المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : واقع الانتخابات بين الأمانة والخيانة


ابن ديدحة
29-05-2006, 11:22 AM
من أعظم الأمور التي أمرنا الله عز وجل بها هي الأمانة فقال جل ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (النساء:58) والأمانة شأنها عند الله عظيم وخطر تضييعها جسيم ، فقد سمى الله تبارك المفرط فيها ظالم وجاهل قال تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)
فانظر رعاك الله وتأمل هذه الآية جيدًا ، فهذه المخلوقات العظيمة مع عظمها وقوة خلقها إلا أنها أشفقت أن تحمل هذه الأمانة وتبرأت منها ثم جاء هذا المخلوق الضعيف فالتزمها وحملها فلابد أن يؤديها وإذا فرط فيها فانه مسئول أمام الله عنها .

أخواني الكرام : ألا وإن من تضييع الأمانة هو ايساد الأمر إلى غير أهله كذلك أن تجد الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ، ولم يصل هؤلاء الى ما وصلوا إليه إلا من باب تضييع الأمانة عبر من لا يميز من يستحق الصوت ممن لا يستحق الصوت . وفي هذه الأيام : يطل علينا موسم الانتخابات وما يجره علينا من مخالفات ومحاذير شرعيه وللأسف إنها لكثيرة ، وبما أننا في أولها فنحن نذكر بهذه المخالفات حتى يتجنبها الإنسان ولا يفحم نفسه فيها .

الأمانة والانتخابات

وقد يقول قائل : ما دخل الأمانة في الانتخابات ؟؟ الجواب : بكل اختصار إن إعطاء الإنسان صوته لمن يستحق فهذا من أداء الأمانة وحرمانه من يستحق فهذا من التفريط فيها ، فلابد أن يتقي الإنسان الله عز وجل في اختيار الأصلح والأكفأ.. ومن ظاهره الصدق والأمانة ممن يخدم هذا الدين ويصد عنه شرور الكائدين ، ثم إن قدوم الصالحين وأهل الغيرة على الدين بلا شك يقلل الشر والذي قد ينتج عند عدمهم.

الغيبة

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12) في هذه الآية حرم الله الغيبة وذكر شرها وخطرها ، وما أكثرها في هذه الأيام حتى صارت موسمًا لرواج هذه المعصية ، فاخذ الناس يتطاول بعضهم على بعض بالسب والاستهزاء واللعن بل وحتى القذف ( فلان كذاب - الله يلعنه - فلان يشتري ذمم الناس - فلان منافق .. وهكذا ) ولو سألته لأجابك بقوله ( يقولون ) قال صلى الله عليه وسلم ( بئس مطية الرجل زعموا ) رواه احمد .. فالحسنات التي يجمعها هذا المسلم في سنين تضيع وللأسف في دقائق في مجلس كهذا .. فهل نحن مستغنون عن حسناتنا حتى نبذلها بكل سهولة ؟؟ وما أجمل ما قال الحسن رحمه الله : لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والدي لأنهما أحق الناس بحسناتي .
الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثارًا
ما إن ندمت على سكوتي مرة ولقد ندمت على الكلام مرارًا

حمية الجاهلية

قال تعالى ( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) (الفتح:26) فبين الله تعالى أن من صفات الجاهليين وجود الحمية التي لا تراعي ضوابط الشرع فيها وما أكثر ما نراها في الانتخابات من إيقاد نار الحمية ( فهذا قريب وهذا ابن عم وهذا من الفخذ وهذا من القبيلة ) حتى لو كان هذا القريب ممن لا يعرف بصلاة ولا صلاح فالمهم هو القرابة ، بل تعدى الأمر عند المسلمين وللأسف إلى الطعن في الأنساب فتجد بعضهم ينتقص القبيلة الأخرى والعائلة الأخرى وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم والنياحة ) رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري.

وما النصر إلا من عند الله

إن حصول بعض المحاسن والإيجابيات في وصول بعض الصالحين لا ينسينا أن المتفضل أولاً وأخيرًا هو الله تبارك الله وتعالى ، وما هذا الإنسان إلا سببٌ جعله الله عزوجل لنصرة دينه وإعلاء كلمته .. فلابد أن يضع الإنسان في مخيلته أن النصر والتمكين للدين إنما هو من عند الله عز وجل وليس من فلان المفوه ولا من فلان البليغ ولا من الآخر الوجيه ، ولكن هؤلاء أسباب يحفظ الله تعالى بهم دينه ، نقول هذا الكلام لأن بعض الناس وللأسف صرف قلبه عن الله وأخذ يثني على البشر ونسي المتفضل أولاً وأخيرا هو الله وحده .. قال تعالى ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق: من الآية3

ذو الوجهين

قال صلى الله عليه وسلم : ( من شر الناس ذو الوجهين : الذي يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه ) رواه أبو داود عن أبي هريرة. فتجد البعض يظهر بين الناس بأفضل صورة وأحسن كلام لترويج برنامجه الانتخابي لدغدغة مشاعر المسلمين من المناداة يتبنى القضايا الشرعية وإعادة الأمور إلى نصابها في بعض القضايا التي تهم الأمة ، ثم بعد أن يصل إلى ما يريد نسي كل وعوده وما كأنه قال شيئا من ذلك ونقول لمثل هذا : إذا نسي الناس فرب الناس لا ينسى ونذكر بقول الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (التوبة:119)

البشاعة في الإشاعة

هل سمعت أن فلانا المرشح لم يفعل كذا ؟ أو أن فلانا المرشح فيه كذا وكذا ؟؟ هذه كلمات نسمعها وقت الانتخابات وفي مقار المرشحين وما يدور في الدواوين ، وعلى قول القائل ( يقولون ) فإن هذه الوكالة قد حذر الله تعالى منها بقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6) وقوله تعالى ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) (النور:15) ، وذلك الرجل منهم يلقى الرجل فيقول له بلغني كذا وكذا دون تحقق ، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم من نقل الكلام من غير تثبت لأنه قد يجر المسلم إلى الإثم كما ورد في حديث أبي هريرة مرفوعًا ( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) رواه أبو داود ، فينبغي على المسلم التزام الصمت والتثبت في الكلام .

لعن الله الراشي والمرتشي

الرشوة قتل لكرامة الإنسان وعزته ، فهي استرقاقٌ بعد حرية ، وذل بعد عزة ، ومهانة بعد رفعة ، وبعد هذا كله فالراشي ملعون والمرتشي معلون متوعد بالنار والعياذ بالله ، فهذه المعصية وهذا المنكر أصبح وللأسف يروج له عبر مبررات باطلة وحجج واهية حتى أخذ البعض يسوغ كل هذا الأمر فتارة يسمونها هدية وتارة مساعدة وتارة مكافأة ، ونحن نعلم أن المنكر يبقى منكرًا ولو غيرت أسماؤه ، قال صلى الله عليه وسلم (ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ) رواه احمد وابو داود ، فتغيير اسم الخمر لا يغير من حرمة هذا المنكر شيئا وهكذا الرشوة فتغيير اسمها لا يغير من حقيقتها شيئا .

تعس وانتكس ؟؟

قال صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار و عبد الدرهم و عبد الخميصة إن أعطي رضي و إن لم يعط سخط تعس و انتكس و إذا شيك فلا انتقش ) رواه البخاري عن أبي هريرة ، فكنى هنا صلى الله عليه وسلم عن عباد الدنيا الذين يعبدون المال والثياب والطعام والشراب حتى لو كان ذلك على حساب الدين . فبعض الناس ميزانه في إعطاء صوته لمن يطالب بـ ( علاوة أبناء المتقاعدين - زيادة الرواتب - عدم فرض الرسوم ) ذكر الدنيا وسرد المنافع الدنيوية سردًا ونسي ما هو أهم ألا وهو نصرة دين الله وإعلاء كلمته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه عند الله تبقى وهذه هي التي يُعَزُ بها الدين وتنتشر الفضيلة ويؤدي شكر نعمة الله تعالى .

ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم

قديمًا قالوا ( عش رجبا ترى عجبًا ) فقد سلك كثير من الناس في أيام الانتخابات لاسيما ليوم الانتخاب أو قبله بقليل طرقًا تنم عن الاستهزاء بشعائر الله تعالى وعدم التعظيم لحدوده وحرماته وذلك عبر ما يسمى بالحلف والقسم على إعطاء الصوت لرجل معين أو جعل المصحف أداة لتأكيد القسم ، وهذا من اتخاذ آيات الله هزوًا ومن اتخاذ الرب جل وعلا عرضة لأمور دنيوية تافهة ، فالله شأنه عظيم والحلف به في كل صغيرة وكبيرة ليس من تعظيم الله ولا هو من حفظ اليمين التي أمر الله بها في قوله ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة 89 ، ونذكر إخواننا بقوله تعالى { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } البقرة 224

فتوى مهمة لشراء الاصوات

رقم 35ع / 84
هل يجوز للمرشح نفسه للمجلس النيابي أن يشتري أصوات الناخبين بقصد الفوز في الانتخابات على منافسيه في المنطقة الانتخابية ، وهل يجوز بيع هذه الأصوات من قبل الناخبين إلى المرشحين بمبلغ معين لأجل الإدلاء بأصواتهم إلى المرشحين ؟
فأجابت الهيئة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف : لا يجوز للناخب أخذ مبلغ من المال أو هدية مقابل إدلاءه بصوته لأي مرشح لأن التصويت أمانة بمقتضاها يختار الأكفأ ليقوم بما أسند إليه خير قيام وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، فقيل وما تضييعها ؟ قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) ولذلك فعلى الناخب ان يختار من يعتقد أنه أقوى من غيره وأكثر أمانة ولا يجوز له شرعًا أن يختار الأضعف أو الأقل أمانة لمجرد قرابة أو مصلحة خاصة يحصل عليها منه ، وأن المرشح الذي يقدم هدايا هو راشٍ وغير أمين ويعتبر هذا كافيا لعدم انتخابه... والله أعلم .

أبو مسعود
29-05-2006, 12:30 PM
لبى والله عمرك


لاهنت لاهنت على هذا المقال


تحيتي لك

ابن ديدحة
29-05-2006, 06:26 PM
و لا أنت يا أبو مسعود

فالح العاوي
31-05-2006, 06:16 AM
جزاك الله خير يا ابن ديدحة...

محمد الهتلاني
31-05-2006, 06:20 AM
كلام رائع ما قصرت يا الغالي