من أجل المحافظة على مركز بريطانيا في الهند ومكانتها كقوة عسكرية. وارتكزت كلتا الحملتين على الحاجة لتحقيق انتصارات سريعة وواضحة وانسحاب لاحق سريع. وانتهت كلتا الحملتين بإلحاق الأذى بالأفغان، وبإظهار أن العقاب يتفوق على العدالة في ردة الفعل على المقاومة الأفغانية العنيفة لوجودهم العسكري.

وترك البريطانيون أفغانستان كما وجدوها. ومنذ مئة سنة وصف الكتاب السنوي للبريد اليومي الشعب الأفغاني بأنه شعب مكون من 4 ملايين نسمة ، وكان يعاني من نقص شديد في الغذاء ، كما كان يعاني من ظلم النبلاء والجشعين.

وقدمت الهند البريطانية إلى الأمير معونة مالية حيث أنه يعتمد على قواته المسلحة التي هي تحت إمرته، أما المطالبون بالحكم –ومن ضمنهم أؤلئك الذين تورطوا في أحداث 1880-1881- فقد كانوا يتحينون الفرصة من منفاهم في روسيا والهند لخوض عملية التحدي.


--------------------------------------------------------------------------------

Bruce Collins, “Fighting the Afghans in the 19th Century,” History Today, vol. 51 (12) Dec. 2001

خدمات الفسطاط للترجمة


--------------------------------------------------------------------------------

[1] الدورانية أسرة تنسب إلى مؤسسها أحمد خان الذي تولى حكم أفغانستان عام 1747م والذي كان يدعى بـ»دري دورانية« أي درة العصر، وكانت قندهار مركز حكمه. (الفسطاط).

[2] سباهي sipahi كلمة أصلها تركي، وهي تطلق على الفارس الذي يقطعه السلطان أرضاً مقابل خدماته العسكرية، وقد استخدمها كاتب المقال هنا بمعنى »سلاح الفرسان«. (الفسطاط)

د.فالح العمره
29-09-2006, 02:19 PM
مفكرة الإسلام : يعتبر دخول الإسلام إلى بلاد الهند الشاسعة أشبه ما يكون بالملاحم الأسطورية التي سطرها كبار المؤلفين والمؤرخين، والإسلام قد دخل بلاد الهند الضخمة والواسعة منذ القرن الأول الهجري، ولكنه ظل في بلاد السند بوابة الهند الغربية فترة طويلة من الزمان، حتى جاء العهد الذي اقتحم فيه الإسلام تلك البلاد الكبيرة المتشعبة الأفكار والعادات، والمبنية على نظام الطبقات، فاصطدم الإسلام ليس فقط مع القوة المادية والجيوش الحربية ولكنه اصطدم أيضا مع الأفكار الغربية والانحرافات الهائلة و الضلالات المظلمة لذلك فإن معركة الإسلام مع الكفر بأنواعه الكثيرة بالهند ظلت لمئات السنين، ومازالت قائمة حتى وقتنا الحاضر والذي نلمسه جلياً في المذابح والمجازر السنوية والموسمية التي يقوم بها عباد البقر من الهندوس ضد المسلمين، الذين تحولوا من قادة وحكام للبلاد إلى أقلية وذلك رغم ضخامة أعدادهم مقارنة بغيرهم من بلدان العالم .



الإسلام والهند



بلاد الهند قديماً قبل التقسيم الحالي كانت تشمل بجانب الهند كلا من [باكستان ، وأفغانستان، وبورما،] وغيرهم إلى حدود الصين، وكانت منقسمة إلى بلاد الهند وبلاد السند، لذلك فلقد عرفت عند الجغرافيين باسم 'شبه القارة الهندية' لضخامتها، ولقد دخل الإسلام إلى بلاد السند منذ الأيام الأولى للدولة الإسلامية، وبالتحديد سنة 15 هجرية في خلافة 'عمر بن الخطاب'عن طريق الحملات الاستكشافية التي قادها 'الحكم بن العاص' الذي وصل إلى ساحل الهند، وتواصلت الحملات الاستكشافية أيام أمير المؤمنين 'عثمان بن عفان' ولكنه رضي الله عنه رفض إرسال جيوش كبيرة خوفاً على المسلمين لبعد البلاد واتساعها .



ظل الأمر هكذا حتى صدر الدولة الأموية وعندما تولى 'زياد بن أبيه' العراق وما بعدها، فقرر أن يجعل سواحل الهند ولاية منفصلة سميت بالثغر، وتشمل المساحة التي تلي [سجستان وزابلستان وطخارستان 'أفغانستان الآن] وكان أول من تولاها رجل اسمه 'راشد بن عمرو' ومن يومها بدأت الحملات الجهادية القوية للفتح الإسلامي للهند، وبرز رجال في تلك الحملات : أمثال [عباد بن زياد وسعيد بن أسلم ومحمد بن هارون] وكلهم أكرمهم الله بالشهادة في ميادين الجهاد .



كان التحول الكبير في مسيرة الفتح الإسلامي للهند عندما تولى الشاب القائد 'محمد بن القاسم الثقفي' رحمه الله قيادة الحملات الجهادية بناحية السند، وحقق انتصارات هائلة بالقضاء على ملك السند 'داهر البرهمى' وفتح معظم بلاد 'السند' وضمها للدولة الإسلامية، وأزال عنها شعائر الشرك والكفر والبوذية والبرهمية، وذلك سنة 89 هجرية، ولكن 'محمد بن القاسم' ما لبث أن راح ضحية لمؤامرة دنيئة قامت بها 'صيتا ابنة داهر' حيث ادعت وافترت عليه كذباً أنه أغتصبها، وسجن 'ابن القاسم' ومات في سجنه، وحزن عليه أهل 'السند' حزناً شديداً، وبموته توقفت حركة الفتح الإسلامي للهند .



وبعد ذلك انتفض ملوك 'الهند' و'السند' وعادوا إلى عروشهم، فلما تولى الخليفة الراشد 'عمر بن عبد العزيز' كتب إلى ملوك 'السند' يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يظل كل ملك منهم مكانه، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فأجابوه، ودخلت بلاد 'السند' كلها في الطاعة المسلمين، وأسلم أهلها وملوكها وتسموا بأسماء العرب، وبهذا أصبحت بلاد 'السند' بلاد إسلام، وقد اضطرب أمر 'السند' في أواخر أيام بنى أمية، ولكنها عادت إلى الطاعة والانتظام في أيام 'أبى جعفر المنصور' وفي أيامه افتتحت 'كشمير' ودخلت في دولة الإسلام، ولكن ظلت بلاد 'الهند' الغربية بعيدة عن الإسلام حتى ظهرت عدة دول محلية موالية للخلافة العباسية، ولكنها مستقلة إدارياً وسياسياً ومالياً ، ومن أعظم تلك الدول المحلية التي ساعدت على نشر الإسلام دولة الغزنويين وقائدها الفاتح الكبير 'محمود بن سبكتكين' .



الدولة الغزنوية



اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة 'غزنة' الموجودة حالياً بأفغانستان وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد 'سبكتكين' الحاجب التركي الذي عمل في خدمة الأمير 'عبد الملك بن نوح السامانى' وترقى في المناصب وارتفعت به الأطوار حتى نال رضا أمراء 'السامانية' فعينوه والياً على 'خراسان' و'غزنة' و'بيشاور'، فكون نواة الدولة 'الغزنوية' وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك 'الهند' وخاصة ملوك شمال 'الهند'، وأكبرهم الملك 'جيبال' الذي قاد ملوك وأمراء الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة 'سبكتكين' سنة 369هجرية، وكان النصر حليفاً للمسلمين، فرسخ بذلك 'سبكتكين' الوجود الإسلامي وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد 'الأفغان' و'طاجيكستان' .



وكل ما قام به 'سبكتكين' كان باسم 'السامانيين' وملوك ما وراء النهر، ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة 'السامانية' عندما قضى على قوة 'البوبهيين' الشيعة بنيسابور' سنة 383 هجرية، فقام الأمير 'نوح بن نصر السامانى' بتعين 'محمود بن سبكتكين' والياً على 'نيسابور'ن وبالتالي غدت الدولة 'الغزنوية' أوسع من الدولة 'السامانية' نفسها، ومات 'سبكتكين' سنة 388 هجرية، وخلفه ابنه 'محمود' لتدخل المنطقة عهداً جديداً من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة 'الفاروق' .



الفاتح الكبير



لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد 'محمود بن سبكتكين' حتى بدأ نشاطاً جهادياً واسعاً أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى قال المؤرخون أن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة 'عمر بن الخطاب'، وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساساً على تقوية وتثبيت الجبهة الداخلية عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وهو الأهم فعمل على ما يلى :



1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية ، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين لبلاد الواقعة تحت حكمه.

2- قضى على الدولة 'البويهية' الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلاغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر 'الساسانى' الفارسى، واتخاذ ألقاب المجوس مثل 'شاهنشاه' وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان 'محمود' أعظم خدمة للإسلام .



3- أزال الدولة السامانية' التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف والانحلال أثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات على الجبهة الهندية .



4-أدخل بلاد الغور وسط 'أفغانستان' وهى مناطق صحراوية شاسعة في الإسلام، وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة 'القرامطة' الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه 'أبو الفتوح داود' وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة مثل الباطنية والإسماعيلية .



5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد وخطب للخليفة العباسي 'القادر بالله' وتصدى لمحاولات وإغراءات الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين 'التاهرتى' الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد 'محمود بن سبكتكين'، وأهدى بغلته إلى القاضي 'أبى منصور محمد بن محمد الأزدى' وقال 'كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين' .



وهكذا ظل السلطان 'محمود بن سبكتكين' يرتب للبيت من الداخل ويقوى القاعدة إيمانياً وعقائدياً وعسكرياً، ويكون صفاً واحداً استعداداً لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد 'الهند' .



فتوحات الهند الكبرى



بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد 'الهند' من مركز قوة بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول 'البنجاب' فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك لم يكن هناك مناؤى أو معارض داخلي للسلطان 'محمود' يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته، لذلك البداية في غاية القوة .



بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال 'الهند' سنة 392 هجرية، حيث انتصر السلطان 'محمود' على ملك الهند الكبير والعنيد 'جيبال' وجيوشه الجرارة، ووقع 'جيبال' في الأسر، فأطلقه السلطان 'محمود' لحكمه يعلمها الله ثم هو : وهى إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين منذ أيام والده السلطان 'سبكتكين'، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع منهم في أيدي المسلمين أسيراً لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى 'جيبال' ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.



غزا السلطان 'محمود' بعد ذلك أقاليم : 'ويهنده'، و'الملثان'، و'بهاتندة'، ثم حارب 'أناندابال'، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال 'الهند' تماماً وقضى على سلطانه في 'البنجاب' وبعد ذلك مباشرة عمل على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى 'السند' إلى حوض 'البنجاب' .



تصدى السلطان 'محمود' لمحاولة أمراء شمال 'الهند' استعادة ما أخذ المسلمون، وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398 هجرية، وفتح أحصن قلاع 'الهند' قلعة 'بيهيمنكر' على جبال 'الهملايا'، وأخضع مدينة 'ناردبين' أحصن وأقوى مدن إقليم 'الملتان' .



وفي سنة 408 هجرية فتح السلطان 'محمود' إقليم 'كشمير'، وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء 'الهند' في الإسلام، وعبر السلطان 'محمود' بجيوشه نهر 'الكنج' أو 'الجانح' وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز 'البراهمة' في 'موجهاوان' وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان 'محمود' على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها، وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية .



فتح سومنات



استمر السلطان 'محمود بن سبكتكين' في حملاته وفتوحاته لبلاد 'الهند' وكان كلما فتح بلداً أو هدم صنماً أو حطم معبداً قال الهنود : إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان 'محمود' الأمر اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقيناً عند الهنود، فسأل عن 'سومنات' هذا فقيل له : إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له .



يقع 'سومنات' على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر 'الجانح' بإقليم 'الكوجرات' في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية، وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره، وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم، وأما الصنم 'سومنات' نفسه فهو مبنى على ست وخمسين سارية من الصاج المصفح بالرصاص، و'سومنات' من حجر طوله خمسة أذرع، وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان .



عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان 'محمود' على حقيقة الأمر عزم على غزوه وتحطيمهن وفتح معبده : ظناً منه أن 'الهند' إذا فقدوه ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان 'محمود' لا يبغى من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام فاستخار الله عز وجل،وخرج بجيوشه ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة 416 هجرية، واخترق صحارى وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة، واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى 'سومنات'، مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان 'سومنات' سيدفع عن نفسه أو غيره شيئاً .



بلغ السلطان 'محمود' بجيوشه مدينة 'دبولواره' على بعد مرحلتين من 'سومنات'، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم 'سومنات' يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى 'سومنات' يوم الخميس 15 ذي القعدة سنة 416 هجرية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر، وأهله على الأسوار يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم .



وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين الفاتحين زحف السلطان 'محمود' ومن معه من أبطال الإسلام، وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جداً وتقدم جماعة من الهنود إلى معبدوهم 'سومنات' وعفروا وجوههم وسألوه النصر، واعتنقوه وبكوا، ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعاً وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود على باب معبد الصنم 'سومنات' أشد ما يكون القتال، حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون فما نجا منهم أحد، وكان يوماً على الكافرين عسيراً، وأمر السلطان 'محمود' بهدم الصنم 'سومنات' وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير شكراً لله عز وجل .



أعظم مشاهد المعركة



لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به المسلمون أبداً الدنيا وزينتها، بل كان خالصاً لوجه الله، ولنشر دين الإسلام وإزاحة قوى الكفر وانطلاقاً من طريق الدعوة الإسلامية .



أثناء القتال الشرس حول صنم 'سومنات' رأى بعض عقلاء الهنود مدى إصرار المسلمين على هدم 'سومنات' وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا جميعاً عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان 'محمود' ، وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزاً عظيمة في سبيل ترك 'سومنات' والرحيل عنه، ظناً منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان 'محمود' قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية، فبات السلطان 'محمود' طول ليلته يفكر ويستخير الله عز وجل، ولما أصبح قرر هدم الصنم 'سونمات'، وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة {وإنى فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين 'محمود' الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال : الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ؟ ! }



وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه، والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية، وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغاياته النبيلة .



المصادر:



الكامل في التاريخ / التاريخ الإسلامي / تاريخ الخلفاء

أطلس تاريخ الإسلام / البداية والنهاية / النجوم الزاهرة

أيعيد التاريخ نفسه / سير أعلام النبلاء / فتوح البلدان

د.فالح العمره
25-11-2006, 09:45 PM
منهج مادة ( تاريخ الدول الإسلامية في المشرق – 345 ترخ )

أولا:- مقدمة تمهيدية‘ وتشمل:-

1- كيف قامت الدولة العباسية بعد دولة بني أمية‘ ومدى سعة الرقعة الأرضية التيورثها بنو العباس من بني أمية ،في سلسلة ملكية وراثية ، بعيدا عن " وأمرهم شورى بينهم" ، " وشاورهم في الأمر .......".

2- نبذة مختصرة عن فترة نشوء الدول الإسلامية في المشرق‘ و يمثل ركناً أساسياً من منهج المادة ؛ حيث تشتمل على أوضاع الدولة العباسية خلال فترة نفــوذالأتراك‘ والبويهيين‘ والحركات الإنفصالية‘ والنزعات الإستقلالية عنـد الشخصيات القيادية‘ من ذوي الأطماع و الميول الى الروح الإقليميــة التشرذمية. جاء ذلك نتيجة للضعف والهون الذي أصيبت بهما حكومة بنــي العباس ؛ لتغطي الفترة ( 247- 447هـ).



ثانيا:- الدول الإسلامية في الشرق ‘ وتشتمل على :-

1- الفتح الإسلامي لبلاد الهند والسند ‘ على النحو التالي:-

أ‌-فتوح بلاد السند على أيدي العرب المسلمين ‘ بقيادة محمد بن القاسم الثقفي( 92 – 96هـ و وضع المسلين وما فتحوه بعد هذه السنـــــة ) .

ب‌- الفتح الإسلامي لبلاد البنجاب ‘ وآعالي مصبات الأنهر الخمسة ‘ على أيدي المماليك الأتراك .

2- دولة الإسلام في عهد البتكين و خلفائه( إبراهيم‘ و بلكاتكين‘ وبيري :350-366هـ/ 961- 977م ).

3- الدولة الغزنوية ( 366- 582هـ/ 977- 1186م).

سبكتكين ‘ محمود بن سبكتكين ‘ مسعود بن محمود ‘ وبقية حكام الدولة الغزنوية. الغزوات التي قام بها الحكام الغزنويون ضد بلاد الهند والسند على القاعدة التـــي بناها و أسس خطوطها العريضة البتكين.

4-الدولة الغورية و فتوحاتها لبلاد الهند والسند‘ حتى أصبحت من أكبر الدول الإسلامية في الشرق (401-609هـ / 1011- 1212م).

5- الدولة السلجوقية ( 431- 552هـ/ 1040- 1157م )

6-دولة المسلمين في ما وراء النهر‘ وتاريخ المسلمين في بلاد الترك‘ وتشمل :-

أ – الدولة القرا – خانية (344- 609هـ / 895- 1212م).

ب – الدولة القرا- خطائية ( 519- 608هـ / 1125- 1211م ).

ج - حكومة النيمانيين ( كوتشلوك خان ) الظالمة الغشوم للمسلمين :-
( 608- 615هـ/ 1211- 1218م ) .

7- الدولة الخوارزمية ( 551- 629هـ/ 1156- 1231م ).

8- المغول و مشرق العالم الإسلامي ( 600- 629هـ/ 1203- 1231م)

9- تاريخ المسلمين في بلاد الهند والسند‘ نبذة مختصرة عن تاريخ بعض
دول المسلمين وإنجازاتهم الحضارية في مشرق العالم الإسلامي عامة
وفي الهند والسند خاصة ( صور ومشاهد لما توصلت إليه العقلية الإسلامية من عبقريـة معمارية تجسدت في قصر التاج/ تاج محل.

القسم الثاني:- مفردات منهج المادة العلمية‘ حيث جاء ذلك كما يلي:-

أولا : المقدمة التاريخية للمادة العلمية :-

1- أوضاع المشرق عامة وبلاد الهند والسند على وجه الخصوص .

2- مقدمة تاريخية و جغرافية ( موقع بلاد الهند والسند‘ و حدودهما).

3- سكان بلاد الهند والسند.

4- لغة أهل الهند والسند‘ ومعتقدهم الديني .

5- العلاقة بين سكان الجزيرة العربية و بلاد الهند والسند، منذ ما قبل الإسلام.

6- بلاد الهند والسند عشية الفتح الإسلامي .



ثانيا : الإسلام يدخل بلاد وادي السند:

1- دواعي الفتح الإسلامي لبلاد السند.

2- الغزوات التمهيدية لفتح بلاد السند.



ثالثا: حملة محمد بن القاسم و فتح الديبل ( الدبل):

1- سير الحملة و فتح الديبل.

2- معركة الراور ( قادسية الفتح الإسلامي لبلاد وادي السند) (مجريات
معارك أيامها الخمسة العصيبة و مقتل راجا داهر).

3- فتح عاصمة بلاد السند ( آلور)

4- فتح أعالي وادي السند ‘ وعاصمته ( الملتان) .

5- توقف الفتوحات الإسلامية في بلاد الهند والسند على أيدي العرب.

6- بلاد الهند والسند بعد إبن القاسم.



رابعا: المسلمون الأتراك يتصدرون الفتح الإسلامي لبلاد الهند والسند.

البتكين و إنطلاقة الغزوات التركية لبلاد الهند والسند.

مقدمـــــــة

1- الوضع السياسي في بلاد الهند والسند عشية الغزو التركي .

2- البنية الإجتماعية في بلاد الهند والسند.

3- مملكة راجا في شمال غرب بلاد الهند والسند.

4- غزنة : وانطلاقة الفتح الإسلامي لبلاد الهند والسند.



مقدمة تمهيديــــــــــــة

1- البتكين وفتوحات المسلمين في بلاد الهند والسند.

2- فتوحات البتكين في بلاد الهند والسند.

3- خلفاء البتكين .



خامسا: الدولة الغزنوية و غزواتها لبلاد الهند والسند (366-582هـ)

الدولة الغزنوية و غزواتها في عهد سبكتكين :

أ- نسب الغزنويين

ب – فتوحات المسلمين في عهد سبكتكين

ج- سبكتكين في الميزان التاريخي .

الدولة الغزنوية و غزواتها لبلاد الهند والسند في عهد السلطان محمودالغزنوي.

أ- الصراع على عرش الغزنويين

ب – محمود وبلاد الهند والسند

مقدمة لإنجاز تلك الغزوات وإنجاح مهامها‘ وتأمين الدولة من الداخل ومن الخارج قبل الدخول في مجازفات خارج البلاد‘ وخاصة مع الجيران الشماليين

غزوات السلطان محمود لبلاد الهند والسند. وهي قسمان :-

القسم الأول :غزواته لبلاد السند والبنج آب ( البنجاب) .

1- الغزوة الأولى:- شتاء عام 391هـ ‘ ضد مناطق لمغان.

2- الغزوة الثانية:- شتاء عام 392هـ ‘ ضد مناطق بيشاور وملكها راجا جيبال.

3- الغزوة الثالثة:- شتاء عام 395هـ ‘ ضد بهاتية.

4- الغزوة الرابعة :- في ربيع 396هـ ضد قرامطة الملتان و آنندبال .

5- الغزوة الخامسة :- شتاء عام 398هـ ‘ وإخماد تمرد نائبه سوخبال.

6- الغزوة السادسة :- شتاء عام 399هـ ‘ ضد ويهند و معركتها الفاصلة ‘ وبهيم نكر.

7- الغزوة السابعة :- في خريف عام 400هـ ضد ناريان بور.

8- الغزوة الثامنة :- شتاء عام 401هـ ‘ ضد قرامطة الملتان .

9- الغزوة التاسعة :- شتاء عام 402هـ ‘ ضد تانيشر ‘ وصنمها جكرسوام

( رب السلاح).

10الغزوة العاشرة :- شتاء عام 404هـ ‘ ضد ناردين ‘ ونهاية أسرة شاهات لاهور.

11- الغزوة الحادية عشرة :- شتاء عام 405هـ ضد قلعة لهكت المنيعة ‘والفشل فـــي أخذها.

12- الغزوة الثانية عشرة:- شتاء عام 409هـ ‘لما وراء الأنهار السبعة ‘ كنوج وماثورا.

13-الغزوة الثالثة عشرة :- شتاء عام 410هـ ‘ معركة رهيب وإجتياح باري.

14- الغزوة الرابعة عشرة:- شتاء عام 412هـ لإعالي البنجاب والقبائل الوثنية ولهكت.

15- الغزوة الخامسة عشرة :- شتاء عام 413هـ ‘ ضد كالنجار وكواليور.

16- الغزوة السادسة عشرة :- شتاء عام 416هـ‘ وإجتياح سمناث في يوم السبت 16/ 11/ 416هـ .

خاتمة نشاط السلطان محمود ‘ وأيامه الأخيرة ‘ ووفاته ‘ وتقييم أعماله ؛ الشرع الإسلامي و أساسيات الفتح الإسلامي ‘ وطريقة الدعوة الى الله.

القسم الثانيا: خلفاء السلطان محمود ‘ ونهاية الدولة الغزنوية .

أ- الصراع على السلطة

ب – مسعود الغزنوي وبداية النهاية .

ج- السلاجقة ‘ وطريقته الفاشلة في التعامل معهم

د – فشله في الصراع معهم.

هـ - داندانيقان و بداية النهاية

و – خاتمة الغزنويين و نهاية أمرهم.





سادســا :- الدولة الغــوريــة (401-609هـ / 1011-1212م)

أولاً : قيام دولتهم في (( فيروز – كوه )) .

ثانياً : فتوحات الغوريين في بلاد الهند و السند على يدي :

((صاحب الرايات الإسلامية الغازية : شهاب الدين الغوري )) .

1- غياث الدين محمد (558-599هـ / 1162-1203م) .

2- شهاب الدين الغوري، صاحب الرايات الإسلامية، فاتحة بلادالهند والسند .

أ‌- فتح بلاد وادي السند و نهاية القرامطة و البهاتيين ، و الغزنويين في لاهور

ب‌- فتح بلاد الهند .

1- سرهند ، و معركة (( تارين الأولى )) .

2- قادسية الفتح الإسلامي لبلاد الهند (( معركة تارين الثانية ))

ج – قطب الدين أيبك ينوب عن سيده في بلاد الهند (( فتح دهلي )) .

1- معركة سهل (( جندوار )) و نهاية قوة عشائر " الراثريون " .

2- استعادة أجمير و الدفاع عنها .

3- عودة شهاب الدين إلى الهند و فتح (( مملكتي : بيانا و كواليور )) .

4- الدفاع عن أجمير و فتح إقليم الكَجرات .

أ- الدفاع عن أجمير و معركة (( أمبر ))

ب- معركة سهل (( أمبر )) وفتح إقليم الكَجرات .

5- مملكة آل " جندليون" و فتوحات قطب الدين ‘ ونهاية آخر الملوك الراجيبوتيين في بنـدلخنــــد.

د- فتوحات محمد بن بختيار الخلجي:

1- فتح إقليم بيهار

2- فتح البنغـــال

3- نهاية محمد بن بختيار شهيدا.

هـ - نهايـــــة الدولة الغوريــــة:

1- وفاة غياث الدين ‘ وإغتيال أخيه : فاتح بلاد الهند والسند.

2- تركة السلطان شهاب الدين الغوري في بلاد الهند والسند.





سابعـا :- الدولـة السلجــوقية (431-552هـ/1040-1157م)

السلاجقة قبل عام 431هـ:

أ – بداية أمرهم وظروف هجرتهم إلى ديار الإسلام.

ب – قيام دولة السلاجقة بعد داندانيقان عام 431هـ

ج - توسع الدولة السلجوقية ومعركة الرهوة(ملاذكرد) في عام463هـ/1070م

د –تفكك الدولة السلجوقية ونهاية أمرها في الشرق .

سنجر ومعركة قطوان سنة 536هـ/ 1141م ‘ ( بداية النهاية ).

1- مقدمة.

2- أسباب معركة قطوان

3- إستعداب الطرفين لمعركة قطوان .

4- مجريات معركة قطوان

5- نتائج معركة قطوان ونهاية سلطان السلاجقة في الشرق.





ثامنــا:- تاريخ المسلمين في بلاد ما وراء النهر(344-615هـ/895-1218م)



أولا:- الدولــــة القراخانية (344- 609هـ/ 895-1212م )

1- القراخانيون: أصلهم ‘ ومناطق تجوالهم.

2- قيام دولة القراخانيين في ما وراء النهر‘ ثم خضوعهم للقراخطائيين .



ثانيا:- الدولة القراخطائية (519- 608هـ/1125- 1211م)

1- بداية أمرهم ‘ وقيام دولتهم ‘ وسعة مملكتهم.

2- سياسة القراخطائيين تجاه المسلمين في ما وراء النهر.

3- انحلال الدولة القراخطائية و زوالها .



ثالثا: - حكومة النيمانيين (608- 615هـ/1211-1218م).

1- كوتشلوك خان واحتلال عرش الكورخانيين.

2- سياسة كوتشلوك خان تجاه المسلمين‘ ونهاية سلطانه ومقتله.



تاسعـــــا:- الدولة الخوارزميـــة (551- 629هـ/1156-1231م)

1-نسب الخوارزميين ‘ وبداية أمرهم .

2- إقليم خوارزم وتولي قطب الدين نيابته عن سنجر السلجوقي.

3- أتســـز (522- 551هـ /1128- 1156م)

أ – ولايته على اقليم خوارزم وصراعه من أجل الإستقلال.

ب- أتسز وأسباب نبذ سلطة السلاجقة.

ج –خوارزم شاه أتسز و ما وراء النهر.

د- علاقة خوارزم شاه ببلاط بلاساغون القراخطائي .

هـ- أتسز وتقييم أعماله في سبيل الإستقلال.

1- تطلعات أتسز السياســــية.

2- أتسز وقوته العسكريـــة.



4-إيل أرسلان يتولى سلطة والده من بعده (551-567هـ/ 1167-1172م)

أ – تصفية أقاربه دون مبررز .

ب –أيل أرسلان وسياسته الخارجية.

5 – تكـش( 558-596هـ / 1173- 1193م).(النزاع على السلطنة)

6 – محمد خوارزم شاه (596- 617هـ/1200- 1220م) .

أ- محمد وتركة الغوريين

ب – محمد وإقليم ما وراء النهر

ج- محمد وإقليم بلاد الجبل .

دـ -محمد وعلاقته بالمغول ‘ وإنهيار دولته تدمير سلطانـــــــه .

هـ - حملة المغول‘ بقيادة جنكيز خان ‘الغربية ‘ وسقوط اراضي المسلمين في الشرق تحتحكمهم.

و – تقييم أعمال الدولة الخوارزمية.

عاشــرا :- تاريخ المسلمين في بلاد الهند والسند ( نبذ مختصــرة ).

حادي عشر: المسلمون وإنجازاتهم الحضارية في المشرق الإسلامي عامة وفي بلاد الهند السند‘ تجسدها المدن الحضارية و القلاع التاريخية والمباني الرائعة‘ يتربـعقصر التاج / تاج محل/ أحدى عجائب الدنيا وروائعها‘ على قمة هرمها.


عرض سريع ومشاهدات لأهم تلك الروائع على الشاشة)

سعد بن حذيفة الغامدي

د.فالح العمره
27-11-2006, 03:53 PM
فتح كاشغر



كاشغر: مدينة من أشهر مدن تركستان الشرقية وأهمها، وكانت عاصمتها في بعض فترات التاريخ ، ولها مركز عظيم في التجارة مع روسيا من جهة , والصين من جهة ثانية , وبلاد ما وراء النهر من جهة ثالثة، وتشتهر بمنسوجاتها الصوفية الجميلة.




وكانت تعد قديماً من بلاد ما وراء النهر، وتضم قرى ومزراع كثيرة، يسافر إليها من سمرقند , وإقليم الصغد، وهي في وسط بلاد الترك، وأهلها مسلمون...



وتركستان الشرقية التي تقع فيها مدينة كاشغر، يحدها من الجنوب: الباكستان والهند (كشمير) والتبت، ومن الجنوب الغربي والغرب: أفغانستان وتركستان الغربية، ومن الشمال: سيبيريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي: الصين ومنغوليا.



وقد اجتاحت تركستان الشرقية القوات الصينية الشيوعية سنة 1949م واحتلتها، فأطلق عليها الصينيون اسم (سينكيانج) وهي كلمة صينية تعني: المستعمرة الجديدة، وتبعهم بهذه التسمية الأوروبيون , وبعض المصادر العربية الحدينة، إلا أن أهل تركستان الشرقية المسلمون يحبون أن تسمى بلادهم باسمها القديم: تركستان الشرقية، ولا يحبون تسميتها بالاسم الصيني الجديد.



وقد لعبت تركستان الشرقية دوراً تاريخياً مهماً في التجارة العالمية. وكان طريق الحرير المشهور يمر بها، وهو الطريق الذي كان يربط بين الصين ـ أبعد بلاد العالم القديم ـ والدولة البيزنطية.



وبدأ الإسلام يدخل تركستان الشرقية على عهد عبد الملك بن مروان سنة ست وثمانين الهجرية (705م)، ولكن البلاد أصبحت إسلامية حكومة وشعباً سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة الهجرية (964م) بدخول السطان ستوق بغراخان الإسلام، فشمل الإسلام البلاد كافة.



ولا يزال أهل تركستان الشرقية مسلمين حتى اليوم، ولكن القابض على دينه كالقابض على الجمر.



التمهيد للفتح..



قطع قتيبة بن مسلم الباهلي نهر جيحون في سنة أربع وتسعين للهجرة (712م) متوجهاً إلى فرغانة...واصطدمت قواته بقوات أهلها في مدينة خجندة إحدى مدن إقليم فرغانة، فقاومه أهل فرغانة ومن معهم من الترك القادمين مدداً لهم من مدينة كاشغر المجاورة، وكانت مقاومتهم شديدة مما اضطره إلى الاشتباك بهم مراراً، وفي كل مرة يكون الظفر فيها للمسلمين. وانتهت أخيراً مقاومة أهل فرغانة وحلفائهم الباسلة بفتح المسلمين الإقليم كافة. ..



الفتح :



كان الاحتفاظ بإقليم فرغانة بيد المسلمين، يقضي على المسلمين فتح منطقة كاشغر التي تقع شرقي إقليم فرغانة، ويقطنها الترك كما يقطنون إقليم فرغانة. وفي سنة ست وتسعين الهجرية (714م) غزا قتيبة مدينة كاشغر، وهي أدنى مدائن الصين وأقربها إلى فرغانة.



وسار قتيبة من مرو عاصمة خراسان على رأس جيشه، وحمل الناس عيالاتهم لتستقر في سمرقند.



وعبر الجيش الإسلامي نهر جيحون، فاستعمل قتيبة رجلاً على معبر النهر، ليمنع من يرجع من جنده إلا بجواز منه وبموافقته الخطية.



ومضى جيش المسلمين إلى فرغانة، مروراً بسمرقند، حيث أبقى الناس عيالاتهم فيها بحماية المسلمين من أهل سمرقند، وكان الإسلام قد انتشر فيها انتشاراً سريعاً موفقاً.



وفي فرغانة، أكمل قتيبة استعدادات جيشه للقتال، وأرسل إلى (شِعب عصام) الفَعَلَة لتمهيده، حتى يجتاز الجيش بسهولة ويسر وسرعة، فأكمل الفعلة مهمتهم، وأخبروا قتيبة بإكمالها.



والفعلة هم سلاح الهندسة، كما نطلق عليه اليوم في المصطلحات العسكرية الحديثة: وهم الذين يمهدون الطرق، ويبنون القناطر والجسور، ويزيلون العقبات الطبيعية، ويؤمّنون وسائط عبور الأنهار، ويشرفون على العبور والمعابر.



ويبدو أن (شِعب عصام) أو وادي عصام، كان عارضا من العوارض الطبيعية الوعرة، يعرقل مسيرة الجيش بقوات كبيرة، ويقع بين فرغانة والحدود الصينية القديمة...



تقدم قتيبة على رأس جيشه من فرغانة، سالكاً الطريق التجارية التي تربط مدينة فرغانة بمدينة كاشغر، ماراً بجنوب بحيرة (جاتيركول) السوفييتية حالياً، على الحدود الصينية-السوفييتية، مقتحماً ممر (تيترك) في تركستان الشرقية , وبعث مقدمة أمام جيشه إلى كاشغر، فتقدمت حتى وصلت إلى هدفها، بعد أن أزاحت المقاومات الطفيفة التي صادفتها في طريقها، وغنمت وسبت.



وأوغل قتيبة حتى قارب حدود الصين القديمة، ففتح كاشغر، وجنغاريا الواقعة على حدود منغوليا، وترفان على مقربة من الحدود المنغولية، وخوتن الواقعة شمالي التبت وكشمير، وقانو التي تقع تماماً في منتصف الصين الحالية.



ولكن المصادر العربية المعتمدة تقتصر على فتح كاشغر في هذه السنة , ولا تقدم التفاصيل الإضافية الأخرى عن فتوح المدن الصينية الأخرى.



المفاوضات :



بات الاصطدام بين المسلمين من جهة وبين ملك الصين من جهة ثانية وشيكاً، فطلب ملك الصين التفاوض بين الجانبين، وعرض التفاوض على قتيبة، بعد أن أوغل حتى قارب الصين , واخترق حدودها الغربية، فكتب إليه (ملك الصين) : «ابعث إلي رجلاً شريفاً يخبرني عنكم وعن دينكم»، فوافق قتيبة على طلب ملك الصين.



واختار قتيبة من بين رجال جيشه اثني عشر رجلاً، لهم جَمال وألسن وبأس وتجمّل وصلاح، وأمر لهم بعُدّة حسنة , ومتاع حسن من الخز والوشى وغير ذلك , .. وكان منهم هُبيرة بن المشمرج الكلابي ـ مفوّهاً سليط اللسان ـ وقال لهم: «إذا دخلتم على ملك الصين، فأعلموه أني حلفتُ أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم، وأختم ملوكهم، وأجبي خراجهم»..



سار وفدُ قتيبة إلى ملك الصين، عليهم هبيرة بن المشمرخ الكلابي، فلما قدموا الصين، دعاهم ملكها، فلبسوا ثياباً بياضاً تحتها الغلائل، وتطيبوا ولبسوا الأردية، ودخلوا على الملك، وكان عنده عظماء قومه، فأخذوا أماكنهم في مجلسه، فلم يكلم الملك الوفد ولا أحد ممن عنده. ..



ولما انصرف الوفد من مجلس الملك، قال الملك لمن حضره: «كيف رأيتم هؤلاء؟» قالوا: «رأينا قوماً ما هم إلا نساء». ..



وفي غد دعاهم الملك إلى مجلسه، ولبسوا الوشي وعمائم الخز والمطارف –ألبسة من خزّ مربعة لها أعلام- وغدوا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجعوا.



وقال الملك لأصحابه بعد انصراف وفد المسلمين: كيف رأيتم؟ فقالوا: هذه أشبه بهيئة الرجال من تلك.



وفي اليوم الثالث أرسل إليهم,فشدوا عليهم سلاحهم , ولبسوا البيض والمغافر,وتقلدوا السيوف , وأخذوا الرماح , وتنكبوا القسي , وركبوا خيولهم , وغدوا فنظر إليهم صاحب الصين , فرأى أمثال الجبال مقبلة , فلما دنوا ركزوا رماحهم , ثم أقبلوا نحوهم مشمرين , فقيل لهم قبل أن يدخلوا:ارجعوا لما دخل قلوبهم من خوفهم ...



فركبوا خيولهم , واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم , كأنهم يتطاردون بها,فقال الملك لأصحابه :كيف ترونهم ؟ قالوا : ما رأينا مثل هؤلاء قط...



وانصرف الوفد عائداً إلى مستقره، بعد أن أخذوا رماحهم , واستعادوا سلاحهم, وامتطوا خيولهم، ثم دفعوا الخيل حضراً ـ وهو ركض الخيل بأقصى سرعتها - كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ فقالوا: ما رأينا مثل هؤلاء!...



وفي مساء ذلك اليوم، بعث ملك الصين إليهم، أن ابعثوا إليّ زعيمكم. فبعثوا إليه هبيرة، فقال له الملك حين دخل عليه : قد رأيتم عظيم ملكي , وإنه ليس أحد يمنعكم مني , وأنتم في بلادي , وإنما أنتم بمنزلة البيضة في كفي, وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم.



وما كان هبيرة بحاجة إلى التهديد والوعيد، وليس هو من الرجال الذين يخيفهم التهديد والوعيد، فهو لا يكذب أبداً ... فلا مجال لتهديده بالقتل إذا لم يصدق.



وسأل الملك هبيرة: لماذا صنعوا في الزي الأول ما صنعوا، ثم الزي الثاني، والزي الثالث؟ وكان جواب هبيرة: أما زيّنا الأول، فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم، وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا، وأما الثالث فزيّنا لعدوّنا.



فقال الملك: ما أحسن ما دبرتم دهركم، فانصرفوا إلى صاحبكم، فقولوا له: ينصرف، فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يهلككم ويهلكه.



وإذا كانت الجبال الراسيات تهتز قيد أنملة من خطرات النسيم العليل، فإن هبيرة قد اهتز يومئذ من وعيد الملك وتهديده، فلا بد له من أن يبلغ هذا الملك رسالة قتيبة بقوة وأمانة وصدق، فقال للملك في ثقة كاملة وهدوء تام: كيف يكون قليل الأصحاب مَن أول خيوله في بلادك، وآخرها في منابت الزيتون! وكيف يكون حريصاً من خلّف الدنيا وغزاك؟ !..



وأما تخويفك بالقتل، فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، فلسنا نكرهه ولا نخافه.



وبهت الملك في مجابهة قولة الحق، فنسي تهديده ووعيده، ثم تساءل في قول ليّن رقيق: فما الذي يُرضي صاحبك؟ فأجابه هبيرة بقول فصل لا مساومة فيه: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويُعطَى الجزية...



فقال: فإنا نخرجه من يمينه: نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه، ونبعث أبناءنا فيختمهم، ونبعث له مالاً يرضاه..



ودعا الملك بصحاف من ذهب , فيها تراب من أرض الصين، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجاز الوفد , فأحسن جوائزهم، فقدموا على قتيبة الذي قبل الجزية، وختم الغلمان، وردّهم إلى الملك، ووطئ تراب الصين.



وقد لجأ الوفد الإسلامي إلى تبديل أزيائهم للتأثير في معنويات ملك الصين ومن معه، مما أدّى إلى انهيار معنويات الصينيين واستجابتهم لمطالب المسلمين.



حقيقة الفتح :



المؤرخون العرب يذكرون أن مدينة كاشغر هي أدنى مدائن الصين، ولكن البلدانيين العرب يذكرون أنها من مدن تركستان. وما أخطأ المؤرخون العرب، لأن حدود الصين كانت تمتد غرباً فتضمّ حدودُها تركستان الشرقية بكاملها، أو جزءاً منها في حالة اشتداد قوة ملوك الصين، وتنحسر تلك الحدود نحو الشرق، فتستقل تركستان الشرقية بحدودها الطبيعية، أو تمتد حدود تركستان الشرقية , فتضم إليها أجزاء من الصين، في حالة قوة ملوك تركستان وضعف ملوك الصين. وما أخطأ البلدانيون العرب القدامى في ذكرهم أن مدينة كاشغر من مدن تركستان الشرقية، فهي في الواقع كذلك أصلاً، ولكنها تدخل في حدود الصين تارة، وتكون خارج حدودها تارة أخرى.



وقد ظلت تركستان الشرقية خاصة عرضة لهجمات الصينيين حتى أصبحت اليوم من أجزاء الصين كما هو معلوم.



ومن مراجعة تاريخ تركستان الشرقية القديم يتضح لنا أن منطقة كاشغر والمناطق التي حولها التي امتدت الفتوحات الإسلامية إليها، كانت ضمن دولة (كول تورك) التي كانت من سننة 552 م إلى سنة 745 م، ومعنى هذا أن الفتح الإسلامي في تركستان سنة ست وتسعين الهجرية (714 م) كان على عهد تلك الدولة التركية التي كانت في عداء مستمر مع جارتها الشرقية الصين، وكانت على ولاء كامل مع بلاد ما وراء النهر، وخاصة مع إقليم فرغانة، لأن العنصر التركي كان يسيطر على هذا الإقليم، فكان تعاونه مع تركستان الشرقية تعاوناً وثيقاً.



ويذكر لنا تاريخ تركستان الشرقية القديم، أن الاضطرابات شملت تركستان الشرقية سنة إحدى وعشرين ومائة الهجرية (738 م)، فاستغل الصينيون هذه الاضطرابات واعتدوا على تركستان الشرقية وضمّوها إلى بلادهم.



ولكن الأتراك من سكان تركستان الشرقية تمكنوا من الحصول على المعونات العربية الإسلامية سنة أربع وثلاثين ومائة الهجرية (751 م) على عهد الدولة العباسية في بغداد، وتمكنوا بهذا العون من إنقاذ بلادهم من حكم الصين، و هزموا الصينيين في معركة (تالاس) المشهورة.



يتضح من ذلك أن الفتح الإسلامي في كاشغر والمدن الأخرى , جرى في تركستان الشرقية لا في الصين، ولكن ملك الصين الذي وجد سرعة تقدم الفتوح الإسلامية ووصولها إلى حدوده الغربية مباشرة في حينه، سعى لإرضاء الفاتحين خوفاً من اختراق بلاده وفتحها، فقدم ما قدم لقتيبة إرضاء له ولمن معه من المجاهدين، وصدّاً لتيارهم الجارف بالتي هي أحسن.



الشهيد..



والسبب الحقيقي لعودة قتيبة وجيشه عن حدود الصين الغربية، كما تذكر المصادر التاريخية المعتمدة، هو وصول خبر وفاة الوليد بن عبد الملك، وتولّي سليمان بن عبد الملك الخلافة بعده، وكان ذلك سنة ست وتسعين الهجرية وكان الوليد مؤيداً لقتيبة وسنداً له أسوة بقادة الحجاج بن يوسف الثقفي كافة، وكان سليمان يكرههم ولا يميل إليهم، لأن الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك عن ولاية العهد , ويجعل بدله عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ابنه، فبايعه على خلع سليمان الحجاجُ وقتيبة وقادة الحجاج الآخرون.



وعاد قتيبة بمن معه من جيش المسلمين، فقتل في فرغانة سنة ست وتسعين الهجرية، وهو في طريق عودته إلى خراسان، فقال رجل من العجم: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة! والله لو كان قتيبة منا فمات لجعلناه في تابوت فكنا نستسقي به ونستفتح به إذا غزونا!



وقال أحد رجالات العجم بعد مقتل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة: يا معشر العرب، قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب! ...



وقد أكثر الشعرء في رثائه والثناء عليه ، ولكنه كان أكبر من كل رثاء وثناء، فآثاره باقية، وفتوحه عظيمة، وأعماله لا تبلى.



يكفي أن نذكر أن مساحة فتوحه تبلغ أربعين بالمائة من مساحة الاتحاد السوفييتي وثلاثاً وثلاثين بالمئة من مساحة الصين الشعبية في الوقت الحاضر.وأن سكان المناطق التي فتحها في بلاد ما وراء النهر وتركستان الشرقية ضمن الاتحاد السوفييتي والصين لا يزالون مسلمين حتى اليوم، يتبركون بقراءة القرآن الكريم، ويعتزون بالعربية لغة والإسلام ديناً، بالرغم مما يلاقونه من عنت شديد ومحن وعناء.



ولا أزال أذكر مضيفة على إحدى الطائرات الصينية، صادفتها في إحدى الرحلات في المشرق الإسلامي. فقد رأتني أتلو ما تيسر من القرآن بالمصحف –والطائرة في الجو- فوجدتها تحتفي بي حفاوة خاصة، ولا تنفك تحيطني برعايتها الفائقة. وسألتني على استحياء أن أهدي لها المصحف لأنها مسلمة، فأهديته لها، فجثت على ركبتيها ووضعته على رأسها، وعيناها تذرفان قائلة: هذه أعظم هدية تسلمتها في حياتي، وسأقدم هذا المصحف الشريف إلى والدتي المريضة فور عودتي إلى بلدي، وستفرح بهذه الهدية العظيمة فرحاً عظيماً. ومضت إلى سبيلها تؤدي عملها، وما مرت بي إلا وهتفت: الحمد لله.. أنا مسلمة.



ويومها تذكرت قتيبة الذي لم يقتله أعداء العرب والمسلمين، بل قتله المسلمون.. وترحّمتُ عليه كثيراً وأنا بين السماء والأرض – في الطائرة - وترحّمتُ على شهداء المسلمين.



(بتصرف من مقال للأستاذ: محمود شيث خطاب)



مجلة الأمة، العدد 50، صفر 1405 هـ

ابونايف الوعيلي
01-12-2006, 03:13 AM
يعطيك العافيه اخووووي فالح العمره

الجنادري
02-12-2006, 04:01 AM
الله لا يهينك يافالح العمره على الموضوع

وجعل مانشرته في ميزان حسناتك

د.فالح العمره
02-12-2006, 03:25 PM
ابو نايف الوعيلي

الفقير الى عفو ربه

مرحبا بكم جميعا