المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأنفس التواقه .. ومتاهة اسمها الحب


د.فالح العمره
18-05-2006, 11:12 AM
خلق الحب من الرحمة ، لكنه أقدر ما يعذب من يطوفون حوله ويصلون له ، الشعراء الذين اشتهروا بالحب والغزل غالبا ما انتهت قصصهم بنهايات مأساوية .. فلقد راهنوا على جواد خاسر .

أكان خطأ أن سرت وراء هذا الطارق وأن أستغرق فيه وأشرب منه حتى الثمالة ؟
نعم .. كان أكبر أخطائى .. إن الاسراف فى الحب مدعاة للهوان والذل .
وما أبلغ قول الرافعى : إن الذين يتخضعون للمرأة بالبكاء لها والبكاء عليها أولئك هم الفارغون الذين يقضى الشيطان فى قلوبهم أوقات فراغه .



لم يكن فى حبى الجارف إلا غباء جارف ، فكم من أيام ضاعت وأنا أذكر فيها من دون الله إمرأة !
وتأملت فرأيت أن للمحب مع من أحب أحوال غريبة تقتل أول ما تقتل العقل فيه فتراه يهذى بكلام يظنه الحكمة ويستغرق فى أحلام اليقظة الخائبة مما يجعله مغيبا عن واقعه وعظيم أمره فهو أسير لمأساته التى فاقت عنده جرائم الكفرة ومآسى المسلمين فتراه ينتقل من خاطر إلى آخر حتى ينتهى به المطاف إلى تمنى ما حرم الله .


إن العشق داء عضال أنزل امرأة العزيز من كبرياء الملك إلى ذل عظيم حتى راودت فتاها عن نفسه . ثم هو الذى دفع النسوة إلى تقطيع أيديهن دون أن يشعرن ، فقد خدرهن الهوى .


وتطلعنا سير الشعراء أن قيس أو مجنون ليلى قد ذهب الحب بعقله فاستوحش من الناس وفر إلى الصحراء مستأنسا بحيواناتها حتى هزل جسده وضاع عقله وهو فى عذاب عظيم يعانى نار الشوق والفراق تجلده تباريح الهوى حتى إذا ما عاد له وعيه ما تحدث إلا عمن يهوى ويحب ..

كنت أتأمل هذا الرجل إبان مراهقتى وبفعل المسلسلات والأفلام باكبار واجلال وحب وعطف وكم تمنيت أن ألتاث مثله ليرى فى جنونى أثر الهوى !!
إن ديننا هو دين اليقظة لا دين الهواجس والأحلام .. دين القوة لا دين الوهن ، الكرامة لا الخضوع ، وكل مكارم الأخلاق تلك تختفى مع هكذا حب ، مهما بلغ من عفة ، فدرجة الاستغراق فيه تقضى على كل أثر ايجابى
انظرهم تجدهم نحلت أجسامهم وخفت بريق أعينهم ولو كان لله ما بذلوا ، وقديما قال رجل منهم : لقد تركت بالحى ثلاثين قد خامرهم السل وما بهم من داء إلا الحب !!


وسئل آخر: ممن أنت ؟ قال أنا من قوم إذا أحبوا ماتوا .. فأى خير يرتجى من أمثال هؤلاء .


وما ذكره ابن سينا فى كتابه القانون فى الطب يقدم لنا مثالا عجيبا على درجة الوهن والضعف حينما يتمكن العشق من أفئدة الرجال حين قام بفحص أحد أقارب حاكم هايركانيا حيث كان مريضا بمرض حير الأطباء فطلب بعض الأفراد الذين يعرفون أحياء المدينة معرفة جيدة وطلب منهم ذكر أسماء المدن فى حين وضع ابن سينا يده على نبض المريض وعندما ذكر اسم مدينة معينة شعر بزيادة فى النبض لدى المريض وقال ابن سينا : الآن أنا فى حاجة لبعض من يعرفون كل البيوت والشوارع فى هذه المدينة فجيء بهم له فطلب منهم ذكر أسماء وشوارع هذه المدينة وعندما قاموا بذكر شارع معين وجد زيادة فى الضغط لدى المريض ثم طلب من العارفين بالمدينة ذكر سكان هذا الشارع وعندما ذكر القاطنين فى منزل معين زاد ضغط المريض وهنا قال ابن سينا : هذا الشاب واقع فى حب بنت تسكن فى ذلك المنزل من ذلك الشارع فى ذلك الحى من تلك المدينة .


أرأيتم ما يفعل العشق بأفئدة الرجال وأجسادهم ؟
إنه يخلق أمة منهكة
الباحثون فى سر عظمة الإمام الشهيد حسن البنا لخصوا ذلك فى جملة واحدة .. أفلت من غوائل المرأة فكان رجلا .
الإسلام لا يصادر المشاعر والأحاسيس العذبة إنما يريدها كأنبل ما تكون فى إطار شرعى دونما اسراف .
لا يقمعها بل يهذبها ويوجهها إلى ما هو أسمى وأعلى
إن أصحاب العاطفة الجياشة هم أشد الناس تأثيرا فى الناس ولو كانوا على باطل فما أحوجنا إليهم فى الحق .


استوقفنى فى كتب السير رجل ، نعم الرجل ، والرجولة التى أعنى ليست صفة بقدر ما هى معنى يثير فى النفس المهابة والكمال والفضائل ، هى صبغة الله على بعض عباده حين يخلع عليهم معانيها .
هو عمر ومن كعمر بن عبدالعزيز ؟!!


قليلون هم من يفعلون بالقلب تلك الأفاعيل ويقذفون فيه نار تلك المشاعر العذبة حتى يضطرم القلب بها احتراما
انظروا معى إلى الرجولة فى أروع صورها وأرقى معانيها ، تزوج من فاطمة بنت عبدالملك بن مروان خليفة المسلمين ولكى تتضح الصورة أخبركم من فاطمة ، هى أنبل نساء عصرها وأجملهن وأغناهن ، تزوجها خليفة وأباها خليفة وإخوتها الوليد وسليمان وهشام خلفاء ثم أبناء اخوانها بعد ذلك ، فمن من نساء التاريخ كان له من الأصالة والنبل بتلك المقاييس مثلها ؟


أحبها عمر بكل عزمات الحب وقوته .. لكنه كان رجلا
اسمعوا هذه العبارة التى قالتها فاطمة عندما سألها أخوها عنه بعد موته عن أعجب ما رأت منه فقالت : والله ما علمته اغتسل من جنابة أو احتلام منذ ولى الخلافة حتى مات !!

واعتبروا يا أهل الهوى وتفكروا يا أصحاب القمر وتأملوا يأهل الوله والدله والتيم
أبعد هذا الحب يترك كل الحب .. إنها عزمات المقربين وعبقرية عمر الذى صاغ عقل إمرأته ووجهه إلى غاية واحدة وهى الشوق إلى الجنة .
ثم أقرأ عن هذين الزوجين فأرى عجبا ، قدمت إمرأة من أقاصى إيران لتقابله فسألت عن قصره فدلوها فوجدت دار عادية ، ووجدت رجلا يقيم جدارا وبجواره إمرأة تناوله الطين ، فقالت : ألا تحتجبين من هذا الطيان ؟ قالت إنه أمير المؤمنين وكانت التى تناوله الطين بنت الخليفة وزوجة الخليفة وأخت الخلفاء !


ووالله إن هذا لتمام الحب ، الحب الذى يرفع لا الذى يخفض والذى يقرب من الله ويدخل صاحبه الجنة .. حب نبت تحت ظلال (( قد أفلح من زكاها ))
قال لها يوما : أين نحن من ذلك النعيم الذى كنا فيه ؟ قالت أنت اليوم أقدر عليه لو أردته .. وتأملوا فى طبيعة المرأة فهى دائما أرق وأضعف فكأنها تعرض بحالها فيجيبها بخير ترياق لرغباتها : يا فاطمة إن لى نفس تواقة ما أعطيت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه .. تمنيت الإمارة فلما أعطيتها تمنيت الخلافة فلما أعطيتها تمنيت الجنة .
هكذا يصرف خاطرها ويسوس أمانيها إلى غايته الأسمى .. تأملوا لتتعلموا كيف تحبون إذا أحببتم ؟



ونعود إلى الشعراء والمتيمين الذين أبادتهم امرأة وكيف أضاعوا عمرهم خلف سراب ووهم وملئوا صحفهم بأقوال ربما أخرجت صاحبها من صفاء التوحيد إلى عكر الشرك والعياذ بالله
كالهالك الذى قال : وصلك أشهى إلى فؤادى من رحمة الخالق الجليل
معاذ الله فلقد هام فى واد ضلال وهوى .. حتى وان كان عفا فى مشاعره
وما قاله قيس عن ليلاه :
أرانى إذا صليت يممت نحوها بوجهى وإن كان المصلى ورائيا
فلمن كان يصلى ؟ بل جعله الحب ينقم على قضاء الله
فقال : قضاها لغيرى وابتلانى بحبها فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
وكم أرهقوا أرواحهم وأجسامهم فى سبيل أوهامهم فترى جميل يقول
تعلقتها والنفس منى صحيحة فما زال ينمى حب جمل وتضعف
إلى اليوم حتى سل جسمى وشفنى أنكرت من نفسى الذى كنت أعرف
وقيس إذ يقول : إذا ذكرت ليلى بكيت صبابة لتذكارها حتى يبل البكا الخد
فهل بكى لله كما بكى من أجل ليلاه ...؟ !



إنهم قوم أسرفوا حتى صرفوا وغفلوا حتى ضاعوا ولعل الأمة وشبابها لم تبتلى بكارثة كهذا الداء الذى ينخر فى دعائمها ولقد دار بعقلى يوما حال أحدهم فتصورته إنسان ليس له من هم إلا طيف من أحب مستغرق فى أحلام اليقظة يؤلف سيناريوهات عديدة ما بين لقاء وفراق وتضحيات زائفة فهو سهد الليل مؤرقه حتى إذا أذن الفجر كان من النائمين ، فمركز الكون هو عين حبيبته ومحوره رضاها أو سخطها
وقد كان هذا حالى حتى من الله علىّ ، ولك أن تلتمس العذر لانسان كان زاده أشعار المتيمين فهو متنقل بين تراجمهم يتأمل باعجاب صادق آنذاك معاناة من عانى حتى غرنى ذلك وأوضع فى نفسى محاكاتهم فبكائى الآن على وقت ثمين ضائع .


أعزائى .. ما أجل أصحاب الرسالات والأهداف وأقدرهم ، وما أهون أصحاب الخطابات واللقاءات وأصغرهم .. ورحم الله خالدا : لليلة أبيتها فى الجليد أصبح فيها العدو أحب إلىّ من أن يهدى فيها إلىّ عروس أو أبشر فيها بوليد .
إن لله عباد فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحى وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
إذن ما العلاج من الهوى ؟ وكيف الخلاص ؟
لابن القيم كلام رائع عن العشق ( العشق مبادئه سهلة حلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وقتل إن لم تتداركه عناية الله ))
لذا فهؤلاء المتيمين كانوا صادقين فيما قالوا وفعلوا وعانوا لكنهم ما فكروا فى دفع ذلك عنهم وكأنهم سرهم أن يكونوا ضحايا يشفق عليهم ناظرهم ، وعلاج الداء بداية أن يكون لديك الرغبة فى أن تقطع عنك بوادره وموارده فهذا أيسر السبل قبل أن يستغرقك وتعانى سكراته فهو كالإدمان إذا تمكن لا بد للخلاص منه مكابدة آلام مهولة لا حد لها ، خاصة أن فى عصرنا هذا من العسير أن ترى الزواج خاتمة لقصة حب .


هدايا الله لعباده يسبقها قربات منهم وصبر لا استهانات وتساهل فالأصل أن يتعفف الانسان ويحيى من أجل هدف يتناسب مع عظيم انسانيته حتى اذا ما راوده خاطر جعله فى حسابات الحال ومقتضاه ثم يقرر بناء على ذلك أى الطرق تجنبه الزلل



منقووووووووول

فهد بن محسن
18-05-2006, 08:09 PM
الاخ \ فالح العمره

جزاك الله خير على مانقلت وعلى ماكتبت

موضوع قيم .. ويستحق القراءه والتمعن

تحياتي لك اخي الكريم

رفيع المقام
18-05-2006, 09:08 PM
تسلم اخووي فالح العمرة على كلمات المعبرة والجميلة ويعطيك العافية على موضوع ولا هنت

أبو مسعود
19-05-2006, 01:26 AM
لاهنت على ما نقلت اخي الفاضل

تحيتي لشخثك الكريم

سعود الخويطري
19-05-2006, 05:58 AM
سلمت وسلمت يمناك على النقل يابوبدر

فهد ال هادي
20-05-2006, 12:16 AM
سلمت وسلمت يمناك على النقل يابوبدر

د.فالح العمره
03-06-2006, 05:39 PM
يا مرحبا يا بو فيصل ولا هنت على حضورك وما حمل

د.فالح العمره
03-06-2006, 05:40 PM
مرحبا بك يا رفيع المقام ولا هنت على حضورك

د.فالح العمره
03-06-2006, 05:42 PM
ارحب يابو مسعود ولا هنت على حضورك

د.فالح العمره
03-06-2006, 05:43 PM
ارحب يا بو محمد ولا هنت يا السنافي

د.فالح العمره
03-06-2006, 05:44 PM
يا مرحبا بك يا فهد ال هادي ولا هنت على حضورك

أميرة نجد
03-06-2006, 08:40 PM
يا فاطمة إن لى نفس تواقة ما أعطيت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه .. تمنيت الإمارة فلما أعطيتها تمنيت الخلافة فلما أعطيتها تمنيت الجنة .
هكذا يصرف خاطرها ويسوس أمانيها إلى غايته الأسمى .. تأملوا لتتعلموا كيف تحبون إذا أحببتم ؟

عمر بن عبدالعزيز شخصيه رائعه ربما لايوجد من يشبهها الا قلال
ولكن اثق ان استاذنا القدير من احدهم

اخي فالح العمره

لم استمتع قط بموضوع كقرائتي لموضوعك هذا

حفظك الله لنا و لجميع من يحبك

لك مني كل تقدير واحترام

اختك
أمـيـرة نـجـد

مشيط العمره
03-06-2006, 11:19 PM
لا هنت يا بو بدر على هذه الكلمات

د.فالح العمره
04-06-2006, 07:08 PM
مرحبا بك اختي الفاضله اميرة نجد ولا هنتي على الحضور وما حمل

د.فالح العمره
04-06-2006, 07:09 PM
يا مرحبا بك يا بو حمد ولا هنت على حضورك يا الغالي