المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاكم التفتيش


د.فالح العمره
19-09-2006, 04:42 PM
شفيق شقير

كلما أراد باحث أن يتحدث عن العلاقة السلبية التي تحكم العلاقات العربية أو الإسلامية- الأوروبية, فلا بد أن يستعيد قول أرسطو الذي خط خطا فاصلا بين الغربي ومن سواه (إن كل ما هو غير إغريقي فهو بربري), أو أن يأتي بالمقولة الذهبية للأديب الإنجليزي كلبينغ التي أعطت للجغرافيا حكما أبديا, حيث قال في أواخر القرن التاسع عشر (إن الشرق شرق.. والغرب غرب ولن يلتقيا).

بيد أن الموضوع لا يقتصر على هذه الصورة القدرية المتشائمة التي حكمت بالافتراق مهما طال اللقاء، فمحطات الاحتكاك الكبرى بين الأوروبيين من جهة والمسلمين والعرب من جهة أخرى، أعطت للقراءات السلبية للنوايا الأوروبية مصداقية عالية في نفوس العرب والمسلمين الذين نالهم من الغرب العديد من الجراحات.

ويحتل الحيز الديني جزءا كبيرا في هذه العلاقة السلبية. وارتفعت أصوات عربية ومسلمة خلال زيارة البابا لسوريا, مطالبة إياه والكنيسة الكاثوليكية بالاعتذار عن إساءاتها للعرب والمسلمين خلال الحروب الصليبية في المشرق العربي ومحاكم التفتيش في مغربه وتحديدا الأندلس، خاصة وأن الكنيسة الكاثوليكية كانت قد اعتذرت لليهود والمسيحيين الشرقيين عما ارتكبت من أخطاء بحقهم.

الأندلس ومحاكم التفتيش

الزوجان فرديناند وإيزابيللا أطلقت عليهما الكنيسة اسم الملكين الكاثوليكيين لإخلاصهما الديني ولإصدارهما القوانين المناوئة للإسلام وإنشائهما محاكم التفتيش الإسبانية لاستئصال المسلمين واليهود من إسبانيا

ففي القرن الثامن وبالتحديد في العام 711م, وصل المسلمون إلى إسبانيا, وفي السنة التالية أكملوا بسط سيطرتهم عليها، وأسموها "الأندلس". وظلت خاضعة للدولة الأموية 39 سنة، وبلغت ذروة مجدها في أيام عبد الرحمن الداخل. وبدأ بعد ذلك التراجع, حيث سادت صفوفهم الفرقة والانقسام، وأنهكتهم الصراعات الداخلية. فاغتنمت الممالك الأوروبية المحيطة بتلك الأوضاع، وأخذت تحتل مدن المسلمين الواحدة تلو الأخرى، إلى أن سلم السلطان أبو عبد الله بن الأحمر غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس إلى ملكي قشتالة وآرغون الزوجين فرديناند وإيزابيللا اللذين أطلقت عليهما الكنيسة اسم الملكين الكاثوليكيين, لإخلاصهما الديني ولدورهما في رعاية الكثلكة في إسبانيا, ولا سيما إصدار القوانين المناوئة للإسلام وإنشاء محاكم التفتيش الإسبانية بمباركة الكنيسة وتشجيعها لتستأصل المسلمين واليهود من إسبانيا.

فبعد توقيع ابن الأحمر معاهدة الاستسلام مع الملكين الكاثوليكيين بتاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1491م التي تضمنت 27 مادة، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25 يناير/ كانون الثاني1492م للملكين الكاثوليكيين، وتضمنت المواد الأخرى حقوق المسلمين في الأندلس بعد انضوائهم تحت حكم القشتاليين.

قام السلطان أبو عبد الله ورجاله بتسليم غرناطة(في يوم 2 يناير/ كانون الثاني 1492م) قبل التاريخ المتفق عليه. وتسلم الكاردينال مندوسة مفاتيح الحمراء من يد الوزير ابن كماشة.

وحول مسجد غرناطة الأعظم إلى كاتدرائية، ثم بدأت الكنيسة بتنظيم فرق لتنصير المسلمين, والضغط بالوعد والوعيد على وجهاء المدينة وفقهائها ليتنصروا، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة بين العامين 1500-1501م.

ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس. وفي يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1501م صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع مدن وقرى مملكة غرناطة.

كما صدر أمر بمنع استعمال اللغة العربية، ومصادرة أسلحة الأندلسيين الذين أصبحوا يسمونهم بالموريسكيين، ويعاقب المخالف لأول مرة بالحبس والمصادرة، وفي الثانية بالإعدام.

وفي العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي. وفي العام 1510م طبقت على الموريسكيين ضرائب خاصة اسمها (الفارضة). وفي العام 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع السلاح، وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية، ومنع ذبح الحيوانات.

وفي العام 1523م صدر مرسوم جديد يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه وإخراج كل من أبى التنصير، وعقاب كل من خالف الأمرين بالرق مدى الحياة.

وفي 30 يناير/ كانون الثاني 1608م قرر مجلس الدولة بالإجماع طرد الموريسكيين (مسلمي إسبانيا) من الأراضي الإسبانية.

وفي مايو/ أيار 1611م صدر قرار للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل.


ونشطت محاكم التفتيش في غرناطة في ملاحقة المتهمين بالإسلام, إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل الموريسكيين حتى تبقى المملكة نقية من "الدم الفاسد".

وقد تعسفت محاكم التفتيش في أعمال التعذيب والإعدام، حيث كانت تحرق أحيانا المتهمين بصورة جماعية في مواكب الموت، وأحيانا تحرق عائلات بأكملها بأطفالها ونسائها. وكانت تحاكم الموتى فتنبش قبورهم، وعندما أصدر البابا (أنوسنت) الرابع قراره المعروف بإباحة تعذيب المسلمين، حتى وإن ارتدّوا عن دينهم وأقروا باعتناق المسيحية. وكان التعذيب يجري بلا قواعد، حيث أنشئت محاكم التفتيش لهذا الغرض.

وقد أصدر البابا (كليمنت الخامس) بعد ذلك قرارا لمراقبة جلسات التعذيب التي تقوم بها محاكم التفتيش جاء فيه:

"من أجل ألا يسيء الرهبان والقساوسة والقضاة تنفيذ قرار البابا (أنوسنت) الرابع، المعروف باسم (قرار قانونية التعذيب)، وقرار البابا (جريجوري) التاسع الخاص بالمهام الموكلة إلى محاكم التفتيش، نقرر بأن يشهد جلسات التعذيب مراقبون من رجال القضاء المدني, على ألا يقل عددهم في أي جلسة عن ثلاثة". وبالطبع كان رئيس محكمة التفتيش هو الذي يختار هؤلاء المراقبين.



الحملات الصليبية‏

رسم ساسة وقساوسة الحملة الصليبية صورة سيئة للمسلمين تبريرا لأفعالهم، وما زالت هذه الأوصاف والنعوت البشعة مصدرا يغذي الصورة السيئة عن العرب والمسلمين في مخيلة الغربيين عموما

كان البابا أوربان الثاني قد دعا إليها في خطبة له في مدينة كليرمونت الفرنسية عام 1095م, وبث دعاتها للتحريض عليها تحت شعار الصليب وتحرير قبر المسيح من المسلمين. فكان من نتيجة الحملة الأولى أن استولى الصليبيون على جزء كبير من بلاد الشام والجزيرة خلال الفترة من 1069م إلى 1105م، وأنشؤوا فيها إماراتهم الصليبية الأربع: الرها وإنطاكية وطرابلس وبيت المقدس. وتوالت مذ ذاك التاريخ سلسلة الحملات الشهيرة. ونفذ الصليبيون الكثير من المذابح خلال غزواتهم. ويعترف مؤرخو الحملات الصليبية ببشاعة السلوك البربري الذي أقدم عليه الصليبيون. فذكر مؤرخ صليبي ممن شهد هذه المذابح وهو ريموند أوف أجيل أنه عندما توجه لزيارة ساحة المعبد (المسجد الأقصى) غداة المذبحة في القدس الشريف، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء القتلى إلا بصعوبة بالغة، وأن دماء القتلى بلغت ركبتيه. وإلى مثل هذا القول أشار وليم الصوري، وهو أيضا من مؤرخي الحروب الصليبية.

ورسم ساسة وقساوسة الحملة الصليبية صورة سيئة للمسلمين تبريرا لأفعالهم، كوصفهم لهم بالبرابرة والوثنيين وما أشبه ذلك، مستعينين بالشعارات الدينية مثل "هذه مشيئة الله". ويكفي أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم "الصليبيين". وما زالت هذه الأوصاف والنعوت البشعة مصدرا يغذي الصورة السيئة عن العرب والمسلمين في مخيلة الأوروبيين عموما، ولم تغب عن ذهنية المستعمر الأوروبي في الحقبة الاستعمارية للعالم العربي والإسلامي.

الحرب على الإرهاب
بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول جدد الرئيس بوش الابن مخاوف المسلمين باستعماله كلمة (crusade) والتي تعني الحملة الصليبية في بعض معانيها، وذلك في معرض حديثه عن شن حملة ضد ما أسماه بالإرهاب، مما فتح المجال أمام الكثير من الغربيين لانتقاد الإسلام والمسلمين وأحيانا وصفهم بالإرهابيين, وإعلان الحرب عليهم كما فعل البعض أمثال أوريانا فلاتشي التي خاطبت الغرب في كتابها "السخط والكبرياء", معلنة الحرب على الإسلام والمسلمين قائلة لهم "انهضوا أيها الشجعان، استيقظوا من شللكم الذي أصابكم جراء الخوف من التجديف بعكس التيار... إنكم لا تفهمون ولا تريدون أن تفهموا أننا أمام حملة صليبية عكسية، إنكم عميان لا تفهمون أو لا تريدون أن تفهموا أنها حرب دينية....". وكذاك تصريحات القس جيري فاينز التابع للكنيسة المعمدانية الجنوبية، حيث وصف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالإرهابي ونعته بأوصاف سيئة، ووصف المسلمين بالنازيين في استعادة لوصف البرابرة الذي استعمل أثناء الحروب الصليبية.

ومن جهة أخرى فإن المسلمين والعرب سيواصلون قراءة الحرب على الإرهاب, تماما مثل حرب الصليبيين على المسلمين بدعوى استيلائهم على قبر المسيح، وسيواصلون قراءة القوانين الجديدة والمحاكم المضادة لما يسمى بالإرهاب التي أقامتها بعض دول الغرب ولا سيما الولايات المتحدة على أنها محاكم تفتيش جديدة، يدان فيها المسلم على رأيه بل مظهره، ويكفي لون بشرته كي يكون متهما. وسينظرون إلى قضاة هذه المحاكم على أنهم مجرد جلادين.

ومن هنا تتأتى الأهمية التي أولاها جمع من المثقفين المسلمين والعرب, لصدور اعتذار من الكنيسة عما تسببته من أذى في الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش، لأنه اعتراف ينزع الشرعية عن أي حرب مقبلة تتجلل بنفس الثوب أو تتصف بنفس الصفات.
ـــــــــــــــ
قسم البحوث والدراسات - الجزيرة نت

المصادر:
1- الشبكة العربية
2- جريدة تشرين السورية 6/4/2002
3- مؤسسة البلاغ، الموسوعة الإسلامية
4- MSN Encarta
5- أساليب تعذيب الحكام للإنسان، نجم عبد الكريم
6- العالم الإسلامي والغرب، صلاح عبد الرزاق




المصدر: الجزيرة

د.فالح العمره
19-09-2006, 04:54 PM
محاكم التفتيش .. من ينصف المسلمين من جرائمها ؟

عبدالرحمن حمادي


تمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين، وقد امتدت وحشيتها المفرطة لتطال النصارى أيضاً فيما بعد؛ ولذلك كان من الطبيعي ألا يتوقف المؤرخون والمستشرقون الغربيون عندها إلا نادراً في محاولة منهم لتجاوز وقائعها السوداء، بل نجدهم في حالات أخرى كثيرة يحاولون وضع التبريرات لها بادعاء أنها كانت أخطاء غير مقصودة ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس، فنجد مثلاً المستشرق البريطاني (وول سميث) يعلن أن الكنيسة ليست مسؤولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبت عبر محاكم التفتيش، ولكن كان على رجال الدين المسيحي في إسبانيا أن يخوضوا معركة ضد الوجود الإسلامي بعد خروج العرب من أسبانيا فاضطروا إلى محاكم التفتيش التي تمادى القائمون عليها في تصرفاتهم فيما بعد(1).
وهكذا عند (سميث) وغيره من المؤرخين والمستشرقين النصارى تتحول محاكم التفتيش إلى (خطأ) غير مقصود له تبريراته، بل يصير الإسلام عندهم هو المسؤول عن تلك المحاكم؛ لأنه دفع بالمسيحيين إلى استنباط محاكم التفتيش ليصدوا تمدده في الغرب !!
على أي حال، فإن السواد الذي غطى تاريخ محاكم التفتيش لم تستطع السنوات أن تزيله من ذاكرة التاريخ العالمي، وحتى الكنيسة عينها لم تعد قادرة على تجاهل مسؤوليتها المباشرة عن الفظائع التي ارتكبت بحق المسلمين من خلال تلك المحاكم؛ ولهذا نجد أنه مثلاً في أواسط العام 2002م قدمت مجموعة مكونة من 30 مؤرخاً من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا بولس الثاني حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين، وجاء مشروع المؤرخين الغربيين من بين التحضيرات النصرانية لاستقبال الألفية الثالثة للميلاد(2).
وفي هذه المقالة المختصرة نقف عند محاكم التفتيش مستعرضين بعض فصولها، وسنجد أنها بدأت عندما حانت نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس، وسقوط آخر مدينة إسلامية بيد الاسبان وهي غرناطة .
لقد استمر حكم المسلمين (800عام) للأندلس من دون انقطاع، إلا أن الافتتان بالدنيا ونعيمها الزائل، والتحالف مع الأعداء وموالاتهم ضد الإخوة، والثقة في الواشين، وتقريب الأعداء، والاستعانة بهم في القضاء على الإخوة كل هذه الأسباب عجَّلت بانهيار الدولة الإسلامية في الأندلس، وأضاعت أرضاً إسلامية فتحت من قبل على جثث وجماجم المقاتلين الشهداء من المسلمين العظام، الذين أرادوا إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، دون ملل أو كلل، حتى سطع نور الإسلام ثمانية قرون على هذه الأرض، ولم يبق من هذه الدولة إلا (غرناطة) التي حاصرها الاسبان.
كانت غرناطة مدينة جميلة في جنوب إسبانيا عاصمة بني زيري من ملوك الطوائف، وعاصمة بني الأحمر، وقد استطاع الأسبان أن يوقعوا الفتنة بين خلفاء علي بن الحسن، ولما تم لهم ذلك حاصرواغرناطة، وأرسل فرديناند ملك إسبانيا رسله إلى قادة غرناطة المسلمة يطلب منهم الاستسلام فرفضوا، فنزل جيش إسباني مكوَّن من (25) ألف جندي، واتجهوا صوب المزارع والحدائق وخرّبوها عن آخرها؛ حتى لا يجد المسلمون ما يأكلونه أو يقتاتون عليه، ثم جهزت ملكة إسبانيا جيشاً آخر من (500) ألف مقاتل لقتال المسلمين في القلاع والحصون الباقية، وبعد قتال طويل اجتمع العلماء والفقهاء في قصر الحمراء واتفقوا على الاستسلام، واختاروا الوزير أبا القاسم عبد الملك لمفاوضة ملك اسبانيا فرديناند(3).


اتفاقية التسليم:


تم إبرام معاهدة تنص على أن يسلم حكام غرناطة المدينة للأسبان لقاء ضمان خروج الحكام بأموالهم إلى إفريقيا، كما تضمنت المعاهدة ثمانية وستين بنداً منها: تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره ؛ وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على ما وقع ضد الكاثوليكية في زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الأسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه... وقد وقع على المعاهدة الملك الإسباني والبابا في روما، وكان التوقيعان كافيين لكي تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين في إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبوعبدالله ابن أبي الحسن ملك غرناطة صباح يوم (2-1-1492م)، من قصر الحمراء وهو يبكي كالنساء حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل فاعطاها الملكة ايزابيلا وزوجها فرديناند.


فصول الاضطهاد بعد نقض العهد:


الذي حدث أنه فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين؛ إذ كان أول عمل قام به الكاردينال مندوسي عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها، وترتيل صلاة الحمد الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكاً؛ وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح عليه السلام الذي ظهر له، وأمره بذلك كما ادَّعى، فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح عليه السلام، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع في غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعاً عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مئتين من العلماء المسلمين حرقاً في الساحة الرئيسة بتهمة مقاومة المسيحية (4).
وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال (سيسزوس) لتنصير بقية المسلمين في أسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف، وكتب التفسير، والحديث، والفقه، والعقيدة، وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكاماً بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة، أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى عام(1577م)، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، وتم تنصير البقية الباقية من المسلمين بالقوة، ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم (12-10-1501)، صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات: تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جداً من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها، عندها أعلن الكاردينال (خيمينيث) أن المعاهدة التي تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعدصالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتنصير جميع المسلمين في غرناطة دون الأخذ برأيهم،أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذي يساقون إليه، ومن يرفض منهم عليه أن يختار أحد أمرين:
1- إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا دون أن يحمل معه أي شيء من أمواله، ودون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله.
2- وإما أن يُعدم علناً في ساحات غرناطة باعتباره رافضاً للنصرانية.
كان من الطبيعي أن يختار عدد كبير من أهالي غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيراً على الأقدام، غير عابئين بمشاق الطرقات، ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وبعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الأسبان، فهاجموهم وقتلوا معظمهم، وعندما سمع الآخرون في غرناطة بذلك آثروا البقاء بعد أن أدركوا أن خروجهم من إسبانيا يعني قتلهم، وبالتالي سيقوا في قوافل للتنصير والتعميد كرهاً، ومن كان يكتشفه الأسبان أنه قد تهرب من التعميد تتم مصادرة أمواله وإعدامه علناً، وقد فرَّ عدد كبير من المسلمين الذين رفضوا التعميد إلى الجبال المحيطة في غرناطة محتمين في مغاورها وشعابها الوعرة، وأقاموا فيها لفترات، وأنشأوا قرى عربية مسلمة، لكن الملك الإسباني بنفسه كان يشرف على الحملات العسكرية الكبيرة التي كان يوجهها إلى الجبال، حيث كانت تلك القرى تُهدم ويُساق أهلها إلى الحرق أو التمثيل بهم وهم أحياء في الساحات العامة في غرناطة(5).


انتشار الاضطهاد في كل الأندلس:


على المنوال نفسه، سارت حملات كاثوليكية في بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم المسيحيين الجدد تمييزاً لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضاً باسم (الموريسكوس) أي المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق (الموريسكيين)؛ فعلى سبيل المثال صدر في العام (1507م) أمر بمنع استعمال اللغة العربية، ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، وفي المرة الثانية بالإعدام، وفي العام (1508م) جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة (1510م) طُبِّقت على الموريسكيين ضرائب اسمها (الفارضة)؛ وفي سنة (1511م) جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية، ومنع ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية .


محاكم التفتيش:


في حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التي مهمتها التأكد من (كثلكة) المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال (الكثلكة) لم تؤت نفعاً، فقد تكثلك المسلمون ظاهراً، ولكنهم فعلياً يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سراً، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة، ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة بلنسية أدخلوا عدداً من الكاثوليك الإسبان في الإسلام، وعلموهم اللغة العربية، والشعائر الإسلامية.
لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسباني والبابا، في أحد التقارير التي رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمي غرناطة للكاردينال، ورد أن (الموريسكوس) لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيي غرناطة وبلنسية ومداً أخرى في الإسلام بشكل جماعي.
وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع (الموريسكوس) في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام، أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية في التاريخ الكنسي الغربي؛ إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه، ومحاكم التفتيش في الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست أساليب في التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ، وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة العربية، ومنع ارتداء الملابس العربية، أو التحدث باللغة العربية، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية، ووضعت عقوبات صارمة جداً بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر، أو تناو ل لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجاً على الكاثوليكية، ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش.


الوقوف في محكمة التفتيش:


كان المتهم الذي يمثل أمام المحكمة يخضع لاختبار أولي، وهو أن يشرب كؤوساً من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من المتهم أنه غير متمسك بالدين الإسلامي وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جداً إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جداً من التعذيب؛ إذ يُعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة في سجن سري، ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة، مظلم، ترتع فيه الأفاعي والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفي هذا المكان على المتهم أن يبقى أشهراً طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أي ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضاً للمحاكمة، وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهي، وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب .
وعادة كان يسأل المحقق في المرة الأولى إن كان يعرف لماذا ألقي القبض عليه وألقي في السجن؟ وما التهم التي يمكن أن توجه إليه؟ ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه، وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التي يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التي عاش فيها، أو كان يتردد عليها، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، يُترك ليتحدث كما يشاء، ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدي بعض الصلوات المسيحية؛ ليعرف المحققون ان كان بالفعل أصبح مسيحياً أو ما زال مسلماً؛ ودرجة إيمانه بالمسيحية.
وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيراً المدَّعي العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهي اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه؛ إذ إن قانون المحكمة الأساسي أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التي يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهرباً من التعذيب الذي سينتظره، أضاف المدعي العام إليه تهماً أخرى.
وفي النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب؛ لأنه إنما يعترف تهرباً من قول الحقيقة ، أي: أن التعذيب لابد منه، سواء اعترف المتهم أم لم يعترف(6).


من أساليب التعذيب في محاكم التفتيش:


يشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتي عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكي بالحديد المحمي، ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع... وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل، وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يوماً واحداً ثم يُعرض عليه ما قاله في أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضي أن الله التي لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفي هذا الاتهام أويؤكده ؛ وعلى أي حال يجب ان يتعرض لتعذيب من جديد؛ وهكذا يستمر في سلسلة لا تنتهي من التعذيب.
أخيراً، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام على أنواع ثلاثة:
الأول: البراءة: وهو حكم نادراً ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً محطماً بسبب التعذيب الذي تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً؛ لأن الآخرين يخافون التعامل معه، أو التحدث إليه؛ خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التي ألصقت به.
ثانياً: الجلد: وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ فيه الجلد، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن نفذ وكتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له .
ثالثاً: الإعدام : وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش؛ ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة .
وفي بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أي محاكمات، وفي بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار في الشارع أو خرج من بيته، وفي هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مئتي جلدة، وجلد شيخ في التسعين من عمره ثلاثمائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة فيتم نبش قبورهم(7).


ثبات المسلمين رغم ما نالهم:


كل هذه المحاكم والأساليب لم تنجح في إجبار المسلمين على ترك دينهم كما تريد الكنيسة التي أدركت مدى عمق الإيمان بالعقيدة الإسلامية في نفوس (الموريسكيين) فقررت إخراجهم من إسبانيا، فأصدر مجلس الدولة بالإجماع في (30-1-1608م) قراراً بطرد جميع (الموريسكيين) من إسبانيا، ولم يحل شهر أكتوبر عام (1609م) حتى عمَّت موانئ المملكة وبلنسية من لقنت جنوباً إلى بني عروس شمالاً حركة كبيرة، فرحل بين (9-1606م) إلى (1-1610م) نحو (120) ألف مسلم من موانيء لقنت ودانية والجابية ورصافة وبلنسية وبني عروس وغيرها.
وفي (5-1611م) صدر قرار إجرامي للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل، وقد بلغ عدد من طُرِد من إسبانيا في الحقبة بين سنتي (1609 1614م) نحو (327.000) ألف شخص، مات منهم (65.000) ألف غرقاً في البحر، أو قتلوا في الطرقات، أوضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع (32.000) ألف شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم في الأندلس، بينما بقي بعضهم متستراً في بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامي بشكل سري ومحدود في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وهكذا حكمت محاكم التفتيش في غرناطة سنة (1726م) على ما لا يقل عن (1800) شخص، بتهمة اتباع الدين الإسلامي، وفي (9-5-1728م)، احتفلت غرناطة ب(أوتوداف) ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 64 غرناطياً بتهمة الانتماء للإسلام، وفي (10-10-1728)، حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء إلى الإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة (1729م) طرد كل الموريسكيين حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.
وفي سنة (1769م) تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سري في مدينة قرطاجنة مقاطعة مرسي،فتم إلقاء القبض على أكثر من مائة (مورسكي) حوكموا وأعدم معظمهم علناً(8).


تعذيب النصارى أيضاً:


إننا مهما أسهبنا في استعراض محاكم التفتيش فإننا لن نلم إلا بجزء يسير جداً من صفحاتها السوداء الوحشية، ولن نستطيع استعراض إلا جزء يسير جداً من جرائمها التي طالت مسلمي إسبانيا، وقد بلغ الرعب الذي سببته تلك المحاكم حداً لا يوصف بين سكان إسبانيا، فقد كان جرُّ أيِّ إنسان إلى محاكم التفتيش عملية سهلة، وقد يكون الاتهام مجرد إشاعة، أو يذهب الإنسان بنفسه ليعترف رعباً، أو دليلاً على حسن نيته، بلفظ تفوه به عرضاً ودون أن يعني له شيئاً، ويخشى أن يكون قد سمعه أحد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الضغائن الشخصية، كمن يطمع في زوجة جاره، فيشي به، والمالك الذي يريد أن يهرب من أجر عامله يشي به، والتاجر الذي يخشى من منافسة زميل له يشي به، حتى الأطفال في أثناء لعبهم مع بعضهم بعضاً كانوا معرضين للاتهام، كأن يذهب طفل ويشي بطفل آخر متهماً إيّاه أنه قال كذا وكذا في أثناء اللعب، فيلقى القبض على الطفل المتهم ويحاكم، وغالباً يموت؛ لأنه لا يتحمل أهوال التحقيق والتعذيب والسجن... وهكذا صار الطريق واسعاً وعريضاً لكل من يريد أن يتخلص من أي إنسان، وأيُّ تهمة صالحة لأن تدفع بمسلم سابق إلى أعماق السجون؛ سواء أكان هذا المسلم السابق رجلاً أم طفلاً أم شيخاً مسناً.
ومن الإنصاف أن نذكر أن ضحايا التفتيش لم يكونوا فقط من المسلمين السابقين، بل كانوا من المسيحيين أيضاً، فقد انتهجت الكنيسة السلوك الإرهابي عينه تجاه بعض المسيحيين عن طريق محاكم التفتيش التي أوكلت إليها مهمة فرض آرائها على الناس باسم الدين والبطش بجميع من يتجرأ على المعارضة والانتقاد، فنصبت المزيد من المشانق، وأعدمت عدداً من النصارى المعارضين لسياساتها القمعية عن طريق حرقهم بالنار، ويقدر بعض المؤرخين الغربيين عدد الضحايا المسيحيين ممن جرت عملية إعدامهم من قبل محاكم التفتيش (300.000) ألف شخص، أُحرق منهم (32000 ) ألفاً أحياء، وقد كان من بينهم العالم الطبيعي المعروف (برونو) الذي نقمت عليه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التي منها قوله بتعدد العوالم وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعي الشهير(غاليليو) الذي نفذ به القتل؛ لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس(9).


ماذا نريد؟


بعد الذي عرضناه عن محاكم التفتيش نطرح السؤال التالي: لماذا نعود إلى محاكم التفتيش ونستعرضها هكذا؟ هل لنتباكى على مآس مضت أم لنستذكر أحزاناً انقضت.
الإجابة نستشفها مما فعله ويفعله الصهاينة بسبب ما زعموه من محارق الهولوكوست، وما ادَّعوه من حرق النازية لآلاف اليهود في المحارق، فما زالت الصهيونية تضع الغرب بشكل خاص، والعالم بشكل عام أمام تلك المحارق التي كانت أحد تبريراتها لاحتلال فلسطين، بينما ما زال العالم يجهل الكثير عن محاكم التفتيش التي ذهب ضحيتها آلاف وآلاف المسلمين، وإذا كانت محارق النازية قد استمرت أعواماً، فقتل وإحراق وتعذيب المسلمين عبر محاكم التفتيش استمر مئات من الأعوام، وفي الوقت الذي تفتح فيه دول الغرب النصراني أرشيفها، ووثائقها للصهيونية؛ لتؤلف منه ما تدَّعي أنه وثائق عن محارق اليهود في عهدالنازية، مازال الفاتيكان والكنائس ترفض فتح أرشيفها وكشفه أمام المسلمين وغير المسلمين؛ كي لا تظهر وثائق جديدة عن فظائع محاكم التفتيش.
إن المسلمين بحاجة الآن لدراسة متمعنة لتاريخ محاكم التفتيش وفظائعها وضحاياها من المسلمين، وأن تُعتمد وثائق أرشيف الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية في إسبانيا وغيرها من الدول النصرانية لوضع تاريخ حقيقي لتلك المحاكم، وإبراز هذا التاريخ للعالم، مع مقارنة موضوعية بين التعسف الكنسي والجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين باسم المسيحية، وبين التسامح الإسلامي وكيف عاش المسيحيون بأمان وسلام في الدولة الإسلامية بحماية الإسلام الحنيف، مع ملاحظة أن معظم ما كُتب عن محاكم التفتيش حتى الآن يعتمد على رؤية نصرانية من قِبَلِ مستشرقين ومؤرخين غير مسلمين؛ وبما تسمح به السلطات النصرانية .

الهوامش:
1 وول سميث تاريخ أوروبا في العصور الوسطى دار الحقائق بيروت 1980م.
2 جريدة الجماهير: 2-2-2001م حلب.
3 الدكتور طاهر أحمد مكي مسلم إسباني أمام محاكم التفتيش مجلة الدوحة قطر 1981م.
4 وائل علي حسين محاكم التفتيش والمسؤولية الغربية مجلة الراية العدد 186 بيروت 1982م.
5 نفس المصدر.
6 عبدالرحمن حمادي نحو منهج جديد لإعادة كتابة التاريخ العربي ندوة إعادة كتابة التاريخ العربي الرباط 1991م مجلة الوحدة عدد خاص عن الندوة الرباط 1991م.
7 طاهر أحمد مكي مصدر سبق ذكره.
8 وائل علي حسين مصدر سبق ذكره.
9 وول سميث ويلاحظ أن تركيز المؤرخين النصارى على عدد المسيحيين الذين كانوا ضحية لمحاكم التفتيش يأتي من باب تقليل أعداد الضحايا من المسلمين والإيحاء بأن المسيحيين كانوا هم الضحايا الأكثر.

د.فالح العمره
19-09-2006, 05:13 PM
محاكم التفتيش



تقارير رئيسية :عام :الأحد 8 ذي الحجة 1426هـ – 8 يناير 2006م



د. محمد يحيى



مفكرة الإسلام: في أغرب خبر يمكن أن ينشر في العصر الحديث نقلت صحيفة الأهرام القاهرية في صفحتها المخصصة للشئون الخارجية في آخر أيام عام 2005 أن السلطات في إحدى الولايات الألمانية [وهي ولاية بادن فورتمرج] قررت إدخال اختبار سمي باختبار 'الإيمان' يطرح على طالب الجنسية الألمانية من المسلمين ويطلب منهم اجتيازه قبل منحهم الجنسية. ويضاف هذا الاختبار إلى الأسئلة العادية التي توجه عادة إلى طالب الجنسية والتي تتعلق بمجالات المعلومات العامة التي يعرفها المتقدم حول ألمانيا.



ويتكون الاختبار الجديد من ثلاثين سؤالاً تُطلب عليها إجابة شفهية وهي أسئلة تدور كما ورد في خبر الجريدة حول موقف المسلم المتقدم بالطلب من قضايا المساواة بين الجنسين وتعدد الزوجات وضرب الزوجات والشذوذ الجنسي ومن بين قضايا متعددة حسبما ورد في الخبر الذي لم يحدد هذه القضايا الأخرى وإن كان من الواضح أنها تدور حول ما اعتاد الغرب أن يوجهه من شبهات واتهامات إلى الإسلام والمسلمين تتعلق بوضع المرأة واختلاف المفاهيم القيمية الغربية عن المفاهيم الإسلامية.

وأضاف الخبر فيما لا يخلو من مغزى أن المتقدم سوف يتعرض لسحب الجنسية منه إذا ثبت أن سلوكه اللاحق لمنح الجنسية يختلف عما ورد بإجاباته على أسئلة اختبار الإيمان هذا.

ومن الواضح أن هذا يعني وجود عملية مراقبة ومتابعة بل وتجسس وتصنت سوف يتعرض لها مقدم الطلب حتى تستطيع السلطات التأكد من أنه يسلك حسب ما قاله لهم في إجاباته على الاختبار كما أن منح الجنسية لن يصبح نهائياً بل هو في حالة مؤقتة. دائمة مرهونة بسلوك المتقدم ربما حتى وفاته وقد يرثه الأبناء في أن يصبحوا موضع الريبة.



إن هذا التصرف في دولة تدعي الديموقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان مثل ألمانيا بل تصل إلى دعوة الآخرين والضغط عليهم لكي يفعلوا ذلك يدل على ردة خطيرة في الغرب عموماً وفي ألمانيا خصوصاً إلى زمن وممارسات محاكم التفتيش التي زعموا أنهم تخلصوا منها بفضل العلمانية والديموقراطية والتحديث منذ بداية عصر النهضة عندهم. ونحن بالفعل أمام محكمة تفتيش حقيقية. فالاسم المستخدم للاختبار المقترح هو اختبار الإيمان' وكأننا في معرض اختبار حقيقة وعقيدة دينية وليس اختبار بعض الأفكار العلمانية التي أصبحت تزعم لنفسها أنها ترقى لمرتبة القيم العامة الأزلية الثابتة والمنطبقة على كل البشر وليس على أنها قيم نسبية بشرية الوضع، حسبما هو مفترض في العلمانية وفق مبادئها التي تروج في كل أنحاء العالم وفي العالم الإسلامي على وجه التحديد. وهكذا فمن الغريب أن تقترن كلمة الإيمان أو مرادفاتها من العقيدة والصدق.. الخ بشأن إداري جزئي يدور في بيئة علمانية تقيم مجدها على أنها تخلت عن جمود وإطلاق القيم والعقيدة الدينية.



ووضع الناس موضع الشك والشبهة والملاحقة بسبب عقائدهم وفرض عقائد معينة بالقوة القاهرة عليهم ثم تعريضهم للعقاب الشديد [وسحب الجنسية يكاد يعني الإعدام والتجريد من الحياة ذاتها] إذا خالفوا هذه العقائد المفروضة ولو سهواً. كل هذا هو من مظاهر محاكم التفتيش الكنسية التي تعود الآن إلى الحياة في بيئة علمانية حسب المعلن. والأكثر إدهاشاً أن دعاوى حرية الرأي والعقيدة وتعددية الاتجاهات والمواقف التي تطرح الآن على العالم كله وعلى العالم الإسلامي بالتحديد على أنها هي القيم الكبرى التي يجب أن تسدد يجري مخالفتها بشكل صارخ في ذلك التحرك الألماني الذي يمسك برقبة طالبي اللجوء أو الجنسية وهم في أشد حالات الضيق والكرب والحصار لكي يفرض عليهم ولكي يحظوا بهذه الجنسية الثمينة أن يخالفوا عقيدتهم وتعاليمهم الدينية ويستمروا على هذه المخالفة طيلة حياتهم ولا يحلموا بمجرد الحنين لعقيدتهم القديمة.



ذلك لأن اختبار الإيمان المقترح والمفروض على طالبي الجنسية من المسلمين أن يطرح عليهم لا يترك مجالاً للاختيار أمامهم فيما يجيبون به عليه. فهو اختبار من ذلك النوع الذي لا يحتمل إلا إجابة واحدة هي بالقبول فلا يتصور من المسلم وهو في بلد يعلي من شأن قيم معينة أن يجيب بالرفض لهذه القيم مثل الإقرار بالشذوذ الجنسي بل وتحبيذه والإقرار بالمساواة بين الجنسين وفق المبادئ السائدة في الغرب ومنها رفض رخصة تعدد الزوجات، كذلك لا يتصور من المسلم أن يعلن أنه يؤيد ضرب الزوجات لأنه لا يوجد في شريعته ما يدعو إلى هذا الأمر. واختبار الإيمان المطروح وبهذا الشكل الوارد في صحيفة الأهرام ليس أكثر من تبني غريب لشبهات زائفة تفترض مسبقاً أن المسلمين هم بالضرورة ضاربون للزوجات ومعددون للزوجات.. الخ.

وهكذا فنحن لسنا أمام اختبار بالمعنى الدقيق للكلمة بل أمام فرض قسري لمجموعة من الأوامر على طالبي الجنسية من المسلمين وحدهم دون أتباع سائر الديانات والنحل. وفي هذا المزيد من التمييز والتفرقة والاضطهاد يضاف إلى إنكار حق التعددية وحرية الفكر واستغلال الضرورة لفرض الآراء.



وفي مقابل هذا المسلك المتناقض مع الشعارات المعلنة بل التي تطلبها ألمانيا من الآخرين لم يعهد عن المسلمين لا في الماضي ولا في الحاضر أنهم طلبوا من الأقليات غير المسلمة المقيمة بين ظهرانيهم أن تتخلى عن أي جانب ولو جزئي من عقيدتهم وتعاليمهم لكي يسمح لهم بالبقاء داخل الدولة الإسلامية أو مواجهة عقاب الطرد والنفي والحرمان من الجنسية كما حدث طيلة التاريخ الأوروبي مع الإسلام في الأندلس وصولاً إلى البلقان وشرق أوروبا ثم فرنسا وألمانيا وسائر دول أوروبا هذه الأيام حيث يطلب الساسة والحكام هناك متضامنين مع النخب الإعلامية والثقافية أن يغير المسلمون في دينهم ليخرجوا ما يسمى بالإسلام الأوروبي أو الحديث أو العصري أو حتى الإسلام المكون باسم البلد المعين من إسلام إيطالي إلى إسلام فرنسي إلى إسلام ألماني.. الخ وهذا الطلب لم يطلب من الأجانب الذين يزورون بلاد المسلمين في وقت كانت فيه الدولة الدينية كما يسمونها قائمة لكنه يطلب الآن من المسلمين في أوروبا حيث الدول الحديثة والمدنية والعلمانية والديموقراطية والليبرالية قائمة. والغريب أن دعاة هذه المبادئ الأخيرة وما أكثرهم الآن في ديار المسلمين والعرب لا ينطقون بكلمة واحدة ولن ينطقوا بها في مواجهة هذه التصرفات القمعية واللاإنسانية المتصاعدة الآن ضد المسلمين في بلاد تدعي الحرص على حقوق الإنسان.

وبينما يتحدث هؤلاء ليل نهار كما في مصر عن أن رفع 'شعار الإسلام فوق أي رأي أو برنامج إنما يمثل انتهاكاً لحقوق الأقلية المسيحية في بلادهم فهم لا يرون أن رفع شعارات العلمانية الأوروبية وحتى الجزئي منها المخالف لأبسط قواعد الفطرة الإنسانية السلمية يخرق حقوق المسلمين هناك.

أما الحكومات فهي كالعادة لم تحرك ساكناً إزاء هذا الاقتراح الألماني رغم أنها تتحرك كل يوم في بلادها وخارجها استجابة لأي شكوى تصلها من أقلية أو أخرى غير مسلمة هنا وهناك

د.فالح العمره
19-09-2006, 05:19 PM
محاكم التفتيش.
محاكم التفتيش
تأليف :إدوارد بورمان

مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور إدوارد بورمان المختص بالدراسات الدينية المقارنة. قد كرس كتابه هذا للتحدث عن موضوع طالما شغل المثقفين في الغرب الأوروبي ـ الأميركي: ألا وهو محاكم التفتيش السيئة الذكر والتي طالما قمعت العلماء والمفكرين من كوبر نيكوس، إلى غاليليو، إلى ديكارت، إلى معظم فلاسفة التنوير في القرنين السابع عشر والثامن عشر بل وحتى التاسع عشر فيما يخص إسبانيا والبرتغال.

ومحاكم التفتيش التي ماتت الآن في أوروبا بفضل استنارة العقول تحولت إلى شيء آخر أو مؤسسة أخرى. وهي الآن موجودة في الفاتيكان وتدعى باسم: المجمع المقدس للحفاظ على عقيدة الإيمان المسيحي. صحيح أنها لم تعد تحرق المفكرين وكتبهم كما كانت تفعل سابقاً ولكنها تراقب أي خروج على العقيدة أو أي انتهاك لها وتعاقبه عن طريق فصل الأستاذ من عمله أو منعه من تدريس مادة اللاهوت المسيحي.

يعود المؤلف بالطبع إلى بدايات محاكم التفتيش ويقول: «ان محاربة الزندقة كانت سارية المفعول حتى قبل ظهور محاكم التفتيش كمؤسسة رسمية في بدايات القرن الثالث عشر. فقد كان هناك دائماً أناس يخرجون على هذا المبدأ أو ذاك من العقيدة المسيحية. وكانت الكنيسة تعاقبهم بشكل أو بآخر». ويمكن القول بأن المجمع الكنسي الذي اجتمع في مدينة لاتران عام (1139) كان أول من بلور التشريعات البابوية ضد الزندقة والزنادقة،

وقد طبقت هذه التشريعات على إحدى الفئات المسيحية اثناء الحروب الصليبية لأول مرة وهي فئة «الألبيجيين» التي اعتبرت بمثابة الخارجة على الإجماع المسيحي، وبالتالي فهي مهرطقة أو زنديقة. ثم يردف المؤلف قائلا: «وكان الامبراطور المسيحي هو أول من فكر بالحرق كعقاب للزنادقة عام 1224 وهي عقوبة فظيعة ومرعبة لأنهم كانوا يشعلون النار في الحطب ثم يلقون بالإنسان الزنديق فيها وهو يزعق ويصيح».

ثم صدق البابا غريغوار التاسع على هذا القرار عام 1231 وأصبحت محرقة الزنادقة أمراً شرعياً معترفاً به، بل وخلعت عليها القداسة الآلهة لأن البابا كان يتحلى بمكانة المعصومية في نظر جمهور المسيحيين آنذاك. وبالتالي فكل ما يأمر به أو يفعله مقدس ولا راد له.

وقد كان الهدف من إقامة محاكم التفتيش هو الدفاع عن الإيمان المسيحي في مذهبه الكاثوليكي البابوي الروماني. وقد أسسوها في البداية لمحاربة بعض الفئات المسيحية المارقة في فرنسا، ثم وسعوها لكي تشمل طوائف أخرى عديدة لا تلتزم كليا أو حرفيا بالشعائر المسيحية الكاثوليكية. وأخيراً وسعوها لكي تشمل بقايا الوثنية التي لم تمت بعد في أوروبا، وكذلك لكي تشمل كل أعمال الكفر أي شتم المقدسات المسيحية أو النيل منها أو الاستهزاء بها.

هذا هو هدف محاكم التفتيش في البداية ولكن كيف كانت تشتغل هذه المحاكم يا ترى؟ وما هي منهجيتها في المحاكمة؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف قائلا: «كانت تشتغل على النحو التالي: بمجرد ان يشتبهوا في شخص ما، كانوا يقبضون عليه ويخضعونه للتحقيق فإذا اعترف بذنبه تركوه وإذا لم يعترض عذبوه حتى يعترف وإذا أصر على موقفه ألقوه طعمة للنيران وأحياناً كانوا يصدقونه ويعتبرونه بريئاً من التهمة الموجهة إليه فيخلون سبيله».

وكانت محاكم التفتيش مشكلة عادة من رجلي دين أو راهبين اثنين ولكن كان يساعدهما أو يحيط بهما أشخاص عديدون لا ينتمون إلى سلك الكهنوت ككاتب العدل أو كاتب المحكمة، وكالسجان أو حارس السجن..

والشخص الذي كان يرفض المثول أمام المحكمة كانوا يكفرونه فوراً ويخرجونه من الأمة المسيحية وبالتالي يباح دمه ويصبح قتله أمراً مشروعاً ومن يقتله لا يعاقبه أحد ولا يسائله.وكانوا يطلبون من المشتبه فيهم أن يكشفوا للمحكمة عن كل ما يعرفونه عن أسرار الزندقة والزنادقة وكان كاتب العدل يسجل ما يقولونه كمحضر رسمي.

وكان القضاة يلجأون أحياناً إلى الوشاة أو الجيران أو حتى شهود الزور لكي يحصلوا على معلومات تدين الشخص المشتبه فيه والذي يريدون معاقبته بأي شكل لأنه لا يؤدي الشعائر الدينية كما ينبغي، أو لا يؤمن بالعقائد المسيحية كلها بشكل مطلق ودون أي تساؤل.

وكان يصل الأمر بهم إلى حد محاكمة الشخص حتى بعد موته! فإذا ما ثبت لهم أنه مذنب أو خارج على العقيدة المسيحية فإنهم كانوا ينبشون قبره ويستخرجون جثته ويحرقونها معاقبة له.

وكانت العقوبة من نوعين: خفيفة وثقيلة فإذا كان الذنب خفيفاً اكتفوا بتقريع المذنب في الكنيسة على رؤوس الأشهاد وأحياناً كانوا يطالبونه بدفع مبلغ من المال للفقراء للتكفير عن ذنبه أما إذا كان الشخص الملاحق زنديقاً حقيقياً فإنهم كانوا يسجنونه مدى الحياة وفي الحالات القصوى كانوا يلقونه في المحرقة طعمة للنيران..

ثم يردف المؤلف قائلاً: لقد بلغ التعذيب ذروته في القرن الثالث عشر. ففي ذلك الوقت ازدهرت محاكم التفتيش وانتشرت في شتى أنحاء المسيحية الأوروبية من إيطاليا، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى إسبانيا والبرتغال، إلخ..

ففي فرنسا أدت هذه المحاكم السيئة الذكر إلى حرق مناطق بأكملها جنوب البلاد، بالقرب من مدينة تولوز، وهي مناطق كانت مسكونة من قبل طائفة مسيحية خارجة على القانون وتدعى: طائفة الكاتاريين. وكانوا يخلطون العقائد المسيحية بعقائد أخرى لا علاقة لها بالمسيحية. ولهذا السبب كفّروهم، وأعلنوا عليهم حرباً صليبية لاستئصالهم في الوقت نفسه الذي وجهوا الحملات الصليبية إلى الشرق الإسلامي.

وبالتالي فالحروب الصليبية ابتدأت أولاً في الداخل قبل أن تنتقل إلى الخارج. وهذا شيء يجهله الكثيرون. فقد كانوا يعتبرون زنادقة الداخل بمثابة طابور خامس يشكل خطراً على المسيحية أكثر من الإسلام. ولذلك حصلت مجازر كثيرة في تلك المنطقة الفرنسية. ولم يستطيعوا التغلب على «الزنادقة» إلا بعد مقاومة عنيفة وجهد جهيد. ولا تزال آثار هذه المجازر حاضرة في الذاكرة الفرنسية الجماعية حتى الآن.

وهي تشكل صفحة سوداء في تاريخ فرنسا. ولذلك فإن الساسة الفرنسيين يقولون عندما تنشب مشكلة داخلية عويصة: لا نريد تحويلها إلي حرب أديان! والمقصود بذلك أنهم لا يريدون العودة إلى الانقسامات الطائفية والحروب الأهلية التي مزقتهم طويلاً في الماضي. وبالتالي فأكثر شيء يرعبهم هو تلك الحروب المذهبية التي جرت في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر وحتى السابع عشر..

إنهم يريدون أن ينسوا تلك الذكرى الأليمة لمحاكم التفتيش والحروب المذهبية التي تشكل صفحة سوداء في تاريخهم. وبالتالي فمحاكم التفتيش لم تنته من الذاكرة الجماعية، وإنما لا تزال آثارها عالقة في النفوس حتى الآن. ثم يردف المؤلف قائلاً: بين عامي 1250 ـ 1257، أي طيلة سبع سنوات قاد محاكم التفتيش في جنوب فرنسا زعيم كاثوليكي أصولي متعصّب جداً يدعى «روبير لوبوغر». وقد فتّش كل المدن والأرياف هناك بحثاً عن الزنادقة أو المزعومين كذلك.

وحرق بالنار واحداً وعشرين شخصاً، وسجن مدى الحياة (239)، ورمى في النار الكاهن الزنديق لطائفة «الكاتاريين» المارقة. وحكم على قرية بأكملها بالمحرقة، لأنه اتهمها بإخفاء أحد الزنادقة الكبار من رجال الدين الكاتاريين.

ثم يردف المؤلف قائلاً: أما أبشع محاكم التفتيش في العالم فكانت في إسبانيا التي كانت مشهورة بتعصبها الديني الكاثوليكي. وقد ابتدأت هناك عام 1480 قبل انتهاء الحروب التي أدت إلى طرد العرب والمسلمين من إسبانيا. وكان على رأسها الملكة إيزابيل الكاثوليكية جداً، وكذلك زوجها فيردنان.

وقد استهدفت محاكم التفتيش أولاً «المسيحيين الجدد» لمعرفة فيما إذا كانوا قد اعتنقوا المسيحية عن جَدّ، أو لأسباب تكتيكية ومنفعية خالصة. وهؤلاء الناس كانوا سابقاً إما مسلمين وإما يهوداً، اعتنقوا مذهب الأغلبية خوفاً من الاضطهاد والملاحقات. وكان ذلك بعد أن انتصرت الجيوش المسيحية على العرب وإنهاء حكم ملوك الطوائف في الأندلس.

وليس من قبيل الصدفة أن يكون مركز محاكم التفتيش في اشبيلية، إحدى عواصم التنوير الأندلسي في سالف الأزمان.. ومن أشهر قادة محاكم التفتيش ليس فقط في إسبانيا وإنما في العالم كله شخص يدعى: توماس توركمادا. ومجرد ذكر اسمه لا يزال يثير القشعريرة في النفوس حتى هذه اللحظة. منذ كان أكبر أصولي متزمت في الغرب المسيحي كله. وكانت جرأته على القتل والذبح تفوق الوصف.

وكان مقرباً جداً من الملكة إيزابيل التي لا تقل تعصباً عنه. ولذلك عيَّنوه رئيساً لمحاكم التفتيش الإسبانية بين عامي 1481 ـ 1498: أي طيلة سبعة عشر عاماً! وفي ظل عهده «الميمون»، أطلقت محكمة التفتيش في طليطلة الأحكام التالية: حرق عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصاً بالنار. ذبح ستة آلاف وثمانية وأربعين زنديقاً آخرين.

تعذيب خمسة وستين ألفاً ومئتين وواحد وسبعين شخصاً حتى الموت في السجون. شنق اثني عشر ألفاً وثلاثمائة وأربعين شخصاً، متهماً بالزندقة أو الخروج عن الخط المستقيم للدين المسيحي. الحكم على تسعة عشر ألفاً وسبعمئة وستين شخصاً بالأشغال الشاقة والسجن المؤبد. باختصار فإن هذه الأحكام المرعبة شملت مالا يقل عن مئة ألف وأربعة عشر شخصاً، ويزيد. وكل ذلك حصل في منطقة طليطلة وحدها. فما بالك بما حصل في مختلف مناطق إسبانيا الأخرى؟!

ثم يختتم المؤلف كلامه قائلاً: وكل هؤلاء الزنادقة كانوا يجردونهم من أملاكهم وأموالهم وأرزاقهم. ولكن «توركمادا» رفض أن يأخذها لنفسه، أو يغتني على حساباه. وإنما ظل رجلاً فقيراً كأي راهب صغير بعد أن أعطاها للكنيسة أو للجمعيات الخيرية المسيحية.

الكتاب: محاكم التفتيش

مطرقة الزندقة

الناشر: سوتون بوبليشنغ نيويورك 2005

الصفحات: 256 صفحة من القطع الكبير

المصدر : جريدة البيان الإماراتية

د.فالح العمره
19-09-2006, 05:22 PM
محاكم التفتيش وإبادة المسلمين في الأندلس



إعداد فراس نور الحق

مدير الموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

قال الله تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ {1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ {2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ {3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ {4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ {5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ {6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ {7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)[سورة البروج].

وقال الله تعالى : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {7} كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ {8} اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {9} لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) [سورة التوبة].

وعَنْ أبي عبد اللَّه خباب بن الأرت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شكونا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو متوسد بردة له في طل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: <قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عَنْ دينه! واللَّه ليتمن اللَّه هذا الأمر حتى يسير الراكب مِنْ صنعاء إِلَى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب عَلَى غنمه ولكنكم تستعجلون!> رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

سقطت غرناطة –آخر قلاع المسلمين في إسبانيا- سنة (897 هـ=1492م)، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي، وتبدد تراثها الفكري والأدبي، وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ؛ حيث شهدت تلك الفترة أعمالاً بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش)؛ لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان.

وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم؛ فرارًا بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم، أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العزل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.

ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين المتنصرين)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرق الكردينال "خمينيث" عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم (22 ربيع أول 917 هـ/20 يونيو 1511) يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.

محاكم التفتيش

توفي فرناندو الخامس ملك إسبانيا في (17 ذي الحجة 921 هـ=23 يناير 1516م) وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله، وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد!

وقد لبث "فرناندو" زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا، وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في (رمضان 888 هـ= أكتوبر 1483م) وعين القس "توماس دي تركيمادا" محققًا عامًا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات.

وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب، وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، حتى إن بعض ضحاياها كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار، وكانت احتفالات الحرق جماعية، تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد، وكان فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات، وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها.

وبث هذا الديوان منذ قيامه جوًا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين إلى الفرار، أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه؛ لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم.

شارل الخامس والتنصير الإجباري

تنفس الموريسكيون الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد "شارل الخامس" خيرًا من سابقه، وأبدى الملك الجديد –في البداية- شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم في أراجون بسعي النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم، ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة، فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في (16 جمادى الأولى 931 هـ=12 مارس 1524م) يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس.

ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية، استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفدًا منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.

وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحرارًا في قبوله.

وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت أو المصادرة، وقضى الأمر في الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس.

وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق، وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية.


من أدواة التعذيب التمشيط بأمشاط الحديد

ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح، عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في (شوال 936هـ/مايو 1529م) في احتفال ديني.

كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون على الموت في سبيل الدين والحرية، إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء (27) ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم، لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب.

وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بني وزير)، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.

وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية؛ لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى "الهراطقة" في شمال أوروبا، كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين؛ لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له، يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم.

وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين، وعد بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات، ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى، وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا، حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد، ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة، صدر قرار في سنة (948 هـ=1514م)، يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة، ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي، نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة.

ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات، ففي سنة (950 هـ=1543م) أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين؛ تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها.

وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس (922 هـ=1516م) حتى (963هـ=1555م) إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة، وبين بعض مظاهر اللين والعفو، إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالاً مفضلاً لتعصبها وإرهابها.

الألخميادو

وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الاستشهاد المحزن، الذي فرض عليها تحاول بكل وسيلة أن تستبقي دينها وتراثها، فكان الموريسيكيون بالرغم من دخولهم في النصرانية يتعلقون سرًا بالإسلام، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية، وكانوا يحافظون على لغتهم العربية، إلا أن السياسة الإسبانية فطنت إلى أهمية اللغة في تدعيم الروح القومية؛ لذلك أصدر الإمبراطور شارل الخامس سنة ( 932 هـ=1526م) أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين، ولكنه لم يطبق بشدة؛ لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له (100) ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية، ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة (964 هـ/1566م) قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة، وفرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، ومع ذلك وجد الموريسكيون في القشتالية متنفسًا لتفكيرهم وأدبهم، فكانوا يكتبونها سرًا بأحرف عربية، وأسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة هي "ألخميادو" وهي تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية"، ولبثت هذه اللغة قرنين من الزمان سرًا مطمورًا، وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية، وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه، وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو" وهو مؤلف لكتب التفسير، وتلخيص السنة، ومن الشعراء محمد ربدان الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية؛ وبذلك تحصن الموريسيكيون بمبدأ "التقية" فصمدوا في وجه مساعي المنصرين الذين لم تنجح جهودهم التبشيرية والتعليمية والإرهابية في الوصول إلى تنصير كامل لهؤلاء الموريسيكيين، فجاء قرار الطرد بعد هذه الإخفاقات.

ولم تفلح مساعي الموريسيكيين في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر، رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون والجزائريون والأندلسيون على السفن والشواطئ الأسبانية، ودعم الثوار الموريسيكيين.

واستمرت محاكم التحقيق في محاربة هؤلاء المسلمين طوال القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة في النفوس بقيت بالرغم من المحن الرهيبة وتعاقب السنين، ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلاً أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة (1222هـ=1807م) أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التحقيق.


من أساليب التعذيب التي أتبعها رهبان محاكم التفتيش حرق ضحاياهم وهم أحياء وشيهم كما تشوا الأنعام


وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.

ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية ( كتب (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: " كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ.

وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.

وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شاراً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة .. "

حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا


قد كان مِنْ قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمِنْشار فيوضع عَلَى رأسه فيجعل نصفين

ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد " .

" وكادت جهودنا وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت "دي ليل" استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.

عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.

وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.

قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!.

وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى


من أدواة التعذيب التي كانت متبعة من قبل محاكم التفتيش تقطيع الأعضاء بواسطة الأدوات الحادة

يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.

أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.

وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.


تابوت السيدة الجميلة التي يلقى فيها الشباب ثم يطبق عليهم

كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.

كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.

وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.

وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير (1).

المرجع الرئيسي موقع الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org

(1).التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام للشيخ محمد الغزالي

مصادر الدراسة

• محمد عبد الله عنان –نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين- مكتبة الخانجي – القاهرة الطبعة الرابعة 1408هـ=1987م.

• عادل سعيد بشتاوي – الأندلسيون المواركة – القاهرة – الطبعة الأولى 1403هـ=1983م.

• ليونارد باتريك هارفي – تاريخ الموريسكيين السياسي والاجتماعي والثقافي. (دراسة في كتاب الحضارة العربية في الأندلس التي أشرفت على إعدادها الدكتور سلمى الخضراء الجيمي). مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – الطبعة الأولى 1419-1998.

• نبيل عبد الحي رضوان – جهود العثمانيين لإنقاذ الأندلس واسترداده – مكتبة الطالب الجامعي – مكة المكرمة – الطبعة الأولى 1408هـ=1988

د.فالح العمره
19-09-2006, 05:28 PM
سر سجون الاعتقال داخل الكنيسة..........محاكم التفتيش[13]



رئيسية :عام :الخميس 21 شعبان 1427هـ – 14 سبتمبر 2006م



مفكرة الإسلام: تناولنا في المقالات السابقة سببين من أسباب الثورة ضد الكنيسة، ألا وهما الطغيان الكنسي وفساد الرهبان، واليوم نتعرض لأحد تلك الأسباب والتي كانت بمثابة النور الذي أوضح لعامة الشعب ما كان تحت ستر الكنيسة من ظلم وقسوة، على الرغم من أن المفترض –كما كان يعتقد الناس- أنهم أهل رحمة وزهد، تلك هي محاكم التفتيش.

وقبل أن نتكلم عن محاكم التفتيش وسبب نشأتها يجب أن نقر بحقيقة قاطعة، وهي أن ما كان يحدث في محاكم التفتيش من صور للتعذيب والقتل لم يصل إليها العسكريون أنفسهم، ولذا كان سلاح محاكم التفتيش سلاحًا رادعًا لمن يخالف أوامر الكنيسة أو تظهر منه بوادر اعتراض على آرائها ومعتقداتها، وكان المسلمون في الأندلس من الذين نالوا قسطًا غير قليل من ويلات محاكم التفتيش، حيث كانت الكنيسة تمارس ضدهم تطهيرًا عرقيًا، وقد نجحت الكنيسة في ذلك إلى حد كبير، حتى ما بقي في الأندلس مسلمًا واحدًا.



يقول ول ديورانت -بعد أن يعدد مباذل البابوات وانحرافات رجال الدين-: [ وإذا ما عفونا عن بعض هذا الشذوذ الجنسي والانهماك في ملاذ المأكل والمشرب، فإننا لا نستطيع أن نعفو عن أعمال محكم التفتيش ][1].

شهد القرن الثالث عشر تطور منظمة جديدة في الكنيسة هي محكمة التفتيش البابوية، ذلك أنه جرت عادة البابا قبل ذلك الزمان بأن يقوم في بعض الأحيان بتحقيقات أو استعلامات عن الإلحاد في هذا الإقليم أو ذاك، ولكن [إنوسنت الثالث][2] وجد الآن في عقد الرهبان الدومينيسكيين الجديد أداة قوية للقمع، ومن ثم نظمت محاكم التفتيش كأداة تحقيق مستديمة تحت إداراتهم.

[ وقد تجلى في الكنيسة عندما وافى القرن الثالث عشر ما يساورها من قلق قاتل حول الشكوك الشديدة التي تنخر بناء مدعياتها بأكمله، وقد تجعله أثرًا بعد عين، فلم تكن تستشعر أي اطمئنان نفسي، وكانت تتصيد الهراطقة في كل مكان، كما تبحث العجائز الخائفات- فيما يقال- عن اللصوص تحت الأسرة وفي الدواليب قبل الهجوع في فراشهن][3].

[ وقبل القرن الثالث عشر لم تنزل عقوبة الإعدام إلا نادرًا بالملاحدة والكفار، فإما الآن فإن كبار رجال الكنيسة كانوا يقفون في مئة ساحة من ساحات الأسواق في أوروبا ليراقبوا أجسام أعدائها -وهم في غالبية الأمر قوم فقراء لا وزن لهم- تحترق بالنار وتخمد أنفاسهم بحالة محزنة، وتحترق وتخمد معهم في نفس الحين الرسالة العظمى لرجال الكنيسة إلى البشرية فتصبح رمادًا تذروه الرياح ][4].



ولا يفوتنا أن نقول: إن الضحية الأولى لمحاكم التفتيش كانت المسلمين الأندلسيين الذين أُبيدوا إبادة تامة بأقسى وأشنع ما يتخيله الإنسان من الهمجية والوحشية، ثم ظلت تمارس أعمالها على مخالفي الكنيسة وإن لم يكونوا مسلمين أو متأثرين بالحضارة الإسلامية، وانتقلت من أسبانيا إلى بقية أقاليم الكنيسة، وكانت المحكمة الأم لها هي 'المحكمة المقدسة' في روما، ولا يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث عنها إلا ويصيبهم الاضطراب، وتتفجر كلماتهم رعباً، فما بالك بالضحايا الذين أزهقت أرواحهم والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال!

وإذا أردنا أن نلقي نظرة عما كان يحدث هناك تفصيليًا فعلينا أن نتأمل تلك القصة التي حدثت بعد الثورة الفرنسية:

بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.



تحدث أحد الضباط الفرنسيين فقال: [ أخذنا حملة لتفتيش أحد الأديرة التي سمعنا أن فيها ديوان تفتيش، وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تظفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت 'دي ليل' استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!! قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً، فماذا تريد يا لفتنانت؟! قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف، فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.

عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة -وكنا نرقب الماء- فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف، فصفق الضابط 'دي ليل' من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.

وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.

قلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!



وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.



أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.

ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين.

ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.

وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.

كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.

كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.



وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم ][5].

هذا العذاب كان موجهاً ضد الطوائف المخالفة من المسيحيين فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟؟ … أشد وأنكى لا شك.

ولذا فقد كانت محاكم التفتيش وما صحبها من الفظائع عميقة الأثر في الحس الأوروبي، وسيئة النتائج بالنسبة للنهضة التي انبثقت في أوروبا بعد الثورة على الكنيسة، لقد أصبح العداء للدين المتمثل هناك في الكنيسة ورجالها أمرًا لازمًا لكل صاحب فكر حر أو ضمير حي؛ لأن هذا العداء هو أبسط تعبير عما رآه الناس من أهوال لم يكونوا يتصوروا أن تقع بأيدي رجال من المفترض أنهم رجال دين.

ونتعرض في المقال القادم إن شاء الله إلى السبب الأخير من أسباب الثورة ضد الكنيسة وهو 'الإقطاع'





ـــــــــــــــــ

[1] قصة الحضارة، [21/86].

[2] إنوسنت الثالث ولد في أجناني بإيطاليا، عاش ما بين الفترة [ 1160م-1216م]، تولى منصب البابوية عام 1198م، ويعد من أبرز بابوات القرون الوسطى، وكانت أكثر إسهاماته وضع مذهب خاص حدد سلطة البابا إلى يومنا هذا، كان أحد الذين دعوا إلى الحملة الصليبية الرابعة والخامسة.

[3] معالم تاريخ الإنسانية، [3/902-903].

[4] معالم تاريخ الإنسانية، [3/908-909].

[5] التعصب والتسامح، محمد الغزالي. ص[311-318]، باختصار.

د.فالح العمره
19-09-2006, 05:32 PM
رحيم العراقي


مؤلف كتاب_ محاكم التفتيش _ هو البروفيسور إدوارد بورمان المختص بالدراسات الدينية المقارنة. قد كرس كتابه هذا للتحدث عن موضوع طالما شغل المثقفين في الغرب الأوروبي ـ الأميركي: ألا وهو محاكم التفتيش السيئة الذكر والتي طالما قمعت العلماء والمفكرين من كوبر نيكوس، إلى غاليليو، إلى ديكارت، إلى معظم فلاسفة التنوير في القرنين السابع عشر والثامن عشر بل وحتى التاسع عشر فيما يخص إسبانيا والبرتغال.
ومحاكم التفتيش التي ماتت الآن في أوروبا بفضل استنارة العقول تحولت إلى شيء آخر أو مؤسسة أخرى. وهي الآن موجودة في الفاتيكان وتدعى باسم: المجمع المقدس للحفاظ على عقيدة الإيمان المسيحي. صحيح أنها لم تعد تحرق المفكرين وكتبهم كما كانت تفعل سابقاً ولكنها تراقب أي خروج على العقيدة أو أي انتهاك لها وتعاقبه عن طريق فصل الأستاذ من عمله أو منعه من تدريس مادة اللاهوت المسيحي.
يعود المؤلف بالطبع إلى بدايات محاكم التفتيش ويقول: «ان محاربة الزندقة كانت سارية المفعول حتى قبل ظهور محاكم التفتيش كمؤسسة رسمية في بدايات القرن الثالث عشر. فقد كان هناك دائماً أناس يخرجون على هذا المبدأ أو ذاك من العقيدة المسيحية. وكانت الكنيسة تعاقبهم بشكل أو بآخر». ويمكن القول بأن المجمع الكنسي الذي اجتمع في مدينة لاتران عام (1139) كان أول من بلور التشريعات البابوية ضد الزندقة والزنادقة،
وقد طبقت هذه التشريعات على إحدى الفئات المسيحية اثناء الحروب الصليبية لأول مرة وهي فئة «الألبيجيين» التي اعتبرت بمثابة الخارجة على الإجماع المسيحي، وبالتالي فهي مهرطقة أو زنديقة. ثم يردف المؤلف قائلا: «وكان الامبراطور المسيحي هو أول من فكر بالحرق كعقاب للزنادقة عام 1224 وهي عقوبة فظيعة ومرعبة لأنهم كانوا يشعلون النار في الحطب ثم يلقون بالإنسان الزنديق فيها وهو يزعق ويصيح».
ثم صدق البابا غريغوار التاسع على هذا القرار عام 1231 وأصبحت محرقة الزنادقة أمراً شرعياً معترفاً به، بل وخلعت عليها القداسة الآلهة لأن البابا كان يتحلى بمكانة المعصومية في نظر جمهور المسيحيين آنذاك. وبالتالي فكل ما يأمر به أو يفعله مقدس ولا راد له.
وقد كان الهدف من إقامة محاكم التفتيش هو الدفاع عن الإيمان المسيحي في مذهبه الكاثوليكي البابوي الروماني. وقد أسسوها في البداية لمحاربة بعض الفئات المسيحية المارقة في فرنسا، ثم وسعوها لكي تشمل طوائف أخرى عديدة لا تلتزم كليا أو حرفيا بالشعائر المسيحية الكاثوليكية. وأخيراً وسعوها لكي تشمل بقايا الوثنية التي لم تمت بعد في أوروبا، وكذلك لكي تشمل كل أعمال الكفر أي شتم المقدسات المسيحية أو النيل منها أو الاستهزاء بها.
هذا هو هدف محاكم التفتيش في البداية ولكن كيف كانت تشتغل هذه المحاكم يا ترى؟ وما هي منهجيتها في المحاكمة؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف قائلا: «كانت تشتغل على النحو التالي: بمجرد ان يشتبهوا في شخص ما، كانوا يقبضون عليه ويخضعونه للتحقيق فإذا اعترف بذنبه تركوه وإذا لم يعترض عذبوه حتى يعترف وإذا أصر على موقفه ألقوه طعمة للنيران وأحياناً كانوا يصدقونه ويعتبرونه بريئاً من التهمة الموجهة إليه فيخلون سبيله».
وكانت محاكم التفتيش مشكلة عادة من رجلي دين أو راهبين اثنين ولكن كان يساعدهما أو يحيط بهما أشخاص عديدون لا ينتمون إلى سلك الكهنوت ككاتب العدل أو كاتب المحكمة، وكالسجان أو حارس السجن..
والشخص الذي كان يرفض المثول أمام المحكمة كانوا يكفرونه فوراً ويخرجونه من الأمة المسيحية وبالتالي يباح دمه ويصبح قتله أمراً مشروعاً ومن يقتله لا يعاقبه أحد ولا يسائله.وكانوا يطلبون من المشتبه فيهم أن يكشفوا للمحكمة عن كل ما يعرفونه عن أسرار الزندقة والزنادقة وكان كاتب العدل يسجل ما يقولونه كمحضر رسمي.
وكان القضاة يلجأون أحياناً إلى الوشاة أو الجيران أو حتى شهود الزور لكي يحصلوا على معلومات تدين الشخص المشتبه فيه والذي يريدون معاقبته بأي شكل لأنه لا يؤدي الشعائر الدينية كما ينبغي، أو لا يؤمن بالعقائد المسيحية كلها بشكل مطلق ودون أي تساؤل.
وكان يصل الأمر بهم إلى حد محاكمة الشخص حتى بعد موته! فإذا ما ثبت لهم أنه مذنب أو خارج على العقيدة المسيحية فإنهم كانوا ينبشون قبره ويستخرجون جثته ويحرقونها معاقبة له.
وكانت العقوبة من نوعين: خفيفة وثقيلة فإذا كان الذنب خفيفاً اكتفوا بتقريع المذنب في الكنيسة على رؤوس الأشهاد وأحياناً كانوا يطالبونه بدفع مبلغ من المال للفقراء للتكفير عن ذنبه أما إذا كان الشخص الملاحق زنديقاً حقيقياً فإنهم كانوا يسجنونه مدى الحياة وفي الحالات القصوى كانوا يلقونه في المحرقة طعمة للنيران..
ويكتب المؤلف: لقد بلغ التعذيب ذروته في القرن الثالث عشر. ففي ذلك الوقت ازدهرت محاكم التفتيش وانتشرت في شتى أنحاء المسيحية الأوروبية من إيطاليا، إلى فرنسا، إلى ألمانيا، إلى إسبانيا والبرتغال، إلخ..
ففي فرنسا أدت هذه المحاكم السيئة الذكر إلى حرق مناطق بأكملها جنوب البلاد، بالقرب من مدينة تولوز، وهي مناطق كانت مسكونة من قبل طائفة مسيحية خارجة على القانون وتدعى: طائفة الكاتاريين. وكانوا يخلطون العقائد المسيحية بعقائد أخرى لا علاقة لها بالمسيحية. ولهذا السبب كفّروهم، وأعلنوا عليهم حرباً صليبية لاستئصالهم في الوقت نفسه الذي وجهوا الحملات الصليبية إلى الشرق الإسلامي.
وبالتالي فالحروب الصليبية ابتدأت أولاً في الداخل قبل أن تنتقل إلى الخارج. وهذا شيء يجهله الكثيرون. فقد كانوا يعتبرون زنادقة الداخل بمثابة طابور خامس يشكل خطراً على المسيحية أكثر من الإسلام. ولذلك حصلت مجازر كثيرة في تلك المنطقة الفرنسية. ولم يستطيعوا التغلب على «الزنادقة» إلا بعد مقاومة عنيفة وجهد جهيد. ولا تزال آثار هذه المجازر حاضرة في الذاكرة الفرنسية الجماعية حتى الآن.
وهي تشكل صفحة سوداء في تاريخ فرنسا. ولذلك فإن الساسة الفرنسيين يقولون عندما تنشب مشكلة داخلية عويصة: لا نريد تحويلها إلي حرب أديان! والمقصود بذلك أنهم لا يريدون العودة إلى الانقسامات الطائفية والحروب الأهلية التي مزقتهم طويلاً في الماضي. وبالتالي فأكثر شيء يرعبهم هو تلك الحروب المذهبية التي جرت في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر وحتى السابع عشر..
إنهم يريدون أن ينسوا تلك الذكرى الأليمة لمحاكم التفتيش والحروب المذهبية التي تشكل صفحة سوداء في تاريخهم. وبالتالي فمحاكم التفتيش لم تنته من الذاكرة الجماعية، وإنما لا تزال آثارها عالقة في النفوس حتى الآن. ثم يردف المؤلف قائلاً: بين عامي 1250 ـ 1257، أي طيلة سبع سنوات قاد محاكم التفتيش في جنوب فرنسا زعيم كاثوليكي أصولي متعصّب جداً يدعى «روبير لوبوغر». وقد فتّش كل المدن والأرياف هناك بحثاً عن الزنادقة أو المزعومين كذلك.
وحرق بالنار واحداً وعشرين شخصاً، وسجن مدى الحياة (239)، ورمى في النار الكاهن الزنديق لطائفة «الكاتاريين» المارقة. وحكم على قرية بأكملها بالمحرقة، لأنه اتهمها بإخفاء أحد الزنادقة الكبار من رجال الدين الكاتاريين.
ثم يضيف المؤلف : أما أبشع محاكم التفتيش في العالم فكانت في إسبانيا التي كانت مشهورة بتعصبها الديني الكاثوليكي. وقد ابتدأت هناك عام 1480 قبل انتهاء الحروب التي أدت إلى طرد العرب والمسلمين من إسبانيا. وكان على رأسها الملكة إيزابيل الكاثوليكية جداً، وكذلك زوجها فيردنان.
وقد استهدفت محاكم التفتيش أولاً «المسيحيين الجدد» لمعرفة فيما إذا كانوا قد اعتنقوا المسيحية عن جَدّ، أو لأسباب تكتيكية ومنفعية خالصة. وهؤلاء الناس كانوا سابقاً إما مسلمين وإما يهوداً، اعتنقوا مذهب الأغلبية خوفاً من الاضطهاد والملاحقات. وكان ذلك بعد أن انتصرت الجيوش المسيحية على العرب وإنهاء حكم ملوك الطوائف في الأندلس.
وليس من قبيل الصدفة أن يكون مركز محاكم التفتيش في اشبيلية، إحدى عواصم التنوير الأندلسي في سالف الأزمان.. ومن أشهر قادة محاكم التفتيش ليس فقط في إسبانيا وإنما في العالم كله شخص يدعى: توماس توركمادا. ومجرد ذكر اسمه لا يزال يثير القشعريرة في النفوس حتى هذه اللحظة. منذ كان أكبر أصولي متزمت في الغرب المسيحي كله. وكانت جرأته على القتل والذبح تفوق الوصف.
وكان مقرباً جداً من الملكة إيزابيل التي لا تقل تعصباً عنه. ولذلك عيَّنوه رئيساً لمحاكم التفتيش الإسبانية بين عامي 1481 ـ 1498: أي طيلة سبعة عشر عاماً! وفي ظل عهده «الميمون»، أطلقت محكمة التفتيش في طليطلة الأحكام التالية: حرق عشرة آلاف ومئتين وعشرين شخصاً بالنار. ذبح ستة آلاف وثمانية وأربعين زنديقاً آخرين.
تعذيب خمسة وستين ألفاً ومئتين وواحد وسبعين شخصاً حتى الموت في السجون. شنق اثني عشر ألفاً وثلاثمائة وأربعين شخصاً، متهماً بالزندقة أو الخروج عن الخط المستقيم للدين المسيحي. الحكم على تسعة عشر ألفاً وسبعمئة وستين شخصاً بالأشغال الشاقة والسجن المؤبد. باختصار فإن هذه الأحكام المرعبة شملت مالا يقل عن مئة ألف وأربعة عشر شخصاً، ويزيد. وكل ذلك حصل في منطقة طليطلة وحدها. فما بالك بما حصل في مختلف مناطق إسبانيا الأخرى؟!
ثم يختتم المؤلف موضوعه المخيف : وكل هؤلاء الزنادقة كانوا يجردونهم من أملاكهم وأموالهم وأرزاقهم. ولكن «توركمادا» رفض أن يأخذها لنفسه، أو يغتني على حساباه. وإنما ظل رجلاً فقيراً كأي راهب صغير بعد أن أعطاها للكنيسة أو للجمعيات الخيرية المسيحية.

د.فالح العمره
19-09-2006, 10:38 PM
محاكم التفتيش الغربية والسارزان العرب... تيسير علوني نموذجا!: ناصر السهلي



2005/10/08

للوهلة الاولى بدا الحكم الذي أصدرته المحاكم الاسبانية وقضاتاها بحق الزميل تيسير علوني أمرا غير قابل التصديق.. ولاشك بأن هذا الحكم يستحق الاستهجان والاستنكار وهو طعنة حقيقية لحرية الصحافة والاعلام والتفكير... فتيسير علوني ظل لسنوات عديدة مثار أخذ ورد بين " الدلائل السرية" التي استخدمت للحكم عليه وبين العديد من المنظمات الحقوقية والاعلامية بما فيها قناة الجزيرة التي أثبتت أنها وفية لقضية علوني عكس ما يمكن أن تكون عليه حالة علوني لو أنه كان موظفا لدى جهة اعلامية رسمية أو غير رسمية تنتهج الخط الاعلامي المحدد أمريكيا... فإن هذا السجال لم يكن في أي حال من الاحوال إلا تعبيرا دقيقا عن عن الحد الفاصل بين ما ذهبنا إليه في كثير من كتاباتنا السابقة عن جذور القراءة الغربية المتنفذة لقيمة ومكانة القيم الانسانية التي يؤمن ويمارسها من لا ينتمي عرقيا وفكريا للثقافة الغربية التي قبلت، رغم جهود التنويريين، أن يتحكم بها وبعلاقتها بالاخر فكرا من الطراز الاناني الفوقي المتعالي على ثقافات ومعتقدات البشر الذين يرفضون رفضا إيجابيا الانسلاخ ومن ثم الانضواء/التماهي/ تحت مظلة هذا الفكر المستعبد للاخر..


ندرك تمام الادراك، ونحن نتطرق في كلامنا هذا إلى العقلية المتنفذة في الغرب، بأن الامر يحتمل الكثير من التأويل الذي يُراد له أن يظل ، باسم الواقعية والعقلانية، حبيس العقول والصدور لكي لا يُتهم من يبوح به بتهم تتجاوز حدود المعقول البشري.. وندرك بأن الثقافة الاوربية في صميم من أنتجها ويؤمن بها اليوم، الكثير من الشخصيات المرموقة التي ترفض رفضا قاطعا أن تكون وسائل وأدوات في محرقة هذا الفكر المتعالي وإن كان تأثرها اليوم يصل حد الصفر النافر وسط هوجة الاندفاع المتطرف الذي لا يأبه بتاتا للقيم الانسانية التي يبشر بها مفكرون على مستوى من الادراك والوعي الذي يحترم حقوق وثقافة الاخر...

ومن الصحيح القول بأن الكثير من الشعوب الاوربية ترفض أن تقاد مثل قطيع من النعاج ، وإن بدت كذلك، نحو الايمان بهذا الفكر المتناقض والممارس للازدواجية في أقبح صورها الممارسة إطلاقا..

إلا أن مشهد هذه الشعوب اليوم بات يذكرنا بكل القراءات التاريخية عن عصور الظلام التي كان يٌقاد فيها التعساء نحو محرقة حروب الفرنجة باسم الصليب ومحاربة "الكفار" في الشرق.. هذا إذا أردنا توصيف تلك الحروب التي كان يعلنها الاباطرة والملوك اللاهثين وراء الانتفاع مما لدى الشرق من خيرات، بوصفها الحقيقي المتداول باسم "الحروب الصليبية"... قد لا يشتم الكثيرين اليوم رائحة الهمجية التي رافقت التحضير والتجييش لتلك الحملات التي أذاقت شعوب المنطقة الويلات باسم "الرب"... لكننا نستطيع اليوم أن نلحظ ما يتقاطع مع تلك الرائحة في كثير من جوانبها التي أضحى الاعلام اليوم وسيلة واضحة في حملات غير معلنة ...

نعم قد نصل الى نتيجة تعميمية إن تحدثنا عن الخلفية الثقافية التي تتحكم بعلاقة الغرب بالشرق، والعرب في هذه الحالة جزء لا يتجزأ من مكونات هذا الشرق الذي لم يعد منظره ساحرا وجاذبا بقدر ما هو مخيف ومرعب وهمجي بحاجة لمن يرشده ويحضره... وقد لا أنسى أبدا منظر تلك السائحة الغربية التي إستدارت إلي في حي العصافرة الشعبي في الاسكندرية وهي تعلق: إنهم همج ويذكرونني وكأنني في سيرك مهرجين!

لا أنساه لأنه يحدث في زمن يُحشى في أدمغة حتى هؤلاء السائحين أحكام مسبقة عن البسطاء الذين يجهدون من المهد الى اللحد للخروج من دائرة الفقر والتراجع المفروضة عليهم بفعل إختلال جل الموازين التي تتحكم في العلاقة بين هؤلاء وهؤلاء...

إذا أردنا التأني قليلا فإن الشعور بالغضب، الذي تولده عند شعوب المنطقة، حالة العلاقة المختلة التي تعبر عنها علاقة الغرب بحقوق الاخر أمر لايمكن تجاوزه ... ليس فقط لما جرى ويجري من دعم واضح للدولة الصهيونية مقابل 300 مليون عربي ومشاعر مليار مسلم... بل حتى على الصعيد الفردي على امتداد ساحات المهجر الغربي حيث أصبح العربي والمسلم عرضة للملاحقة والشبهة والملاحقة إعلاميا وبوليسا على النوايا التي يمكن أن يحملها هذا المهاجر.. فالأنسان العربي المقيم في الغرب مطلوب منه أن يصمت ويرضى تماما عما يقوم به جيش الغرب في بلاده من دعم و قتل وتدمير في العراق وفلسطين وتهديد لهذا البلد وذاك وإلا فإن تهمة "الارهاب " تكون سيفا مسلطا على رقاب العباد لكي يلوذ هؤلاء إما بصمت أو نفاق..


من يتابع المشهد الاعلامي الغربي/ بعيدا عن الاستثناءات/ في تعاطيه مع قضايا العرب والمسلمين فإنه اليوم يبدوا أكثر إلتصاقا بمشروع إستراتيجي واضح المعالم ... ومهما قيل عن أن مثل هذا الكلام يدخل في نطاق نظرية المؤامرة فإن اقتناعنا بأن التسمية قد لا تهم كثيرا طالما أن واقع الحال والوقائع التاريخية دلت دوما على وجود مشروع غربي معين ومستمر بوجوه وأدوات متعددة في المنطقة...

دعونا نتساءل عن التسمية التي يمكن أن نطلقها مثلا على إعترافات كولن باول بشأن السلاح العراقي والتي إعترف من خلالها ما مورس من كذب مقصود وتزوير موجه بشأن ذلك السلاح الذي لم يُعثر إلى يومنا هذا على أثر له؟

هل يمكن أن نسميه كذب! أم أنه يتجاوز الكذب إلى ماهو أبعد من ذلك؟

هذا النموذج الذي نأخذه مثلا على إستخدام الاعلام الغربي كمطية بيد السياسي والمخطط الاستراتيجي وإقحام كبريات وسائل الاعلام في تلك اللعبة وعلى رأسها فوكس نيوز لا يمكن أن تكون إستثناءا في المشهد الاستراتيجي الغربي بقيادة الانجيليين الجدد في البيت الابيض والبنتاغون.. ففي مقابل كمية الكذب التآمري الممارس نجد الاعلام الغربي ومن خلفه السياسي يغوص في أدق تفاصيل تعاطي الاعلام العربي، رغم تخلف معظمه عن اللحاق بالحدث، للدلالة على "تطرفه" وعدم "الواقعية"..( أحيلكم إلى البرنامج الوثائقي "مشاهد وآراء" الذي بثته قناة العربية مساء الخميس 29 سبتمبر 2005 عن فوكس نيوز).


دعونا أيضا نقرأ سخافة من سخافات تبرير الحرب على العراق في جانبها الديني الذي يلقى رواجا كبيرا عند بوش وطاقمه "الورع"، فقد ذكر ريتشارد لاند رئيس ما يسمة مفوضية الحرية الاخلاقية والدينية لكنائس بابست في الولايات الجنوبية في أحد مقالاته المؤيدة للحرب على العراق من أن تلك الحرب مبررة لأسباب دينية باعتبار " قيادة حرب عادلة هي عمل مسيحي يقوم على الايثار، فالاشرار يجب أن يعاقبوا والاخيار يجب أن يكافأوا. لقد جاء وقت وقف العنف"!

ثم أليست مصطلحات بوش أكثر سخفا وهي تنسجم مع تعاليم أمثال هؤلاء الانجيليين الجدد حين خرج علينا بالمصطلحات التالية:

- معركة الخير ضد الشر

- العدالة الابدية

- الحرب الصليبية

- محور الشر

- التكليف الالهي


ولكي يستمر الفكر الهوجائي في سيطرته فلابد إذا من إسكات الأصوات العربية القادرة على التأثير على الوعي الجمعي العربي والاعتماد على جيش من "الليبراليين الجدد" في صفوف العرب ليقدموا القراءة الامريكية لمشاكل ومعضلات العرب في صور مغلفة بكثير من الشعارات التي تلامس وتدغدغ فطرة الانسان في الحرية والرفاهية..

وعليه تبدو فكرة قصف "الجزيرة" في أكثر من مكان مجرد مصادفة.. وقتل الصحفيين والاعلاميين والمصوريين مجرد أخطاء لا بقرار سياسي.. وإذا كان تيسير علوني وما عاناه من محاولات قتل في أفغانستان والعراق، كما قُتل طارق أيوب،نجا ليقدم شهادته فإن عقلية معتوهة تؤمن بالانتقام والعقاب ومحاولة إخراس الاصوات ومحو الصور تحكمت ولاشك في كل الملاحقات "القضائية" بحق تيسير علوني وغيره من أطقم العمل الاعلامي المعتقل في المعتقلات التي تفوق في فظاعتها التبريرية معتقلات النازية والعالمثالثية يشكل حقيقة واضحة لمن أراد إكتشافها في تحكم السياسي الغربي بالثقافي والقضائي الذي أثبت مدى انحدار مستوياته في تعاطيه مع قضية الزميل تيسير علوني..

فالتهييج والتجييش الاعلامي الغربي، والاسباني تحديدا، قبل وأثناء وبعد صدور الأحكام مورس ممارسة محاكم التفتيش .. إذ أن الدور الاعلامي الاحترافي بدا مغيبا فطغى عليه تحوله إلى أداة طيعة بيد السياسي الذي لعب دور الجلاد والحكم في آن معا ليصدر الحكم قبل صدوره داخل أروقة المحكمة.. إنها لعبة مكشوفة مارستها عقلية إستعمارية تحتفظ في ذاكرتها بنظرتها الدونية واللامبالية بما هو خارج العنصر الغربي..

تبدو اليوم وعلى خلفية الحكم الصادر بحق علوني وكأن السياسة الغربية قد إنتقلت خطوات إلى الامام في محاكمتها للعربي والمسلم على النوايا وعلى الافكار دون الالتفات كثيرا الى ما تسببه طريقة التعاطي الاعلامي والثقافي والسياسي المشينة مع هؤلاء المسلمين على إمتداد الدول الغربية وفي بلدانهم الاصلية.. فمقابل حماقة طوني بلير وغيره من التابعين الغربيين نجد تصاعدا لا مثيل له في التاريخ من الحملات الهوجاء التي تستهدف الانسان العربي والمسلم باعتباره جزءا من فكرة "مخلفات السارزان" التي انتشرت أثناء فترة محاكم التفتيش.. قد لا نضيف جديدا لو قلنا بأن وسائل الاعلام الغربية تمارس دورها وفق الشعار القائل "الشخص العربي مذنب إلى أن يصدر الحكم بحقه"! بمعنى اخر لم يكن، وفق هذا المنهج، صفة أخرى لتيسير علوني كمتهم او كبريء بل صفة "المجرم الذي ينتظر صدور الحكم" ليس إلا..

ولا تكاد تخلوا وسيلة إعلام مقروءة أو مرئية اليوم من صورة العداء والتشنيع تجاه العرب تحت حجة مكافحة "التطرف والارهاب" فمقابل مكافحة "العداء للسامية" نجد تسامحا كليا مع "العداء للعرب والاسلام" بشكل يفوق التصور .. وعليه فإن السياسي الغربي المدعوم بحزمة من أدوات إعلامية وفكرية مُغرقا اليوم في أدق التفاصيل التي قد تصل حد تجريم السؤال العربي العادي "كيف الشباب؟" كدليل على إرتباط مشبوه بالقاعدة وغيرها.. وذلك في ضمن سياق قصة ممجوجة عن "مكافحة الارهاب" كقضية أم القضايا لدى الغرب الغارق في تراجع وخواء ثقافي وحضاري والاستيعاض عن ذلك بمنطق الاقوة والاستعلاء وفرض نماذج محددة لحياة الاخرين.


قد لا يصدق البعض الغربي، حتى يومنا هذا، ومعه البعض العربي بأن للعرب قدرة على صناعة إعلام متقدم. أي لم يكن بمقدور العقل الغربي المتحكم والمتنفذ إستساغة فكرة أن يخرج الانسان العربي، سياسيا كان أم إعلاميا، مقاتلا كان أم منظرا،مفكرا كان أم ممارسا، عن نطاق ضيق وضع في حيزه كمتلقي مُطيع لكل ما يُلقى إليه من هذا الغرب طيلة قرون من إختلال العلاقة مع هذا الانسان العربي والابقاء على صيغة الاختلال لمصلحة تبعية العقل العربي لهذا الغرب الذي إستبدل بعضا من أدواته ولم يستبدل أحكامه المسبقة باعتبار الانسان العربي شر لابد من تغييره وإعادة بنائه لمصلحة ديمومة مصالح هذا الغرب.

وتبدو المسألة في الجانب الاخر من الصورة وكأن العرب أنفسهم مازالوا غير مصدقين لفكرة وجود إعلام عربي يغرد خارج صيغة تمجيد البطولات الخارقة للنخب الحاكمة..وإعتباره إعلاما مشكوك به لأنه بدا وكأنه يغير من قواعد اللعبة التي تعود عليها طيلة العقود التي سبقت الفورة الاعلامية العربية، والتي لا شك تحمل الصالح والطالح في تجربتها الحديثة.. إلا أن تلك الشكوك أعطت وهي ماتزال تعطي للدعاية الامريكية والغربية عموما الفرصة للنظر بعين المتشكك بأهداف الاعلامي العربي الذي يرفض أن

في قفص الاعلام الرسمي ..

قناة الجزيرة لا تبدو الوحيدة في تجارب الاعلام العربي التخلص من غبار سميك فرضته أنظمة وقوانين الصحافة والاعلام العربي المتخلفة، لكنها بدت في السنوات الاخيرة كمن يقتحم غرف نوم النخبة الامريكية والغربية بشقيها السياسي والعسكري وعليه فإن الانزعاج الذي عبر عنه عدد من القادة الغربيين من هذه القناة لم يتأتى بسبب عدم أهمية ما تطرقت إليه هذه الوسيلة الاعلامية..هذا بعيدا عن إتفاق أو إختلاف بعضنا مع الطريقة التي تنتهجها الجزيرة في تعاطيها مع القضايا التي تهم الانسان العربي... وقد يتخيل البعض في النخب العربية والغربية بأنه لولا "تحريض" وسائل الاعلام العربية ومنها الجزيرة لكانت الامور بألف خير! وهو قول ينافي الواقع الذي يقول مثلا أن صناعة طفل مقاوم في فلسطين لا تحتاج لا إلى دورات إعلامية ولا إلى دورات تثقيفية وتعريفية بما يقوم به الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، إذ يكفي هذا الطفل واليافع الفلسطيني أن


شاهدا على قتل أحد أفراد عائلته أو نسف بيته أو مدرسته ليتولد لديه رغبة وشعورا قويا بمقاومة الاحتلال في الوقت الذي يدرك فيه هذا الطفل السلبية والازدواجية المنافقة من قبل المجتمع الدولي الذي ليس في جعبته إلا الطرف من الضحية أن تتلقى كل الاهانات والاذلال بصمت وبدون أي مظهر من مظاهر الاحتجاج الطبيعية..

علماء النفس يسمون ردات الفعل أو الاعراض التي تتلو الصدمات التي يتعرض لها البشر بأنها ردات فعل طبيعية على أحداث غير طبيعية! وإذا كان الطبيعي غير مسموح فيه للانسان العربي بحجة الاتهام بالارهاب والعنف فلا ندري ما


مطلوب من هذا الانسان ليبدوا أكثر تحضرا بعيون الاعلام الغربي الذي مازال يهتم بأدق تفاصيل "الضحية" الاسرائيلي بينما يتعامل مع الضحية الفلسطينية كرقم ليس إلا..

وفي المشهد العراقي ينطبق ذات الامر، فنحن نشهد هذه الايام محطة عربية حديثة أيضا تفرد مساحة واسعة لاعلان ودعاية لمكافحة "الارهاب والعنف" في العراق وبالرغم من ذلك يُعتقل مراسلوها ويقتلون بأيدي قوات الاحتلال الامريكي...


لا نتجنى على أحد لو قلنا بأن إستهداف علوني بأحكام جائرة كالتي صدرت عن محكمة إسبانية هي بالحقيقة حالة إستهداف تفتيشية للاعلام العربي ولحرية الفكر والصحافة.. وهي مقدمة، سنكتشف متأخرين جديتها، لحملة واسعة تتدحرج مثل كرة الثلج لتطال كل من يرفض التماهي مع الاسلوب الغربي في قراءة الحدث والواقع وكل المفاهيم التي يجهد اليمين الانجيلي الامريكي لفرضها في المنطقة، وقد


البعض متبرعا والاخر مجبرا في محاولات هذا اليمين إلا أنه وفي النهاية ستبقى بصمات هذه العنجهية تؤثر ولزمن طويل قادم على العلاقة بين هذا الغرب والعرب!

د.فالح العمره
19-09-2006, 10:40 PM
محاكم التفتيش الأسبانية



بقلم : حسام عبدالحميد

درسنا كثيراً في التاريخ عن الاستعمار بمسمياته المتعددة وعن محاكم التفتيش عندما كنا صغارا وشاء القدر ان نعيشه واقعاً ملموساً في القرن الحادي والعشرين ونحن نمسك بالأقلام لنكتب عنه ونكشف مساوئه، ولعل محاكمة الزميل تيسير علوني شاهد إثبات على بؤس الاستعمار ووحشية محاكم التفتيش الجديدة.

فالحكم الذي أصدره القضاء الاسباني بالسجن سبعة أعوام على الزميل علوني فضيحة قانونية مكشوفة وهي بالمناسبة لم تكن مفاجأة بل فضيحة مع سبق الإصرار والترصد بدت واضحة في طريقة اعتقال علوني ثم الافراج عنه ثم اعتقاله وتقديم محاكمته والتخبط في التهم المنسوبة له ثم تبرئته من أسوأ تهمة وهي الانتماء لتنظيم القاعدة ومحاكمته علي مهنيته التي تستحق التقدير والاحترام لو قام بها صحفي أمريكي ألا وهي تهمة اجراء مقابلة مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مستدلين بذلك على أنها تعني تعاونه مع القاعدة.

المقابلة التي أجراها علوني مع بن لادن ستظل أغلى مقابلة في حياته لأنه دفع حريته ثمناً لها وهو في ذلك يقدم مثلاً عربياً يتساوي مع ما قدمته جوديث ميللر الصحفية الأمريكية التي دفعت ثمناً باهظاً عندما اختارت السجن ثلاث سنوات على كشف مصادر معلوماتها في قضية الكشف عن اسم العميلة لوكالة المخابرات الأمريكية في قضية شراء اليورانيوم من دولة النيجر وان كانت تضحية علوني ضعف تضحية ميللر إذا تم تثبيت الحكم عليه.

والمؤسف في محاكمة علوني ان المحكمة الاسبانية لم تتمكن من إثبات تهمة الانتماء للقاعدة مما جعلها تبحث عن اي شبهة اخرى فلم تجد سوى شبهة التعاون مع القاعدة وهي تهمة لا تقوي على الصمود في العمل الصحفي الذي يسعي للحصول على السبق خاصة في حالة اسامة بن لادن الذي كان يتمني وما زال اكبر الصحفيين في العالم وحتى أصغرهم ان يحظوا ولو بدقيقة لعمل مقابلة مع بن لادن.

والمؤسف أيضاً ان الحكومة الاسبانية استجابت للضغوط الأمريكية وجعلت من نفسها وكيلاً لأمريكا في عقد أكبر محاكمة لما يسمي بالأعمال الارهابية وهي محاكمة لم تعقدها أمريكا حتي الآن رغم انها تتحفظ علي أكبر عدد من منتسبي الارهاب في سجن غوانتانامو أسوأ سجون العالم.

ويكاد يجزم المرء ان الأغلبية في عالمنا العربي والاسلامي تعتقد بوجود دوافع سياسية وراء هذه المحاكمة بل ان المحاكمة في الأساس هي محاكمة سياسية وليست قضائية وهذا ما أثبتته كثير من استطلاعات الرأي التي جرت بخصوص هذه القضية.

ولا يمكن النظر الي محاكمة علوني بمعزل عن موقف أمريكا من قناة الجزيرة الفضائية التي يعمل فيها وسلسلة الاحداث التي مرت بها من قصف مكتبها في كابول وبغداد واغتيال مراسلها طارق أيوب واعتقال مصورها سامي الحاج الذي يقبع في سجن غوانتانامو ثم إغلاق مكتبها في بغداد.

لقد كانت الجزيرة أول فضائية عربية تزاحم ال Cnn في نقل الحرب الأمريكية علي أفغانستان بعد ان كانت مثل هذه القضايا حكراً علي الإعلام الغربي فقط كما كان الحال في حرب الخليج الثانية التي انفردت ال Cnn بنقل أحداثها.

ولم يكن الأمر مجرد غيرة من التنافس بل رغبة في إخماد هذا الصوت الذي يعمل علي كشف الحقيقة ونقلها للآخرين دون تزوير أو تحريض وهو ما يضر بالهيمنة الأمريكية علي المنطقة ويجعلها تخسر حرب العقول والقلوب التي جعلتها متلازمة مع حرب الدبابات والصواريخ.

ولذلك ليس مستغرباً أن الحكم الذي صدر ضد علوني كان ضريبة لا بد ان يدفعها نيابة عن الجزيرة وعن كل الصحفيين العرب الذين لم يكن أداؤهم مرضيا للسياسة الأمريكية كما أنه رسالة لكل صحفي يعمل عكس التيار الأمريكي أو حتي يفكر في ذلك خاصة في ظل قوانين معاقبة التحريض علي الإرهاب وهو اتهام مطاط يمكن ان يقع نصف الصحفيين في العالم العربي والإسلامي تحت طائلة تهمة التحريض.

لقد سجل الحكم سابقة خطيرة بحق الصحفيين يمكن ان يؤسس لمحاكمتهم علي الأعمال المهنية التي يقومون بها وهو ارهاب فكري لا يقل خطورة عن ارهاب السلاح بل هو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً لأنه سيؤدي في النهاية الي تكميم الأفواه وخنق حرية الصحافة.

ولعل هذا سيكون له تداعياته وسلبياته في اعتبار الصحافة مهنة غير مستحبة من قبل الأنظمة السياسية لأنها تسبب وجع الراس سواء علي المستوي المحلي او المستوي العالمي.

والتضامن الذي حظي به علوني من قبل الفعاليات العربية والغربية يؤكد عدة حقائق أهمها ان الحكم سياسي والمحاكمة غير عادلة والعقوبة لا تتناسب مع التهمة لكن هذا التضامن سيظل تظاهرة اعلامية ربما تضمحل شيئا فشيئا لذلك فإن أبسط الأمور هو ان تستمر هذه الفعاليات في حشد الزخم الإعلامي لهذه المحاكمة في فترة الاستئناف ضد الحكم وان تتواصل الفعاليات الشعبية سواء بالتظاهرات والمناشدات والبيانات وإرسال الاحتجاجات الي الحكومة الاسبانية لعلها تسحب هذه القضية كما سحبت من قبل قواتها في العراق.

بالطبع قد لا يحدث ذلك وقد يكون المرجح هو التصديق علي الحكم او تخفيفه في أحسن الأحوال لكن ستظل القضية علامة فارقة في مشهد الحرب علي ما يسمي بالإرهاب التي تشنها أمريكا علي العالم العربي والإسلامي مع ان الذين تسببوا في المأساة لأمريكا هم حفنة لا مجال للمقارنة بينها وبين مليار و300 ألف مسلم.

قضية علوني ليست استثناء في الظلم الواقع علي المنطقة العربية والإسلامية لكنها حلقة في سلسلة ممتدة ومتشابكة تعكس استراتيجية معدة سلفاً لإعادة رسم المنطقة، والمؤسف حقاً أن يحدث ذلك في اسبانيا الدولة الديمقراطية ضد رجل كان يقوم بعمله المهني علي أكمل وجه.

محاكمة علوني وزملائه أكبر مهزلة في تاريخ القضاء الإسباني الذي كان صدي صوت للاملاءات الأمريكية ولم يسع لإقناع العالم بأدلة الاتهام المتهافتة التي يمكن ان يرد عليها أصغر المحامين، وكان هذا القضاء سيلقي الاحترام والتقدير لو أنه قدم محاكمة عادلة حتي لو استلزم الأمر تبرئة علوني.

أما وقد حدث غير ذلك فإن الآمال تظل معقودة خاصة بعد ردود الفعل التي سمعتها اسبانيا من كل الفعاليات العربية والغربية وان تعيد النظر في الأحكام ضد علوني في مرحلة الاستئناف لعلها تستعيد جزءا من سمعتها وعلاقتها التي ينبغي ان تكون متميزة مع العالم العربي والإسلامي بشكل خاص.

وليس أمام علوني سوي الصبر والاحتساب واذا كان قد حقق سبقا إعلاميا باجراء مقابلة مع بن لادن فلا بأس ان يحقق سبقاً أيضاً في محاكمة الصحفيين في إطار ما يسمي بمحاربة الإرهاب، فهو أول صحفي يتم محاكمته لأنه عربي مسلم ولعله في ذلك يكون قد عري محاكم التفتيش الجديدة في اسبانيا وأثبت أن العالم الغربي لا يقبل إلا الرأي الواحد في الوقت الذي ما زالت القناة التي ينتمي اليها علوني ترفع شعار الرأي والرأي الآخر قولاً وعملاً.

المصدر: الراية القطرية 01/10/2005، 14:20

د.فالح العمره
19-09-2006, 10:41 PM
هكذا إنتشرت المسيحية !!


مما لا شك فيه أن صلبان النصارى هى رمز مؤلم يذكرنا بتاريخ دموى إقترن بها منذ إتخذها النصارى رمزا لديانتهم و إعلم أخى القارىء أن الصليب لم يعتمد كرمز رسمى للنصرانية و لم يوضع على الكنائس و الحوائط و الصدوربهذا الشكل المشين إلا فى عهد قسطنطين ذلك الإمبراطور الوثنى الظالم عندما كان يقاتل مكسنتيوس فى صراع دنىء من أجل السيطرة على الشق الشرقى و الغربى من الإمبراطورية الرومانية و إدعى قسطنطين أنه رأى بعد غروب الشمس هالة من النور فى السماء على شكل صليب و تحته عبارة "بهذا تنتصر" فلما نام نام رأى فى منامه صورة المسيح و معه الصليب نفسه و أمره بإتخاذ الصليب شعارا له و الزحف على عدوه فورا فكانت الظاهرة و ما تبعها من تاييده للنصرانية و طبعا هذه القصة المذرية لا حجة بها على أحد و الناس ليسوا مطالبين بتصديق هذا السفاح و حتى الجنود فى المعركة لم يقاتلوا من أجل المسيح و لا المسيحية و إنما من أجل السلطان و النفوذ و لكن هذه القصة حجة على النصارى فهى دليل صريح على أن الصليب رمز الحرب و القتل و الدماء فهذا القسطنطين لم ير صليبا يأمره بالتقوى و بحقن الدماء بل رأى صليبا يقول له" بهذا تغلب" أى بهذا تسفك دماء أعداءك و تذبحهم , بهذا تزيد من نفوذ الدولة الرومانية الغاشمة و تحافظ على ملكك الدنيوى الحقير –فأى دليل بعد هذا على أن الصليب رمز السيف و نقول للنصارى إن قلتم أن قسطنطين ليس بحجة فقد قلنا نحن ذلك قبلكم و تالله أنى يؤمن لشخص إستعمل الدين فى الحروب لتحصيل السلطان حتى أنه قتل زوجته و إبنه بعد ذلك و ظل على الوثنية فى الوقت الذى كان يرسم فيه النصرانية مع عصابة مجمع نيقية أصحاب قانون" الخيانة الحقيرة" و لم يتعمد قسطنطين إلا على فراش الموت مع أن العماد شرط لدخول النصرانية عندهم لذا قال عنه المؤرخون الغربيون أمثال ول ديورانت أنه كان وثنيا مع الوثنيين و أريوسيا مع الأريوسيين و إسناثيوسيا مع الإسناثيوسيين لتحقيق أغراضه السياسية و رؤيته الصليب هذه لا تعدو أن تكون رؤيا شيطانية كما حدث مع بولس من قبل و من يطالع سيرة كليهما يرى بوضوح مدى ضلالهما , يقول تعالى"هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223 "(الشعراء) و حينها يجب عليكم أن تتخلو عن الصلبان لأنه هو الذى أدخلها أما إن قلتم أن رؤيا قسطنطين حق فهذا إعتراف منكم بحقيقة دلالة الصليب و قد ظلت النصرانية قبل ذلك و لمدة 300 عام دعوى مغمورة لا يتبعها سوى 10% من سكان الإمبراطورية الرومانية حتى عهد قسطنطين و أبنائه الذين ساموا أتباع الديانات الأخرى { الوثنيين} فى الإمبراطورية سوء العذاب .

أما الحروب الصليبية فإسمها و ما حدث فيها كفيلان بكشف بشاعة النصرانية حتى أن مقولة "الدماء و صلت الركاب " المشهورة فى مصر يرجع أصلها إلى ما حدث فى القدس حين ذبح الصليبيون سبعين ألفا من الأطفال و النساء و الشيوخ عند المسجد الأقصى فى ليالٍ معدودةٍ بلا رحمة و مذابح الصرب ضد المساميين فى البوسنة ليست عنا ببعيدةٍ ففى أربعة أعوام ذبح النصارى 200,000 مسلم و مسلمة و إغتصبوا النساء و شقو بطون الحوامل و دفنو الناس أحياء و قصة سربينيتشا تلك القرية الصغيرة التى أعانتها الأمم المتحدة منطقة أمنة إلا أن الصرب الصليبيين تعاونوا مع إخوانهم الهولنديين و غدرو بالقرية الأمنة و قتلوا عشرة ألاف مسلم فى ليلةٍ واحدة, فإذا تشدق النصارى كعادتهم و قالو أن الحرب كلنت عرقية لا دينية قلنا و ماذا كانت عرقية المسلمين ؟! فأن العلم كله كان يعلم أن الحرب بين الصرب و الكروات و المسلميين فكان ذنب المسلميين أنهم مسلمون ثم أى تعاليم هذه التى تمنع من القتل بسبب الدين و تسمح به بسبب السلطان و الإحتلال إن كنتم صادقين أو أى دين هذا الذى فشل أتباعه فى فهم تعليمه على مدار أكثر من 1700 عام من لدن قسطنطين مرورا بالسفاح أوربان بابا الفاتيكان الذى قال أن الحروب الصليبية إرادة الرب و ختاما ببوش الذى يتحدث عن crossedeur war وما كان للنصرانية أن تظهر لولا هذا الفكر الحربى و أمريكا ما تدخلت فى البوسنة من أجل المسلمين فقد تركت الصرب يذبحوا الأبرياء أربعة أعوام و هى قادرة على إيقاف الحرب و لكن تدخلت بعد أن رأت فى يوغوسلافيا الإشتراكية خطرا على نفوذها فى المنطقة أما محاكم التفتيش و إحراق المسلمين و كتبهم

كما أوضحنا أنفا فإن النصرانية ظلت طوال ثلاثة قرون ديانة مغمورة لا يعتنقها إلا عدد قليل جدا من سكان الإمبراطورية الرومانية و لم تكن تجمعهم كلمة واحدة أو مذهب واحد بل كانت مذاهب متباينة فى العقيدة تباين شاسع حتى جاء قسطنطين و أيد النصرانية و حاول أن يوفق بين هذه الملل النصرانية و لكن ظل الخلاف بين الموحدين أتباع الأسقف أريوس الذين قالوا ببشرية المسيح و أنه ليس مساويا لله تعالى فى الجوهر و بين الأسناثيوسيين أتباع المشرك المجرم إسناثيوس الذى إعتنق الفكر البولسى و قال أن المسيح مساو لله و أن لهما جوهر واحد عليه لعنة الله و من وقتها بدأ الإضطهاد للمسلمين و تم إحراق كتب أريوس وشاع القتل و التنكيل فى عباد الله الموحدين أما بالنسبة لإنتشار النصرانية فى أرجاءالعالم فقد بدأ السيف الصليبى يسل منذ عهد قسطنطين نفسه فأغدق على الكنيسة و النصارى بالإمتيازات و العطايا على حساب الوثنيين الذين أخذ نفوذهم فى التضاؤل قهرا و بدأ التطرف فى إستعمال العنف و القوة ضد الوثنيين فى عهد الإمبراطور ثيودثيوس الأول الذى إستخدم كل أشكال الإضطهاد ضدهم بعد أن نجح فى توحيد العالم الرومانى تحت حكمه سنة394م ,و إستمرت الحرب التى شنها ثيودثيوس ضد الوثنيين مدة ثلاثين عاما بعد وفاته هو نفسه و أقفلت المعابد و أعدمت الكتب و منع الوثنيين من مباشرة طقوسهم حتى داخل منازلهم!! بل أن الإمبراطور أركاديوس أصدر مرسوما بتنظيم معابد الوثنية لا إغلاقها فحسب بل قام بإستخدام أحجارها و مواردها فى إقامة منشأت عامة و عندئذ أدركت الوثنية أن مصيرها المحتوم هو الموت أو الإستبدال بصورة وثنية جديدة تسمى النصرانية فلم تجد الوثنية بدا من الفرار و الإتجاء إلى مناطق العزلة الثانية فى إيطاليا و غالي او ظل الحال هكذا حتى القرن السادس حين أقام النجيس بندكت ديره الشهير سنة 529 م على أنقاض أخر ما تبقى من معابد أبولو فى مونت كاسبنو و من أوزريس إلى أبلو إلى بوذا ألى المسيح نرى هذه السلسة المظلمة من الألهة البشرية تعبد من دون الله العظيم.

يقول الدكتورشوقى أبو خليل :-و بما أن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر على كل أوروبا فكان فرضها للنصرانية بالسيف على كل أوروبا هو المتبع من قبل الأباطرة الرومان و قد ظل شارلمان يحارب السكسونيين ثلاثة و ثلاثين سنة كلها عنف و دموية حتى أخضعهم و حولهم قسرا إلى الديانة النصرانية كما تطلب ثمانى رحلات حسوما متتابعة حتى هزم الأفاريين الذين قيل عن أسلاب كنوزهم المكدسة أنها رفعت شالالمان من أعالى الغنى و الثروة إلى شاهق الفيض و الوفرة و كان فرض النصرانية على السكسونيين على اليد النجيس ليودجر و ويليهاد.

و قد أكرهت مصر على إعتناق النصرانية و لكنها هبطت بذلك إلى الحضيض الذى لم ينقذها منه سوى الفتح الإسلامى فدخل الناس فى دين الله أفواجا و حتى الذين ظلو على الكفر كان الفتح الإسلامى منقذ لهم من إضطهاد الروم (الكاثوليك) فكان فتح مصر و تسامح الإسلام سببا فى خروجهم من الكهوف التى كانوا يختبئون فيها و سوف نوضح بإذن الله تفاصيل دخول الإسلام فى مصر عندما نتحدث لاحقا عن فتوحات الإسلام و تسامح هذا الدين العظيم تسامحا لا يخل بمفاهيم الولاء و البراء و عزة الإسلام و فى نفس الوقت يؤمن الأخرين و يحسن إليهم .

و فى الدنمارك كان للملك كونت دورا خطيرا فى نشر النصرانية فى ممتلكاته بالقوة و الإرهاب و من ثم أخضع الأمم المغلوبة على أمرها للقانون المسيحى بعد أن إشتبك مع الممالك المتبربرة فى حروب طاحنة مدفوعا بما كان يضطرم فى نفسه من الشوق إلى نشر العقيدة و فى روسيا إنتشرت المسيحية على يد جماعة إسمها (( إخوان السيف )) أما كيف دخلت النصرانية إلى روسيا فيبدو أولا على يد فلاديمير دوق كييف (985-1015) و هو سليل رورك و يضرب به المثل فى الوحشية و الشهوانية إذ جاء إلى الدوقية فوق جثة أخر إخوته و إقتنى من النسوة ثلاثة ألاف و خمسما ئة على أن ذلك كله لم يمنع من تسجيله قديسا فى عداد قديسى الكنيسة الأرثوذوكسية !!لأنه الرجل الذى جعل كييف نصرانية و قد أمر فلاديمير بتعميد أهل دوقية روسية كلهم كرها فى مياة نهر الدنيبرو قد سمل باسيليوس الثانى و هو من أكبر ناشرى النصرانية فى روسيا أعين 15 ألف من الأسرى البلغار إلا مئة و خمسين منهم أبقى لكل منهم عينا واحدة ليقودوا إخوانهم فى عودتهم لبلادهم أما فى النرويج فقد قام الملك أولاف ترايفيسون بذبح الذين أبو الدخول فى الكسيحية أو بتقطيع أيديهم و أرجلهم أو نفيهم و تشريدهم و بهذه الوسائل( السمحة ) نشر النصرانية فى ( فيكن ) القسم الجنوبى من النرويج بأسرها.

أما فى الأمركتين فكانت المأساة الكبرى فإبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر و كذلك حضارة الأنتيل و حضارة الماياو حضارة الأزتيك و حضارة الأنكا فى بيرو و قد نشرت الصحف صورة لما رافق إكتشاف جزيرة هايتى على يد الأسبان و كانت المادة العلمية تحتها ما يلى:- ( و إنشغل ضباط أسبان ( خلفاء المستكشف صاحب الحملة ) بإكتشاف جزيرة هاييتى و إحتلالها و كانت ما تزال أرض مجهولة و قد تولى هذه المهمة كل من دينغو فلاسكيز و بانفليو دونارفيز فأبديا من ضروب الوحشية ما لم يسبق له مثيل متفنيين فى تعذيب سكان الجزيرة بقطع أناملهم و فقء عيونهم و صب الزيت المغلى و الرصاص المذاب فى جراحهم أو بإحراقهم أحياء على مرأى و مسمع من الأسرى ليعترفوا بمخابىء الذهب و ليهتدو إلى دين المحبة!!

و قد حاول أحد الرهبان إقناع الزعيم (هايتهاى) بإعتناق الدين و كان مربوطا إلى المحرقة فقال له إنه إذا تعمد يذهب إلى الجنة,فسأله الزعيم الهندى قائلا:- و هل فى الجنة أسبان؟

فأجابه:- نعم ماداموا يعبدون إله الحق!, فما كان من الزعيم الهندى إلا قال:- أنا لا أريد أن أذهب إلى مكان أصادف فيه أبناء هذه الأمة المتوحشة!! و من أمثلة ما فعله النصارى فى أطفال الإنكا و المايا و الأزتيك أن فابل مسيحيون هندية و كانت تحمل بين ذراعيها طفلا تقوم بإرضاعه و بم أن الكلب الذى كان يرافقهم كان جائعا فقد إنتزعوا الطفل من بين ذراعى أمه و رموه لكلب الذى أخذ ينهشه على مرأى من أمه و عندما كان بين السجناء بضع نساء وضعن حديثا فإنهم ما إن كان الاطفال الذين ولدوا حديثا يأخذون فى الصراخ يمسكونهم من سيقانهم و يصرعونهم فى الصخور وكذلك ورد أنه عند وصول الجنود إلى القرية بعد الإفطار على العشب راودت الأسبان فكرة جديدة و هى التحقق مما إذا كانت سيوفهم قاطعة بالدرجة التى تبدو بها فجأة يستل الأسبانى سيفه و سرعان ما يحذو المائة الأخرون حذوه و يشرعون فى تمزيق أحشاء و ذبح هذه الشياة من الرجال و النساء و الأطفال و الشيوخ الين كانو جالسين مطمئنين يتفرجون فى عجب على الجياد و الأسبان و فى ثوان معدودة لا يبقى أحد من هؤلاء الأبرياء على قيد الحياة حتى سال الدم فى كل مكان كما لو أنه قد جرى ذبح قطيع كامل من الأبقار و لا يجد ( لاس كاساس ) أى تفسير لهذه الوحشية لقد كان مشهد الجراح التى تغطى أجساد الموتى مشهد رعب و ذعر على حد قوله و لم تنطق الكنيسة ( صاحبة السلطة الدينية و الزمنية ) ببنس شفه تجاه كل ما كان يحدث من مذابح بمباركتها!!

و قد وصل الحد فى أمريكا فى عهد هجرة الأيرلانديون البرتستانت أن صدر قانون يجيز إبادة الهنود الحمر فى كل مكان يتواجدوا فيه لأن أمربكا كانت هى أرض الميعاد وفق تفسير البروتستانت للكتاب المقدس وقتها و هذا التحريف ليس بجديد فهم الأن يساعدون اليهود فى ذبح المسلمين فى فلسطين لأن التفسير الحديث للكتاب المقدس يستلزم ذلك حتى (يمهدو الأجواء) لعودة المسيح ( أمير السلام) و لكن يبدو أن السجادة التى يفرشونها هى سجادة حمراء بلون دماء أطفال فلسطين فقد ظل اليهود في نظر العالم المسيحي بأسره "أمة ملعونة" لمدة ألف وخمسمائة عام، لأنهم -في اعتقاد المسيحيين- هم قتلة السيد المسيح. وقد عانى اليهود صنوفا من الاضطهاد والازدارء بناء على هذا التصور الذي ترسخ في العقل المسيحي وصمد على مر القرون، مدعوما بنصوص كثيرة من الإنجيل، وظروف اجتماعية وسياسية خاصة لكن القرن الخامس عشر الميلادي أظهر تحولات عميقة في النفس المسيحية -الغربية على الأقل- مع بزوغ ما عرف بحركة الإصلاح، وما استتبعه ذلك من انشقاق سياسي وعقائدي داخل الديانة المسيحية بشكل عام، والكاثولوكية الغربية بشكل خاص كان من نتائج هذه التحولات أن أصبحت المسيحية الجديدة التي عرفت باسم البروتستانتية ربيبة لليهودية: فقد أصبحت للتوراة -أو العهد القديم- أهمية أكبر في نظر البروتستانت من الإنجيل أو العهد الجديد، وبدأت صورة الأمة اليهودية تتغير تبعا لذلك في أذهان المسيحيين الجدد وقد ظهر هذا التحول في النظرة المسيحية إلى اليهود في كتابات رائد الإصلاح البروتستانتي، القس الفيلسوف (مارتن لوثر). فقد كتب لوثر عام 1523 كتابا عنوانه: "المسيح ولد يهوديا" قدم فيه رؤية تأصيلية للعلاقات اليهودية المسيحية من منظور مغاير تماما لما اعتاده المسيحيون من قبل، فكان مما قال في كتابه: "إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها"!!!.

و كذلك الحال من إبادة شاملة كاملة مارسها الإنجليز فى حق سكان الأصليين لأستراليا و كذلك فعل الأسبان و البرتغاليون فى حق سكان أمريكا الجنوبية

يقول القس فرانزغريس: ( إن االأمم النصرانية و أكثر من ذلك تاريخ الكنيسة بالذات مضرج بالدماء ة ملطخ و لربما أكثر تضرخا و وحشة من أى شعب وثنى أخر فى الغالم القديم, إن أمما ذوات حضارات زاهية باهرة قد أزيلت و أبيدت و محيت ببساطة و سهولة من الوجود و كل ذلك بإسم النصرانية)
_و حتى فى علاقة النصارى بعضهم ببعض كان السيف هو الوسيلة لنشر المذاهب كما فعل الكاثوليك فى مصر مع الأرثوذكس كما حدث و مازال يحدث من مجازر بين الكاثوليك و البروتستانت فى أوروبا و نذكر هنا مثال صغير جدا و هو ما يعرف ب(ملحمة سان بارتلمى) و هى مذبحة أملر بها سنة572م شارلا التاسع و كاترينا دوميديسيس حينما قتلت كاترينا خمسة ألاف من زعماء البروتستانت فى باريس و ظنت أنهم يتأمرون بها و بالملك و لم يكد ينتشر الخبر فى باريس حتى شاع أنه شرع فى قتل البروتستانت فانقض أشراف الكاثوليك و الحرس الملكى و النبالة و الجمهور على البروتستانت و قتلوا عشرة ألاف نسمة فى مختلف المدن بعد باريس و قد باركت الكنيسة الكاثوليكية هذه المجزرة و ما بدذ السرور على أحد كما بدذ على على البابا غريغوار الثالث عشر و قد أكر بضرب أوسمة خاصة تخليدا لذكرى هذه المذبحة!! و رسمت على هذه الأوسمة صورة غريغوار و بجانبه ملك يضرب بالسيف أعناق البروتستانت و قد ذكر (رينو)فى كتابه (مختصر تاريخ الحقوق الفرنسية) أن فرنسا أصدرت عام 1685م أمرا بتحريم الديانة البروتستانتية و هدم كنائسها و نفى رؤسائها و فى عام 1715م عدت كل زواج لا يعقد على الطريقة الكاثوليكية غير مشروع و فى عام 1724 حرم البروتستانت من تولى الوظائف و أمرت فرنسا بأخذ الأطفال البروتستانت عنوة من أمهاتهم ليربوا تربية كاثوليكية و لا يزال هذا الأسلوب حيا إلى يومنا هذا و قد حرم شاب مصرى تزوج من بولندية من الحصول على أطفاله الأربعة بعد موت أمهم ليعود بهم إلى مصر و تمكن من إختطاف ثلاثة منهم(على حد تعبير الكنيسة) و لا تزال طفلته فى الكنيسة تهان و تجبر على عبادة المسيح من دون الله و تؤهل لتكون من (خدم) الكنيسة و هذه القضية مشهورة الأن و تناولتها الصحف المصرية !!


محاكم التفتيش :

بدأت هذه المحاكم فى القرن الثالث عشر لإرهاب (الهراطقة) الخارجين عن الكنيسة لكن أشنع فصولها بدأ بسقوط غرناطة و وقوع المسلمين فريسة لعدو خائن نقد كل العهود و المواثيق التى وقعت فى عام 1491م بين أبى عبد الله الصغير و فرديناند و التى إشترط المسلمون أن يوافق عليها البابا و يقسم على ذلك و لكن هيهات فهؤلاء لا عهد لهم ولا ذمة و مما جاء فى المعاهدة:- ((.....تأمين الصغير و الكبير فى النفس و الأهل و المال إبقاء الناس فى أماكنهم و دورهم و رباعهم و ‘قامة شريعتهم على ما كانت و لا يحكم على أحد منهم إلا بشربعتهم و أن تبقى المساجد كما كانت و الأوقاف كما كذلك و ألا يدخل نصرانى دار المسلم و لا يغصبوا أحدا ....و ألا يؤخذ أحد بذنب غيره و ألا يكزه من أسلم على الرجوع للنصارى و دينهم و لا ينظر نصرانى على دور المسلمين و لا يدخل مسجدا من مساجدهم و يسير فى بلاد النصارى أمنا فى نفسه و ماله ... و لا يمنع مؤذن و لا مصلى و لا صائم ولا غيره فى أمور دينه )) و مع قسم فرديناند و إيزابيلا على كل هذا إلا أن الأيمان و العهود لم تكن عند ملكى النصارى سوى ستار للغدر و الخيانة و قد نقضت كل هذه الشروط و لم يتردد المؤرخ الغربى(بروسكوت) أن يصفها بأنها أفضل مادة لتقدير الغدر الأسبانى , فنقد الأسبان هذه المعاهدة بندا بندا فمنعو المسلمين من النطق بالعربية فى الأندلس و فرضوا إجلاء المسلمسن الموجودين فيها و حرق ما بقى منهم و زاد الكردينال (أكزيمينيس) على ذلك فأمر بجمع كل ما يستطيع من كتب المسلمين و فيها من العلوم ما لا يقدر بثمن بل هى خلاصة ما تبقى من الفكر الإنسانى و أحرقها , يقول غوستاف لوبون متحسرا على فعلة ذلك الجاهل أكزيمينيس :- (( ظن رئيس الأساقفة أكزيمينيس أنه بحرقه مؤخرا ما قدر على جمعه من كتب أعدائه العرب (أى ثمانين ألف كتاب) محا ذكراهم من الأندلس إلى الأبد فما درى أن ما تركه العرب من الأثار التى تملأ بلاد اسيانية يكفى لتخليد إسمهم إلى الأبد ))

و قد قد هدفت محاكم التفتيش إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية و بأبشع الوسائل و لم تكن العهود التى قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية التى أسبغت على سياسة أسبانيا الغادرة ثوب الورع و الدين !!و لقد قاوم المسلمون التنصير و أبوه و بدأ القتل و التنكيل فيهم فثارو فى غرناطة و ريفها فمزقهم الأسبان بلا رحمة و فى عام 1501م أصدر الملكان الصليبيان مرسوما خلاصته:- (( إنه لما كان الرب قد إختارهما لتطير غرناطة من الكفرة(يعنيان عباد الله المسلمين) فإنه يحظر وجود المسلمين فيها و يعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال )) فهاجرت جموع المسلمين ‘إلى المغرب لتنجوا بدينها و من بقى من المسلمين أخفى إسلاه و أظهر تنصره فبدأت محاكم التفتيش نشاطها الوحشى المروع فحين التبليغ عن مسلم يخفى إسلانه يزج به فى السجون و كانت السجون وحشية رهيبة مظلمة عميقة تغص بالحشرات و الجرذان و يصفد فيها المتهمون بالأغلال بعدج مصادرة أموالهم لتدفع نفقات سجنهم!!

- و من أنواع التعذيب:- إملاء البطن بالماء حتى الإختناق و ربط يدى المتهم وراء ظهره و ربطه بحبل حول راحتيه و بطنه و رفعه و خفضه معلقا سواء بمفرده أو مع أثقال تربط به و الأسياخ المحمية و تمزيق الأرجل و فسخ الفك و كانت أغلب الأحكام بالإحراق و هو الحكم الذى كان غالبا عند الأحبار الذين يشهدون تنفيذه مع الملكين الكاثوليكيين فى (حفلات الإحراق)

- و يوم إحتلال نلبليون لأسبانيا بعد قيام الثروة الفرنسية على أنقاض الكنيسة قام بإلغاء محاكم التفتيش و لكن رهبان (الجزويت) أصحاب هذه المحاكم إستمروا فى القتل و التعذيب فشمل ذلك الجنود الفرنسيين المختطفيين فأرسل المريشال(سولت) الحاكم العسكرى المدنى امدريد الكولونيل (ليمونكى) مع ألف جندى و أربعمائة مدفع و هاجم دير الديوان و بعد تفتيش الدير لم يعثرو على شىء فقرر الكولونيل فحص الأرض و حينئذ نظر الرهبان إلى بعضهم البعض نظرات قلقة و أمر الكولونيل جنده برفع الأيسطة فرفعوها ثم أمر بأن يصبوا الماء فى كل غرفة على حدة فإذا بالماء يتسرب إلى أسفل من إحدى الغرف فعرف أن هناك باب من هنا يفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت بجوار رجل مكتب الرئيس( تماما كما نشاهد فى أفلام الرعب و ما كان لهم أن يأتوا بهذه الأفكار إلا من التراث النصرانى المظلم) و فتح الباب و اصفرت وجوه الرهبان و ظهر سلم يؤدى إلى باطن الأرض و يذكر ذلك الكولونيل فى مذكراته:- (( فإذا نحن فى غرفة كبيرة مربعة و هى عندهم قاعة المجكمة و فى وسطها عمود من رخام به حلقة حديدية ضخمة ربطت بسلاسل كانت الفرائس تربط بها رهن المحاكمة و أمام ذلك العمود عرش (الدينونة) و هو عبارة عن دكة يجاس عليها رئيس محكمة التفتيش و إلى جواره مقاعد أخرى أقل إرتفاعا لبقية القضاة ثم توجهنا لإلى ألات التعذيب و تمزيق الأجساد البشرية و قد إمتدت تلك الغرف مسافات كبيرة تحت الأرض و قد رأيت بها ما يستفز نفسى و يدعونى إلى التقزز ما حييت , رأينا غرفا صغيرة فى حجم الإنسان بعضها عمودى و بعضها رأسى فيبقى سجين العمودية واقفا فيها على رجليه مدة سجنه حتى يقضى عليه و يبقى سجين الأفقية ممددا بها حتى الموت و تبقى الجثة بالسجن الضيق حتى تبلى و يتساقط اللحم عن العظم و لتصريف الروائح الكريهة المنبثقة من الأجداث البالية تفتح كوة صغيرة إلى الخارج و قد عثرنا على عدة هياكل بشرية لا زالت فى أغلالها سجينة و السجناء كانوا رجال و نساء و أطفال و شيوخ ما بين الرابعة عشر إلى السبعين و كان السجناء عراة زيادة فى النكاية بهم و إنتقلنا إلى الغرف الأخرى فرأينا ما تقشعر لهوله الأبدان عثرنا على ألات لتكسير العظام و سحق الجسم و عثرنا على صندوق فى حجم الرأس تماما يوضع فيه رأس المعذب بعد أن يربط بالسلاسل قى يديه و قدميه فلا يقوى على الحركة فبقطر الماء البارد على رأسه من أعلى الصندوق نقطة نقطة و قد جن الكثيرون من هذا اللون من العذاب و عثرنا على ألة تسمى السيدة الجميلة و هى عبارة عن تابوت تنام فيه صورة فتاة جميلة مصنوعة على هيئة الإستعداد لعناق من ينام معها و قد برزت من جوانبها عدة سكاكين حادة و كانوا يطرحون الشاب المعذب فوق هذه الصورة ثم يطبقون عليه باب التابوت بسكاكينه و خناجره فإذا أغلق الباب مزق الشاب إربا كما عثرنا على ألة لسل اللسان و لتمزيق أثداء النساء و سحبها من الصدور بةاسطة كلاليب فظيعة و مجالد من الحديد الشائك لضرب المعذبين العراو حتى يتناثر اللجم من العظم .

أما باقى فظائع النصارى بحق المسلمين فلا يمكن إحصاؤها منذ الحروب الصليبية وصولا إلى الإحتلال و قتل الملايين و إستعبادهم حتى أن الجزائر صارت بلد المليون شهيد و فد كان الجندى الإيطالى الذاهب لإحتلال ليبيا ينشد قائلا:- (( يا أماه صلاتك و لا تبكى بل إضحكى و تأملى ألا تعلمين أن إيطاليا تدعونى و أنا ذاهب إلى طرابلس فرحا مسرورا لأبذل دمى فى سبيل سحق الأمة الملعونة و لأحارب الأمة الإسلامية سأقاتل لمحو القرأن و إن لم أرجع فلا تبكى على ولدك و إن سألك أحد عن عدم حزنك على فأجيبيه إنه مات فى محاربة الإسلام)) أما فظائع البرتغاليون فى حق المسلمين و التى إستمرت قرنين من الزمان بعد سقوط الأندلس فحدث عنها و لا حرج حتى أن طريق رأس الرجاء الصالح سمى هكذا لأن البرتغليين كانوا يريدون تطويق العالم الإسلامى و إكتشفوا ذلك الطريق أثناء هذه المحاولة الخبيثة و قد قام النصارى بغزو أفريقيا و أسيا و إستعباد الأفرقة المسلمين و جرهم بالسلاسل و الزج بهم فى قاع السفن الحربية تمهيدا لمسخ هويتهم و إستعبادهم فى بلاد ما وراء البحار و هذا التاريخ معروف للجميع و أخيرا فإن ما ذكرناه ليس إلا نقطة فى بحر تاريخ دين المحبة الذى يبنذ الأرهاب و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

د.فالح العمره
19-09-2006, 10:45 PM
تاريخ المسيحية والفاتيكان في اللجوء الى استخدام العنف

أثارت تصريحات بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر والذي تولى منذ أقل من ۱۸ شهرا مسؤولية الكنيسة الكاثوليكية، المثيرة للجدل الاخلاقي والاجتماعي والسياسي، يوم الثلاثاء الماضي حول الاسلام، تنديدا عالميا من قبل المسلمين واستغراب الغرب.
وادعى البابا في كلمة القاها بالمانيا بذريعة نقله عن احد النصوص التاريخيه ونقلا عن احد الاباطرة البيزنطيين: ان الدين الاسلامي يرتكز على العنف.
واثارت تصريحات البابا استنكارا من قبل العالم الاسلامي واستغراب الغرب ذلك لانه نظرا لظروف العالم الحالية، فان هذا الهاجس قائم وهو ان المسيحية خاصة الكنيسة الكاثوليكية قد اعتمدت مرة اخرى افكار الحروب الصليبية ضد الاسلام على أمل استثمار تهديدات الرئيس الامريكي جورج بوش ضد المسلمين.
ورغم ان البابا قد عبر عن أسفه لكون تصريحاته اساءت للمسلمين الا ان رده يجب ان يقدم الى المحافل المهنية والتخصصية والعلمية لكي يتمكن الفاتيكان من البحث عن رد لجهلها ولكي لا تتهم بانتهاز الفرص والسعي لاثارة الحروب الصليبية.
وبعيدا عن هذا الموضوع فانه يتعين الاشارة الى تاريخ العالم المسيحي خاصة الكنيسة الكاثوليكية في لجوئها الى العنف خلال مرحلة الاستعمار الاوروبي والمشاركة الفاعلة لرجال الكنيسة في الدول الاستعمارية في عمليات التطهير العرقي وابادة الشعوب ونشر الدين المسيحي وتعذيب واعدام العديد من المفكرين والعلماء في الدول الغربية في القرون الوسطى والمعروفة بالحقبة المظلمة من محاكم التفتيش.
وكان لجوء الكنيسة الى العنف في حقبة محاكم التفتيش واسع النطاق الى الحد الذي وصف معه بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولص الثاني في العام ۲۰۰۴ تلك الحقبة بانها مخزية.
وقد تعرض الالآف من الاشخاص الى الاعدام او دفنوا احياء في سجون الكنيسة وذلك في اطار محاولات الكنيسة لحفظ وتوسيع قوة المسيحية في تلك الحقبة.
ومن ابرز الفلاسفة المشهورين في مدينة روما برونو جوردانو الذي اتهم بالكفر لبعض نظرياته واحرق وهو حي في العام ۱۶۰۰ عندما لم يخضع للكنيسة.
واستنادا للوثائق التاريخية الموجودة فان الكنائس والاساقفة قاموا في حقبة محاكم التفتيش (القرن العاشر الى السادس عشر الميلادي) بايجاد محاكم وسجون رهيبة لقمع كافة معارضيهم في القضايا الدينية وغير الدينية في الدول الاوروبية المختلفة وتصدوا للابحاث العلمية المخالفة لنظريات رؤساء الكنائس واحرقوا معارضيهم بتهمة الكفر وممارسة السحر.
وبلغ عدد المحكومين بالموت بتهمة ممارسة السحر والشعوذة في حقبة محاكم التفتيش في المانيا ۲۵ الف شخص واربعة آلاف في فرنسا والفا في ايطاليا.
فضلا عن ذلك فان الكنيسة الكاثوليكية خاصة الفاتيكان وبعض البابوات خاصة بابا الفاتيكان في حقبة المانيا النازية لازالوا في عداد المتهم الاول بالتعاون مع ادولف هتلر وزعيم الفاشية في ايطاليا موسوليني في القمع الديني لليهود.
ويعتبر بابا الفاتيكان في حقبة المانيا النازية المتهم الرئيسي لصمته ازاء سياسات المانيا النازية ومن ثم التعاون مع حكومة هتلر خلال تصديه لرئاسة الفاتيكان.
كما يعتبر اوجينيو باسيلي سفير البابا في مونيخ خلال الفترة ۱۹۲۲ ۱۹۲۵ - ومن ثم عمل لمدة اربع سنوات في برلين وتولى في ۱۹۳۹ رئاسة الفاتيكان المتهم الآخر في هذا المجال.
ان أثارة هذه القضايا باستمرار ضد الفاتيكان جعل الكنيسة تلتزم الصمت حيال الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني العنصري واعتبر من الداعمين لهذا الكيان.

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:14 PM
الارهاب بضاعة الغرب


حمدى شفيق


من أكثر المصطلحات شيوعاً الآن فى كل وسائل الإعلام العالمية (الإرهاب)، ورغم هذا لا يوجد اتفاق على تحديد تعريف دقيق للإرهاب . وتشتق كلمة (إرهاب) من الفعل المزيد (أرهب)؛ فيقال أرهب فلاناً : أى خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذى يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَة ورَهْبًا فيعنى خاف، فيقال: رَهِبَ الشىء رهبًا ورهبة أى خافه(1) . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعنى انقطع للعبادة فى صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهينة والرهبانية ...إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديًا فيقال: ترهب فلانًا : أى توعده. وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة استفعل من نفس المادة فتقول : (استرهب) فلانًا أى رَهَّبَه .(2)
ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح (الإرهاب) بالمعنى الشائع فى الغرب وهو استخدام القوة لأهداف سياسية ، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات فى مواضع مختلفة فى الذكر الحكيم(3) لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالى :
- (يَرْهَبُون) : (وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف:154 .
- (فارْهبُون) : (وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون) البقرة:40. (إنما هو إله واحد فإياى فارهبون) النحل:51 .
- (تُرْهِبُونَ) : (ترهبون به عـدو الله وعـدوكم وآخرين من دونهم) الأنفال:60.
- (اسَتْرهَبُوهُم) : (واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) الأعراف:116 .
- (رَهَبًا) : (ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء:90 .
بينما وردت مشتقات من نفس المادة (رهب) أربع مرات فى مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالى :
ورد لفظ (الرهبان) فى سورة (التوبة:34)، كما ورد لفظ (رهبانًا) فى (المائدة:82)، ولفظ (رهبانهم) فى (التوبة:31) وأخيرًا (رهبانية) فى (الحديد:27) .
بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيرًا فى الحديث النبوى ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) فى حديث الدعاء : (رغبة ورهبة إليك) . ويلاحظ أيضًا أن القرآن والحديث قد اشتملا على بعض الكلمات التى تعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم : العقاب والقتل والبغى والعدوان والجهاد ... إلخ .

وعن مفهوم الإرهاب فى الثقافة الغربية يقول الدكتور يحيى عبد المبدى بجامعة القاهرة :
تتكون كلمة (إرهاب) فى اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسم Terror بمعنى فزع ورعب وهول ، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع(4) .
• ويرجع استخدام مصطلح Terrorism في الثقافة الغربية تاريخيًا للدلالة على نوع الحكم الذى لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة . وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التى يطلق عليها Reign of Terror اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالى 17 ألفًا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة .
وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيـرًا، حـيث يفـترض أن الإرهـاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنسانى وفى جميع أنحاء العالم. وقد كتب المؤرخ الإغريقى (زينوفون Xenophon 430-349 ق.م) – فى سياق الثقافة الغربية – عن المؤثرات النفسية للحرب والإرهاب على الشعوب(5) .
• وقد استخدم حكام رومان من أمثال Tiberius (14-37م) ، Caligula (37-41م) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما .
وقد تبنت بعض الدول الإرهاب كجزء من الخطة السياسية للدولة مثل دولة هتلر النازية فى ألمانيا ، وحكم ستالين فى الاتحاد السوفيتى آنذاك ، حيث تمت ممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء أيديولوجى لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية .
• وهناك مئات من المنظمات الإرهابية فى العالم من أشهرها جماعة (بادر ماينهوف) الألمانية ، ومنظمة (الألوية الحمراء) الإيطالية ، والجيش الأحمر اليابانى , والجيش الجمهورى الأيرلندى , والدرب المضىء البيروية ، ومنظمة (إيتا) الباسكية، اعتبرت من أشهر المنظمات الإرهابية فى تاريخ القرن العشرين من منظور غربى. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هى معقل مئات من أخطر العصابات الإرهابية فى العالم مثل جماعة كوكوكس كلان التى تخصصت فى قتل السود وغيرها .. وإذا كان اليهود هم أول من أسس منظمة إرهابية فى التاريخ فقد كونوا بعد ذلك عددًا من أشهر المنظمات الإرهابية فى العالم مثل عصابات الهاجاناه وأرجون وشتيرن ،بل إن إسرائيل هى أخطر كيان إرهابى عرفه التاريخ منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا. وتكفى نظرة سريعة على جرائمها البشعة طوال تاريخها حتى الآن لإدراك هذه الحقيقة بوضوح .
• وهناك استبيان هام أجراه ألكس شميد Schmid في كتابه عن الإرهاب السياسى (1983) على مائة من الدارسين والخبراء في هذا المجال لتحديد مفهوم الإرهاب . توصلت نتائج الاستبيان إلى وجود عناصر مشتركة في تعريفات عينة المدروسين المائة ، وهى :
- الإرهاب هو مفهوم مجرد بلا كنه محدد .
- التعريف المفرد لا يمكن أن يحصى الاستخدامات الممكنة للمصطلح .
- يشترك العديد من مختلف التعريفات في عناصر مشتركة . وينحصر الإرهاب بين هدف وضحية .
وقد عرَّف المجمع الفقهى الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامى الإرهاب بأنه : (هو العدوان الذى يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان – دينه ودمه وعقله وماله وعرضه – ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وكل صور الحرابة والإفساد في الأرض) .
وهناك عشرات التعريفات لمفكرين ومؤسسات غربية للإرهاب تدور حول مفهوم : استخدام غير مشروع للقوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية . ويؤكد جوناثان وايت (1991) فى مدخله عن الإرهاب على ضرورة عدم اكتفاء فهمنا من خلال مداخل سياسية ، بل إن علم الاجتماع فى غاية الأهمية فى هذا السياق . ويؤكد على عدم وجود تعريف واحد لمفهوم الإرهاب ؛ ولذلك فقد اقترح أن يعرف الإرهاب من خلال أنماط مختلفة للتعريف :
- نمط التعريف البسيط والعادى للإرهاب ، ويعنى عنفًا أو تهديدًا يهدف إلى خلق خوف أو تغيير سلوكى .
- النمط القانونى لتعريف الإرهاب ، ويعنى عنفًا إجراميًا ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة .
- التعريف التحليلى للإرهاب ، ويعنى عوامل سياسة واجتماعية معينة تقف وراء كل سلوك إرهابى .
- تعريف رعاية الدولة للإرهاب ، ويعنى الإرهاب عن طريق جماعات تُستخدم بواسطة دول للهجوم على دول أخرى .
- نمط إرهاب الدولة ، ويعنى استخدام سلطة الدولة لإرهاب مواطنيها (والمثال الصارخ له إسرائيل) .
وبعيدًا عن الأسباب التى تساعد على انتشار الإرهاب الدولى فقد طرأت فى الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرًا من أخطاره ومضاعفاته الدولية ، منها على سبيل المثال : ضلوع العديد من الدول والحكومات مع منظمات الإرهاب الدولى , والتكاثر السرطانى لخلايا وشبكات الإرهاب الدولى ، والتقدم التكنولوجى الكبير الذى استفادت منه هذه المنظمات فى نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة . وكلها منظمات إرهابية غربية التكوين ومعظم أعضائها من غير المسلمين .

الإرهاب والمقاومة المشروعة
ربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسى لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب، فقد دأب الخطاب الغربى (الأمريكى أساسًا) على وصم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين وجنوب لبنان وكذلك المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكى البريطانى بصفة الإرهاب . ولاتزال منظمات مثل حزب الله وحماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها مصنفة فى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفها منظمات إرهابية . وبطبيعة الحال لا يُشار إلى الجرائم الإسرائيلية والأمريكية عند ذكر الإرهاب والإرهابيين على طريقة العم سام (!!!) .

نماذج من إرهاب الآخرين
وهكذا يتضح لنا أن (الإرهاب) مصطلح غريب عن بيئتنا العربية والإسلامية، فهو غربى المنشأ والتطبيق أيضًا .. كذلك نشير إلى عدد من أبرز الجرائم الإرهابية فى التاريخ وسوف يلاحظ القارىء فورًا أنها كلها من صنع غير المسلمين :
1- إحراق روما على يد الطاغية نيرون .
2- ضرب بغداد وأفغانستان وفيتنام باليورانيوم الناضب ، وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز توزيع الخبز والمياه وغيرها من أماكن تجمع المدنيين بالعراق وأفغانستان مما نتج عنه استشهاد مئات الألوف من المدنيين .
3- الإبادة الجماعية لعشرين مليون مسلم على يد جوزيف ستالين .
4- إبادة عشرات الملايين من الأفارقة أثناء اختطافهم وتهجيرهم الإجبارى من أفريقيا إلى أمريكا لاستصلاح الأراضى هناك والعمل فى مزارع السادة البيض .. وكان جزاء من يتمرد على الرق والتعذيب وإهدار الآدمية هو الإعدام فورًا بلا تحقيق أو محاكمة من أى نوع !!
5- الحربان العالميتان الأولى والثانية نـجم عنهما مصـرع ما يتراوح بين 60 إلى 100 مليون أوروبى . والمذابح المروعة المتبادلة بين الكاثوليك والبروتستانت فى أوروبا كذلك .
6- ضرب مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانتين بالقنبلة النووية بواسطة طائرات أمريكية ومصرع ربع مليون شخص وإصابة ملايين آخرين بالسرطان بسبب الإشعاع .
7- مذابح دير ياسين وصابرا وشاتيلا ومدرسة بحر البقر وملجأ قانا وإعدام عشرت الألوف من الأسرى المصريين عامى 1956 و 1967 على أيدى عصابات بنى صهيون .
8- قتل 250 ألف مسلم بوسنى على أيدى الصرب والكروات ، وعشرات الآلاف من الشيشان على أيدى الروس .
9- إبادة 70 ألف مسلم بالقدس عندما اجتاحتها الجحافل الصليبية بعد أن وعدهم القائد الصليبى بالعفو إن استسلموا ثم غدر بهم !! فى المقابل عفا صلاح الدين الأيوبى عن الصليبيين عندما فتح القدس .
10- إعدام أكثر من مليون مسيحى مصرى على أيدى الاحتلال الرومانى لمصر قبل الفتح الإسلامى .

محاكم التفتيش
ولعل أبشع نماذج الإرهاب الغربى هو ما كان يعرف باسم : محاكم التفتيش التى نشأت أولاً فى أسبانيا ، وفى عام 1492م فور دخول الإسبان إلى غرناطة إذ نقضوا المعاهدة التى أبرموها مع حكامها المسلمين . وكان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه، عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق على أبراجها وترتيل صلاة (الحمد) الكاثوليكية ، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسبانى يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين فى غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح الذى زعم أنه ظهر له وأمره بذلك . فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع فى غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مئتين من رجال الدين المسلمين حرقًا فى الساحة الرئيسية بتهمة مقاومة المسيحية(6) .
وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم فى الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال (سيسزوس) بتصفية بقية المسلمين فى إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى ، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة ، وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء، وتم تحويل مئات المساجد إلى كنائس أو اصطبلات للخيل أو مخازن ، وصدر مرسوم بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية ، فأحرقت آلاف الكتب فى ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب فى جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية ، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية فى السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًا من الأسر الغنية المسلمة ، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين، ثم أعلن الكاردينال (خيمينيث) أن المعاهدة التى تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة . وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين فى غرناطة دون الاعتداد برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذى يساقون إليه ، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين : إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أى شىء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علناً فى ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية .
كان من الطبيعى أن يختار عدد كبير من أهالى غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان فأعدموا الكثيرين منهم وأسروا آخرين ونهبوا كل ما معهم .
وعلى المنوال نفسه ، سارت حملات كاثوليكية فى بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم (المسيحيون الجدد) تمييزًا لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضًا باسم (الموريسكوس) أى المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق (الموريسكيين)، فعلى سبيل المثال صدر فى العام 1507 أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، ويعاقب المخالف للمرة الثانية بالإعدام، وفى العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامى، وفى سنة 1510م طُبقت على (الموريسكيين) ضرائب اسمها (الفارضة)، وفى سنة 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقى من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات بالطريقة الإسلامية .
فى حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التى مهمتها التأكد من (كثلكة) المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال (الكثلكة) لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن فى مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم فى منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان فى الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية .
لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسبانى والبابا، فى أحد التقارير التى رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمى غرناطة للكاردينال، ورد أن (الموريسكوس) لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإذا لم توجد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيى غرناطة وبلنسية ومدن أخرى فى الإسلام بشكل جماعى .
وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع (الموريسكوس) فى إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية فى التاريخ الكنسى الغربى، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه .
ومحاكم التفتيش فى الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست طرقًا فى التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ . وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة الإسلامية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربى، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية, ووضعت عقوبات صارمة جدًا بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجًا على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش .
كان المتهم الذى يمثل أماما المحكمة يخضع لاختبار أولى ، وهو أن يشرب كؤوسًا من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من أنه غير متمسك بالدين الإسلامى وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جدًا إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جدًا من التعذيب إذ يعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة فى سجن سرى، ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة, مظلم، ترتع فيه الأفاعى والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفى هذا المكان على المتهم أن يبقى شهورًا طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أى ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضًا للمحاكمة, وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهى وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب(7) .
وعادة كان يسأله المحقق فى المرة الأولى إن كان يعرف لماذا أُلقى القبض عليه وأُلقى فى السجن، وما التهم التى يمكن أن توجه إليه، ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التى يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التى عاش فيها أو كان يتردد عليها ، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، ويُترك ليتحدث كما يشاء ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدى بعض الصلوات المسيحية ليعرف المحققون إن كان بالفعل أصبح مسيحيًا أو مازال مسلمًا، ودرجة إيمانه بالمسيحية .
وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيرًا المدِّعى العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهى اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه، إذ أن قانون المحكمة الأساسى أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التى يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهربًا من التعذيب الذى سينتظره، أضاف المدعى العام إليه تهمًا أخرى، وفى النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب لأنه إنما يعترف تهربًا من قول الحقيقة، أى أن التعذيب لابد منه، سواء أعترف المتهم أم لم يعترف(8) .
ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتى عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكى بالحديد المحمى ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع.. وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل.. وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يومًا واحدًا ثم يُعرض عليه ما قاله فى أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضى أن الله التى لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفى هذا الاتهام أو يؤكده، وفى كلٍ يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر فى سلسلة لا تنتهى من التعذيب .

أخيرًا، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل فى ثلاثة أنواع :
البراءة : وهو حكم نادرًا ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذى تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التى أُلصقت به عينها .
الجلد : وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد ، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن أفلت وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له .
الإعدام : وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش ، ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة .
وفى بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أى محاكمات، وفى بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار فى الشارع أو خرج من بيته، وفى هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مائتى جلدة، وجلد شيخ فى التسعين من عمره ثلاثمائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة ويتم نبش قبورهم لإحراق جثثهم والتمثيل بها!!
وفى 5/1611م صدر قرار إجرامى للقضاء على المتخلفين من المسلمين فى بلنسية، يقضى بإعطاء جائزة لكل من يأتى بمسلم حى، ولـه الحق فى استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتى برأس مسلم قُتل . وقد بلغ عدد من طُرد من إسبانيا فى الحقبة بين سنتى 1609-1614 نحو 327.000 شخص مات منهم 65.000 غرقوا بالبحر، أو قتلوا فى الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع 32.000 شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم فى الأندلس، بينما بقى بعضهم متستراً فى بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامى بشكل سرى ومحدود فى الأندلس فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وهكذا حكمت محاكم التفتيش فى غرناطة سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360) عائلة بتهمة اتباع الدين الإسلامى، ونقل كاتب إسبانى أخبار محاكمة وقعت فى غرناطة سنة 1727م، وفى 9/5/1728م، احتفلت غرناطة بـ (أوتودافى) ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 46 غرناطيًا بتهمة الإنتماء للاسلام، وفى 10/10/1728،حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء للإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل (الموريسكيين) حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.
وفى سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سرى فى مدينة (قرطاجنة) (مقاطعة مرسية) فتم إلقاء القبض على أكثر من مائة (مورسكى) حوكموا وأعدمهم معظم علناً .

المسيحيون أيضًا
مهما أسهبنا فى استعراض محاكم التفتيش فإننا لن نلم إلا بجزء يسير جداً من صفحاتها السوداء الوحشية، ولن نستطيع استعراض إلا جزء يسير جداً من جرائمها . وقد بلغ الرعب الذى سببته المحاكم حداً لا يوصف بين سكان إسبانيا . فقد كان جر أى إنسان إلى محاكم التفتيش عملية سهلة، وقد يقوم الاتهام لمجرد إشاعة أو يذهب الإنسان بنفسه ليعترف رعباً، أو دليلاً على حسن نيته، بلفظ تفوه به عرضاً ودون أن يعنى له شيئاً ويخشى أن يكون قد سمعه أحد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الضغائن الشخصية، الذى يطمع بزوجة جاره، والمالك الذى يريد أن يهرب من أجر عامله، والتاجر الذى يخشى من منافسة زميل له، حتى الأطفال فى أثناء لعبهم مع بعضهم بعضاً كانوا معرضين للاتهام، كأن يذهب طفل ويشى بطفل آخر متهماً إيّاه أنه قال كذا وكذا فى أثناء اللعب، فيلقى القبض على الطفل المتهم ويحاكم، وغالباً يموت لأنه لا يتحمل أهوال التحقيق والتعذيب والسجن.. وهكذا صار الطريق واسعاً وعريضاً لكل من يريد أن يتخلص من أى إنسان، وأى تهمة صالحة لأن تدفع بمسلم سابق إلى أعماق السجون سواء كان هذا المسلم السابق رجلاً أو طفلاً أو شيخاً مسناً .
ومن الإنصاف أن نذكر أن ضحايا التفتيش لم يكونوا فقط من المسلمين السابقين، بل كانوا من المسيحيين أيضاً، فقد انتهجت الكنيسة السلوك الإرهابى عينه تجاه المسيحيين عن طريق (محاكم التفتيش) التى أوكلت إليها مهمة فرض آرائها على الناس باسم الدين والبطش بجميع من يتجرأ على المعارضة والانتقاد، فنصبت المزيد من المشانق وأعدمت الكثيرين من المسيحيين عن طريق حرقهم بالنار، حيث يقدر عدد الضحايا المسيحيين ممن جرت عملية إعدامهم من قبل محاكم التفتيش (300.000) أُحرق منهم (32.000) أحياء، وقد كان من بينهم العالم الطبيعى المعروف (برونو) الذى نقمت عليه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التى منها قولـه بتعدد العوالم ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعى الشهير (غاليليو) الذى نفذ فيه القتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس(9) .
إن الصهاينة بسبب ما زعموه من محارق (الهولوكوست) وما ادَّعوه من حرق النازية لآلاف اليهود فى المحارق مازالوا يضعون الغرب بشكل خاص والعالم بشكل عام أمام تلك المحارق التى كانت أحد تبريراتها لاحتلال فلسطين، بينما مازال العالم يجهل الكثير عن محاكم التفتيش التى ذهب ضحيتها مئات الألوف بل ملايين من المسلمين . وإذا كانت محارق النازية قد استمرت أعوامًا، فقتل وإحراق وتعذيب المسلمين عبر محاكم التفتيش استمر مئات من الأعوام، وفى الوقت الذى تفتح فيه دول الغرب النصرانى أرشيفها، ووثائقها للصهيونية لتؤلف منه ما تدَّعى أنه وثائق عن محارق اليهود فى عهد النازية ، مازال الفاتيكان والكنائس ترفض فتح أرشيفها وكشفه أمام المسلمين وغير المسلمين كى لا تظهر وثائق جديدة عن فظائع محاكم التفتيش!! .
إن المسلمين بحاجة الآن لدراسة متمعنة لتاريخ محاكم التفتيش وفظائعها وضحاياها من المسلمين، وأن تُعتمد وثائق أرشيف الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية فى إسبانيا وغيرها من الدول النصرانية لوضع تاريخ حقيقى لتلك المحاكم ، وإبراز هذا التاريخ للعالم مع مقارنة موضوعية بين التعسف الكنسى والجرائم التى ارتكبت ضد المسلمين باسم المسيحية، وبين التسامح الإسلامى وكيف عاش المسيحيون بأمان وسلام فى الدولة الإسلامية بحماية الإسلام الحنيف، مع ملاحظة أن معظم ما كُتب عن محاكم التفتيش حتى الآن يعتمد على رؤية نصرانية من قِبَل مستشرقين ومؤرخين غير مسلمين،وبما تسمح به السلطات النصرانية(10) .

إبادة الهنود الحمر
وهذا نموذج للإرهاب الأمريكى نقدمه للسادة الذين يتطاولون على الإسلام ويصفونه بالإرهاب ويسموننا إرهابيين ، ليعلموا من هو الإرهابى حقاً .
فى دراسة فريدة بعنوان (أمريكا والكنانيون الحمر) فى مجلة أخبار الأدب 9/6/2002م كتب منير الحمش عن الفظائع التى ارتكبها الأمريكيون إبان قيامهم بالمواجهة الدامية مع سكان الأرض الأصليين حيث تمت إبادة ما مجموعه 112مليون آدمى كانت ترتسم على وجوههم ضحكة الحياة وذلك ببساطة من أجل قيام العالم الجديد !! وتم تسجيل 93 حرباً جرثومية شاملة شنها الأمريكيون بغرض إبادة ذلك الشعب البرىء . أما تلك القلة الضئيلة المشاغبة من الهنود فقد حفروا قبورهم بأيديهم فى حرب متكافئة شريفة شفافة (مبررة) وفق المنطق الاستعلائى الأمريكى، وأن الهنود (الآثمين) كانوا هم المسئولين عن إضرام الحرب وكل أضرارها، أو أنهم ماتوا قضاءً وقدراً بالأمراض التى حملها الأوروبيون معهم دون قصد (!!!) . لاحظ حجم المغالطات والأكاذيب .
إن دراسات محايدة غير قليلة تشير إلى أن الهنود كانوا ينتشرون فى مساحة تزيد على مساحة أوربا بنصف مليون هكتار ، ولكن المؤرخ الأمريكى قام باختزال العدد عن سابق إصرار وتصميم من عدد يزيد عن مائة مليون إلى مليون أو مليونين فقط عند وصول الغزاة الأوروبيين وهو رقم تم حسمه فى إحصاء 1900 بأنهم يبلغون مليوناً فقط (!!!) .
وتمضى الكتب المدرسية الأمريكية فتصف هذا الموت القدرى بأنه مأساة مشئومة (يؤسف لها)، غير مقصودة، ولم يكن تجنبها ممكناً تماماً كما جرى فى (هيروشيما وناجازاكى) ، حيث اضطر نسور الجو الأمريكى (البواسل) إلى إفراغ قنابلهم النووية فوق رؤوس الأبرياء بدافع (شريف) يهدف إلى إيقاف الحرب العالمية، وأن ما جرى من مقتل مئات الألوف من الأطفال والنساء فى ساعة واحدة وخراب الأرض والحرث والنسل ، هو فى الواقع مجرد أضرار (هامشية) تواكب انتشار الحضارة وطريقة انتشارها ، وليس لك هنا بالتالى أن تلوم إذا أردت أن تلوم إلا القضاء والقدر، وبانتفاء النية والقصد والمسئولية عن فناء هؤلاء (الأشرار) من وجهة النظر الأمريكية طبعًا !!! .
ويعتبر الحديث عن (الهولوكست) الأمريكى متحاملاً، متهوراً، سلبياً، غير مسئول، وينبع من روح الكراهية للحضارة الأمريكية!!!
ويشير على عزت بيجوفتش إلى القانون الأمريكى الذى ظل ساريًا إلى عام 1865م والذى ينص على حق الأمريكى فى الحصول على مكافأة مجزية إذا هو قدم لأى مخفر شرطة أمريكى فروة رأس هندى أحمر !! على أساس أن جريمته تلك أيضاً هى إنجاز حضارى يساهم فى تنظيف البيئة من الأمم المتخلفة حضارياً وفكرياً ، وأنه تنظيف للأرض من (الريش) الذى تتورط فى نشره تلك القبائل غير المتحضرة !!!. وهكذا تأسست الولايات المتحدة الأمريكية بلد الحريات المزعومة على جماجم وأشلاء الهنود الحمر المساكين!!.
وفى عام 1846م احتلت جيوش الولايات المتحدة كاليفورنيا ، وتقول الإحصائيات إن عدد هنود كاليفورنيا فى تلك السنة كانوا أضعاف ما كانوا عليه فى عام 1769م ومع ذلك فخلال العشرين سنة الأولى من احتلال هذه الولاية أبيد 80 بالمائة منهم وتلاشى الباقون بسبب نظام السخرة . إن ثروة الأمم التى أعطت السلطة السياسية لأصحاب مناجم الذهب والمزارع الأسطورية سرعان ما تم استغلالها فى استعباد الهنود كسلاح غير مباشر، لإبادتهم كما تم قبل ذلك فى كولورادو وغيرها من ولايات الذهب . ولأنه لابد من يد عاملة رخيصة لاستثمار هذه الولاية الغنية، فقد نشطت تجارة خطف أطفال الهنود . ولطالما كتبت صحف تلك الفترة عن الشاحنات المليئة بأطفال الهنود، وهى تهوى فى الطرقات الريفية الخلفية إلى أسواق العبيد فى سكرامنتو وسان فرانسيسكو. ومع نهاية القتال فى سنوات الاحتلال الأولى فقد زاد الإقبال على خطف الفتيات اللواتى يقدمن خدمة مضاعفة : العمل والمتعة. وهذا حول الساخطين من آباء هؤلاء المخطوفين إلى (عناصر شغب) تستأهل العقاب، وأدى إلى هرب معظم الأسر الهندية من منعزلاتها وأماكنها التقليدية. أما شركات الخطف فقد تحولت إلى مليشيات خيرية، إذ صار الخاطفون يقتلون الآباء ويشاركون الدولة فى قتل عناصر الشغب، وهكذا فقد اعتبر قتل الهنود أو بيعهم مهمة نبيلة وعملاً أخلاقياً يتباهى به الأمريكان!!!
وفى أوائل 1850م، وفى أول جلسة تشريعية لكاليفورنيا سنت الولاية قانون حماية الهنود الذى أضفى الشرعية على خطف الهنود الحمر واستعبادهم، واقتضت حماية الهنود بموجب الملحقات التى أضيفت إلى القانون عام 1860م إجبار أكثر من عشرة ملايين منهم على القيام بأعمال السخرة، ولأن معظم الذين هربوا بأرواحهم وفراخهم إلى الغابات والجبال الواعرة صاروا يعيشون فيما أصبح اسمه الولايات المتحدة، فقد تحولوا بموجب قوانين الذين سرقوا بلادهم إلى لصوص معتدين على أملاك الغير!! ولم تمض سنوات على صدور قانون حماية الهنود حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيرنت ذرعاً بحمايتهم وعبر عن الحاجة إلى إبادة هذا العنصر الهندى الأحمر، ووجه رسالة إلى المجلس التشريعى قال فيها : إن الرجل الأبيض الذى يعتبر الوقت ذهباً، والذى يعمل طول نهاره لا يستطيع أن يسهر طول الليل لمراقبة أملاكه.. ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة. إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندى تماماً (هذا هو الوجه الأمريكى الحقيقى) ..
إن إبادة حضارة المايا والأزيتا والبوهاتن وغيرها ليست تهمة ينفيها الأمريكيون، إنها جزء من كفاحهم المقدس فى سبيل إقامة أمريكا قوية وعادلة و(جاهزة) لمحاسبة الآخرين على أساس المثل الأخلاقية إياها(1) .

تعليق من المؤلف
بعد هذه الأمثلة والنماذج الصارخة للإرهاب الأمريكى والصهيونى والأوروبى نتساءل أين هو الإرهاب حقًا ؟ ومن هو الإرهابى فعلاً ؟ ونذكر أخيرًا بأن أخطر الإرهابيين عبر العصور لم يكونوا من المسلمين، بدءًا من كاليجولا ونيرون ، مرورًا بهتلر وستالين وموسولينى ، إلى شارون وبوش الأب والابن وتيموثى ما كفى منفذ مذبحة أوكلاهوماسيتى ، وكارلوس وبيريا وغيرهم.. والتاريخ خير شاهد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..


----------------------------
المــراجــــع
(1) لسان العرب لابن منظور - الجزء الثالث - مادة (رهب) .
(2) المعجم الوسيط - الجزء الأول - مادة (رهب) .
(3) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - دار الشعب - القاهرة .
(4) الموسوعة البريطانية Britannica Encyclopedia .
(5) د. يحيى عبد المبدى - معهد الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة - دراسة بعنوان : مفهوم الإرهاب بين الأصل والتطبيق .
(6) وائل على حسين - محاكم التفتيش والمسؤولية الغربية - مجلة الراية - العدد 186 - بيروت 1982م .
(7) عبد الرحمن حمادى - نحو منهج جديد لإعادة كتابة التاريخ العربى - ندوة إعادة كتابة التاريخ العربى - الرباط - 1991م - مجلة الوحدة - عدد خاص عن الندوة - الرباط 1991م .
(8) د. طاهر مكى - مسلم إسبانى أمام محاكم التفتيش - مجلة الدوحـة - قطـر 1981م.
(9) وول سميث - تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى - دار الحقائق - بيروت 1980م. ويلاحظ أن تركيز المؤرخين النصارى على عدد المسيحيين الذين كانوا ضحية لمحاكم التفتيش يأتى من باب تقليل أعداد الضحايا من المسلمين ، والإيحاء بأن المسيحيين كانوا هم الضحايا الأكثر.
(10) مـجلة الوعـى الإسـلامى - العدد 455 – رجـب 1424هـ - مقال لعبد الرحمن شيخ حمادى - محاكم التفتيش .

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:28 PM
محاكم التفتيش&#183;&#183;&#183; أسوأ الحقب دموية بحق المسلمين



لم توفر وحشية محاكم التفتيش طفلاً أو شيخاً أو امرأة&#183;&#183;&#183; والهدف هو إبادة المسلمين&#183; والمطلوب من المسلمين العمل على إعادة كتابة تاريخ صحيح لمحاكم التفتيش يكشف بقية فصولها الوحشية للعالم تمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين، وحيث امتدت وحشيتها المفرطة لتطال المسيحيين أيضاً فيما بعد، ولذلك كان من الطبيعي ألا يتوقف المؤرخون والمستشرقون الغربيون عندها إلا نادراً في محاولة منهم لتجاوز وقائعها السوداء، بل نجدهم في حالات أخرى كثيرة يحاولون وضع التبريرات لها بادعاء أنها كانت أخطاء غير مقصودة ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس، فنجد مثلاً المستشرق البريطاني >وول سميث< يعلن أن الكنيسة ليست مسؤولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبت عبر محاكم التفتيش، ولكن كان على رجال الدين المسيحي في إسبانيا أن يخوضوا معركة ضد الوجود الإسلامي بعد خروج العرب من إسبانيا، فاضطروا إلى محاكم التفتيش التي تمادى القائمون عليها في تصرفاتهم فيما بعد(1)&#183;

وهكذا عند >سميث< وغيره من المؤرخين والمستشرقين النصارى تتحول محاكم التفتيش إلى >خطأ< غير مقصود، له تبريراته، بل يصير الإسلام عندهم هو المسؤول عن تلك المحاكم لأنه دفع بالمسيحيين إلى استنباط محاكم التفتيش ليصدوا تمدده في الغرب!!&#183;

على أي حال، فإن السواد الذي غطى تاريخ محاكم التفتيش لم تستطع السنوات أن تزيله من ذاكرة التاريخ العالمي، وحتى الكنيسة عينها لم تعد قادرة على تجاهل مسؤوليتها المباشرة عن الفظائع التي ارتكبت بحق المسلمين من خلال تلك المحاكم، ولهذا نجد أنه مثلاً في أواسط العام 2002م قدمت مجموعة مكونة من 30 مؤرخاً من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا بولس الثاني حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين، وجاء مشروع المؤرخين الغربيين آنذاك من بين التحضيرات النصرانية لاستقبال الألفية الثالثة للميلاد، وكان الفاتيكان قد نظم مجموعات عمل من أجل دراسة إمكان اعتذار البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش في إسبانيا، وفي صلاة الأحد 12/3/2000م اعترف البابا >يوحنا بولس الثالث< بأن الكنيسة قد ارتكبت عبر محاكم التفتيش ذنوباً وأخطاء بحق الآخرين خلال الألفي سنة الماضية، وبأن أتباعها ارتكبوا أخطاء أخرى باسم الدفاع عن الإيمان، وطلب أمام الملأ الصفح والغفران من الله&#183;

الرئيس البرتغالي >جورج سمبابو< بدوره اعتذر عن جرائم أجداده بحق العرب في أثناء محاكم التفتيش، إلا أن اعتذاره جاء في خطبة ألقاها في حفل افتتاح ندوة التراث العربي >مايو 1997م<، ومن ثم فإنه بدا وكأنه >اعتذار سري< لم يسمع به أحد، باستثناء صحيفة >الشرق الأوسط< التي تصادف أن كان أحد كتابها مشاركاً في تلك الندوة&#183;(2) على أي حال لابد من التوقف عند محاكم التفتيش مستعرضين بعض فصولها، وسنجد أنها بدأت عندما حانت نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس وسقوط آخر مدينة إسلامية بيد الإسبان، وهي >غرناطة<&#183;

لقد استمر حكم المسلمين 800 عام للأندلس من دون انقطاع، إلا أن الافتتان بالدنيا ونعيمها الزائل، والتحالف مع الأعداء وموالاتهم ضد الإخوة، والثقة في الواشين، وتقريب الأعداء، والاستعانة بهم على القضاء على الإخوة كل هذه الأسباب عجَّلت بانهيار الدولة الإسلامية في الأندلس، وأضاعت أرضاً إسلامية فتحت من قبل على جثث وجماجم المقاتلين الشهداء من المسلمين العظام، الذين أرادوا إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، دون ملل أو كلل، حتى سطع نور الإسلام ثمانية قرون على هذه الأرض، ولم يبق من هذه الدولة إلا >غرناطة< التي حاصرها الإسبان

&#183; كانت غرناطة مدينة جميلة في جنوب إسبانيا عاصمة بني >زيري< من ملوك الطوائف، وعاصمة بني الأحمر، وقد استطاع الإسبان أن يوقعوا الفتنة بين خلفاء علي بن الحسن، ولما تم لهم ذلك حاصروا >غرناطة<، وأرسل >فرديناند< ملك إسبانيا رسله إلى قادة >غرناطة< المسلمة بالاستسلام فرفضوا، فنزل جيش إسباني مكوَّن من 25 ألف جندي واتجهوا صوب المزارع والحدائق وخرّبوها عن آخرها حتى لا يجد المسلمون ما يأكلونه أو يقتاتون عليه، ثم جهزت ملكة إسبانيا جيشاً آخر من 500 ألف مقاتل لقتال المسلمين في القلاع والحصون الباقية، وبعد قتال طويل اجتمع العلماء والفقهاء في قصر الحمراء واتفقوا على الاستسلام واختاروا الوزير أبا القاسم عبدالملك لمفاوضة ملك إسبانيا >فرديناند<(3)&#183;

اتفاقية التسليم

تم إبرام معاهدة تنص على أن يسلم حكام >غرناطة< المدينة للإسبان لقاء ضمان خروج الحكام بأموالهم إلى إفريقيا، كما تضمنت المعاهدة ثمانية وستين بنداً منها تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على الجرائم التي وقعت ضد الكاثوليكية في زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الإسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه&#183;&#183;&#183; وقد وقع على المعاهدة الملك الإسباني والبابا في روما، وكان التوقيعان كافيان لكي تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين في إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبوعبدالله بن أبي الحسن ملك غرناطة صباح يوم 2/1/1492م، من قصر الحمراء وهو يبكي كالنساء حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل، فأعطاها الملكة >إيزابيلا< وزوجها >فرديناند<&#183;

فصول الاضطهاد

الذي حدث أنه فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به >الكاردينال مندوسيه< عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة >الحمد< الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكاً، وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح الذي ظهر له وأمره بذلك كما ادَّعى، فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع في غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعاً عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مئتين من رجال الدين المسلمين حرقاً في الساحة الرئيسة بتهمة مقاومة المسيحية&#183;(4)

وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال >سيسزوس< لتنصير بقية المسلمين في أسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكاماً بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة، أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام 1577م، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة، ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم 12/10/1501م، صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جداً من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها، عندها أعلن الكاردينال >خيمينيث< أن المعاهدة التي تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين في غرناطة دون الأخذ برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذي يساقون إليه، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين: إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أي شيء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علناً في ساحات غرناطة باعتباره رافضاً للمسيحية&#183; كان من الطبيعي أن يختار عدد كبير من أهالي غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيراً على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان، فهاجموا وقتلوا معظمهم، وعندما سمع الآخرون في غرناطة بذلك آثروا البقاء بعد أن أدركوا أن خروجهم من إسبانيا يعني قتلهم، وبالتالي سيقوا في قوافل للتعميد، ومن كان يكتشفه الإسبان أنه قد تهرب من التعميد كانت تتم مصادرة أمواله وإعدامه علناً، وقد فرَّ عدد كبير من المسلمين الذين رفضوا التعميد إلى الجبال المحيطة في غرناطة محتمين في مغاورها وشعابها الوعرة، وأقاموا فيها لفترات وأنشأوا قرى عربية مسلمة، لكن الملك الإسباني بنفسه كان يشرف على الحملات العسكرية الكبيرة التي كان يوجهها إلى الجبال، حيث كانت تلك القرى تُهدم ويُساق أهلها إلى الحرق أو التمثيل بهم وهم أحياء في الساحات العامة في غرناطة&#183;(5) وعلى المنوال نفسه، سارت حملات كاثوليكية في بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم >المسيحيون الجدد< تمييزاً لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضاً باسم >الموريسكوس<، أي المسلمين الصغار، وعوملو باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق >الموريسكيين<، فعلى سبيل المثال صدر في العام 1507 أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، وفي المرة الثانية بالإعدام، وفي العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة 1510م طُبِّقت على >الموريسكيين< ضرائب اسمها >الفارضة<، وفي سنة 1511 جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات في الطريقة الإسلامية&#183;

محاكم التفتيش

في حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التي مهمتها التأكد من >كثلكة< المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال >الكثلكة< لم تؤت نفعاً، فقد تكثلك المسلمون ظاهراً، ولكنهم فعلياً يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سراً، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة بلنسية أدخلوا عدداً من الكاثوليك الإسبان في الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية&#183; لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسباني والبابا، في أحد التقارير التي رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمي غرناطة للكاردينال، ورد أن >الموريسكوس< لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيي غرناطة وبلنسية ومدن أخرى في الإسلام بشكل جماعي&#183;

وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع >الموريسكوس< في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية في التاريخ الكنسي الغربي، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه&#183;

ومحاكم التفتيش في الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست أساليب في التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ، وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة العربية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربي، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية، ووضعت عقوبات صارمة جداً بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجاً على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش&#183; كان المتهم الذي يمثل أمام المحكمة يخضع لاختبار أولي، وهو أن يشرب كؤوساً من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من المتهم أنه غير متمسك بالدين الإسلامي وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جداً إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جداً من التعذيب، إذ يعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة في سجن سري ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة، مظلم، ترتع فيه الأفاعي والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفي هذا المكان على المتهم أن يبقى أشهراً طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أي ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضاً للمحاكمة، وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهي وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب&#183;

وعادة كان يسأل المحقق في المرة الأولى إن كان يعرف لماذا ألقي القبض عليه وألقي في السجن، وما التهم التي يمكن أن توجه إليه، ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التي يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التي عاش فيها أو كان يتردد عليها، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، يُترك ليتحدث كما يشاء ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدي بعض الصلوات المسيحية ليعرف المحققون إن كان بالفعل أصبح مسيحياً أو مازال مسلماً، ودرجة إيمانه بالمسيحية&#183;

وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيراً المدَّعي العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهي اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه، إذ إن قانون المحكمة الأساسي أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التي يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهرباً من التعذيب الذي سينتظره، أضاف المدعي العام إليه تهماً أخرى، وفي النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب لأنه إنما يعترف تهرباً من قول الحقيقة، أي أن التعذيب لابد منه، سواء اعترف المتهم أم لم يعترف&#183;(6) ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتي عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكي بالحديد المحمي ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع&#183;&#183;&#183; وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل، وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يوماً واحداً ثم يُعرض عليه ما قاله في أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضي أن الله التي لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفي هذا الاتهام أو يؤكده، وفي كلا يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر في سلسلة لا تنتهي من التعذيب&#183;

أخيراً، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل في ثلاثة أنواع:

البراءة: وهو حكم نادراً ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذي تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التي ألصقت به عينها&#183; الجلد: وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن نفذ وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له&#183;

الإعدام: وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش، ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة&#183;

وفي بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أي محاكمات، وفي بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار في الشارع أو خرج من بيته، وفي هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مئتي جلدة، وجلد شيخ في التسعين من عمره ثلاثمئة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة فيتم نبش قبورهم&#183;(7)

واستمرار الاضطهاد

كل هذه المحاكم والأساليب لم تنجح في إجبار المسلمين على ترك دينهم كما تريد الكنيسة التي أدركت مدى عمق الإيمان بالعقيدة الإسلامية في نفوس >الموريسكيين<، فقررت إخراجهم من إسبانيا، فأصدر مجلس الدولة بالإجماع في 30/1/1608م قراراً بطرد جميع >الموريسكيين< من إسبانيا، ولم يحل شهر أكتوبر العام 1609م حتى عمَّت موانئ المملكة وبلنسية من لقنت جنوباً إلى بني عروس شمالاً حركة كبيرة، فرحل بين 9/1606م إلى 1/1610م نحو 120.000 مسلم من موانئ لقنت، ودانية، والجابية، ورصافة، وبلنسية، وبني عروس، وغيرها&#183;

وفي 5/1611م صدر قرار إجرامي للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل، وقد بلغ عدد من طُرِد من إسبانيا في الحقبة بين سنتي 1609 ـ 1614م نحو 327.000 شخص، مات منهم 65.000 غرقوا بالبحر، أو قتلوا في الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع 32.000 شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم في الأندلس، بينما بقي بعضهم متستراً في بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامي بشكل سري ومحدود في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر&#183; وهكذا حكمت محاكم التفتيش في غرناطة سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360) عائلة بتهمة اتباع الدين الإسلامي، ونقل كاتب إسباني أخبار محاكمة وقعت في غرناطة سنة 1727م، وفي 9/5/1728م، احتفلت غرناطة بـ>أوتودافي< ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 64 غرناطياً بتهمة الانتماء للإسلام، وفي 10/10/1728، حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء إلى الإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل >الموريسكيين< حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد&#183;

وفي سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سري في مدينة >قرطاجنة< >مقاطعة مرسية<، فتم إلقاء القبض على أكثر من مئة >مورسكي< حكوموا وأعدم معظمهم علناً&#183;(8)

المسيحيون أيضاً!

إننا مهما أسهبنا في استعراض محاكم التفتيش فإننا لن نلم إلا بجزء يسير جداً من صفحاتها السوداء الوحشية، ولن نستطيع استعراض إلا جزء يسير جداً من جرائمها التي طالت مسلمي إسبانيا، وقد بلغ الرعب الذي سببته تلك المحاكم حداً لا يوصف بين سكان إسبانيا، فقد كان جر أي إنسان إلى محاكم التفتيش عملية سهلة، وقد يقوم الاتهام لمجرد إشاعة، أو يذهب الإنسان بنفسه ليعترف رعباً، أو دليلاً على حسن نيته، بلفظ تفوه به عرضاً ودون أن يعني له شيئاً ويخشى أن يكون قد سمعه أحد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الضغائن الشخصية، الذي يطمع بزوجة جاره، والمالك الذي يريد أن يهرب من أجر عامله، والتاجر الذي يخشى من منافسة زميل له، حتى الأطفال في أثناء لعبهم مع بعضهم بعضاً كانوا معرضين للاتهام، كأن يذهب طفل ويشي بطفل آخر متهماً إيّاه أنه قال كذا وكذا في أثناء اللعب، فيلقى القبض على الطفل المتهم ويحاكم، وغالباً يموت لأنه لا يتحمل أهوال التحقيق والتعذيب والسجن&#183;&#183;&#183; وهكذا صار الطريق واسعاً وعريضاً لكل من يريد أن يتخلص من أي إنسان، وأي تهمة صالحة لأن تدفع بمسلم سابق إلى أعماق السجون سواء كان هذا المسلم السابق رجلاً أو طفلاً أو شيخاً مسناً&#183;

ومن الإنصاف أن نذكر أن ضحايا التفتيش لم يكونوا فقط من المسلمين السابقين، بل كانوا من المسيحيين أيضاً، فقد انتهجت الكنيسة السلوك الإرهابي عينه تجاه المسيحيين عن طريق >محاكم التفتيش< التي أوكلت إليها مهمة فرض آرائها على الناس باسم الدين والبطش بجميع من يتجرأ على المعارضة والانتقاد، فنصبت المزيد من المشانق وأعدمت الكثيرين من المسيحيين عن طريق حرقهم بالنار، حيث يقدر عدد الضحايا المسيحيين ممن جرت عملية إعدامهم من قبل محاكم التفتيش (300.000)، أُحرق منهم (32.000) أحياء، وقد كان من بينهم العالم الطبيعي المعروف >برونو< الذي نقمت علىه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التي منها قوله بتعدد العوالم وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعي الشهير >غاليليو< الذي نفذ به القتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس(9)&#183;

والمطلوب

بعد الذي عرضناه عن محاكم التفتيش السؤال التالي: لماذا نعود إلى محاكم التفتيش ونستعرضها هكذا؟ هل لنتباكى على مآس مضت أم لنستذكر أحزاناً انقضت&#183; الإجابة نستشفها ممافعله ويفعله الصهاينة بسبب ما زعموه من محارق >الهولوكوست< وما ادَّعوه من حرق النازية لآلاف اليهود في المحارق، فما زالت الصهيونية تضع الغرب بشكل خاص والعالم بشكل عام أمام تلك المحارق التي كانت أحد تبريراتها لاحتلال فلسطين، بينما ما زال العالم يجهل الكثير عن محاكم التفتيش التي ذهب ضحيتها آلاف وآلاف المسلمين، وإذا كانت محارق النازية قد استمرت أعواماً، فقتل وإحراق وتعذيب المسلمين عبر محاكم التفتيش استمر مئات من الأعوام، وفي الوقت الذي تفتح فيه دول الغرب النصراني أرشيفها، ووثائقها للصهيونية لتؤلف منه ما تدَّعي أنه وثائق عن محارق اليهود في عهد النازية، مازال الفاتيكان والكنائس ترفض فتح أرشيفها وكشفه أمام المسلمين وغير المسلمين كي لا تظهر وثائق جديدة عن فظائع محاكم التفتيش!!&#183;

إن المسلمين بحاجة الآن لدراسة متمعنة لتاريخ محاكم التفتيش وفظائعها وضحاياها من المسلمين، وأن تُعتمد وثائق أرشيف الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية في إسبانيا وغيرها من الدول النصرانية لوضع تاريخ حقيقي لتلك المحاكم وإبراز هذا التاريخ للعالم مع مقارنة موضوعية بين التعسف الكنسي والجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين باسم المسيحية، وبين التسامح الإسلامي وكيف عاش المسيحيون بأمان وسلام في الدولة الإسلامية بحماية الإسلام الحنيف، مع ملاحظة أن معظم ما كُتب عن محاكم التفتيش حتى الآن يعتمد على رؤية نصرانية من قِبَلِ مستشرقين ومؤرخين غير مسلمين، وبما تسمح به السلطات النصرانية&#183;

المراجع

1 ـ وول سميث ـ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ـ دار الحقائق ـ بيروت ـ 1980م&#183;

2 ـ جريدة الجماهير: 2/2/2001م ـ حلب&#183;

3 ـ الدكتور طاهر أحمد مكي ـ مسلم إسباني أمام محاكم التفتيش ـ مجلة الدوحة ـ قطر ـ 1981م&#183;

ـ وائل علي حسين ـ محاكم التفتيش والمسؤولية الغربية ـ مجلة الراية ـ العدد 186 ـ بيروت ـ 1982م&#183;

5 ـ نفس المصدر&#183;

6 ـ عبدالرحمن حمادي ـ نحو منهج جديد لإعادة كتابة التاريخ العربي ـ ندوة إعادة كتابة التاريخ العربي ـ الرباط ـ 1991م ـ مجلة الوحدة ـ عدد خاص عن الندوة ـ الرباط ـ 1991م&#183;

7 ـ طاهر أحمد مكي ـ مصدر سبق ذكره&#183;

8 ـ وائل علي حسين ـ مصدر سبق ذكره&#183;

9 ـ وول سميث ـ ويلاحظ أن تركيز المؤرخين النصارى على عدد المسيحيين الذين كانوا ضحية لمحاكم التفتيش يأتي من باب تقليل أعداد الضحايا من المسلمين والإيحاء بأن المسيحيين كانوا هم الضحايا الأكثر&#183;


بقلم الكاتب: عبدالرحمن شيخ حمادي

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:31 PM
الأندلسيون في كتابات أحمد المقري التلمساني (أزهار الرياض ونفح الطيب نموذجاً) ـــ د.حنيفي هلايلي(*)

إذا كان الباحثون والمؤرخون الغربيون وبعض الدارسين العرب محظوظين بالعثور على معلومات تاريخية هامة من المصادر الأرشيفية التابعة لمحاكم التفتيش أو العدل الإسبانية، وكذلك من المخطوطات الألخميادية بمدريد والمتعلقة جميعها بالتاريخ الموريسكي. فإن المصادر العربية قد ألقت أضواء جديدة حول عدد من التساؤلات. ومن هذا المنطلق فإن المعلومات التي أوردها المقري بخصوص الأندلسيين من خلال كتابيه: "نفح الطيب" و"أزهار الرياض" تقدم لنا إطاراً جديداً للأندلسيين ومن جهة أخرى منحتنا هذه الروايات معلومات مفيدة حول مشاعر الكره والحقد ضدهم ومواقف السلطات الإسبانية تجاه موضوعهم.

يهدف بحثنا إلى دراسة موضوع الأندلسيين من خلال كتابات أحمد المقري، وذلك لدقة هذا الفضاء التاريخي حيث حاولنا تسليط الأضواء على أهمية العنصر الأندلسي في الكتابات التاريخية للمقري، وهذا من خلال كتابيه (نفح الطيب وأزهار الرياض) وهما لا يزالان مصدرين رئيسيين للباحثين في تاريخ الأندلس والمغرب العربي. و نحن بحرصنا على دراسة مأساة الموريسكيين الحضارية بالأندلس، استناداً إلى مضامين الإشارات التاريخية التي تعرض إليها المقري بخصوص صرخة الأندلسيين واستغاثتهم بالسلطات العثمانية بواسطة قصيدة شعرية أوردها في "أزهار الرياض"، وهي طويلة في نحو مئة بيت([1])، وظروف الهجرة الأندلسية الأخيرة (1609 ـ 1614م) نحو بلدان المغرب العربي وظروف ملابساتها من خلال "نفح الطيب"([2]).

ولد أحمد المقري ونشأ وتثقف في تلمسان (986هـ ـ 1578م)، وقد ظل وفياً لهذا التكوين الأصلي حتى وهو يتمتع بالجاه والحظوة في القاهرة ودمشق، وكانت مصادره تعتمد أساساً على الروايات، ومعارفه كشاهد عيان لما وقع في الأندلس في حياته أو ما أخذ من الجيل الذي سبقه من أهل الأندلس المطرودين([3]). ومن الواضح أن إنتاج المقري غزير وحياته خصبة وتأثيره كبير، وكان يذكر محاسن تلمسان وجمالها وهو في المغرب والمشرق وكان يقارنها بفاس ودمشق. وتؤكد بعض الدراسات أن الفتن التي عاشتها الجزائر في بداية العهد العثماني هي السبب في هجرة المقري نهائياً من تلمسان إلى فاس([4]). وأوجب المقام في هذا الصدد أن الوطن كان دائماً في ذاكرة المقري وهو ما أشار إليه في هذين البيتين:

بلد الجدارِ([5]) ما أمرّ نواها



كلف الفؤاد بحبّها وهواها.



يا عاذِليْ في حبّها كن عاذري



يكفيك منها ماؤُها وهواها([6]).




ويمتاز المقري بمعاصرته للأحداث (986 ـ 1041هـ/ 1578 ـ 1631م)، إذ عاش في نهاية القرن السادس عشر، وبداية القرن السابع عشر الميلادي، مما سمح له بمعاصرة الأحداث التي تحدث عنها، خصوصاً المتعلق منها بالأندلس. إن المعلومات التي احتوت عليها مصادر المقري، تقدم لنا إطاراً جديداً حول إثارة موضوع نداءات الاستغاثة الموجهة إلى السلطات العثمانية بعد سقوط غرناطة (1492م). ومن جهة أخرى منحنا "أزهار الرياض" معلومات مفيدة حول ظروف الهجرة الأندلسية في اتجاه بلدان المغرب العربي ومواقف الأهالي من ذلك.

أولاً: نداء الاستغاثة الشعري:

لقد حفظ لنا المقري القصيدة الشهيرة التي وجهها الأندلسيون إلى الدولة العثمانية في شخص سلطانها بيازيد الثاني (886 ـ 918هـ/ 1481 ـ 1512م)، وهي قصيدة يستصرخ فيها صاحبُها السلطانَ العثماني، ويستغيث به لنصرة إخوانه الذين أكرهوا على التنصر([7])، ويصف له ما تنزله إسبانيا المسيحية برعاياها الجدد وما يصيبهم من تعسف ديوان محاكم التفتيش.

ومن المرجح أن هذه الرسالة أو القصيدة، وجهت بعد انتفاضة البشارات (1501م)، وما تلاها من إجراءات القمع ضد العرب المتنصرين، وذلك حوالي سنة 1505م، وهي تلخص وضعاًَ آل إليه المسلمون في الأندلس بعد سقوطها بيد المسيحيين عام 1492م([8]). لقد كان سقوط غرناطة (1492م) نهاية للحضارة العربية الإسلامية بالأندلس، وانتصاراً للحضارة الغربية المسيحية، فالإسبان جعلوا من سقوط الأندلس مؤشراً لحركة الاسترداد، وتوحيد إسبانيا دينياً وجغرافياً. وقد تضمنت بنود معاهدة تسليم غرناطة حقوقاً وامتيازات للمسلمين، سرعان ما تحولت إلى سياسة قمعية وخرق للاتفاقية المبرمة بين الطرفين الإسلامي والمسيحي، فاستهدفت تنصير وتهجير العناصر الإسلامية قسراً من غرناطة([9]). إليك بعض ما ورد في تلك القصيدة المؤثرة في وصف أنواع الاضطهاد والتعسف الذي نزل بالموريسكيين، بعد ديباجة نثرية قصيرة وديباجة شعرية طويلة في تحية السلطان العثماني بايزيد:

سلامٌ كريمٌ دائمٌ متجددُ



أخص به مولانا خير خليفة



سلام على مولانا ذي المجد والعلى



ومن ألبس الكفار ثوب المذلة



سلام عليكم من عبيد تخلفوا



بأندلس بالغرب من أرض غربة([10])




وانطلاقاً من هذه الأبيات يبدأ مشهد المأساة الموريسكية من مختلف الجوانب الإنسانية والحضارية والثقافية، فمن خلال المادة الشعرية التي بين أيدينا، يمكننا حصر هذه المأساة من خلال ثلاث مراحل كبرى([11]):

1 ـ التنصير القسري:

تؤكد الوثائق المكتشفة في أرصدة محاكم التفتيش أن الإسبان لم يحترموا بنود معاهدة تسليم غرناطة، وحاربوا كل ما هو غير كاثوليكي، ووزعت محاكم التفتيش بياناً كاشفاً عن مظاهر أتباع الدين الإسلامي للوشاية بالمسلمين. وقد تسبب هذا البيان في محاكمة الآلاف من المتهمين الذين وقعوا في فخ الوشاية والحقد والانتقام، وحكم على الباقين بالسجن والجلد والاسترقاق والتهجير([12]).

فلما دخلنا تحت عقد ذمامهم



بدا غدرهم فينا بنقض العزيمة.



وخان عهوداً كان قد غرنا بها



ونصرنا كُرْهاً بعنف وسطوة.



غُدرِنا ونُصّرنا وبُدل ديننا



ظلمنا وعُوملنا بكل قبيحة([13])




كان الأندلسيون بين رحى التعذيب والهجرة قبل فرض سياسة التنصير وحيث وجب ألا يغيب عنا أن الدين قد أثر على فكر الإسبان وسلوكهم خلال القرن السادس عشر. وعليه فإن التعصب الديني كان قابعاً في سياسة ملوك إسبانيا إذ تولد عنه الخوف المستمر من بقاء المسلمين بإسبانيا وتواصل الفتوحات العثمانية في شرق أوروبا، لهذا لجأت الحكومة الإسبانية إلى تعميم الإرغام على التنصير، والواقع أن النصوص الشعرية صورت مختلف الواجهات لسياسة التنصير:

أ ـ الاحتفال بالشعائر الدينية:

كان لزاماً على الموريسكيين حضور مختلف الطقوس المسيحية، وإلا تعرضوّا لمصادرة أملاكهم أو السجن وهذا ما سجلته الأبيات:

ومن لم يجي منا لموضع كفرهم



يعاقبه اللباط شر العقوبة



ويلطم خديه ويأخذ ماله



ويجعله في السجن في سوء حالة([14])




وللسير قدماً في تطبيق سياسة الاندماج، قررت السلطات الإسبانية تحت إشراف الأساقفة، أن كل الموريسكيين يجب عليهم تلقي مراسيم دفن كنسي وأنه يتحتّم عليم دفن موتاهم في نفس مقابر المسيحيين:

ومن جاءه الموت ولم يحضر الذي



يُذكرهم لم يدفنوه بحيلة.



ويترك في زبل طريحاً مجلداً



كمثل حمار ميت أو بهيمة([15])




وقد لاحقَ المورسكيين رجالُ الكنيسة وأعوان محاكم التفتيش على الصلاة والصوم، ومنعوهم من تأدية الشعائر الإسلامية:

ومن صام أو صلى ويعلم حاله



ففي النار يلقوه على كل حالة.



وفي رمضان يفسدون صيامنا



بأكل ورب مرة بعد مرة([16]).




وظل الموريسكي متسكعاً بعبادته، وهو في السجن وتحت وطأة التعذيب وسيتحول هذا الشعور إلى حقد المسيحيين على الموريسكيين، وبتطور بشكل سريع ليتنقل من حقد ديني إلى حقد عام وشامل لجميع التقاليد والعادات الموريسكية.

ب ـ التقاليد والعادات:

أجبر المسيحيون المرأة الموريسكية على التبرج وأكل الخنزير والجيفة وبالاختلاط مع الأجانب بالإضافة إلى عدم التلفظ باسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام بل بشتمه أيضاً وهذا ما يوضحه البيت التالي:

وقد أمرونا أن نسب نبينا



ولا نذكره في رخاء ولا شدة([17])




2 ـ الإقصاء الحضاري:

تميزت هذه المرحلة بقيام الموريسكيين بعشرات الثورات ضد التعسف، فكانت نتيجة السياسة اندلاع ثورة في حي البيازين بغرناطة عام 1502م([18]). ومما لا شك فيه فإن الملكين الكاثوليكيين (إيزابيلا وفرديناند: 1474 ـ 1516م) كانا على اتفاق مع رجال الدين على أعمال التنصير القسري. فقد كان هؤلاء يؤمنون بأن وحدة العقيدة والروح هي الأساس الأول الذي يمكنه من توحيد إسبانيا المجزأة، وتمسك المسلمين بدينهم يقوي أواصر الصلة بينهم وبين إخوانهم بالمغرب وفي العالم الإسلامي، ولاسيما مع الدولة العثمانية، ومن ثم فإن تنصير المسلمين أو إخراجهم هو الضمان الوحيد لسلامة إسبانيا ووحدتها([19]). وقد واكب هذه السياسة أن اقتلعت إسبانيا جذور الموريسكيين التاريخية من الناحية الدينية والثقافية والاجتماعية:

أ ـ الناحية الدينية:

تعمقت روح الكراهية عندما أصدرت السلطات الأوامر بحرق المصاحف والآلاف من الكتب العربية الحاملة للعلوم والثقافات والتي قدرها المؤرخون بعشرات الألوف([20]). وكان الهدف من وراء هذه العمليات الإقصائية هو طمس معالم الحضارة العربية الإسلامية بالأندلس وفي هذا السياق تشير القصيدة:

وأحرق ما كانت لنا من مصاحف



وخلطها بالزبل أو بالنجاسة




ب ـ الناحية الثقافية:

لقد تم القضاء على الموروث الحضاري الإسلامي الذي خلدته الأندلس عبر الأجيال زهاء ثمانية قرون، حيث تشير القصيدة إلى ذلك صراحة:

ولم يتركوا فيها كتاباً لمسلم



ولا مصحفاً يخلى به للقراءة([21])




ج ـ الناحية الاجتماعية:

منعت السلطات الإسبانية الموريسكيين من ارتداء الملابس العربية وأجبرتهم على تغيير أسمائهم العربية الإسلامية إلى أخرى إسبانية مسيحية.

وقد بدلت أسماؤنا وتحولت



بغير رضا منّا وغير إرادة([22]).




وبإلحاح من البابا بروما أصدر ملك إسبانيا فيليب الثاني (1556 ـ 1598م) قرارات ذات تدابير صارمة في حق الموريسكيين منها توصيات اقترحها رجال الكنيسة يمكننا إجمالها في النقاط التالية:

ـ منع استعمال الألبسة العربية.

ـ إجبار الموريسكيين على ترك أبواب بيوتهم مفتوحة أيام الجمعة والأعياد.

ـ يمنع النساء من التنظيف ودخول الحمامات.

ـ يمنع على المرأة الزواج طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.

ـ منع الآباء من تلقين أبنائهم الشعائر الإسلامية.

ـ إجبار الأطفال على حضور الحفلات الدينية المسيحية في الكنائس([23]).

وقد تعرض الموريسكيّون الذين كانوا يعيشون في مختلف مناطق الأندلس إلى إبادة جماعية وهذا حسب ما ورد في القصيدة:

وقد بدلت أسماؤنا وتحولت





بغير رضا منا وغير إرادة([24])



فسل وحرا عن أهلها كيف أصبحوا



أسارى وقتلى تحت ذلّ مهانة.



وسل بلفيقا([25]) عن قضية أمرها



لقد مزقوا بالسيف من بعد حسرة.

ومنياقة([26]) بالسيف مزق أهلها



كذا فعلوا أيضاً بأهل البشرة([27])



والدرش بالنار أحرق أهلها



بجامعهم([28]) صاروا جميعاً كفحمة([29])




3 ـ الطرد:

ومن المعروف أن ترتيبات إقصاء الموريسكيين من إسبانيا وطردهم كان من أسبابه الجوهرية المقاومة المستمرة التي أبداها المسلمون في الأندلس طوال خمسة أجيال (1492 ـ 1609م)، لذلك أصدر فيليب الثالث (1598 ـ 1621م) بتاريخ 22 جمادى الثانية 1018هـ الموافق لـ 22 سبتمبر 1609م، مرسوماً ملكياً يقضي بطرد جميع الموريسكيين. وجاء تبرير الملك حول هذا الطرد "... لقد حاولت منذ سنين طويلة تنصير موريسكييّ هذه المملكة وإصداري لقرارات العفو المتتالية في شأنهم وساعدني رجال الدين في تحويلهم إلى ديانتنا المقدسة لكنهم أصروا على التمسك بدينهم..."([30]).

ويتبين لنا عند دراسة بداية المأساة الموريسكية أن نداءات الاستغاثة بدأت بمراسلات مسلمي غرناطة للسلطات العثمانية ومطالبة بيازيد الثاني التدخل لدى البابا بروما، ومطالبة الإسبان باحترام حرية الأديان بمثل ما يحظى به الرعايا المسيحيون في البلاد الإسلامية ومن جهة ثانية السماح لهم بالهجرة وهذا تحدده الأبيات التالية:

فسل بابهم أعني المقيم برومةٍ



بماذا أجازوا الغدر بعد أمانة.



وما لهم مالوا علينا بغدرهم



بغير أذى منّا وغير جريمة.



وقد بلغ المكتوب منكم إليهم



فلم يعلموا منه جميعاً بكلمة([31]).




والذي شجع الموريسكيين على الهجرة صدور فتاوى من طرف فقهاء المغرب والتي أكدت على وجوب الهجرة "... أن الهجرة من أرض الإسلام فريضة إلى يوم القيامة... ولا تسقط هذه الهجرة الواجبة على هؤلاء الذين استولى الطاغية (الملك) لعنة الله على معاقلهم وبلادهم إلا قصور العجز بكل وجه، وحال الوطن والمال، فإن ذلك كله ملغى في نظر الشرع..."([32]). وتجدر الإشارة هنا إلى أن القصيدة تنصح وتحذر الأندلسيين وتشجعهم أيضاً على الهجرة، وكأنها تحضر الأجواء النفسية والمادية لاستقبال اللاجئين في الضفة الأخرى من العالم الإسلامي وهذا على الصعيدين: الشعبي والرسمي.

ومن شاء من البحر مؤمناً



بما شاء من مال إلى أرض عدوة([33])




والواقع أن إسبانيا قد استغلت رخاء الأندلس من خلال هجرة الموريسكيين في بداية منتصف القرن السادس عشر، وهذا بفضل مصادرة أملاكهم وإرهاقهم بالضرائب. والتتبع للأحداث التاريخية يلاحظ أن الأجواء والخلفيات التي حفت صدور الطرد، كانت نابعة من إرادة سياسة محضة. لكن القصيدة التي أوردها المقري في "أزهار الرياض" تعكس وجهة القرار الذي كانت أبعاده أعمق بكثير حيث تتجلى في البعدين البسيكولوجي والاقتصادي معاً. فعلى الصعيد البسيكولوجي، كان قرار الطرد يسبب الخوف والقلق المستمر من طرف الإسبان شعباً وحكومة الذين شاهدوا بأعينهم تصاعد الثورات والرفض المطلق الذي أبداه الموريسكيون ضد سياسة التنصير والإدماج. أما على الصعيد الاقتصادي فيتضح من خلال الحقد والانتقام النابع من نفسية المسيحي تجاه الموريسكي الذي عرف بنشاطه التجاري والحرفي المميز بالرخاء في إسبانيا المسيحية.

ثانياً: الهجرة الأندلسية الأخيرة:

وفيما يتعلق بالمرحلة الأخيرة من الهجرة الأندلسية (1609 ـ 1614م)([34]) والتي أعقبت قرار الطرد الجماعي للموريسكيين من إسبانيا في فترة حكم فيليب الثالث، فإن الجهات الساحلية للجزائر قد استقطبت أعداداً كبيرة من المهاجرين قسراً بواسطة السفن الإسبانية. فبعد صدور مرسوم نفي مسلمي بلنسية بتاريخ 28 سبتمبر 1609م تم ترحيل 28 ألف موريسكي إلى ميناء دانية و15 ألف أخرى إلى ميناء بلنسية وقد حملتهم السفن الإسبانية على نفقاتها الخاصة إلى مدينة وهران، بينما اعتمد المهاجرون الآخرون على أنفسهم في استئجار السفن والإبحار صوب السواحل الجزائرية([35]). ولجأت إسبانيا إلى نقل الموريسكيين رأساً إلى السواحل الغربية من إيالة الجزائر، خاصة وهران والمرسى الكبير وأرزيو ومستغانم، بحيث استغلت السلطات الإسبانية فرصة تواجدها العسكري في كل من وهران والمرسى الكبير لترحيل الآلاف من الموريسكيين نحو هذه المناطق. وقد عرفت الجزائر خلال هذه المرحلة هجرة مكثفة من الموريسكيين الذي بلغ عددهم في مطلع القرن السابع عشر حوالي 25 ألف موريسكي([36]). ونظراً لأهمية الهجرة الأندلسية في المرحلة الأخيرة، أدت إلى تعبير المقري في كتابه "نفح الطيب": "... فخرجت ألوف بفاس، وألوف أخر بتلمسان من وهران، وجمهورهم خرج بتونس..."([37]).

وقد كان من نتائج التركيز المتواصل على وهران ومرسى الكبير في هذه العملية أن ضاقت المدينة وما جاورها بالموريسكيين. وتشير تقارير ربان السفن الذين شاركوا في هذه العملية الكبرى والموجودة بالأرشيف الإسباني (Simancas)، حيث تعرض علينا قوائم ومعلومات هامة حول عدد الموريسكيين الذين تم نقلهم وجنسهم (رجال، نساء، أطفال) ومكان نزولهم بالسواحل الجزائرية. فبتاريخ 17 أكتوبر 1609م، قاد المركيز سانتاكروز (El marquis de santa cruz) 17 سفينة أبحرت من إسبانيا([38]) متجهة نحو وهران، وهي تحمل على متنها حوالي 3406 موريسكي([39]). وبعد أن ضاقت المدينة وما جاورها بالموريسكيين، طلب حاكم وهران الكونت "دي أقيلا" (Le duc d'aiguillon) بتاريخ 07 أكتوبر 1609م من القبطان المركيز سانتاكروز، قيادة ستة سفن لتحمل 6000 موريسكي، والعمل على نقلهم رأساً إلى المرسى الكبير. وبتاريخ 22 أكتوبر 1609، طلب الكونت دي أقيلا من ربان السفن الإسبانية لويس فراخدو (Luis Fajardo) وخوان خيرونيمو (J.Jeronimo)، قيادة سبعة سفن لحمل 3000 موريسكي إلى ميناء أرزيو ومزغران. كما تفاوض المسؤولون الإسبان مع قبائل المنطقة قصد مساعدتهم من أجل تسهيل عملية نقل الموريسكيين نحو تلمسان ومستغانم، وكانت هذه القبائل العربية تشمل (أولاد موسى، وأولاد إبراهيم، وأولاد سيدي عبد الله، وبني عامر)([40]).

وأثناء انتقال المهاجرين الأندلسيين من وهران إلى المناطق المجاورة تعرض لهم الأعراب في الطريق ونهبوا أموالهم، حيث تذكر بعض المصادر أن بعض القبائل الوهرانية، كانت تقوم بأعمال وحشية ضد المهاجرين، فتبقر البطون آملة أن تجد فيها المجوهرات وتعمل على تجريدهم من كل ما يملكون وسار على هذا النهج المؤرخ أبو راس الناصري في كتابه "عجائب الأسفار" في حديثه عن المهاجرين الأندلسيين عما ارتكبته قبيلة (هبرة) بميناء أرزيو من تعذيب وتقتيل حتى أن هبرة بطشت بالأندلس: "... يبقرون بطونهم لما يظنون من ابتلاع جواهر..."([41]). مما دفع بالشيخ محمد أقدار التوجيي الذي استنهض الشيخ أحميدة العبد وحثه على أن يغزو بعشائر سويد على قبيلة هبرة (بين المحمدية وسيق)([42]). هذه الرواية فيها نوع من التزييف للحقائق والإفراط في المبالغة، فسوء المعاملة يمكن تخيله (وحتى قبوله)، لكنه يستبعد العمل الشنيع السالف الذكر صدوره من قبائل متحضرة، وعلى علم بإخوان لهم في الدين، ونظراً لما كان يتمتع به الأندلسيون من رغد ورفاهية في العيش قبل مرحلة سقوط غرناطة.

إن بعض الرواة الغربيين والمغاربة مجمعون على أن بعض الموانئ والمدن بالمغرب العربي قد أساءت استقبال الموريسكيين، وخاصة في وهران وتلمسان حيث قام البدو بسلبهم وقتلهم. وقد كتب المؤرخ الإنجليزي شارل لي (Lea) حول هذا الموضوع: "لم يكن مسلمو تطوان متسامحين... وقد أضيفت إلى الموريسكيين مأساة جديدة وهذا إلى درجة أن لم يكونوا فرحين ليعلموا أن هناك موريسكيين مسيحيين ثابتين في دينهم وقد رجموا أو قتلوا، وهذا نتيجة رفضهم دخول المساجد، وفي البلاد المغاربية وكقاعدة عامة، كانت آلام المهاجرين شنيعة جداً. وعندما نزلوا بوهران سعوا لتبني خطة إنشاء دولة موريسكية... ولا شك أن الموريسكيين لم يكونوا يدركون الوضعية العامة، إلى أن عاينوا بأنفسهم كره العرب البدو لهم، وأنهم لا يرغبون الآن إلا في الرجوع إلى إسبانيا ليموتوا مسيحيين..."([43]).

ولعل الصورة تبدو أكثر وضوحاً إذا حاولنا رصد ما كتبه المقري في "نفح الطيب" حيث لم يشر إلى عملية بقر البطون والتقتيل، بل ذكر: "... فتسلط عليهم الأعراب ومن لا يخشى الله تعالى في الطرقات، ونهبوا أموالهم، وهذا ببلاد تلمسان وفاس، ونجا القليل من هذه المعرة..."([44]) ويفهم من سياق هذه الرواية أن الموريسكيين لاقوا على أيدي إخوانهم بمنطقة تلمسان وفاس سوء المعاملة والمعاناة لا غير.

ومهما يكن من انتقادات لهذه الروايات، فإن بعض الباحثين المعاصرين تبنوا مثل هذه المواقف بهذه الفترة الحرجة، محللين إياها بشكل غير متوازن، وهو الأمر الذي جعلهم يركزون على الطابع غير الإنساني والسلبي لمواقف بعض الطبقات الاجتماعية للأهالي([45]). هذه الوضعية الناجمة عن الفوضى الإدارية والسياسية للمغرب، كونها ظاهرة تاريخية قديمة، والمتمثلة في الصراع القلبي ونهب الأملاك لم يستطع النظام العسكري العثماني القضاء عليها، على أساس أن الجزائر كانت دار جهاد ومحور صراع دائم مع القوى المسيحية في المنطقة([46]).

وإذا كان بدو وهران وتلمسان قد نهبوا أو سرقوا أملاك وثروات الموريسكيين الذين حلوا بالساحل الغربي للجزائر، دون أن يقع القصاص عليهم، فهذا غير معقول لأن الأهالي لم يكونوا على علم بمأساة الموريسكيين السياسية والدينية، وعلى الخصوص حول نتائج طردهم من الأندلس، بل تم نهب هؤلاء الموريسكيين بسبب مظاهر الثراء البادية عليهم. ومن هذا المنطق تطرح التساؤلات التالية:

ـ هل كانت السلطات تعلم بما ارتكبه البدو في حق الموريسكيين؟

ـ وهل كان هؤلاء واعين بعملية النهب والسلب التي مارسوها تجاه هؤلاء الموريسكيين الذين التجأوا إلى الساحل المغاربي لالتماس الأمن والحماية؟

لكي نموقع هذين الحدثين الهامين في هذه الدراسة، فإن قصيدة الاستغاثة المدونة في أزهار الرياض جاءت لتخليد الموريسكيين في الشعر الأندلسي وهو في لحظات الاحتضار الأخيرة. فهذه الأبيات الشعرية تنم بالرغم من ركاكتها عن دقة مدهشة، في تتبع أعمال السياسية الإسبانية بمطاردة العرب المتنصّرين وفيها إجراءات القمع من لدن محاكم التفتيش وعقوباتها. والظاهر أن صاحب القصيدة كان من الكبراء المتضلعين بالشؤون العامة زمنئذ.

وعليه فإن المعطيات التي ذكرها المقري في نفح الطيب بخصوص الهجرة الأندلسية الأخيرة، لا تترجم في الواقع إلا على مظهر من تفاصيل سوء المعاملة التي تعرض لها المهاجرون. ولا شك أن المعلومات التي أوردها المقري من شأنها أنْ تساعدنا على فهم نفسية المهاجرين وموقف الأهالي والسلطات من عمليات السلب والنهب التي مورست في حق الموريسكيين([47]).

المصادر والمراجع

(1) ـ أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، أحمد المقري، القاهرة، 1939.

(2) ـ نفخ الطيب من غصن الأندلس الرطيب، أحمد المقري، (تحقيق: إحسان عباس)، بيروت: دار صادر 1968.

(3) ـ "الدراسات الموريسكية في الخمس والعشرين سنة الأخيرة في إسبانيا" في أعمال المؤتمر العالمي السادس للدراسات الموريسكية الأندلسية، (جمع وتقديم: عبد الجليل التميمي) زغوان، سيرمدي 1995.

(4) ـ "ثورة مسلمي غرناطة عام 976هـ أواخر عام 1568 والدولة العثمانية"، ليسلى الصباغ، مجلة الأصالة، الجزائر، عدد 27، سبتمبر، أكتوبر 1973.

(5) ـ نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين، محمد عبد الله عنان، القاهرة 1987.

(6) ـ محنة العرب في إسبانيا، أسعد حومد، بيروت 1980.

(7) ـ وتذكروا من الأندلس الإبادة، أحمد رائف، الجزائر، 1991.

(8) ـ "Les Morisques dans la poésie Andalous". In. V.I.E.M, Djemaa chikha, Tunis, 1984.

(9) ـ الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون: المجابهة الجدلية، (تعريب وتقديم: عبد الجليل التميمي)، الجزائر، 1989.

(10) ـ La Méditerranée et le monde méditerranéenne à l'époque de philippe II, Fernand, Braudel, Paris, 1966.

(11) ـ Los Moriscos, Garcia Arenal - Mercedes, Madrid, 1975.

(12) المعيار والجامع المعرب في فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، أحمد الونشريسي، (إشراف: محمد حجي)، بيروت، 1981.

(13) ـ دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر (العهد العثماني)، ناصر الدين سعيدوني، الجزائر، 1984.

(14) ـ "الأندلسيون بمقاطعة الجزائر (دار السلطان) أثناء القرنين 16 و17م". ناصر الدين سعيدوني، مجلة حوليات جامعة الجزائر، العدد 7، 1993.

(15) ـ Géographie de l'Espagne Morisque, Henri Lapyre, Paris, 1959.

(16) ـ AND&Uuml;L&Uuml;S TE son musuluman Kalintisi morisko larin cezayir G&ouml;cü osmanli Yardimi, chakib Benafri Ankara, 1989.

(17) ـ بهجة الناضر في أخبار الداخلين تحت ولاية الإسبان بوهران من الأعراب كبني عامر، عبد القادر المشرفي، (تحقيق: محمد بن عبد الكريم)، بيروت، بدون تاريخ.

(18) ـ عجائب الأسفار ولطائف الأخبار، أبو راس الناصري (تحقيق: محمد محي الدين)، القاهرة بدون تاريخ.

(19) ـ الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني، ابن سحنون الراشدي، (تحقيق: المهدي البوعبدلي)، الجزائر 1973.

(20) ـ العرب والمسلمون بعد سقوط غرناطة، شارك لي (ترجمة: حسن الكرمي)، بيروت 1988.

(21) ـ الموريسكيون الأندلسيون في المغرب الأوسط خلال القرنين 16 و17م، هلايلي حنيفي مخطوط، جامعة وهران 1999.



--------------------------------------------------------------------------------

(*)جامعة سيدي بلعباس / الجزائر

([1]) أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، ج1، ص109 ـ 115.

([2]) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج4، ص528.

([3]) تاريخ الجزائر الثقافي، ج2، ص221 ـ 223.

([4]) لقد كثرت هجرة علماء تلمسان إلى المغرب خلال فترة المقري، وأشار إليها ابن مريم في كتابه: البستان، وابن سليمان في كتابه: كعبة الطائفيين.

([5]) بلد الجدار هي تلمسان.

([6]) أزهار الرياض، ج1، ص6.

([7]) الدراسات الموريسكية في الخمس والعشرين سنة الأخيرة في إسبانيا، ص25 ـ 27.

([8]) ثورة مسلمي غرناطة عام 976 هو أواخر عام 1568 والدولة العثمانية، ص346 ـ 347.

وأيضاً: نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصّرين، ص346 ـ 347.

ـ يلاحظ أن انتفاضة (1501م) قد تسببت في اتخاذ قرارات تعميد ودمج الموريسكيين.

([9]) محنة العرب في إسبانيا، ص107 ـ 116.

وأيضاً: وتذكروا من الأندلس الإبادة، ص107 ـ 116.

([10]) أزهار، ج1، ص109.

([11]) Les Morisques dans la poésie Andalous, Tl,pp. 171- 180

([12]) الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون والمجابهة الجدلية، ص114 ـ 115.

([13]) أزهار، ج1، ص113.

([14]) المصدر نفسه، ج1، ص112.

([15]) أزهار، ج1، ص112.

([16]) نفسه.

([17]) نفسه.

([18]) ثورة مسلمي غرناطة، ص119.

([19]) La méditerranée et monde méditerranéen à l'époque de philippe II. T2, p.577.

([20]) نهاية الأندلس، ص346.

([21]) نفسه

([22]) نفسه

([23]) الموريسكيون الأندلسيون، ص43.

([24]) نفسه.

([25]) قلعة بالمرية، أنظر: أزهار، ج1، ص41.

([26]) البشارات جبار بمنطقة غرناطة.

([27]) Les Morisques, P177.

([28]) المصادر التاريخية العربية والمسيحية تؤكد على مثل هذه الجرائم والممثلة في المقابر الجماعية المكتشفة في إسبانيا في سنة 1980 وهي تؤكد على صدق هذه الأبيات وكأنها ليست من نسج خيال البشري.

([29])أزهار، ج1، ص112.

([30]) Los Moriscos, pp. 251-1254.

([31]) أزهار، ج1، ص113 ـ 114.

([32]) المعيار والجامع المعرب في فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، ج2، ص121 ـ 122.

([33]) أزهار، ج1، ص108.

([34]) دراسات وأبحاث في تاريخ الجزائر، ص133.

([35]) الأندلسيون بمقاطعة الجزائر، ص113.

([36]) ناصر الدين، سعيوني: الأندلسيون (الموريسكيون) بمقاطعة الجزائر دار السلطان اثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر، حوليات جامعة الجزائر، العدد 7، الجزائر، 1993، ص113.

([37]) نفح الطيب، ج4، ص528.

([38]) أهم الموانئ الإسبانية المستعملة لترحيل الموريسكيين يومذك هي: دانية، أليكانت، قرطاجنة، إشبيلية، ألفاكي، بلنسة، غراو، فيناروس.

([39]) Géographie de l, Espagne Morisque, p. 57.

([40]) ENDAl&Uuml;S TE Son Musuluman Kalintisi Morisko larin Cezayir, GOCU Osmanli, pp. 116117

بهجة الناظر في أخبار الداخلين تحت ولاية الإسبان بوهران.

([41]) عجائب الأسفار ولطائف الأخبار، ص85.

([42]) الثغر الجماني، ص27 ـ 28.

([43]) العرب والمسلمون في الأندلس بعد سقوط غرناطة، ص212.

([44]) نفح الطيب، ج4، ص528.

([45]) Historia de los Moriscos, pp. 2225 J 245.

([46]) تاريخ الجزائر الثقافي، ج1، ص141.

([47]) الموريسكيون في المغرب الأوسط، ص113 ـ 149.

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:38 PM
يهود أسبانيا
2 أبريل 2006
(2)

يهود أسبانيا (السفارديم)

قبل أن نتحدث عن يهود أسبانيا (السفارديم) بوجه خاص، يجب أن نعرف ماذا يعنى مصطلح (السفارديم).
فكلمة السفارد تعني أسبانيا و سفاردي تعني الأسباني وجمعها بالعبرية سفارديم، وقد أطلق المصطلح تاريخياً على نسل اليهود الذين عاشوا أصلاً في أسبانيا والبرتغال (شبه الجزيرة الايبيرية)، والتي طردت من اسبانيا والبرتغال على أثر محاكم التفتيش سنة 1492، وقد كان ليهود أسبانيا طريقتهم الخاصة في الصلاة والطقوس الدينية نتيجة لتأثر السفارد في عبادتهم وتلاوتهم وترتيلهم وإنشادهم بالذوق العربي في الأذكار والأناشيد والموسيقى، كما انفردوا بنصوص شعرية ونثرية في أدعيتهم وصلواتهم قريبة الشبه بما يماثلها عند المسلمين. ولكل هذا اكتسب اصطلاح “سفارد” دلالة دينية إلى جانب دلالته العرقية الأصلية.
وحينما طرد يهود الأندلس مع نهاية حكم المسلمين فيها وذلك على أثر الحكم الكاثوليكى ومحاكم التفتيش، (وكانوا أكثر قسوة وخسة وعنف مما يطلقوه علينا اليوم من أننا ارهابيين)، اتجهوا إلى تركيا واليونان وشمال أفريقيا واتبع معظم يهود المنطقة طريقتهم في العبادة، ولذا اتسع نطاق دلالة المصطلح وأصبح يطلق على كل اليهود الذين يتبعون التقاليد السفاردية في العبادة سواء كان أصلهم من أسبانيا أم لا . و كان هؤلاء يتكلمون في اسبانيا في أول الأمر باللغة العربية حتى القرن الثالث عشر ثم أخذوا يتكلمون باللغة الأسبانية التي تمسكوا بها و اعتبروها لغتهم التقليدية، ومازالوا يتكلمون بلغة السفارديم (التيي) أو (اللادينو) الإسبانية. وأخيراً يعنى مصطلح السفارديم اليهود الشرقيين جميعاً تمييزاً لهم عن الأشكناز (اليهود الغربيين).
أما عن يهود أسبانيا بوجه خاص، فنفوذهم المؤذى والخطير اصبح يثير علامات استفهام واستغراب أكبر من السكوت على ذلك الخطر الكامن فى أحشاء المجتمع الأسبانى، فكثير من علامات الاستفهام تثار حولهم، وتكملة لمسلسل الادعاءات اليهودية الكثيرة نجد أنهم نسبوا التراث الإسلامى والشواهد المعروفة للحضارة الأندلسية لهم، مع أن جميع نتاجاتهم باللغة العربية وذلك دليلاً ضدهم وليس لهم على امتزاجهم بالثقافة العربية الإسلامية.
وكذلك ادعاءهم (السفارديم) بالمشاركة فى بناء تاريخ وثقافة المنطقة وهذا ليس بجديد ففى كل مكان يعيشون فيه يدعون ذلك، ففى حكم فرانكو (وذلك ما بعد الحرب الأهلية) يدعون أن له علاقة بهتلر والنازية، وأنه كان يعاونه فى سد الطريق على يهود ألمانيا فى الهروب وأن ذهب اليهود كان فرانكو مسؤول عن تهريبه إلى حسابات سرية ببنوك سويسرا.
والطريف فى الأمر أن فرانكو هذا ذو أصول يهودية وهذا ما يؤكده رئيس حاخامات أسبانيا بشكل قاطع، وكذلك قوة اليهود التى نمت وقويت فى أسبانيا فى فترة حكمه، فرئيس الجمعية اليهودية (ماكس مازن) وعلاقاته المريبة بوزارات حكومة فرانكو وكذلك علاقاته بأبرز رجال الأعمال والصحافة فى تلك الفترة تجعلنا نتساءل ما هو هدف عميل الموساد (ماكس مازن) من علاقاته تلك!
ونجد أن أكثر المدن التى يتغلغل فيها اليهود هى برشلونة، ونستطيع أن نقدر حجم هذا الانتشار إذا عرفنا انهم يمتلكون أكبر بنك فى برشلونة بل أكبر بنك فى المنطقة بأكملها.
وحين ننظر إلى عام 1992 وهو العام الذى مرت فيه خمسة قرون على اكتشاف كولومبس لأميركا وكذلك نفس العام الذى طرد فيه العرب الأندلسيين من أسبانيا بأمر من محاكم التفتيش، نجد أن ملك أسبانيا أعلن الاعتذار لليهود السفارديم المطرودين منها، وأعاد لهم الاعتبار، وذلك بمنح الجنسية الأسبانية لكل من يرغب منهم دون التدقيق أو معرفة حقيقة أصولهم. والغريب أن العرب الأندلسيين الذين طردوا وشردوا وقتلوا بأمر من محاكم التفتيش لم يلقوا نفس المعاملة!.
والآن يزداد دور يهود أسبانيا (والذين يقدرون بـ 40 ألف نسمة) فى مجالات الاقتصاد والفنون والسينما والسطرة على وسائل الإعلام بشكل كبير ومحسوس ومريب أيضاً.
ونجد أن فضائحم عديدة وآخرها فى مجال الرياضة، وتدخلهم فى كل المجالات مريب، فأسماء من يتصدرون الأخبار الآن مثل عائلة (كوبلوتس) وتجارة اللوحات الفنية وامتلاك أكبر شركات المقاولات فى البلد، وكذلك (باسات) تاجر برشلونة الأكبر وسيطرته على أكبر نوادى الرياضة فيها، (جازيت) والسيطرة على الانترنت والاتصالات، واتصالاتهم المتشعبة وصولاً إلى الملك وكبار رجال الدولة.. تثير العديد من التساؤلات التى لا يستطيع أحد الإجابة عليها.
وحين نأخذ (موخيكا) مثلاً، اليهودى المشهور الذى يشغل منصب محامى الشعب والسياسى المعروف الذى تقلب بين الشيوعية والحزب الاشتراكى ليصل إلى وفاق مع حكومة اليمين، حين سال عن سياساته وقناعاته قال (الشئ المؤكد الوحيد أننى انتمى وحسب لإحدى قبائل بنى اسرائيل الأثنى عشر)، فيالها من إجابة فصيحة تفصح عن مكنون تلك الشخصية وهدفها الواضح.
والآن توجد العديد من الحركات المناهضة لهذا الخطر فى أسانيا، ولكن تحارب وبشدة من اليهود تحت اسم أعداء السامية والنازية الجديدة.
فى النهاية هذا ليس إلا عرض للادعاءات اليهودية والأهداف الواضحة من جراء تلك الادعاءات، والنتائج الحتمية من سيطرة وهيمنة على تاريخ وتراث ومقدرات الشعوب، فى بلد آخر هو أسبانيا وغيرها كثير وعديد من البلدان، وتكملة لدائرة وهدف أسمى لليهود وهو السيطرة على العالم.
والطريف أن كل هذا يحدث أمام أعيننا ونعرفه ونحلله ونكتب فيه الكتب أيضا، ولكن دون أى تحرك من جانبنا وكأننا ارتضينا بهذا قدراً علينا.

* المصدر كتاب (اللوبى اليهودى فى أسبانيا) تأليف: الفونسو توريس

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:42 PM
هل هناك إرهاب فى المسيحية؟!



تحقيق/مهندس

عماد خليفة توماس



القس/ رفعت فكرى

لا يوجد ولا نص واحد في العهد الجديد يدعو إلي العنف أو القتل أو الإرهاب



الشيخ/ احمد الطيب

نحن على وعى بين الفرق الرهيب والشاسع بين المسيحية كدين وبين رجال الدين الذين يتاجرون بهذا الدين



المحامى /ممدوح نخلة

مايحدث فى العراق هو الارهاب الاسلامى بعينة وليس الارهاب المسيحى



الاب/وليم سيدهم اليسوعى

ما يحدث الآن فى العراق هو بالطبع نوع من الإرهاب الكرية والكذب البين



الصحفى جون دانيال

إن واجهنا الإرهاب بالإرهاب فالنتيجة هي موت أكثر للأبرياء



وجدى وهبة-محرر ومترجم

اعلان يسوع المسيح قدم الفكر المتكامل اللاعنفى



الدكتورة/نيفين

الرب يبارك بوش ويكتر من امثالة لانة اداة طيعة في يد الله







قبل الكلام

يصر معظم المسيحيين على أن المسيحية ديانة متميزة عن كل الأديان الأخرى بدعوتها الدائمة للمحبة المطلقة وخلو نصوصها من شائبة العنف والارهاب أو الدعوة اليه, ودعوتها الى إنكار الذات وحمل الصليب والتحلى بأخلاق الوداعة واللطف ولكن يرى البعض ان هناك العديد من النصوص الدينية الواردة فى العهد القديم التى تدعم الارهاب والعنف مثل

"كُلَ مَنْ يُخالِفُ أمرَكَ ولا يسمَعُ كلامَكَ في جميعِ ما تأمُرُ بهِ يُقتَلُ، أمَّا أنتَ فتَشَدَّدْ وتشَجعْ".يشوع 1: 18 كذلك "َفاقتَحَمَ الشَّعبُ المدينةَ لا يَلوي أحدُهُم على شيءٍ واَستَولَوا علَيها. وقتَلوا بحَدِّ السَّيفِ إكرامًا للرّبِّ جميعَ ما في المدينةِ مِنْ رِجالٍ ونِساءٍ وأطفالٍ وشُيوخ، حتى البقَرَ والغنَمَ والحَميرَ" يشوع 6 :20 -21 وغيرها من النصوص



ورغم ان اى انسان لدية ذرة من الايمان سيدين ويشجب الإهاب الا اننا بعيدا عن الهجاء والذم والتي لن تداوي جرحا أو تعالج مشكلة نحاول ان نحلل قضيتنا فى موقع اتحاد الشباب من خلال ثلاث محاور الاول توضيح النصوص الدينية المتزمتة فى العهد القديم التى يقول البعض انها تنادى بالعنف والارهاب ؟ والمحور الثانى رد على محاكم التفتيش التى حدثت فى القرون الوسطى والحروب الصليبية ، وهل كانت نوعا من الارهاب الكنسى؟ والمحور الثالث مايحدث الأن على الساحة السياسية فى العراق وقبلها الأحداث فى البوسنة والهرسك ؟

لذلك التقيت مع نخبة من المفكرين والشباب ورجال الدين فكانت المحصلة هذه الحوارات



البداية كانت مع القس/ رفعت فكرى راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف ،سألتة عن تعليقة على بعض النصوص الموجودة بالكتاب المقدس التى تنادى بالعنف والارهاب؟ فقال "بداية نستطيع أن نؤكد أنه لا يوجد ولا نص واحد في العهد الجديد يدعو إلي العنف أو القتل أو الإرهاب بل العكس هو الصحيح فهناك نصوص قاطعة تدعو إلي الحب والتسامح وترفض كل صنوف الإرهاب .أما بالنسبة لبعض نصوص العهد القديم والتي تصف ما فعله بنو إسرائيل ببعض الشعوب الأخرى فهذه النصوص لا نستطيع مطلقا أن نعممها بل يجب أن ننظر إليها ونفسرها في ضوء ظروفها التاريخية . فالأمم التي سكنت أرض كنعان قبل دخول بني إسرائيل إليها كانت في منتهى الشر والفجور وكانوا يتعبدون للأوثان وللآلهة الغريبة ولما أعطي الله أحكامه لبني إسرائيل حذرهم من رجاسات هذه الأمم وقال لهم إنه حكم بالقضاء على أولئك الشعوب بسبب شرورهم ورجاساتهم لاويين 18 : 24 – 30 فإن كانت في تاريخ البشرية شعوب قد استوجبت غضب الله ونقمته فهي هذه الشعوب لأن شرورهم قد وصلت إلى أقصى حد حتى أن الأخلاق البشرية تنفر من مجرد تصورها . كما أن بقاء بني إسرائيل في حالة التعبد الصحيح لله كان يستلزم ليس فقط إخضاع أولئك الأثمة وإذلالهم بل إستئصالهم والقضاء عليهم لأنهم لو بقوا في أرض كنعان لكانوا خطرا دائما على طهارة عبادة الله الأمر الذي قد حصل فعلا في تاريخ بني إسرائيل فخير إسرائيل الروحي قضى بالانتقام من أولئك الشعوب الآثمة .وعلى أية حال فلقد كانت البشرية آنذاك لا تزال في مرحلة الطفولة الروحية والفكرية وكانت أساليب العنف هي المتبعة في الحروب وقتئذ أما بعد مجيء المسيح وفي ضوء تعاليمه الراقية السامية فالوضع أصبح مختلفا وأصبحت هذه النصوص التي يظهر فيها العنف مجرد تاريخ قديم حدث في الماضي"

اما ريهام ماهر–سكرتيرة عرفت الارهاب بأنة سلوكيات عنف يستخدمها بعض الافراد بهدف اخافة الاخرين للحصول علي هدف ما .وأضافت قائلة "اذا اردنا ان نعرف هل الارهاب موجود بالكتاب المقدس علينا بتطبيق التعريف علي ما يوجد بالكتاب المقدس ولا اعتقد ان هذا يوجد بالكتاب فاذا كان مقصود بالعنف في الكتاب ما ورد في العهد القديم فهو ليس عنف بل قوانين الهدف منها هو تنظيم حياة الأفراد في هذا الوقت فهل نحن نستطيع ان نطلق علي عقوبة الحكم بالإعدام علي شخص مذتب بأنه إرهاب أو عنف بالطبع لا لأنه تطبيق لقانون والهدف منه المحافظة علي النظام وعدم سيادة الفوضي في المجتمع ولنفس الأسباب لا نستطيع أن نطلق علي ما ورد بالكتاب المقدس انه إرهاب او عنف "



وجدى وهبة-محرر ومترجم قال تعليقا على نصوص العنف بالكتاب "عندما نتعامل مع نصوص العهد القديم علينا أن ننظر اليها كفكر لاهوتى لبعض الاشخاص،هذا الفكر يجمع بين اعلان الله ورؤية البشر لهذه الاحداث،هذة الاحداث بنت عصرها، الاعلان الأكمل و مركزة هو يسوع المسيح ،فمن خلال هذا المركز يمكن ان ننظر الى كل الاعلانات الاخرى ونقارنها باعلان يسوع المسيح ،فاعلان يسوع المسيح قدم الفكر المتكامل اللاعنفى اما الفكر الذى استخدم فى الدين فهو فكر اشخاص"



السيد/ طومسون فى تفسيرة لسفر التثنية علق على نصوص العنف فى العهد القديم قائلا "يظهر سفر التثنية قدراً كبيرا من الاهتمام بالحرب، فهو السفر الوحيد بين أسفار العهد القديم الذى يتضمن قدرا كبيرا من المعلومات المفصّلة عن إعلان الحرب المقدسة ،وقد كان ما يهم كاتب السفر أن تحافظ إسرائيل على كيانها فى مواجهة الأمم الأخرى ليس اى حرب ،لكن الحرب المقدسة،بالذات مع مراعاة أن ليس كل لجوء إلى استخدام السلاح هو حرب مقدسة،فالحرب المقدسة هى التى لا يتم الإقدام عليها إلا بعد اخذ مشورة الرب وراية.



وعند الدخول على اى مدينة كانت تدعى المدينة لعقد معاهدة فاذا استجابت المدينة لداعى السلام ،عندئذ يُعفى شعبها من حكم الابادة والتحريم ويصبحون خاضعين لاسرائيل ويكون من حق اسرائيل تسخيرهم فى أعمال إجبارية ومعاملتهم معاملة العبيد.،اما اذا رفضت تللك المدينة نداء السلام المقدم لها من اسرائل عندئذ يجب حصار تللك المدينة وضرب ذكورها بحد لاسيف اما النساء والأطفال والحيوانات فكانت غنيمة للاسرائليين يأخذونها لأنفسهم للاستعمال الشخصى ،وقد وجب مراعاة بعض الحقوق بالنسبة للسبايا من النساء.اما سبب معاملتهم بهذا الأسلوب الذى يبدو غير انسانى "لكى لا يعلموكم ان تعملوا حسب جميع ارجاسهم التى عملوا لألهتهم فتخطئوا الى الرب الهكم" وقد يكون ثقيلا على أسماع المسيحيين ،وقع القول بتحريم وابادة الرجال والنساء والأطفال لان العهد الجديد يدعو الى محبة الأعداء،على انهة مهما بدا لنا ان هذا أمر غير عادى ،فان المبدأ الكامن خلفة نافذ المفعول وبالتحديد فإن اى شئ قد يحول اسرائيل عن موقف الولاء الكامل لالهها يٌعتبر ملعونا يجب ان يزال من الطريق.لكن المسيحى الآن يستطيع ان يحيا فى ولاء تام للمسيح دون اللجوء الى أعمال الأحكام الموجودة فى سفر التثنية.



الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش

لا ينكر أحد ان محاكم التفتيش التى حدثت فى القرون الوسطي للمسيحية من الكاثوليك ضد المسلمين والبروتستانت تمثل أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه الأخر، وفى ذلك يقول الصحفى جون دانيال "إن ما فعلة مسيحيو العصور الوسطي بعضهم عن قصد لتحقيق مصالح شخصية وآخرون عن غير قصد معتقدين أنهم يخدموا كلمة الله ويعلون شأنها. كان إرهاب العصور الوسطي، هو ما يسمونه الآن باسم إرهاب الدولة، فهي دولة (أو إمبراطورية) يحكم صاحبها باسم الدين يأمر وينهي، يقتل العلم والمعرفة، انتشرت محاكم التفتيش، صار البابا مقدسا قدسية الإله، و استشرت حارات الفكر المغلقة (أو الكلام الممنوع)، فرش الجهل بضاعته وتزاحم عليها الناس، واخذ ينادي علي بضاعته بصوت عال " قتل جاليليو الكافر، حروب صليبية، صكوك غفران للبيع" وأخذت الناس ترداد تدافعاً بعضهم لأن له مصلحة في هذا فربما كان هو الذي كفًر جاليليو أو هو الذي صنع صكوك الغفران، والبعض الأخر يشتري لأنه يريد أن يشتري وآخرون يشترون ولا يعرفون ما يشتروه، لكن المحصلة النهائية أن الجهل عمل تجارة مربحة في تلك القارة وكانت ثمرة هذا الجهل إرهاب وتخريب لصق اسمه بدين الأغلبية في هذه القارة وهو المسيحي".

لكنة-أقصد جون- عاد فاكد على أن الدين طاهر في مضمونه ولكن المشكلة دائماً تكمن في حاملي هذا الدين، فإما أن يرفعوا من شانه أو أن يحطه من أمره،. فالدين كما نعرفه نحن هو رسالة محبة ورحمة للبشر جميعاً، فإما أن يرفع الشخص من دينه بأن يُعمّق رسالة المحبة والرحمة، أو أن يحط منه فيعلّي راية العنف والإرهاب.



عدت مرة اخرى الى وجدى جوزيف الذى اكد على أن الدين كثيرا ما يًُُُستغل بسهولة شديدة كأداة للعنف،عندما ينفى الاخر ويرفضة فيكون اداة خصبة للارهاب،وهذا ما حدث فى محاكم التفتيش عندما نفوا الاخر ليس نفى معنويا فقط بل اباحوا الدماء والقتل باسم الدين .



فضيلة الشيخ الدكتور احمد الطيب-رئيس جامعة الأزهر قال " إن الارهاب الحالى سببة الفوضى التى تقود العالم ،نظام القوى العظمى التى تقود العالم نظام فضوى، ويخلق مثل هذا نتيجة الكيل بمكيالين ،وانتشار الجهل والمرض والفقر عند الشعوب ، التسلق على الاخرين وهدم الحضارات وسلب الهويات ،اعتناق الاستكبار

كل هذا يخلق فريق مظلوم وفريق يعبر عن نفسة بطريقة عوجاء، وهو يظن انة يتصرف تصرفا صحيحا



وعن الحروب الصليبية قال الدكتور/احمد الطيب "إن المسلمين دفعوا فيها من ثمن لايقدر من اموالا ودماءً واعراض،حتى ان المؤرخين قالوا ان فى عكا قتل فى يوم واحد ثلاثة الاف مسلم اسير بعد تأمينهما

ومع ذلك لم يجرؤ مسلم واحد لا مفكر ولا كاتب ولا مؤرخ ان يمس المسيحية كدين بكلمة واحدة ولا الانجيل ولا سيدنا المسيح بكلمة واحدة !!



وفى موضوعية شديدة اكد الدكتور/احمد الطيب على التفرقة بين الدين ورجال الدين فقال "نحن على وعى بين الفرق الرهيب والشاسع بين المسيحية كدين وبين رجال الدين الذين يتاجرون بهذا الدين،لذلك لا يمكن ان نقول ان المسيحية دين ارهاب نتيجة الحروب الصليبية او الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت"



المحامى بالنقض الناشط/ممدوح نخلة مدير مركز الكلمة لحقوق الانسان قال " إن محاكم التفتيش فى العصور الوسطى كانت تحارب العلم باسم الدين ولم تستمر طويلا لان الأوربيين ثاروا ضدها واعترفت الكنيسة بخطأها ولكن لم تقتل المسلمين وتمثل بجثثهم كما تفعل عصابات الزرقاوى الان فى العراق وعصابات بن لادن فى افغانستان وعمر عبد الرحمن فى مصر"

ذهبت لأحد اباء الكنيسة الكاثوليكية الاب/وليم سيدهم اليسوعى –الذى قام بترجمة فكر لاهوت التحرير فى اسيا وامريكا اللاتينية- برر هذة الحملات بالقول " ماحدث فى العصور الوسطى كان ثقافة دينية معينة وعقليات سائدة انا على حق والأخر على باطل،وسيطرة ذهنية لمبدأ امتلاك الحقيقة المطلقة "

وقال احدهم "على الرغم من أن هذا العنف قد تم تحت اسم المسيحية، إلا أن المسيحية لا توافق عليه. ولأن احتلال الصليبيين للقدس لم يكن من الله، لذلك انتهى بالهزيمة ، فهذه الأرض ليست لهم. المسيحية ديانة روحية مسالمة لا تشجع على احتلال الأراضي ولا على السيادة السياسية على أي شعب.. هذا بالإضافة إلى أن أي شخص إذا ادعى أنه مسيحي ثم ارتكب أعمال وحشية فإنه ليس بمسيحي.إن ثمار أي شجرة تعلن عن نوعها. إن ثمار الروح المسيحية هي " محبة، فرح، سلام، طول أناة،لطف، صلاح، إيمان،وداعة،تعفف" (غلاطيه5 :22 ،23)."

هل يوجد ارهاب مسيجى اليوم ؟

البعض يتساءل عن العنف الذى يرتكب باسم المسيحية،مثل الحروب في البلقان والحرب على العراق ... هل هذا نوعا من الإرهاب المسيحي ؟
عدت الى المحامى /ممدوح نخلة فرد قائلا " مايحدث فى العراق هو الارهاب الاسلامى بعينة وليس الارهاب المسيحى فجماعة الزرقاوى تنتمى للعرب السنة وليس لاى جماعة مسيحية دخل بها"

الدكتورة/نيفين-مهاجرة بكندا- قالت " مشيئة اللة بتتم وصدام يستحق اللي جري له والرب يبارك بوش ويكتر من امثالة لانة اداة طيعة في يد الله بيستخدمها لمحاربة الشر والاشرار" وعندما سالتها عن ذنب قتل الابرياء فى العراق اسيما الاطفال؟ اجابت " شئ لابد منة الجميع بيضحي والنهاية سعيدة وهي الخلاص من حكم صدام والرب بيرحم شعب العراق،كل شئ له تمن والحرية لها تمن وهو دم الابرياء صدام هو سبب المشكلة وهو اللي جر علي بلادة الويلات"



عدت مرة اخرى الى الاب/وليم سيدهم لاستطلع رأية فاختلف مع الاراء السابقة وقال " ما يحدث الآن فى العراق هو بالطبع نوع من الإرهاب الكرية والكذب البين،لقد مر اكثر من سنة واتهموا العراق بوجود أسلحة كيماوية والمسألة كلها سيطرة على منابع البترول هناك،إلى جانب الفكر اليمنى المتطرف فى أمريكا الذى حث على ذلك".



الصحفى جون دانيال اتفق مع الاب/وليم سيدهم فى ان ما تفعلة أمريكا الآن،هو إرهاب بلا شك فهم يدعون أنهم ينشرون الديموقراطية والعدل وشعارات زائفة تذكرنا بتلك التي كان يقولونها الصليبيون عن أنفسهم مثل "جنود المسيح" و"مؤمني القديس بطرس" ومع اختلاف الموقف والألفاظ لكن الفعل واحد.

وتساءل –جون-" لماذا يطيحون ضرباَ هنا وهناك؟ هل هم اليهود الملاعين (كما يريد أن يصورهم البعض) وراء كل هذا؟ هل هي سياسة دولة اكتشفت أنه ليس بالهيمنة الاقتصادية وحدها تعيش الأمم؟ هل هواجس أصحاب اللاهوت التدبيري هي التي تقف وراء ذلك؟ بماذا أُجيب، هل هي كل هذه العوامل مجتمعة؟ لا أعرف!! لكن المؤكد أن هناك إرهاب وأن هناك دوافع دينية تؤيد ذلك حتى وإن كانت قاصرة على العامة من الناس. إن الإرهاب الأمريكي نوع أخر أو مضاد لإرهاب تنظيم القاعدة أو ما يشابهه ولكن يجب أن نعرف إنه إن واجهنا الإرهاب بالإرهاب فالنتيجة هي موت أكثر للأبرياء. ولا أدعي هنا أن الإرهاب الأمريكي هو رد فعل لإرهاب القاعدة ولكن يجب أن نعرف أن ما تريده القاعدة عكس ما يريده الأمريكيون وأن الإرهاب ليس قاصراً علي المسلمين كما يتصور البعض لكن الإرهاب موجود في كل دين وكل جماعة حيثما وُجد الجهل والأغراض الدنيئة، ولا ننسى أن الدين خير ستار".





اما وجدى وهبة فقد قال " يمكن ان يكون ارهاب امريكيا لكن ليس ارهابا مسيحيا،فهل هذا يعبر عن المسيحية الحقيقة بالطبع لا "



وأضاف احدهم على الانترنت قائلا "كانت حرب البلقان هي حرب عرقية وليست دينية،لأنها قامت بين مجموعات عرقية حدث أنها تنتمي إلى المسيحية والإسلام.إنه صراع قديم وكل من الطرفين قد ارتكبوا أعمال وحشية ضد الآخر على مر عصور التاريخ. أن المسيحية لا تعترف بالأعمال الوحشية التي ارتكبت بمن يدعون أنفسهم انهم مسيحيين. وقد شجب المسيحيون في مختلف أنحاء العالم العنف ضد المسلمين . كما أن غالبية الدول المسيحية لعبت دوراً فعالاً في وقف العنف وحماية المسلمين".

هل كان المسيح ارهابيا ؟



لعل هذا التساؤل قد يثير دهشة الكثيرون،فالسيد المسيح رغم ان الكثيرون اختلفوا فى من يكون هو ؟ الا انة من النادر ان يختلف علية اثنان فى سماحته ، فقد صور احدهم ان المسيح كأنه" أمير جماعة إرهابية" ضمت جماعتة رجال اعمال مثل بطرس الذي كان يسير والسيف بجانبه وقد قال له المسيح بعد ان قطع اذن خادم رئيس الكهنة ( رد سيفك إلي مكانه ) وقد كانوا جباة ضرائب مثل متى وثورجيين متحمسون مثل سمعان الغيور ذات اتصال بجنرالات . . وقد دعاهم المسيح لشراء السيوف وحملها واستعداداً لما هو آت إلا ان قوتهم الضعيفة لم تكن لتساعدهم لأي مواجهة ..."



ويرد القس/رفعت على هذا الادعاء قائلا

أن رسالة السيد المسيح رسالة حب وسلام ووئام ولم تكن الانقسامات هدف المسيح مطلقا ولكنها كانت النتيجة الواقعية والطبيعية التي أعقبت ظهوره والإيمان به .فعندما آمن بعض الناس بالسيد المسيح رفضهم أفراد عائلتهم فنشأ الانقسام عن ذلك وحيثما كرز المسيحيون بالإنجيل قامت الاضطهادات ضدهم وما قصده السيد المسيح هنا أن من يؤمن به سيكون في موقف العداء ممن يرفضون الإيمان به فصاحب العين الرمداء المريضة لابد وحتما أن يبغض النور ...المسيح لم يركب جوادا ولم يرفع سيفا ولا حتى صوتا لقد كان سيفه الوداعة ورمحه المحبة وسلطانه سلطان الغفران والتسامح. لم يفتح مدينة ولكنه فتح أعين العميان وآذان الصم كما فتح أبواب الأمل أمام البائسين واليائسين والساقطين. لم يثر مشاعر البغضة ولم يحرض أحدا على أحد لكنه حرض الجميع على الحب والتآخي والعطاء والغفران بلا حدود"



ويتفق معة فى الراى الاخ/تيموثاوس اذا يقول " يسوع المسيح ضد الإرهاب و العنف بكل صوره و هو المعيار في المسيحية، والسيف هنا يمثل عواقب تبعية المسيح ،الذي يعني قرار عسير في اتباعه كالصليب"



وجدى وهبة أضاف أن بعض العلماء قالوا عن المسيح أنة فى بعض اللحظات شجع على العنف لكن من خلال القرينة الكاملة نجد المسيح لم يشجع على العنف والارهاب بل نجد ان رسالتة رسالة سلام وقبول للاخر





أخر الكلام

لابد ان نفرق بين جوهر الدين والمتحدثين باسم الدين،فغرض الدين كما يقول جون دانيال " هو أن نحب الأخر وإن الله لو شاء أن يهلك من نسميهم أعداء الله لأهلكهم بطريقته" ولا يكفى أن نشجب وندد بالارهاب اى كان مصدره بل علينا ان نقف موقفا حاسما تجاهة ،بعيدا عن خلق الاوراق والادعاء كذبا بنسب الارهاب للاخرين علينا ان نراجع انفسنا مرة أخرى بعيداً عن سطوة امتلاك الحقيقة المطلقة واخذ موقف التحدث باسم الدين كأننا مدافعون عن الله ،دعونا نأخذ من تعاليم السيد المسيح مثالا لنا لنتبع خطواتة ونسير على دربة فهو السلام ورب السلام ،ما اجمل ما كتبة شاعرنا الكبير/احمد شوقى عن السيد المسيح حين قال



عيسى سبيلك رحمة ومحبة... في العالمين وعصمة.. وسلام

ما كنت سفاك الدماء ولا امرئ.. هان الضعاف عليه والايتام

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:44 PM
الكاثوليك

التعريف:
أكبر الكنائس(*) النصرانية في العالم، وتدعي أنها أم الكنائس ومعلمتهن، يزعم أن مؤسسها بطرس الرسول، وتتمثل في عدة كنائس تتبع كنيسة روما وتعترف بسيادة بابا(*) روما عليها، وسميت بالكنيسة الغربية أو اللاتينية لامتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* يدعي أصحابها بأن القديس بطرس ت62م هو المؤسس الأول لكنيستها على حسب ما أشار إليه القديس سيبريان 248 – 258م مع أن مصادر التاريخ الكنسي تشير إلى أن لكل من بولس وبطرس دوره في وجودها.
* أول من استعمل لفظ كاثوليك للدعوة لتأييد الكنيسة مقابل حركات(*) الخروج على مفاهيمها وعقائدها – الهرطقة – أسقُف (*) أنطاكية القديس أغناطيوس الأنطاكي في القرن الثاني الميلادي.
* منذ أن أسس قسطنطين مدينة القسطنطينية روما الجديدة وبنى فيها كنيستها أجاصوفيا وجعلها تلي كنيسة روما في المكانة، قام التنافس بين الكنيستين في السيطرة على العالم المسيحي(*)، الذي استمر إلى أن تم الانفصال الإداري بينهما عام 869م بعد مجمع القسطنطينية. وفي خلال تلك الفترة وما يليها وقعت أحداث جسام، وبرز باباوات وقديسون، كان لهم أكبر الأثر في تطور الكنيسة. وفيما يلي أهم تلك الأحداث وأبرز هذه الشخصيات:

* تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية:
- اعترف مجمع سرديكا عام 343 أو 344م بحق استئناف قرارات المجامع الإقليمية إلى أسقف روما، مما زاد من دعاوى روما بأنها الحكم الأعلى للنصرانية.
- يرجع الفضل إلى البابا(*) داماسوس الأول 366 – 384م في ترجمة الإنجيل إلى اللاتينية، كما رأس مجمع روما عام 382م للرد على قرارات مجمع القسطنطينية لعام 381م لتأكيد صدارة روما التي تستمد مكانتها من وعد المسيح(*) لبطرس الرسول بقوله: "وأنا أقول لك أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".
- البابا ليو الأول 440 – 461م والملقب بليو العظيم حيث كان له دور بارز في حماية روما والحفاظ عليها بعد سقوطها عام 410م في يد الآريوسيين – أتباع آريوس- ويرجع إليه الفضل في تمييز الكنيسة(*) الغربية بعقيدتها في المسيح من حيث أن له طبيعتين – المذهب الملكاني – بعد تصديه لأصحاب مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح – المونوفيزتية – في مجمع كلدونية عام 451م.
- أصدر الإمبراطور فالنتيان سنة 455م مرسوماً يقضي بخضوع كل أساقفة(*) وموظفي الإمبراطورية للبابا، مما زاد في نفوذ وثروات الكنيسة، وأقبل الناس على الدخول في الكنيسة بأعداد كبيرة تطلعاً للمكانة والكسب المادي.
* كان لاعتناق الإمبراطور كلوفس النصرانية، وتعميده(*) على العقيدة الكاثوليكية عام 496م أكبر الأثر في اعتناق الفرنجة السالين – أحد الطوائف الجرمانية – للمذهب(*) الكاثوليكي.
* في 6 أغسطس سنة 525م قرر الإمبراطور ثيودريك تسليم جميع الكنائس الكاثوليكية للآريوسيين، ردًّا على حملة الإمبراطور جستنيان في الدولة البيزنطية ضد الأريوسين. فأنزل الاضطهاد والتعذيب على الكاثوليك، وسجن في هذه الفتنة البابا(*) يوحنا الأول عام 525م.
• العصور المظلمة:
ويطلقها مؤرخو النصرانية على الفترة من تولِّي البابا جرجوري الأول عام 590م حتى تولي شارلمان الإمبراطورية 800 – 840م حيث شهدت العديد من الصراعات والانشقاقات التي أدت إلى الانهيار السياسي والانحطاط العلمي والثقافي للنصرانية. وإن تميزت بقوة التبشير النصراني، بالإضافة إلى شروق شمس الإسلام من جبال فاران (بمكة المكرمة) عام 610م حتى عمت أشعتها نصف العالم، وأخضعت العديد من الممالك النصرانية في مصر وأفريقيا والأندلس وصقلية ودول الشام وإيران، ومن أبرز شخصيات هذا العصر:
- البابا(*) جرجوري الأول 590 – 604م: الذي يلقب بجريجوري العظيم، لاهتمامه البالغ بتطوير الكنيسة(*) وإصلاحها، متأثراً بمبادئ وأصول الأديرة البندكتية التي نشأ فيها. بالإضافة إلى اهتمامه بالنواحي السياسية والإدارية، والدعوة للنصرانية حتى امتد نفوذ الكنيسة في عهده إلى أفريقيا وغاليا – فرنسا- ودخلت أسبانيا وإنجلترا في النصرانية بعد بعثة القديس أوغسطين عام 597م، وقد أصبحت الكنيسة في عهده أشبه بالحكومة المدنية العلمانية، وبذلك استطاع فرض سيادة البابوية على الأساقفة(*) الشرقيين في النواحي القضائية بما فيهم بطريرك(*) القسطنطينية، فحقق بذلك للبابوية قسطاً من السمو لم يسبق إليه مما كان لذلك الأثر البالغ في تذكية الصراع بين البابوية والإمبراطورية.
• القرون الوسطى :
وتطلق على الفترة مابين 800 – 1521م التي اتسمت بكثرة الحروب الأهلية، والتي دامت طويلاً بين البابوية والإمبراطورية، واتسمت بظهور حركات(*) الخروج على مبادئ الكنيسة فيما وسَمَتها الكنيسة بالهرطقة، ولذلك توسعت في استخدام محاكم التفتيش ضد هذه الحركات، وضد الأصوات المنادية بالإصلاح الكنسي. وفي تلك الفترة أيضاً كانت بداية الحروب الصليبية، بالإضافة إلى فتح المسلمين للقسطنطينية عام 1453م ويمكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة(*) الكاثوليكية خلالها إلى:
- العهد فيما بين شارلمان وجريجوري السابع 800 – 1073م: وفيه ازدهرت البابوية، حيث اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث 800م نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعين الأساقفة(*) ويتولى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي(*) – كما اهتم بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدد مرة أخرى لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك.
- الشقاق العظيم: والمراد به الاختلاف الكبير الذي أدى إلى الانفصال النهائي للكنيسة الشرقية والأرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بعد محاولة البابا ليو التاسع 1054م فرض عقائد وأفكار الكنيسة الغربية على الشرق، التي رفضها بطريرك(*) القسطنطينية ميخائيل كيرولاريوس الأمر الذي فجَّر ما بينهما من الخلافات القديمة حول انبثاق روح القدس(*).
- العهد فيما بين البابا(*) جريجوري السابع والبابا بويفيس 1073- 1294م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام 1112م والثاني عام 1139م الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني 1130-1143م أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما انتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك 1177م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام 1074م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام 1095م، ولم يكتب هذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات(*) الهرطقة ضد الكنيسة(*)، ومنها حركة المارسونية(*) التي تُمثل أكبر بدعة(*) ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة 1453م بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي(*).
- العهد بين البابا بونيفيس الثامن إلى عهد الإصلاح 1294 – 1517م: وهذه الحقبة التاريخية تمثل أخر فترات القرون الوسطى في أوروبا، وفيها اشتد الصراع بين البابوية والإمبراطورية التي عملت على تفتيت قوة ونفوذ البابوية إلى أن تم إضعافها تحت ضربات حركات الإصلاح المتتالية، وتأسيس كنيسة(*) البروتستانت – المعترضين. ومن أهم الأحداث الكنيسية في تلك الفترة: فشل حركات الإصلاح الكنسي لتواطؤ البابا مارتن الخامس والبابا أبو جينوس الخامس 1417 – 1447م على إجهاض حركات الإصلاح تحقيقاً لأطماعهم الشخصية. كما شهدت تأسيس عدد من الجمعيات(*) الرئيسية لمساعدة الكنيسة ضد حركات الخروج عليها، وإمدادها بأتباع مخلصين مثل: اليسوعيين عام 1534م. والإخوان الفرنسيسكان والإخوان الدومينكان.
* مجمع ترنت 1542 – 1563م: الذي عقد على أثر ثورات الإصلاح التي علا صوتها بعد إعدام حناهس التي من أبرزها ثورة(*) مارتن لوثر التي ساندتها الحكومة والشعب الألماني. وفي الوقت نفسه كان في سويسرا ثورة أخرى بقيادة الرخ زونجلي، ليعارض الكنيسة(*) ويؤيد دعوة لوثر، فعُقِد مجمع ترنت ليقرر عدم قبول آراء الثائرين، ويقضي بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، ثم ليصدر البابا(*) ليو العاشر قراراً بحرمانه من الحقوق المدنية والرئيسية والقانونية، ليظهر بعد ذلك معارض ثالث في فرنسا: جون كلفن 1509-1564م الذي هرب إلى سويسرا لينشر مبادئ مارتن لوثر ويجمع حولها الأنصار، وتؤيده في ذلك بعض الدول؛ ليتقلص نفوذ الكنيسة(*) الغربية – الكاثوليكية- وتنفصل عنها كنيسة جديدة – البروتستانتية – لتزيد من الفرقة والشقاق في العالم النصراني(*)، ولتشتعل الحروب الطاحنة بين الكنيستين لعدة سنوات التي ذهب ضحيتها خلق كثير، حتى أمكن التوصل إلى صلح – صلح أوجزبرج – سنة 1555م على أساس إقرار مبدأ إسيبير الأول سنة 1526م القائل: بأن لكل أمير الحق في اختيار المذهب(*) الذي يريد سريانه في إمارته. وهكذا غربت شمس الكنيسة الكاثوليكية، وتقلَّص سلطانها؛ إذ أصبح بمقدور كل دولة الخروج على سلطة البابا(*).
* مجمع روما 1769م: في هذا الجو العاصف بالحركات الثائرة على الكنيسة عُقد هذا المجمع ليحدث مزيداً من الانشقاق داخل الكنيسة بسبب تقريره عصمة البابا، لتظهر جماع من المخالفين للقرار، سموا أنفسهم بالكاثوليك القدماء.
* موقف الكنيسة من العلم والعلماء: ما إن ظهرت في أوروبا بوادر النهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بينوا بطلان آراء الكنيسة(*) العلمية وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدت لهم الكنيسة استناداً على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "إن كان أحد لا يثبت في يطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق". ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من 1481-1499م على تسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال(*) إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط لمخالفتها آراء الكنيسة(*).
• الكنيسة في عصر النهضة:
- في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ازداد غضب الناس والعلماء والفلاسفة من سوء سلوك رجال الكنيسة(*)، ومن الرقابة التي فرضوها على المطبوعات، وتوسُّعهم في استخدام محاكم التفتيش، ومبالغتهم في القسوة والتعذيب ضد المخالفين والعلماء، مما أثار الفلاسفة من أمثال ديكارت وفولتير، الذين وجّهوا سهام النقد إلى الكنيسة وآرائها، ودعوا إلى إعلاء العقل(*) مقابل النصوص الرئيسية، بفرض أن العقل يستطيع إدراك الحقائق العلمية، والخير والشر.
- في عام 1790م أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية قرارات قاصمة لظهر الكنيسة حيث ألغت العشور الكنسية، وصادرت أموالها، وأجبرت رجال الكنيسة على الخضوع للدستور المدني، وأخذت تعين رجال الكنيسة بدلاً من البابا(*)، بالإضافة إلى إغلاق المدارس التابعة للكنيسة، وتسريح الرهبان(*) والراهبات.
- في سبيل حفاظ البابا جريجوري السادس عشر على مكانته بعد هذه القرارات أصدر البابا عدة منشورات يدين فيها حركة(*) الحرية(*) السياسية، والحرية الاقتصادية، على أنها تحمل مضامين تخالف الدين(*) المسيحي.
- جاء القانون الذي أقرَّته الحكومة الفرنسية 1905م بفصل الدين(*) عن الدولة على أساس التفريق بينهما وإعلان حياد الدولة تجاه الدين، كقاصمة أخرى شجعت المعارضين للكنيسة على نقد نصوص الكتاب المقدس والكنيسة بحرية، كما أجبر هذا القانون رجال الكنيسة على أن يقسموا يمين الولاء والطاعة للشعب والملك والدستور المدني الجديد. وقد امتدت هذه القرارات حتى شملت دول أوروبا، لينتهي بذلك دور الكنيسة(*) في محاولة السيطرة على السياسة، ولتنزوي داخل الجدران، لتمارس الوعظ والترانيم على الأنغام الموسيقية.
• الكنيسة والماسونية:
- تنبه رجال الكنيسة إلى شرور الحركات(*) السرية بعد أن رأوا أن معظم رجال تلك الحركات أعضاء في الجمعيات والأندية الماسونية، ويعتبر البابا(*) تليمنوس الثاني عشر أول من تصدى لهم وكشف زيفهم في مؤتمر 28/4/1738م ثم تبعه البابا بندكتوس الرابع عشر، والبابا بيوس السابع، والبابا أوربان الذي أصدر قراراً بالبراءة من الماسونية.
- كان موقف البابا بيوس العاشر من أقوى تلك المواقف في التصدي للماسونية في العصر الحاضر وذلك بعد رفضه محاولة مؤسس الصهيونية تيودر هرتزل عام 1903م في كسب موافقة الفاتيكان(*) للاستيطان في فلسطين، كما رفض مبدأ قيام دولة لليهود في فلسطين، والاستيلاء على القدس، إلا أن اليهود استطاعوا بعد تغلغلهم في النصرانية تنصيب أحد عملائهم البابا بولس السادس الذي ما إن جلس على كرسي البابوية حتى غيَّر موقف الفاتيكان من الماسونية واليهود، حيث أعطى في ديسمبر 1965م الحق للكهنة(*) في إلغاء الحرمان عن الكاثوليك الذين انضموا إلى الماسونية. بل عقد مجمعاً في الفاتيكان ليعلن براءة اليهود من دم المسيح(*)، ضارباً بنصوص الكتاب المقدس وقرارات المجامع والباباوات السابقين له عرض الحائط متابعاً لرأي الكاردينال(*) بيا اليهودي الأصل. وقد عارضه في ذلك الكاردينال الكاثوليكي الفرنسي مارسيل ليفيفر بقوله: "لقد زج المجمع المسكوني الكنيسة(*) للثورة(*). ومن هذا الزواج السفاح لا يجيء غير أبناء الزنا..". وفي أثناء زيارة البابا بولس السادس للقدس عام 1964م أعلن اعترافه بدولة اليهود في فلسطين المحتلة.
• الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي:
- مع إقرار الكنيسة بفصل الدين(*) عن السياسة داخل أوروبا، فإن مجلس الكنائس العالمي يقرر في مؤتمر سالونيك باليونان عام 1956م: "أن السياسة هي المجال الذي يتحتم على الكنيسة في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن تعمل فيه، وأن على الكنائس أن تراقب خطط التنمية في تلك الدول لتميز بين ما يتفق مع إرادة الله – الزراعة والفلاحة فقط – وبين عمل الشيطان – الصناعة والتقدم العلمي – لتعلن للقوم أين يقف الله، ومن أين يطل الشيطان"، ويقرر في مؤتمر نيودلهي عام 1961م: "إن على الكنيسة أن تكون متأهبة للصراع مع الدولة في أي وضع وتحت أي نظام سياسي" وما ذلك إلا لتسخير تلك الشعوب ومقدراتها، وضمان تبعيتها باستمرار للمستعمر الغربي؛ حيث تشيع بينهم أن التقدم الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة سيأتي دائماً معه بكثرة الخطايا والشرور.
• بعث الأمة الكاثوليكية:
البابا(*) الحالي للفاتيكان(*) يوحنا بولس الثاني (1978-…) الكاردينال(*) كارول البولندي الأصل الذي يتميز عن غيره بأنه رجل تنظيم وسياسة. ولذا فإنه يتبنى فكرة بعث الأمة الكاثوليكية من خلال إيجاد حكومة عالمية أو إمبراطورية مقدسة، التي لا تكون إلا من خلال تحقيق وحدة القارة المسيحية(*) الأوروبية وبناء أوروبا جديدة على القواعد النصرانية، مما لابد فيه من حدوث صراع سياسي ومالي وربما عسكري، وأن مهمة الفاتيكان فيه هو تهيئة الأجواء لكسب هذا الصراع الحتمي مع التجمعات الأيدلوجية(*) الأخرى. والبابا متأثر في ذلك بأفكار حركة(*) المنشأة الإلهية (Opos Dei) والقاضية بأنه بالحكم والمال وحدهما تتحقق الآمال، ويحدث التغيير. كما يراهن البابا يوحنا بولس الثاني على أن قارة أفريقيا ستصبح قارة نصرانية عام 2000م وفي سبيل ذلك فإنه يقوم بما يزيد على أربع رحلات سنويًّا، ويحاول التقارب وإيجاد أرضية عمل مشترك مع الطوائف النصرانية الأخرى رغم ما بينهم من خلافات جذرية.
- أعلنت لجنة الفاتيكان(*) للعلاقات مع اليهود براءة جديدة لليهود من دم المسيح(*) في 24 يونيو 1985م ونشرتها مجلة أوبسير فاتوري رومانو لسان حال الفاتيكان في عددها الصادر بتاريخ 25 يونيو 1985م، وذلك بناءً على توجيهات البابا(*) يوحنا بولس الثاني. كما دعت تلك الوثيقة إلى عدم اعتبار اليهود شعباً منبوذاً أو معادياً للمسيح. على أن المسيح نفسه كان يهوديًّا وسيظل يهوديًّا، ولذلك فهي تؤكد أيضاً أن أرض فلسطين المحتلة هي أرض أجداد اليهود، كما تدعو إلى ترك المفهوم التقليدي للشعب المعاقب كما في نظر النصرانية لأنه يبقى في النهاية الشعب المختار.
الأفكار والمعتقدات :
* الألوهية: تؤمن الكنيسة(*) الكاثوليكية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله(*) واحد مثلث الأقانيم(*): الأب(*)، الابن (*)، الروح القدس(*)، على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي لعام 325م كما تؤمن بأن للمسيح(*) طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية.
* يؤمن الكاثوليك بما أقر في مجمع القسطنطينية الرابع عام 869م من أن الروح القدس منبثق من الأب والابن معاً.
* الأقانيم(*): يعتقد الكاثوليك أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، وأن الأقانيم ما هي إلا مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان، ولذا فهي ذوات متميزة يساوي فيها المسيح(*) الأب حسب لاهوته(*) وهو دونه حسب ناسوته(*)، كما ينص على ذلك قانون الإيمان الأثناسيوسي.
* التجسد والفداء: الإيمان بتجسُّد الله- تعالى عن قولهم – في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب ليحاسب الخلائق يوم الحشر.
* السيدة مريم والأيقونات: يقدسون السيدة مريم والقديسين والقديسات، والأيقونات المجسمة والمصورة مع الإشادة بالمعجزات.
* الإلهام: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بالإلهام كأحد مصادر المعرفة والوحي(*) المستمرة.
* الصليب: يقدسون الصليب ويتخذونه شعاراً.
* الكتاب المقدس: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بنصوص الكتاب المقدس وبما يتضمنه من التوراة(*) وأسفار الأنبياء وبالعهد الجديد(*) ورسائل الرسل(*) على ما أقر في مجمع نيقية الأول.
* أسرار الكنيسة(*): يؤمن الكاثوليك بممارسة سر الاعتراف مرة واحدة في السنة، وكذلك سر التناول في عيد الفصح، كما يستعملون الفطير في العشاء الرباني(*) بدلاً من الخبز المختمر، والمعمودية(*) لا تتم إلا بالرش لا بالتغطيس ثلاثاً وتكون من الكاهن(*) أو بالصبغة بدم الشهيد في سبيل الإيمان فقط، والمسح بالميرون المقدس يجوز تأخيره عن التعميد(*) للقاصر حتى يبلغ سن الرشد، ولا يمسح بالزيت المقدس إلا لمن شارف على الموت، ويحرم الطلاق في جميع الأحوال حتى في حالات الزنا، وقد انفردت الكنيسة الكاثوليكية بسر ثامن عن الكنائس الأخرى ألا وهو عصمة البابا(*) عن ارتكاب المعاصي والآثام.
* الحياة الأخرى: يعتقد الكاثوليك أنه يوجد بعد الموت مكان ثالث يسمى المطهر تُعتقل فيه النفوس التي لم تصل إلى درجة النقاوة الكاملة، وتظل تُعذَّب حتى تطهر بما بقي عليها من الدين للعدل الإلهي، وعندئذ يسمح لها بدخول الملكوت.
* خلق أفعال العباد: وأن كل ما خلقه الله تعالى حسن وإنما الشر من خلق العباد.
* تبيح أكل الدم والمنخنقة على خلاف قرارات مجمع الرسل الأول في أورشليم 51-55م ويجوز للرهبان(*) أكل دهن الخنزير، ولبس الأساقفة(*) الخواتم في أصابعهم، كما يجوز للكهنة(*) حلق لحاهم على عكس الأرثوذكس.
* القداس: القداس محور العبادة والحياة الروحية على أنه يقام يومياً.
* الصلاة والصيام: الصلاة الفردية أساسية في الدين(*) على أن للصلاة طرقاً عديدة، وينبغي أن تقترن بشيء من التقشُّف، والصيام المفروض هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وجعل صوم الجمعة والسبت فقط عبارة عن الانقطاع عن أكل اللحوم. كما فرض أيضاً صوم الأزمنة الأربعة فيما يعرف بصوم البارامون (أي الاستعداد للاحتفالات) وهي السابقة لأعياد الميلاد، والعنصرة وانتقال العذراء وجميع القديسين. ويوجد خلاف بين الكنيسة(*) اللاتينية وطوائف الكنيسة الكاثوليكية الشرقية في قواعد الصوم.
* الطقوس : تتميز باستعمال اللغة اللاتينية، والبخور، والصور، والتقويم الخاص بها.
- للكنيسة الكاثوليكية عدة طقوس إلى جانب الطقوس الرومانية، هناك من يستعمل الطقوس الشرقية مثل الروم الكاثوليك، جنوب إيطاليا، والموارنة والسريان الذين يتبعون الطقس الأنطاكي، وهناك كاثوليك أقباط وأحباش يستمسكون بالطقس القبطي.
* التنظيم الكهنوتي "الإكليروس": يدير البابا(*) الكنيسة(*) بواسطة كرادلة(*) في روما ومطارنة(*) في جميع أنحاء العالم. تنقسم الكنيسة عند الكاثوليك إلى أبروشيات(*) على رأس كل أبروشية مطران يعينه البابا، وفي كل أبروشية عدة كنائس يديرها كهنة رعاة لخدمة أبناء الكنيسة.
- البابا: كما تعتقد أن السيد المسيح(*) أقام بطرس نائباً على الأرض ورئيساً على الرسل ورأساً للكنيسة، وعلى ذلك فالبابا في روما هو خليفة بطرس ورأس الكنيسة من بعده، ومرشدها الأعلى لجميع الكاثوليك في العالم.
ونظراً لاعتقادهم بعصمة البابا فإن المغفرة حق من حقوق الكنيسة تعطيها لمن تشاء.
- الجماعات الدينية المكونة من الرهبان(*) والراهبات تخضع لبابا روما عن طريق رؤسائها الموجودين في روما.
- يدرس الكهنة(*) قبل اضطلاعهم بمهمتهم العلوم الدينية خمس أو ست سنوات ويدربون في معاهد دينية خاصة، ولا يتزوج رجال الدين إلا القليل منهم.
الجذور الفكرية والعقدية:
* نصوص الكتاب المقدس، بالإضافة إلى المجامع المسكونية والإقليمية أو المحلية التي أيدت عقيدة الكنيسة.
* الديانات الوثنية(*):المجوسية(*)، البوذية، الرومانية، المصرية القديمة.
* الفلسفة(*)الأفلاطونية الحديثة، الفلسفة الغنوصية(*).
الانتشار ومواقع النفوذ:
* تنتشر في أوروبا: إيطاليا، فرنسا، لتوانيا، بولندا، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، بلجيكا، أسبانيا، البرتغال، أيرلندا، كندا الفرنسية، أمريكا اللاتينية، الفلبين، وجنوب شرق آسيا. وهناك أقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وألمانيا، وبعض دول أفريقيا.
يتضح مما سبق:
* أن المتأمل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية لَيجِد أنه كان لها دور كبير في أحداث تاريخ أوروبا بمختلف مراحله.
* كان للصراع مع الحكام والملوك أثره في ظهور عقائد جديدة في الكنيسة لم تكن من قبل مثل: سمو مكانة البابوية والكنيسة الغربية، وعصمة البابا(*) عن ارتكاب الآثام والمعاصي بزعم أن روح القدس(*) ينطق من فِيِه – على ما أقر في مجمع روما عام 1769م السر الثامن(1).
• ونظراً لإتباع الهوى وترك التشريع للرجال والمجامع ظهر التضارب في آراء الكنيسة(*) والانقسام في صفوفها، فما يُقر في مجمع يُنقض في آخر، وفي كلتا الحالتين يأخذ صفة الحكم الإلهي، ففي فترات سيطرة رجال الكنيسة على مقاليد الحكم تستند إلى أقوال القديس أغسطس القاضية بأن تخضع سلطة الدولة لسلطة الكنيسة التي تمثل مدينة الله. وفي فترات الاضطهاد تظهر دعاوى فصل الدين(*) عن الدولة مثلما جاء في رسالة هوزيوس أسقف(*) قرطبة للإمبراطور قسطنطيوس عام 355م: "أما من جهتك فينبغي ألا تجر على نفسك جريمة ارتكاب ذنب خطير، بأن تسعى لأن تتولى حكومة الكنيسة، فلتُعطِ ما لقيصر لقيصر، ولتجعل لله ما لله، فلا يجوز لنا أن نباشر سلطة دنيوية وليس لك أيها الإمبراطور الحق في أن تحرق البخور". وهذا ما اعتقدته حركة(*) الإصلاح الكلوانية أنه سبيل لإصلاح الكنيسة.
• انتشرت داخل الكنيسة كافة مظاهر الانحراف والفساد مثل السيمونية(*)، ومخالفة القانون الكنسي(*)، رغم دعاوى الرهبنة(*) والعزوبة وحياة الزهد والتقشف التي فرضها القانون الكنسي، ولم تستثن أحداً بدءً من البابا (*) حتى أصغر كاهن(*) وراهب. تقول القديسة كاترين السينائية في القرن الرابع عشر الميلادي: "إنك أينما وليت وجهك سواء نحو القساوسة(*) أو الأساقفة(*) أو… لم تر إلا شرًّا ورذيلة، تزكم أنفك رائحة الخطايا الآدمية البشعة، اتخذوا بطونهم إلهاً لهم، يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة، حيث يتمرغون في الأقذار، ويقضون حياتهم في الفسق والفجور".
- كان للرهبانية أثرها البالغ على الأخلاق(*) الأوربية، فانعدمت أخلاق الفتوة والمروءة التي أصبحت من المعايب والرذائل، كما هجر الناس البشاشة والسماحة والشجاعة. ومن أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم حياة الأسرة، فكثيراً ما أصبحت الأمهات ثكلى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، بعد خطفهم من الرهبان، فأصبحوا يتكفَّفون الناس ويتوجهون إلى الصحراء، همهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم في الآخرة. وكان الرهبان يفرون من ظل النساء ويتأثمون من قربهن، يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق العام والتحدث إليهن ولو كن أمهات أو زوجات أو شقيقات تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية.
* رغم الجوانب والآثار السلبية للحروب الصليبية وما تميزت به من قسوة ضد المخالفين سواء كانوا من نصارى أو مسلمين، إلا أنها كانت سبباً في انتقال المعارف الإسلامية إلى أوروبا. تقول الكاتبة الألمانية هونكة في شمس العرب تسطع على الغرب: "وكان للحروب الصليبية دور هام في تطور نظام الحصون وطرق الدفاع، أي في أوروبا"، وتقول: "اختلط ملوك أوروبا وأمراؤها بملوك الشرق وأمراء المسلمين في أثناء الحرب الصليبية، ورأوا بأعينهم أدباء العرب وشعراءهم ومؤرخيهم، لاسيما من كان منهم بمعية صلاح الدين الأيوبي". وتقول: "وفي مراكز العلم الأوروبية لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء إلا ومد يديه إلى الكنوز العربية".
ومع ذلك لا تزال الصليبية على عهدها الأول يمنعها عن قبول الحق حواجز التقليد(*) للآباء والأجداد والعقائد المتوارثة حتى لو شهدت الأدلة الساطعة على بطلانها. وقد نص القرآن الكريم على أمثالهم بقوله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}.
* لم تقتصر محاكم التفتيش على المخالفين للكنيسة(*) من النصارى فقط ولكنها طالت المسلمين أيضاً، ففي القرن الخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط الأندلس ذبحوا وأحرقوا ما يزيد على 31 ألفاً من المسلمين ولم يتركوا مسلماً على قيد الحياة أو غير منفي. وبعد استقلال اليونان عن الدولة العثمانية أباد النصارى شعب موريا المسلم عن أخره، بل ودمروا المساجد، وما فعله الأسقف(*) مكاريوس بمسلمي قبرص، والمتعصب جوليوس نيريري بمسلمي زنجبار منا ببعيد.
* تنتقد دائرة المعارف البريطانية دعوى الإلهام التي ما زالت تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية على أنها أحد مصادر المعرفة والوحي(*) بقولها في المجلد الحادي عشر: "إن كل قول متدرج في الكتب المقدسة ليس إلهاميًّا" وهو ما أيده جيروم وكرتيس وبمركوبيس وغيرهم من علماء النصرانية في القرن الثاني الميلادي حيث قالوا: "إن الذين يقولون إن كل مندرج في الأناجيل(*) إلهامي لا يقدرون على إثبات صحة دعواهم". وهو ما أكدته دائرة المعارف الفرنسية في المجلد السابع من أن: "هؤلاء الحواريين أصحاب المسيح(*) ما كان يرى بعضهم بعضاً صاحب وحي كما يظهر في مباحثاتهم في محفل أورشليم".
* وكما جنت الكنيسة(*) على الديانة(*) النصرانية بإدخال العقائد الوثنية، علاوة على التبديل والتحريف(*) الذي لحق بالنصرانية وكتابها، جنت أيضاً عليها وعلى الإنسانية بمحاربتها للعلم والعلماء باسم الدين(*). وظهور الفساد داخل الكنيسة، مما دفع الأفكار الإلحادية(*) المناوئة للدين إلى الظهور تحت ستار المناداة بحرية(*) الفكر، وحرية اختيار المذاهب(*) الاعتقادية ولو كانت إلحادية، وبالتالي ظهرت الدعوات إلى الإلحاد والعلمانية بمذاهبها المختلفة. يقول فولتير في كتابه مقبرة التعصب: "ينبغي أن يخضع القسس(*) للحكومة لأنهم أفراد من الرعية التابعة للدولة". ونتيجة لحرية الفكر والقضاء على رقابة الكنيسة تم بعث التراث الفلسفي اليوناني، سواء المترجم بالعربية أو اليونانية، وظهرت المذاهب المادية(*) الإلحادية والفلاسفة الماديين أمثال برتراندراسل، هيجل، وأنجلز، وكثرت مؤلفاتهم التي تدعو إلى القضاء على الدين(*). يقول ديدرو هلباخ، ورينال في الأنكلوبيديا: "إن الشرائع والأديان هي العوائق التي تحول دون حصول الإنسان على السعادة، فيجب عليه محوها ليرجع إلى الطبيعة" (تاريخ التمدن الحديث، شارل أسنيوبوس، ص47).
* إن النصرانية التي يتبناها الفاتيكان(*) اليوم هي النصرانية السياسية التي تريد ربط دول آسيا وأفريقيا بعجلة الغرب عن طريق نشر النصرانية بينهم، وخلق جملة من الأفكار النصرانية التي تقف أمام الإسلام والمسلمين في جميع الميادين. وفي سبيل ذلك تقاربت طوائف النصرانية واليهودية للحد من مارد الإسلام الذي بدأ يصحو من جديد.
- يقول رازينجر منظر السياسة في الفاتيكان: "من يبحث عن حل خارج الكنيسة في عصرنا الحدث ليس إلا واحد من اثنين:
- العودة إلى عصر ما قبل المسيح(*) – أرسطو وأمثاله.
- التعلق بثقافة غير أوروبية من جهة وبالإسلام من جهة أخرى.
- وبما أن الاحتمال الأول ليس له إمكانية الحياة، فيبقى الاحتمال الثاني – الإسلام – فعلينا أن نحذر الإسلام أكثر بكثير مما مضى، فهو اليوم يعود من أعماق التاريخ ليقدم بديلاً عن نظامنا المشبع بالنصرانية".
ويقول في أهمية وجود أندية لملء الفراغ الأيدلوجي(*) لسقوط الشيوعية: "إن حدوث الفراغ الأيدلوجي في الثقافة العالمية بما يعني الانفتاح على الثقافات الأخرى بما فيها من مثل وقيم ومبادئ، وإن البقاء على التقليدية الكنسية السابقة، وما لقيصر لقيصر، ولا دين(*) في السياسة ولا سياسة في الدين، سيترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها لدخول الإسلام". ولذلك عملت الكنيسة(*) على تجنيد السياسة والإعلام الأوروبي، وتوجيه عموم الشعب، نحو خصم جديد – الإسلام – ويتضح ذلك من ردود فعل رجال السياسة الأوروبيين وتصريحاتهم حول رواية سلمان رشدي وغيره، ومن الحملات الإعلامية حول الأصولية والإرهاب.

مراجع للتوسع
- دائرة المعارف البريطانية.
- دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة، بيروت.
- الموسوعة العربية الميسرة، بإشراف محمد شفيق غربال، الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
- الموسوعة الثقافية، مديرة التحرير/ فايزة حكيم رزق الله – دار الشعب – مصر.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى- الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية.
- تاريخ أوروبا الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فينا، د. عبد الحميد البطريق.
- تاريخ أوروبا في العصر الحديث، هـ.أ.ل. فيشر. ترجمة أحمد نجيب هاشم، دار المعارف مصر، د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، د. عبد المجيد نعنعي، مكتبة الأنجلو المصرية.
- التاريخ المعاصر-أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، الحركة الصليبية، د. سعيد عبد الفتاح عاشور.
- الثورة الفرنسية، د. حسن جلال، لجنة التأليف والنشر.
- العلمانية، د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، دار طيبة.
- سقوط العلمانية، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني.
- تهافُت العلمانية، د. عماد الدين خليل، دار الرسالة.
- قصة الاضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، توفيق الطويل، دار الفكر، القاهرة.
- قصة النزاع بين الدين والفلسفة، توفيق الطويل، مكتبة مصر، القاهرة.
- لوثر والإصلاح الديني، م. هـ مواري، ترجمة مرقص فهمي فرح (المجلد السادس – تاريخ العالم) مكتبة النهضة.
- قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر.
- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون، د. كمال دسوقي.
- موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، رسالة ماجستير، مخطوط المكتبة التجاري للطباعة والتوزيع.
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن علي الحسني الندوي، مطبعة التقدم.
- ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي.
- يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار الاعتصام.
- المسيحية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة العربية.
- تطور المسيحية، شارل جنيبيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، مصر.
- الميزان في مقارنة الأديان – حقائق ووثائق، مستشار محمد عزت طنطاوي، دار العلم، دمشق.
- الكتاب المقدس يتكلم، عبد الرحمن دمشقية، مخطوط.
- مجلة الأمة القطرية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ذو الحجة 1405هـ – يونيو 1985م.
----------------------------
(1) ويبدو أن هذا السر لم يعد قاصراً على البابا وحده وإنما تعداه أيضاً إلى البطاركة، فزعموا لأنفسهم العصمة بفعل روح القدس، ولكن يأبى الله إلا أن يفضح سوء أعمالهم ويكشف خبث طويتهم بما انكشف وينكشف يوميًّا من مخازي وفضائح كبار الأساقفة والقساوسة الخلقية والجنسية يقول تعالى: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين}.

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:48 PM
تاريخ المسلمين في البرازيل




تعد البرازيل من دول أمريكا الجنوبية الأكثر جذبا للمهاجرين العرب والمسلمين منذ مطلع القرن العشرين، رغم الأزمات السياسية والاقتصادية التي عصفت بها.

وتقع البرازيل في وسط وشمال شرقي أميركا الجنوبية، تحدّها شمالاً كولومبيا وفنزويلا وغويانا وسورينام، ومن الغرب بيرو وبوليفيا وباراغوي، وجنوباً الأرجنتين وأورغواي، وشرقاً المحيط الأطلسي، وتبلغ المساحة الإجمالية للبرازيل 965ر511ر8 كيلو متراً مربعاً.

وينحدر سكان البرازيل الحاليون من ثلاثة أصول رئيسة: أوروبي، وهندي أحمر، وزنجي أفريقي، ويشكل المنحدرون من أصول أوروبية 54% من مجموع سكان البلاد، ويشكل ذوو الأصول الأفريقية حوالي 31% من السكان، وهناك نسبة 12% من شتى الأعراق الأخرى.
أما الهنود الحمر ـ وهم السكان الأصليون ـ فإن عددهم الحالي، بعدما تعرضوا لأعمال الإبادة المتكررة، لا يتجاوز 250 ألف شخص حسب إحصاءات 1996، وغالبيتهم يتجمعون في مناطق الأمازون الأقصى.

عدد سكان البرازيل 6ر169 مليون نسمة وفقاً للتعداد الذي أجراه معهد الإحصاء البرازيلي في العام 2000، يتركز معظم السكان على سواحل الأطلسي.

وصول المسلمين إلى البرازيل
يعود تواجد المسلمين على هذه الأرض إلى فجر اكتشاف القارة الأميركية، فعندما رست سفينة "كابرال" على ساحل البرازيل، كان برفقته ملاحون مسلمون ذوو شهرة عظيمة أمثال شهاب الدين بن ماجد وموسى بن ساطع، ويؤكد المؤرخ البرازيلي الشهير جواكين هيبيرو في محاضرة ألقاها عام 1958م ونشرتها صحف البرازيل، أن العرب المسلمين زاروا البرازيل، واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 1500م، وإن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا أخصائيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن.

وصول المسلمين الأندلسيين إليها:
هاجر بعض المسلمين الأندلسيين سراً إلى البرازيل هرباً من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا بعد هزيمة المسلمين فيها، ولما كثرت الهجرة الإسلامية الأندلسية إلى البرازيل، أقيمت هناك محاكم تفتيش على غرار محاكم التفتيش في إسبانيا، وحددت صفات المسلم، وعمدت إلى حرق الكثيرين منهم أحياء.

المسلمون الزنوج:
تؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية، أن أكثرية المنحدرين من الأفارقة الذين جيء بهم "كعبيد" إلى البرازيل هم من جذور إسلامية، وأنهم كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، وقد وصلت أفواج "الرقيق" إلى البرازيل عام 1538، ولم تمضِ 40 سنة حتى نقل إليها 14 ألف مسلم مستضعف والسكان لا يزيدون على 57 ألفاً، وفي السنوات التالية أخذ البرتغاليون يزيدون من أعدادهم إذ جلبوا من أنغولا وحدها 642 ألف مسلم زنجي، وجلّ هؤلاء السود جيء بهم من غرب أفريقيا، على أن أبرز مجموعاتهم هي التي اختطفت من المناطق الأفريقية: مناطق داهوتي، وأشانتي، والهاوسا، والفولان، والبورنو، واليوربا..
وحُمِل هؤلاء المسلمون في قعر السفن بعد أن رُبطوا بالسلاسل الحديدية، ومات منهم من مات وألقي في البحر من أصيب بوباء أو حاول المقاومة.
اقتلع هؤلاء بالقوة من محيطهم ليكونوا آلات (خدماً مسخرين) في هذه البلاد، وليس سهلاً تقدير أعداد هؤلاء المنكوبين الذين كانوا يعدّون بالملايين، والذين ظلوا ينقلون من أفريقيا إلى البرازيل وإلى كل أميركا مدة تزيد عن ثلاثة قرون.

شهادة مؤرّخ
يقول المؤرّخ "فريري": كان هؤلاء المسلمون السود يشكلون عنصراً نشيطاً مبدعاً، ويمكن أن نقول إنهم من أنبل من دخل إلى البرازيل خلقاً، اعتبروهم عبيداً.. لم يكونوا حيوانات جر أو عمّال زراعة في بداية دخولهم.. لقد مارسوا دوراً حضارياً بارزاً، وكانوا الساعد الأيمن في تكوين البلد الزراعي.. إن البرازيل مدينة لهم في كل شيء: في قصب السكر والقهوة التي جلبوها والقطن والحبوب، حتى الأدوات الزراعية الحديدية كلها أفريقية، كانت وسائل التقنية عندهم أكثر تقدماً من وسائل الهنود ومن وسائل البرتغاليين أنفسهم.
كان هؤلاء المسلمون الزنوج أهم عنصر في عملية تحضّر البلاد، ويُذكر أن أسيادهم الأميين الذين جلبوهم لاسترقاقهم كانوا يتخاطبون مع الأوروبيين من خلال هؤلاء العبيد المتحضرين، يكتب العبد المسلم رسالة السيد إلى زميله السيد الآخر الذي يقرأ له الرسالة عبده المسلم المتعلّم!!

الصمود والشهادة
كان مع هؤلاء المستعبدين شيوخهم الذين يعظونهم ويرشدونهم ويفقهونهم في الدين، وينزلون معهم الأكواخ ويعلمونهم القرآن ومبادىء الشريعة الإسلامية السمحاء.
وبعد أن ازداد عددهم، وقويت عزيمتهم، قاموا بعدة ثورات إسلامية تحررية، كان من أهمها تجمع المتمردين منهم في "بالميرس" في شمالي البرازيل، في القرن السابع عشر، ولم تستطع السلطات البرتغالية إيقاف مد المسلمين إلا بعد مقاومة طويلة والاستعانة برجال الحدود من مقاطعة باوليستا أي "ساوباولو".

ثم حدثت سلسلة من الثورات في العقود الأولى من القرن التاسع، قام بها هؤلاء المسلمون في الأقاليم الساحلية خاصة في "باهيا" وكانت قيادة الثورات بأيدي شيوخ الهاوسا، لكن ثوراتهم سحقت بمنتهى الوحشية والقسوة، وقد أجبرهم البرتغاليون على ترك دينهم وتغيير أسمائهم، لكن المسلمين لم يستسلموا وظلت ثوراتهم تتكرر وآخرها تلك الثورة الشاملة التي قامت في "باهيا" عام 1835.

وقد قاد الثورة ووجّهها الشيوخ ومعظمهم من ممالك البورنو وسكوتو، وكانوا مؤدبين ووعاظاً وأئمة مساجد ومعلمين للقرآن الكريم، لكن البرتغاليين سحقوهم بوحشية، وظلّت جثث المسلمين تتعفن مدة طويلة على قارعة الطريق، وفي عتمة "السنزالات" الخربة، وهذه السنزالات عبارة عن أقبية كان البرتغاليون يودعون فيها أولئك المسلمين الذين سُحقت ثورتهم، ويقال إن كلمة "زنزانة" جاءت من هذه اللفظة البرتغالية.
وخمدت الثورة بعد ذلك إلى الأبد وتنصّر من المسلمين من تنصّر بالقوة واستشهد من استشهد، وعادت الوثنية إلى أعداد منهم، وما زالت بعض شعائر الوثنية تقام بينهم إلى اليوم في البرازيل.

وتقول الروايات أن النقوش الموجودة في سقوف كنائس باهيا والسلفادور فيها عدة آيات من القرآن الكريم دون أن يشعر القيمون عليها بذلك، لأنهم لا يجيدون العربية، ويتصوّرونها مجرد رسوم، وفي الأصل كانت هذه الكنائس مساجد.

هجرات المسلمين في العصر الحديث
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأت طلائع المهاجرين الجدد تصل إلى البرازيل من بلاد الشام وفلسطين ولبنان، أملاً في كسب لقمة العيش، وجمع المال بعد الفقر الذي عانوه في بلادهم، ولقد جاء هؤلاء المهاجرون الجدد بثقافة دينية عبارة عن عاطفة فطرية نحو هذا الدين، الأمر الذي أدّى إلى انعكاس هذا الضعف الديني على الجيل الأول، فخرج لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.
وبعد الحرب العالمية الثانية، كثرت هجرات المسلمين إلى البرازيل ولا سيما بعد احتلال فلسطين وما رافق ذلك من توترات سياسية في المنطقة العربية.

يشكّل المسلمون اليوم في البرازيل ما نسبته 1ر5% من مجموع عدد السكان، وأكثر تجمعاتهم في ولايات ساوباولو وريو دي جنيرو وبارانا وريوغراندي دي سول، ولا توجد إحصائيات دقيقة بالنسبة إلى عددهم، إذ تقدّر بعض المصادر عدد المسلمين في البرازيل بحوالي مليونين.
والجدير بالذكر أن كلمة "توركو" كلمة يطلقها البرازيليون ـ ومن قبلهم أطلقها البرتغاليون ـ على كل عربي مهما كانت ديانته، وسبب هذه التسمية كما يقال في البرازيل، أن الدولة العثمانية العليا كانت تحكم كثيراً من أقطار العالم، وصادف أن عيّنت سفيراً لها في البرازيل، فعند وصول السفير العثماني إلى ميناء ريو دي جنيرو، أثناء احتفال البرازيل بكرنفال شباط، لم يحلُ للسفير العثماني ما يقام في الكرنفال، حيث الناس يكونون شبه عراة، فقطع زيارته على الفور، وعاد إلى بلاده، فغضبت حكومة البرازيل آنذاك، واعتبرته متخلفاً متوحشاً، وأطلق الناس على كل من يمت بصلة إلى الإسلام أو المسلمين أو للعروبة اسم "توركو".

بدايات العمل الإسلامي
يقطن في ساوباولو حوالي 700 ألف مسلم ينتشرون في مركزها والضواحي، واللافت أن العدد الكبير منهم يعمل في التجارة، فمدينة ساوباولو مدينة تجارية بامتياز، إذ سرعان ما يتعلم الوافد إليها أصول التجارة فيها، ومع هذا فإن منهم من يمارس مهنة الطب والمحاماة والهندسة، لقد حرص المغتربون على تعليم أبنائهم، إلا أن العمل بالتجارة يكاد يستهوي الجميع.

وعند الحديث عن بدايات العمل الإسلامي في ساوباولو، يعيدنا محدّثون من أبناء الجالية بالذاكرة إلى باكورة هذه الأعمال وهي: الجمعية الخيرية في ساوباولو التي تعتبر أقدم الجمعيات الإسلامية في البرازيل والمعروفة بأم الجمعيات وتعتبر أول جمعية خيرية إسلامية تأسست في جنوب القارة الأميركية، وترجع جذورها إلى عام 1926م، حيث تشكلت أول لجنة من المهاجرين المسلمين، وكان من أهداف هذه الجمعية بناء بيت يذكر فيه اسم الله، وحال دون ذلك إمكانيات المسلمين المادية الضعيفة والحرب العالمية الثانية، فتأخر بناء المسجد حتى عام 1957.
وكانت هذه الجمعية قد أصدرت صحيفة "النشرة" عام 1933، ثم صحيفة "الذكرى" 1937، ثم صحيفة "الرسالة" ثم "العروبة" أخيراً.

وفي بداية السبعينات، أسست الجمعية أول مدرسة إسلامية عربية سمّيت باسم الحي الذي أنشئت فيه، وهي مدرسة "فيلا كارون"، واستطاعت الجمعية بفضل الله تعالى الحصول على قطعة أرض واسعة اتخذت كمقبرة لدفن موتى المسلمين، وهذه المقبرة تقع في منطقة غواروليوس، وتبعد حوالي 25كلم عن مسجد ساوباولو.

وفي بداية السبعينات عقد أول مؤتمر إسلامي في البرازيل، بل في القارة الجنوبية، وكان قد نظم هذا المؤتمر وزارة الأوقاف المصرية بالتعاون مع دوائر الأزهر. واشترت الجمعية البناء المجاور للمسجد وأقامت فيه طابقين يستخدم للمحاضرات، ولأفراح المسلمين وأحزانهم.
وبالنسبة للمراكز الأخرى في هذه المدينة وفي ضواحيها، فإن عددها قد زاد كثيراً في الثمانينات من القرن الماضي و إلى الآن .

د.فالح العمره
19-09-2006, 11:51 PM
المسلمون في الغرب
أضواء على تبعات انهيار الإسلام في الأندلس

عبد الجبار الرفاعي
دخلت في الأعوام (92-95ه/ 711-714م) معظم شبه الجزيرة الأندلسية الإسلام طواعية، حتى احتل مساحة لا تقل عن (700000) كيلو متر مربع. وتوطدت الحضارة الإسلامية في الأندلس، فشهدت ازدهاراً في شتى حقول العلم والمعرفة والفنون وخلّدت عباقرة ساهموا بإثراء المعرفة الإنسانية، وأشادوا الأساس للنهضة الأوروبية الحديثة، حيث وصف بعض المفكرين الأسبان المعاصرين دخول الإسلام للأندلس بأنه ثورة إسلامية في الغرب.
فمن الأندلس انبثق التنوير ليعم ديار الغرب قاطبة، إلاّ أن الضعف بدأ يسري في دولة المسلمين في الأندلس بعد وفاة المنصور ابن أبي عامر، حاجب هشام الثاني المؤيد حفيد الناصر، حتى انهارت تلك الدولة عام (422ه/ 1021م) وانقرضت، فتجزأت الأندلس بين ملوك الطوائف، الذين بلغ عددهم (23) ملكاً.
سقوط الأندلس
اغتنمت الدول النصرانية تلك التجزئة، وأخذت تحتل مدن الإسلام الواحدة تلو الأخرى، والتي أهمها: طركونه، وبراغة، وقلمرية، ومجريط، وطليطلة عام (478ه/ 1085م).
فاستنجد الأندلسيون بأمير المسلمين في المغرب يوسف بن تاشفين المرابطي، الذي استجاب لهم، وهزم النصارى في معركة الزلاقة الشهيرة عام (479ه/ 1086م)، ثم قضى على ملوك الطوائف، وضم الأندلس إلى المغرب.
وعندما ضعفت الدولة المرابطية التي كانت آخر حلقة في الصعود الحضاري للمسلمين، تجزأت الأندلس ثانية إلى طوائف.
وبدأ التآكل هذه المرة يظهر جلياً أمام غارات النصارى، فسقطت سرقسطة سنة (512ه/ 1118م)، وبلنسية عام (626ه/ 1238م)، ومرسية عام (640ه/ 1243م).
وتجسدت أفضع حلقات الضعف والتداعي عندما قبل أبن الأحمر أداء الجزية السنوية لملك قشتالة، وسلّم له جيان ومنطقتها، ثم تجلت الذلة والحقارة بإعانته لهم على غزو مدينة إشبيلية (645ه/ 1241م) ومنطقة غربي الأندلس.
وقد تسببت هذه الأحداث المأساوية في تغيير جذري في بنية الأمة بالأندلس، تمثل في هجرة العلماء والمفكرين من المدن التي وقعت تحت الاحتلال النصراني، وتحول اللسان من عربي إلى أعجمي.
وتمثلت الحلقة الأخيرة من المأساة بتسليم السلطان أبو عبد الله غرناطة إلى النصارى، بعد توقيعه معاهدة الاستسلام معهم بتاريخ (21/1/890ه ـ 25/ 11/1491م)، تلك المعاهدة التي تضمنت (27) مادة، تحدد أولاها ضرورة تسليم غرناطة قبل 25/1/1492م للملكين الكاثوليكيين، وتضمن المواد الأخرى حقوق المسلمين في الأندلس بعد دخولهم في حكم النصارى.
وفي يوم 2/1/1492م قام السلطان أبو عبد الله ورجاله بتسليم غرناطة قبل التاريخ المتفق عليه.
واستلم الكاردينال مندوسة مفاتيح الحمراء من يد الوزير ابن كماشة، وكان أول عمل قام به الكاردينال عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة (الحمد) الكاثوليكية.
من صور التنصير والاضطهاد والتعذيب
تمثلت أول أشكال الغدر ونقض العهد التي قام بها النصارى بتحويل مسجد غرناطة الأعظم إلى كتدرائية، ثم بدأت الكنيسة بتنظيم فرق لتنصير المسلمين.
والضغط بالوعد والوعيد على وجهاء المدينة وفقهائها ليّنصروا، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة بين سنتي 1500-1501م.
ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم 12/10/1501م صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع مدن وقرى مملكة غرناطة.
ثم صدر أمر بمنع استعمال اللغة العربية، ومصادرة أسلحة الأندلسيين الذين أصبحوا يسمونهم بالموريسكيين، ويعاقب المخالف لأول مرة بالحبس والمصادرة، وفي الثانية بالإعدام.
وفي عام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة 1510م طبقت على الموريسكيين ضرائب خاصة اسمها (الفارضة)، وفي سنة 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع السلاح، وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية، ومنع ذبح الحيوانات.
وفي عام 1523م صدر مرسوم جديد يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه وإخراج كل من أبى التنصير، وعقاب كل من خالف الأمرين بالرق مدى الحياة.
أما محاكم التفتيش فقد تعسفت بشكل مذهل في أعمال التعذيب والإعدام، حيث كانت تحرق أحياناً المتهمين بصورة جماعية في مواكب الموت، وأحياناً تحرق عائلات بأكملها بأطفالها، ونسائها.
وكانت هذه المحاكم تحاكم الموتى فتنبش قبورهم، وكان أعضاؤها يتمتعون بالحصانة الكاملة رغم كل ما يفعلونه من فضائع.
طرد بقايا المسلمين من أسبانيا
في 30/1/1608م قرر مجلس الدولة بالإجماع طرد الموريسكيين من الأراضي الأسبانية.
ولم يصل شهر أكتوبر عام 1609م حتى عمت موانئ مملكة وبلنسية من لقنت جنوباً إلى بني عروس شمالاً حركة كبيرة، فرحل بين 9/1906م و1/1610م حوالي 120000 مسلم من موانئ لقنت، ودانية، والجابية، ورصافة، وبلنسية، وبني عروس، وغيرها.
وفي 5/1611م صدر قرار إجرامي للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل.
وقد بلغ عدد مَنْ طِرَد من المسلمين من أسبانيا في الحقبة بين سنتي 1609ـ 1614م بحوالي 327000 شخص، مات منهم 65000 غرقاً بالبحر، أو قتلاً في الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة.
استطاع 32000 شخصاً من المطرودين من العودة إلى ديارهم في الأندلس، بينما بقي بعضهم متستراً في بلاده بعد قرار الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامي بشكل سري ومحدود في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، فذكر الرحالة الإنكليزي تاوسند:
أن محاكم التفتيش في غرناطة حكمت سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360 عائلة) بتهمة اتباع الإسلام سراً.
ونقل كاتب أسباني أخبار محاكمة وقعت في غرناطة سنة 1727م، وفي 9/5/1728م احتفلت غرناطة ب (اوتودافي) ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 46 غرناطياً بتهمة الانتماء للإسلام.
وفي 10/10/1728م حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء للإسلام، وصادرت أموالهم.
وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل الموريسكيين حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.
وفي سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سري في مدينة قرطاجنة (مقاطعة مرسية).
وهكذا احتفظ عدد من أهل الأندلس بدينهم الإسلامي سراً، وبعد سنة 1960م تجرأ بعضهم على إعلانه في أسبانيا نفسها كالمحامي خليل بن أمية الذي كان يعيش في مجريط، وغيره كثير ممن ليست له شهرته.
ومنهم من هاجر إلى خارج الأندلس كالغرناطي الذي التقى الدكتور علي المنتصر الكتاني في كوبنهاجن (الدنمارك) في 5/11/1973م، الذي ولد ونشأ في برشلونة وأسلم سنة 1969م، وقد قال عن سبب إسلامه:
كنت طفلاً صغيراً عند احتضار جدتي، فجذبتني إليها، وهمست في أذني قائلة:
إن الدين النصراني ليس ديننا وليس هو الدين الحق، عندما تكبر حاول أن تعرف دينك.
فلما كبرت درست تاريخ أسبانيا، وفهمت قصد جدتي، فتعلمت الدين الإسلامي، واقتنعت به، وأعلنت إسلامي في باكستان، حيث أمضيت سنتين لأتقن تعليمي.
-----------------------------------------
المصدر: "متابعات ثقافية" تأليف

فزاع
20-09-2006, 04:39 PM
لا هنت يا دكتورنا على هذه البحوث
الرائعة والله اني استمتعت بقرائتها
واستفدت أيما فائدة الله يجزاك خير
و يفيد الجميع بعلمك.

د.فالح العمره
20-09-2006, 09:02 PM
يا مرحبا بك يا فزاع والله ينفع بها الجميع