المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : و رأيت وجهها الاخر


محمد الحويله
22-03-2006, 11:14 PM
كان يوما عاديا من ايام دراستي في المعهد ..
حين رأيتها تدخل علينا على استحياء في القاعه ..
عفواْ استاذه لمياء ... انا الطالبه الجديده في هذه الدوره ... (اروى عبدالله) ... هل يمكنني الدخول ؟؟
نظر اليها الجميع باستغراب ...
الطالبات ... المدرسه ...الكل يفترس في وجهها الغريب ..
لكن كان من الواضح ... انها كانت مستعده لكهذه نظرات ...
ابتلعت المعلمه ريقها بصعوبه و هي تحاول ان تتماسك و تخفي نظرة استغرابها او تخوفها المفاجئ...
حسنأْ ... تفضلي ياا اروى
بقينا ننظر بغباء و كأننا نريد ان نشفي غليلنا من شيئ ما ... نتفرس في الوجه المشوه الغريب ...
كانت تسير بهدوء و ثقه ... بينما أخذت الفتيات يبتعدن بكراسيهن عن طريقها ... و كأنهن يشعرن بشيء من خوف او ريبه من هذه الانسانه المسكينه ...
وقفت تبحث عن مكان تجلس فيه ...
كانت معظم الاماكن مليئه ... لا يوجد سوى مقعدين فارغين فقط ...
حين اقتربت من شيماء لتجلس قربها ... قالت بسرعه ... وعلى وجهها ملامح غريبه تجمع الشعور بالتقزز مع الشفقه مع الخوف من اشياء اخرى ... قالت : هذا الجهاز معطل
كنا نعلم ان الجهاز يعمل ...لكننا سكتنا ...
علمت انها شعرت بأنها غير مرحب بها ...
شعرت بنسمه انسانيه تمر على قلبي ... ضغطت على نفسي و دعوتها تجلس قربي ...
(هذا المكان فارغ تفضلي )
أتت بهدوء ... وحين اقتربت ... شعرت اكثر بمدى غرابة وجهها ...
لكني حاولت تركيز نظري على الجهاز حتى لا انظر اليها ...
في البدايه كنت حين ألتفت فجأة لأنظر اليها ...
اشعر بشيئ من الخوف ...
كانت بلا انف تقريبا و بلا شفتين ..
وعيناها بالكاد تظهران من فتحتين صغيرتين مع تجعدات كثيره على جوانب وجهها ...
وحين انتهى اليوم ... خرجت بهدوء وحدها ...
فبدأت همهمات البنات و اصواتهن الحاده ...
(ياااا الله مسكينه)
(يااا حرام )
لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد ...
اذ بدأ البعض بأبداء مشاعر التقزز و الخوف منها ...
قالت احداهن ..((( صراحه شكلها يخوف , خفت منها مرره ))) (((فعلاْ انا بصراحه لا استطيع التحمل .. انا لم ادفع مالي لحضور دوره مع هكذا نااس )))
سبحان الله !!
قلت لنفسي ... ألهذه الدرجه نتجرد من انسانيتنا احياناا ...


كانت تحاول دائماْ ان تخفي وجهها عنا فتلتفت الى احد الجانبين ..
و كنت احاول بدوري ان اعود نفسي على النظر اليها ..
حتى اتخلص من شعور الصدمه الذي يباغتني كلما التفت نحوها ...

انسحبت شذى من الدوره فهي كما تقول لم تستطع الجلوس في المكان فقد كانت تشعر بالخوف و الرغبه بالبكاء كلما نظرت الى اروى ...

و عرفت ان اقسى الناس قلوبا هم من يدعون أنهم الاكثر " رقه " و حساسيه احيانا ...
البقيه لم يوضحوا اي مشاعر لكن تصرفاتهم كانت جامده جداْ وحذره مع المسكينه ... واحيانا كانوا يفترسون في وجهها حين تتكلم بشكل واضح ...
أما انا فحاولت ان اكون طبيعيه قدر الامكان معها ...
و يوماْ بعد يوم بدأت اعرف الروح الجميله التى في داخلها ...

كانت اروى فنانه بالرسم ...
وحين أبديت لها بعض الاهتمام ..
وجدتها تحظر لي بعض رسوماتها الرائعه التي تكاد تنضح بالحياه ...
كل هذا الجمال في داخلها ... ؟ سالت نفسي .... سبحان الله ...
كانت دقيقه في عملها مرتبه ...
و كانت اسرعنا تعلماْ... و اكثرنا مهاره في الحاسب ...
و ذات يوم سألتها ...
-- في اي مرحله دراسيه انت يا أروى ؟
انا
--ضحكت ثم قالت
ستتفاجئين
--لماذا ؟
لازلت ادرس في الصف الثالث المتوسط ... مسائي

سكت ... فقد كانت بالفعل تبدو على الاقل في المرحله الجامعيه ....
لكنها قطعت تعجبي و قالت ...
تركت الدراسه لمدة سبع سنوات بعد الحادث الذي شوه وجهي ...
شعرت بالرهبه لانها بدأت لاول مرة تتحدث عن هذا الامر ...
لم اعرف ماذا اقول ... لكني ابتسمت و أبديت اهتمامي ... فاخذت توضح ...
" كنت قد انهيت الصف الثاني المتوسط ... وفي اول ايام العطله لصيفيه حدث حريق كبير في بيتنا ...و كنت وحدي في غرفتي ... محاطه بالنيران .."
ابتلعت ريقها و قالت و هي تشير لوجهها و تتحاشى النظر الي ...
" طبعاْ احترق ثلاث ارباع جسمي ... بل انهم حين اخرجوني لم يكن لي وجه ...!
ابتسمت و كأنها قالت نكته ... لتحاول ان تخفف من الشعور بالالم الذي بدا على وجهي...
كانت تمسك بفأرة الحاسب وتحاول ان تشغل نفسها بفتح بعض الملفات و هي تتحدث ..
" مكثت ثلاث سنواتو انا تحت أيدي جراحي التجميل ...اتحمل الالام المبرحه ... القاتله لكي تظهر لي معالم وجه ...! وبعد جهد جهيد ... ظهر هذا الوجه ... و الحمد لله افضل من لا شي ...
استغربت من قوتها ... وكيف تتحدث عن الامر بشكل عادي ... شعرت باعجاب شديد بشخصيتها ...
" في السنوات الثلاثه الاولى كان تفكيري ودعائي منصبا على ان يرحمني الله بالموت ... وأتخلص من الالم القاتل ..الم الحروق ...و ألم فقداني وجههي الذي كان جميلا ...و ألم فقدان قدرتي على الذوق و البلع بسهوله ...على التحسس باصابعي ... ألم فقداني لانوثتي ...
تنهدت و هي تبتسم بمراره ...
"فيما بعد ... بدأت اقتنع شيئاْ فشياْ ان هذا ابتلاء من الله .. وصبرت و احتسبت ... ولكن الالم الاشد الذي بدأ يواجهني .. هو مواجهة الناس ...
انه اشد الالام فتكاْ يا نوره ..ألم لا تتصورينه ..
ألم يحرقني اكثر مما احرقتني النار نفسها ..نظراتهم ...شفقتهم ....تقززهم ...أو استهزائهم أحيانا
تخيلي ان تصرخ فتاة و تقول " انظري انظري المسكينه ... انظري الى وجهها كيف يبدوا ...
و بصوت تعلم جيدا ْ انه يصل لمسمعي .."
شعرت بالخجل الشديد أثناء حديثها ... لان هذا هو ما يحدث بالفعل للاسف الشديد :
" انطويت في بيتي سبع سنوات كامله ... لم اكن اريد ان اخرج لاحد و ان يراني احد
حتى بنات عمي لم اكن اشعر بالراحه من رؤيتهن لي وهمساتهن الواضحه بعد قيامي ...
كنت كمن ينتظر الموت البطيئ ...
فقط اصلي و اقرأ القران ... واشغل وقتي باي شيئ....لكن شاء الله ان تتوفى امي ... رحمها الله ...و هي التي كانت تسندني وتدعمني و تشد من ازري ...توفت و انا في اشد الحاجه اليها ...
فهي التي تغدق علي بالحنان ... و تواسيني و تذكرني برحمة الله ... وهي التي كانت توفر لي ما احتاجه ...
شعرت بالصدمه قويه بعد فراقها ...
اصبحت الدنيا اكثر ألماْ
و انعزلت اكثر في غرفتي فتره ابكي ..
تنهدت بألم و بدا عليها الثأثر و اكملت حديثها
وكأنها لاول مره تتحدث هكذا :
" بعد وفاتها بفتره ... عرفت ان علي ان اتحرك ..ان افعل شيئاْ... ان انفض غبار اليأس و الحزن عني ...فالعزله لن تنفعني ...
ربما كانت امي توفر لي حاجزاْ يحميني من الناس ... لكن بعد ان فقدتها كان علي ان اواجه النس بشكل أو باخر ...
دعوت الله كثيراْ ان يثبتني ويمنحني القوه ...
وبدأت بالخروج شيئاْ فشيئاْ...
عدت بصعوبه لمقاعد الدراسه ...
وبدأت أتعود على نظرات الحمقى و القساة ...احاول ان اعزي نفسي بأن هذا قضاء الله وقدره ....
وعلي أن ارضا به ...و الحمد لله ...
اذا كان الله قد أخذ وجههي في الدنيا فأسال الله ان يمنحني وجهها خيراْ منه في الاخره ..
و اذا كان الله قد اذاقني ألم النار في الدنيا فأسئل الله عز وجل ان يقيني نار الاخره
كنت مبهوره بقصتها و بكلماتها فقلت بهدوء " يااااه ما شاء الله عليك "
فقالت " الدنيا لا تستحق ان نحزن عليها ياا نوره ... و الله لا تستحق ... هذا ما تعلمته
فلا شيئ باق .. جمالك قد يذهب في اي لحضه ... وحياتك كذالك ...
الاهم هو مصيرنا بالاخره ..
و لاول مره رأيت وجهها الاخر وجهاْ جميلا رائعاْ مشرقاْ


تحياتي لكم و ان شاء الله تكون عجبتكم القصه

أبو مسعود
23-03-2006, 03:23 PM
سبحان الله العظيم


يعطيك العافيه على هذه القصه المعبرة


لاهنت

محمد الحويله
24-03-2006, 02:36 AM
شكرا اخوي بو سعود علي مرورك الطيب
تقبل مني اجمل التحيه

المرزوقي
24-03-2006, 08:49 PM
سبحان الله العظيم


والله انها قصة مؤلمه ومئثره ومعبره


اللهم ارحمنا برحمتك يالله



اخي / محمد الحويله


الف شكر لك على هذه القصه

تحيتي لك

محمد الحويله
27-03-2006, 02:26 AM
مشكور يا المرزوقي علي مرورك الطيب
تحياتي لك