المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البعثيون والشيوعيون والجبهة الوطنية


د.فالح العمره
17-08-2006, 05:06 PM
حامد الحمداني 19 آب 2004



البعثيون،ومحاولات تشكيل الجهة الوطنية :



منذُ أن عاد البعثيون إلى الحكم عن طريق انقلاب 17 ـ 30 تموز 968 ،وقف الشعب العراقي من الانقلاب موقفاً سلبياً ،مدركاً أن الوجوه التي جاءت إلى الحكم ، هي نفسها التي قادت انقلاب 8 شباط الفاشي عام 963 ،ويتذكر الشعب تلك الجرائم التي ارتكبوها بحقه،وحق القوى السياسية ،ولذلك كان همّ البعثيين هو تثبيت حكمهم ،وتبييض صفحتهم السوداء ،فلجأوا إلى اتخاذ بعض الخطوات لاسترضاء الشعب وقواه السياسية ،وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي ،الذي كان يتمتع بتأييد ودعم جانب كبير من أبناء الشعب ،حيث ركزوا كل جهودهم لجره إلى التعاون معهم ، وصولاً إلى التحالف وإقامة ما سمي بالجبهة الوطنية معه .وكان من جملة تلك الإجراءات :
1 ـ إصدار قرار بالعفو عن السجناء السياسيين في 5 أيلول 968 ، وإطلاق سراحهم.

2 ـ إصـدار قـرار بإعادة المفصـولين السياسيين المدنيـين إلى وظائفهم وكلياتهم ومدارسهم في 12 أيلول 968 .

3 -احتساب مدة الفصل لأسباب سياسية قدماً لغرض الترفيع والعلاوة والتقاعد.

غير أن تلك الإجراءات لم تكن كافية لجرّ الحزب الشيوعي ،والقيادة المركزية المنشقة عن الحزب ، لتشكيل جبهة وطنية عريضة . فقد كان المطلوب من حزب البعث تشريع دستور دائم للبلاد ،عن طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلس تأسيسي ، وإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية الصحافة وحرية النشاط الحزبي والنقابي . وهذا ما لم يوافق عليه حزب البعث .

ولذلك لجأت القيادة المركزية [الجناح المنشق عن الحزب الشيوعي ] إلى الكفاح المسلح ضد سلطة البعث ،وجرى مهاجمة مسكني صدام حسين وصلاح عمر العلي، وإطلاق الرصاص عليهما ،ولذلك قرر البعثيون العمل على اعتقال قيادة الحزب [القيادة المركزية ] وكوادرها ،وتصفية تنظيماتها .

وفي شباط عام 969 ،استطاع البعثيون إلقاء القبض على زعيم التنظيم [ عزيز الحاج] وأعضاء قيادته،وسيقوا إلى قصر النهاية،أحد أهم مراكز التعذيب لدى البعثيين،لإجراء التحقيق معهم ،وهناك أنهار السيد عزيز الحاج ،وقّدم اعترافات شاملة عن تنظيم حزبه،ومكّن البعثيين من إلقاء القبض على أعداد كبيرة من كوادر وأعضاء الحزب ،وجرى تعذيبهم بأبشع الوسائل من أجل الحصول على المعلومات عن تنظيمهم ،واستشهد العديد منهم تحت التعذيب كان من بينهم القائدين الشيوعيين [متي هندو] و [أحمد محمود العلاق] ،فيما أنهار القيادي الثاني [ بيتر يوسف] ملتحقاً برفيقه عزيز الحاج ،ومقدماً كل ما يعرف عن تنظيم حزبه،وكافأ البعثيون كلاهما ، بأن عينوهما سفيرين في السلك الدبلوماسي ،في فرنسا والأرجنتين،وذهب ضحية اعترافاتهم عدد من خير كوادر الحزب المخلصين ،وزُج في السجون بأعداد كبيرة أخرى .

وهكذا تسنى للبعثيين توجيه ضربة خطيرة للقيادة المركزية لم يتعافى الحزب منها إلا بعد مرور سنة على تلك الأحداث ،حيث تسلمت قيادة جديدة بزعامة المهندس [إبراهيم علاوي ] وبادرت تلك القيادة إلى تجميع قوى الحزب وتشكيل تنظيمات جديدة . إلا أن تلك الضربة كان تأثيرها ما يزال يفعل فعله ،حيث فقد الحزب العديد من أعضائه إما قتلاً أو سجناً أو اعتكافاً عن مزاولة أي نشاط سياسي بسبب فقدان الثقة التي سببتها اعترافات عزيز الحاج و بيتر يوسف وحميد خضر الصافي وكاظم رضا الصفار ، أعضاء القيادة .

أما الحزب الشيوعي [ اللجنة المركزية ] فقد ألتزم جانب السكوت عما جرى ، وتمسك بالهدنة المعلنة مع حكومة البعث ،ثم بادر الطرفان ،البعث ،والشيوعي بالتقارب شيئاً فشيئاً بعد أن أقدمت حكومة البعث على جملة من القرارات والإجراءات التي أعتبرها الحزب الشيوعي مشجعة على هذا التقارب،وبالتالي التعاون والسعي لإقامة ما سمي بالجبهة الوطنية فيما بعد .

فقد أقدمت حكومة البعث على الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية ، ووقعت في 1 أيار 969 عقدا مع بولونيا لاستثمار الكبريت وطنياً ، كما تم عقد اتفاقيتين للتعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفيتي وبولونيا في 5 تموز 969 .(2)

ومن ناحية أخرى قام الحزبان ،البعث والشيوعي ،بنشاطات مشتركة في اجتماعات مجلس السلم العالمي ،وانتخابات نقابة المحامين عام 970، وسمح البعثيون للحزب الشيوعي بإصدار مجلة [الثقافة الجديدة ] ،كما تم تعيين الشخصية الوطنية المعروفة السيد [ عزيز شريف ] وزيراً للعدل في 31 كانون الأول 969 .

لكن تلك الإجراءات لم تكن لترضي الحزب الشيوعي الذي كانت له مطالب أساسية هامة تتعلق بالحريات الديمقراطية ،وأعلن الحزب أن دخول السيد عزيز شريف الوزارة بصفته مستقلاً ، وأن دخول أي شخصية وطنية في الوزارة ليس بديلاً عن حكومة جبهة وطنية ، وأن تمثيل كل الأحزاب الوطنية في السلطة على أساس برامج ديمقراطية متفق عليها هو الطريق الصائب .



وفي 11 آذار 1970 عقد البعثيون مع الزعيم الكوردي [ مصطفى البارزاني ] ما سمي [ اتفاقية 11 آذار للحكم الذاتي ] ووجد البعثيون في ذلك الاتفاق تعويضاً لهم عن العلاقة مع الحزب الشيوعي ،وقد بدا في تلك الأيام وكأنه لا يوجد في الساحة السياسية غير حزب البعث ،والحزب الديمقراطي الكردستاني [ البارت ] ،وتعرضت العلاقة بين البعثيين والشيوعيين إلى الانتكاسة عند إقدام حكومة البعث على تفريق تجمع للشيوعيين يوم 21 آذار احتفالاً بعيد النوروز بالقوة ،كما تم في تلك الليلة اغتيال الشهيد [ محمد الخضري ] عضو قيادة فرع بغداد للحزب في أحد شوارع بغداد ، ورغم إنكار البعثيين صلتهم بالجريمة إلا أن كل الدلائل كانت تشير إلى أنهم هم مدبريها ،وقد أتهمهم الحزب الشيوعي بالقيام بحملة اعتقالات ضد العديد من الشيوعيين في أنحاء البلاد المختلفة.



وفي 1 تموز عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤتمره ،وألقى السيد [ كريم أحمد ] عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي كلمة الحزب في المؤتمر دعا فيها إلى إيقاف الإجراءات القمعية للسلطة ضد العناصر الوطنية ،وركز على شعار الحزب الداعي إلى الديمقراطية للشعب العراقي ،والحكم الذاتي لكردستان ،مما أثار رد فعل قوي من جانب السلطة البعثية الحاكمة ،وخاصة بعد أن قامت صحيفة الحزب الديمقراطي الكردستاني [ التآخي ] بنشر نص الخطاب . وعلى الأثر عقد رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر مؤتمراً صحفياً في 20 تموز حذر فيه الحزب الشيوعي مما سماه [اللعب بالنار ] و [ استغلال الحرية ] و [ نكران الجميل ] !!! ،وكال البكر جملة من التهديدات للحزب .(3)



حزب البعث يضع شروطه لقيام جبهة وطنية مع الحزب الشيوعي :



وفي العاشر من تموز تقدم حزب البعث بشروطه للحزب الشيوعي لقيام جبهة بينهما ، طالباً من الحزب قبولها والإقرار بها كشرط لقيام الجبهة ،وكان أهم ما ورد في تلك الشروط :

1 ـ اعتراف الحزب الشيوعي بحزب البعث كحزب ثوري وحدوي اشتراكي ديمقراطي .

2 ـوجوب تقييم انقلاب 17 ـ 30 تموز كثورة وطنية تقدمية

3 ـ وجوب إقرار الحزب الشيوعي بالدور القيادي لحزب البعث سواء في الحكم أو قيادة المنظمات المهنية ، والجماهيرية .

4 ـ وجوب عدم قيام الحزب الشيوعي بأي نشاط داخل الجيش والقوات المسلحة . 5ـ العمل على قيام تعاون بين الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية وحزب البعث.

6 ـ القبول بالوحدة العربية كهدف أسمى ، ورفض الكيان الإسرائيلي ، وتبني الكفاح المسلح لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية .

ورغم أن شروط البعث كانت غير مقبولة من جانب قواعد وكوادرالحزب الشيوعي ،إلا أن الحزب أستأنف حواره مع حزب البعث من جديد ،وما لبث الرئيس أحمد حسن البكر أن أعلن في 15 تشرين الثاني 1971 عن برنامج للعمل الوطني ،عارضاً على الحزب الشيوعي ،والحزب الديمقراطي الكردستاني القبول به لإقامة جبهة وطنية بين الأطراف الثلاث.

وفي 27 تشرين الثاني ،أبدى الحزب الشيوعي رد فعل إيجابي على البرنامج في بيان له صادر عن المكتب السياسي ،داعياً حكومة البعث إلى تحويل البرنامج إلى نص مقبول لدى جميع الأطراف التي دُعيت للعمل المشترك ،ووضع نهاية حاسمة لعمليات الاضطهاد والملاحقة والاعتقال ضد سائر القوى الوطنية .

وجرت بعد ذلك لقاءات ومناقشات بين الأطراف دامت أشهراً حول سبل تحويل البرنامج إلى وثيقة للعمل المشترك دون أن تسفر عن توقيع أي اتفاق ،لكن البعثيين أصدروا قراراً في 4 أيار 972 ، يقضي بتعيين أثنين من قادة الحزب الشيوعي في الوزارة ،وهما [ مكرم الطالباني ] الذي عيين وزيراً للري ،و[عامر عبد الله ] ، الذي عيين وزيراً بلا وزارة ،إلى جانب وجود أعضاء من الحزب الديمقراطي الكردستاني في الوزارة .

أحدث ذلك القرار انقساماً في صفوف الحزب الشيوعي ،وتباعداً بين القاعدة والقيادة ، فلم تكن تلك الخطوة مبررة من جانب كوادر وقواعد الحزب من دون أن يكون هناك برنامج متفق عليه ويحقق طموحات الحزب في إيجاد نظام ديمقراطي حقيقي، وفرص متكافئة لكل حزب للقيام بنشاطاته السياسية في جو من الحرية الحقيقية .

إلا أن قيادة الحزب اتخذت قرارها بالموافقة على المشاركة في الحكومة ،بعد نصيحة قدمها لهم رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي آنذاك [ كوسجين ] !! .



كان أمل الحزب الشيوعي أن تتحول هذه المشاركة إلى اتفاق حقيقي بين الأحزاب الثلاثة على برنامج يحقق طموحات الجميع ،واقترحت قيادة الحزب على حزب البعث منح مجلس الوزراء صلاحيات أوسع لإدارة شؤون البلاد التي أحتكرها مجلس قيادة الثورة البعثي ،كما اقترحت تعديل الدستور المؤقت بما يحقق السير بهذا الاتجاه ، وطالبوا بإطلاق حرية الصحافة ،وإصدار صحيفة الحزب بشكل علني ،ووعد البعثيون بدراسة هذه المقترحات .



غير أن الأمور استمرت على حالها السابق أكثر من سنة ،ولاسيما وأن ظروف البلاد كانت تستدعي التعجيل بهذا الاتجاه ،بعد اشتداد الصراع مع شركات النفط ،وقرار حكومة البعث بتأميم شركة نفط العراق العائدة للشركات الاحتكارية في الأول من حزيران 1972 ،واستمرت العلاقات بين الحزبين على وضعها ذاك حتى وقوع محاولة ناظم كزار الانقلابية ، حيث دفعت تلك الأحداث إلى تكثيف الجهود من أجل الاتفاق على برنامج للعمل الوطني .



ً توقيع ميثاق العمل الوطني ،وقيام الجبهة الوطنية :



في السابع عشر من تموز، وقع الرئيس أحمد حسن البكر ،نيابة عن حزب البعث ، وعزيز محمد ،السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ميثاقاً للعمل الوطني ، وبذل الطرفان جهوداً واسعة لإدخال الحزب الديمقراطي الكردستاني معهم في الجبهة التي انبثقت بعد توقيع الميثاق،إلا أن جهودهما لم تسفر عن أية نتيجة .

ومن دراسة مواد الميثاق الوطني نجد أن البعثيين لم يقدموا تنازلات جوهرية للحزب الشيوعي ، وكان أهم ما قدموه له ما يلي :

1 ـ حصول الحزب الشيوعي على الشرعية القانونية لمزاولة نشاطه العلني ، وإصدار صحيفته المعبرة عن سياسته [طريق الشعب ] حيث صدرت بالفعل وكانت توزع على نطاق واسع .

2 ـ إطلاق سراح السجناء السياسيين والمعتقلين ، وهدم [ قصر النهاية] السيئ الصيت الذي كان مقراً لتعذيب الشيوعيين ،وسائر الوطنيين المعارضين لحكم البعث .

3 ـ مشاركة الحزب الشيوعي في الحكومة بوزيرين ،لكن تلك المشاركة في الوزارة لم تكن جوهرية ،وذات تأثير على سياسة الدولة ،هذا بالإضافة إلى أن مجلس قيادة الثورة الذي ينفرد به البعثيون هو الذي يقرر سياسة الدولة ،ويتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية ،والتنفيذية ،وحتى القضائية . وفي المقابل قدم الحزب الشيوعي للبعثيين تنازلات واسعة ،وجوهرية كان منها :

1 ـ إقراره بأن انقلاب 17 ـ 30 تموز ثورة وطنية ديمقراطية اشتراكية
2 ـ الإقرار بمبدأ قيادة حزب البعث للجبهة .

3 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على بقائه بعيداً عن الجيش والقوات المسلحة الذي أصبح مقفلاً لحزب البعث .

4 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على الدور القيادي لحزب البعث لكافة المنظمات النقابية ، والجماهيرية والاتحادات العمالية والفلاحية والطلابية .

5 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على مواقف حزب البعث من قضية فلسطين ، وقضية الوحدة العربية .

وهكذا يتبين لنا أن الحزب الشيوعي قد خسر الكثير من المواقع ،وقدم للبعث الكثير من التنازلات ،في حين لم يحصل على دور هام وأساسي في تسيير سياسة البلاد ،وإنما أصبح في الواقع مجبراً على مسايرة حزب البعث .

أحدثت موافقة قيادة الحزب الشيوعي على شروط البعثيين وتوقيعه على ميثاق الجبهة شرخاً كبيراً بين القيادة من جهة والكادر وقواعد الحزب من جهة أخرى ،حيث لم تستطع قواعد وكوادر الحزب هضم تلك الشروط ،وكان الشعور بخيبة الأمل ، والقلق على المستقبل ،وعدم الثقة بالبعثيين سائداً في صفوف الحزب وجانباً كبيراً من كوادره ،ولاسيما وأن تلك الجرائم التي أرتكبها البعثيون بحق الشيوعيين بعد انقلاب 8 شباط 963 ، ما تزال ماثلة أمام عيون الجميع ،فتلك المآسي لا يمكن أن يطويها الزمن بهذه السرعة وعِبَر هذه الجبهة التي قامت على أسس غير متكافئة على الإطلاق.

كان الشعور العام لدى كل متتبع لسياسة البعثيين هو أن هذه الجبهة لن يكتب لها النجاح ،وأن البعثيين لا يمكن أن يضمروا للشيوعيين الخير ،لكنهم لجاءوا إلى إقامة الجبهة معهم لمرحلة معينة يستطيعون خلالها تثبيت أركان حكمهم ،وإحكام سيطرتهم على الجيش ،والقوات المسلحة الأخرى وأجهزة الأمن . فالجبهة في الحقيقة لم تكن هدفاً إستراتيجياً لحزب البعث ،وإنما كان تكتيكياً يمكنهم من العبور إلى شاطئ الأمان وتثبيت حكمهم ،كما كانوا يهدفون من وراء الجبهة كشف تنظيمات الحزب استعداً لضرب الحزب في اليوم الموعود .

ورغم قيام الجبهة فإن البعثيون مارسوا سياسة مضايقة الشيوعيين وتقليص نشاطهم وتحجيمه ،واستمرت أجهزتهم الأمنية في ملاحقة واعتقال العديد منهم بحجج وتبريرات مختلفة ،حتى وصل الأمر إلى أن تصبح اللقاءات مع قيادة البعث تدور حول الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية .

سبب تلك السياسة البعثية في تنامي خيبة الأمل لدى قواعد الحزب من مستقبل الجبهة ،لا بل بدأت الأصوات تظهر وتعلوا شيئاً فشيئاً متهمة قيادة الحزب باليمينية ،وبالتفريط بمصالح الحزب وجماهير الشعب ،وبدت الجبهة مجرد اتفاق بين قيادة حزبين تفتقد تماماً إلى أي قبول جماهيري ، وكلما مرت الأيام كلما كان التباعد بين قواعد الطرفين يزداد تباعداً ،وبدأت الأصوات تحذر مما يخبئه البعثيون للحزب الشيوعي في مستقبل الأيام .

ولم تمضي فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض ظاهراً بين قيادة الحزب وقواعده ، كما بدا واضحاً أن قيادة الحزب غير بعيدة عن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي ،بل وفرض إرادته على مجمل سياسته،ولاسيما بعد أن وقع البعثيون معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في نفس العام ،وقام الاتحاد السوفيتي على أثرها بتزويد حكومة البعث بالأسلحة الحديثة والمتطورة ،ومدت الجيش العراقي بالخبراء العسكريين حيث استخدم البعثيون تلك الأسلحة بعد ذلك في قمع الشعب العراقي عرباً وأكراداً ، ومصفين ما كان يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية ،التي أقاموها مع الحزب الشيوعي ،مصحوبة بأعنف حملة اعتقالات وتعذيب وقتل للعناصر الشيوعية وكل مناصري الحزب .

ولم يكتف البعثيون بذلك مع الشيوعيين ، بل تنكروا لاتفاقية 11 آذار حول إقامة الحكم الذاتي لكردستان ،و شنوا الحرب الإجرامية الشعواء على الشعب الكردي ،ثم شنوا العدوان على إيران ،واحتلوا الكويت الشقيق ، وزجوا العراق في حروب مدمرة لا مصلحة للشعب بها ، بل جلبت له الكوارث المتتالية منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا .








البعثيون والشيوعيون والبارتيون والجبهة الوطنية



الحلقة الثانية

البعثيون والبارتيون والشيوعيون والموقف من الجبهة







أحدث إعلان قيام الجبهة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث تصدعاً في العلاقات بين قيادة الحركة الكردية والحزب الشيوعي ، فقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مصطفى البارزاني ،كانت قد أصيبت هي الأخرى بخيبة الأمل من سياسة البعثيين فيما يخص تطبيق اتفاقية الحكم الذاتي ،التي حُدد لتنفيذها مدة 4 سنوات .

وبالرغم من قيام حكومة البعث بتعين عدد من الوزراء الكورد في الحكومة ، وإجازة الحزب الديمقراطي الكردستاني ،وتوسيع مجال الدراسة الكردية ،وزيادة البرامج الكردية في إذاعة بغداد وتلفزيون كركوك ، وتشكيل وحدات حرس الحدود من قوات البيشمركة الكوردية ،إلا أن البعثيين قاموا ، وعلى النقيض من ذلك ،بأعمال لا تدل على الإخلاص لمبادئ اتفاق 11 آذار للحكم الذاتي ،فلقد لجأ البعثيون إلى محاولة تعريب محافظة كركوك بإسكان قبائل عربية بغية تغيير طبيعتها الديمغرافية ، كما شجعوا المواطنين العرب من مختلف أنحاء العراق على السكن في كركوك ،وتعهدوا بمنح كل عائلة توافق على السكن هناك قطعة أرض مجاناً مع منحة مقدارها عشرة آلاف دينار لبناء دار عليها ، كما فعلوا نفس الشيء في خانقين ،وسنجار والشيخان حيث قاموا بتشييد مجمعات سكنية أطلقوا عليها أسماء عربية لإسكان عشائر عربية فيها .

وفي الوقت نفسه منع البعثيون المواطنين الكورد من بناء دور جديدة ،وحتى ترميم دورهم القديمة ،ووصل الأمر بهم إلى تزوير سجلات النفوس إحصاء عام 957 ، والتي تم الاتفاق على اعتمادها أساساً لإحصاء السكان .

وأخيراً أقدم البعثيون على اقتراف جريمة كبرى بحق الإنسانية بطردهم عشرات الألوف من الأكراد الفيلين من العراق ،ومصادرة أموالهم وأملاكهم ، بحجة كونهم من أصل إيراني .

وهكذا أخذت العلاقات بين الكورد وحكومة البعث تتباعد شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى أقصى درجات التقاطع ، وعدم الثقة في تطبيق البعثيين لاتفاقية آذار ،وبدا للقيادة الكوردية أن البعثيين غير جادين في اتفاقهم ،وأنهم يكسبون الوقت لتثبيت حكمهم ،وتوجيه ضربة جديدة للحركة الكوردية ،وجاءت محاولة اغتيال زعيم الحركة الكوردية [ مصطفى البارزاني ]عام 971 ،لتهدم كل الجسور التي بناها الطرفان في 11 آذار 970 .

ولهذه الأسباب ،اعتبرت القيادة الكوردية أن دخول الحزب الشيوعي في جبهة مع حزب البعث ،في ذلك الوقت ضربة موجهة لهم ،وأخذوا يوجهون اللوم والانتقاد للحزب ،وتطور النقد على صفحات جريدة الحزب الرسمية [ خه بات ] في حين راح الحزب الشيوعي يحث القيادة الكردية على الانضمام للجبهة ،والنضال من خلالها ، إلا أن جهوده لم تثمر في هذا الاتجاه ،بل على العكس توترت العلاقات بينهما إلى درجة خطيرة ،وتصاعدت بسرعة إلى حد التصادم المسلح بين الحزبين في كردستان ، وشنت صحافة الحزبين حملات إعلامية ساخنة على بعضها البعض ،ووصل الأمر إلى قتل 12 من كوادر الحزب الشيوعي في منطقة زاخو ، مما صعد الصراع بين الطرفين ، ولعب حزب البعث دوراً كبيراً في إذكاء الصراع ، وتسعير نيران الاشتباكات بين الطرفين في كردستان .

وفي آذار 1974 قام عملاء السلطة بتفجير سلسلة من القنابل في مدينة أربيل ، مما جعل إمكانية تلاقي القيادة الكردية وحكومة البعث بعيد المنال .

وعند انتهاء فترة السنوات الأربع المحددة لتطبيق الحكم الذاتي ،كان التباعد في وجهات نظر الطرفين حول تطبيق اتفاقية 11 آذار قد تباعدت كثيراً ،وأصرّ البعثيون على تطبيقها بالشكل الذي يريدونه هم ،ورفضت القيادة الكوردية فرض الحلول البعثية ،ولجأت إلى حمل السلاح مرة أخرى .

بدأ القتال من جديد ،وشن الجيش حرب إبادة ضد الشعب الكوردي ،مستخدماً الطائرات والدبابات والصواريخ ،وكل الوسائل العسكرية المتاحة لديه،فدمروا مئات القرى ،وشردوا مئات الألوف من أبناء الشعب الكردي ،إضافة إلى عشرات الألوف من الضحايا . ففي إحدى الغارات الجوية على مدينة [ قلعه دز ] في 24 نيسان 974 قتل 134 مواطنا كردياً وأصيب 170 آخرين بجراح، وبسبب الغارات الجوية المتواصلة على كوردستان اضطر مئات الألوف من السكان إلى اللجوء إلى إيران ،فيما ألقت قوات الحكومة القبض على المئات من الكورد وجرى تعذيبهم وإعدام الكثير منهم.

دفعت تلك السياسة العنصرية الشوفينية القيادة الكوردية إلى التعاون والتنسيق مع أمريكا وإيران ،وانهالت عليهم الأسلحة والمعدات والتموين ،وجرى علاج جرحى البيشمركة في المستشفيات الإيرانية ،وقد أدى ذلك إلى اشتداد ضراوة القتال في كردستان ،ووقف الاتحاد السوفيتي إلى جانب الحكومة في صراعها مع الأكراد .

لم تستطع حكومة البعث القضاء على الحركة الكوردية إلا بعد توقيع صدام حسين وشاه إيران اتفاقية الجزائر في 16 آذار 1975 ، وقدم صدام حسين الكثير من التنازلات لشاه إيران لكي يرفع يده عن الحركة الكوردية التي انهارت بسرعة مذهلة بعد توقيع الاتفاق بأيام ،واستسلمت معظم قوات البيشمركة لقوات الجيش ملقية سلاحها ،وهربت القيادة الكوردية إلى إيران ،وقامت حكومة البعث بنفي الألوف من أبناء الشعب الكوردي إلى المناطق الجنوبية من العراق وفي الصحراء!! ،وأفرغت مناطق الحدود من الوجود الكردي ،وجمعت المواطنين الكورد في مجمعات سكنية إجبارية ، وهدمت جميع القرى القريبة من الحدود الإيرانية والتركية ،وكذلك جميع القرى المحيطة بمدينة كركوك ،ولقد شاهدت بأم عيني تلك القرى المحيطة بكركوك ،وقد بدت وكأن هزة أرضية شديدة ضربت المنطقة ، وتركت القرى الكردية أكواما من الأحجار .

كما زج البعثيون بعشرات الآلاف من المواطنين الكورد في السجون ،وجرى إعدام المئات منهم ،ومات في أقبية التعذيب ،في مديرية الأمن العامة ، وزنزانات هيئة التحقيق الخاصة في كركوك والموصل ودهوك والسليمانية وأربيل المئات منهم . وتحول الألوف من الشعب الكوردي من عناصر منتجة إلى عناصر مستهلكة بعد أن تركت مزارعها ومواشيها ، وانهار اقتصاد كردستان .

لم يهدأ الشعب الكوردي على الضيم الذي ألحقه البعثيون بهم ، فلم يكد يمضِ عام واحد على انهيار الحركة الكردية عام 975 حتى بادروا إلى حمل السلاح من جديد ضد سلطة البعث ،وشن البعثيون حرباً جديدة في كردستان بشراسة منقطعة النظير.

لقد كان من نتائج التصادم بين الحزب الشيوعي والقيادة الكوردية أن خسر الحزب الشيوعي أغلب مواقعه في كردستان ،حيث قامت القيادة الكردية بتصفية نفوذ الحزب هناك بقوة السلاح .



نهاية الجبهة الوطنية :



لم يكد البعثيون يصفون الحركة الكردية ، بعد تفاهمهم مع شاه إيران ،وعقد اتفاقية الجزائر ،حتى بدءوا يشعرون أن مراكزهم في السلطة قد أصبحت قوية ،وراحوا يتصرفون وكأن الجبهة غير موجودة ،وتوضح هدفهم الحقيقي من قيام الجبهة ولم يتحملوا وجود شريك لهم في السلطة ،حتى ولو كان ضعيفاً ،بل لم يتحملوا حتى صدور صحيفة علنية للحزب الشيوعي ،أو القيام بنشاط جماهيري للحزب وهم الذين جاءوا بالأساس يوم 8 شباط 963،وعند عودتهم إلى الحكم في عام 968 ،لتصفية الحركة الشيوعية في العراق .

لقد بدأت المضايقات والاعتقالات تتصاعد ضد أعضاء الحزب ،وجرى اغتيال العديد من قادته ،وكوادره ،عن طريق الصدم أو الدهس بالسيارات،أو إطلاق الرصاص ، مدعين بأنها حوادث مؤسفة !!! وتقيّد ضد مجهول !! وكان من بين القياديين الذين استشهدوا بهذه الطريقة كل من ستار خضير ،ومحمد الخضري ،ومحمود مفيد ، كما بدأت صحف البعث تتعرض للحزب الشيوعي وتوجه حملاتها ضده ،وأصبح الحزب أمام وضع صعب للغاية ،وكانت اللقاءات بين الحزبين تدور كلها تقريباً حول التجاوزات التي يعاني منها رفاق الحزب ،ولم تعد الجبهة سوى حبراً على ورق .

أدرك الحزب الشيوعي بعد فوات الآوان أن هناك مخططاً بعثياً لتوجيه ضربة جديدة ،وموجعة له ،وبدأ يرتب أوضاعه للعودة إلى العمل السري ، وتشديد الصيانة ، وخاصة بالنسبة للقيادة والكادر ،وغادر العديد من قادة الحزب العراق هرباً من بطش البعثيين بعد أن تأكد لهم أن الحملة البعثية ضد الحزب قد باتت وشيكة !! .

وحدث الذي كان بالحسبان ،وشنّ البعثيون عام 1978 حملة واسعة النطاق لاعتقال ما أمكن من قيادات وكوادر الحزب وأعضائه في كافة أنحاء البلاد ،لكن معظم أعضاء القيادة كان قد أفلت من الاعتقال ،وهربت إلى خارج العراق ،واختفى البعض الأخر ليقود الحزب ،في ظل ظروف العمل السري البالغة الصعوبة ، بينما وقع في أيدي البعثيين أعداد كبيرة من أعضاء الحزب ،حيث جرى تعذيبهم بأبشع الأساليب والوسائل لأخذ الاعترافات منهم حول تنظيمات الحزب ،وكان من بين القياديين المعتقلين ،الدكتور [ صفاء الحافظ ] و الدكتور [ صباح الدرة ] ، وعائدة ياسين اللذين أختفى أي اثر لهم منذُ ذلك العام وحتى يومنا هذا ،والمعتقد أنهم قد قضوا تحت التعذيب .

كما قامت السلطات البعثية بكبس مقرات الحزب ،وصحيفته [ طريق الشعب ] ، وصادرت كل الوثائق الموجودة هناك ،كما صادرت مطبعة الحزب ،وجرى جمع كافة الكتب الماركسية ،والتقدمية من الأسواق ،ومن الدور التي داهمتها قوى الأمن وتم إحراقها ،وجرى إعدام العديد من رفاق الحزب ،ومات تحت التعذيب أعداد أخرى ،وزج البعثيون بالسجون بالآلاف من أعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي .

وبعد أن أكمل الفاشيون البعثيون حملتهم ضد الحزب الشيوعي التفتوا إلى حزب الدعوة الإسلامية ،حيث شنوا حملة شعواء ضد أعضاء الحزب ومناصريهم ،وأصدروا قانوناً يحكم بالإعدام على كل من أنتمي لحزب غير مجاز ،وقاموا بتصفية معظم المعتقلين تحت التعذيب بتهمة الانتماء للحزب ،وكان من بين من جرت تصفيتهم ، العلامة البارز الشهيد [ باقر الصدر ] والشهيدة شقيقته بنت الهدى ،وامتلأت السجون والمعتقلات بالشيوعيين وأعضاء ومناصري حزب الدعوة ،وهكذا لم يبقَ حزب سياسي يمارس نشاطه على الساحة سوى حزب البعث ،وبدا الوضع قد استتب لهم وحدهم للانفراد بالساحة ، وبدأوا يتطلعون إلى الهيمنة خارج الحدود بعد أن بنوا قوة عسكرية كبيرة وتسلحوا بمختلف أنواع الأسلحة من الشرق والغرب فأقدموا على مهاجمة إيران مشعلين حرباً ضروساً استمرت 8 سنوات ،وأزهقت أرواح أكثر من مليون إنسان من الطرفين ، واستنفذت كل موارد العراق واحتياطاته من العملة الأجنبية ، بل وأغرقت العراق بالديون بمئات المليارات .

ولكي يخرج النظام البعثي الفاشي من وضعه الاقتصادي المنهار أقدم على جريمة كبرى أخرى بغزوه الكويت وتدميرها ونهب ممتلكاتها العامة والخاصة وذبح أبنائها ، فكانت النتيجة قيام حرب الخليج الثانية التي انتهت كما يعلم الجميع بكارثة كبرى ، وتحطمت أحلام الدكتاتور صدام حسين في بناء إمبراطوريته في الخليج ، وتم سحق الجيش العراقي وتجريده من كل أسلحة الدمار الشامل ، وتم فرض الحصار الظالم على الشعب العراقي دام 12 عاماً ذاق خلالها الأمرين ، ولم يرفع الحصار حتى إسقاط نظام البعث الفاشي في 9 نيسان 2003 على أيدي القوات الأمريكية والبريطانية ، وتخلص الشعب العراقي من أبشع نظام فاشي دموي عرفه العالم طيلة النصف الثاني من القرن العشرين .

عـنـتـر
11-09-2006, 05:10 PM
جزاك الله خير فالح العمره

د.فالح العمره
04-10-2006, 12:11 PM
مرحبا بك يا عنتر ولا هنت

الخديدي
02-04-2007, 07:26 AM
ماشاء الله عليك كنز معرفه اخوي فالح
بس اعتقد ان البعثيين قله قليله
ومتبعه حتي بلد عربي شقيق
تقبل مروري...

د.فالح العمره
04-04-2007, 01:36 PM
مرحبا بك يا الغالي

ولا هنت على حضورك