المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشّعر الشّاميّ في مواجهة الغزو الصّليبيّ


د.فالح العمره
17-08-2006, 07:37 PM
أ. د. شفيق محمد الرّقب
أستاذ مشارك
جامعة مؤتة
توطئة :
كانت بلاد الشّام، عشّية الغزو الصّليّبي، تُعاني من الضّعف والانقسام، وكان هذا الضّعف هو الباب الّذي ولج منه الصّليبّيون إلى هذه البلاد، حيث ظهر جيشهم أمام أسوار أنطاكية سنة 492/1099 مؤسّسا بها إمارة؛ في حين تقّدم جيش آخر إلى الرُّها، واحتلّها ليقيم بها إمارة ثانية، بينما اندفعت قوّات ثالثة باتّجاه بيت المقدس، فانْتَزَعَتْه سنة 492/1099 لتُنشِىء به إمارة ثالثة، أمّا طرابلس فقد ضرب الصّليبّيون حولها حصاراً محكماً فترة طويلة،ثمّ استسلمت لهم، متّخذين منها إمارة رابعة؛ فامتدّت بذلك ممالكهم " من ناحية ماردين إلى عريش مصر، لم يتخّلله من ولاية المسلمين غير حلب وحمص وحماة ودمشق"(1).
تخاذل الحكّام المسلمون آنذاك عن مواجهة هذا المدّ الصّليبيّ، ما عدا أتابك طغتكين –522/1128 حاكم دمشق الّذي نازلهم في غير ما موقعه، وأوغل في الأراضي الواقعة تحت حكمهم، غير أنّ حروبه لم تكن كلّها مظفّرة. وقد توفّي سنة 522/1128، فـ"خلا الشام من جميع جهاته من رجل يقوم بنصرة أهله، فلطف اللّه بالمسلمين بولاية عماد الدّين "(2).

كانت ولاية عماد الدّين إيذانا بمرحلة جديدة في الصّراع مع الغزاة؛ فقد جعل وكده تحقيق هدفين كبيرين هما: توحيد البلاد الإسلامية في الشّام والجزيرة والموصل، ومواجهة الصّليبيّين اعتماداً على قاعدة عسكرية وبشريّة واسعة النّطاق(3). وقد تمكّن عماد الدين بعد جهود مكثفة من توحيد البلاد الإسلامية في الجزيرة، ثمّ عبر الفرات وملك حلب وماجاورها وبعد ذلك تطلّع إلى دمشق وحاصرها ثلاث مرّات، بيد أنّه لم ينجح في أخذها(4) .

وفي هذه الأثناء كان عماد الدّين ينازل الصّليبيّين، ويشنّ عليهم الغارات، وتمكنّ في سنة 539/1144 من توجيه ضربة قاصمة إليهم، حيث اسْتَوْلى علىالرّها، مطيحاً بأولى ممالكهم.

وفي سنة 569/1174 استُشهد عماد الدين وهو محاصر قلعة جعبر، فخلفه ابنه نور الدّين الّذي سار على درب أبيه في توحيد البلاد الإسلامّية في الشام والجزيرة. غير أنّ نور الدّين ارتأى أنّ قوّة المسلمين لا تكتمل إلاّ بتوحيد مصر والشام تحت قيادة واحدة، فيتجاذب القطران الغزاة على العدوّ؛ مصر "بعسكري برّه وبحره، ونور الدّين من جانب سهل الشام ووعره "(5)؛ لذا أرسل نور الدّين إلى مصر عدّة حملات تمكنّ في الأخيرة منها من إسقاط الدّولة الفاطّمية، وضمّ مصر والشام في كيان سياسيّ واحد(6).

وكان نور الدّين ،وهو يبذل هذه الجهود الوحدويّة، ما يني يقارع الصّليبّين، مستعيداً منهم كثيراً من القلاع والحصون(7).

وفي سنة 569/1174 توفي نور الدّين؛ فاضطربت بلاد الشّام اضطراباً شديداً؛ فتطلّع صلاح الدّين إلى ملكها، وأرسل إلى الخليفة العباسيّ ببغداد رسالة يسأله فيها تقليداً جامعاً بكلّ ما تشتمل عليه بلاد نور الدّين، موضّحاً له أنّ "المراد هو كلّ ما يقّوي الدولة... ويفتح البلاد"، وأنّه لا يتمكنّ من الصّليبيّين وهو في مصر لـ "بُعدْ المسافة، وانقطاع العمارة، وكلال الدوابّ" (8).

بذل صلاح الدّين "الجهد في إقامة قانون الجهاد"(9)، فنازل الصّليبيّين في غيرما موقعة، وأخذ "يصول ويجول بجنده على الإفرنج حتّى دوّخ بلادهم"(10)، وتمكّن في مدّة وجيزة من أن يحرّر معظم البلاد الإسلاميّة منهم، وعلى رأسها بيت المقدس سنة 583/ 1187 (11).

أقضّ تحرير بيت المقدس مضاجع الغزاة، فجهّزوا حملة صليبيّة ثالثة أسفرت عن احتلال عكّا من جديد سنة588/1192، وتوقيع صلح بينهم كان من أهمّ بنوده أن يبسط الفرنجة نفوذهم على المدن السّاحليّة من صور إلى يافا(12).

وفي سنة 589/1193توفّي صلاح الدّين، فَاسْتَعَرَ بين أبنائه وذويه صراعٌ على السّلطة، ممّا أتاح للفرنجة أن يحقّقوا عدداً من المكاسب كان من أعظمها احتلال عكّا من جديد، وقد بقيت بأيديهم حتّى سنة 642/1244(13). وقد ظلّ بنو أيّوب سادرين في خلافاتهم إلى أن تمكّن المماليك من الإطاحة بهم، ليواصلوا معارك التّحرير، وطرد الغزاة من آخر معاقلهم في عكّا سنة 690/1291(14).

كان لأحداث الصّراع هذه أصداء واسعة في الشّعر الشّاميّ زمن الحروب الصّليبيّة، وسأدرس هذا الشّعر ضمن محورين كبيرين هما:

1-مواكبة الشّعر لأحداث الصّراع وتطوّر شخصيّة البطل.

2-دور الشّعر في المواجهة.


****















أوّلاً- مواكبة الشّعر لأحداث الصّراع:
كان المؤرّخ ابن العظيميّ من أوائل الّذين قاموا بالتّحريض على الجهاد، فأثار حماسة نجم الدّين إيلغازي بن أُرتُق لخوض معركة ضدّ الصّليبيّين عند "البلاط"(قرب حلب)، عُرفت باسم "ساحة الدّم"(15)، وذلك سنة(513/1119) فهو يقول قبيل المعركة(16):
بثاراتنا منهمْ عليها فزائدُ


ألا ابْـلِغْ طغاةَ الشّركِ أنّك آخذٌ



فهو يسمّي قادة الصّليبيّين "طغاة الشرك"، وهو وإن كان يبرز جانب الثأر في هذه القصيدة ،فإنّه في قصيدة ثانية قالها ابتهاجاً بالنصر الذي أحرزه إيلغازي يتحدّث عن ابتهاج القرآن نفسه بذلك النصر(17):
وبكى لفقد رجالهِ الإنجيلُ



واستبشرَ القرآنُ حين نَصرْتَهُ




وبعد عشر سنوات من "ساحة الدم" (أي 523/ 1129) كان ابن العظيميّ نفسه هو الذي أشاد بانتصار أحرزه شجاع الدّولة سوار بن أيتكين، وعاد إلى حماة بالرؤوس والأسارى(18). ولم يبق من قصيدته سوى مطلعها(19):
وجَلّ علوُّ قدرِك أَنْ يُراما



أَبَتْ عَزماتُ جدِّكَ أَنْ تُسامى




وحين انتصر شجاعُ الدولة سوار على إفرنج تلّ باشر من أعمال حلب (527/1129) مدحه ابن العظيمي بقصيدة صدّرها بقوله(20):
لا يرجعُ الّلهُ في شيءٍ إذا وَهَبا



تقلّد النصرَ واشْدُدْ خَلْفَك العَذَبا




بعد هذه المرحلة يبدأ نجم عماد الدّين زَنكي بالبزوغ، إذ يصبح محوراً لما يلي من انتصارات وما يتّصل به من قصائد. فهو حين يعين صاحب شيزر (سنة532/1138)(21)، ويدفع الروم عنها ينبري محمود بن نعمة الشيزريّ لتمجيد ذلك النصر بقصيدة أثبتها ابنه في كتاب "جمهرة الإسلام ذات النّثر والنظام " يقول فيها(22) :
فَمَن ْذا يُناوينا مِنَ العُجم والعُرْبِ



سَحَبنا ذيولَ الفَاخِرِينَ على الشُّهب




وعند هذه المرحلة يأخذ الشعراء بالتباري في تسجيل أعمال عماد الدّين زَنكي وانتصاراته، وكأنّهم وجدوا فيه "الرمّز" الّذي ينشدونه لحماية الإسلام والذّبّ عنه، فيظهر على مسرح الأحداث عدّة شعراء من أبرزهم ابن قَسيم الحمويّ وابن القيسرانيّ وابن منير الطّرابلسيّ؛ ولعلّ صورة تلك الانتصارت المتتالية أوضح ما تكون فيما وصلنا من شعر ابن القيسرانيّ وابن منير، فهما الشاعران المتنافسان في الحياة العامّة وفي تخليد الانتصارات على حدّ سواء، ولكلّ منهما قصيدة في فتح حصن بارين (534 /1139)(23). أمّا قصيدة ابن القيسرانيّ فمطلعها(24):
وَهْيَ الصّوارمُ لا تُبقي ولا تَذَرُ



حَذارِ منّا وأنّى ينفعُ الحذرُ




وأمّا قصيدة ابن منير فمطلعها(25):
ودامَ لنَقْضِكَ إِبْرامُها



فَدَتْكَ الملوكُ وأيّامُها




وكانت نقطة التحول في انتصارات عماد الدين هى فتح الرُّها (539/1144)(26). ولا ريب في أنّ فتح الرُّها استثار كثيراً من الشعر، في مقدّمته شعر لابن القيسرانيّ وابن منير؛ فمن قصائد ابن القيسرانيّ في هذه الحادثة(27) :

وَهَلْ طوّقَ الأملاكَ إلاّ نِجادُهُ



هوَ السّيفُ لا يُغنيك إلاّ جِلادُهُ




ولابن منير فيها قصائد كثيرة منها قوله(28) :

فلا استردّ الّذي أعطاكهُ اللهُ



صِفاتُ مَجْدِكَ لفْظٌ جلّ معناهُ




ولمّا كان فتح الرُّها قمّة الأعمال الحربيّة خلال عهد عماد الدّين فمن المناسب أن يُتَوَقّفَ عندها لاستبانة المعالم الرئيسيّة للشّعر الدّائر حول موضوع الجهاد، واتّخاذ قصيدتي ابن منير وابن القيسرانيّ أنموذجاً يقرّب للدّارس حقيقة ما تُمثّله القصيدة الّتي تُشيدُ بالانتصار.
ولنتذكّر هنا أن فتح الرّها كان حصاراً، وكان الفتح عَنْوةً، ولهذا فلا غرابة في أن يستعيد الشاعران ذكر عمّورية والمعتصم، حتّى إنّ ابن القيسرانيّ سمّى هذا الفتح في قصيدة أخرى "فتح الفتوح"، تماماً كما قال أبو تمّام في عمّورية، وأن يقول فيه ابن منير:

فَافْتَرّ مبسِمُهُ واهتزّ عطفاهُ
حديثُها نسخَ الماضي وأنساهُ
مَنْ راَمَها ليس مغزاهُ كمغزاهُ



فتحٌ أعادَ على الإسلامِ بهجتَهُ
يَهْذي بمعتصمٍ بالله فتكتُهُ
إنّ الرّها غيرُ عمّوريّةٍ وكذا




وقد راوح ابن القيسرانيّ في قصيدته بين صورة المدينة وصورة البطل على التّساوي، ورسم للرّها صورة أنثويّة تقاطعت فيها الصّور الدّينيّة والحربيّة الّتي تصوّر مكانتها عند الفرنجة، وتصف حصانتها ومنعتها، وضراوة القتال الّذي دار حولها. يقول:

عـلى غيــر مــا عند العلوج اعتقادُهُ
ولم يُغْنِ عند القوم عنه وِلادُهُ
يَفُلُّ حديدَ الهندِ عنها حُدادُهُ
تَرقَّتْ إليه خان طرفاً فؤادُهُ
إلى أنْ ثَناها مَنْ يعزُّ قيادُهُ
بصيرُ بتمرين الألدّ لدادُهُ
شرارٌ ولكنْ في يديهِ زنادُهُ
فما راع إلاّ سورُها وانهدادُهُ
وهيهات كان السّيفُ حتماً سِفادُهُ



لقد كان في فتْح الرّهاءِ دلالةٌ
يُرجّونَ ميلادَ ابنِ مريمَ نصّرةً
مدينةُ إفْكٍ منذ خمسينَ حِجّةً
تفوتُ مدى الأبصار حتّى لو انّها
وجامحةٍ عزّ الملوكَ قيادُها
فأوسعها حرّ القِراعِ مؤيّدٌ
كأنّ سنا لمعِ الأسنّةحَوْلَهُ
فأضرمها نارين: حرباً وخُدعةٌ
فصدّتْ صدودَ البِكْرِ عند افتضاضِها




وعماد الدّين في القصيدة بطلٌ (مظفّر...يعاند أسباب القضاء عناده)، وهو(مصيب سهام الرّأي) ذو عزيمة مصمّمة، وهنا يلتفت الشّاعر إلى العظمة التّاريخيّة فيقرن عماد الدّين بذي القرنين، بل يجعله يربي عليه. ويميل الشّاعر إلى التّجريد في تمجيد البطل المسلم فيستعير له صورة(الصّبح)، ويجعل الصّراع بينه وبين الدّجى. وهو بطل يستمدّ قوّته من التّأييد الإلهيّ، لذلك لا تقف أمامه أيّة قوّة ولا يبعد عنه عنه هدف. وتشفّ القصيدة عن إحساس شاعريّ مرهف حين يربط الشّاعر عزيمة البطل بموارد الماء ورياض القسطنطينيّة في إشارة بليغة منه إلى أنّ هذه القوّة قوّة بناء ونماء لا قوّة قتل وتخريب وإفناء.يقول:
فيا طالما غَالَ الظّلامَ امتدادُهُ
لأمْسَت صِعاداً فوقهنّ صِعادُهُ
فأيّةُ أرضٍ لم ترُضْها جيادُهُ
وروضةُ قُسْطَنطينِيَه مُستَرَادُهُ



كذا عن طريق الصّبح أيّتها الدّجى
فلو [بُرُجُ]* الأفلاك عنه تحصّنت
ومن كان أملاكَ السماوات جندُهُ
وللهِ عزمٌ ماءُ سيْحان وِرْدُهُ




والقصيدة تعبّر بعد ذلك عن فرحة عارمة بهذا الظفر، ومن ثمّ سيطرت عليها الصّور المستعلية الّتي تشي بالإحساس بالانبعاث والنّهوض(سمت قبّة الإسلام فخراً بطوله)، (ليهنِ بني الإسلام أمنٌ ترفّعَتْ رواسيه عزّاً)، (وأمستْ صِعاداً فوقهنّ صِعاده)؛ والجمل الشّعريّة الّتي تؤثر أسلوب التقسيم والتّوازي بحيث تصبح قراءة الأبيات ضرباً من الترنّم؛ والصّور المستوحاة من الطّبيعة،كهذه الصّورة الّتي تمثّل رؤوس الأعداء المقطوعة وهي ما تزال في خوذها كمائم نبت على وشك التفتّح:

كمائمُ نبتٍ بالسّيوف حصادُهُ



غداةَ كأنّ الهامَ في كلّ قونسٍ




ويمكن أن يوضع مقابل هذه القصيدة الّتي تتغنّى بالبطولة الحربيّة لعماد الديّن زنكي قصيدة الشّيزريّ(سحبنا ذيول الفاخرين...) الّتي أنشأها عندما صُدّ الصّليبيّون عن شيزر سنة532/1138.والقصيدة لا تتحدّث عن بطولة فرديّة كسابقتها، وإنّما البطل فيها هو "الجماعة"، لأنّها تتحدّث بنون الجمع"سحبنا...أقرّلنا...بنينا..."، ولهذا اختفت فيها الصّفات الّتي يمكن إسباغها على الفرد"رمز" البطولة، وفي مقدّمتها القيام دفاعاً عن الدّين، حتّى ذهب يصوّر أثر الصّدمة الأولى الّتي أحدثها الغزو الصّليبيّ:

تزولُ روابيها وتلحقُ بالتُّرْبِ
إلى أرض مصرٍ فالعراقينِ فالدّرْبِ
على النّاس إذْ ظنّوا بقاصمة الصُّلْبِ



وكادتْ حصونُ الشّام من فرطِ خوفِها
وأجفلَ مَنْ بينَ الفراتِ وجلّقٍ
وضاقتْ فروجُ الأرض وَهْيَ رحيبةٌ




ويهدف الشاعر من تصوير هذا الرّعب الّذي كان مخيفاً إلى إعلاء شأن شيز، تلك المدينة الّتي لم يتملّكها الذّّعر كما تملّك أرجاء المشرق الإسلاميّ، وإنّما هبّت لدفع المعتدين. ومن أجل أن يدرك النّاس بأس أولئك الغزاة ذهب الشيزريّ يصوّر البطل الصّليبيّ الفرد، ولكنّه لا يتوقف كثيراً عند البطل وإنّما ينتقل لتصوير جيشه الّذي يلذّ له الموت في طاعة الصّليب، ولا يسأم الإقدام في مأزق الوغى، كما يصوّر كثافة ذلك الجيش الّذي يضيق بأولاه فسيح الفضاء الرّحب، فكيف به كلّه:

يضيق بِأُولاهُ فسيحُ الفضا الرحّبِ
فَطبَّقَها ما بيْنَ شرقٍ إلى غرْبِ
فلا حيْزَ فيه للحضيضِ وللهُضْبِ
مَلِيٍّ عليهِ أُكْمِلَتْ حليةُ الحرب
ويهوى أليمَ الصَّلْبِ في طاعة الصُّلْبِ



وأقبلَ ملْكُ الرّوم في رَعْنِ شاهِقٍ
خميسٌ كأنّ الأرضّ قد جُمعتْ بهِ
تَضِلّ الجباُل الشّمُّ بينَ رِعالِه
وجرّد منهمْ كلّ علْجٍ مدجّجٍ
يلذّ له الإقدامُ في مأزِق الوغى




وإزاء هذه الكثافة والقوّة مدينة صغيرة اسمها"شيزر"، ليس لها خندق ولا سور، ولكنّ الحماية قد تكون سوراً من الطّعن والضّرب. وهنا يصف الشاعر حميّة الشيزريّين ووثوبهم في الموطن الصّعب، فتغيّرت الحال إلى النّقيض؛ إذْ صُرِّعَ جندُ الرّوم المُدّجّجون كأعجاز نخل، وندم ملك الروم على إقدامه، ثمّ انقلب مسرعاً وهو بقيّة جيشه كأنّ الجوّ أرسل فوقهم صواعقه أو "حاذروا رغية السّقب":

وما ظنَّ أنّ السّورَ بالطّعن والضّربِ
لهُ سَهُلَ الإقدامُ في الموضع الصّعبِ
بِلا تَعَبٍ فيها وقُرْبى إلى الرّبِّ
كأعجاز نخلٍ أُوطِئوا مصرعَ الشّرْبِ
تندّمهُ وانفلَّ عن جملة الصّحبِ
أمرّ يديهِ لامساً صفحة الجَنْبِ



وأطمعَهُ لسنا بسورٍ وخندقٍ
فَثار إليه كلُّ ليثِ كريهةٍ
يرى الموتَ والهيجاءَ غُنْماً وراحةً
ولمّا سُقُوا كأسَ المنونِ وَصُرّعوا
تندّمَ ملْكُ الروم إذْ ليس نافعاً
إذا ما رأى فعل الصوارمِ فيهم




وهكذا نرى أنّ القصيدة لا تتحدّث عن بطل فرد، ولكنّ همّها إبراز قوّة العدوّ قائداً وجيشاً؛ لإكبار الدّور الّذي أدّته شيزر في هذا المقام بالنّسبة لسائر البلدان.

وفي عهد نورالدّين(541-569/1146-1174) تتوالى الانتصارات وبعض الانتكاسات، ويكون أوّل انتصار استعادة الرّها(541/1146) بعد أن استردّها الفرنجة إثر مقتل عماد الدّين الشّهيد، وفي السنة الّتي تليها كانت منطقة حوران هي مجال عمليّات نور الدّين، فاستعاد صرخد وبصرى،كما استعاد العُرَيْمَة وحصن بَارَة وبَصْرَفُوث(بَسَرْفود) وكَفر لاثا من أعمال حلب، وتابع تحرّكاته في منطقة أنطاكية(543/1148)، فاستنقذ باسوطا وهاب(29). ويقف ابن القيسرانيّ وابن منير ليتحدّثا عن استعادة الرّها؛ الأوّل في قصيدته(30):
وأن يُنْجِزَ العِدَةَ الماطِلُ



أما آنَ أنْ يزهقَ الباطلُ




وأمّا قصيدة ابن منير فهي(31):
قطُّ إلاّ أعزّها إغلاقُهْ



مَلِكٌ ما أَذَلَّ بالفتحِ أرضاً




وقد تحدّث ابن منير عن الانتصارات المتوالية في منطقة حوران وحلب وأنطاكية في قصيدة مطلعها(32):
أمينَ العِمادِ مكينَ القدَمْ



غدا الدّينُ باسْمِكَ سامي العَلَمْ




وفي قصيدة أخرى جاء فيها(33):
أديمُ الشِّعْرَيَيْنِ لهُ رغامُ



لقدْ أَوْطَأْتَ دينَ اللهِ عِزّاً




وقد بدت أعمال نور الدّين ، بتتابع الفوز والاستيلاء على القلاع والحصون، كأنّه مدّ إسلاميّ ما لبث أن واجهه مدٌّ صليبيّ بقدوم الحملة الصّليبيّة الثّانية(543/1148)، وكانت دمشق هي الهدف الرئيس لهذه الحملة(34). وقد سجّل بعض مظاهر تلك الحملة أبو الحكم الأندلسيّ في قصيدته(35):
أمورٌ لا تُوَاتينا



بشطّيْ نهْرِ دارَيّا




كما قال العرقلة الكلبيّ في تلك المناسبة(36):
بِنسيبِها وبذكْر سُعدى مُسْعِدي



عَرِّجْ على نجدٍ لعلّكَ مُنْجدي




واستمرّ المدُّ الصّليبيُّ يواجه المدَّ الإسلاميَّ فكانت هزيمة نورالدّين على يَغْرا في السنة نفسها، وقد اعتذر ابن منير عن هذه الهزيمة في إحدى قصائده(37).
لكنّ انحسار المدّ الإسلاميّ لم يطُل إذ استطاع نورالدّين أن يهزم الفرنجة على يغرا نفسها(38)، وفي الإشادة بهذا النّصر قال ابن القيسرانيّ(39):
أَو لا فليتَ النّومَ مردودُ



يا ليت أنّ الصدَّ مصدودُ




ثمّ نهض نور الدّين في السنة التّالية(544/1149) إلى موقع يقال له إنِّب، وهو حصن من نواحي حلب، ودارت على الفرنجة فيه الدّائرة، وكان من صرعاهم في المعركة البرنس صاحب أنطاكية مقدّمهم(40). وقد هنّأه ابن القيسرانيّ بهذا النّصر بقصيدة أنشده إيّها عند جسر الحديد الفاصل بين عمل حلب وعمل أنطاكية، يقول فيها(41):
وذي المكارمُ لا ما قالت الكتُبُ



هذي العزائمُ لا ما تدّعي القُضُبُ




وله قصيدة أخرى في هذا الانتصار وهي(42):

وتقضي دَيْنَها السّمْرُ الصّعادُ



تَفِي بضمانِها البيضُ الحِدادُ




ولابن منير قصيدتان في وقعة إنّب، مطلع إحداهما(43):
وعَلا الهُدى وتَبَلّجَتْ قَسَمَاتُهُ



أقوى الضّلالُ وأقْفَرَتْ عَرَصاتُهُ




ونختتم هذه السلسلة من الأحداث بما تمّ عام (545/1151)، وأوّلها أسر جوسلين" وكان أسره من أعظم الفتوح"(44)، ولابن منير عدد من القصائد في هذا الأسر، ولابن القيسرانيّ مطوّلة فيه. ثمّ تلا ذلك في العام نفسه فتح عزاز شماليّ حلب عنوة، ثمّ فتح أفامية من كور حمص، ثمّ الانتصار عند دلوك من نواحي حلب(45).
ولا يذهبنّ الظنّ إلى أنّ سلسلة الأحداث بعد هذا العام (أي 545) قد توقفّت، فإنّ المصادر التاريخيّة حافلة بذكر أحداث أخرى تتراوح بين النصّر والهزيمة، ولكنّ الاستمرار في رصد الشعر المّتصل بالحوادث الكبيرة ـ وبخاصة معارك الجهاد ـ يتّحول إلى قائمة إحصائية ، تفيدنا حقيقة بدهيّة، وهي أنّ الشعر لم يتوانَ عن مواكبة كلّ حادث. فقد كان الشعراء كثيرين وكانت الحركة الجهاديّة الصّاعدة، على الرغم من بعض الانتكاسات، تغري بالقول، وتبعث على الازدهاء، وتستشرف المستقبل الّذي يشهد نهوض المسلمين من كبوتهم.
وإذا كان نور الدّين قد سهّل عمليّة الجهاد بعد أن كانت صعبة، فإنّه سهّل على الشعراء سبل القول، لا بتفرّد سجاياه وحسب، بل بتتابع الانتصارات واحدة إثر أخرى، حتّى لأصبح الشاعر قادراً في أكثر الأحوال على أن يتحدّث عن الانتقال من ذروة- في سياق الحرب- إلى ذروة، وغدا كأنّ الشّاعر حادٍ لقافلة من الانتصارات، لذلك لم تَعُدْ القصيدة وصفاً لمعركة واحدة، وإنّما أصبحت استرجاعاً لسلسلة من الأمجاد المتوالية، وأصبح الشّاعر يكتفي بذكر أسماء المعارك لأنّها أصبحت رموزاً خالدة، يكفي أن يذكر اسم الواحدة منها حتّى تهشّ ذاكرته إلى النتائج الباسمة الّتي تمثّلها. ومن ذلك قول ابن منير(46):
بأهباء خيلِكَ أبصارَها
ةِ عزّ فَسَعَّطَهَا نارَها
أذابَتْ مع الماءِ أحجارَها
شَدَدْتَ فصدَّقْتَ أخبارَها



ولمّا هَبَبْتَ بِبُصرى سَمَلْت
ويَوْمٍ على الجَوْنِ جَوْنِ السِرا
صَدَمْتَ عُرَيْمَتَها صدْمةً
وإنْ دالَكَتْهُمْ دلوكٌ فقد




لذلك فقد كان مدح نور الدّين وأعماله الجهاديّة أقرب إلى الإعجاب لسببين: الأوّل- إخلاصه الشّديد البارز للعيان في الجهاد، والثّاني- أنّه كان قد وقف الأموال على الجهاد، ولم يجعل للشعراء إلاّ هامشاً ضيّقاً.
ولو جُعِلَتْ قصيدة ابن منير في وقعة إنّب نموذجاً لتبيان صورة نور الدّين لظهر أنّ الإلحاح على النّاحية الدّينيّة قد تعمّق كثيراً عمّا كان قبلاً، فالحديث عن الدّين ونصرته أصبح فاتحة القصيدة(47):

وعَلا الهُدى وتَبَلّجَتْ قَسَمَاتُهُ



أقوى الضّلالُ وأقْفَرَتْ عَرَصاتُهُ




وهذه الفاتحة تؤازرها عدّة أبيات تتحدّث عن استنقاذ الدين، وردّ عصر الشباب على الإسلام، وإرساء قواعده ،وإعلاء عموده، وتشييد سوره. وإزاء هذه الصور للدّين يقف حامي الدّين (نور الدين ). ويمعن الشّاعر في إسباغ الصّفات الحميدة عليه بما يتّفق وروح الإسلام، فهو ناسٍ لِلَذّات الحياة الدنيا كحثحة الكؤوس، ولمى الثغور، لأنّه منهمك في حثحثة اليراع، وثغور العدى، وخمر الطُّلى، وقطف النفوس؛ كلّ ذلك تفانياً في خدمة الإسلام وردّ أعدائه. ويظلّ الشاعر يمعن في توليد صفات بعد أخرى ليسبغها على هذا الممدوح:

أنّ الكواكبَ في الذرى ضرّاتُهُ

ما ضـّر هــذا البــدر وهو محلّقٌ


فوقَ السماء وتَعتْلَي دَرَجَاتُهُ

في كلّ يومَ تَستطيلُ قناتهُ


مجداً، وألسنةُ الزمّانِ رواتُهُ

وتُرى كشمسٍ في الضحى آثارُهُ


عَنْ نَزْفِ بَحْرِ هذهِ قَطراتُهُ

أيْنَ الأُلى ملأوا الطّروس زخارفاً


سَخرْت بما افتعلوا لهم فِعْلاتُهُ

لو فَصّلوا سمطاً بِبَعْضِ فتوحِه


باءتْ بِحَملِ تَأَوّهٍ باءاتُهُ

لو لاح للطائيّ غرّةُ فتحِهِ


لاحْتُشّ من تاريخِه حشواتهُ

أوْ هبّ للطبريّ طيبُ نسيمهِ



ها هنا يقف الشاعر في مواجهة "البطل" على نحو مباشر، فلا يلتفت إلى الخيل ولا إلى الجيش ولا إلى حركة المعركة، ولعلّ السبب في ذلك طبيعة المعركة نفسها، أو طبيعة الشاعر، أو طبيعة الممدوح، أو هذه كلّها مجتمعة؛ ولكن الشاعر أحسّ أنّه بعد أربعين بيتاً لا بدّ من التنويع. وممّا يدل على قدرته الشعرية أنه لجأ إلى "وسيلة" قد تُعدّ جديدة، وإن كان اعتماده عليها ضرباً من المغايرة، حين وضع صورة البطل الإفرنجيّ (البرنس صاحب أنطاكية الذي قتل في المعركة ) بإزاء صورة البطل المسلم؛ وهذا البطل الآخر الذي أصبح ذليلاً حقّاً كان من قبل أسَداً يتبؤّأ العرين، وكانت قناته تنظم مدار النيّرين، وقبل نور الدين لم يُقَدْ أنفُه بخزامه.
ولست أقول إن إعجاب الشاعر بالبطلين متساوٍ، ولكنّ ابن منير يتّبع المأثور الشعريّ الّذي يعلي من شأن العدوّ ولكي يمنح البطل الإسلاميّ مزيداً من الرفعة، وذلك مذهب متّبع منذ أيام عنترة حين يقول في وصف خصمه:
ليس الكريمُ على القنا بمحرّمِ

فَشَكَكْتُ بالرّمحِ الأصمّ ثيابَهُ



وقد كادت عناية ابن منير بتصوير نور الدين ينصر الإسلام تصبح أهّم محور في قصائده، في الفاتحة وغير الفاتحة؛ يقول ابن منير مهنّئا نور الدين بما ناله من انتصارات في الأعمال الحورانيّة(48):
أديمُ الشّعريينِ لــه رغامُ
له أُهباً توزّعها العذامُ
فِئامُ ذمّ ما اقترفتْ فِئامُ
له من فوق مقسمهِ التطامُ


لقد أوطأتَ دينَ اللّه عِزّاً
دعاك وقَدْ تناوشت الرّزايا
فَقُمت بنصره والناسُ فوضى
جذبتَ بضَبعهِ من قعرِ يمٍّ




فالدّينُ قد دعا "نوره" لنصره بعد أن مزّقت المصائب أديمه، وافترق النّاس فرقاً، فقام نور الدين بتلبية الدّعوة، وجذب الدّين الغارق في بحر لجيّ تلتطم أمواجه، وهكذا تمّ إعزازه له. ومن ثمّ نجد الشّاعر يتعمّق في تصوير حال الإسلام مستخدماً صوراً مختلفة لينقل للناس الفرق بين حاله قبل ظهور نور الدين وبعده.
وغدا الشّعر يحوم حول انبعاث المثل العليا من جديد بظهور نور الدين، وقد كان ممّا سهّل على الشّاعر الإلحاح اقترانُ الصدق الشعريّ بالصدق التّاريخيّ، ولعلّنا لا نجد إجماعاً على الخصال الحميدة في بطل مجاهد كالّذي نجده لدى الشعراء الّذين يمدحون نور الدين، فهو عند ابن القيسرانيّ ذو جهادين: جهاد العدوّ وجهاد النفس(49). ومن أجمل ما لدى الشعراء في مدحه تلك المعاني الجهاديّة المولّدة الّتي اهتدوا إليها، كقول ابن القيسرانيّ أنّ نور الدين جهل الجهاد سهلاً بعد أن كان صعباً لأنّه حطّم الحاجز النّفسيّ –كما يقال اليوم- بين المحاربين وبين النصر، حيث يقول(50):
ويا طالما أمسى ومسلكُهُ وعْرُ
تَخوّفَ أنْ يعتادَهُ منهمُ فِكْرُ
ولولاك لم يهجمْ على كافرٍ كُفْرُ


رَدَدَتَ الجهادَ الصّعبَ سهلاً سبيلُهُ
وأطمعْت في الإفرنج مَنْ كان بأسُهُ
وأَقْحَمْتَ جُرْدَ الخيل أعلى حصونِها




ويجعل العماد العماد الأصفهانيّ هذا الإخلاص في الجهاد "قصّة حبّ" جديدة لا يعيشها إلاّ بطل مثل نور الدين؛ يستخلص من جحيم الحرب أماناً، ومن الحرب العوان فتوحاً بكراً. يقول(51):

أَقْسمتُ ما لكَ في البسيطة ثانِ
لك مُؤذِنٌ أبَداً بكلّ أمانِ
حربٍ لِقَمْعِ المشركينَ عَوانِ
قد سار في الآفاقِ والبلدانِ


يا واحداً في الفضل غيرَ مدافَعٍ
أحلى أمانيكَ الجهادُ وإنّه
كم بكرِ فتْحٍ ولّدْتْهُ ظُباكَ منْ
كم وقعةٍ لكَ في الفرنجِ حديثُها




ويحدّثنا أسامة بن منقذ بميزة في نور الدين انفرد بتصويرها، أعني حديثه عن أناته الّتي يحسبها الجهول إهمالاً، ولكنّها تؤتي ثمرتها المرجوّة لأنّها مؤسسّة على دراسة الاحتمالات المختلفة(52):

لاً وفيها حتْفُ الأعادي المحيقُ


ذَو أَناةٍ يَخالُها الغِرُّ إهمــا



وكثيراً ما يشبّه الممدوح بالسيف، ولكنّ تشبيه أسامة لنورالدين بالسيف فريد في قوله(53):

ليّنٌ مسّهُ وحدّ ذليقُ


هـــو مثْل الحسامِ صـَدْرٌ ثقيلٌ



وفي الجملة: كان حظّ نور الدين من ثناء الشعراء أكثر من حظ أبيه عماد الدين لأسباب مختلفة، منها أنّ ما أحرزه نور الدين من انتصارات واكبها الشعر أكثر مما أحرزه أبوه، وأنّ الخلال المتميزة في نور الدين، ـ وفي مقدّمتها السماحة والتقوى ـ كانت أقوى بروزاً لديه ممّا كانت لدى عماد الدين، فقد كان الأب يمثّل شخصية القائد العسكريّ والحاكم الحازم الّذي يبثّ الهيبة في نفوس دون أن يستهوى الأفئدة؛ وقد قضى عماد الدين شطراً كبيراً من حياته وهو يخوض المصاعب قبل أن يثبّت أركان العدالة بين الناس.

وقبل التوجّه إلى رصد الشعر في ركاب الجهاد الصلاحيّ لا بدّ من التوقّف عند عدد من التغيّرات المهمّة التي كان لها أثرها في شعر الجهاد، وفي أوّلها أنّ شاعري الشام في الدولة النُورِّية قد بارحا هذه الدنيا، وتابع المسيرة بعدهما شعراء شهد بعضهم جانباً من عصر نور الدين، وكفل عصر صلاح الدين لبعضهم مزيداً من المكانة ،منهم عماد الدين الأصفهانيّ وأسامة بن منقذ وفتيان الشاغوريّ والرشيد النابلسيّ وعبد المنعم الجليانيّ وغيرهم؛ وليس هذا مقام المفاضلة بين الفئتين ،ولا بين شاعر وآخر، ولكنّ تَذَكُّر هذه الحقيقة مهمّ في دراسة شعر الجهاد. ومن مظاهر التغيّر الأخرى اختلاف صورة البطل؛ إذ مهما يكن التقارب بين شخصيتيّ نور الدين وصلاح الدين، فإنّه لا بدّ أن تظلّ بينهما فروق واضحة، تسترعي انتباه الشعراء الّذين عاصروا الاثنين؛ كذلك فإنّ انتصارات صلاح الدّين كانت أكبر وأكثف، على الرّغم من التسليم بأنها مؤسّسة على التّمهيدات التي يسّرها جهاد نور الدين، وقد تحقّق على يد صلاح الدين الغاية الكبرى التي كان شعراء نور الدين (وصلاح الدين) يستشرفونها وهي فتح القدس، وتحقيق تلك الأمنيّة الّتي طال انتطارها له أثره الكبير في مشاعر المسلمين وفي شعر شعرائهم، (أو هذا هو الشيء المتوقع).

ولعلّ التجربة الأولى لصلاح الدين مع الصّليبيّين بدأت حين نزلوا على دمياط وحاصروها(565/1169)، فاستصرخَ نورَ الدين فجهّز العساكر أرسالاً، واستطاع المسلمون أن يضطرّوهم للرّحيل عنها(54)، وفي هذه المناسبة قال العماد الأصفهانيّ قصيدة له مطلعها(55):

ومِنْ قُدودِ الحِسانِ أَهْيَفُها


يَروقُني في المَها مُهَفْهَفُهَا



وَوَصَفَ فتيان الشاغوريّ الحال في قصيدة له أوّلها(56):

فواتك فينا وَهْيَ للسّحرِ بابلُ


َلأَجفانُكِ المَرضى الصحّاحُ القواتِلُ



وكانت تجربته الثانية حين هاجم ربض غزة (566/1170)، وأفلت حينئذ ملك الفرنجة بعد أن أشرف على الأسر(57)؛ فلمّا قفل من غزوته هذه أنشده عبد المنعم الجليانيّ قصيدة أوّلها(58):

تِلك العزيمةُ منها هذه الأثرُ



العَزْمُ يَنْفُذُ ليسَ البِيْضُ والسّمُرُ




وتحدّث سعادة الأعمى عن هذه الغارة في قصيدة مطلعهــا(59):

وقوفَ جـَوٍ أنـْحى عـلى قُربهِ الشـّحْطُ



وقفتُ وأنضاءُ المَطِيّ ضُحىً تَمْطو




وتلي ذلك كسرة الرملة(573/1177)(60 )، وكان مقدّم الفرنجة أرْناط، وقد أبلى فيها الملك المظفر تقيّ الدين عمر بلاء حسنا، فمدحه العماد الأصفهانيّ واعتذر عن تلك الكسرة(61)، كما أنّ ابن سعدان الحلبيّ مدح صلاح الدين وتعرضّ لذكر كسرة الرملة مهونّاً عليه ذلك في قصيدة منها(62 ):

باتتْ تُقَلُّ بوكّافٍ من الأسَلِ



قرّبْتَ من عسقلانٍ كلّ نائبة




ومنهم سعادة الأعمى ومطلع قصيدتة(63):

وَسِرْتَ فكنتَ الشّمريّ المؤيّدا



حَلَلْتَ فكنتَ الألمعيّ المسدّدا




وابن نفادة ولم يبق من قصيدته إلاّ قوله(64 ):

وقَدْ آنَ تكسيرُ صُلبانها
لما عَمَرَتْ بَيْتَ أحزانِها



هلاكُ الفِرْنجِ أتى عاجلاً
ولوْ لمْ يكنْ قد دنا حتفُها




وقد كانت سنة (583/1187) سنة الفتوحات الإسلاميّة، وكان أوّل هذه الفتوحات هو استرداد طبّرية(65). وقد قال ابن الساعاتيّ في هذه الموقعة قصيدة، مطلعهــا(66):

فَقَدْ قرَّتْ عيون المسلمينا



جَـلَتْ عزماتُك الفَتح المبينا




وبعد هذه الموقعة التجأ الفرنجة إلى" تلّ حطين " فالتقاهم المسلمون هناك وهزموهم، ثمّ تطلّع صلاح الدين إلى السواحل الشاميّة؛ ففتح عكا وصيدا وبيروت وتبين ويافا وأرسوف وغزة وعسقلان. وبعد هذه المعارك المظفّرة نهض صلاح الدين إلى "بيت المقدس" فـاستنقذه(67).

رصد الشعراء هذه الانتصارات (68)، إلاّ أنّهم لم يكونوا يخصّصون لكلّ فتح قصيدة ،إذ تغنّوا في بعض قصائدهم بعدد منها، فجاءت قصائدهم هذه معرضاً للانتصارات الإسلامّية التي حققّها صلاح الدين خلال سنة 583هـ، مع التركيز على الفتح القدسيّ بصورة خاصّة.

وإذا كان فتح القدس ذروة الانتصارات التاريّخية، فهل كان ذروة شعر الجهاد أيضاً؟ قبل أنْ أجيب عن هذا السؤال لا بدّ من أنّ أقرّر أنّ الشعر الشاميّ وحده ـ وهو موضوع الدراسة ـ لا يعطي إلاّ صورة جزئيّة عن المستوى الشعريّ للقصائد التي قيلت في تخليد تلك الحادثة، فقد شارك فيها شعراء من أقطار مختلفة منهم ابن سناء الملك، وفخر الكتّاب الحسن بن علي الجوينيّ والشّريف النسّابة محمد بن أسعد الحلبيّ المعروف بالجوّانيّ نقيب الأشراف بالدّيار المصرّية، ويعقوب بن شجاع بن علي أبو شجاع الموصليّ، وابن جبير الرحالة الأندلسيّ. وبعض الشعر قد يتّفرد بدقائق لم ينفذ إليها الشعر الشاميّ، مثل قول الشريف الجوّاني(69):

هو في القيامة للأنام المحشرُ
ماذا يُقال لهُ وماذا يُذْكَرُ
فاروقُها عمرُ الإمام الأطْهَرُ
ولأنْتَ في نصر النبوّة حَيْدَرُ



فُتِحَ الشآمُ وطهّرَ القدسُ الّذي
مَنْ كانَ هذا فتُحه لمحمّد
يا يوسفُ الصدّيق أَََنْتَ لفتحِها
ولأنْتَ عثمانُ الشَّريعة بعدَه




فقد استغلّ هذا الشاعر عناصر كثيرة، فاقتران يوسف بالصديق وبعمر قد يقرّه له غيره من الشعراء. ولكنّ اقتران يوسف بعثمان وبحيدر "علّي" أمر لا يشاركه فيه كثيرون.

وإذا أضيف إلى الشعراء هؤلاء ما قاله شعراء الشام: العماد وله أربع قصائد في ذكر الفتح، وابن الساعاتيّ وله ثلاث قصائد، والرّشيد النابلسيّ وله قصيدتان، وفتيان الشاغوريّ وله قصيدة طويلة في مائة بيت وبيت؛ توافر لدينا محصول من الشعر غزير لا بدّ أن يؤخذ جملة إذا أردنا رسم صورة كاملة لأهمية ذلك الفتح. وعودة إلى ذلك السؤال الذي طرح من قبل: إن كنّا نريد بالذروة منتهى الجودة التي بلغها الشعر فهذا ما لا سبيل إلى تبيانه، لأنّ أكثر الشعراء الذين تغّنوا بفتح القدس هم الشعراء أنفسهم الذين تغّنوا بالأحداث السابقة لذلك الفتح وبعضهم شهد عصر نور الدين. أمّا إذا عنينا بالذروة المغالاة في قيمة الرموز: أبطالاً كانوا أو غير ذلك، فلعلّ مجموع ما قيل في القدس يمثّل هذا على نحو واضح، فمثلا نحن نعلّم أنّ العماد لا يتحرّج من الغلوّ في شعره ولكنّه حين يقول في صلاح الدين :

وأشرفَ من أضحى وأكرمَ من أَمْسى
ولسنا نرى إلاّ أناملهُ الخمَسْا
وبطشتُه الكبرى وعزمتُه القَعْسا
عداتُك جنَّ الأرض في الفتك لا الإنسا
فأنت الّذي من دونهمْ فَتَحَ القدْسَا
فلا عدِمَتْ أخلاقُك الطُّهرَ والقُدسا



رأيت صلاحَ الدّين أفضل من غدا
وقيلَ لنا في الأرض سبعةُ أبحرٍ
سجيتّه الحسنى وشيمتهُ الرّضى
جنودُك أملاكُ السّماءِ وظنّهمْ
فلا يستحقّ القدسَ غيرُكَ في الورى
ومنْ قَبْلَ فتحِ القدسِ كنتَ مقدّساً




حين يقول العماد في هذه الأبيات، يخيّل إلينا أنّ ما نسميّه غُلُوّاً لم يعد كذلك، لأنّ هذا " الغلوّ" اقترن بصلاح الدين، وجاء في الشعر سجيحاً لا تعنّت فيه ولا تكلّف؛ ولكنّه على الرّغم من ذلك قد رفع البطل إلى درجة التقّديس، وهي صفة تستهجن لو أطلقت على غير هذا "البطل".

ويحاول فتيان الشاغوريّ بلوغ هذا المستوى الذي جاء به العماد حين يقول(71):

ـعلماء قِدْماً في قديم الأعْصُرِ
تُخْفِقْ مساعيه وَيَكبُ ويَعْثُرِ
أعلى وأغلى قيمةً من سِنْجرِ
في عسكرٍ أفتك بهِ من عسكرِ!
ذُلاًّ أحاط به وقاسر قيصرِ
جَيْشُ الهرَقْلِ وعزمةُ الإسْكَنْدَرِ













ربّ الملاحم لم يؤرِّخْ مثلَها الــــ
مَنْ رَامَ مِنْ كلّ الملوكِ مَرامَه
مَنْ سِنْجرٌ وأقلُّ مملوكٍ لهُ
يغزو الملوكَ الرّعبُ قبل مسيره
هوَ كاسرٍ كِسْرى ومتبعُ تُبّعٍ
فَلِجَيْشِهِ وَلِعَزْمِهِ مُتضائِلٌ






وهكذا يستعين فتيان بالعظمة التاريّخية ليقارن بها عظمة صلاح الدين فيستذكر كسرى وتبّعاً وقيصر، ويشفع أولئك بهرقل والإسكندر، وهو يحاول تقريب صورة الرّجل العظيم، حين يذكر أنه كان ينصره بالرّعب، مثلما كان يُنصر الرّسول الكريم عليه السّلام، وكلّ هذا يشبه أن يكون بحثاً لتقريب ما يحسّه الشاعر معجزاً، لا يخضع لتقريب أو تعليل؛ وقد عبّر ابن الساعاتيّ عن هذا الإعجاز في قصيدة له قدسيّة، يقول فيها مخاطباً صلاح الدين(72):

تَأنَ فقدْ أعْثَرتَ مِنْ خلفكَ الفهما
فَهَلْ يقظةٌ كانت مساعيك أو حُلما



أمُرْتَجِلَ الإعجازَ والخَطْبُ خاطبٌ
تجاوزتَ ما أعْيا [الخيالَ] منالُهُ




وإلى هذا المعنى ينحو الرشيد النابلسيّ بقوله(73):

في سالف الدّهر أخبارٌ ولا سيرُ



بِمِثل ذا الفَتْح لا واللّه ما حٌكَيتِْ




وتستحقّ قصيدة الرّشيد النّابلسيّ هذه أن نتوقّف عندها لتنوّع العناصر الفنيّة فيها؛ فقد استهلها بإعلان فرحته بالفتح القدسيّ، حيث قال:

فلْيوفِ لله أقوامٌ بما نذروا



هذا الذي كانتْ الآمالُ تَنتظرُ




وهذه الفاتحة تؤازرها عدّة أبيات تتحدّث عن قيمة هذا النصر المعجز الّذي لا يخضع للتّقريب أو التّعليل:

وصفٌ وإن نظم المدَّاح أو نثروا
وإنْ تعاظمَ منه الخُبْرُ والخَبَرُ



تجلّ علياه عن مدحٍ يحيط به
لا تروينْ لفتوحٍ بعدها قصصاً




وتتّجه القصيدة بعد ذلك إلى تصوير تصارع الأحداث، ودور البطل فيها والجهود التي بذلها في قتال الأعداء "بنفس حانٍ على الإسلام"، وانقضاضه عليهم وفتكه بهم، لينفرج هذا الصّراع في النصّ عن تحرير المدينة المقدسة وظهور صورتهـا وقد عادت عناصر الجمال إليها، حيث يقول:

الآنَ طابَ إلى البيت المقدّس كالبيــــــت المحــــــرّم إحرامُ ومعتمــرُ
إيمان من بعد طيّ وهو منتشرُ
بعدَ الصليب به الآياتُ والسورُ
وبين ذي منطقٍ يُصغي له الحجرُ
شُمّ الذّرى وتكاد الأرضُ تنفطرُ



يا بهجةَ القدسِ إذْ أضحى به علمُ الـ
يا نورَ مسجدهِ الأقصى وقد رُفعت
شتاّن ما بين ناقوسٍ يُدان به
الله أكبرُ صوتٌ تقشعرّ له




وهذا نسقٌ جميل لما فيه من أساليب انفعاليّة تعبّر عن حبور الشَّاعر باستردّاد المدينة المقدّسة. والصّورة الدينيّة الّتي يرسمها الشّاعر للمدينة تكبر وتتّسع على امتداد الأبيات، وهي على جانب كبير من قوة الإيحاء، حيث امتزجت فيها الأشكال والألوان والأصوات في أشكالٍ حيّة مؤثّرة، فبدا كلُّ ما في المدينة جميلاً مشرقاً. وتصل عناصر الجمال إلى قمّتها حين تتمثّل القدس في صورة (جنّة الفردوس) التي خطبها صلاح الدّين وبذل الخيل مهراً لها:

أجرَ الجيادِ لنعمَ الصّهرُ والمهرُ



يا خاطباً جنّةَ الفردوسِ ممهرها




فأمّا الأحداث بعد فتح القدس فلم تستأثر بشعر كثير، لا لأنّه من الصّعب أن تكون بعد الذّروة ذروة مقاربة، ولكن لأنّ النتائج التي تمخّضت عن الحملة الصّليبية الثالثة لم تكن في جميع الأحوال إيجابيّة. وقد وصف عبد المنعم الجليانيّ توافد هؤلاء الصّليبيّين على الدّيار المقّدسة بقوله(74):
لينصرَ القبْرَ والأقدارُ تخذلُهُ
إلى الخوامِعِ ألقاه ترحّلهُ
وكلّما لجّ صدماً جلّ مقتلهُ



فكم مليكٍ لهُمْ شقّ البحارَ سرَى
وكم ترحَّل منهمْ فيلقٌ بِفَلا
هُمُ الفراشُ لهيبُ الحربِ يَصْرَعَهُ





ويذكر ابن المجاورـ وهو شاعر مصريّ ـ ملك إنجلترا ريكاردوس قلب الأسد أحد المشاركين في الحملة الثالثة، ساخرا متوعداً بقوله(75):

عَنْكَ الجنونَ وَخُذْ مقالهُ مُنْصِفِ
كلاّ ولا نورُ الإلهِ بمنطفِ
وَقْعَ الدبابيس الأليمة تعرفِ
واترك متابعةَ الّلجاجِ المتلفِ



يا صاحِ قلّ للإنكتير الكَلْبِ دَعْ
القدسُ ما فيه لسرجكَ مَطْمَعٌ
والمسجدُ الأقصى فعنه تَقَصّ مِنْ
واسْتَفْتِ نَفْسَكَ فَهي أخبثُ ناصحٍ






ويذكر ابن الساعاتيّ أيضا ملك الأنكتار (الأنكليز) في إحدى مدائحه في صلاح الدين، فيقول (76):

خفقانِه ما شئتَ من أنبائهِ
ولسال سيلُ نداه في بطحائِهِ
لترنّم الناقوس في أفنائهِ



سَلْ عنه قلبَ الأنكتير فإنّ في
لولاك أمّ البيت غيرَ مدافعٍ
وبكتْ جفونُ القدسِ ثانيةً دماً



فابن الساعاتيّ لا يستخدم السّخرية كما فعل ابن المجاور، وإنّما يَسْتشفّ من الحملة الضارية التي قام بها ملوك الفرنجة أنّه لولا صلاح الدين، لما نجا البيت وبطحاؤه من الصّليبيّين، ولعادت القدس كما كانت قبل صلاح الدين، والفرق بين ابن المجاور وابن الساعاتيّ لا يتمّثل في مدى تمثّل الخطر المحدق وحسب، بل لعلّه ـوهذا هو الأهم ـ يتمّثل في أنّ ابن الساعاتيّ شاعر قادر على تطويع العبارة، وابن المجاور قادر على الشعر الركيك وحسب.

****

ثانياً-دور الشّعر في المواجهة:

أ- الدّعوة إلى الجهاد:

ارتبط نظر الشاعر في شعر الجهاد دائما بالمستقبل فإذا تّمت خطوة رتّب عليها خطوات أخرى لا بد من تحقيقها، لذلك لهجت ألسنة الشعراء بالدعوة إلى مواصلة الجهاد إثر كل انتصار يحرزه المسلمون. وكان الحديث عن فتح القدس مستقبلاً ديدن كلّ شاعر، من ذلك قول ابن منير يخاطب عماد الدين زنكي(77):

كلكلٌ يدرُسها دَرْسَ الدّرين


وغداً يُلقَى على القُدسِ لهـــا




وينظر ابن القيسرانيّ ،بعد معركة إنّب ،إلى المستقبل من خلال ثقته بعزيمة نور الدّين بتفاؤل وأمل كبيرين، فيمّثل له دخوله عرصات المسجد الأقصى مجاهداً، فيستنقذه، ثّم يتوجّه إلى استرداد السواحـــل(78):

وأَقصاه بالأقصى وقد قُضي الأمرُ
وليس سوى جاري الدّماء له طُهرُ
فلا عُهدةٌ في عنْق سيفٍ ولا نَذْرُ
مساجِدُها شَفعٌ وساجدُ ها وَتْـرُ
فلا عجبٌ أن يَملكَ الساحلُ البَحْرُ


كأنّي بهذا "العزم" لا فُلّ حـدُّه
وقد أصبح البيتُ المقّدسُ طاهراً
وقد أدّت البيضُ الحدادُ فروضَها
وَصَلّت بمعراجِ النبّي صوارمٌ
وإنْ يَتَيمّمْ ساحلَ البحرِ مــــــا لكاً



وَكَبُرَت المسؤوليّة التي يحمّلها الشعر لوليّ الأمر-في الجهاد- بعد أن انتظم شمل مصر والشام معاً، ولهذا يقول ابن عساكر لنور الدّين(79) :

أًَصَبحت تَملكُ من مصر ٍإلى حلبِ
لما تريد فبادرْ فُجْــــأة النّوَبِ
من النّجاسات والإشراكِ والصُّلُبِ


وَلَستَ تُعذرُ في تركِ الجهاد وقد
وصاحبُ الموصل الفيحاء ممتَثـــلٌ
وطهّرِ المسجدَ الأقصى وَحَوْزَتَهُ




وللعماد موقف مشابه إذ يرى أن ساعة حطم الصّليب قد دنت بتوحيد مصر والشام(80):

واحْطمْ جموعَهمُ بالذّابلِ الحَطِمِ
على البُغاث وثوبَ الأجدل القَطَمِ
في عقد عّزِ على الإسلامِ منتظمِ


اُغْزُ الفرنجَ فهذا وقت غزوهمُ
وطَهّر القُدس َمِن رِجس الصّليب وَثِبْ
فَملكُ مصر وملك الشام قَد نُظمـا




وقدّ خُصِّص للحثّ على الجهاد أشعار مستقلة، منها "الدوبيتات" الـتي نظمها العماد بطلب من نور الدين، ولعلّها كانت تشبه الأناشيد الجماعيّة في أيّامنا، ومن أمثلتــها(81):

سيفي طرباً إلى الطُّلى يهتزُّ
والقدرةُ في غير جهادٍ عجزُ


لا راحةَ ليْ في العيش سوى أَن أغزو
في ذلّ ذوي الكفر يكون العـزُّ




وعندما حمل صلاح الدّين راية الجهاد كثر إلحاح الشعراء عليه، وتحريضهم إيّاه على القتال وتطهير المسجد الأقصى، وَضَرَبَ العماد الأصفهانيّ بسهم وافر في ذلك؛ فلم يدع مناسبة تمّر دون أن يستحّث فيها صلاح الدّين على تحرير الأرض المحتلّة. من ذلك الأبيات التّالية الّتي يحرّضه فيها على تقتيل الصليبيّين، والفتك بهم، وتطهير القُدسِ من أوضارِهمْ، وتخليص البلاد الإسلامية منهم(82):

دماءً مَتَى تُجْرِها ينظَفِ
وهدّ السقوفَ على الأسقفِ
يُخَلّصكَ الَّلهُ في الموقفِ


فَسِرْ إلى القدسِ واسْفكْ بهِ
وأَهْدَ إلى الإسبتارِ البتارَ
وخلّصْ من الكفر تلك البلادَ




واستثارة لمشاعر صلاح الدّين، فقد صوّر له تقيّ الدّين عمر، صاحب حماة، القدسَ "عروساً"تُزَفُّ إلى من يخلّصها من الأعداء، ويصون شرفها، ويفتكّ أسرها، وذلك إذ يقول(83):

يا كُفْأَها ما العُذْرُ عن عذرائِها
بِكراً، ملوكُ الأرض من رُقَـبائِها
عَنْ نَيْلها أَنْ ليْسَ مِنْ أكفائِها


جَاءَتْكَ أرضُ القدسِ تخطبُ ناكحاً
إيهٍ صلاحَ الدّين خُذْها غادةً
كمْ خاطبٍ لجمالِها قَدْ ردّهُ




ونذر عبدالمنعم الجليلني أكثر قدسّياته للتبشير بفتح القدس، وبقرب يوم النصر، وتأخذ بعض أشعاره منحى النبوءات ،مثل قوله(84):

من باب عكّا إلى طرطوس تَـنْتشرُ
مع المجوس حروبٌ قَدْحُها سَعِرُ
وبعضهمْ رومةُ الكُبرى له وَطَرُ


أبو المظّفرِ ينويها فخذ سُفناً
يسبي فرنجةَ مِنْ أقطارها ولهُ
وبُعض أبنائِه بالقدسِ منتدَبٌ




ولّما فتحت القدس لم يسكت الشعراء عن استشراف المستقبل، بل وجّهـــوا أنظار صلاح الدين إلى أنّ عليه فتح صور وصيدا وغيرهما من بلاد الساحل. فقد دعا العماد الأصفهانيّ مثلا إلى إنهاء الاحتلال الصليبيّ لبلاد الشام كافّة، وأن لا يبقي أحداً منهم فيهــــا(85):

صورٍ ،فإن فُتحت فاقصد طرابُلسا
وابعث إلى ليل أنطـــــاكيّة العسسا
مِنَ العداة ومَنْ في دينه وكِسـا


مِن بعد فَتحِك بيتَ القدس ليس سوى
َأثِرْ على يوم أنْطرطوسَ ذا لجبٍ
وأخلِ ساحلَ َ هذا الشامِ أجمعــهُ




واستمّر الشّعراء في التحريض على الجهاد بعد عصر صلاح الدّين، داعين القادة المسلمين إلى الانتقام من الأعداء، والفتك بهم، وتحرير ما تبقّى من الأرض في أيديهم. من ذلك قول ابن عُقيل الزرعيّ مخاطباً الملك المعظّم عيسى بعد فتحه بانياس(86):

وأضرموا قبساً ،فابعثْ لهمْ شُهُبَا
وأضرموا النّار، فاجعلهمْ لها حطبا
جاروا، فلا تَرْعَ مِنْ أسبابهمْ سَبَبا


هُمْ شيّدوا باطلاً فاهدمْ قواعدَهمْ
وفرّقوا السَّهْمَ، فاجْعَلْهمْ له غرضاً
قَدْ كنْتَ ترعى لهمْ حقّ الجوار وقد




ب- التّحذير من الخطر الصّليبيّ:ّ
وممّا يرتبط بالدّعوة للجهاد وحثّ المسلمين على مواجهة الغزاة التّحذير من الخطر الّذي يمثّله الوجود الصّليبيّ على الإسلام: عقيدة وإنساناً وأرضاً. فقد دقّ ابن الخيّاط الدمشقيّ ناقوس الخطر في قصيدة قالها يمدح عضب الدّولة أمير الجيوش في دمشق، وصوّر الخطورة الّتي يمثّلها الفرنجة على المسلمين، والحقد الّذي يملأ قلوبهم عاى الإسلام وأهله(87):
وهَزْلاً وقد أصبح الأمرُ جدّا
وَتَرْتُمْ فَأَسْهَرْتُموهنّ حقدا
لديهِ الضّغائنُ بالكفرِ تُحْدا
ولا يتركون مع الجَوْرِ قصْدا
أنَوْماً على مثْل هَدّ الصّفاة
وكيف تنامون عن أعينٍ
وشَرُّ الضّغائنِ ما أقْبَلَتْ
بنو الشّرك لا يُنكرونَ الفسادَ



وكان ابن القيسرانيّ على وعي تامٍّ بالعداوة المتأصّلة في نفوس حملة الصّليب على الإسلام وأهله، فصوّر تحفّزهم على قتل المسلمين وامتلاك أموالهم عندما غزوا دمشق سنة 523/1129(88):
قتلاً، ويغْتَنِموا الأموالَ فاغتُنِمُوا
سَروا لييَنتهبوا الأعمارَ فانتُهبوا



ووجّه ابن قسيم الحمويّ الأنظار إلى أطماع ملك الروم في امتلاك بلاد الشّام كلّها عندما هاجم شيزر، وحاول احتلال حماة سنة 532/1138(89):
حماةً، وما يسطو على الأسد الكلبُ
وقد غُلِبَتْ عنه الضراغمةُ الغُلْبُ
وما جَاءَ ملْك الرّوم إلا ليحتوي
أراد بها أنْ يملكَ الشّام عنوةً



ويصوّر ابن منير الطرابلسيّ خطورة هؤلاء الغزاة الوافديّن على جماعة المسلمين، حتى كادت البلاد تخلو من أهلها لولا دفاع نور الدّين عنها(90):
لمْ تَلْقَ في أقطارهِ مُسْلما
لو لمْ يقمْ مُنْصَلِتاً دونَه



وإيماناً من ابن منير بوحدة الأرض الإسلامية، لم ينفكّ عن تبصير المسلمين بأنّ هذا العدوّ سيدهم العراق، وأنهّ يشكلّ خطراً على الديار الحجازيّة(91):
وأُقْعِدَ الفائزُ مِنْ قوّامِها
يقصرُ باعُ الدَّهر عن فطامِها
منْ أهله الأشرفُ من مَقَامِها
لو لمْ يَكُنْ دون مِنىً فات المُنى
وامْتَكّ ماءَ مكّةٍ رَواَضعٌ
وصارَ كالجمرِ الجمارُ وخلا




وصدقت توقّعات ابن منير، فقد طمع الغزاةُ في غزو الديار المقدّسة، وعقدوا العزم على قصد المسجد النبويّ الشريف، إلا أن ّوقوف صلاح الدين في وجوههم، وتصّديه لهم قد وضع حدّاً لأطماعهم، وفي ذلك يقول ابن السّاعاتيّ(92):
وأسالَ سَيْل نداه في بطحائهِ
لولاكَ أمَّ البيتَ غيرَ مُدافعٍ



وقد عبّر عبد المنعم الجليانيّ تعبيراً صريحاً عمّا كان يضطرم في نفوس الغزاة من كراهية شديدة للمسلمين ،حتّى إنّهم طمعوا في أسرهم وسبيهم، فاصطحبوا معهم التّجّار ليبيعوهم في أسواق النّخاسة، كما صوّر الشّاعر مطامعهم الّتي لا حدود لها في امتلاك الديار الإسلاميّة،وانتهاب خيراتها، وذلك إذ يقول(93):
فسقناهمُ فيها قطيناً مجدَّدا
أتَوْا بحبالٍ أُبْرَمتْ لإِسارِنا


فَبْعناهمُ بالرّخْصِ جَهْراً على النّدا
وَسَاموا تِجاراً تشترينا غوالياً


فَأُودِعَ سجناً وسْطَ جلّق مؤصَدا
وقد أُقطعَ الكندُ العراقَ موقّعاً


فما وَرَدَ الأردنَّ إلاّ مُصَفَّدا
وأَقْسَم أنْ يَسقيْ بدِجِلة خَيْلَه



****

جـ- الدّعوة إلى الأخذ بأسباب القوّة والوحدة:

أدرك الشّعراء الشّاميّون أنّ ضعف المسلمين وتفرّقهم كان هو الباب الّذي ولج منه الغزاة إلى ديار الإسلام، ومن ثمّ تعالت دعواتهم إلى الأخذ بأسباب القوّة والوحدة، إيماناً منهم بأنّ ذلك هو السبيل الوحيد لصدّ المعتدين، وتحرير البلاد منهم. وقد اتّخذت هذه الدّعوات مظاهر شتّى ،منها استهلال القصائد الجهاديّة بمطالع تمّجد القّوة ،وتتغنّى بها. فعندما فتح عماد الدّين زنكي الرّها سنة 539/1144 مدحه ابن القيسرانيّ بقصيدة افتتتحها ببيتٍٍِ مجّد فيه الاحتكام إلى السّيف في مقارعة الأعداء، وتأسيس الدّول(94):

وهل طوّق الإملاك إلاّ نجادُهُ


هو السّيف لا يغنيك إلاّ جلادُهُ




ويستوحي فتيان الشّاغوريّ أجواء الانتصارات الّتي أحرزها المسلمون بقيادة صلاح الدّين سنة 583/1187، فيستهلّ قصيدة قالها في تلك المناسبة بمطلع يوحي بشعور الغلبة، وبالأيمان بالقّة سبيلاً إلى بناء الممالك واحتيازها(95):

والبيض تلمعُ في العجاج الأكدَرِ


تٌبنى الممالكُ بالوَشيج الأسمرِ




ورصد الشّعر الجهود الّتي بذلها نورالدّين لتوحيد بلاد الشّام(96)، وعبّر عن ابتهاج الأمّة بانضواء هذه البلاد تحت لوائه، وكيف أنّ مبدأ الوحدة صار محور الآمال العامّة للنّاس. وكان من بعد نظر نورالدّين أن ترك للشعراء يتغنّون بالوحدة، ويجمعون قلوب الشعب حولها حتّى تخرس أصوات الشعراء كلَّ نغمة(فئويّة) تناصر الحكّام المحلّيين؛ فعندما دخل سنجار والرّحبة والأعمال الفراتيّة من أخيه قطب الدّين مودود صوّر ابن القيسرانيّ ترحيب الدّيار الّتي استولى عليه نورالدّين به، فسنجار سعيدة به حتّى تمنّت كلّ مدينة أنّها سنجار، والفرات مرحّب به، ورحبة مالك تبرّجت له لابسة حلل الربيع ونشرت على نور الدّين هوى القلوب محبّة(97):

إلاّ تمنّى أنّها سنجارُ
والبحرُ ما اتّصَلتْ به الأنهارُ
منها لعينكَ كاعبٌ مِعْطارُ
قبلَ الرّبيعِ شقائقٌ وبَهارُ
وتوَدّ لو أنّ النّجومّ نِثارُ


وَملكتَ سنجاراً وما مِن بلدةٍ
وَثنى الفراتُ إلى يديك عِنانَهُ
وملكتَ رحبةَ مالكٍ فَتَبَرَّجتْ
جاءتْكَ في حُلَلِ الرّبيع وحَلْيها
نَثَرَتْ عليك هوى القلوب محبّةً




وهذه الاستجابة التلقائيّة تمثّل تسارع المدن إلى الوحدة الكبرى، وتصوّر محبّة نورالدّين الّتي أُلقيت في القلوب بما لا يجاوز ما كان عليه الحال في الواقع، كما عبّر عن ذلك ابن القيسرانيّ في قوله(98):

ولا صدْرَ إلاّ قد جلاهُ لكَ النُّصْحُ
وَمنْ فاتَهُ حَمْدُ الورى فاتَهُ الرّبْحُ


فَلا قلبَ إلاّ قد تملّكْتَهُ هوىً
وما الجودُ في الأملاكِ إلاّ تجارةٌ




وعلى الرّغم من ماديّة الصّورة في البيتين السّابقين فقد جاء الشاعر بها محكمة، مشيراً إلى مكارم نورالدّين في إغاثة المحتاجين، ولكنّ الشّاعر حين يرسم معنى وقوف أهل حلب ودمشق يداً واحدة فإنّه يرتفع بالتّصوير إلى مستوى معنويّ سامٍ:

فلا مهْمَهٌ يحْوي الضّلالَ وَلا سَفْحُ


متى الْتَفَّ نَقْعُ الجحفلينِ على الهُدى




وقد أخذ الشعراء الشّاميّون يقارنون بين أحوال بلاد الشّام، وهي ضعيفة مفكّكة، وأحوالها بعد أن تحّصنت بالقّوة، ويوجّهون أنظار الأمّة إلى المكاسب الّتي تحقّقت لهم جرّاء الأخذ بأسباب القوّة. فحين أشاد أبو المرهف النمري ّسنة 588/1192 بصلاح الدين، رسم صورة زاهية لما آلت إليه الشّام بعد أن تولّى هذا القائد أمرها، وشد عراها، وحصّن نواحيها(99):

ونال المنى سكّانُهُ والمؤمَّــــلا
وأَخْصَبتَ منه كلَّ ما كان أَمحـلا
كأنّ له فوق المجرّة مُعتلى
وحصَّنْتَ منه كلّ ما كان مُهمـلا


ولّما ملكتَ الشّام عزّت ربوعه
أَزَلْتَ به التّكديرَ من كلّ موردٍ
وأضحى بك الإسلاُم عزَّةَ جانبٍ
شَدَدْتَ عراه بعد طول انفصامها



غير أنّ الشّعراء الشّاميّين رأوا أنّ هذه القوّة لا تُستكمل بغير الوحدة الجامعة بين أنحاء بلاد الشام وغيرها من البلاد الإسلاميّة، لذلك لم يفتأوا يحثوّن الأمّة على ضمّ صفوفها، وحشد قواها لمواجهة العدوّ المشترك. فقد أدرك طلائع بن رزّيك بحسّه اليقظ خطورة العدوّ المشترك، فأخذ يكاتب أسامة بن منقذ متطلّعاً إلى التعاون مع نورالدّين لمواجهة الغزو الصّليبيّ، وأسامة يردّ عليه بحقيقة اعتزام نور الدّين على الجهاد، وأنّه يستحقّ أن يشدّ بودّه يديه(100):

الدّين، والْقَ َبهِ الرّجالا
د الشّام جمعاً أنْ تُذالا


واشْدُدْ يَديْك بودّ نـــــور
فهْوَ المحامي عنْ بلا




وقد حثّ العرقلة الكلبيّ (– 567\1172 ) نور الدّين على قصد مصر، ولم ير أنّ ثمةّ مجالا للتباطؤ عنها(101):

وقد جاءتكمُ مصرٌ تَهادَى
يصيدُ المعتدين ولنْ يُصادا
وراءَ لوائهِ تَلْقَوا رشادا


إلى كمْ ذا التّواني في دمشقٍ
عروسٌ بعلُها أسدٌ هصورٌ
ألا يا معشرَ الأجنادِ سِيروا




غير أنّ نورالدّين أحجم عن التعاون مع ابن رزّيك، ولو تساءلنا عن علّة ذلك لوجدنا أسباباً كثيرة من أهمّها تقدير نورالدّين –في الأرجح- أنّه لم يحرز الاستعداد الكافي؛ ثمّ إنّ نورّالدين تابع للخلافة العبّاسيّة، وَرَبْطُ مصر والشام في عمل مشترك قد يسيء إلى الخلافة العبّاسيّة، ونور الدّين مناوئ للإسماعيليّة، ولذلك فإنّ التعاون بينه وبين الفواطم سيكون آنيّاً، محدود الفائدة، لأنّ الفريقين لا يوجد بينهما شيء بعد التخلّص من العدوّ المشترك.

ولكنّ سياسة نورالدّين تغيّرت بعد مصرع أبي الغارات، فأخذ يسعى إلى الاستيلاء علي مصر، وإسقاط الفاطميّين، فأرسل لهذه الغاية عدّة حملات، وقد واكب الشعر الشّاميّ تلك الحملات، وعبّر عن ابتهاج الأمّة بهذه الوحدة الجامعة، على شاكلة قول العماد الأصفهانيّ(102):

في عقد عزّ من الإسلام منتظمِ
وعاوَدَتْ دولة الإحسان والكـــــرمِِ


فَمُلْكُ مصرَ وَمُلْكُ الشّامِ قد نُظِما
والسنّةَُ اتَّسَقتْ ، والبدعةُ انمحقتْ




ولما دبّ الشقاق بين أفراد البيت الأيّوبيّ ،واستحكمت الوحشة بينهم بعد وفاة صلاح الدّين، نهض الشّعراء الشّاميّون يدعون إلى نبذ الخلاف، ومن هؤلاء الرّشيد النّابلسيّ الذي قال قصيدة ذكر فيها ما جرى بينهم، وَرَبَأَ بهم أن ينقسموا على أنفسهم، وأن تتفرّق كلمتهم هذا التّفرّق المنكر(103) :

ين حالٌ معذوقةٌ بفسادِ
ــزّهرَ يُدعى لشَملها ببدادِ
خُلقُها عن خلائق الآسادِ
ـهُ البرايــا وأيمّا أولادِ


لم يكنْ لائقاً بِنَجْلِ صلاح الــدّ
حاشَ لِله ما عَهِدْنا النّجومَ الــ
أرأيتَ الأشبالَ يخرجُ يوماً
أيّما والدٍ به رحمَ اللّـــ




ويستجيش الرّشيد النابلسيّ مشاعر بني أيّوب، فيذكّرهم بوشائج القربي، مضمّناً ذلك دعوة قوية إلى نبذ الخلاف، وتسخير قوّتهم لجهاد الأعداء:

إنْ جنَحتُم لرقّة الأكبادِ
ليْس تَمْضَى السّيوفُ في الأغمادِ
ـيا بذبٍّ عن الهُدى وَذِيَادِ


آلَ أيّوبَ طالَ باعُ المعالي
جَرِّدوها عزائماً قاطعاتٍ
لا تَـنَوا في رعاية الدّين والدُّنـــ




وقصيدة الرّشيد النّابلسيّ تمثّل حرصه على وحدة الجماعة الإسلاميّة، وإخلاصه لها تمثيلاً صادقاً، ولكنّ هذا الصوتّ قد ضاع في غمار الخلافات التي استطار شرّها بين ذوي القربى.

****

د- الحرب النفسيّة:

وقد تـنبّه الشّعراء إلى ما قد يسمّى اليوم" الحرب النّفسيّة" طرداً أو أنّها حرب عكساً- أعني أنّها حربٌ نفسيّة على الأعداء بتوهين شوكتهم ودسّ التخاذل في نفوسهم، وهي حرب من أجل الجيوش الإسلاميّة لزرع الحماسة والثقة والتفاؤل في نفوس جندها. وقد استوحوا في ذلك قوله عليه السلام "نُصِرَتْ بالرعب مسيرة شهر"، ولهذا أكثروا من تصوير الفزع الذي تثيره سمعة الجيوش الإسلاميّة حيثما اتّجهت، فيجرّد ابن القيسرانيّ من الذّعر والخوف سرايا تنهض لأرض العدوّ، بعد أن تكرّ سرايا خيل نورالدّين راجعة(104) :

نَهَضَتْ سرايا الخوفِ والذّعـــرِ




وإذا سرايا خَيْـلِهِ قَفَلتْ




أمّا سرايا صلاح الدين فإنّها تبعث أمامها "جيوشاً من الرّعب" في قول العماد(105) :

من الرّعب نَحُوَ الأعادِي جيوشـا


سَراياك تَبُعَث قدَّامهــــا



ويصوّر أسامة حالة الذعر الّتي انتابت الأعداء من جيوش صلاح الدين حتى إنّ الخوف كان يجعلهم يتمثّلون الجيش أمامهم ويتخبّطون كمن في عقله مسّ(106):

فك أمسى وعقلُهُ مَخبـولُ
لك في عقْرِ دارهِ ما يَـزولُ
بحرِ في كلِّ لجّةٍ أسطولُ




والّذي لم يَحِنُ بسيفِك من خــوْ
مثَّل الخوفُ بين عينيه جيشاً
فالرُّبى عندهُ جيوشٌ وموجُ الـ




والحقيقة أنّ تصوير الرعب والخوف وهما يستبدّان بجيوش الأعداء، إن لم يكن يعني تصوير الواقع، فإنّه في حالتيه الطرديّة والعكسيّة كان تشجيعاً للمسلمين، وترسيخاً للاعتقاد بأنّ عناية الله تحوطهم حيثما توجّهوا، وإيماناً بأنّ الرّعب الّذي نُصِرَ به الرَّسول عليه السلام، إنّما هو رعب مستمرّ لكلّ من يعادي الإسلام والمسلمين. وليس الأمر غير ذلك، لأنّ هؤلاء الصليبيّين لم يكونوا يتأثّرون بهذه الأشعار لأنّهم لم يكونوا يفهمونها، وربّما لم تعنهم .

ويشبه ما تقدّم التخويف بالتهديد، وهو أيضا حديث نفسيّ يسمعه المحارب المسلم فيزداد ثقةً بقائده وبنفسه كقول ابن القيسرانيّ(107):

لقد ذلّ غاويكمْ وعزَّ رشــادُهُ
يعاندُ أسبابَ القضاءِ عِنـادُهُ




إلى أينَ يا أَسرى الضّلالةِ بَعْدَها
رويدكمُ لا مانعٌ لكمْ مِنْ مظَفَّــرٍ



وتتصاعد نغمة التهديد إثر كل انتصار يحرزه المسلمون، كما يقول ابن منير بعد فتح عَزاز(108) :

يُخْشَى صواعقُ ألهابِهـــــا
فالّنار في برْدِ أنيابِهـــــا




حَذارِ فعندَ ابتسامِ الغيــــوثِ
ولا تُخْدَعوا بافتــرارِ الليـوثِ



وأحيانا يجيء التّهديد في قالب نصيحة، ولا نصيحة هنالك، وإنّما ذلك وجه من تشقيق القول ينوّع به الشاعر نظرته إلى الممدوح وإلى أفعاله، كقول ابن القيسرانيّ(109) :


كذا عنْ طريقِ الّليث يزأر غلبهُ
بحكمِ الرّدَيُنِّيات والغَرُبُ غربـهُ
فإنّ القنا في ثُغْرةِ النّحْر درْبُهُ




فَقُلْ لملوكِ الخَافِقَيُنِ نصيحــــةً
وَخَلّوا عن الآفاقِ فالشّرقُ شرقهُ
ولا يعْتَصِمْ بالدّرْبِ طاغٍ على القنا




وثمّة طريقة أخرى لترسيخ الاطمئنان في نفوس المسلمين وهي تعظيم شأن الانتصارات، وتوشيتها بألق وضّاء، ومنحها غلالة الفرح والاستبشار، وهذا أقرب إلى الواقع ممّا ذكرته عن تهديد الأعداء أو نصيحتهم، لأنّ إخراج الانتصارات بهذه الصورة لا يملأ قلوب الجند ثقة وحسب، بل يبسط ظلّ المشاركة بالفرح عليهم وعلى أبناء الشعب الذين يحاربون من أجله؛ وهذا هو الجوّ الذي يصوّره ابن القيسراني بقوله(110):

شَهِيّ إلى يوم المعادِ مُعـــادُهُ عليها فوافى كلّ صدرٍ فــؤادُهُ
بمنْ كانَ قد عمَّ البلادَ فسـادُهُ




وفتحٌ حديثٌ في السَّماع حديثــه
أراح قلوباً طِرُن عن وَكناتهـــا
فيا ظفراً عمَّ البلادَ صلاحُـهُ




وتفنّن الشعراء في تقويم هذا الفتح أو ذاك؛ فهذا "فتح الفتوح"، وذاك "فتح أعاد على الإسلام بهجته". ويُعلي الشاعر من قيمة الفتح حين يقرن البهجة به بتجلّي جمال الطبيعة، فيغدو والفرحون به وكأنّهم شَرْبٌ نشاوى يتمايلون نشوةً وطرباً، كما في قول ابن منير(111):

حُلَلَ الرّبيعِ تناسقـتْ زهراتُـهُ
واسْـتَوْأَرَتْ حَـمّالةً حملاتُـهُ
شرْبٌ أمالتْ هامَهُ قهواتُـهُ




َنشَرَتْ على حلبٍ عقودُ بنودهِـمْ
روضٌ جناه لها مَكَرّ جيــــادِهِ
متساندين إلى الرّحال كأنمــــا



وقد يصبح الفرح خير ما تفتتح بتصويره قصيدة تتحدّث عن النصر كقول الرّشيد النابلسيّ(112):

فلْيوف للّهِ أقوامٌ بما نَـذَروا
في سالف الدّهر أخبارٌ ولاسِيَـرُ
ونامَ من لمَ يَزَلْ حِلُفاً لهُ السَّهرُ




هذا الّذي كانت الآمالُ تنْتَظــرُ
بمثل ذا الفتح لا والله ما حُكيــتْ
الآن قَرَّتْ جنوبٌ في مضاجِعهــا



وكأنّ الفرحة بفتح القدس قد عقدت لسان ابن الساعاتيّ، فهو يعنّف نفسه لأنّ لسانه لم ينطلق لدى تلقّي النّبأ السارّ بشعر أو نثر، بينما حلا ترديد "فتح القدس" على كلّ لسان، ونفذ صوته إلى كل مسمع، حتّى أسمع الرّماح الصّمّ؛ ومن عجائب ذلك الفتح أنّه يحمل في الوقت نفسه معنيين لا يلتقيان، أحدهما السّرور الغامر، وثانيهما الغمّ الغامر (113):

لأَيّةِ حالٍ تذْخَرُ النّثرَ والنَّظما
وشاع إلى أن أسمع الأسـَلَ الصّما
فكمْ سَرَّ قلباً في الأنامِ وكمْ غمَّـا




أَعِـيّاً وَقدْ عاينتمُ الآيةَ العظمـــى
وقد ساغَ فتحُ القدسِ في كلِّ مَنْطِقٍ
تَحلُّ بهِ الأضدادُ واللّفظُ واحــدٌ



والتّغني بالانتصار وتمجيده يقابله الاعتذار عن الهزيمة والتّهوين من شأنها، وقد تمثّل ذلك في قصيدة ابن الدهّان الحمصيّ الّتي أوّلها(114):
ضوامنٌ لكَ ما حازوهُ مِنْ نَفَلِ


ظُـبا المواضي وأطرافُ القنا الذُّبُلِ




وقد قالها عندما كُسِرَ نورالدّين بحادثة البقيعة سنة558/1162، وأصيب المسلمون فيها إصابة فادحة قتلاً وأسراً، ونجا نور الدّين نفسه بتضحية كرديّ لقي مصرعه. وحاول الشّاعر أن يعزّي المسلمين فيها عمّا حدث، متكئاً على أساليب شتّى في الاعتذار؛ ققد كان أَخْذُ المسلمين على غرّة أرادها الله نفاذاً للقدر المحتوم، والرماح ملقاة، والقسّي على غير استعداد، والخيل سائمة في مراعيها، ويحاول الشاعر أن يهوّن من انتصار الفرنجة، فهو نصر مبنيّ على الحيلة، والحيلة عدّة الجبان؛ مبنيّ على المكر، والمكر أخو الفشل؛ ولم يأسر الفرنجة إلاّ أصاغر وأتباعاً، وأين الشجاعة في أخذ الخيل وهي في شكال من أخذ الخيل بعد مواجهة فوارسها ؟ وما جيش نور الدّين إلاّ جيش أصابته "عين الكمال" ولا عجب أن يحدث ذلك، فإنّ لهم أسوة بما أصاب الرّسول -عليه الصلاة والسلام- في يوم حنين :

إذْ لم يكنْ لهمُ بالجيش من قِبَلِ
لِيَنْفُذَ القدرُ المحتومُ في الأزل
ولا الظبّى كثبٌ من مرهقٍ عَجِلِ
والخيلُ عازبةٌ ترعى مَع الهملِ
والمكرُ في كلّ إنسانٍ أخو الفشلِ
غيرِ الأصاغرِ والأتباعِ والسّفـلِ
والسّمرُ مركوزةٌ والبيضُ في الخِلَلِ
مثالُ آخذِها في الشّكلِ والطّوَلِ
يخلو منَ العينِ إلاّ غيرُ مكتملِ
خيرُ الأنامِ وفيهمْ خاتمُ الرّسلِ


وإنّما أَخلدُوا جبناً إلى خُدَعٍ
واستيقظوا وأراد اللهُ غفلتكمْ
حتّى أتَوْكمْ ولا الماذيّ مِنْ أَمَمٍ
قناً لَقىً وقسيٌّ غيرُ موتَرَةٍ
بني الأُصيفرِ ما نلتمْ بمكركمُ
وما رجعتمْ بأسرى خابَ سعيُكُمُ
سَلَبتمُ الجردَ معرّاةً بلا لُجمٍ
هلْ آخذُ الخيلِ قد أَرْدَى فوارسَها
جيشٌ أصابتهمُ عينُ الكمالِ وما
لهمْ بيومِ حُنينٍ أسوةٌ وهــمُ




وحين يوجّه ابن الدّهان الخطاب إلى الهاربين فإنه يقرّعهم لأنهم طلبوا "السّهلَ" لياذاً بالفرلر، ولو لجأوا إلى"الجبل" – قائدهم وملكهم – لنَجَوا، فهم الملومون لأنهم أسلموا قائدهم وهربوا، وذُهِلوا عن استعمال الكنائن والرماح والسّيوف، بينما قام نور الدّين وحيداً وسط الأعادي ثابت الجنان لا يروعه شيء. وبالفصل بين نور الدّين والجيش برّأه الشّاعر من عار الفرار وأنحى باللائمة على العساكر:

عند اللِقاء وغُضّوا الطّرْف من خَجَلِ
لُذتُمْ بمَلْكِكمُ لذتمْ إلى الجبلِ
فإنّ مِنْ نفسِهِ في جحفلٍ زَجِلِ
لا تَحْسَبوا وَثَبَاتِ الضمّرِ الذّلُلِ




قُلْ للمولّين كفّوا الطّرفَ مِنْ جُبُنٍ
طلبتمُ السَّهلَ تَبغونَ النّجاةَ ولوْ
فقام فرداً وقد ولّت عساكرُهُ
ثَـباتُهُ في صدورِ الخيل أنقذَكُمْ




إنّ قصيدة ابن الدّهان تدلّ على براعة في الاعتذار وتلمّس وجوهه، ولكنّ القارئ –لإيمانه بأنّ الهزيمة حادثة تاريخيّة- لا يستطيع أن يعيش المفارقة القائمة بين التخيّل والواقع فإنْ كان الشاعر يريد "بالتبرير" إقناعاً فذلك يقصّر دون مبتغاه .

خاتمة:

تمّ في الصّفحات السابقة دراسة جانبين من جوانب الشّعر الشامّي المّتصل بالحروب الصليبيّة، هما :مواكبة الشّعر لأحداث الصراع، ودور الشّعر في المواجهة. وقد بيّنت الدّراسة أن الشّعراء الشّامّيين واكبوا الحروب الصليبّية في مراحلها المختلفة، بيد أنّ هذا الشّعر كان قليلاً في مرحلة الهزائم، وأنّه كلّما سارت الحركة الجهّادية صعداً تبارى الشّعراء في تمجيد الانتصارات والتغّني بها، حتى غدا الكثير من قصائدهم معرضاً للانتصارات التي أحرزها المسلمون في سياق حركة الجهاد.

وبيّنت الدراسة أن الشّعراء الشامييّن نقلوا صورة أمينة للصراع، حين قدّموه في إطاره الإسلاميّ الشامل، لذلك كثرت في قصائدهم المعاني المّستمدّة من عقائد المتحاربين. وظلّت أنظار الشّعراء تستشرف المستقبل، فكلّما تحقّق نصر رتّبوا عليه نصراً آخر، ومن ثّم لم يألوا جهداً في الحثّ والتحريض، ودعوة الأمّة إلى مواصلة الجهاد لتحرير البلاد. وطمأنةً لجماعة المسلمين ودعماً لمعنوياتهم، فقد قدّم الشّعراء الانتصارات الإسلاميّة في غلالة من الفرح والاستبشار، كما اعتذروا عن الهزائم الّتي مُني بها المسلمون،وقلّلوا من شأنها، وهدّدوا الصّليبيّي ، وأَزْرَوْا بهم،وحطّوا من قدرهم. -غير أنّهم في مقابل ذلك- لم يُغفلوا أخطار الغزاة وتهديدهم للإسلام : عقيدةً وإنساناً وأرضاً، لذا دعوا إلى الأخذ بأسباب القّوة والوحدة الجامعة الّتي تحصّن الأمة وتحميها.

الحواشي والتّعليقات:

1-التّاريخ الباهر:32.

2-الكامل في التاريخ 10: 594.

3-الإمارات الأرتقيّة: 287.

4-تاريخ دمشق لابن القلانسيّ: 272؛ زبدة الحلب2: 258، 272،274؛ الروضتين1/: 87

5-الروضتين1/2: 624.

6-الكامل11: 337.

7-زبدة الحلب2: 301-302؛ مفرّج الكروب1: 123؛ الحركة الصّليبيّة2: 623.

8-الرّوضتين1/2:622.

9-النوادر السّلطانيّة: 75.

10-العبر في خبر من غبر4: 251.

11-السّلوك1/1: 96؛ كنز الدّرر7: 84-93.

12-النوادر السّلطانيّة: 234-235.

13-مفرّج الكروب5: 336.

14-السّلوك1/3: 762.

15-انظر أخبار المعركة في: تاريخ دمشق لابن القلانسيّ: 319-321؛ الكامل1: 553.

16-تاريخ العظيميّ وقد نشر بالعربية تحت عنوان:
LA CHRONIQUE ABREGEE D AL-AZIMI C.CAHEN 1938,P 386

17-كنوز الذهب في معرفة تاريخ حلب1: 19.

18-تاريخ ابن العظيميّ: 401.

19-المصدر السّابق: 401.

20-نفسه: 407.

21-الاعتبار: 145.

22-جمهرة الإسلام ذات النّثر والنّظام1: 5.

23-الباهر: 59-61؛ زبدة الحلب2: 26-262.

24-شعرابن القيسرانيّ: 206.

25-ديوان ابن منير: 199.

26-الباهر: 66-69.

27- شعرابن القيسرانيّ:145.

28-ديوان ابن منير: 195.

*-ورد في الأصل(درجُ).

29-انظر أخبار هذه الأعمال في الروضتين: 1/1: 132،143.

30-شعر ابن القيسرانيّ: 309.

31-ديوان ابن منير: 204.

32-المصدر السابق: 258.

33-نفسه: 248.

34-ذيل تاريخ دمشق: 462؛ الاعتبار: 147.

35-الرّوضتين 1/1: 39.

36-ديوان العرقلة: 24.

37-ديوان ابن منير: 204.

38- مفرّج الكروب 1: 114.

39-شعر ابن القيسرانيّ: 149.

40-الروضتين1/1: 152.

41- شعر ابن القيسرانيّ: 65.

42- المصدر السّابق: 153.

43-ديوان ابن منير: 208.

44-الرّوضتين1/1: 184.

45-وفي المعارك والفتوحات المذكورة انظر: ذيل تاريخ دمشق: 281؛ مفرّج الكروب1: 123؛ الكامل11: 149.

46-ديوان ابن منير: 227.

47-المصدر السابق: 208.

48-نفسه: 248.العَذام: العضّ بجفاء. الضّبْع: وسط العضد. الفِئام: الجماعة من النّاس.

49-شعر ابن القيسرانيّ:58.

50-المصدر السابق: 195.

51-ديوان العماد: 411.

52-ديوان أسامة: 89.

53-المصدر السّابق: 89.

54-الدرّالمطلوب: 41.

55-ديوان العماد: 306.

56-ديوان فتيان: 305.

57-البرق الشاميّ 3: 31.

58-منادح الممادح: 8 .

59-خريد القصر(الشام) 1: 436.

60-البرق الشاميّ 3: 36-46.

61-ديوان العماد: 422.

62-الروضتين1/2: 704.

63-الروضتين 2:12. والشمّريّ:الأشدّ مضاءً في أمره.

64-المصدر السابق2: 11.

65-نفسه 2: 75.

66-ديوان ابن السّاعاتيّ 2: 406.

67- انظر أخبار هذه الفتوحات في: الإعلام واتّبيين: 81؛ الفيح القسّيّ: 77؛ مفرّج الكروب2: 188-211؛ النوادر السّلطانيّة: 75-81.

68-انظر: كتاب حطّين بين أخبار مؤرّخيها وشعر معاصريها: 54-59.

69-الروضتين 2: 105.

70-بيت المقدس في شعر الحروب الصّليبيّة: قصيدة رقم 52.

71-المرجع السّابق: قصيدة رقم 67.

72-نفسه: قصيدة رقم62. وردت في الأصل [الجبال] ولعلّ ما أُثبت أحسن.

73-الروضتين 2: 118.

74-الروضتين2: 151

75-المصدر السابق 2: 204.

76-ديوان ابن السّاعاتيّ 2: 411.

77-ديوان ابن منير : 200، الدّرين: حطام المرعى القديم اليبيس.

78-شعر ابن القيسرانيّ: 194.

79-خريدة القصر(الشام) 1: 277.

80-ديوان العماد : 382.

81-المصدر السابق503.

82-نفسه: 304. الإسبتار(فرسان المستشفى)Hospitalers: تنظيم صليبيّ هُدف من إنشائه بادئ الأمر تقديم الرعاية للحجّاج الفرنجة، ثمّ صار تنظيماً ذا طابع عسكريّ.

83-الخريد(بداية قسم الشام): 86.

84-الروضتين 2: 117.

85-ديوان العماد: 229ز الوكس: النّقص.

86-المختار من ديوان ابن عقيل: 38.

87- ديوان ابن الخيّاط: 182.

88-شعر ابن القيسرانيّ: 358.

89- تاريخ ابن عساكر 16: 233.

90-ديوان ابن منير : 258.

91-المصدر السابق : 235.

92-الروضتين 2: 204.

93-المصدر السابق 2:117. القطين : الخدم والأتباع والحشم.

94-شعر ابن القيسرانيّ : 145.

95-ديوان فتيان : 140.

96-انظر في ذلك: ديوان ابن منير:221، 229، 230، 260؛ شعر ابن القيسرانيّ: 177؛ ديوان العماد: 102؛ الروضتين1/2: 605؛ الخريدة(الشام) 1: 329.

97-شعر ابن القيسرانيّ:376.

98-المصدر السّابق:131.

99-الخريدة(العراق) 3: 467.

100-ديوان أسامة: 215.

101-ديوان العرقلة : 32.

102-ديوان العماد : 380.

103-تاريخ العينيّ 13/1ك 189.

104-شعر ابن القيسرانيّ : 229.

105-ديوان العماد: 242.

106- ديوان أسامة ك 191.

107- شعر ابن القيسرانيّ :147.

108-ديوان ابن منير ك 223.

109- شعر ابن القيسرانيّ : 79.

110- شعر ابن القيسرانيّ : 147.

111-ديوان ابن منير : 210. استوأرت: تتابعت.

112-الروضتين 2: 118.

113-الروضتين 2: 106.

114- ديوان ابن الدهّان : 70.

المصادر والمراجع مرتّبة هجائياً حسب عنوان الكتاب:

1) الاعتبار، أسامة بن منقذ، تحقيق فيليب حتّي، مطبعة جامعة برنستون،1930.
2) الإمارات الأرتقيّة في الجزيرة والشام، د. عماد الدين خليل ،مؤسسة الرسالة ،بيروت، 1980.

3) بيت المقدس في شعر الحروب الصّليبية ،د. عبد الجليل عبد المهدي، دار البشير، عمان 198.

4) التاريخ الباهر في الدولة الأتابكيّة بالموصل، عز الدين ابن الأثير ،تحقيق عبد القادر طليمات، دار الكتب الحديثة ومكتبة المثنى، القاهرة وبغداد،1963.

5) تاريخ دمشق ،ابن القلانسي: أبو يعلى حمزة بن أسد ، تحقيق د.سهيل زكار ،دار حسّان ،دمشق،1983.

6) تاريخ ابن العَظيمي،محمد بن عليّ بن محمد، وقد نشر بالعربية تحت عنوان: LA CHRONIQUE ABREGEE D AL-AZIMI C.CAHEN 1938
7) تاريخ مدينة دمشق ،الحافظ أبو الحسن علي بن حسن المعروف بابن عساكر،ميكروفلم رقم 1017، مكتبة الجامعة الأردنيّة .

8) جمهرة الإسلام ذات النّثر والنّظام، مسلم بن محمود الشّيزريّ، ميكروفلم رقم9223 أدب، دار الكتب المصريّة، القاهرة.

9) الحركة الصليبيّة، د.سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة،ط2، 1976.

10) خريدة القصر وجريدة أهل العصر ،العماد الأصفهانيّ:قسم شعراء الشام تحقيق د. شكري فيصل، المجمع العلميّ العربيّ،دمشق، .1955.
11) خريدة القصر....، قسم شعراء العراق، تحقيق محمد بهجت الأثري، المجمع العلمي ّالعراقيّ،1964.

12) ديوان أسامة بن منقذ، تحقيق د. أحمد أحمد بدوي، عالم الكتب،القاهرة، د.ت.

13) ديوان ابن الخيّاط الدمشقي ، تحقيق خليل مردم بك ،المجمع العلميّ العربيّ ،دمشق ،1958.

14) ديوان ابن الدّهان الحمصيّ ، تحقيق عبد الله الجبوري ،مطبعة دار المعارف ،بغداد ،1968
15) ديوان ابن السّاعاتيّ ، تحقيق أنيس المقدسيّ ، المطبعة الأميركانية، بيروت،1938.

16) ديوان العرقلة الكلبيّ ، تحقيق أحمد الجندي ، مجمع اللغة العربية ،دمشق، 1970.

17) ديوان العماد الأصفهانيّ ، جمعه وحققه د. نااظم رشيد، جامعة الموصل،1983.

18) ديوان فتيان الشّاغوريّ، تحقيق أحمد الجنديّ ، مجمع اللغة العربية ،دمشق،1976.

19) ديوان ابن منير الطرابلسيّ ، جمعه وقدّم له د. عمر التدمريّ ،دار الجليل ومكتبة السائح، بيروت وطرابلس ،1986.

20) الرّوضتين في أخبار الدّولتين النّورّية والصلاحيّة، أبو شامة المقدسيّ:
أ ـ الجزء الأول ،تحقيق محمد حلمي ،المؤسسة المصّرية العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ،القاهرة ،1962.
ب ـ الكتاب كاملاً، دار الجيل ،بيروت،د.ت.

21) زبدة الحلب من تاريخ حلب ، كمال الدين ابن العديم الحلبيّ ، تحقيق سامي الدّهان، المعهد الفرنسيّ ، دمشق،1968.

22) السلوك لمعرفة دولة الملوك ، أحمد بن علي المقريزيّ، نشره مصطفى زيادة ، القاهرة ،ط2، 1956.

23) شعر ابن القيسرانيّ ، جمع وتحقيق ودراسة ،د. عادل جابر، الوكالة العربيّة للنشر والتوزيع، الزرقاء(الأردن)، 1991.

24) العبر في خبر من غبر ، شمس الدّين الذهبي، تحقيق صلاح الدين المنجد وفؤاد السّيد، دائرة المطبوعات والنشر، الكويت، 1960-1963.
25) عقد الجمان في تاريخ أهل الزّمان، بدر الدين محمود أحمد العينيّ، ميكروفيلم رقم 334 تاريخ ، معهد أحياء المخطوطات العربيّة ، مصر .

26) عقد الجمان من شعراء هذا الزمان ،أبو البركات مبارك بن أبي الشعّار الموصليّ،ميكروفيلم رقم 339 تاريخ، معهد أحياء المخطوطات العربيّة ،مصر.

27) الفيح القَسّيّ في الفتح القُدسيّ ، تحقيق محمد محمود صبح ، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965.
28) الكامل في التّاريخ ، عزّالدين ابن الأثير، دار صادر، بيروت ،1979.
29) كنز الدّرر وجامع الغرر، ابن أيبك الدّوادريّ، تحقيق سعيد عبد الفتاح عاشور،القاهرة،1972.
30) كنوز الذهب في معرفة تاريخ حلب،أحمد بن إبراهيم الطرابلسيّ،ميكروفيلم رقم 35511، دار الكتب المصرية ،القاهرة.

31) المختار من ديوان ابن عقيل الزُّرعيّ، همام الدين أحمد العامريّ الزرعيّ، ميكروفيلم رقم 2618، طبقبو سراي،تركيا.

32) معجم البلدان، ياقوت الحمويّ، دار صادر، بيروت، 1979.
33) مفرّج الكروب في أخبار ملوك بني أيّوب، جمال الدين محمد بن واصل، تحقيق جمال الدين الشيال، دار إحياء التراث القديم، القاهرة،1953.
34) منادح الممادح وروضة المآثر والمفاخر في خصلئص الملك النّاصر، عبد المنعم الجليانيّ، مخطوط رقم 3298 أدب، مكتبة الأسد الوطنيّة، دمشق.
35) النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة ،ابن تغري بردي، دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1935ـ1936.
36) النّوادر السلطانية والمحاسن اليّوسفيّة، بهاء الدين ابن شدّاد، تحقيق جمال الشّيال، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة1964.

عـنـتـر
11-09-2006, 05:15 PM
جزاك الله خير فالح العمره

سعود الخويطري
15-09-2006, 04:15 AM
شكرا لك ولـ توضيحك جهد الشعر الشامي في مواجهة الغزاة



وسلمت يابوبدر

د.فالح العمره
01-10-2006, 08:45 PM
عنتر

سعود

مرحبا بكم جميع

الخديدي
02-04-2007, 07:13 AM
جَاءَتْكَ أرضُ القدسِ تخطبُ ناكحاً
إيهٍ صلاحَ الدّين خُذْها غادةً
كمْ خاطبٍ لجمالِها قَدْ ردّهُ


الله يرحم صلاح الدين
مشكور اخوي فالح...

د.فالح العمره
04-04-2007, 02:08 PM
ارحب يا الخديدي ولا هنت